رواية ابتليت بها ( كاملة جميع الفصول ) بقلم قطر الندي

 

رواية ابتليت بها كامله جميع الفصول بقلم قطر الندي 


جرح الخيانة هو شفرة صامتة تنزف في أعماق الروح، كأن أحدهم أطفأ فجأة كل أنوار قلبك و تركك تتعثر في ممرات الذاكرة تتساءل كيف لم أر القادم؟!...في البداية تجمد الصدمة مشاعرك لكن الثلج يذوب و يبدأ الوجع... وجع يشبه شظايا زجاج مكسور في صدرك مع كل نفس يأخذ من قلبك قطعة...💔

تنظر إلى الفراغ بعيون دامعة تأبى الإفصاح عن ألم يستعر بين حنايا القلب المكسور، تنهدت بعد لحظات شرود حملتها إلى عالم وردي لا عذاب فيه، أن تمنى بالخذلان من أقرب الناس إلى فؤادك شعور صعب يجعلك تيشفق على نفسك بل يصل بك الحال إلى حد النقمة على ذلك القلب الذي فرط في مشاعره و انساق خلف سراب من المشاعر الصادقة ليمنى بخيبة أمل قاسية و يكون مصيره الانكسار. ظلت تسأل نفسها آلاف المرات أين يكمن الخطأ، من المذنب، هل كانت عمياء البصيرة حين تركت الدفة لفؤادها البريء أين قادها إلى ضفة الألم، انكسرت مرآة الحب التي كانت تخفي الصورة الحقيقية للحبيب فاثخنت بها الجراح.... تزفر آهات متألمة تغادر تجاويف القلب كحمم بركان مستعر فتدفق عبر روحها تاركة خلفها مشاعر كانت ذات يوم متقدة فغدت رمادا. هل الحب الصادق صار ذنبا يخلف لصاحبه الحسرة و الندم أم الخطأ في سوء الاختيار. النصيحة،تلك الكلمات الثمينة كم من مرة دمغت بها أو قيلت بين سطور الحوار عن أنانية الحبيب لكن غيب العقل و تاه التفكير أمام قلب يتراقص فرحا تحت نشوة سحر الحب.

