رواية شظايا قلوب محترقة ( وكأنها لي الحياة ) الجزء الثانى الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم سيلا وليد


 رواية شظايا قلوب محترقة ( وكأنها لي الحياة ) الجزء الثانى الفصل الخامس والثلاثون 

"لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين "

بأرواح معلّقة بين ما تشتهي وما يُفرض عليها، وبصمت أثقل من الكلام… صمت ينتظر الانفجار، ليُعلن أن الليل ليس سوى بداية لكل الصراعات المكبوتة.

فتحت عيناها تبحث عنه، اعتدلت جالسة، تجمع خصلاتها، ثم سحبت روبها ونزلت من فوق الفراش ظنًا انه بالحمام، قطبت جبينها تتسائل
_راح فين معقولة يكون زعل
اووف، وبعدين بقى، معنديش خلق ادلل في سيادة الدكتور، قالتها بتأفف ونزلت للاسفل، نادت على الخادمة 
_نعم يامدام 
_جهزي الحمام، وظبطي الاوضة 
_حاضر قالتها وتحركت، ولكن اوقفتها 
_استني.. اعمليلى قهوة وهاتيها الاول وهاتي حاجة للصداع
حمحمت تفرك كفيها ثم همست بتقطع
_اسفة يامدام، مش هينفع ادخل المطبخ
_نعم، روحي اعملي اللي بقولك عليه، دماغي مش نقصاكي انتي كمان 
ابتلعت ريقها تشير الى المطبخ
_والله يامدام الدكتور خرجنا كلنا من المطبخ، وممعوش غير زهرة بس جوا
_الدكتور في المطبخ
هزت رأسها وقالت
_هو وزهرة، بقالهم اكتر من ساعة 
_لا والله.. طيب روحي اعملي اللي قولت عليه 
قالتها وتحركت متجهة للمطبخ، والخادمة تراقبها
_معرفش الست دي دايما بتتخانق ليه، الله يكون في عونه، والله الدكتور يستاهل واحدة هادية زيه، توقفت بجانبها اخرى 
_بتكلمي نفسك 
_لا ياختي بحاول افهم ازاي الدكتور الهادي يتجوز الست قنبلة دي 
ضحكت تجذبها
_لو سمعتك.. تحركت وهي تهمهم
_وعلى ايه علشان حلوة شوية شايفة نفسها علينا
_يابنتي اسكتي وكلي عيش، دي بنت ارسلان باشا، ومتعرفيش مين ارسلان باشا 
طالعتها بتذمر تلوح بيدها ثم صعدت للاعلى بينما في الداخل 
_كدا تمام 
ضحكت الفتاة التي تبلغ من العمر عشرون عامًا
_تمام اوي، بس خلي بالك دي فيها دهون، وحضرتك مبتحبوش
_مش مهم، هاتي واحدة علشان ادوقها، وظبطي طبق حلو زي ماوصيتك، عايزة سفرة حلوة، وطلعيها الجنينة
_حضرتك تؤمر، اومأ لها وقال
_عارفة لو مش عجبتها هعمل فيكي ايه
ضحكت وقالت 
_إن شاء الله تعجبها، انا عارفة هي بتحبها ازاي

أخذت قطعة وقربتها من فمه، ابتسمت بخجلٍ خفيف وقالت:
_دوق وقول رأيك يا دكتور…
رفعت يدها لتقرّب الشوكة من شفتيه، في تلك اللحظة دخلت ضي بخطوات سريعة.

_يا ما شاء الله… طيب كنتِ عرفّتني وأنا آكلها لك يا دكتور.
قالتها وعيناها تشعّ شررًا يكاد يلتهم كل شيئًا

استدار يوسف ببطء، التقت نظراته السعيدة بعيونها المشتعلة. رفع حاجبه ببرود قاتل، وكأنه يتعمّد سكب الزيت فوق النار، ثم أشار إليها:
_آه… ياريت.

ثم التفت لزهرة بلهجة هادئة متعمدة:
_روحي اعملي اللي قولت لك عليه.

اشتعلت ضي:
_تروّح فين؟ استني هنا. مش معنى إنك متربية عندنا يبقى تتجاوزي حدودك. كلامك مع الدكتور يبقى بحدود… ودلوقتي روّحي شوفي ماما، أكيد محتاجاكي.

تجمدت زهرة، وشهقت تريد الرد، لكن يوسف قطع حديثها:
_اعملي زي ما "ضي" قالت لك يا زهرة… ولو احتجّتنا هنبعت لك.
_حاضر…
تمتمت وخرجت مطأطئة الرأس.

حدّفت ضي به بنظرة قاتلة، كأنها تتّهمه بالخيانة قبل أن تنطق. اقتربت خطوة بعد أن خرجت زهرة:
_إيه اللي بتعمله مع البنت دي في المطبخ؟ من امتى بتدخل المطبخ أصلًا؟ وبعدين إزاي تسمح إنها تأكّلك وتقرب منك بالطريقة دي؟
انفجرت بها وصوتها يرتجف من الغيرة، وعينان تكادان تخرجان من محجريهما.

ظل  صامتًا… صمت يقتل.. لا تبرير… لا كلمة… مجرد تجاهل أشعلها أكثر.

خلع مريول المطبخ ببطء مستفز، ثم خرج من دون أن يمنحها حتى نظرة.

ُجُنّت ولُحقت به، خطواتها تضرب الأرض بعصبية، حتى وصلت الغرفة دخل الحمّام، فظلت تدور في الغرفة كأنها أسد محبوس… أنفاسها تتسارع، ووجهها محمرّ من الغضب.. كلما لاح ببصرها اقتراب تلك الفتاة منه

فتح باب الحمّام أخيرًا.
توقفت أمامه مباشرة، حاجزة الطريق بجسدها، عيناها تتشبثان به.

_عايزة تفسير للي شوفته يا دكتور…

قالتها ببطء كأن الكلمات تنزف من بين أسنانها.

اقتربت منهما وعيناها تطلق نيران الغضب، كأن شررًا يتناثر بين نظراتها وصدرها المضطرب.
رفع يوسف رأسه نحوها ببطء، قبل أن يقول بلهجة حادة تخلو من أي مجاملة:
_صوتِك يا أستاذة… مش معنى إني مردّتش عليكي تحت يبقى تسوّقي فيها. أنا بحاول أتغاضى عن اللي عملتيه… وإنك تهزّي صورتي قدّام ناس بتشتغل عندك.

شهقت ضي، رفعت كفيها تكوّر قبضتها، ترتعش من شدّة الغيرة:
_انت عايز تجنّني! مشفتش البنت كانت قريبة منك إزاي؟ إزاي تسمح لها تقرّب بالشكل دا؟! لا وكمان… بتأكّلك!
توقفت لحظة، لكن أنفاسها المتلاحقة كانت كافية لإشعال المكان:
_البنت دي… اللي كنت بتقول عليها صح؟ بتاعة كتب الكتاب؟!

تجمّد يوسف للحظة… لم يكن يتوقع أنها ستصل إلى هذا الحد.
اقترب خطوة، ثم سحبها من ذراعها بقوة جعلتها تختنق من الصدمة:
_شكلك اتجننتِ. كلمة كمان… وهقطع لسانِك. أنا فهّمتك قصدي امبارح… الأستاذة تهدى؟ لأ… ثارت وغضبت… ومش بس كده! اتهمتيني بالخيانة؟!

قاطع التوتر طرق على الباب.
تنفس يوسف بحدة، ثم أفلتها وابتعد قليلًا:
_اتفضلي.

