رواية قلب السلطة الفصل الاربعون 40 بقلم مروة البطراوي


 رواية قلب السلطة الفصل الاربعون 

ردت نيرفانا بنبرة حاولت جعلها باردة ومتماسكة: – "وأنت يهمك في إيه؟ مش قلت إنك صاحب؟ الصحاب مش بيحققوا مع بعض يا أونكل شامل ."

اتسعت ابتسامة شامل قليلًا، ابتسامة لم تصل لعينيه، وأجاب بهدوء مستفز: – "عشان أنا مش مجرد صاحب ، وأنتِ عارفة ده كويس. رائد  لما جابني معاكي ، كان عارف إنه جايب حد بيفهم في العيون أكتر ما بيفهم في الطرق."

ضغط على المكابح قليلًا عند منعطف حاد، ثم أكمل وصوته ينخفض لدرجة الهمس المسموع: – "أنا شايف الخوف اللي في عينك... وشايف إنك مش واثقة في حد. حتى 'رائد' نفسه، مش كده؟"

تسارعت دقات قلب نيرفانا. كيف تجرأ على التحدث عن والدها " بهذه الطريقة؟ وكيف قرأ شكوكها بهذه السهولة؟ هل هو هنا ليحميها أم ليراقبها لصالح والدها ؟

حاولت استجماع شجاعتها وقالت بحدة: – ". كلامي  ممكن يوديني  في داهية. 

ضحك شامل ضحكة قصيرة وجافة، ثم نقر بأصابعه على عجلة القيادة بإيقاع منتظم: – "داهية؟... الدنيا كلها داهية يا نيرفانا. أنا بس بحاول أنبهك. البيت  اللي أنتِ عايشة فيه ده... مليان تعابين لابسة حرير. ولو فضلتي ماشية لوحدك، هتتكعبلي."

ثم التقت عيناه بعينيها في المرآة مرة أخرى، وقال بجدية مفاجئة: – "أنا بمدلك إيدي... مش عشان أنا طيب، عشان أنا الوحيد اللي برة اللعبة دي... لحد دلوقتي. ها... تحبي نكمل سكوت؟ ولا نبدأ نتكلم بجد؟"

عادت نيرفانا بظهرها للخلف، وتسمرت عيناها على الطريق. كان العرض مغريًا ومرعبًا في آن واحد. رجل  يعرض تحالفًا في وقت تشعر فيه أن الجميع أعداء.

همست لنفسها دون أن يسمعها: "هل أهرب من الذئب لألجأ للثعلب؟"

– شامل (بصوت منخفض، حاد قليلًا لكنه هادئ):
"مش لازم تتوهمي، نيرفانا… 

شعرت نيرفانا بشيء غريب يتسرب إلى قلبها، مزيج من الطمأنينة والريبة في آن واحد. ولم يمر ثانية حتى عبر صوت محرك السيارة الخافت، كأنه نبضات قلب غريبة، 

وبينما كان الضوء الأول للشمس يتسلل عبر النوافذ، لمحَت في ذهنها صورة رائد، ابتسامته الهادئة، صوته المنخفض، وتلك النظرة التي لم تفارقها منذ اللقاء الأخير.

– نيرفانا (تهمس وهي تحاول ضبط نفسها):
"بابا … ليه كل شيء حواليا مربوط بيه؟ ليه مش قادرة  أفصل بينه وبين اي حد تاني ؟"

كانت السيارة تمر بشوارع هادئة، لكن داخل نيرفانا، كان زوبعة من الأفكار والمخاوف، شعور بأن الطريق الذي تمشيه قد يقودها إلى شيء لم تتوقعه… شيء قد يغير كل شيء.

صمت شامل استمر، لكنه لم يكن فارغًا، بل مليئًا بتلك التلميحات الصامتة، وكأن كل حركة بسيطة منه تحمل معنى أكبر من الكلمات.

– نيرفانا (بتوتر خافت):
"لا… مش ممكن… ده بس خيال… صح؟"

لكن قلبها لم يصدق. كانت تعلم، بعمق داخلي، أن ما سيأتي ليس خيالًا… 
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
زفرت نيرفانا الهواء المحبوس في صدرها ببطء، وكأنها تخرج معه بقايا التردد. نظرت إلى ملامحه المنعكسة في المرآة، تلك الملامح التي تجمع بين القوة والغموض، وقررت أن تقامر. في عالم "رائد" المليء بالألغاز، ربما تحتاج إلى شيطان صغير لتروض الشياطين الكبار.

