![]() |
اسكريبت طفل ملعون كامل بقلم حور حمدان
كنت فرحانة جدًا بالبيبي الجديد اللي نوّر عيلتنا بعد صبر عشر سنين. أخويا، حبيبي، أخيرًا بقى أب! فرحتي بيه كانت لا توصف، فاخدته من والدته—مرات أخويا—ونزلت عشان أشتري له شوية حاجات من الصيدلية، وكمان أجيب له هدوم ولعب.
كنت شايلة البيبي في حضني، حاسة بدفء جسمه الصغير، ريحته الجميلة مملية أنفي، وصوته الناعم وهو بيعمل حركاته الطفولية كان مريح للأعصاب. لكن أول ما وقفت قدام الصيدلية، حسيت بحاجة غريبة...
البيبي رفع راسه وبص قدامه كأنه شاف حاجة، بعدين بص ليّ... وابتسم.
في اللحظة دي، قلبي وقع في رجلي. جسمي اتجمد، وإحساس غريب بالبرودة سرى في عروقي. حاولت أغمض عيني وأفتحها بسرعة كأني بهلوس، لكن...
البيبي اختفى!
مش وقع مني، مش حد خطفه، مش حاجة مفهومة... اختفى كأنه ما كانش موجود أصلاً!
إيدي كانت لسه مرفوعة في وضع الحمل، شنطتي وقعت على الأرض من الصدمة، والناس حواليا بيعدّوا كأن مفيش حاجة حصلت. قلبي بيدق بجنون، عقلي مش مستوعب، ودني بتصفر، ونفَسي بقى تقيل جدًا.
في حالة الذهول دي، فتحت شنطتي، طلعت موبايلي، وإيدي بتترعش كتبت بسرعة لأخويا على الواتساب:
طارق...!
رد بسرعة:
إيه يا حور، في إيه؟
كتبت وأنا حاسة إني هقع من طولي:
الحقني بسرعة، أرجوك.
رد بقلق:
إيه اللي حصل؟
كتبله في رسالة تانية ودموعي بتنزل على خدي:
ابنك يا طارق!
في ثانية، ظهر إنه توتر:
في إيه؟ مالو ابني؟ حصل له حاجة؟
أنا مش قادرة أتنفس، مش عارفة أشرح، لكن كتبت بسرعة:
مش لاقياه، يا طارق! كنت ماشية وشيلاه، وفجأة... بص لي وابتسم... واختفى! والله ما عارفة إزاي، أنا منهارة.
رده كان بصدمة واضحة:
إيه؟ مش لقياه إزاي؟ إنتِ بتقولي إيه، حور؟ هو دا كلام يتصدق؟ ابني راح فين؟
والله العظيم ما بكدب! مش فاهمة إيه اللي حصل، طب تعالَ بس بسرعة نشوف هنعمل إيه.
إنتِ فين؟ انجزي!
قدام صيدلية الكوكب الخارجي.
جت رسالته بعدها بثواني، لكن كأنها طلعتني من جسمي:
حور، اتحركي من المكان دا فورًا!
قلبي وقع أكتر. كتبتله وأنا مش فاهمة:
ليه؟!
اسمعي الكلام، المكان دا مشهور بالدجّال، اتحركي حالًا!
حاولت أهدّي من نفسي، لكن قلبي كان بيدق بسرعة. كل ثانية كنت بحس إن حاجة غريبة هتحصل. كنت لسه واقفة قدام الصيدلية، وقلبي مش عارف يوقف عن الارتجاف، لكن فجأة لقيت صوت خطوات تقرب، وبعد لحظات قليلة، ظهر طارق وهو جاي بسرعة.
هو وصل عندي، قال لي بسرعة:
إيه اللي حصل؟ يلا، قولي بسرعة!
بصيت لية بنظرة مشوشة، ولساني مش قادر يخرج منه كلمة. حسيت إن في حاجة هتقع.
طارق... ما فيش... بدأت أقول، لكن لقيت صوت خطوات تانية، صوت حد بيجري بسرعة في الاتجاه اللي جينا منه. لفيت راسي بسرعة، وعينيّ اتسعت من المفاجأة... كان البيبي...!
لكن الغريب إنه كان واقف بعيد، بيبص علينا بابتسامة غريبة، وبعد ثواني، اختفى تاني.