دخلت الخادمة:
_كل حاجة جاهزة يا دكتور.
أشار يوسف إليها دون أن ينظر لضي:
_تمام… خليكي مع المدام لحد ما تفطر.

قالها ثم اتجه إلى غرفة الملابس.
_حضرتك هتشربي القهوة قبل الفطار ولا بعده؟
سألتها الخادمة.
ضيّقت عينيها، تستوعب ما سمعت:
_حاجة إيه اللي بتقولي عليها؟
_الدكتور… طلب من زهرة تعمل لحضرتك الأكل اللي بتحبّيه… وتطلّعه في الحديقة.

كانت صفعة… ليست على وجهها، بل على قلبها... تذكّرت كلماته مع زهرة… قربها منه…

_أستاذة ضي… هتفطري ولا تشربي القهوة الأول؟
_روحي… دلوقتي. شوية وهَنزِل.

خرجت الخادمة.

لحظات، ثم دلفت إلى غرفته.
كان يقف أمام المرآة، يغلِق أزرار قميصه ووجهه لا يفسر
اقتربت بخطوات مترددة، رفعت يدها ببطء على قميصه.
_آسفة…
قالتها هامسة، وهي تنظر اليه

أبعد يدها ببرود جليدي:
_أسفِك مش مقبول. وسّعي… عايز أكمل لبسي. ورايا شغل.

أمسكت طرف قميصه من جديد قبل أن يبتعد:
_لأ… أسفي هيتقبل، علشان غصب عني… لو مكانِي كنت هترضى تشوف موقف زي دا؟

استدار نحوها، ونظرة غاضبة تلمع في عينيه:
_انتي مجنونة؟! موقف إيه؟ دي عيلة… ومتربّية معانا. إيه الاتهامات الحقيرة دي؟

صرخت بنبرة مؤلمة:

_مش اتهامات يا يوسف… قدّ ما هي غيرة. آه… غيرانة! ولو هتقولي مجنونة… هقولك آه… مجنونة بيك!

تقدّمت نحوه بخطوات مترددة، لكنها كانت كافية ليشعر بحرارة أنفاسها المرتجفة:

_علشان بحبك… ومش هسمح لحد يقرّب منك، ولا حتى يبصّ لك بطريقة متعجبنيش
رفعت حاجبيها في عنادٍ موجوع:
_سمعتني؟… ولا لأ؟
وتابعت بصوت مختنق:
_وياريت تراعي إني مراتك…

تجهم وجهه، رافعًا يده بضجر:
_إنتِ أكيد اتجننتي، ليه دا كله؟ البنت كانت عاملة حاجة… وانتي بتقولي أدوقها!

هزّت رأسها بجنون، وصورهما بذاك التقارب مؤلمة تشتعل خلف عينيها:
_غير مقبول! سمعتني يا يوسف؟ غير مقبووول عندي

تقدّمت خطوة اخرى، لتقف مقابله مباشرة، وقالت بنبرة ثابتة رغم ارتجافها:
_لو انت قابله… أنا لأ. وإياك تستضعفني. أنا حرة في حياة جوزي… انت جوزي!
رفعت يدها تشير لنفسها:
_ومش مسموح لأي واحدة تستهبل وتعمل نفسها ذكية!

ضغط على أسنانه محاولةً أن السيطرة على غضبه، لكنه لم يُخفِ انزعاجه:
_ضي… دي اتهامات غير،مقبولة، وماتغلطيش في حقي.

لكن قلبها كان يشتعل… يشتعل حد الاحتراق.
لم تشعر بنفسها إلا وهي تقترب حد التلاحم، وتعانقه، تطبع قبلة مرتجفة على شفتيه بينما دموعها تنساب بصمتٍ موجع.

تفاجأ للحظة، بما فعلته ثم ادار ذراعه حولها، يحتضنها بقدر ما يستطيع رغم ضيقه… كأنه يهدّئ عاصفتها لا غضبه.
دفنت رأسها في صدره، وأنينها الخافت اخترق تماسكه، فتنفّس عميقًا… يستوعب صدق غيرتها.
ولأوّل مرة… شعر بداخله برقٍ من السعادة لأن قلبها يرتجف لأجله.

_ينفع كدا؟… أنا كدا في نظرك؟

هزّت رأسها بسرعة، تتمسّح بصدره كقطة ضعيفة تستجدي دفئه:
_ريحني… وقولي قصدت إيه بالكلام اللي قولته امبارح… قلبي مولّع نار.

أطبق جفنيه، وسحب نفسًا طويلًا ثم أطلقه بهدوء :
_مفيش حاجة… صدقيني. كنت بهزر معاكي.

رفعت رأسها، عيناها محمّلتان بالعتاب:
_يوسف ما يقولش حاجة زي دي هزار.

مرّر أنامله على خدّها برفقٍ يُناقض حدّة اللحظة:
_وحياتك عندي… مافيش حاجة. يمكن… كنت عايز أشوف ردة فعلك.
ابتسم بخفوت:
_بس طلّعتي شرسة أوي يا بنت عمي.

انتفضت، غاضبة وقالت:
_أنا مش بنت عمك يا يوسف… أنا مراتك وحبيبتك.
وضعت يدها على صدره، تتلمّس نبضه:
_ودا؟ دا بينبض علشاني… لأني في حياتك.

رجفة خفيفة سرت في صدره مع كلماتها، اقترب ببطء، حتى صارت شفتاه كادتا تلامسان  شفتيها:
_يوسف كله ملكِك… ثقي في دا. ومفيش حد يملأ روحي وقلبي غير ضي حياتي.

ابتسمت بخجلٍ دافئ، ولفّت ذراعيها حول خصره، كأنها تستسلم رغمًا عنها لدفئه الذي يُربكها دائمًا.
_طب… بعد الكلام الحلو دا، خلاص… هعفو عنك واسامحك.

تراجع خطوة، يحدّق فيها بنظرة لم تفهمها، ثم قال بنبرة متعمدة الاستفزاز:
_نعم يا بنت أرسلان؟

رفعت حاجبها بعنادٍ محبَّب:
_أومال إيه؟ لولا الكلمتين الحلوين دول… كنت هخاصمك وهقلب عليك يا أستاذ يا بتاع "زهرة"! لسه قايلة لك ياحبيبي… الغلط مش مقبول، خاف على نفسك مني.

اقترب منها بخطوات بطيئة، مُتعمدة، كأنه يستمتع بارتباكها تراجعت لا إراديًا، إلى أن اصطدم ظهرها بالجدار، فاختنقت أنفاسها وهمست بتقطع:
_فيه إيه… مالك؟ متفكرش إني هخاف منك… ولسه عند رأيي… انت جوزي يا حبيبي، مش صاحبي.

رفع يده، ووضع إبهامه على شفتيها برقة أطفأت آخر ذرة مقاومة فيها:
_شِش… بترغي كتير ليه؟ هتغنيها يعني؟

أمال جسده نحوها حتى شعرت بحرارة أنفاسه:
_وبعدين… جوزِك زعلان، ولازم تصالحيه… ولا ينزل الشغل زعلان؟

قطبت جبينها، ترمقه بطرف عينيها:
_هو مين فينا اللي زعلان يا دكتور؟ وبعدين… أنا مش هتنازل عن اعتذار منك لي.

_اعتذار… مرة واحدة بس؟

قالها وهو يداعب خصلاتها  يثير جنونها. أبعدت كفيه سريعًا، تحاول أن تبقى ثابتة:
_أيوة، مش طفلة علشان ينضحك عليّ بكلمتين… ومهما—

لم تُكمل. قاطعها فجأة حينما انحنى وحملها بذراعيه،. شهقت، تتشبث بعنقه، بينما هو يهمس قرب أذنها:
_تعالي… علشان نعرف مين اللي هيعتذر لمين… كفاية  تأخيري عن الشغل.