طرقات متتالية على الباب جعلتها تزيح تخرج من شرودها و تزيح دمعة شاردة عن وجهها وهي تضع قناع الصلابة من جديد. 
ما إن فتح الباب حتى اندفعت ضلفته إلى الداخل و تدافعت الأجساد عبره، علي أخاها من الرضاعة تتبعه الخالة فريدة صاحبة الحضن الدافيء الذي يخفف عنها قسوة الأيام تليهم رفيقة البؤس و الألم جنان الكنة السابقة لعمتها. دعتهم حنين للدخول وهي تتقدمهم إلى الصالون الصغير ثم جلست على أريكة فردية تثني ساقيها تحتها. ارتشفت ما تبقى من كوب قهوتها البارد على مهل ثم نظرت إليهم فإذا هم جالسون كأن على رؤوسهم الطير، اتصلت بهم منذ ساعة و دعتهم للمجيء إلى شقتها دون ذكر الأسباب. 
وضعت الكوب جانبا ثم قالت بتمهل و نظرات الفضول مازالت تتبع تحرك شفتيها باهتمام
حنين: اليوم ستظهر نتيجة المناقصة، سيعرف من سيكون شريك ال طوروس في منطقتنا. 
خيم السكون على المكان، التزموا الصمت في انتظار ما ستقول، حمحت بهدوء ثم اضافت 
حنين: هذا النجاح يعني لي الكثير، أحتاج أن تكونو معي عند إعلان النتيجة النهائية. 
فركت فريدة يديها ببعضها ثم قالت وهي تنظر إلى جنان بتوتر 
فريدة: طبعا، طبعا صغيرتي نحن عائلتك و ندعمك في كل خطوة تقدمين عليها لكن... 
سارعت جنان لمقاطعة حديثها بأن قالت بتردد
جنان: عزيزتي حنين نحن معك في السراء والضراء، بل كنا نخطط لدعوتك للخروج هذا المساء لتناول العشاء في الخارج. 
نفخ علي بضيق فهو يكاد صبره ينفذ منه، كان خير شاهد على خيانة ابن عمها لها فقد لمحه أكثر من مناسبة بصحبة تلك الشقراء التي سلبته لبه و جعلته يلقي بمشاعر هذه المسكينة عرض الحائط في حين كانت هي تعيش أصعب لحظات حياتها إثر فراق والدها المفاجيء. نهضت إلى المطبخ تعد اكواب من الشاي فانتهز الفرصة قائلا بحنق
علي: أكاد اذهب الى ذلك الحقير و احطم وجهه، اشفق عليها من تأثير لحظة اكتشاف حقيقته. 
فريدة: التزم الصمت الآن ثم سنفكر في طريقة ننير بها بصيرتها، لا أستطيع أن اتركها مخدوعة به إلى هذا اليوم، كنت انتظر أن تتجاوز صدمة وفاة عادل. 
جنان: لن تغفر لنا إخفاء الأمر عنها، تلقي صدمتان في فترة وجيزة تجعل اي عاقل يجن. 
فريدة، بحدة: و هل وجدنا الفرصة حتى ننقل لها خيانة ذلك النذل، تلك المسكينة منذ شهرين و نيف وهي تغرق في الحزن، بالكاد استجمعت نفسها منذ أيام قليلة. 
عادت حنين تحمل طبق به أكواب الشاي و انواع مختلفة من الحلويات كأنها تعد لاحتفال قريب، قامت بضيافتهم و عادت تتصفح هاتفها بتركيز. 
علي: متى ستعلن النتيجة؟!. 
حنين: اعتقد مازال يفصلنا عنها نصف ساعة فقط، ستنشر على الصفحة الرسمية للمجموعة. 
علي: ستكون نقلة نوعية لصاحب الحظ السعيد. 
جنان: أنا لدي الثقة المطلقة بحنين فهي ذكية جدا و لا أحد يستطيع الفوز عليها.....لماذا لم تذهبي إلى هناك مع عزت. 
حنين، همهمت بشرود: لا أريد أن أظهر في الصورة الآن. 
نظروا إلى بعضهم البعض باستغراب ثم بدؤوا الثرثرة في مواضيع شتى بغية الهاءها عما يوترها. 
💐💐💐

ازدحمت القاعة بالحضور، تأنق الجميع بغية لفت الإنتباه بأنه يليق به التواجد في هذا المكان، أحدهم سينال فرصة العمر و يدخل في شراكة مع أشهر امبراطوريات الاقتصاد في المنطقة، تتحرك عقارب الساعة ببطء و تزداد خفقات القلوب تسارعا، أخرج عزت منديل ورقي يمسح به جبينه المتعرق و حرك ربطة عنقه عله يخفف من توتره، أمسكت فتون بكفه تدعمه في لحظاته العصبية، تحاول بث روح الطمأنينه بأن تؤكد له أن ملفه أعد بطريقة احترافية و غير قابل للرفض... ابتسم لها بتوتر يخالجه بعض الخجل الذي ينكره منذ أن دخل إلى هنا، حنين لها النصيب الأوفر في تجهيزه فهي من عملت على ملف الصفقة ليلا نهارا يدفعها طموح كبير بالنهوض بشركته الصغيرة بينما كان هو يخطط لوضع فصول النهاية لحكايته معها، ابنة عمه و رفيقة الصبا، تلك الفتاة التي سلمته قلبها فاستغل ذكاءها و اجتهادها للقفز إلى عالم رجال الأعمال الناجحين تاركا إياها خلفه تلملم شظايا قلبها المكسور. نظر حوله يلهي ضميره عن تذكيره بفعلته الدنيئة مبررا لنفسه انه يستحق النجاح و يستحق قلبه أن يحب شقراء تليق به كزوجة في المستقبل، فتون إبنة أحد معارف والده، جاءت ذات يوم إلى مكتبه تطلب خدمة لها ثم تكررت زياراتها بذرائع مختلفة بعد ان أعجبت به فقررت إيقاعه في غرامها، انشغال الأخرى بالعمل جعل مهمتها تخلو من المصاعب فبعض الرجال أكثر ضغفا أمام الاهتمام و المدح المتواصل. ظلت تحوم حوله و توهمه بما ليس فيه حتى جعلته يقع صريع هواها و يقتنع ان ما كان يكنه لخطيبته من مشاعر لم تكن يوما حبا. توالت لقاءاتهما بعيدا عن العيون حتى تصادم منذ أسبوع مع علي في إحدى المطاعم الفاخرة ليدرك أن الحقيقة ستظهر قريبا و لابد من الإستعداد لها. 

