رواية عشق لا يضاهي الفصل الثلاثمائة والثامن والعشرون 328 بقلم اسماء حميدة


  رواية عشق لا يضاهي الفصل الثلاثمائة والثامن والعشرون 


بدأت خيوط الذاكرة تتجمع في ذهن **ظافر** على استحياء كأن الماضي يعود إليه مترددًا… تذكّر زفافه… وتذكّر كيف ترك **سيرين** وحيدة في تلك الليلة… تذكّر دموعها الحارّة يوم توفي والدها وكيف كان وجهها يغرق بالحزن فيما هو يقف أمامها ببرودٍ لا يليق بإنسان منشغلًا في غضبه من عائلة تهامي وما ظنه خديعة.

حاول أن يغوص أعمق لكن الألم في رأسه تفجّر كطَعنة فأجبره على التوقف فالتفت ببطء نحو **فاطمة** وقال بصوت منخفض ولكن حاسم:

“فاطمة… لا أستطيع قبول ما طلبتِه.”

تجمدت نظرات فاطمة لكن كلماته التالية كانت كفيلة بإرباكها:

“لا أستطيع أن أرى المرأة التي أحبها تُسلَّم لرجل آخر… أعدك أن أتغيّر وأن أعامل سيرين كما تستحق وألا أجرحها يومًا مرة أخرى.”

لكن فاطمة لم تهتزّ ومن ثم قالت بمرارة صادقة:

“كلامك هذا لا يصدر عنك إلا لأنك أعمى الآن… لو كنتَ في حالتك الأولى لما التفتَّ إلى سيرين أصلًا.”

لم يجد ظافر ردًّا… كان يعلم في قرارة نفسه أن برهان التغيير لا يكون بالوعود بل بالأفعال.

مملوءة بالغضب والخيبة أدارت فاطمة ظهرها وعادت إلى غرفتها غير قادرة على مواصلة الحديث معه وبقي ظافر وحده لم يذق لقمة منذ دخوله المنزل.

تذكّر كلمات إيلي عن غياب سيرين لعدة أيام فالتقط هاتفه، وتردّد للحظة… ثم ضغط زر الاتصال… وجل ما يريده هو أن يسمع صوتها.

كانت **سيرين** قد عادت إلى المدينة وبعد أن وصلت إلى **ماثيو** وسوّت أمر كفالته، مضت لتلتقي ب **كوثر** و**زكريّا** وبينما كانوا يتناولون طعامهم أضاء هاتفها باسم **ظافر** فسارعت تنهض من مقعدها متذرّعة بأي سبب وخرجت لتجيب.

“ما الأمر؟” سألت بصوت منخفض.

جاء صوت ظافر مباشرًا لا مواربة فيه:

“أين أنتِ الآن؟”

لم ترغب في إخباره أين ذهبت ولا لماذا فقالت بهدوء حازم:

“مكاني لا يخصك… فقط اعتنِ بنفسك لبضعة أيام… لقد تركت مُربيةً تعتني بفاطمة وسأعود قريبًا.”

وبينما كانت تتحدث كان ظافر يصغي بصمت مشيرًا لأحد رجاله بأن يتتبع عنوان المكالمة… لم يطل الأمر؛ وسرعان ما عرف أنها في المدينة وحين لم يعرف سبب وجودها هناك وحدها اشتعل القلق في صدره… فأمر بإعداد سيارة تقله إليها على الفور.

ثم همس لها بصوت يشتد دفئًا كلما طال:

“اعتني بنفسك، وإذا حدث شيء اتصلي بي… الجو بارد هذه الأيام فلا تدعي…”

لكن كلماته انقطعت فجأة إذ ظهرت **كوثر** عند الباب فأغلقت سيرين الهاتف على الفور متنبهةً أن ظافر بات أكثر إلحاحًا وتطفلًا عن ذي قبل.

اقتربت كوثر منها هامسة:

“هل كان هذا ظافر؟”

هزت سيرين رأسها فابتسمت كوثر بسخرية خفيفة:

“وما شأنه بكِ الآن؟ هل ما زال يتوهّم أنه ظافر المتعالي الذي كان؟”

لم تستطع سيرين إخفاء ابتسامة صغيرة.

“دعكِ منه… هيا نكمل طعامنا.”

في تلك اللحظة أطلّ **زكريّا** من خلف الباب وقد ارتسم القلق على ملامحه.

“أمي… من الذي يطمئن عليكِ؟”

أجابت **سيرين** بسرعة وهي تحاول إخفاء توترها:

“إنها **فاطمة**… تشعر بالقلق لكوني هنا وحدي، فاتصلت لتطمئن.”

لم يخف على زكريا تلعثمها ولكنه هادن قائلاً:

“إذن… لماذا لم تسمحي لي بالتحدث إليها؟ أفتقد جدتي كثيرًا.”

ربّتت سيرين على كتفه بحنان وقالت:

“سنتصل بها بعد العشاء، حسناً؟”

“حاضر.” تمتم وهو يعود إلى مكانه.

عادت سيرين إلى الطاولة واستأنفت حديثها مع **كوثر** حول وضع **سارة** و**تامر** بينما جلس زكريّا يستمع بصمت… يتفاجأ كلما انكشف له جانب جديد من وقاحة جدّته وخاله… نعم الثمانية مليارات دولار قد سرقهم من والده… ومع ذلك لو فُتح تحقيق رسمي فلن يكون الأمر هيّنًا.

قالت كوثر بنبرة ممتزجة بالغضب والتهكّم:

“سارة بلا حياء حقًا… حين توفي والدك استحوذت هي وتامر على أغلب المال والأصول والآن يريدان الاستيلاء على ما لديك!”

ابتسمت سيرين ابتسامة صغيرة مطمئنة:

“لا تشغلي بالك… لن يحصلوا على شيء مني.”

كانت سيرين قد سدّدت دين سارة لولادتها، إذ شعرت دومًا أن ما وصلت إليه الآن مدينة به لفاطمة وكارم والأطباء الذين أنقذوا حياتها.

سألتها كوثر بفضول صادق:

“وهل قررتِ ما يجب عليك فعله؟”

لقد كانت كوثر تريد مساعدتها لولا أن رخصتها القانونية قد أُلغيت.

أومأت سيرين بثقة هادئة:

“نعم… لدي ما يكفي… ومع هذا الدليل لن تنال سارة ولا تامر شيئًا قط.”


تعليقات