رواية عشق لا يضاهي الفصل الثلاثمائة والسادس والعشرون 326 بقلم اسماء حميدة


  رواية عشق لا يضاهي الفصل الثلاثمائة والسادس والعشرون 


ما إن بلغ **ظافر** المنزل حتى أدرك أنّ **سيرين** غير موجودة أخذ يبحث عنها في كل زاوية لكن عبثًا؛ لم يترك غيابها أي أثر يدلّ على وجهتها… أخذ شيء من الغضب يشتعل في صدره؛ فهو لا يغادر البيت إلا بعد أن يترك لها رسالة تطمئن قلبها أمّا هي فكانت ترحل دون أن تخبره بشيء.

في المطبخ كانت الخادمة التي استأجرتها سيرين للعناية بـ **فاطمة** منشغلة بالطهو… تنظر بين الحين والآخر إلى ظافر وهو ينادي باسم سيرين بقلقٍ ظاهر حتى أنها لم تستطع كتمان ما تعرفه فقالت بتردّد:

“على الأرجح… السيدة سيرين لن تعود خلال الأيام القليلة المقبلة إذ طلبت مني أن أعتني بالسيدة فاطمة عدة أيام حتى عودتها.”

توقّف ظافر عند صوتٍ لا يعرفه فاستدار نحوها وسأل بحدة:

“من أنتِ؟”

خرجت الخادمة من المطبخ وقالت باحترام لا يخلو من جفاء:

“أنا **إيلي**… الخادمة التي عيّنتها السيدة سيرين لرعاية السيدة فاطمة.”

وما إن اقتربت منه إيلي حتى أدركت أنه لا يرى فبدا الارتباك على ملامحها للحظة ثم قالت بلا تردد:

“سيدي… في هذه الحالة سأحتاج إلى أجر أعلى… السيدة سيرين قالت إن مهمتي رعاية السيدة فاطمة فقط… لم تذكر شيئًا عن الاعتناء برجلٍ أعمى.”

ض.ربته الكلمة كبردٍ مفاجئ تحطم ثقته بذاته؛ **أعمى**!! شعر بوخزة خجل نافذة لكنه تماسَك وقال بصلابة:

“لا أحتاج إلى من يعتني بي.”

رفعت إيلي كتفيها بلا اكتراث:

“وكيف لا تحتاج؟ أنت… أعمى… هذا لا يخصني… إن أردت بقائي فعليك دفع المزيد.”

في لحظة تجمّد وجه ظافر وتحوّلت ملامحه إلى صقيعٍ قاسٍ ومن ثم ارتفع صوته… هادئًا في نبرته لكنه حاد كالشفرة:

“اخرجي.”

انمّحت الجرأة من وجه إيلي للحظة قبل أن تتراجع ببطء نحو باب المطبخ تدرك متأخرة أنها وقفت أمام رجلٍ قد يفقد بصره… لكن لم يفقد هيبته قط.

ذهلت **إيلي** من صراخ ظافر المفاجئ فتراجعت خطوة وقالت باضطراب:

“لماذا… لماذا ترفع صوتك هكذا؟ السيدة **سيرين** هي من وظفتني ولا يحق لأحد طردي سواها! ثم من سيهتم بالسيدة **فاطمة** إن رحلت؟”

لكن كلماتها لم تُجْدِ فبعد دقائق قليلة، سحبها الحراس الشخصيون المختبئون في الظلال إلى الخارج رغم احتجاجاتها.

في تلك اللحظة كانت فاطمة قد استيقظت على الصراخ واقتربت من النافذة فرأت إيلي وهي تهذي وتلوّح بيديها بعنف:

“انسوا زيادة الأجر! كيف تجرؤون على سحبي هكذا؟ سأبلغ الشرطة! سأقاضيكم جميعًا!”

لم يعتد أحد أن يثير ضجة أمام ظافر ولم يتخيل يومًا رؤية امرأة ريفية تصنع هذه الفوضى الجنونية في حضرته… كان المشهد عبثيًا إلى حدّ جعله يشعر بصداع ثقيل.

خرج ظافر من البيت بملامح جامدة وقال ببرود يأبى الجدل:

“اسكتوا صراخها… وألقوا بها في الشارع.”

كانت إيلي امرأة خمسينية جسدها ثقيل لكن لسانها سليط لا تعرف شيئًا عن صاحبة هذا البيت ولا عن الرجل الذي تقف أمامه إذ ظنّت أنه ما دام أعمى فلن يستطيع إيذاءها فتمادَت في الوقاحة إذ صرخت وهي تتخبط بين أيدي الحراس:

“آه! هذا ظلم! أنقذوني! يريدون تمزيق ملابسي! هذا الأعمى يعتدي على امرأة!”

اجتمع الجيران على الأصوات وأخذ بعضهم يطلّ من النوافذ وقبل أن يتمكن الحراس من إسكاتها عضّت يد أحدهم بعنف.

قبض ظافر يديه حتى ابيضّت مفاصله والغضب يتصاعد في صدره كالنار إذ كانت كلماتها البذيئة تُشعل فيه غضبًا لم يستطع كتمانه.

في تلك اللحظة ظهرت **فاطمة** فجأة تندفع نحو **إيلي** ووجّهت لها صفعة حاسمة وهي تصيح:

“صهري شاب مهذب ووسيم! حتى لو كان أعمى فلن يعجبه عجوز مثلك! ألستِ قادرة على أن تنظري إلى نفسك في المرآة؟ لا أصدق أنك تسمحين لإطلاق العنان لخيالك وأنت لست سوى دودة في التراب!”

تجمّع الحشد من حولهم وانفجروا ضحكاً من جرأة كلماتها.

لم تتردد فاطمة للحظة وهي تخرج بعض المال من جيبها ورمته في وجه إيلي قائلة:

“هذا راتبك عن اليوم… اذهبي ولا تدعي أعيننا تراك مرة أخرى.”

نهضت **إيلي** مترددة وأخذت المال على مضض تتهامس:

“صهرك الأعمى مخيف جدًا… لا أستطيع العمل مع عائلتكم مرة أخرى!”

وبينما ابتعدت وهي تتمتم في سرّها وجد الجيران أنفسهم عاجزين إلا عن مواساة **فاطمة** و**ظافر** والضحك ما زال يملأ الأجواء.

قال أحد الجيران مازحًا:

“يا فاطمة لو لم تتحدثي عن صهرك لما عرفنا كم هو وسيم! يبدو أنه شخصية مشهورة!”

وأضاف آخر:

“حقًا! إنه طويل ووسيم… كما إننا لم نرَ أحدًا مثله من قبل.”

أما **فاطمة**، فقد شعرت بالارتياح؛ فالمربية التي جلبتها سيرين لم تكن لطيفة على الإطلاق، فقد سمعت عن أساليبها في الاحتيال على كبار السن وكان من الجيد أنها طُردت أخيرًا.

تساءل بعض الجيران بفضول:

“أصدقاء صهرك وسيمون أيضًا؟ هل لديهم حبيبات؟ هل يمكن أن نعرفهم على بعضهن؟”

ظنّ الناس هناك أن حراس ظافر هم أصدقاءه… في تلك اللحظة شعر **الحراس** الذين كانوا يراقبون المشهد بالخجل ورفعوا أنظارهم نحو **ظافر** مدركين أن نظراتهم لم تكن خفية عنه.


تعليقات