رواية جريمة عائلية كامله جميع الفصول بقلم محمود الأمين
_ يا فندم، أنا ابني مختفي من أسبوع وما أعرفش عنه أي حاجة، وجيت وعملت محضر ولحد دلوقتي ابني ما تلاقاش.
= إحنا لقينا ابنِك يا مدام صابرين، وإحنا النهارده مكلمينِك عشان تيجي تتعرّفي عليه.
_ بجد يا باشا؟ طيب هو فين؟
= تعالي معايا.
...
ده كان أصعب موقف مريت بيه، تخيل معايا إنك واخد أم عشان تشوف جثة ابنها. ما قدرتش أقولها في وشها إن إحنا لقينا جثة ابنِك أو أجزاء من الجثة.
ما قدرتش أقولها إن إحنا دلوقتي رايحين المشرحة.
الكلام كان صعب عليّا جداً، لكن أول ما وصلنا قدّام المشرحة الست فهمت، دموعها نزلت على طول. دخلنا المشرحة وطلبت من الراجل يطلع الجثة من التلاجة، والست بمجرد ما شافته وقعت من طولها.
.....
الجزء الأول
أنا المقدم حسن عبد الفتاح، أنا أصلًا من الصعيد لكن شغلي في القاهرة. شغل القاهرة مختلف خالص عن الصعيد، ويمكن ده اللي خلاني حبيت الشغل في القاهرة. كنت لسه واصل في اليوم ده ويا دوب دخلت مكتبي، وعرفت إنه في بلاغ متقدّم في قسم مصر الجديدة من واحدة بتقول إن ابنها اختفى، ولقيت الموضوع بيسند ليا أنا للتحقيق فيه.
نزلت يومها من مكتبي واتحركت على عنوان الست اللي مقدمة البلاغ. كان اسمها الست صابرين، عايشة في شقة أوضتين وصالة دور أرضي. متجوزة بس جوزها مسافر السعودية بقاله سنتين. عندها بنت اسمها ولاء سبع سنين، والولد المختفي سنه 10 سنين.
ودي طبعاً المعلومات اللي عرفتها من التحريات اللي اتعملت عنها. نزلت من عربيتي وخبطت على باب البيت، فتحت الباب ست في آخر التلاتينات، باين عليها الحزن. وسألتني: أنت مين؟
عرفتها بنفسي وطلبت منها إننا لازم نتكلم شوية عشان نقدر نلاقي ابنها. وطبعاً الست رحبت جداً وطلبت مني أدخل وسابت الباب مفتوح لأنها عايشة لوحدها هي وبنتها.
وبدأت أنا الكلام معاها:
_ أنا عاوزِك تهدي يا مدام صابرين، وإن شاء الله هنوصل لابنِك في أقرب وقت. بس في البداية أنا عايز أعرف هو كان فين قبل ما يختفي؟ وهل ليكم عداوات مع حد توصل بيه الدرجة إنه يخطف ابنِك؟
= هو كان بيلعب قدام البيت، هو متعود على كده وكنت ببقى مطمنة. لكن في اليوم ده هو خرج واتأخر، ولما خرجت لقيت العيال لسه بتلعب في الشارع بس هو مش فيهم. ولما سألت عليه العيال قالوا إنه قالهم إنه تعب ومش هيقدر يكمل لعب وهيدخل البيت. قلبي وقع، فضلت أدور عليه في الشوارع وخليت كل الجيران تدور معايا، بس كان مافيش فايدة، وعشان كده روّحت وعملت محضر.
ومن ناحية العداوات والمشاكل، ما فيش غير إخوات جوزي، وبالذات أخوه رحيم. هما دايماً كانوا على خلاف مع بعض، بس ما افتكرش إن العداوة ممكن توصل للحد ده.
_ ما فيش حاجة مستحيلة يا مدام. إحنا هندور ورا المعلومات دي، وبإذن الله في أقرب وقت هنلاقي ابنِك. بس هو جوز حضرتِك عرف إن ابنه اتخطف؟
= أيوه، وهو بيجهز دلوقتي إجراءات السفر عشان يجي.
_ تمام يا مدام. بشكرك جداً، وعموماً لو افتكرتي حاجة، ده الكارت بتاعي وفيه كل التليفونات. وعموماً إحنا هنحتاجِك عشان ناخد أقوالك في محضر رسمي.
= ألف شكر يا فندم، مش عارفة أقول لحضرتك إيه والله.
_ ما تقوليش حاجة، وإن شاء الله في أقرب وقت هنلاقيه.
...
خرجت من عند الست صابرين، ورجعت على مكتبي. وقتها دخل عليّا نبيل من البحث الجنائي، وقلتله:
_ ابن حلال، كنت لسه هكلمك.
= خير يا باشا إن شاء الله؟
_ أنا عايز تحريات مفصلة عن الست صابرين وعن عيلة جوزها. عاوز أعرف كل حاجة، وإيه نوع الخلافات اللي ما بينهم. وعاوز الكلام ده يكون جاهز في خلال 24 ساعة.
= رغم إن الوقت قليل جداً يا فندم، بس حاضر هنحاول.
_ ما فيش حاجة اسمها نحاول. التحريات تكون على مكتبي بكره.