عند حمزة — قبل ساعات

وصل إلى منزله، يكاد يختنق من سرعة أنفاسه، وترجل من السيارة يشعر بأن الأرض يختل توازنها، اندفع إلى الداخل، يصعد السلالم بخطوات مفترسة حتى بلغ غرفته. الباب ارتطم بالحائط بعنف لحظة دخوله… ثم بدأ الدوران في المكان كذئب جريح يبحث عمّن يلتهمه.

كانت كلماتها تطن في رأسه كالرصاص البارد… تلسع، وتوقظ، وتستفز.

اشتعلت جيوش غضبه دفعةً واحدة، فانقض على كل ما حوله.
رمى هاتفه بعيدًا، أطاح بالكراسي، قلب المنضدة، حتى تحطمت محتويات غرفته
لم يكن يرى… فقط يضرب، ويهدم، وداخله يصرخ.

وحين بدأ غضبه ينحدر… لم يهدأ.
بل اشتعل جسده بنارٍ أشد.

هوى على المقعد، يسحب الهواء بلهاثٍ متقطع، كعدّاء أنهكه الماراثون، وعيناه تقدحان شررًا لا ينطفئ.
نهض فجأة، كأن الغضب يطرده من جلوسه، وبحركة غريزية تخلّص من قميصه، ثم بنطاله… وكأنه يُسقط عن جلده خيبته وقهره.

اندفع نحو حمّام السباحة، وألقى بنفسه في الماء بعنفٍ جعل سطحه يرتجف.

بدأ يسبح بلا توقف…
ضربات ذراعيه كأنها حربٌ يخوضها، كل حركة تُفرغ شحنة، وكل غطسة محاولة للهروب من صورها: براءتها… ضحكتها… النظرة التي كسرت شيئًا فيه.

غاص لثوانٍ طويلة، طويلة جدًا، حتى  من يراه قد يقسم أنه يبحث عن نهايته تحت المياه.
بقي هكذا إلى أن أوجعه صدره، فاندفع إلى السطح، يرفع رأسه، والشلالات تتساقط من خصلاته المختلطة بالعرق والغضب.

لمح ظلًا يقترب.. رفع رأسه وجده والده.

يقف على حافة المسبح يراقبه في صمتٍ ثقيل، صمت يحمل كل العتاب الذي لم يُنطق… وكل الأسئلة التي يخشى الإجابات.

التقت نظراتهما — نظرة ابنٍ مخذول، وأخرى لأبٍ تاه عن رجولته في لحظة ضعف.
اقترب إسحاق ، حتى صار امامه
مدّ حمزة يده إلى المنشفة فوق الكرسي، أمسكها وهو يلهث… يتهزّ.

تمتم  بصوت خفيض، كأن الكلمات تنسلّ من بين أنفاسه قبل أن تخرج من فمه: دروس الأخلاق بدأت… والله يا بابا أنا في حالة مش متحمّل كلمة.

رفع اسحاق رأسه نحوه ببطء، يحاول ضبط غضبٍه
: أهلا يا باشا… قولي بقى هتفضل لحد امتى كدا؟ أنا النهاردة اتهنت بسببك… إسحاق الجارحي اللي الكل بيعمله مليون حساب، في آخر الزمن يتقاله "معرفتش تربي"!

_بابا… أنا آسف.
قالها حمزة وهو يستدير للمغادرة، لكن  أطبقت والده على ذراعه بقوة رجل اعتاد أن يُطاع. شدّه نحوه وحدّقه بنظرة عتاب كسرت صلابة عينيه لأول مرة.

_انت مش صغير… هل غلطت لما قوّيت شخصيتك؟ لما علمتك ما تتهزش لحد؟ انت بتغلط في حقنا كلنا…  انت ابن إسحاق الجارحي، حُط تحت الاسم دا مليون خط أحمر… متجريش ورا حد… انت مش قليل يا ابن إسحاق.

تراجع حمزة خطوة، يدور بعينيه في المكان يهرب من حديث والده الذي يذبحه، ثم قال بصوت متكسر للأول مرة
_ يمكن حضرتك عندك حق… أنا غلطت.

اقترب اسحاق خطوة، ورفع سبابته في وجهه بصرامة رجل يوقع حكمًا: 
_أنا مش هحذّرك تاني… فرصك كلها ضاعت عندي. بنت إلياس هتبعد عنها… ودا أمر، مفيش رجوع فيه.
وشغلك؟ هترجّعه… أنا رفضت الاستقالة، وكلمتهم… واترفضت. غلط من ابن إسحاق… مش مسموح، يا إما…

رفع حمزة رأسه بألمًا كمن يتلقى طعنة:
_يا إما إيه يا بابا؟

رمقه اسحاق بنظرة موجوعة…
_ يا إما هتشوف إسحاق تاني، إسحاق اللي أتمنى عمرك ما تشوفه يا ابني. النهاردة انت دوست على كرامة أبوك.

شهق حمزة، واغرورقت عيناه بألمٍ لم يستطع ابتلاعه:
_ لا سمح الله… مستحيل أعملها.

هز اسحاق رأسه بحسرة أشد قسوة من الغضب ذاته:
_ عملتها يا حمزة.
عملتها لما رُحنا بيت الشافعي… وصغّرت أبوك وفضلت تتحايل، ولغيت شخصيتك  قدامهم.
عملتها لما أبوك بقى يتنازل… علشانك… قدّام ناس كانوا زمان يتمنّوا كلمة من إسحاق.
عملتها وأنا بدوّر لك على مبررات… وأقنع اللجنة إن بنت إلياس مالهاش ذنب في حياة جدها… ودا كله علشان أشوفك مبسوط!
وإنت… ما شفتش غير إن عيلة رفضتك… وقولت هتتجوزها بأي طريقة، حتى لو على حسابنا.

تراجع اسحاق خطوة، وانخفض صوته
_ حبك… عَماك يا ابني… وبقيت شايف إن أهم حاجة في الدنيا… ترضي غرورك إن عيلة رفضتك.

_بابا… إيه اللي بتقوله دا؟
خرجت الجملة من حمزة أشبه بأنينٍ مكظوم… كأنه لأول مرة يدرك حجم الخراب الذي خلّفه اندفاعه.

اقترب إسحاق من ابنه، ووضع يده على كتفه بربتة بدت أكثر وجعًا من أي صراخ.. 

_حتى لو هقول دا حب يا حمزة… بس غرورك رافض يصدق إن البنت رفضتك.

رفع حمزة رأسه سريعًا، كأن الكلمات نخرت شيئًا داخله:
_ بس هي ما رفضتنيش!

انفجرت الجملة من صدره كصرخة محبوسة، اهتز على اثرها جسده

تقدّم إسحاق خطوة، ورفع يده مشيرًا إليه بحِدةٍ تُشبه صفعة بلا لمس:
_حمزة… صوتك! انت واقف قدّام أبوك.
ودلوقتي… أوامري تتنفّذ بالحرف.

ارتجفت عينا حمزة، وقال بصوت ضائع، كطفل فقد الطريق:
_ أوامر…!! 

هز إسحاق رأسه ببطء، وفي عينيه خيبة أثقل من الغضب نفسه: 
_ومفيش غير كده.
حاولت أوصل معاك لنقطة… حاولت أفهّمك… بس انت قطعت كل الخطوط.
كنت فاكرُك عاقل… بس طلعت غلطان.

