رواية قلب السلطة الفصل الواحد والاربعون
دخل شامل البيت بخطوات ثابتة، عيناه مركّزتان على يقين، التي كانت جالسة على الأريكة، تتظاهر بالهدوء، لكن توترها كان واضحًا في قبضتها على الهاتف، وفي رعشة خفيفة على شفتيها.
– "إنتي…!"
صوت شامل خرج حادًا، محاولةً السيطرة على غضبه، لكنه بدا متوتّرًا من الداخل.
– "أيوه… عايز تقول لي إيه؟"
ردّت يقين بصوت هادئ، لكن فيه ثقة مخفية، وابتسامتها الخفيفة لم تُخفِ أي شيء، بل زادت المشهد توتّرًا.
– "نيرفانا قالت لي كل حاجة… قالت إن أدم قال لها إنك إنتي اللي دفعتيه… وإنك السبب في اللي حصل معاها!"
صرخ شامل، عيناه تلمعان بالغضب، كأنه مش قادر يستوعب الكلام.
ارتعشت شفاه يقين، لكنها ردّت بتحدّي كامل:
– "إيه الكلام ده؟ أدم ده كذاب… كل اللي قاله كذب! أنا عمري ما دفعت حد يعمل حاجة غلط… ولا لي أي علاقة بأي حاجة حصلت بين نيرفانا وأدم."
تلاقت نظراتهما، وصمت غرفة الصالون كان يضغط على كل كلمة، حتى صوت الساعة على الحائط بدا أعلى من المعتاد، وكأنه يراقب كل لحظة من المواجهة.
– "يعني… إنتي بتنكري؟!"
صرخ شامل، واضعًا كفه على الطاولة بقوة، كأنه يريد أن يثبت وجوده وسط الفوضى اللي في قلبه.
– "أيوه… أنا بتنكر! كل الكلام اللي قاله أدم مجرد أكاذيب… وده اللي نيرفانا لازم تعرفه. أنا مش جزء من أي لعبة، ولا أنا اللي سببت أي حاجة."
نيرفانا وقفت فجأة، عينها تتوهج بالقوة، وكأنها بدأت تدرك أنها ليست مجرد متفرجة في اللعبة:
– "يعني كل اللي حصل… كان بسبب كذب أدم… مش أي حاجة منك."
شامل أخذ نفسًا عميقًا، محاولًا تهدئة صوته، لكنه لم يستطع إخفاء غضبه تمامًا:
– "تمام… يبقى اللي حصل مش بينا… بس أنا هخلي كل حاجة واضحة. مفيش حد يقدر يضحك على نيرفانا تاني، ولا يجرّحها بكذبه."
ابتسمت يقين ابتسامة خبيثة لم تصل إلى عينيها، واندفعت بالحديث قبل أن يستوعب شامل ما قالته نيرفانا:
تمام يا شامل! طالما نيرفانا مصرّة تصدّق واحد كدّاب زيّ آدم، ده يبقى شأنها هي. بس مش هتعرف تجرّني لدايرة الشك دي. أنا بريئة من كل اللي حصل، ونيتي واضحة قدّام الناس كلها."
رفعت نيرفانا يدها ببطء، في إشارة لوقف حديث يقين، وقالت بنبرة خالية من الانفعال، لكنها أكثر تأثيرًا من أي صراخ:
النية الواضحة مش محتاجة حلفان ولا دفاع يا عمتو . أنا ما جيتش عشان أدور على اعتراف منك. أنا جيت بس عشان أقول إن . زمان كنت بتطعن من ضهري... لكن دلوقتي... الحرب هتبقى وش لوش!"
التفتت إلى شامل الذي كان يقف جامدًا بينهما، وعيناه تعكسان خليطًا من الغضب والريبة.
أونكل شامل ! أنا مش جبتك هنا عشان أحطك في النص. أنا عارفة كويس مين المسؤول عن اللي حصلي ده كله. وإنتَ... مش مضطر تختار بيني وبين أي حد تاني. أنا النهارده قررت إني آخد قراراتي بنفسي، وإني أدافع عن نفسي وكرامتي."