تحولت نظرتها من الطريق إلى المرآة مباشرة، لتلتقي بعينيه في تحدٍ صريح، وقالت بصوت هادئ ولكنه يحمل نبرة آمرة لم يعتدها منها: – "تمام يا أونكل شامل ... اعتبرني سمعت."

مالت بجذعها قليلاً للأمام، وكأنها تضيق المسافة بينهما لتجعل الكلام أكثر خصوصية وخطورة: – "بس قبل ما نتكلم بجد... لازم نتفق. لو أنت فعلًا برة اللعبة زي ما بتقول، يبقى مصلحتك إيه؟ محدش بيعرض خدماته في 'عش التعابين' ده لوجه الله.  

اتسعت ابتسامة شامل، وبدا عليه الرضا، وكأنه أستاذ يراقب تلميذه النجيب وهو يحل معادلة صعبة. نقر بإصبعه مرة واحدة على المقود وقال بإعجاب: – "سؤال ذكي... وده اللي بيعجبني فيكي، إنك مش سهلة. تمني بسيط جدًا يا نيرفانا ... 'الأمان'. أنا بساعدك عشان لما السفينة تغرق -وهي هتغرق قريب- أكون في قارب النجاة، مش محبوس في العنبر مع الباقيين."

صمت لحظة ثم أضاف بنبرة ذات مغزى: – "وكمان... أنا بمل بسرعة، واللعب على المكشوف ممتع أكتر."

تجاهلت نيرفانا سخريته المبطنة، وركزت على جوهر العرض. سحبت نفساً عميقاً وقالت بحزم: – "موافقة. بس حط في بالك حاجة واحدة... لو حسيت للحظة إنك بتلعب بيا، أو إنك عين 'بابا ' عليا... أنا مش هغرق لوحدي. أنا بيدي مفاتيح ممكن تهد البيت   على دماغ الكل، وأنت أولهم."

ضحك شامل، ضحكة هادئة خالية من التوتر هذه المرة، وقال وهو ينعطف بالسيارة نحو الطريق المؤدي للمدرسة: – "اتفقنا. وده أول درس ليكي في السياسة: 'هدد عدوك بنص الحقيقة، وحليفك بالحقيقة الكاملة'."

ثم تغيرت نبرته فجأة إلى الجدية التامة، وقال بصوت خافت وسريع: – "بما إننا بقينا حلفاء... خدي أول معلومة. النهاردة بالليل، في اجتماع هيحصل في مكتب رائد بعد نص الليل. الضيف اللي جاي مش غريب... ده حد أنتِ تعرفيه كويس، أو فاكرة إنك تعرفيه. حاولي تكوني صاحية."

تجمدت نيرفانا في مكانها. "حد أعرفه؟"... دارت الأسماء في رأسها كالإعصار. هل يقصد أحد أفراد عائلتها؟ أم شخصاً من ماضيها؟

نظرت إليه تسأله بعينيها، لكنه عاد لوضع "الصديق الصامت  وعيناه مركزتان على الطريق، معلناً انتهاء الحديث لهذا الوقت.

عادت نيرفانا لتستند بظهرها، لكن هذه المرة لم تكن تشعر بالخوف المجرّد، بل بنوع جديد من الأدرينالين. لقد وضعت قدمها للتو في اللعبة، ولم يعد هناك مجال للتراجع.

الآن، أصبح لدى نيرفانا مهمة ليلية (مراقبة الاجتماع). 
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
بعد أن استمعت نيرفانا لنصيحة شامل عن "الحقيقة الكاملة للحليف"، ساد صمت ثقيل، كأنها تزن كلماتها بميزان من ذهب. ثم قررت أن تقفز في الهاوية.

– نيرفانا (بصوت يرتجف قليلًا، وعيناها مثبتتان على يديه القابضتين على المقود): "عايز الحقيقة الكاملة يا شامل؟... الحقيقة إن في حد ماسك عليا ذلة. صور... وحاجات تانية ممكن تنهي حياتي وحياة دادي الاجتماعية للأبد."
توقفت السيارة فجأة على جانب الطريق، أدار "شامل" وجهه نحوها، وعيناه تضجّ بالغضب، كأن صواعق الغيظ محتبسة في صدره.