دار إسحاق بجسده، وتحرك بخطوات تغادر المكان كزلزال.. كانت خطوات غاضبة… حادّة… تهزّ الأرض تحت قدميه، وتترك خلفه هواءً مشبعًا بالقهر.

أما حمزة… فظل واقفًا في مكانه، كأن الكلمات طعنته في مقتل ولم تجهز عليه بعد.

بمنزل مالك

جلس يتناول طعامه بجوار طفليه، بينما كلمات تلك الخبيثة مازالت ترنّ في أذنيه كصدى لا يهدأ. كانت غادة تراقبه بصمتٍ، كأنها تقرأ ما يخفيه خلف هدوئه المفتعل. حمحمت بخفوت، ثم قالت:

_عايزة أروح أشوف إسلام قبل ما يسافر… وهبات هناك.

رفع رأسه ينظر إليها باستفهامٍ واضح:

_إسلام مسافر؟ ليه؟

_قولتلك قبل كده… بس إنت مكنتش مركز. ملك جالها فرصة عمل كويسة في جامعة أكسفورد، والصراحة فرصة ما تتعوضش. ماما شجعتها… وطلبت من إسلام يساندها. وهو من فترة بعت الـ CV لكذا جامعة هناك… والحمد لله اتقبل وهيشتغل كمان أستاذ هناك.

أومأ وقد تذكّر حديث إلياس إليه قبل أسبوع عن دعم حماية إسلام، فقال بصوت منخفض:

_إلياس قالي… بس أنا انشغلت بالشركة الجديدة… ونسيت.

ابتسمت غادة بحنانٍ دافئ، وقالت:

_ولا يهمك يا حبيبي… كلنا بننشغل وبننسى.

ارتسمت على شفتيه ابتسامة باهتة، ثم مدّ يديه يسحب يديها بين كفيه، ورفع إحداهما ليقبّلها قبلة امتنانٍ خافتة:

_شكرًا يا غادة.

هزّت رأسها باستنكار لطيف:

_بتشكرني على إيه يا مالك؟ إحنا جوزين، مفيش بينا شُكر.

نهض وهو يسحبها معه، ثم نادى على المربية:

_خليكي مع الولاد لحد ما يخلصوا أكل… وجهزيهم للخروج.

أومأت، بينما هو أحاط خصر غادة بذراعه يقودها للداخل. وما إن وصلا إلى غرفتهما، حتى توقفت هي أمامه، تحدّق في ملامحه بقلق:

_هتقولي مالك… ولا؟

لم يمهلها، بل أطبق شفتيه على شفتيها في قبلةٍ مفاجئة… قبلة امتلأت بالاحتياج أكثر من الرغبة. لحظات قبل أن يضع جبينه فوق جبينها، يتنفس بعشوائية، وصوته مختنق:

_محتاجِك… أوي يا غادة.

اتسعت عيناها بدموعٍ حبيسة، فهذه أول مرة تراه على هذا القدر من الانكسار:

_للدرجة دي مأثرة فيك يا مالك؟

زفرة حارقة خرجت منه كأنها تحمل شيئًا من روحه:

_كرهتني في الحياة… مش عايز أذي حد بسببها.

رفعت كفيها تحتضن وجنتيه، وعيناها تعانق عينيه:

_طب احكيلي… إيه اللي حصل ووصلّك لكده؟

لكنه لم يرد.. فقط دفن وجهه في عنقها، لحظات صمت، حاوطت جسده ليقول: 

_غادة… أنا بحبك أوي. تأكدي من ده. هي راجعة تاني… تسمّم حياتي زي ما سمّمتها قبل كده مع أقرب أصحابي. أنا بكره نفسي… علشان خلتني أشك في كل الناس.

أبعدته قليلًا لترى كم الوجع في عينيه :

_عملت إيه يا حبيبي؟

أطلق ضحكة قصيرة مكسورة: 

_عملت كتير… سرقت طيبة مالك… سرقت حياتي… هزّت شخصيتي قدام زمايلي كلهم.. وصلتني استقيل من وظيفتي اللي كانت كل حياتي
_ قصدك  أمن الدولة.
هز رأسه بالايجاب، حاولت غادة أن ترسم ابتسامة رغم غصة الغيرة التي لسعت قلبها:

_لسّه… بتفكّر فيها؟

رفع خصلاتها عن وجهها بحنانٍ يطفئ أي شك:

_أنا بحب غادة وبس.

عانقت رقبته بقوة، تدفن وجهها في حضنه.. رفعها بين ذراعيه، وسار بها نحو الفراش.

_يعني عايزة تباتي عند باباكي النهارده؟… هتسيبيني لوحدي؟

ضحكت رغم دموعها من طريقته ومن لَمساته التي تغري أكثر مما تشاكس. وضعها على الفراش، ثم انحنى فوقها يحيطها بجسده كله:

_مفيش مبيت… برّه حضني. خلي بالك.

_مالك… وحياتي.

هنا… فقد صبره. ضمّها إليه، يسحبها معه إلى عالمه

بمنزل يزن

طرق خفيف تسلل على باب غرفته، تلاه دخول أسر بخطوات مترددة.. رفع يزن رأسه، ومنحه ابتسامة هادئة.

_حضرتك طلبتني؟

تعالى يا أسر…
أشار له بالاقتراب، يراقبه بنظرة اب  فاحصة 

اقترب أسر وجلس، حاجباه معقودان بقلق:
_حضرتك كويس؟

هز يزن رأسه مطمئنًا:
_أيوة يا حبيبي… اقعد. عايز أتكلم معاك شوية.

جلس أسر مقابله، يطالعه بقلق نطقته عيناه، الى أن تسائل يزن

_عامل إيه في شغلك؟ مش كنت بتقول هترجع القاهرة تاني؟

تنفس أسر بعمق، ونبرة حماسة خافتة خرجت :
_إن شاء الله يا بابا… بس قولت أكتسب خبرة أكتر الأول. علشان ناوي أفتح مكتب هنا. خلاص… جه الوقت اللي أستقيل فيه بنفسي.

انفرجت ابتسامة فخر على وجه يزن، وبدت في عينيه نظرة رضا 

_ربنا يوفقك يا حبيبي… وقت ما تحب، قولي وأنا أشوفلك مكان كويس.

ابتسم أسر وهز رأسه:
_لا يا بابا… إحنا خلاص اخترنا مكان كويس. وعمو إلياس قال هيظبط مع مهندس يصمملنا مبنى كبير كامل متكامل. دور ليوسف، وكمان لبلال… وقالّي: اعمل حسابك تكون معاهم. وحتى شمس وضي هيشاركوا معانا.

توقف لحظة ثم تابع:
_وأنا اتكلمت مع رولا… قالت هتفكر تستقيل وتشتغل لنفسها. 

أومأ يزن ببطء، ثم قال بنبرة أبوية هادئة:
_بالنسبة لرولا… ماتضغطش عليها. لو مرتاحة في شغلها خلاص.

رفع أسر يده كمن يدافع عن نفسه:
_أنا عرّفتها بس… ما فرضتش عليها حاجة.

ساد الصمت لحظة… ليقطع يزن الصمت قائلًا: 
_يوسف وبلال كانوا عندي امبارح بعد مانمت
قطب جبينه وقال: 
_عادي ماهم بيجوا على طول يابابا، صمت ينظر لوالده 
_هو فيه حاجة 
_اه.. بلال عايز يتجوز رولا
شهقة افلتها اسر رغما عنه ليقول بذهول
_ازاي، بلال ورولا
تألمت اعين يزن وهو يتذكر حديث يوسف بالامس

دخل يوسف بعد تردد واضح، وصوته منخفض كأنه يخشى إزعاج خاله

_خالو… حضرتك فاضي؟ عايز أتكلم معاك في موضوع.