انفتح الباب الكبير على مصراعيه و تدفق عبره رجال ببدلات رسمية يحيطون برجل وقور تجاوز الستين من العمر، المحامي نذير عزيز عرف بأنه أشهر المحامين بسبب توليه لشؤون عائلة ال طوروس الشهيرة. جلس الجميع إلى طاولة أعدت للغرض و بدأ يسرد أسباب اللقاء مع التنويه إلى أهمية الفرصة التي ستمنح للفائز الذي يستحق. ازداد الحماس و التوتر داخل القاعدة حتى تكاد تحبس الأنفاس، بدأ العد التنازلي مع تصاعد دقات القلوب، انفصلت حنين عن الواقع و قد تعلقت مقلتيها بشاشة هاتفها الخلوي تتابع بلهفة بث مباشر لما يجري هناك.
بكلمات بسيطة و متسارعة تم الإعلان عن صاحب العرض الفائز، توالت الحروف على الأسماع تفصح عن إسم شركة**** لصاحبها محمود**** أحد الشبان المبتدئين الذي بدأ يشق أولى خطواته في عالم الأعمال لكن أنصفه الحظ كما لم ينصف شخص غيره. 
ألجمت الصدمة لسان عزت الذي تسمر على كرسيه يكور قبضتيه حتى ابيضت مفاصله، ضاعت الصفقة و ضاع معها حلم راوده منذ شهور، كان يمني نفسه بالتحول إلى حياة أكثر رفاهية مما هو عليه إلا أن القدر قال كلمته الأخيرة.... أو تدخل أحد العقول الذي لا تخيب حنكته فحول وجهة الفوز لطرف آخر لم يكن له من حظ في هذه الدنيا سوى أنه ظهر صدفة في طريق قلب احترق بنار الخيانة فقرر الإنتقام.
💐💐💐