تطلّعت إليه برعب، محاولة أن تخفي الخوف والارتباك
لم يهتز جفن شامل، بل سأل ببرود وكأنه يسأل عن حالة الطقس: – "آدم؟"

نظرت إليه بصدمة: – "عرفت إزاي؟"

ابتسم ابتسامة جانبية ساخرة: – "آدم الوحيد اللي طمعه في ابوكي ده مالوش حدود، والوحيد اللي عينه منك  في نفس الوقت. هو بيلعب على الحبلين."

ابتلعت نيرفانا ريقها بصعوبة وأكملت: – "هو مستنيني عند المدرسة. هددني إنه هيفضحني لو منفذتش اللي هو عايزه. أنا خايفة يا أونكل  شامل."

هنا،  عاود القيادة و لكن خفف شامل السرعة، والتفت إليها بنظرة حادة، نظرة قائد يلقي أوامره قبل المعركة: – "الخوف هو اللي هيخليكي تخسري. اسمعيني كويس يا نيرفانا... آدم جبان، والجبان نقطة ضعفه هي خسارة كل حاجة. هو ماسكك بالصور؟ إنتي كمان تمسكيه بحاجة أقوى."

– "أمسكه بإيه؟ أنا معيش حاجة!"

– "معاكي 'سلطة ابوكي '. آدم مهوس بيها، وفي نفس الوقت مرعوب إن علاقته بيكي  تتكشف لرائد. اللعبة كالتالي..."

مال شامل ناحيتها وهمس بخطته الشيطانية، تلك الخطة التي ستحول نيرفانا من فريسة إلى صياد. – "لما تقابليه، متكونيش الضحية المكسورة. حسسيه إنك بايعة القضية، ولما يهددك، اقلبي الطرابيزة. خيريه بينك وبين سلطة ابوكي . حطيه في خانة 'يا أنا يا هي'. ده الاختبار اللي هيفضح نيته، وساعتها... هتعرفي تتصرفي."

توقفت سيارة شامل قبل المدرسة بمسافة آمنة. لمح سيارة "آدم" الفارهة تنتظر في الزاوية. نظر لنيرفانا في المرآة وقال بثقة: – "امسحي دموعك. إنتي دلوقتي مش نيرفانا التايهة... إنتي دلوقتي بتلعبي بقواعدي. انزلي."
ترجلت نيرفانا من سيارة شامل، ورسمت على وجهها قناع البراءة الذي تدربت عليه للتو، واتجهت نحو سيارة "آدم". ما إن صعدت بجواره حتى انطلق بها بغضب، وكأنه كان يراقب نزولها من سيارة شامل وتملكه الشك.

على جانب الطريق، توقفت سيارة آدم برعونة. أدار وجهه نحوها، وعيناه موصودتان بالغضب، وجهه مكفهر كأنه يحتبس صواعق الغيظ في صدره، وقال بصوت خشن متقطر بالندم:

– "إنتي ماعندِكيش فكرة أنا ندمان قد إيه إني وثقت فيكي!"

تذكرت نيرفانا كلمات شامل: "متكونيش الضحية، مثلي البرود." تطلّعت إليه بدهشة مصطنعة، في عينيها ارتباك طفولي، وردّت بصوتٍ ناعم فيه مسحة من البراءة المستفزة:

– "ليه بتقول كده يا آدم؟ أنا عملت حاجة غلط يا بيبي؟"

لكنّ الهدوء لم يكن ضيفًا مرحّبًا به في صدره. انفجر بها كبركانٍ راكد منذ زمن، وغيرته من رؤيتها تنزل من سيارة شامل  تعميه:

– "إنتي هتمثّلي عليا؟! نزلالي من عربية شامل  وبتضحكي؟ ده أنا بضرب نفسي ميت جزمة إني صدقت إنك مشغولة! بس أوعي تفتكري إنك هتفَلتي أو إنّي هعدّي اللي عملتيه. ولا إنتي ناسية أنا معايا إيه؟!"

تبدلت ملامحها، واكتسى وجهها بالتحفز المدروس، وقالت بحدّة:

– "إنت بتهددني يا آدم؟ هتعمل إيه يعني؟!"

غلب عليه الغلّ، فانكمشت ملامحه، وقال بنبرة من يُلقي قنبلة:

– "الصور اللي معايا... فاكراها؟! أكيد لسه ما نسيتهاش! عندي استعداد أوريهم لرائد، أوريه بنته المصونة كانت في حضني إزاي، وسايبة نفسك للآخر، حتى لو هيقتلني بعدها. مش هموت لوحدي، إنتي هتكوني معايا."