_تعالى يا حبيبي… اقعد.

جلس يوسف أمامه، يحاول خلق بداية مريحة بالكلام عن صحة يزن وأحواله، فقط ليُبعد أي ريبة. لكن يزن لم يُطِل الصبر.

_كنت عايز إيه يا يوسف؟

ازدرد يوسف ريقه، ثم قال بسرعة وكأنه يخشى أن يتراجع:
_بصراحة… بلال عايز يتجوز رولا. ومكسوف من حضرتك، فطلب مني أتكلم معاك الأول… وبعد كده هو هييجي لحضرتك، وكمان يتكلم مع باباه وبابا.

سقطت نظرة يزن ببطء إلى الأرض
_رولا مش هتتجوز دلوقتي 

صمت يوسف للحظة، ثم لمح الحزن… ذلك الانكسار الذي لم يره يومًا في خاله.

نهض يوسف فورًا، قلقًا:
_خالو… ليه بتقول كده؟ حضرتك سألتها؟

رفع يزن عينيه… وهناك من النظرات التي تحكي مانشعر به: تعب، خوف، حنان، وشيء أقرب لكتم سرّ يحرقه.

_من غير ما أسألها يا حبيبي… دي بنتي، وأنا حافظها.

اقترب يوسف خطوة، يحاول التشبث بالأمل:
_طب… طب إيه رأيك أتكلم أنا معاها؟ وإن شاء الله أقنعها.

هز يزن رأسه نافيًا، كأن الأمر محسوم:
_يوسف… قلت لك مفيش نصيب يا حبيبي. بلال ابني، ورولا بنتي… بس بلاش.

مرّر يوسف يده في خصلاته في محاولة يائسة لفتح ثغرة لاقناعه:
_بس هو بيحبها… وصدقني ممكن تكون هي كمان بتحبه.

بُكرة ينساها… قالها يزن بصوت مبحوح جعل صدر يشعر بالريبة بأن يزن على علم بما حدث، فقال بهدوء

_خالو… حضرتك مخبّي عليّ حاجة؟

تهرب يزن بنظراته، كأن الكلمة لو خرجت ستفجّر شيئًا لا يمكن السيطرة عليه. اكتفى بجملة قصيرة، هاربة:

_قوله… كل شيء قسمة ونصيب.

قبل أن يرد يوسف… اقتحمت الغرفة دخول رولا وهي تحمل فنجان قهوة ليوسف.

_إزيّك يا جو…

التفت إليها يوسف…  وراقبها بنظرة موجعة، تتردد فيها كلمات رؤى وحديث بلال، الذي شعر بأن جبل اطبق على صدره…بينما طالعها يزن بالمً يخشى من القادم على ابنته.

نهض يوسف فجأة، وانتزع فنجان القهوة من يدها ووضعه على الطاولة 

والتفت إليها مباشرة، بلا مقدمات،  وقذف بكلماته قبل أن تنهار أعصابه:
_رولا يوسف عايز يتجوزك

انحنت رأس رولا، وهزّة عنيفة اجتاحت جسدها، لتسعر  بأنّ قلبها سيتوقف عن النبض. تجمّدت الكلمات في صدرها، كيف يحدث هذا؟ وكيف يفكّر بلال في الزواج وهو يعلم تمامًا ما مرّت به؟

عمّ الصمت، صمت ثقيل قاتل… قبل أن يطرق بلال الباب عن بلال.. توقّف عند العتبة، وعينيه تتعلّقان برولا التي تبدو كمن كُشف سترها، ثم قال بثبات:

_«عمو يزن… عارف كل حاجة يا يوسف».

شهقت رولا شهقة ممزقة وهي تستدير نحو والدها. فانهمرت دموعها بلا استئذان.
_«بابا… والله أنا مظلومة!»

دخل بلال وخلفه رحيل التي لحقت به بعد أن سمعت حديث يوسف مع يزن.
_«يزن… بلال ويوسف عارفين كل حاجة».

انعقدت الدهشة على وجه يزن، بينما تجمّد يوسف في مكانه.. هنا تيقن سبب المرض الذي نهش جسد يزن، حينما علم ما حدث لابنته.

تقدّم بلال خطوة، توقف جانب رولا:
_«أنا اللي جِبت رولا من الشقة اللي كانت فيها».

اهتزّ صدر يزن، فأطرق برأسه يُصارع ضيق أنفاسه. جثا يوسف أمامه على ركبتيه، وقال بصوت خافت لكنّه ثابت:

_«يزن الشافعي مايتكسرش كدا أبداً… بنتك ما غلطتش. اتلعب عليها. وإحنا جه دورنا… لو موقّفناش معاها دلوقتي يبقى إحنا مالناش لازمة. أنا وبلال فكرنا في الموضوع… وحضرتك عارف إننا كلنا عيلة».

رفع وجهه إليه، وعيناه تعكسان صدقًا لا يتزعزع:
_«والله يا خالو… ماحدّ يعرف حاجة. لا بابا ولا عمو. بلال كلّمني من يومين… وواجهت خالتو رؤى».

ارتفع رأس يزن أخيرًا، عينيه تلمعان بدموع موجوعة. تابع يوسف:

_«إحنا مش هنقدر نوصل لحقّها بسهولة… الراجل دا محدّش يعرفه ولا له أثر. ففكرنا في حل… وأتمنى حضرتك توافق. رولا شايفة بلال أخ… وهو كمان بيقول زيّها زي ضي. فهنكتب كتابهم سنة… أو حسب ما يتفقوا… وبعدها كل واحد يرجع لحياته. أنا كنت هعمل كدا… بس بلال رفض».

لم تحتمل رولا المزيد، فانطلقت راكضة إلى خارج الغرفة، وعيون بلال تتبعها حتى اختفت. تنفّس بلال بعمق واقترب من يزن:

_«عمو يزن… للأسف مفيش قدّامنا غير الحل دا. خلّينا نعمل زي ما يوسف قال».

زمّ يزن شفتيه بشيء من الألم:
_عايز تتجوز بنتي باتفاقية يا بلال؟ دا ينفع يا ابني؟

بادر يوسف سريعًا:
_ليه تقول اتفاقية يا خالو؟ ما يمكن خلال الفترة دي… ربنا يغيّر الحال، صدقني ماتعرفش بكرة فيه ايه

هزّ بلال رأسه بثبات، لم ينطق.

ليتابع يوسف:
_«المهم… فكّر في الحل. مفيش غيره. خصوصًا إن الراجل دا ما نعرفش عنه حاجة».

أسند يزن ظهره، وتعبه يثقل ملامحه:
_«أنا… تعبان. عايز أنام. سبوني».

خرجوا واحدًا تلو الآخر، تاركين خلفهم أبًا ينهار بصمت على قلبه…
لكن يوسف لم يستطع أن يبتعد. توقّف عند الباب، التفت إليه للحظة طويلة، ثم عاد بخطوات بطيئة وجلس بجواره. كان يزن يحاول أن يتماسك، ويداه ترتجفان فوق ركبتيه.

انحنى يوسف نحوه قليلًا، صوته خافت لكنه محمّل بثبات غير قابل للكسر:
_«مش عايز أشوف حضرتك كدا… بس الكلام اللي سمعته من خالتو وجعني أوي يا خالو. حسّيت إنها قيدتني بحبل من نار. فيها شرّ العالم… قالت كلام كتير مجروح على الكل. أمن بنتك يا خالو. بلال راجل… وسيبك من كلمة اتفاقية أو مدة. متعرفش بكرة مخبّي إيه».