دوت صرخة بين جدران الشقة تلتها قفزات متتابعة تعبيرا عن الفرحة بالنجاح وسط نظرات الذهول و الحيرة... لقد نجحت؟!! لقد فعلتها أخيرا!!. ثم ارتمت على الاريكة تهتز من فرط التأثر و ما لبثت أن تدفقت دموعها على وجنتيها وهي مازالت تردد بعبارات متعثرة لقد فعلتها أخيرا، راهنت على ذكائي ونجحت. 
تركت جنان مقعدها و تحركت إلى جوارها، جلست على ذراع الاريكة و احتضنت ذراعيها بحنو ثم قالت بتردد
جنان: حنين... لم أفهم في ماذا نجحت، أظن أنني سمعت إسم فائز لا نعرفه.. اقصد ان عزت لم يفز، هلا شرحت لنا ماذا يجري؟!!. 
مسحت دموعها المنهمرة، و قفت بجسد مشدود ثم قالت بنبرة منتشية
حنين: أجل من فاز ليس عزت لأنني أنا من خططت لخسارته، أنا من حولت نجاحه إلى خسارة. كنا نعمل على هذه المناقصة قبل وفاة أبي بفترة قصيرة و كنت أصل الليل بالنهار حتى نفوز بها، هه يال السخرية ظننت اننا شركاء في كل شيء و اعتقدت أنني أشيد قصر أحلامي معه، اكتشفت فجأة أنني أبني لأجل شخص يجهز لتحطيمي، في رمشة عين تبخرت أحلامي و تحولت إلى أوهام، تهاوى صرح مشاعري و تحطم على صخرة نتئة. هذه الصفقة كانت تحد كبير بالنسبة لي لأن السيد فؤاد طوروس كان دكتوري في الجامعة منذ سنتين و كنت من أشد المعجبين بأفكاره، ذات مرة قال لي بأنه سيكون سعيد أن جمعنا سوق العمل معا ذات يوم.... لكن بعد تخرجي لم أتمكن من التواصل معه فشركات تلك العائلة ليس من السهل النفوذ إليها، هذه المسابقة كانت فرصتي للعمل معه لكن ابن عمي العزيز كان يستغل مجهودي للفوز لنفسه و ينتظر الفرصة للانفصال عني. 
جنان: ماذا؟!! عن أي انفصال تتحدثين.... 
حنين، تنهدت بحزن و قالت: في اليوم الذي مرض فيه أبي، طلب مني عمي عمر أن أعود للبيت و اجلب له بعض الملابس و أغراض خاصة به، فعلت ما طلب مني و قفلت عائدة إلى المستشفى، لا أعلم لماذا دفعني حدسي للمرور على المكتب، ربما كنت أحتاج إلى رؤية عزت بعد يوم عصيب و استمد القوة منه لكنه في ذلك اليوم عمق حزني بعد أن حطم روحي و بعثر قلبي إلى أشلاء... لقد وجدت معه فتون في مكتبه الخاص و كانا في وضع حميمي، كان يبثها شدة حبه و غرامه لها. لا أنكر أنه كانت تراودني بعض الشكوك في المدة الأخيرة بشأنها لكن ظننت ان قوة مشاعرنا قادرة على صد اعتى رياح الغدر و محاولات تفرقتنا عن بعضنا، مع الأسف كانت مشاعري أنا فقط التي وقفت في وجه العاصفة لكنها احترقت قبل أن تقاوم. 
جنان: هل واجهته، هل تحدثت معه؟!! 
حنين: لا لم أفعل، كبلني الألم فأنا لم أجرب طعم الخيانة من قبل، لقد عجزت عن إيجاد بضع كلمات بسيطة اعاتبه بها، انسحبت بهدوء دون أن يشعرا بي و عدت إلى المستشفى و كما تعلمون في الغد حلت علي فاجعة أكبر جعلت اي ألم غيرها يهون... موت أبي كسرني و جعلني لا اتأثر بأي ألم غيره. 
( ازاحت دمعة نافرة و اضافت بتوعد)
حنين: لكن حياتي لن تقف هنا، سأعيد ترتيب قراراتي من جديد، مازال لم يخلق الرجل الذي يجعلني اسجن نفسي في قمقم الأحزان لأنني ذات يوم أحببته بصدق، هو لايستحق مشاعري النبيلة و لن أبكي اسفا على أيامي الماضية معه، كانت تجربة قاسية و لكنني تعلمت منها أن من لا يقدرني لذاتي لا سبيل لدخوله إلى حياتي، العمر رحلة و علينا أن نحسن فيها اختيار الرفيق.... ربما كنت في السابق صغيرة السن و عديمة الخبرة لكن لا أحد يتعلم بسهولة فلا بد من دفع الثمن عند كل درس، ذات مرة قال لي أبي لا ترضي لنفسك علاقة تكون فيها التضحية من نصيبك أنت فقط، امنحي بقدر ما يمنح لك. في ذلك وقت لم أدرك كنه كلماته أو لعل مرآة الحب كانت معتمه أكثر مما يجب. 
طوق أخاها كتفيها و طبع قبلة حنونة على صدغها ثم قال بفخر 
علي: قضيت أيام و ليال أفكر كيف سأبلغك بخيانة ذلك الشاب الذي لا أحب ذكر إسمه لكنك وفرت علي الكثير من الكلمات، من الجيد أنه خرج من حياتك... ما رأيك أن نخرج للسهر معا و الاستمتاع بعشاء فاخر. 
خبطت والدته على كتفه و قالت بحب
فريدة: ابتعد عنها قليلا، دعني احضن طفلتي القوية، لقد اشتقت لأيام تلك الفتاة الشقية و مشاكساتها... يا إلهي صغيرتي، لم أقلها لك من قبل لكنني لم أحب ذلك العزت أبدا، كنت أجد صعوبة في تقبله كصهر لي، الآن تأكدت بأنه لا يستحقك و لا يليق بك... هاا ماذا قلت بشأن اقتراح محامينا المبتدأ، هل نخرج للاستمتاع معا. 
جنان: أرجوك لا ترفضي هذه المرة، منذ زمن بعيد لم نخرج معا، يكاد يصبح الروتين جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية ... 
حنين: لن أرفض هذه المرة، أنا أيضا أحتاج إلى مغادرة هذه الجدران و الحصول على بعض التغيير لكن قبل ذلك لدي خطوة مهمة يجب أن أقوم بها. 
علي: ماهي، هل تحتاجين إلى مساعدتي؟!!. 
حنين: ليست خطوة صعبة تحتاج إلى المساعدة، مجرد تنفيذ قرار مصيري لا يحتمل التأجيل.
💐💐💐