ورغم أن قلبها ارتجف رعبًا، إلا أن صدى صوت شامل كان أقوى في رأسها: "هو بيخوفك عشان خايف يخسرك." احمر وجهها غضبًا، ولمعت عيناها بشرارة الصدمة، فردّت بقسوة:

– "إنت عايز تفضحني؟ هو ده أسلوبك يعني؟ عشان شوفتني مع أونكل شامل ؟ طيب... أوك، اعمل اللي إنت عايزه!"

علّقت حقيبتها على كتفها، واستدارت لتفتح باب السيارة وتغادر، كانت مقامرة خطرة كما علمها شامل، لكن صوته سبق يدها:

– "استني! رايحة فين؟!"

أمسك بمعصمها بعنف، جذبها بعيدًا عن الباب، فصاحت وهي تهتز من داخِلها تمثيلًا وخوفًا حقيقيًا:

– "إوعى! سيبني... أنا بكرهك، بكرهك يا آدم!"

حاول السيطرة على الموقف، صوته متوتر يخشى الفضيحة في الشارع:

– "إهدي... وطي صوتك، في ناس حوالينا!"

تطلّعت "نيرفانا" حولها، وفعلاً وجدت أعين المارة متجهة نحوهما، فهدأت حركة جسدها قليلًا، ثم تمتمت من بين أسنانها:

– "شيل إيدك من عليا."

أجابها بتحذير ناري:

– "هشيلها... بس لو فتحتي باب العربية وجريتي، صدقيني هتندمي. سمعاني؟!"

بقيت في مكانها، جامدة، لا تنظر إليه، تنتظر الخطوة التالية من السيناريو.

تنهد "آدم" من بين أضلاعه، كأن صدره يئن من حملٍ ثقيل، ثم أدار وجهه نحو الطريق وأشعل المحرك من جديد، وانطلقت السيارة بسرعة غير مستقرة. بعد دقائق، شعرت "نيرفانا" بانحراف غير مألوف عن طريق المدرسة، فنظرت إليه مشدوهة، وهمّت أن تسأله، لكنه كان قد دخل إلى ممرٍ مظلمٍ متشعب، أشبه بمخبأ الأسرار.

سألته بخوف متصاعد بدأ يتغلب على ثباتها:

– "إيه ده؟! دخلت هنا ليه؟!"

لم يُجبها. استمر في القيادة حتى دخل إلى جراج مهجور تابع لإحدى العقارات الحديثة التي يشرف عليها مكتبه الهندسي. المكان خافت، صامت إلا من رجع صوت أنفاسها المتلاحقة. توقفت السيارة، وكأن الوقت نفسه توقّف معها.

صرخت به بغضبٍ تكسوه الرعشة:

– "أنا بكلمك! عارف لو قرّبت مني تاني، والله لأصرخ، وألمّ الناس!"

لم يتكلم... فقط ضغط زر الإغلاق المركزي، وانغلقت الأبواب، فانتفض قلبها، وتجمدت في مقعدها كطير محاصر.

ثم... استدار لها بهدوء لا يليق بمخاوفها، وقال بنبرة محب مهووس:

– "إهدي يا حبيبتي. أنا مش مجنون عشان أعمل معاكي حاجة هنا. أولًا، المكان ممكن حد يشوفنا فيه. وثانيًا، فاضل ربع ساعة على معاد مدرستك، ولازم أوصلك."

تنفست الصعداء، واستدعت القوة لتنفيذ الضربة القاضية التي لقنها إياها شامل:

– "أومال جبتني هنا ليه؟! عايز إيه يا آدم؟!"

– "عايز أعرف... ليه بتعامليني كده؟ ليه بتهربي مني؟ مش كنا متفقين إننا لبعض؟!"

ثم صرخ فجأة وغيرته تنهشه: – "مــا تـــردي؟!"

أجفلت، وقالت بصوت متلعثم، تمهد للفخ: – "ماكنش قدامي اختيار... بابا بيراقبني،و انكل شامل   عينه عليا. أنا كنت خايفة دادي يعرف حاجة."

رمقها بعينين مغليتين بالحيرة: – "يعني لسه بتحبيني؟!" ثم أمسك بكتفيها بعنف.