= أوامر يا فندم.
...
خرج نبيل من عندي، ولقيت الست صابرين جاية من نفسها عشان ناخد أقوالها في محضر رسمي. وفي آخر الكلام قولتلها:
_ هو حضرتِك بتتهمي عم الولد، الأستاذ رحيم، بالخطف ولا مش عاوزة تتهمي حد؟
= رغم المشاكل اللي بيني وبين جوزي، بس أنا مش عايزة أظلم حد يا باشا. بلاش أتهمه، وممكن يطلع بريء. وموضوع الاتهام ده هيزود المشاكل أكتر ما بيني وما بين جوزي.
_ طيب تعرفي إيه نوع الخلافات اللي بينه وبين جوزِك؟
= في الحقيقة لا. بس الخلافات كانت بينهم من زمان، من قبل ما يتجوزني أصلاً. وأنا ما حبيتش أتدخل في حاجة ما تخصنيش، وده كان رأي جوزي برضه لما حاولت في مرة أسأله.
_ تمام يا ست صابرين، امضي على أقوالِك وامشي.
...
تاني يوم التحريات كانت على مكتبي، واللي كان مكتوب فيها إنه كان في مشاكل ما بين أسامة جوز الست صابرين وإخواته، وخصوصاً رحيم.
الخلافات كلها كانت بسبب الميراث، بس الخلافات دي وقفت من فترة من يوم ما أسامة سافر، وكل واحد كان عايش في حاله، وما حصلش أي مشاكل من أي نوع ما بين إخوات أسامة والست صابرين.
بس في حاجة التحريات لفتت نظري، وهي إن رحيم كان محبوس قبل كده على ذمة قضية بس طالع منها في الآخر، والقضية دي كانت ممارسة دجل وشعوذة.
مش عارف ليه ما كنتش مرتاح لرحيم ده. التحريات اترفعت للنيابة، واللي طلعت استدعاء لأسامة وإخواته. أسامة كان لسه ما وصلش مصر، لكن إخواته كانوا موجودين، وفعلاً راحوا عشان يحضروا تحقيق النيابة. كلهم كان كلامهم عادي ما عدا رحيم اللي اتكلم وقال:
_ يا باشا، مش إحنا اللي نأذي لحمنا ودمنا. أنا عارف إن الولية اللي متجوزها أخويا جابت سيرتنا في المحضر، بس دي ولاية مهفوفة في دماغها وكانت بتتعالج نفسياً قبل ما تتجوز أخويا، وأنا شاكك إنها هي اللي ورا خطف الواد، والله أعلم إذا كان خطف بس.
رد عليه وكيل النيابة وقال:
= قصدك إيه بـ "خطف بس"؟ ممكن توضح كلامك؟
_ يعني ربنا يستر يا باشا وما تكونش عملت فيه حاجة.
= أنت كده بتتهمها بشكل صريح، والاتهام بدون دليل ده يُحسب عليك أنت، مش عليها. خصوصاً إنك مشتبه بيه في القضية.
_ لا يا باشا، أنا مش بتهمها. أنا بس برد على كلامها اللي قالته علينا في المحضر.
= تمام يا أستاذ رحيم.
...
ما كانش في أي دليل ضدهم، وعشان كده النيابة أخلت سبيلهم.
وبعد كام يوم رجع الأستاذ أسامة من السفر، وأول حاجة عملها إنه جه على مكتبي، واتهم أخوه رحيم اتهام صريح إنه هو اللي خطف الواد. بس للأسف ما كانش معاه أي دليل على كلامه. هو كان منفعل وطبعاً خايف على ابنه، لكن ما كانش ينفع نتحرك ونقبض على رحيم من غير دليل.
...
لحد ما فات أسبوع، وقتها جالنا بلاغ من حارس عمارة في منطقة مصر الجديدة. وكان بيقول فيه إن في ريحة صعبة جداً خارجة من الشقة اللي في الدور التاني، وإن الجيران بتشتكي من الريحة دي.
اتحركنا على الشقة، ولما وصلنا طلبنا من البواب، أو من حارس العمارة يعني، يفتح الباب.
ويا ريتُه ما فتح… المنظر جوه كان صعب.
مهما وصفت ومهما قلت، مش هعرف أعبر عن بشاعة المنظر اللي قدامي. سرير صغير من بتاع العمليات، عليه جثة طفل بطنه مشقوقة وما فيهاش أي أعضاء. حتى عينيه ما كانتش موجودة.
المنظر كان صعب جداً والريحة كانت بشعة.
كلمنا طبعاً الطب الشرعي والمعمل الجنائي، وفعلاً وصلوا. طلعت بره للبواب وسألته:
_ هي الشقة دي باسم مين؟ ومين اللي كان قاعد فيها؟
= دي باسم واحد اسمه أسامة، بس كان مأجرها منه الأستاذ عاطف. وده مدرس في المدرسة اللي على أول الشارع، وكان بيدي فيها دروس. بس هو مش باين ليه كام يوم؟
دخلت جوه الشقة تاني، لكن فجأة لمحت حاجة كانت واقعة على الأرض. مسكتها في إيدي وكانت الصدمة…