أشار إلى نفسه، يضع يده على صدره:
_«أنا اتجوزت ضي غصب، وحضرتك عارف… دلوقتي أقدر أقول إنّي ماعرفتش السعادة غير لما اتجوزتها. يمكن… يمكن بلال ورولا يكونوا كدا. المهم… حضرتك بلاش تفكر باللي في دماغك».

رفع يزن وجهه المتجعّد بالألم:
_«خايف… في يوم يعايرها».

هزّ يوسف رأسه بقوة، عيناه ثابتتان:
_«أوعَدك… بلال مش هيعملها. هو حضرتك متعرفوش».

تنهد يزن بمرارة ثقيلة:
_«يا حبيبي… كل حاجة الراجل بيسامح فيها… إلا دي».

ربت يوسف على كفّ خاله برفق:
_«لو فكّرنا بالسلب مش هنتقدّم. وهقولها تاني… حتى لو بلال ورولا ما اتفقوش واتطلقوا، يبقى كدا أمان ليها بعد كدا. مش هيسيب فرصة لحد يؤذيها».

أغلق يزن عينيه، وكأنه يسلّم أمره لله:
_«خلاص يا يوسف… اللي ربنا يقدّمه».

ابتسم يوسف ابتسامة هادئة، ثم انحنى وقبّل رأس خاله برفق، يربّت على كتفه بحنان:
_«عمو وبابا هيجوا لحضرتك… بس مش عايز أسر يعرف.. ولا حد. والله كنا ناويين مانعرفش حد… بس حضرتك فجّأتنا».

ارتعشت شفتا يزن وهو يهمس:
_«ربنا يسعدكوا يا حبيبي».

كانت رحيل واقفة عند الباب، ابتسامة باهتة تكسو ملامحها. اقتربت وربتت على كتف يوسف:
_«أنا واثقة فيك… وفي بلال يا يوسف».

قالتها ثم خرجت بخطوات مسرعة باتجاه غرفة ابنتها.. 

خرج يزن من شروده، وتطلع الى اسر وقال
_بيقول عايز يتجوز، وشايف رولا مناسبة له
_بلال كويس اوي يابابا، غير انه راجل، وانا موافق،  والرأي في الاول والاخر لحضرتك
_انا كمان شايف كدا 
توقف بنظر بساعته
_عندي جلسة على اتناشر يادوب الحق.. الطريق ساعات بيكون واقف 
_ربنا يوفقك حبيبي 
انحنى يقبل رأس والده وقال
_هتكلم مع رولا لما ارجع بإذن الله 

بمنزل إلياس 

كان يتحدّث في الهاتف مع مالك حين قاطعه طرقٌ حادّ على باب مكتبه. رفع حاجبه بضيق قبل أن يسمح بالدخول. دلف بلال بخطوات مترددة، فأشار له إلياس بالجلوس إلى أن ينهي مكالمته. دقائق قليلة، وأغلق الخط ثم استدار إليه.

قال بابتسامة مشدودة:
_عامل إيه يا حبيبي؟

تنفّس بلال بعمق:
_كويس يا عمو… مش هعطّل حضرتك. أنا جاي في موضوع شخصي، واتكلمت مع بابا وقالي لازم أكلم حضرتك بما إنك كبير العيلة.

اعتدل إلياس في جلسته، يستمع باهتمام. تكلم بلال بثبات:
_عايز أتجوز رولا… بنت عمو يزن.

رفع إلياس حاجبه بسخرية خفيفة:
_تتجوز مرة واحدة؟ مش تخطب؟

حمحم بلال مُصححًا:
_قصدي أخطبها يا عمو، ونعمل فرح بسيط… أصل حضرتك عارف إني بحضّر دكتوراه.

ضاق جبين إلياس بالشك. فانحنى قليلًا فوق المكتب، يغرس نظراته في بلال

_إنتوا بتخطّطوا لإيه يا بلال؟

ارتبك بلال:
_مش فاهم حضرتك؟

نهض إلياس فجأة، يدور حول مقعده ببطء ثم انحنى على مستوى عينَي بلال، وقال بصوته منخفض:
_يوسف كان بيعمل إيه عند خالتو؟

رمش بلال بدهشة مصطنعة:
_خالتو مين هو يوسف عنده خالة أصلاً؟

تراجع إلياس وجلس، ينفخ ضيقًا.
طيب… يا ابن أرسلان، بما إنك بتحب رولا، يبقى أكيد عارف كل حاجة عنها.
رولا راحت مرتين السجن تزور عمتها اللي إنت متعرفهاش
وتاني مرة… خرجت وراحت عمارة. البواب قال إنها طالعة لدكتور.
بعدها بساعتين… حضرتك روّحت لعندها وقعدت فوق ربع ساعة ونزلت.
وكاميرات العمارة في اليوم دا كانت عطلانة

ورؤى اللي إنت برضو متعرفش عنها حاجة طلبت زيارة رولا بعدها.
_إيه اللي بيحصل؟ وبتخبّوا عليا إيه؟

ظلّ بلال لحظة يرمش بلا فهم، ثم ابتسم ابتسامة ساخرة:
_إيه يا عمو أفلام الأكشن دي؟ شكلك كنت بتتفرّج على سيلفستر كتير… أنا دماغي لِفِّت.

ارتفع صوت إياس غاضبًا
_انت بتقول ايه

رفع يديه متوسلًا:
وحياة سيدي أبو المكارم ما أعرف أي حاجة! غير إن رولا كانت في عيد ميلاد صاحبتها… وروّحت جبتها. حضرتك عارف البيست فريند… مكنش ينفع أسيبها ترجع لوحدها.

ضرب إلياس المكتب بكفه:
_إنت بتقول إيه يا لا؟

تلفّت بلال كأنه يبحث عن منقذ:
_هو يوسف فين؟ سايبني لقمة سايغة لحضرتك!

صرخ إلياس:
اطلع برّا!

نهض بلال، ثم عاد يستدير عند الباب:
_طب هتجوز إمتى؟

زمجر إلياس:
_وأنا مالي! خد أبوك وروح اتجوز!

هزّ بلال رأسه بأسف مصطنع:
_يا خسارة يا حج إلياس… شكلك هيبقى وحش أوي بعد تنحيك عن عضوية كبير العيلة.

تحرك إلياس نحوه بغضب، فكاد يبطش به، لكن بلال قفز للخارج ضاحكًا. قبل أن يغلق الباب، التفت إلياس وصوته يقطر تهديدًا:
_عارف لو عرفت فيه حوار

تجمّد وجه بلال للحظة….ثم هز رأسه بالموافقة، يبتلع ارتباكه خلف ابتسامة متوترة.
فقال إلياس بنبرة حاسمة:
_خلاص… بالليل هنروح نلبس الدبل. مش هي البيست فريند؟ يعني مش لسه هتتعرفوا.

تسائل بتقطع:
_طيب… كتب الكتاب؟

سكت إلياس لحظات، يثبت عيناه في وجهه، ثم قال ببطء:
_أول الشهر… كتب كتاب ودخلة كمان. علشان تساعدك في الدكتوراه.

للحظة، اهتزّ جسد بلال وكأن كلمات إلياس صفعة غير متوقعة. بلع ريقه بصعوبة، وهز رأسه ، ثم خرج سريعًا 

دخلت ميرال بعده بلحظات،  تنظر اليه بقلق:
_إلياس… شمس مرحتش الجامعة. إيه رأيك آخدها ونخرج؟

هز رأسه رافضًا، وأشار لها بالاقتراب:
_تعالي يا ميرال… سيبك من شمس دلوقتي. فيه موضوع مهم لازم تعرفيه.