أخذ شامل نفسًا عميقًا، محاولًا تهدئة صوته، لكنه لم يستطع إخفاء غيبة غضبه، التي كانت موجهة بالأساس إلى الموقف كله:
تمام... شكلِك كده بتخططي لحاجة يا نيرفانا. أنا معاكِ، مش كطرف في المشكلة دي، لأ... أنا معاكِ كـ... صديق لوالدك . أنا مش هاسمح لحد يضحك عليكِ تاني، ولا يجرحكِ بأي كدب أو مؤامرات. بس... أنا عايز الحقايق، مش مجرد اتهامات!"
نظرت نيرفانا إلى يقين نظرة أخيرة حاسمة، ثم قالت بهدوء مُتعمّد:
الحقايق هتظهر لوحدها يا أونكل شامل. المهم دلوقتي إني مبقتش مجرد ضحية مستنية العدل.
ابتسمت يقين بابتسامة خبيثة باردة، وكأنها ترى في كلام نيرفانا مجرد تهديد فارغ، لكن نيرفانا شعرت بالقوة تسري في عروقها. قوة أنها لم تعد وحدها في المواجهة، وأن قلب السلطة قد بدأ في النبض من جديد.
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
ظلت نيرفانا ثابتة في مكانها بعد أن ألقت بكلماتها الأخيرة، عيناها لا تفارقان يقين التي احتفظت بابتسامتها الباردة. كان الجو مشحونًا بالصراع غير المعلن.
انتظر شامل لحظة، يحاول أن يستوعب التغيير الجذري في نبرة نيرفانا وفي دورها الجديد كـ "مُدافِع" عن نفسها.
شامل: (بصوت يجمع بين الحزم والأبوة) "كل خطوة جاية... هتكون خطوتك إنتِ؟ إيه معنى الكلام ده يا نيرفانا؟"
نيرفانا: (بصوت هادئ ومُتعمَّد) "معناه إن أي حد هيحاول يوقعني تاني... هياخد الضربة مني مباشرة. أنا مبقتش بنت الست عشر سنة اللي ممكن يتضحك عليها بكلمتين يا أونكل شامل. واللي فات مات، واللعبة اللي جاية، أنا اللي بحط قواعدها."
تنهدت يقين بصوت عالٍ، مصطنعة الملل، ثم التفتت إلى شامل:
يقين: "أنا مش فاهمة إيه الدراما دي كلها يا شامل. كدبة آدم ليها تفسير واحد: إنه خايف على نفسه بعد ما نيرفانا واجهته. وكلام نيرفانا ده كله... مجرد رد فعل طبيعي لواحدة مريضة ومش مستوعبة اللي بيحصل حواليها. أنا داخله أنام، عشان مبقاش جزء من المسرحية دي."
بدأت يقين تتحرك نحو الدرج بصوت حذائها العالي الذي كان محاولة لإلغاء وجود نيرفانا بالكامل.
نيرفانا: (بصوت يرتفع قليلاً، يخترق صمت الغرفة) "نامي يا عمتو . بس نامي وعارفة إن بكرة مش زي إمبارح."
توقفت يقين عند منتصف الدرج للحظة، لم تلتفت، لكن كتفيها اهتزا اهتزازة خفيفة عكست الغضب المكبوت، ثم أكملت صعودها.
ظل شامل ونيرفانا بمفردهما.
شامل: (تنهد بعمق، ثم اقترب من نيرفانا) "بصي يا بنتي... أنا دلوقتي في موقف صعب أوي. أنا مصدق إنك اتأذيتي، ومصدق إن يقين ملهاش دور في الموضوع... بس الموضوع ده مش هيخلص بكلمتين هنا. إيه هي الخطوة اللي بتتكلمي عنها؟ إيه الدليل اللي معاكِ؟"
نيرفانا: (نظرت في عيني شامل مباشرة، بثقة لم تكن مصطنعة) "الدليل لسه بيتجمع، بس النوايا اتفهمت. أنا مش هستنى الدليل عشان أبدا أتحرك يا أونكل شامل. أنا هأعمل حاجة تخلي عمتو تيجي هي اللي تدور على الدليل بتاعي."
شامل: "إيه هي الحاجة دي؟ إنتي بتقلقيني بجد."
نيرفانا: "أنا هنزل الشغل في الشركة مع بابي ومش أي شغل... هابدا من أول الإدارة اللي كانت ماسكاها يقين. مش هاسيبها في ضلها تاني."