– "ده مش زرار يا آدم أدوس عليه فأبطل أحبك!"

هتف مغيظًا، كمن يُعذّب بذاته: – "إشمعنا بتبعدي؟! إيه اللي ناقصك معايا؟! أنا مش كفاية؟!"

ثم أردف، هامسًا بوجع: – "إنتي ماتعرفيش أنا بحبك قد إيه... ماتعرفيش أبدًا."

هنا، جاءت اللحظة الحاسمة. تذكرت نيرفانا جملة شامل: "حطيه في اختيار مستحيل". غيّرت لهجتها، وتكلمت بلطف مصطنع:

– "أنا إنسانة يا آدم، ولازم تحترم ده. لسه صغيرة، وعايزة أمان... مش تهديد."

هدأت يداه، وأرخى قبضتيه عن كتفيها، بينما أغمض عينيه مطولًا، كأنّه يفرغ صخبًا داخليًّا لا يُحتمل. – "أنا عارف إن حبي ليكي غلطة. بس غلطة معرفتش أصلحها... كل ما أشوفك، بنسى أبوكي، وبنسى نفسي."

حدّقت فيه طويلاً، فمدّت يدها، وضمّت رأسه إلى صدرها هامسة وهي تضع الخنجر المعنوي على رقبته:

– "آدم... متقلقش من ناحيتي. أنا بقيت بتاعتك من يوم اللي حصل بينا... إلا لو..."

ابتعد عنها فجأة، وقال بحدّة: – "إلا لو؟! إلا لو إيه؟!"

ابتسمت بدلال يخفي وراءه مكرًا جديدًا: – "إلا لو كنت عملت معايا كدة علشان فلوس من حد 
شحب وجهه وعبس بذهول، وقال بصوت متحشرج: – "يعني إيه؟ 

– "مش إنت بتحبني؟"

– "أنا بعشقك."

أشرقت ابتسامتها، وطوّقت عنقه بذراعيها، وهمست في أذنه ببرود: – "خلاص... لو بتحبني بجد، اطلبني من دادي رسمي. ولو عملت كده، هتاكد انك مش مزقوق عليا من حد .

ارتد عنها كمن لسعته الحقيقة، وعيناه تدوران في محجريهما برعب: – "أطلبك من دادي؟! 

رمقته بنظرة خبيثة توارثتها من أبيها، وصقلها شامل منذ قليل، وقالت: – "اتصرف يا حبيبي. يا تطلبني، يا إحنا انتهينا. مش هتعمل كده؟ يبقى انساني خالص... والعب بعيد."

ظل يرمقها بذهول... كيف له أن يتركها   وكيف يطلب يد ابنة الرجل الذي يخدعه؟ لقد وضعته في الزاوية الميتة.

– "نيرفانا... اللي بتطلبيه مني صعب جدًا."

– ... إختار!" قالتها بنبرة قاطعة، ثم نظرت إلى الأمام وأضافت ببرود: – "يلا بينا بقى... معاد المدرسة هيفوتني."

إلى هنا انتهت الجولة الأولى... لكن نيرفانا أدركت الآن أن نصيحة شامل كانت بمثابة طوق النجاة، وأن اللعبة قد بدأت للتو.
عاد الصمت يخيّم على السيارة، فقط صوت المحرك ووقع أنفاسهما المتسارعة. لكن الجو تغير، أصبح أثقل، كأن التوتر نفسه يضغط على صدرها.
ظلّ آدم صامتًا للحظة، ينظر إلى نيرفانا بعينين تلمع فيهما مزيج من الغضب والمرارة، ثم بدأ الكلام ببطء:

– "عارفة يا نيرفانا… اللي حصل بيني وبينك… مش كله صدفة."

ارتجفت نيرفانا، لم تفهم المعنى تمامًا، فسألت:

– "إيه قصدك؟ أنا مش فاهمة."

ابتسم ابتسامة قصيرة، لكنها كانت تحمل شيئًا من السخرية المؤلمة:
تعرفي مين ورا الموضوع؟ ده مش بس عننا… ده عن تصفية حسابات، بين ابوكي  رائد، ويقين."

تجمّد قلبها، وفهمت فجأة ما لم يكن يتوقعه عقلها: أن كل الأمور اللي حصلت، كل التضارب والمشاعر المعقدة، كانت جزءًا من لعبة أكبر… لعبة فيها والدها  رائد ويقين، وأن وجودها وسطهم جعلها تلعب دور غير مقصود.