اقتربت وجلست بجواره، وضع يده على كتفها بحنان مُتعب:
_عايزِك تروحي تتكلمي مع يزن. لازم أعرف إيه اللي وصله للحالة دي… وأكيد هيقولّك.

تجعدت ملامحها باستفهام:
_مش فاهمة… يزن من فترة بيشتكي من صداع. يمكن ضغط ولا حاجة.

هز إلياس رأسه بلا اقتناع:
_ميرو… روّحي اتكلمي معاه، ولما ترجعي… هقولك على حاجة.

نظرت إليه بقلق عميق:
_طب شمس؟ هتسيبها كده؟

تنهد إلياس بوجع أبٍ مُثقل:
_شمس لازم تقوم لوحدها. مينفعش نفضل نطبطب… وحمزة لازم تنساه.

تمسكت بيده، ترجوه:
_علشان خاطري يا إلياس…

أغمض عينيه لحظة، كأن كلماتها تخترق نقطة ضعفه:
_حبيبتي… بلاش نوجع بعض. بنتِك هتعاني… مش أنا اللي أقولّك.

ترقرقت الدموع في حدقتيها:
البنت بتحبه يا إلياس…

خفض رأسه بضياع أبٍ عاجز:
_عارف… والله عارف. بس عاجز. وخايف عليها.
أنا مش خايف من الولد…أنا خايف من الزمن.

انسحبت ميرال بخطوات مُثقَلة، تحمل معها غصّة أم تُحاول أن تنقذ ابنتها بما يؤلم قلبها

خرج إلياس إلى الحديقة، يتنفس الهواء كمن خرج من غرفة ضيقة تُطبق على صدره.
وقعت عيناه على أرسلان يقترب، بينما بلال يقف مع يوسف في الجهة الأخرى وكأنهما يستعدان لتمارين صباحية.

هتف أرسلان بتحية دافئة:
_صباح الخير يا أبو يوسف.

_صباح الخير يا حبيبي… اقعد.

جلسا متقابلين. سأل إلياس مباشرة:
_بلال كلمك عن رولا؟

_آه… تطلع اليه الياس 
_بس عندي إحساس إنهم بيخططوا لحاجة.

تجعد جبين أرسلان:
_تقصد إيه؟

هز إلياس رأسه بضيق:
مش عارف. اتكلم مع بلال… يمكن يطلع منه حاجة.

تنهد أرسلان:
_هو فجّأني بموضوع رولا. بس والله فرحت. خصوصًا بعد اللي عرفته عن البنت اللي كنت قولتلك عليها.

رفع إلياس حاجبه:
_أنهي بنت؟

أشار أرسلان بيده:
_فاكر الواد اللي حاول يتهجم عليه؟ صاحب شركات النسيج.

تذكر إلياس طلب بلال عن الحراسة فتمتم:
_أيوة… كلمني علشان طقم حراسة لواحدة مطلقة. كانت مرات الواد دا.

زفر أرسلان:
_للأسف… كنت خايف يكون فيه بينهم علاقة. خصوصًا إن البنت دايمًا عنده. وكمان عرفت إنها بتنام في مكتبه.

قطب إلياس حاجبيه، تابع ارسلان وصوته انخفض:
_بس ارتحت لما قالي عايز يتجوز رولا.

هز إلياس رأسه ببطء:
لا… ما ترتحش. وخلي بالك منه. أنا حاسس في حاجة بخصوص رولا…
بس يا رب ميكنش اللي في بالي.

تراجع أرسلان:
_تقصد إيه؟

لوّح إلياس بيده:
انسى… المهم. عايز تروح إمتى تطلبها؟

ابتسم أرسلان بثقة:
_بالليل إن شاء الله. وكلمت جورج على خاتم ودبلة.

ضحك إلياس بخفوت:
_ياااه على الحماس… بس نشوف يزن هيقول إيه الأول.

قال أرسلان بكل بساطة:
_موافق. بلال قالي إنه موافق.

ساد صمت ثقيل. ونظرات إلياس ضاقت بقلق يخترق صدره. وتابع بصوت خافت لا يسمعه سواه:

يا ترى بتخطط لإيه يا يوسف…
وليه روّحت لرؤى…؟

بعد ساعات…

كان الهدوء يخيّم على منزل يزن، إلا من شهقات رولا المكتومة وهي تبكي بين يدي والدتها. ارتجفت بصوتٍ مبحوح:
_مش عايزة أتجوز بلال يا ماما… أنا مستحيل أتجوز بالطريقة دي.. والله انا مظلومة

قبل أن ترد عليها رحيل، طرق خفيف على الباب.
_خالتو رحيل… أدخل؟
أومأت، تمسح دموع ابنتها سريعًا.
_البسي حجابك يا حبيبتي… ابن عمتِك برّه. رولا أسر ميعرفش حاجة… وزمانه داخل.

التقطت رولا نفسًا مرتعشًا قبل أن يدخل يوسف بخطوات ثابتة ونظرة لا تُقرأ.
_بعد إذن حضرتك… عايز رولا نخرج مشوار مع بعض. وأنا استأذنت من خالو.
عند ضي…
كانت تقف امام منزلها، تتحدث في الهاتف مع ميرال:
_خلاص يا خالتو، هعدّي على شمس… يوسف خرج، قالي عنده عملية وهيتأخر.

صمتت فجأة حين رأت يوسف يخرج من منزل يزن… وبجواره رولا!
اتسعت عيناها، وضاقت شفتيها بغضب:
_رايحين فين؟ مش المفروض هتتخطب النهارده!

رفعت الهاتف واتصلت بزوجها. التفت يوسف في المرآة ورأى ضي واقفة تراقبه كالمحقق. رد ببرودٍ متعمد:
_أيوة يا ضي؟

_انت فييييين؟

ضحك بخفة، وقال بنبرة مستفزة:
_غبية يا مراتي الهبلة… ما أنا قدامك! خارج مشوار مع رولا… وبعد كده عندي عملية… وبعدها هرجع لمراتي المجنونة.

شهقت:
_رايح فين مع رولا لوحدكم يا دكتور؟

غمز يوسف لرولا قبل أن يفتح الصوت الخارجي للهاتف:
_رايح أتجوزها عليكي يا روحي، جهزي أوضة لضِرتِك.

صرخت ضي وهي تندفع نحوه:
_ااااه!!

لكنه لوّح لها بيده وتحرك بالسيارة مبتعدًا وهو يضحك 
ماشي يا ابن إلياس… والله لأطلّعها على جَتِّك!
_بتحبك على فكرة
تمتمت بها رولا 
ابتسم لها وقال: 
_وأنا كمان بحبها، واكتر حاجة بحبها فيها جنانها، علشان كدا بقولك ادي نفسك فرصة يابنت خالي
نظرت للخارج واغروقت عيناها بالدموع بالصمت

بعد شهرين…

جلست رولا أمام مرآتها، تنهي لمسات زينتها الأخيرة. كانت عيناها لامعتين… لا تدري أهو الفرح أم الاستسلام.
اندفعت ضي وشمس إلى الغرفة بحماسٍ صاخب.

_مبروك يا مرات أخويا المستقبلية! كنتي هتبقي ضرتي يا بت…
قالتها ضي بضحكة عالية، بينما شمس جلست بجسد بلا روح، فمنذ ابتعاد حمزة، لا تعد تلك الشقية خفيفة الظل، تحولت من فرلشة لظل شخص ينتظر موته 

ابتسمت رولا ابتسامة باهتة، وقالت بخفوت:
_الله يبارك فيكِ.

قطبت ضي جبينها:
_إيه يا بت البرود ده؟ اللي يسمعك يقول إنك مجبورة!

لم تُكمل،  دلفت رحيل بخطوات سريعة:
_يلا يا حبيبتي… المأذون جه.

رفعت رولا عينيها لوالدتها… نظرة استعطاف.. اقتربت رحيل وربتت على كتفها برفقٍ ظاهري، وحزمٍ مبطّن.
_يلا يا بنتي… الناس جَت برّه.

همست رولا بدهشة:
_ناس مين؟ مش يوسف كان بيقول… إحنا بس؟

تنهدت رحيل وكأنها تخفي مفاجأة مدوّية:
_لا…باباكي اصر يعمل حفلة صغيرة،وعمو إسحاق وولاده الاتنين، ودكتور آدم، وماما فريدة، وعمو مصطفى.. وصحاب بلال على الطريق

هنا رفعت شمس حاجبيها بدهشة مضاعفة:
_عمو إسحاق الجارحي؟

أومأت رحيل بابتسامة مُغلقة، ثم غمزت:
_والكابتن اللي زي القمر كمان… ودينا.

ركضت  إلى الخارج فاقدة عقلها، فلقد اشتاقت اليه حد الجنون... توقفت تبحث عنه بلهفة، تلتفت يمينًا ويسارًا، وصوت أنفاسها يعلو مع خفقات قلبٍ مذعور... وفجأة… وقعت عيناها عليه.

كان  جالسًا مع بلال ويوسف، يتحدثون، يضحكون… بلا أي التفاتة لها.. انهمرت دموعها بلا إرادة، ثم خرجت منها شهقة حارقة… أشبه بانتزاع الروح.
لأول مرة شعرت أن قلبها يُكسر فعلًا، يتفتت… كل جزء منه يسقط على الأرض أمامها.. 

استدارت سريعًا، تزيل دموعها بظهر يدها، قبل أن تهرول عائدة إلى المنزل،ومنه إلى غرفتها…

تتذكر محاولات والدتها إقناعها بارتداء فستان أنيق. 
_لازم أقف من جديد… لازم أظهَر قوية

عند رولا بعد دقائق… خرجت بزيّ هادئ، جميل، يشبه وقار الوجع.. باللون الأبيض ولمسات تجميلية خفيفة

تحركت  بجوار ضي ورحيل، وما إن لمحها أسـر حتى نهض واقترب منها بابتسامة دافئة:

_إيه الجمال دا؟

رفعت رولا نظراتها بسرعة إلى بلال… التقت عيناهما لحظة واحدة فقط، لكنها كانت كافية لإرباك نبضها.
سحبها أسر برفق نحو الطاولة المُعدّة لعقد القران.. وقبل جلوسها، تقدّم بلال فجأة، يمسك كفيها ويجلسها إلى جواره بثبات 

راقبهما إلياس بصمتٍ عميق، ثم انحنى نحو مالك، قال له بضع كلمات قبل أن يعود لمكانه… يستند، يراقب، ينتظر صوت المأذون.

في المقابل، نهض أرسلان واتجه نحو إسحاق الجارحي:
_عمو إسحاق… زي ما قعدت لضي، هتقعد لبلال. ولادك… ولازم تعدل.

ابتسم إسحاق بمحبة، وربت على كتف أرسلان:
_طبعًا يا حبيبي وفي العند في أي حد.
قالها وهو يرمق إلياس بنظرة يعرفها جيدًا… 

تجوّل إلياس بعينيه في أرجاء المكان… حتى توقفت نظرته على حمزة.
كان حمزة يتظاهر باللامبالاة، يعبث بهاتفه

انحنى إلياس نحو ميرال:
_فين شمس؟

بحثت  ميرال بنظرها، ثم نهضت:
_هسأل ضي عليها

لكنها صمتت فجأة حين رأتها قادمة

كانت تتقدم بخطوات ثابتة، ترتدي فستانًا أحمر يلتف حول خصرها برقة، وحجابًا أبيض كالنور.. جمالها لم يكن مجرد مظهر… بل حضورٌ يخطف الأنفاس.. من يراها… يظنها حورية خرجت 

اقتربت من الطاولة حيث يجلس والدها، والدتها، وفريدة ومصطفى وآدم وإيلين.. قالت بخفوت:
_آسفة يا ماما… اضطريت أغيّر فستاني.

ضمتها ميرال:
_إيه الجمال اللي يخطف القلب دا؟

جلست شمس في مقعد مقابل حمزة مباشرةً… لم تلاحظ جلوس رائد بجانبها...أشارت لها ضي:
_شمس! تعالي هنا شويّة.

لكنها هزّت رأسها:
_مرتاحـة هنا يا حبيبتي.

التفت رائد إليها مبتسمًا:
_إزيك يا شمس؟

لم تكن قد لاحظت وجوده أولًا، لكن… خبث الأنثى بداخلها انتفض.
رفعت رأسها نحوه برقة مقصودة:
_أهلًا يا باشمهندس.

هنا فقط… ارتفع رأس حمزة.
نظرة واحدة من عينيها لرجلٍ آخر… كانت كافية لنسف كل صبره.
كور قبضته… وشدّ نفسه… يعضّ على أعصابه كي لا ينهض ويمسكها من ذراعها أمام الجميع.
لم يكن يريد المجيء… لكن إصرار والده كان أمرًا نافذًا، والآن… يكاد يفقد عقله.

مرت دقائق، تحدثت شمس مع رائد بصوت هامس… ضحكت قليلًا… بينما كان حمزة يغلي كبركان.

انتهى عقد القران.
نهضت شمس متوجّهة نحو رولا وبلال:
_ألف مبروك يا دكتور… مبروك يا رولا.

ابتسمت رولا بامتنان، بينما تمتم بلال:
_ميرسي يا شمس… عقبالك يا حبيبتي.

ثم جذب يدها وابتعدا قليلًا عن الزحام. همس لها بنبرة حادة:
_مش معنى إنه غلط، يبقى نلعب بالنار يا بت. واخد بالي… لِمّي الدور، علشان ماقلبش عليكي.

ابتسمت بسخرية:
ماشي يا دكتور… لحظة أرد عالتليفون.

ابتعدت قليلًا، تضع هاتفها على أذنها، لم تنتبه للظل الذي تبعها… للشخص الذي اقترب خلفها بخطوات بطيئة.

_لا… مش هاجي بُكرة يا حبيبتي. عندنا مناسبة النهاردة، وأكيد هنسهر. تمام.

أغلقت الهاتف… استدارت، 
لتصطدم بجسدٍ صلب.. 
رفعت عيناها الهادئة، تقابل عيناه النارية، فلقد فقد الصبر بمراحله 

على بعد خطوات…

توقفت سيارة حديثة، نزل منها بعض أصدقاء بلال، ومعهم فتاة تمشي بثقة، وثبات، وألمًا في عينيها.

اقتربوا من التجمع.. نهض يوسف فور رؤيتهم:
_بلال؟

رفع بلال عينيه، يستقبل أصدقاءه بابتسامة:
_ألف مبروك يا بلال!
_الله يبارك فيك

لكنه توقف…بل تجمّد… حين ظهرت خلف صديقه.
_مبروك يادكتور 

كـــارمـن…؟!
قالها مع اقتراب يوسف من وقوفه، يتطلع اليهم بتقيم... نظرات فقط كانت على الأثنين، ليرفع صوته هنا قائلًا 

تعليقات