شعر شامل بالصدمة. كانت نيرفانا تقسم انها لم تلتحق بالعمل منذ صغرها بسبب الضغوط النفسية التي ترى عليها والدها رائد
شامل: "إنتي بتقولي إيه؟ إنتي عمرك ما فكرتي في كدة ، وإدارة يقين معدتش نافعه و سابتها من زمان من ساعه ما ابوكي طردها و محدش من يومها بيعرف يدخلها... انتي كدة هتتعبي وهتتأذي أكتر."
نيرفانا: "أنا مش هأتأذى غير لو فضلت قاعدة في البيت مستنية المصايب تجيلي. الشغل ده هو قلب السلطة اللي بيتحكم فيه الكل. وهي... هي كانت قلب السلطة في الشركة. لازم أكون قصادها مباشرة، عشان متفكرش إنها نجحت وخلصت مني."
وضع شامل يده على جبهته، يشعر بثقل القرار. كان يعلم مدى عناد نيرفانا عندما تتخذ قراراً، لكنه يخشى عليها حقًا.
شامل: "تمام يا نيرفانا. أنا مش هأقدر أمنعك. بس أنا عايزك توعديني... أي حاجة محتاجاها، أي دعم... أنا موجود. ولو حسيتي للحظة إنك بتتأذي، ترجعي وتقولي لي."
نيرفانا: (ابتسمت ابتسامة خفيفة، لكنها كانت صادقة هذه المرة) "أوعدك يا أونكل شامل. أنا مش هأعمل حاجة تخليك تندم إنك وثقت فيا.و بعدين مش ناسية الاجتماع اللي وصتني اجبلك معلومات عنه .
-------
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
أومأ شامل برأسه، ثم انسحب ليتركها، وعقله مشغول بالتغير المفاجئ في ابنة صديقه. استغرب هذا الإصرار الذي رأى فيه قوة رائد (والدها) ممزوجة بضعف نيرفانا السابق، وهو ما قد يجعلها عرضة للكسر مجددًا. لكنه وثق في حدسها.
في تلك الليلة، لم تستطع نيرفانا النوم. كانت تُخطط في إقناع والدها بالعمل. كان التحدي ليس في العمل بحد ذاته، بل في رائد نفسه، الذي كان يرى في أي ضغط عليها سبباً لتعقيد حالتها النفسية.
انتظرت نيرفانا حتى خيّم الصمت التام على المنزل. كانت الساعة تشير إلى ما بعد منتصف الليل بقليل. تسللت نيرفانا من غرفتها ببطء، حريصة على ألا يصدر عنها أي صوت. كان هدفها واضحاً: مكتب والدها رائد.
كان المكتب في الجناح البعيد من المنزل، حيث يحتفظ رائد بأكثر ملفاته سرية. لم تكن نيرفانا تنوي الدخول أو العبث بالملفات، بل كانت تتذكر الاجتماع الذي وصاها شامل أن تجمع له معلومات عنه.
وصلت إلى باب المكتب المغلق. سمعت من الداخل أصوات همسات خافتة، وليست أصواتاً مباشرة. هذا يعني أن والدها رائد لم يكن بمفرده، أو أنه كان يجري مكالمة هاتفية عبر سبيكر خارجي.
تذكرت نيرفانا كلام شامل عن أن الاجتماع كان بالغ الأهمية، ويتعلق بصفقات كبرى.
توقفت نيرفانا للحظة أمام الباب. شعرت بالخوف يلامسها، لكن إصرارها على كسب هذه "اللعبة" كان أكبر. ألصقت أذنها بالباب الخشبي الثقيل، محاولة التقاط الكلمات المتقطعة:
صوت رائد (مكتوم): "... أيوه... لازم الصفقة تخلص قبل نهاية الشهر. مفيش تأخير. واللي هيعترض......"
صوت آخر (أجنبي ومتقطع): "...
... يقين..."
لم تستطع نيرفانا التقاط المزيد، فالصوت كان خافتاً ومبعثراً بين الفرنسية والعربية. لكن ذكر اسم يقين في مكالمة سرية مع والدها في هذا الوقت المتأخر أشعل شرارة قوية في ذهنها.
نيرفانا (تهمس لنفسها): "أكيد ليها علاقة... بس إيه هي؟"
انفجعت نيرفانا حين سمعت صوت حركة الكرسي في الداخل، وكأن رائد على وشك إنهاء المكالمة. ابتعدت بسرعة عن الباب، وعادت أدراجها تتسلل كظل في الظلام، متوجهة نحو غرفتها.