– "يعني… كل ده… أنا مجرد ورقة في اللعبة دي؟" همست بنبرة مليئة بالألم.

– "مش مجرد ورقة…  . يقين كانت عايزة تكمل لعبتها،  وانتِ وسط كل ده."

صمتت نيرفانا، شعور بالذنب يضغط على صدرها، لكنها شعرت أيضًا بالغضب يتصاعد داخليًا:

– "بس أنا ما اخترتش أكون سبب… أنا حاولت أكون صادقة… 

ابتسم آدم ابتسامة باردة، وهمس بصوت منخفض:

– "صدقك… ده اللي بيقلّقهم. الصدق بتاعك بيكشف اللعبة. وعشان كده لازم تعرفي… كل خطوة بتيجي منك، كل كلمة، بتخلي كل واحد منهم يحاول يجرّك للوراء."

نيرفانا شعرت بثقل جديد، فهمت أن الرحلة لم تنتهِ عند مجرد مواجهة آدم، وأن طريقها كان مليئًا بالخطوات المعقدة بين الحب والخطر… بين صدقها وبين تصفية الحسابات التي لا تعرف نهايتها بعد.

نظرت إلى آدم، وقالت بنبرة أكثر ثقة، رغم كل التوتر:

– "مفيش مشكلة… أنا هعرف أتعامل مع اللي حاصل. ومش هخلي حد يلعب بيا أو يجرّني لحربهم… حتى لو كانوا بابا  ويقين."

ابتسم آدم بنصف ابتسامة، كأنه يعترف لها أنها بدأت تفهم اللعبة:

– "تمام… بس افتكري… الطريق اللي اخترتيه مش سهل… ومليان منعطفات سقوط… وكل خطوة منك، هتحسبيها مرتين."

كانت نيرفانا تعرف في قلبها أن كل كلمة منه، وكل لمحة من عينيه، كانت درسًا عن قوة المراوغة والبقاء على قيدها في مواجهة لعبة الكبار… لعبة تجمع الحب والخيانة والغضب في نفس الوقت.

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
نزلت نيرفانا من السيارة، وصفقت الباب خلفها بقوة جعلت هيكل السيارة يهتز، وكأنها تضع نقطة حاسمة في نهاية جملة طويلة ومعقدة. لم تلتفت خلفها، سارت بخطوات ثابتة نحو بوابة المدرسة، رغم أن ساقيها كانتا ترتجفان بخفة لا يلحظها أحد سواها.

داخل السيارة، ظل "آدم" متسمرًا خلف المقود، يحدق في ظهرها المبتعد بذهول ممزوج بالغضب. ضرب بيده بقوة على عجلة القيادة صائحًا بصوت مكتوم: – "بنت الـ...! بقى حتة عيلة تلوّي دراعي أنا؟!"

كانت الكلمات تدور في رأسه كالرحى. "يا أنا.. يا رائد ". كيف وضعته في هذا المأزق؟ التخلي عن السلطة  يعني خسارة ، وطلب يد نيرفانا من "رائد" يعني الدخول في عرين الأسد بوجه مكشوف، وهو يعلم أن رائد لا يطيقه.

أخرج هاتفه بتوتر، وكاد يتصل بـ شخص "، لكنه توقف في اللحظة الأخيرة. نظر إلى شاشة الهاتف، ثم إلى بوابة المدرسة التي ابتلعت نيرفانا، وهمس بغل: – "ماشي يا نيرفانا... ماشي. فاكرة نفسك بقيتي لعيبة؟ هنشوف مين نَفَسُه أطول."

أدار المحرك بعنف، وانطلقت سيارته مخلفة وراءها سحابة من الغبار، وكأنه يهرب من الحقيقة التي واجهته بها.

على الجانب الآخر من الطريق، وفي زاوية لا تلفت الانتباه، كانت سيارة "شامل" تقف بصمت. كان يراقب المشهد برمته من خلف زجاجه المظلل.

لم يسمع ما دار بينهما، لكنه رأى لغة الجسد بوضوح. رأى انكسار آدم، ورأى الثقة المستجدة في مشية نيرفانا.

ابتسم شامل، وأخرج سيجارة أشعلها ببطء، ونفث الدخان وهو يحدث نفسه: – "برافو يا نيرفانا... التلميذة تفوقت على الأستاذ في أول حصة."

