رواية عشق لا يضاهي الفصل الثلاثمائة والرابع والعشرون 324 بقلم اسماء حميدة


  رواية عشق لا يضاهي الفصل الثلاثمائة والرابع والعشرون 


كانت الثلوج قد هطلت طوال الليل فتراكمت عند بوابة قصر **ظافر** حتى انشغل العمّال بإزاحتها في البرد القارس.

أما ظافر فظل جالسًا في سيارته يراقب المكان بصمت ولم يخطُ خطوة إلى الداخل.

وفجأة لمح **ماهر** شبيهًا لظافر يدخل القصر بخطوات واثقة… شَبَهٌ يكاد يلتبس على العين حتى ليصعب التفريق بينهما لم يكن ذلك إلا **جاسر** التوأم الذي ظلّ طيّ الكتمان لسنوات طويلة.

التفت ماهر بقلق نحو ظافر، قائلاً:

“هل نتوجه إلى الداخل الآن؟ لقد رأيت شخصًا يشبهك تمامًا يدخل المبنى.”

لكن وجود عدد كبير من الخدم ومدبّرات المنزل يعني أن ظهور ظافر في هذه اللحظة سيُفضح أمر جاسر فورًا وقد يُشعل ذلك مشكلة لا يمكن السيطرة عليها.

قبل أيام قليلة فقط كان جاسر يقيم في قصر **نصران** بسبب مشكلات تتعلق بهويته لذا لم يتوقع ظافر أن ينتقل جاسر إلى قصره بهذه السرعة… وبكل هذا التحدّي… فبعد أن سرق هويته سيطر على الشركة وها هو الآن يستحوذ على القصر أيضًا.

راود ظافر سؤال مرّ كالسك.ين:

هل سيحاول جاسر لاحقًا خط.ف زوجته؟ أو أولئك الذين يحيطون به؟

قال ظافر بصوت هادئ لكن يحمل ثِقلًا غريبًا:

“لا داعي للعجلة.”

فاستعاد ماهر رباطة جأشه وأوقف السيارة في مكان بعيد.

رغم السنوات التي قضاها ماهر إلى جانب ظافر لم يسمع ماهر يومًا عن وجود توأم له وهذه كانت المرة الأولى التي يرى فيها **جاسر** رؤية العين.

كان الشبه مذهلًا؛ فلو ارتدى الاثنان الزي ذاته لَما استطاع ماهر—ولا سواه—أن يفرق بينهما لكن الحقيقة تبقى كما هي:

**جاسر هو الشقيق التوأم لظافر… ومن الحكمة أن يتولى إدارة الشركة بدلًا من زيدن عديم النفع.**

وبينما كان **ظافر** و**ماهر** ينتظران داخل السيارة مرّت بجوارهما مركبة فاخرة متعددة الاستخدامات لم ينتبه ماهر لراكبيها ولم يدرك أنّ **دينا** كانت تجلس في المقعد الخلفي تراقب بوابة القصر بصمتٍ محسوب.

في تلك الأثناء كان **جاسر** يتجوّل داخل القصر وكأنه المالك الشرعي وحين وصل إلى غرفة **سيرين** استوقفته صورة موضوعة بإهمال على منضدة السرير… التقطها بين أصابعه يقلبها ببطء ثم ضيّق عينيه بتمعّن.

كانت الصورة تجمع **سيرين** و**ظافر** في يوم خطوبتهما… ترتدي ثوبًا رقيقًا يليق بملامحها الهادئة فيما يقف ظافر إلى جوارها ببذلته الداكنة وهي ممسكة بذراعه بحنانٍ واضح.

لم يلتقط ظافر وسيرين صورة زفاف رسمية قط فاحتفظت سيرين بتلك الصورة كأنها رمز لعقدٍ لم يكتمل بعد وحين قررت الرحيل تركت الصورة خلفها كذكرى لا ترغب في حملها معها.

ظلّ جاسر يحدّق في الصورة بصمتٍ ثقيل حتى قطع شروده صوت **جاكي وورث** سكرتيرته الخاصة والتي وقفت عند الباب قائلة:

“سيد جاسر، هناك من يطلب مقابلتك في الطابق السفلي.”

كانت جاكي المرأة الوحيدة—بعد شادية—التي تعرف حقيقة هويته إذ رافقته سنوات طويلة أثناء علاجه في الخارج واطّلعت على ما لم يعرفه أحد.

سألها جاسر دون أن يرفع رأسه:

“من؟”

شغّلت جاكي الجهاز اللوحي بين يديها وقدمت له الاسم:

“إنها **دينا**. أخبرتك السيدة شادية عنها من قبل… كانت صديقة السيد ظافر لكنهما انفصلا فجأة بل إن السيد ظافر أرسلها ذات مرة إلى مصحة عقلية…. قالت السيدة شادية إنك لست مضطرًا لمجاملة دينا.”

كان حديث جاكي بمثابة خيط يعيد لجاسر ترتيب ما فقده من حديث والدته فهي الذراع التي سهرت على تذكيره بكل ما أرادت شادية أن يعرفه… وما أرادت إخفاءه أيضًا.

قال جاسربصوت منخفض:

“فهمت.”

ثم نظر إلى الصورة مرة أخيرة فبدا وكأنه يحسم شيئًا داخليا ومن ثم أسقطها في سلة المهملات بلا تردّد ثم غادر غرفة النوم بخطواتٍ ثابتة متجهاً إلى الطابق السفلي لملاقاة دينا.

كانت **دينا** تنتظر حولها في الطابق السفلي وقد تملكها شعور غريب؛ فطالما عرفت أن **ماهر** ظلّ ملازمًا لظافر لا يتحرك خطوةً من دونه فلم تستوعب كيف انتهى به الأمر باتخاذ مساعدة ترافقه… ولم يلبث فضولها أن اتضح حين رأت **جاسر** يهبط الدرج برفقة **جاكي**.

وما إن وقع بصرها عليه حتى نهضت فجأة من الأريكة وصاحت:

**”ظافر!”**

كان الخوف ما يزال مترسّبًا في أعماقها، ذلك الخوف الذي تركته فترة حبسها في المصحة العقلية بأمره.

أما **جاسر** فحدّق فيها ببرود تام ثم جلس بهدوء في حين انكمش الشعور في صدرها عندما أدركت أن العمى الذي رأته في آخر لقاء لم يكن سوى تمثيل محكم.

قالت دينا بصوتٍ مرتجف:

“أنا آسفة يا ظافر… منذ أن سمحت لي السيدة شادية بالخروج وأنا أعيش في ندمٍ لا ينتهي… ما كان ينبغي لي أن أكذب عليك بشأن سيرين… هل ستسامحني؟”

وعند سماع كلماتها أدرك **جاسر** الغاية من حضورها فقال بنبرة ثابتة:

**”اعتذري لسيرين.”**

تجمدت دينا في مكانها واتسعت عيناها دهشة فرفع جاسر حاجبه مستنكرًا في تهكم:

“ما الأمر؟ أترفضين؟”

أسرعت تهزّ رأسها نافية وقالت بارتباك:

“لا… بالطبع لا… سأفعل الآن.”

أخرجت هاتفها لتستعد للاتصال لكن صوته قاطعها ببرود أشد قسوة:

**”أريدك أن تركعي أمامها وتعتذري لها وجهًا لوجه.”**

صدر عنه كل حرف ببطءٍ محسوب كأنه حكمٌ لا يقبل نقاشًا.


تعليقات