عندما وصلت إلى سريرها، كانت تتنفس بصعوبة. لم تحصل على معلومات شاملة، لكنها حصلت على الخيط الذي يربط رائد بـ يقين في شيء سري يتعلق بـ "الصفقة". هذا كان كافيًا لتُثبت لنفسها أن قرارها للعمل هو القرار الصحيح.
أمسكت هاتفها وكتبت رسالة فورية إلى شامل:
نيرفانا: "أونكل شامل... الاجتماع اللي سألتني عنه... سمعت منه كلام متقطع. فيه صفقة مهمة لازم تخلص بسرعة. والأهم... سمعت اسم يقين في نص الكلام."
لم تنتظر نيرفانا رداً من شامل، فقد كانت تعلم أنه لن يراه قبل الصباح.
اليوم التالي:
في الصباح، كانت نيرفانا أول من جلس على طاولة الإفطار. كان والدها رائد يجلس خلف صحيفة ضخمة. كانت نيرفانا تشعر بالتوتر، لكنها حافظت على هدوئها المُصطنع.
نيرفانا: "بابي... أنا عايزة انزل الشغل في الشركة."
توقفت حركة الصحيفة فجأة، ثم أنزلها رائد ببطء، عيناه تحملقان فيها بذهول:
رائد: (بصوت حاد) "إيه الكلام اللي بتقوليه ده؟ شغل إيه؟ أنت مش قولتي عمرى ما افكر اشتغل معاك .
نيرفانا: "أنا مش زى زمان يا بابي، أنا زهقت من البيت و المدرسة والراحة السلبية دي. أنا عايزة أنزل أشتغل، عايزة أحس إني بعمل حاجة ليها قيمة."
رائد: "قيمة إيه يا نيرفانا؟ إنتي عارفة إن الشغل ده ضغط عليكي. إنتي لسه صغيرة على الهم ده."
نيرفانا: "أنا مبقتش بنت الستاشر سنة يا بابي. أنا دلوقتي بعرف أتخذ قرار وأتحمل مسؤوليته. ولو مش هتدخلني الشغل، هدور على أي شغل تاني بره الشركة."
نظر رائد إليها بتمعن. رأى في عينها تصميمًا جديدًا لم يعهده. هذا الإصرار الذي كان يخافه هو الإصرار الذي يحترمه أيضاً.
رائد: "طيب... لو ده قرارك. بس أنا مش هأخليكي تبدأي من تحت. هتبقي مساعدتي الخاصة، عشان أكون قريب منك وأتابع شغلك بنفسي."
هزّت نيرفانا رأسها ببطء، رغم أن هذا كان عكس خطتها بالدخول لإدارة يقين السابقة. لكنها أدركت أن هذا القرب من رائد قد يكون أفضل للحصول على المعلومات.
نيرفانا: "تمام يا بابي. أنا موافقة."
في تلك اللحظة، رنّ هاتفه على الطاولة. رائد نظر إلى الاسم، ثم نظر إلى نيرفانا بنظرة تحمل شكًا خفيفًا.
رائد: "ده شامل... انتي كلمتيه في الموضوع ده ؟"
نفت نيرفانا بسرعة: "لأ... يمكن بيكلمك في موضوع تاني."
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
.رد رائد على الهاتف، ثم قال بنبرة جادة: "ألو يا شامل... صباح الخير."
كانت نيرفانا تستمع لكل كلمة بحذر.
رائد: (يستمع إلى شامل، ثم يجيب ببرود) "آه... نيرفانا كلمتني الصبح وطلبت تنزل الشغل. لأ، هتكون معايا أنا، مش في إدارة حد. هي محتاجة تكون تحت عيني... بصراحة، هي مصممة، وأنا مش هأقدر أكسر بخاطرها. إيه... لا، مفيش حاجة تقلق، هي بس محتاجة تغير جو. إيه هي الصفقة اللي بتقول عليها؟... لا يا شامل، دي تفاصيل شغل ومش وقته... تمام... أشوفك على خير."