طارق صرخ:
حور! قولي ده حصل ازاي؟
لكني كنت مش قادرة أتكلم، والبيبي اختفى مرة تانية... ولكن المرة دي، كنت حاسة إن في حاجة مش صح، وفي حاجة أكبر بكتير بتحصل حوالينا.
طارق كان لسه واقف قدامي، ملامحه متشنجة وعينيه مليانة قلق وخوف. حاول يهزني بلطف، لكن أنا كنت لسه متجمدة في مكاني، عقلي رافض يستوعب اللي حصل.
طارق: حور، ركزي معايا! شفتيه تاني فين؟
بلعت ريقي بصعوبة، ولساني بالكاد نطق:
أنا: كان واقف هناك… لكن… لكنه اختفى تاني!
طارق لف بسرعة ناحية المكان اللي كنت بشاور عليه، لكن مكنش فيه أي أثر للبيبي. بصيت في عينيه، شفت فيهم حاجة مختلفة… مش بس خوف على ابنه، لكن كأن فيه ذكرى قديمة رجعت لعقله.
طارق: لازم نتحرك حالًا، المكان دا مش آمن!
مسكني من إيدي بقوة، وسحبني ناحيته، لكن فجأة…
صوت ضحكة طفولية ناعمة خرج من خلفنا.
قلبي وقف في اللحظة دي. الصوت كان مألوف… صوت البيبي!
التفت بسرعة، وعيني اتسعت من الصدمة. هناك، في نص الشارع، كان واقف… صغير جدًا، بجسمه الطفولي البريء، لكن ملامحه كانت… مختلفة. عيونه كانت سودة بالكامل!
طارق همس بصدمة: يا ساتر…
الطفل ابتسم… بس الابتسامة دي كانت أبعد ما يكون عن البراءة. كانت مرعبة، ابتسامة ميّت رجع من العالم الآخر وبيشوف ناسه للمرة الأولى!
أنا بصوت مهزوز: طارق… ده مش ابنك…
لكن قبل ما يرد، الطفل بدأ يتحرك… مشى خطوتين، وبعدها اختفى فجأة، كأنه بخار تبخر في الهوى!
طارق مسكني بإحكام وقال بصوت مليان توتر:
إحنا لازم نروح عند شيخ… دلوقتي حالًا!
لكن قبل ما نتحرك، لمحت شيء مرعب… على الأرض، في نفس المكان اللي كان واقف فيه الطفل، كان فيه علامة… دائرة غريبة محفورة في الأسفلت، وسطها رمز غريب كأنه حروف غير مفهومة.
طارق لاحظها هو كمان، همس بخوف:
ده طِلسم… يا نهار أسود!
أنا: يعني إيه؟!
طارق بصلي بعين مليانة رعب، وهمس:
يعني ابننا مش ابننا… اللي شفناه دا مش طفل دا شئ تاني تمامًا
أنا بصوت متقطع: طارق، انت بتقول إيه؟! ازاي يعني مش طفل؟ ده ابنك!
طارق بحزم: لأ، ابننا كان في البيت مع أمه، إزاي ظهر هنا؟ وإزاي اختفى قدام عنينا؟ دي مش حاجة طبيعية، حور!
كنت على وشك الرد، لكن فجأة…
الهواء حواليّ تقل، والشارع اللي كان فيه عربيات وناس بقى كأنه مهجور.
النور اللي كان طالع من أعمدة الإنارة بدأ يضعف، والصوت الوحيد اللي كان باين هو صوت أنفاسي اللاهثة… وصوت ضحكة البيبي اللي رجعت تاني!
لفيت بسرعة… واللي شوفته خلا الدم يتجمد في عروقي.
الطفل كان واقف عند ناصية الشارع… لكن المرة دي، كان ماسك إيد حد تاني!
راجل لابس جلابية سودا، ووشه مش واضح كأنه محجوب بضباب غريب، لكنه كان بصاصنا مباشرة… والطفل لسه مبتسم!
طارق شدني بقوة وهمس بخوف:
إياكِ تبصي في عينيه! افتكري كلامي، حور… أيًا كان اللي يحصل، ما تبصيش في عينيه!
لكن فات الأوان…
الراجل رفع إيده، وأشار علينا بإصبعه.