غادرت فريدة و جنان كل إلى بيتها أما علي فقد أصر على مرافقة حنين إلى بيت عمها الوحيد لكنه بقي ينتظرها في الخارج. كعادتها دائما، استقبلتها زوجة عمها بفتور و دعتها للدخول إلى الصالون أين يجلس عمها يطالع مجلة اقتصادية. ما إن رآها عمر تدخل عليه حتى سارع لملاقتها بعيون متأثرة فهي الذكرى الوحيدة المتبقية له من شقيقه الأصغر. بعد عتاب رقيق عن تغيبها عنه دعاها للجلوس. أراد أن يطلب لها شيئا تشربه لكنها رفضت بشدة، التزمت الصمت لحظات ثم قالت وهي تستجمع إرادتها
حنين: عمي أنت تعلم مقدار حبي و احترامي لك لكن أرجو أن تتفهم دوافعي لما سأقوله الان. 
عمر: ما الأمر يا ابنتي، أنا رهن أشارتك مهما كان طلبك، هيا قولي و لا تترددي. 
حنين: أنت تحدثت مع أبي عن ارتباطنا أنا و عزت لكن وفاة أبي المفاجيء أجل الأمر.... جئت اليوم حتى أبلغك أن إبنك حل من هذا الارتباط، منذ اليوم لا تربطني به إلا صلة الدم. 
انتفض عمها في مكانه و قال بحدة
عمر: يا ابنتي لقد اتفقت مع المرحوم أخي على ذلك لأنها كانت رغبتكما و امنيتنا نحن أيضا، ماذا فعل عزت حتى جعلك تقدمين على هذه الخطوة. 
في تلك الأثناء دخلت زوجته يتبعها ابنها الوحيد عزت الذي بلغته بمجيئ ابنة عمه، أصابه الارتباك عند رؤيته للغضب الظاهر على محيا والده لكنه تظاهر بالهدوء
عزت: حنين!!! 
عمر: تعالى إلى هنا، ما الذي جعل ابنة عمك تنهي ارتباطكما، لن يغمض لي جفن قبل أن أعرف ماذا يجري من ورائي. 
عزت: أرجوك أبي اعفني من الجدال في اي موضوع اليوم فأنا لست في مزاج للنقاش معك أو معها هي خاصة، بسبب مشورتها خسرت أهم صفقة قد أحصل عليها و تكبدت خسائر كبيرة، مادية و معنوية. 
حنين: هاااه هل ستلقي اللوم على هذه المرة، ماذا كنت تفعل منذ وفاة أبي إلى حين موعد إنتهاء قبول الملفات، لم تراجع أفكاري طيلة شهر كامل ثم تأتي و تحملني المسؤولية. 
عزت: لقد وثقت في أفكارك بعد أن رددت مرارا و تكرارا أنّك أدرى الناس بما يفكر دكتورك العظيم. 
حنين: لا تحاول أن تجعلني شماعة تعلق عليها فشلك الذريع، عملت معك سنة و نصف دون كلل أو ملل فربحت بواسطتي الكثير، لم اذكر يوما أنك اسمعتني كلمة شكر واحدة و في النهاية منحتني المكافأة التي أستحق. 
شحب لونه و ظهرت البغتة على ملامحه، نقل والده نظراته بينهما و حدسه يخبره أن ابنة أخيه على وشك إلقاء قنبلة في وجهه لا قبل له بتحملها، خرج صوته متوتر و حاد معا
عمر: انتما الاثنان ما الذي تخفيانه عني، هيا تحدثا؟!! . 
سارعت زوجته لردع الحقيقة عن الظهور بأن قالت بتلجلج وهي تحاول تهدأة الأجواء المشحونة
حليمة: أهدأ عمر، أنت تعلم أن عزت و حنين طالما حدث بينهما سوء تفاهم إلى جانب أن كلاهما متوتر بسبب تلك الخسارة فالنؤجل النقاش إلى يوم آخر. 
جلس العم على أقرب كرسي له و قال بصوت منهك
عمر: لم يصل الأمر إلى طلب الانفصال في السابق... ابنتي حنين أنت لا تعنين ما أفصحت عنه منذ قليل، كانت مجرد زوبعة غضب أليس كذلك. 
حنين:....... 
عزت:......
عمر، بحدة: ليتحدث أحدكما أو اذهبا من أمامي و تصالحا في مكان هاديء.
حنين: حسنا، سأذهب عمي لكن بعد أن أبلغك بأنني جادة في ما قلته لك، لا يوجد مجال للصلح هذه المرة أما عن الأسباب فأخبرك بأنني اشتريت نفسي و أنت خير من يعرف شدة اعتدادي بها.

خرجت دون أن تنتظر رده، فاقترب من ابنه و أمسك ياقة قميصه يهزه بعنف
عمر: ستخبرني حالا ما السبب الذي جعلها تنفصل عنك، لا تتحجج بالمناقصة و العمل فأنا أعرف ابنة أخي أكثر منك. 
حليمة: دع الولد و شأنه، الزواج قسمة و نصيب و نحن لا سلطة لنا على قلوبنا. 
هدر زوجها بغضب: اااه إذا أنت تعلمين السبب، لا أستغرب تشجيعك له فأنت ما رضيت بابنة أخي كنة لك رغم أنها أفضل من ابننا بكثير. 
عند آخر كلمات، انتفض عزت كأنه كان ينتظر الفرصة لتخليص نفسه من ضغط والده 
عزت: يكفي أبي!!! لقد سئمت من ترديد نفس عبارتك علي، حنين أفضل منك، حنين فتاة ذكية و لماحة، حنين لم تفشل أبدا... أنت لا تعرف عنها أكثر مما يذكره عمي لك، له عذره فهو اب يرى ابنته لا مثيل لها لكنها في الواقع غير ذلك، أجل هي شعلة ذكاء متقدة لكنها ليس لديها اي مزايا كبقية البنات، لا تجيد اللبس و تقيد نفسها بمظهر أقرب للشباب منه للبنات، لا تفكر إلا في العمل، حصرت حياتها بين الحاسوب و الملفات، كم من فرصة لفت بها نظرها إلى وزنها الزائد، إلى مظهرها البائس لكنها لا تفهمني و لا تستجيب لي، يتوقف ذكاءها إن ابتعدت عن عالم الأرقام و البيانات. وجدت نفسي ابتعد عنها شيئا فشيء حتى صارت مشاعري ناحيتها باهتة لا دفء فيها، أريد امرأة أشعر معها بجمال الحياة. 
تحدث والده بنبرة ساخرة: و فجأة وجدت فتاة أحلامك التي ستحول حياتك إلى جنة و تعيش معها في سعادة مطلقة.... من هي سعيدة الحظ التي ظفرت بها. 
عزت: أبي، أرجوك تفهم موقفي، حنين الآن ابنة عمي فقط. 
عمر: دعك من ابنة عمك و اجب عن سؤالي، من الفتاة الأخرى ؟!!! 
عزت: ف... فتون ابنة السيد جميل. 
خيم الصمت ثم دوت صفعة في المكان جعلت حليمة تصرخ بذعر، 
عمر: أنت اليوم لم تخسر المناقصة فقط.... سيأتي يوم تعض فيه أصابعك ندما، إلى حين ذلك الوقت لا يعنيني ما ستفعله بحياتك.
ترك العم المكان فاقتربت حليمة من ابنها تواسيه و تهون عليه، تبثه كلماتها المعتادة بأن ما فعله هو الصواب غير مدركة أن البذرة التي انشأتها على حب الذات غدت شابا انانيا يتقن فن التمثيل، يظهر للناس وجها باسما بينما يخفي خلفه قلبا لا يعرف إلا مصلحته حتى و إن كان ذلك على حساب أقرب الناس إليه.