أغلق رائد الهاتف، ونظر إلى نيرفانا بنظرة ثاقبة لم تفهمها. هل نيرفانا تكذب عليه فأراد توقيعها
رائد: "شامل بيقول إنك كلمتيه امبارح... أنا عايز أعرف إيه اللي خلاكِ تقولي له كلام عن صفقة وعن يقين؟"
نيرفانا: (بثقة زائفة) "أبداً يا بابي، أنا ما كلمتوش. يمكن هو بس قلقان عليا. المهم دلوقتي... إمتى هبدأ الشغل؟"
أومأ رائد برأسه بتفكير عميق، ثم قرر أن يتجاهل رسالة شامل في الوقت الحالي، متيقناً أن نيرفانا لا تزال تتأثر بالأحداث الأخيرة.
رائد: "هتبدأي النهاردة. دلوقتي طالما عندك إجازة من المدرسة . يالا قومي جهزي نفسك."
لم تنتظر نيرفانا لحظة أخرى. كانت تعرف أن عودتها للعمل، حتى لو كانت مساعدة لوالدها، هي الخطوة الأولى نحو قلب السلطة.
كان اليوم الأول في الشركة طويلاً وشاقاً. لم تكن الصعوبة في المهام، بل في نظرات الموظفين المتعاطفة أو الفضولية، وفي وجودها المستمر تحت رقابة رائد الصارمة.
و ما أن خرجت من الشركة حيث كانت تقطع طريقها نحو إحدى السناتر حيث هاتفها إحدى صديقاتها تبلغها بحضور درس مهم و لكنه كان الفخ المنصوب لها و هو اعتراض ادم لها في منتصف الطريق
كانت نيرفانا تمشي على الرصيف، خطواتها متثاقلة، قلبها مثقل بالخيبة، ومخالب الحزن تمزّق صدرها بلا رحمة. لم تكن تعلم أنّه في الجهة المقابلة، يراقبها شخص واحد، قلبه مليء بالغضب والشك، وعيناه لا تفوّت أي حركة.
فجأة، ظهر آدم أمامها، وكأنّ الريح حملته، وقفت أمامها دون أي مقدمات، صوته جهوري، فيه حدة لا تُخفي الاستياء:
– "نيرفانا!"
توقفت مفزوعة، وعينيها تتسعان:
– "آدم؟ إيه اللي جابك هنا؟"
لم يبتسم، ولم يخفِ غضبه، بل اقترب منها خطوات حاسمة، ونبرة صوته ارتفعت بالاتهام المباشر:
– "إنتي بتعملي إيه؟! نزلتي الشركة علشان تمسكي ممسك علي عمتك يقين بعد ما أنكرت انها اللي دفعتني اني اعمل معاكي كدة ؟
تلعثمت، حاولت أن تبرر نفسها:
– "آدم... اسمعني... ده مش اللي انتي فاكراه..."
لكنّه قاطعها بصوت مرتفع، فيه غضب مُخنوق:
– "مش هسكتلك!
نيرفانا شعرت بوخز في صدرها، كأنّ كل سر دفين ينهار فجأة. ولمّا رفعت عينيها، كانت الصدمة أكبر: هناك، خلف آدم، يقف أوس، عينيه تتلألأ بالدهشة، يراقب المشهد بصمت، لا يعرف ماذا يفعل بعد.
نيرفانا وقفت مذهولة، والدهشة تعتصر وجهها، وهي ترى اوس يقترب منها، عيناه تبحثان عن الحقيقة، لكنه لم ينطق بكلمة، كأنّه يستوعب المفاجأة بنفسه، والصمت بينهما أثقل من أي كلمات.
في لحظة، أدركت أنّ السر بدأ يتهالك أمام أعينهم جميعًا، وأنّ كل خطوة قادمة ستكون محفوفة بالخطر والخيانة، وأنّ عالمها كله قد تغيّر في لحظة واحدة.
رُعب نيرفانا ارتسم على وجهها، وقلبها ارتجف.
أخذ اوس خطوة إلى الوراء، وأشار إليها بعينٍ مليئة بالتهديد:
– "اسمعيني كويس... لو أبوي اتعرض لأي حاجة، أو أي حد من عيلتي، تعرفي إيه اللي هيحصل؟! هفضحك قدام الكل... هفضحك إنك غلطتي مع ادم ايه ! فهمتي؟"
تنفست نيرفانا بصعوبة، تحاول جمع كلماتها:
– "اوس ... أنا..."