في نفس اللحظة، حسيت بجسمي كله يتجمد، أنفاسي تقطعت، وكأن قوة غير مرئية شدّتني ناحيته! الأرض تحتي فقدت توازنها، وكل شيء بقى ضبابي…
آخر حاجة شفتها قبل ما الدنيا تظلم… كانت ابتسامة البيبي
فتحت عيني ببطء… كل حاجة كانت ضبابية، وحسيت بجسمي تقيل كأني مربوط بسلاسل غير مرئية. عقلي كان مشوش، وكنت سامعة أصوات بعيدة، همسات متداخلة، كأن في ناس بتتكلم بلغة غريبة مش مفهومة.
حاولت أتحرك… لكن مقدرتش.
كنت مرمية على أرض باردة، ريحتها غريبة… ريحة تراب قديم مخلوط بحاجة زي الرماد. بصيت حواليا، وقلبي دق بعنف لما استوعبت… أنا مش في الشارع!
كنت جوه مكان مظلم… زي كهف أو غرفة حجرية، الجدران مليانة رموز غريبة محفورة، وكأنها بتتحرك تحت عيني!
طارق فين؟
حاولت أصرخ باسمه، لكن صوتي كان محبوس، وكأن فيه حاجة بتضغط على حنجرتي. وفجأة…
ضحكة البيبي رجعت تاني.
التفت بسرعة، وعيني اتسعت برعب. كان هناك… واقف في نص الغرفة، بس المرة دي، كان حجمه أكبر بكتير، وكأنه كبر فجأة. عيونه السودا كانت بتلمع، والابتسامة الغريبة لسه مرسومة على وشه.
بس المرة دي… كان فيه حاجة مختلفة.
الطفل كان بين إيدين الراجل اللي شوفناه في الشارع.
كان واقف قدامه، إيده على راسه كأنه بيسيطر عليه، والطفل كان ساكت، مجرد بيبصلي بابتسامة ميتة!
الرجل بص ناحيتي، وصوته كان رخيم وعميق، زي صدى خارج من جوف الأرض:
"كنتم تظنون أنه ابنكم… لكنه لم يكن كذلك أبدًا."
حاولت أتكلم، لكن لساني كان مربوط.
الراجل كمل بصوت هادي… مرعب، لكنه هادي:
"لقد أخذناه منذ زمن… واستبدلناه بظل."
حسيت برجفة في جسمي، وكأن كل الدم تجمد في عروقي… استبدلوه؟!
طارق… لازم ألاقي طارق!
بصيت حواليا، ودورت عليه بعيني في الظلام، وقلبي كان هايقف لما لمحته…
كان مربوط في زاوية الغرفة، جسده ساكن، وعينيه مغمضة.
لازم أحرره…
لكن قبل ما أتحرك، الراجل مد إيده ناحية الطفل، ووشه المظلم مال لقدام وقال بصوت خافت:
"حان وقت استرجاعه."
وفجأة… الطفل بدأ يصرخ!
كان صراخ حاد، مش طبيعي، كأنه صوت أكتر من طفل في نفس الوقت!
الأرض اهتزت، والجدران بدأت تتهدم، وأنا حسيت بإيدي تتحرر فجأة!
طارق فتح عينيه مرة واحدة، وزعق بصوت عالي:
حور… امسكي إيدي! دلوقتي حالًا!
ركضت ناحيته بأقصى سرعة، رغم إن الأرض كانت بتتفكك تحت رجلي.
مديت إيدي ليه، وهو مسكها بقوة، وفجأة…
نور قوي انفجر في المكان!
صرخة الطفل كانت آخر حاجة سمعتها قبل ما كل حاجة تتحول لبياض ناصع… ثم ظلام دامس.
صحيت على صوت هدير المطر.
كان الجو بارد، وأنا كنت ممددة على الأرض الإسفلتية، في نفس المكان اللي بدأ فيه كل شيء…
الشارع كان فاضي، وكأنه مفيش حاجة حصلت.
بصيت جنبي… لقيت طارق نايم، وعلامات الصدمة على وشه.
كل دا… كان حلم؟!
بس قبل ما أفكر أكتر، لمحت شيء على الأرض…
دبدوب صغير، ملطخ بالتراب… وكان عليه نقطة دم!
حملته بإيدي المرتعشة، وبصيت لطارق اللي فتح عينيه ببطء…
طارق بص للدبدوب، وبعدها بصلي وقال بهمس:
هو مش حلم، حور… احنا رجعنا… بس هو لسه هنا.
ومن بعيد… تردد صوت ضحكة طفولية خافتة…
#طفل_ملعون
#تمت