أمسك هاتفه وأرسل لها رسالة قصيرة، كلمتين فقط، لكنهما كانتا كافيتين ليعلمها أنه كان الصديق الصامت لظهرها: (الدرس وصل.)

داخل أسوار المدرسة، بمجرد أن توارت نيرفانا عن الأنظار، استندت بظهرها إلى أقرب جدار، وأغمضت عينيها، تحاول تنظيم أنفاسها التي تسارعت فجأة. لقد فعلتها... واجهت "آدم" لأول مرة دون أن تبكي أو تتوسل.

اهتز هاتفها في يدها. فتحت الرسالة، ورأت اسم "شامل". قرأت الكلمتين، فارتسمت على شفتيها ابتسامة باهتة لكنها حقيقية. شعرت لأول مرة منذ زمن طويل أنها ليست وحيدة في هذه المعركة.

لكن الراحة لم تدم طويلاً، فقد تذكرت الجزء الثاني من تحذير شامل: "اجتماع الليلة في مكتب رائد... والضيف مش غريب."

همست لنفسها، وهي تضم الهاتف إلى صدرها: – "النهار خلص يا آدم... بس الليل لسه بيبتدي."

تحركت نحو فصلها، وعقلها لم يعد مشغولاً بالدروس، بل بكيفية التسلل إلى مكتب أبيها الليلة، واكتشاف السر الذي حذرها منه شامل.
--- 
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
في طريق العودة من المدرسة 
جلست نيرفانا في المقعد الخلفي للسيارة، ويديها متشابكتان على ركبتها. كانت تنظر من النافذة، لكن كل شيء حولها بدا ضبابيًا، كأن ذهنها يغلي بأسئلة لم تجد لها جوابًا بعد.

نظرت إلى شامل، الذي كان يقود بهدوء، لكن وجهه صارم وعيناه متوترة كما لو كان ينتظر شيئًا لم يأتِ بعد.

أخذت نفسًا عميقًا، ثم قررت أن تفتح قلبها، بلا رتوش، بلا تمثيل:

–  لازم أقولك حاجة.

رفع وجهه نحوها، وأجاب بحذر:

– " حاجة إيه؟"

صمتت قليلًا، جمعت شجاعتها، ثم قالت بصوت منخفض، لكنه صادق:

– "آدم… هو اللي قال لي الحقيقة… وقال لي إن  عمتي يقين هي اللي دفعته… إنها السبب في كل اللي حصل بينا."

ارتجف صمتًا بينهما، ثم نظر إليها شامل بعينين متسعتين، وارتفع صوته فجأة:

– "إيه الكلام ده؟! يقين… هي السبب؟!"

– "أيوه… هو قال لي… وقال لي كمان إن اللي عمله… كان محاولة تصفية حسابات بينها وبين اخوها  رائد… و أنا كنت جزء من اللعبة دي من غير ما أعرف."

صمت شامل، وارتفع خط جبينه، كأن كل شيء داخله يتفتت في تلك اللحظة.

– "يعني… اللي أنا شايفه منها … اللي أنا عشته معاها … كله بسبب لعبة؟!"

أومأت نيرفانا برأسها، وعيناها تلمعان بالغضب والخذلان:

– "مش عارف أقولك أفرح ولا أزعل… أنا مش خايفة منه ، بس مش عايزة أكمل أكذب على نفسي… ولا على حد."

جلس شامل صامتًا، كأن صمت السيارة أصبح صاخبًا، ثم همس أخيرًا بصوت متوتر:

– "أنتي… أنتِ فاهمة إيه يعني الكلام ده علينا؟"

– "يعني… لازم نعرف الحقيقة كلها، لبابا … وإلا… كل اللي حصل بيني و بين ادم ،  … هيفضل ضايع ومش مفهوم."

نظراتهما التقت في صمتٍ طويل، السيارة تمضي في الطريق، وكل منهما يشعر أن الحقيقة التي كشفتها نيرفانا الآن ستغير كل شيء… ليس فقط بينهما، بل بين كل الأطراف المشاركة في تلك اللعبة المظلمة.

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
ابتسم الطبيب وهو يلقي نظرة فاحصة على "ليلى"، ثم قال بنبرة مجاملة مغلفة بالدهشة:

– "ما شاء الله يا مدام... حضرتك اتحسّنتي كتير عن آخر مرة! شكلك كده رائد بيه واخد باله منك أوي."

ابتسمت "ليلى" بدورها، بسخرية باردة، وأمالت وجهها بعيدًا عنه كأنها تريد طرد الضوء معه:

– "أوي... واخد باله أوي يا دكتور!"

لاحظ الطبيب لمحة من صدق مختبئ خلف برودتها، فحمحم بحرج، ثم أمسك قلمه وكتب الروشتة بصمت، كأن الكلمات نفسها تكاد تُختنق من حديث لا يرغب في البوح به.

حين انتهى، نزع الورقة من الدفتر، وناولها إلى "رائد" الذي كان واقفًا إلى جواره، وقال بلطف مهني:

– "اتفضل يا باشا… دي أدوية وفيتامينات. كل حاجة مكتوبة بالكمية والمواعيد، بس ياريت المدام تاكل كويس… لازم تتغذّى علشان تتحمّل الجرعات."

تلقى رائد الورقة بيده، وقال بنبرة تمزج بين الجدية والتهكم:

– "قولها هي الكلام ده يا دكتور… هي العَنيدة، مش بتهتم بنفسها خالص!"

ابتسم الطبيب باهتًا، وقال:

– "إن شاء الله كله يبقى تمام…"

وعندما جمع حاجياته، مال بجسده إلى رائد وهمس بما يشبه التحذيرات الصامتة:

– "رائد بيه! ممنوع تتضايقها… ممنوع تعمل أي مجهود… وممنوع تتعرض لأي ضغط… أو لأي عنف!"

شدّد على كلمة "عنف" وكأنها مفتاح، فابتسم رائد بسخرية خفيفة:

– "هي دي حمْل عنف برضو يا دكتور؟ ما تقلقش… أنا قاعد بلصّم فيها أهو، وربنا معانا!"

ربت على كتف الطبيب ورافقه إلى الباب، وعاد إلى الغرفة ليجد "ليلى" تحاول تعديل وضعها على الفراش.

اقترب منها برفق، رفعها قليلًا، ووضع الوسادة خلف ظهرها لتستقر بوضع أكثر راحة، لكنها شعرت بمزيج من الامتعاض والإهانة، ولم تطلب منه أي مساعدة.

صمتت، لكنه لم يغادر، فالتفت إليها بنبرة هادئة تحمل شيئًا من الاستغراب:

– "إنتي سخنة ولا إيه يا حبيبتي؟"

فتحت "ليلى" عينيها بنظرة حادة، فرد عليها رائد بابتسامة خفيفة:

– "أصلك ما نطقتيش معايا كلمة من ساعة ما جِتلك… ولا حتى دعيتي عليا!"

ردّت بغلظة صامتة:

– "أنا مش محتاجة أدعي عليك… ربنا ما بيضحكش على حد."

رفع حاجبه، وقال بمزيج من التحدي واللطف:

– "ومين قالك إني بضحك على ربنا؟ شوفتيني عملت حاجة في الخفا؟"

رمقته بازدراء، ثم قالت بحزم:

– "كل واحد عارف اللي عمله… ممكن تسيبني دلوقتي؟ أنا تعبانة وعايزة أنام."

ابتسم، لكنه لم يستسلم:

– "هاسيبك، بس بعد ما أقول كلمتين."

تنهد، وبدأ حديثه بنبرة هادئة تتحول تدريجيًا لجدية مطلقة:

– "الكلام اللي هتسمعيه دلوقتي لازم تحفظيه كويس… وتنفيذك له مهم… مش بس لمصلحتك… كمان لمصلحة ابننا… أو بنتنا."

تغيّرت ملامح "ليلى"، وعلا وجهها شحوب وغضب:

– "إنت جبت سيرة مصلحتي كأنك بتساومني قبل ما تقول عايز مني إيه؟ فاكرني كارهة اللي في بطني؟… أنا اللي جوايا ده مني أنا. إنت يادوب محسوب عليه أب… لكن ده بتاعي أنا. هربيه بعيد عن شرورك وأفكارك السودة."

مرّر رائد يده على ذقنه، محتفظًا بهدوئه، وقال:

– "طيب خليني أكمل كلامي، وبعدين قولي كل اللي في نفسك…"

لم ترد، اكتفت بنظرة ممتلئة بالغضب، ثم قالت بصوت مضغوط:

– "اتفضل."

---

غير معرف
غير معرف
تعليقات