لكنّه لم يكمل كلامها، نظر إليها بجمود، ثم أدار ظهره بسرعة، خطواته تملأ المكان بغضب مكبوت، حتى اختفى بين الزحام، تاركًا وراءه قلبها ينهار وخوف يلتهم كل ما تبقى من شعور بالأمان.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
كانت نيرفانا تصعد سلالم المنزل بخطوات متثاقلة، تحارب وجيب الخذلان الذي تركه أوس برحيله البارد. كانت تقول في سرّها "أنا مش ضعيفة"، محاولة يائسة لترميم روحها قبل أن تواجه ضغط الشركة صباح اليوم التالي.
صوتٌ جَهوريٌ مُباغت قطع سكون الرواق:
– "نيرفانا!" انتي جيتي بدرى من السنتر انا قلت هطولي
استدارت نيرفانا على الفور، وقد خرج صوت أبيها رائد من حيث لم تكن تتوقع، فأجفلت، قبل أن تردّ بنبرة متهدّجة:
– "دادي! ... في حاجة؟" أصل انا تعبانة جدا و مقدرتش اروح .
كان يقف عند طرف السلم، مرفوع الرأس، تطلّ من عينيه نظرة غامضة، متفحّصة، لا توحي بشيء واضح، لا غضبًا ولا رضا، مجرّد جمادٍ يُقلّب الأمور في داخله بصمت.
لكنّ عينيها كانتا قد بدأت تبرقانا.. كما لو باغتتها موجة أسى دفينة، لم تكن تتوقّع أن تهجم الآن. كانت تتألم... نعم، ولكن بصمتٍ يحترق من الداخل.
سألها رائد بهدوء مريب:
– "إنتي كويسة يا نيرفانا؟"تعبانة مالك اجبلك دكتور ؟
نظرت إليه، عيناها معلّقتان بعينيه، وأطبقت شفتيها بقوة، في محاولة بائسة لكبح الدموع التي تهدّدت بالانفجار في أية لحظة.
– "دادي...!" تمتمت بصوتٍ مكسور، مبحوح، أقرب للبكاء منه للكلام.
لم يُعلّق رائد، ظلّ يرمقها بتأنٍ، حافظًا على سكونه وبروده المعهود، بينما كانت هي تتآكل من الداخل، توشك على الانهيار.
وفجأة... انهار سدّ الصمت.
انفجرت باكية وانطلقت نحوه كالسهم، اصطدمت رأسها بصدره العريض، ولفّت ذراعيها حول خصره، تشهق بمرارة تكاد تذيب الهواء حولها:
– "أنا مش عايزة أوس خلاص ... أنا مش عايزة أكمل معاه! بلييييز كلمه... قوله نيرفانا مش عايزة تشوفك تاني خالص... قوله مايكلمنيش أبدًا... بليييييز دادي خليه يبعد عني!"و انت كمان يا دادى ابعد عنه و عن عائلته و بليز بلاش تأذى حد فيهم انا خلاص عرفت انه مش مناسب ليا .و خلاص ده موضوع نقفله خالص للابد أنا مبقتش عايزة راجل في حياتي غيرك و هفضل عائشة معاك انتي و مس ليلي و البيبي اللي هتجيبه بليز خلي حياتنا هادئة بقي انا و الله تعبت حاسة اني بظلم نفسي و بظلم الكل معايا
تشنّج جسدها بين ذراعيه، لم يحرّك ساكنًا، ولم يُبادلها العناق، بل بقي ساكنًا، كأنّه حجرٌ صلب يتلقى ما فيه الكفاية من الألم دون أن يسمح له بالمرور. لم يُهدّئها، لم يهمس بكلمة، فقط... انتظر.
انتظرها حتى أفرغت ما بها، وهدأت أنفاسها، وخمد نشيجها الحارق. أما هي، فلم تجرؤ على النظر إليه، وظلت تتشبّث بثيابه، ودموعها تنساب على خديها في وجلٍ وخزي، كمن كشف وجهه للريح، وترك جرحه عاريًا.
أخيرًا، تحدّث:
– "تعالي يا نيرفانا... تعالي، عايز أتكلم معاكي شوية."و بلاش تقاطعيني اللي هقوله ده كل لراحتك النهاردة و بكره و بعدين مسمعش و لا كلمة اعتراض انتي لسه صغيرة و مش فاهمة الدنيا دى ماشية ازاي انا لولا أني وحش كان فاتني متاكل من زمان و انتي كمان معايا .