💐💐💐
 
في قلب العاصمة و في الطرف الآخر من المجتمع حيث تتعانق ناطحات السحاب مع السحب، يعيش مجتمع الأثرياء في عالمٍ خاصٍ بهم، محاطٍ بالترف والخصوصية. إحدى تلك ناطحات السحاب تحمل شعار إمبراطورية 
"ال طوروس" العملاقة، رمزًا لقوة اقتصادية لا تُضاهى. تأسست هذه الإمبراطورية على يد توأم متناقض في الصفات: الأول، رجل أعمال صارم ومنهجي، يؤمن بالأرقام والانضباط؛ والثاني، مبتكر ومغامر، يتبع حدسه ويؤمن بأن الجرأة هي مفتاح الابتكار، النواة الأولى لهذه الإمبراطورية كانت شركة تصدير مغمورة تعود ملكيتها للسيد رامز العجوز الذي تبناهما في سن السادسة فكان لهما خير عوض عن قسوة حياة التشرد و برودة جدران الميتم. توأمين متطابقين في الملامح، لكن شخصيتيهما كانتا على طرفي نقيض، الأكبر بخمس دقائق، يُدعى مراد، رجلٌ عملي، صارم و حاد الطباع، يخطط لكل خطوة بدقة، ويؤمن بأن النجاح يأتي من الانضباط والعمل الجاد. أما الثاني، فؤاد، فهو مبدع ومغامر، يتبع حدسه ويؤمن بأن الجرأة هي مفتاح الابتكار، يفسح المجال لعواطفه النبيلة عكس شقيقه الذي يعتبر كل مشاعر رقيقة هي ضعف قد يعود بالندم على صاحبه.
رغم اختلافاتهما، أسّسا معًا مجموعة شركات ناجحة في عدة مجالات مختلفة. كانا يكملان بعضهما البعض، حيث يُوازن أحدهما الآخر، مما جعل من اتحادهما قوة لا تقهر في عالم الأعمال.

تعليقات



×