قالها وهو ينفلت من بين ذراعيها، ويتّجه بخطوات واثقة نحو غرفة مكتبه. بقيت هي في مكانها لحظات، كأنّ قدميها التصقتا بالأرض. شعرت بتوترٍ غريب... لم تكن تعرف على ماذا ينوي، ولا إلى أين يقود هذا الحوار. ابتلعت ريقها ببطء، ثم لحقت به بخطى آلية.
عندما دخلت، كان يجلس على الأريكة الجلدية، وأمامه على الطاولة بعض الأوراق والملفات، يمسك بورقة محددة، يتأمّلها بتركيز.
لم ينظر إليها، واكتفى بأن قال بصوت خفيض وهو ما زال يتابع الورقة:
– "تعالي... واقفلي الباب وراكي."و علي فكرة مفيش حد هيسمعنا و لو الكلام اللي ما بينا وصل لحد هيبقي بسبب سذاجتك لأن ليلي فوق ملهية بتعبها و يقين خرجت و مش هترجع غير بليل .
أغلقت الباب بإذعان، ثم تقدّمت نحوه، تقلب عينيها بينه وبين الأوراق، عبوسها يزداد غرابة وتوجّسًا.
بعد لحظة، رفع عينيه إليها، وقال بلهجة آمرة:
– "اقعدي."و اسمعيني كويس و لا كلمة منك انتي بالنسبة ليا مش بنتي انتي سلطتي .
جلست على المقعد المقابل، تُكابد اختناقًا في صدرها، وهمست بصوتٍ مبحوح:
– "دادي... إنت مش عايز تسألني إيه اللي حصل؟"و ايه اللي خلاني اطلب منك تبعد عن أوس
لكنه تجاهل سؤالها عامدًا، وقال بنبرة هادئة لكنها تحمل وقعًا حادًا:
– "أنا عايزك تسمعي الكلام اللي هقوله دلوقتي وتركزي فيه كويس... عشان هتنفذيه بالحرف. فهماني؟"و تفهمي قصدى و تفهميني كويس
أومأت برأسها، وهي تحدّق فيه بتركيز، فتابع، وقد أشعل لنفسه سيجارًا بهدوء:
– "إنتي لسه قايلة مش عايزة اوس؟"عارفه اصلا لو مكنتيش قلتي كدة انا لا يمكن كنت هعطيكي ايه
قالت مرتبكة، محاولة استعادة زمام الأمر:
– "أيوه... قلت. بس... مش هتسألني ليه الأول؟"انا قلت هتسال و لو هو غلطان هتعاقبه هو و أهله
نفث دخان السيجار، ونظر إليها بثبات وقال:
– "أنا مش محتاج أسأل. كل حاجة بتوضح قدامي لوحدها. و واضحه من زمان اوس ده ممكن يلعب دور الضحية لصالح حد و بفلوس .
ارتبكتها كلماته... فيها شيء مريب، شيء لا يُقال، لكنها لم تُعلّق، فقط أومأت بخفوت،
مدّ يده بورقة إليها، وقال بصوتٍ أكثر صلابة:
– "عايزك توقّعيلي على الورقة دي بقى."بكل طاعه .
نظرت إليه مترددة، ثم انتقلت بنظرها إلى الورقة، وقالت:
– "إيه الورقة دي؟"الورقه زى ما تكون فاضية الكلام مش واضح
الهاتف رن في يد رائد، فأجاب بنبرةٍ ودودةٍ هادئة، وقد بدا صوته مزيجًا من الترحيب والحزم، وكأنّه كان ينتظر هذه المكالمة بالذات بعد حديثه القاطع مع نيرفانا:
– "باشا! مساء الفل... اتأخرت عليّا والله. لأ وأنا ماستغناش. حضرتك قريب؟... على الباب؟... لأ، أنا نازلك حالًا."
انا نازل و طالع المكتب تاني اطلع ملقيش ليكي وجود اطلعي اوصتك و اعتبرى الكلام ما بينا محصلش .اوعي يا نيرفانا .
أنهى الحديث دون أن ينتظر ردًا، واندفع نحو الطابق السفلي بخطى سريعة محكومة، تاركاً نيرفانا وحدها في المكتب، تائهة بين صدمة الانفصال عن أوس و كل الذين كانت تحبهم وصدمة الزواج الوشيك.
في لحظات، كانت الأوامر تتوالى إلى الخدم كطلقات مرتبة: ترتيب، ضيافة، نظام. تهامسوا فيما بينهم أن الزائر ثقيل الاسم، شديد التأثير.
ثم ظهر عند المدخل... ذلك الرجل المهيب، يسير وسط حرسه الشخصي، يمشي بقامة معتدّة، وكتفين عريضين يُحمل عليهما من التاريخ أكثر مما يُحمل من الوقار. أشار بيده للحرس بالتوقف،
وقف رائد على عتبة الاستقبال، يمدّ ذراعيه بابتسامةٍ عريضة مبالغ فيها:
– "أهلاً أهلاً يا مَعالي الباشا... خطوة عزيزة والله... البيت نوّر!" يعني لازم اعزمك رسمي علشان تشرفني في بيتي المتواضع ده المفروض نتزاور ديما أن مكنش في البيت يبقي في الشغل
ردّ الضيف بابتسامة واثقة، يرفع كفّه لمصافحة حارة:
– "منوّر بيك يا رائد بيه."و الله لو من شهور كان قالولي انك هتطلب اني ازورك و تستقبلني الاستقبال الحافل ده مكنتش صدقت ابدا .
صافحه رائد بحرارة مبالغ فيها، قائلاً بنبرة فيها مزيج من الإطراء والتلميح:
– "آسر العزبي باشا بنفسه يتكرم ويشرّفني في بيتي... زيارة غالية أووي و كانت لازم تحصل من زمان بس هقولك ايه منه لله في اللي كان السبب في اللي استخدمك صدى و استخدمني ضدك لخسارتنا احنا الاتنين .
ضحك آسر بخفةٍ مصطنعة وقال ممازحًا:
– "يا راجل... مش قوي كده! ده انا حتي كنت عدوك .و لا حابب تطبق مبدأ عدو عدوك صديق ؟
ردّ رائد بابتسامة مغترة تُخفي وراءها ألف حساب:
– "ده كان زمان يا باشا... تفضّل حضرتك." دلوقتي هتعرف سر طلب زيارتك اللي كان المفروض تتعمل من زمان بس هقولك ايه كل شئ بأوان
وأشار له بيده نحو غرفة المكتب الفسيحة، التي لم تكن تفتح إلا للقلّة النادرة.
تقدّمه آسر العزبي بخطوات واثقة، فيها شيء من التبختر ، ودخل المكتب، فيما فتح رائد الباب على مصراعيه وأغلقه خلفهما بعد أن دخلا.
استقرّ آسر على المقعد الجلدي المقابل، وراح يخلع سترته الفاخرة، ثم قال بتساؤل مباشر:
– "خير يا رائد! يا ترى إيه الموضوع الضروري اللي كنت عاوزني فيه؟"ما هو مش معقول انها زيارة عادية و بعدين في زيارات اهم انا اعرف انك طول عمرك بتحب تدخل في الموضوع مش بتحب تضيع وقت و اتمني الموضوع يكون لطيف لاني كبرت و مبقتش اقدر لاى حرب و انت كمان من ساعه جوازك من ليلي هانم اللي كانت هتموت و تعرف حقيقتك مني محتاج ترتاح و تريحها معاك هي تستاهل الراحه بعيدا عن مهاب اخوها و مصايبه الغير محتملة و الغير متوقعه
ارتسمت على وجه رائد ابتسامةٌ هادئة، وضع ساقًا فوق ساق،
وفي تلك اللحظة، طُرق الباب، ودخلت الخادمة تحمل صينية فضية عليها فنجانان من القهوة. أمرها رائد بهدوء:
- "قدّمي لمعالي الباشا الأول... وبعدين ليّا."
قهوة تركية وصاية و الله باعت اجبهالك مخصوص
امتثلت الخادمة سريعًا، وقدّمت القهوة، ثم انسحبت في صمتٍ خفيف كأنها لا تملك ظلًا.
وما إن رفع آسر الفنجان إلى فمه حتى بادره رائد فجأة، بصوت رخيم يحمل نغمة خافتة من الجدية:
– "كل خير يا باشا. طبعًا أنت سامع عن المثل اللي بيقول:
