رواية مداهنة عشق ( جميع فصول الرواية كاملة ) بقلم اسماء ايهاب

 

رواية مداهنة عشق الفصل الاول بقلم اسماء ايهاب


  


غرفة مظلمة لا ينيرها سوا بصيص من ضوء الشمس يأتي من تلك النافذة الصغيرة و لكنها كانت كافية ليظهر ذاك الشاب النحيف المتسطح علي الفراش بلا حول و لا قوة يغطي في النوم تائهة عن دنيا الوعي مفضلاً دنيا اللاوعي الافضل بالنسبة له علي الاطلاق منذ اضطر اهله تركه في مصحة للعلاج النفسي بعد ان تدهورت حالته النفسية و البدنية و كأنه اصبح "نصف ميت" لا يرغب في الطعام و لا الحديث و لا رؤية احبته انطفئت حياته المرحة الوردية و اصبحت رمادية لا روح فيها منذ ان زف اليه خبر وفاة حبيبته بدلاً من زفها اليه كعروس و انقلبت سعادته الي تعاسة في لحظات فقط ...

لم يشعر بفتح الباب الذي اصدر صوت مزعج و لا الضوء الذي انتشر بعدها و صوت تقدم خطوات شخص ضخم الجثة منه حتي اصبح جوار فراشه بالضبط نظر اليه عدة لحظات بأسف و كأنه يعتذر له عما اتي لفعله ثم دس يده بجيب سترته الطويلة المناسبة لعمله كممرض و اخرج ابرة طبية مملوءة بدواء ابيض اللون ثم انحني قليلاً ليحقن وريده بها و مع انتهاء حقنه للدواء استمع الي صوت خطوات قوية تقترب من الغرفة ليسرع باخفاء ما بيده داخل جيبه من جديد و اخذ يرتب الغطاء الملقي علي هذا المغيب و طرف عينه يراقب الباب المفتوح علي مصراعيه

و الذي ولج منه شاب اخر يرتدي الملابس الرسمية للشرطة المصرية يتقدم نحوه بخطوات ثابتة و ملامح مقتضبة حادة جعلته يقف مستقيماً محاولة بث لنفسه الطمأنينة من هيئته التي ارتجف لها قلبه بخوف عنوة و كأن هيبته تلقي بسرها دون حاجته لفعل شئ اخر ابتلع ريقه الذي جف و تحدث بهدوء يخبره بعملية :
_ المريض نايم يا فندم و مفيش زيارات دلوقتي 

نظر اليه الاخر بتفحص بأعين حادة دون ان يتفوه بحرف فهو يري هذا الممرض لاول مرة بالغرفة و بالتأكيد لا يعرفه لذلك جلس علي طرف الفراش مشيراً بيده نحو الخارج متحدثاً بصلابة دون التبرير له قائلاً :
_ شكراً للمعلومة اتفضل علي شغلك 

حمحم الممرض باحراج و هرول سريعاً من الغرفة يتنفس الصعداء لمرور الامر مرور الاكرام فلو اتي ذلك الضابط قبل ثواني فقط لكان كشف امره و كانت العواقب ستكون وخيمة و حين تأكد من ابتعاده عن الغرفة اخرج هاتفه يجري مكالمة هاتفية لم ينطق بها سوا بجملة واحدة :
_ كله تمام نفذت اللي امرت بيه 

اما بدأخل الغرفة كان هذا الضابط يتأمل ملامح اخيه الغافي و الغافل عن وجوده بل غافل عن الحياة اكملها و قد خيم الحزن علي صفحات وجهه و مد يده ليمرر انامله بخصلات شعرها الطويلة بحنو بالغ و كأنه يخبره بصمت انه الي جواره و حينها اهتز جسد الشاب استجابة لحنو لمساته و كأنه يخبره انه يشعر به ليبتسم الضابط متحدثاً بلطف :
_ "عدي" انا جيت ، انا قاسم 

و لكن كان الاخر مستغرق في نوم تسجنه به الادوية المهدئة لا يستطيع القيام منه ببساطة و حين طال صمته تنهد "قاسم" و هو ينحني قليلاً ليقبل جبهته بعمق ثم اعتدل بجلسته قائلاً :
_ هتخف و هتقف علي رجلك اشد من الاول يا عدي صدقني ، قوي نفسك علشان خاطرنا 

نظر الي هيئة اخيه بحزن شديد و هو يستكمل حديثه علي امل ان يستيقظ :
_ وحشني قعدتنا مع بعض و كلامك معايا ، حياتك مستنياك يا عدي 

تنهد من جديد بثقل و هو يجده لازال مستغرق في غفوته ليقف عن الفراش مستعداً للخروج و الذهاب الي عمله هندم هيئته بعد ان القي نظرة طويلة علي شقيقه لعله يشعر باشتياقه و يصحو :
_ هجيلك تاني عشان تكون صاحي و اعرف اتكلم معاك 

خرج بعد جملته مباشرةً غالقاً الباب خلفه و هو يشعر بروحه تحترق و لا يتحمل قوة نيرانها ، بكل مرة يأتي لزيارة اخيه في مشفي الامراض العصبية و النفسية يخرج محطم غارق في حزنه الذي لا ينتهي و شعوره بالعجز لمساعدة اخيه يقتله ببطئ يتمني ان يعود الزمن الي الخلف و يمحي ذلك اليوم من حياتهم يوم زفاف "عدي" و وصوله خبر وفاة خطيبته و حبيبته في حادث سير قبل عقد القران بساعات قليلة و تحول حياته الي غرفة صغيرة معتمة بعيداً عن اهله و اصدقائه و عمله بعيداً عن الحياة بأكملها فقد جني عليه حبه بالموت حياً و الهرب من الواقع الأليم 

************************************
خلف كواليس احد عروض الأزياء و الاكثر اهمية من بينهم سادت حالة من الهرج و الجميع يركض بين هنا و هناك حتي لا ينقص شئ او يتغافلون عن اي تفصيلة تكون كارثة قد حلت عليهم جميعاً و ازدادت الاجواء توتراً حين بدأ العد التنازلي لبداية العرض و بدأت العارضات بالاستعداد التام و التهيئة للعرض بالخارج تحت اشراف المصمم ليخرج كل شئ علي اكمل وجه ، بدأت الصيحات المتوترة تتعالي كلما اقترب الوقت اكثر و الجميع علي قدم و ساق و اخذت خبيرة التجميل و مساعديها بوضع اللمسات الاخيرة للجميع الا تلك التي تولت هذه المهمة بنفسها حيث جلست امام المراة بهدوء تمرر احمر شفاه وردي علي شفتيها المكتنزة بأغراء ثم ابتسمت تنظر الي انعكاس صورتها في المراة حيث كانت تمتلك وجه مليح بشرة صافية بيضاء عينيها البنية الواسعة التي لا تفضل وضع العدسات اللاصقة بها يعلوها حاجبيها ذات المظهر المُلفت انفها الصغير المتناسق مع ملامحها تماماً التي تحمل من البراءة و القوة والثقة بالنفس بآن واحد مررت يدها علي خصلات شعرها المموجة بطريقة محببة الي اخر ظهرها ذات اللون العسلي الداكن المصبوغ و الذي لاق بها كثيراً ، قطع ترتيبها لمظهرها صوت شاب يأتي من الخلف يقف يتأملها بدقة متحدثاً بهدوء يحثها علي الاسراع :
_ يلا يا آسيا انتي هتفتتحي العرض 

وقفت "آسيا" بثقة و ثبات تحسد عليه و قد ظهر قوامها الرشيق الذي لا يشوبه شائبة و طولها المناسب كعارضة ازياء تمرر يدها علي ثوبها القصير من اللون الازرق الداكن ذات فتحة صدر منخفضة تظهر بداية نهديها عاري الكتفين و تقدمت من ذلك الشاب تقف امامه تتحدث بصوتها الذي يحمل بحة رقيقة مميزة هي بها :
_ تمام يا چو انا جاهزة 

ابتسم المدعو "چو" و هو يمرر عينها عليها من اعلي الي اسفل ثم يهز رأسه مبتسماً برضا قائلاً :
_ اخر فستان هيتعرض هيكون تصميمك الجديد 

اتسعت ابتسامتها المشرقة و ظهرت اسنانها اللؤلؤية ناصعة البياض التي تهتم بمظهرها دائماً تهتف بامتنان :
_ شكراً انك هتعرضه بين تصاميمك يا چو 

اومأ اليها بهدوء يبتسم علي نجاحه في لفت نظرها كونه مهتماً بها و يعمل علي ارضائها ليشير الي باب الكواليس متحدثاً بعملية مصطنعة يخفي بها ما يشعر به من سرور كونها سعدت بضم تصميمها مع مجموعته الخاصة :
_ اتفضلي بقي اخرجي عشان تفتتحي العرض 

ازاحت شعرها الي الخلف ترفع رأسه بشموخ دائماً ما يلفت جميع الانظار اليها و خطت خطواتها بثقة حتي توقفت في بداية ساحة العرض تستعرض الثوب ثم خطت بثبات من جديد امام المدعوين غير عابئة بكعب الحذاء العالي الغير مريح بالمرة تري نظرات الاعجاب تحيط بها من كل الموجودين و الذي اخذ كل منهم يدقق بها كلاً لاسباب خاصة اعجاب دائماً ما يحاوط العارضة المتألقة كعادتها " آسيا التهامي "

انتهي العرض و ختمت ذلك هي جوار چو علي ساحة العرض شاكرين الحضور و دلفت هي من جديد الي الكواليس ترتدي ثوب رقيق من اللون البني الفاتح من قماش الشيفون تنسدل اكمامه اسفل كتفيها يتركها عاريين ذات فتحة طولية من الجزء السفلي تصل إلي فخذها ، اعادت خصلاتها الي الخلف تتنهد بارتياح قبل ان تستمع الي صوت تصفيق حماسي و توجهت صاحبته اليها تحتضنها بقوة قائلة بسعادة حقيقية :
_ تحفة يا آسيا برافو عليكي 

ابتسمت آسيا بحنو حين علمت من صاحبة هذه التصرفات الحماسية الطفولية لتضمها اليها تربت علي ظهرها برفق متحدثة :
_ و انا كنت مستنية رأيك يا جنة

ابتعدت "جنة" عنها قليلاً تنظر اليها بحنان تتأمل هذا الثوب عليها قائلة :
_ عليكي يجنن اعتقد لو واحدة تانية لبسته مش هيبقي حلو كدا عليها 

ضحكت آسيا و هي تمسد علي خصلات جنة السمراء القصيرة بامتنان و ما كادت ان تتحدث حتي قاطعها صوت انثوي ناعم من خلفها و احدهن تتحدث بخبث تنظر إليها من اعلي الي اسفل بتعالي قائلة :
_ و الله برافو عليكي يا آسيا عرفتي تضحكي علي چو و تشاركيه في مجموعة العرض 

انتقلت عيني آسيا الي تلك الواقفة تعقد ذراعيها امام صدرها تقف بتمايل تنظر اليها بأعين حاقدة دائماً ما تراها آسيا في عينها اتجاهها لتعتدل آسيا بشموخ تقترب منها بخطوات متمهلة حتي وقفت امامها تماماً تنظر الي عينها الماكرة تجيبها بثقة جعلت الاخري تشتعل غضباً :
_ انا مش محتاجة اضحك علي حد انتي عارفة انا ابقي مين كويس و عارفة حجم الربح اللي هيستفيد بيه چو مني 

مدت آسيا يدها تربت علي وجنتها ببعض من القوة تكمل حديثها بنبرة قوية :
_ انا آسيا التهامي يا كارما اوعي تنسي 

تراجعت آسيا الي الخلف خطوة ارتسمت ابتسامة رضا علي محياها حين رأت شحوب الاخري و الغضب المرتسم علي محياها ثم التفتت تمسك بيد جنة تجذبها معها الي احدي الغرف الخاصة بتبديل الملابس و جنة ترسل الي تلك المتجمدة محلها نظرات شامتة متشفية 

*********************************** 
بأحدي الاحياء البسيطة بالقاهرة حيث محل لبيع الوجبات السريعة و أيضاً ما يطلبه الزبائن من طعام مطهو بالمنزل امامه العديد من الاشخاص لطلب الطعام يخرج شاب بدين بعض الشئ يحمل حقائب عدة بيده يتخطي الواقفون حتي وصل الي وجهته يمد يده بالحقائب الي الواقف امامه يهتف بتعجل حتي يعود من جديد الي عمله قبل ان يلقي اي توبيخ من رب العمل :
_ امسك يا زيدان الاكياس عليها العناوين و متتأخرش 

خرج تأفف ضجر من ذلك الشاب المدعو زيدان يأخذ منه الحقائب واضعاً اياهم بصندوق تحمله الدراجة النارية الخاصة به يرتدي الزي الرسمي للعمل كعامل توصيل الطلبات وضع غطاء الرأس الشبابي علي رأسه يخفي خصلاته السمراء الناعمة خلفه يصعد الي الدراجة حتي يمارس عمله اليومي تتركز عينه ذو اللون العسلي علي الطريق حتي وصل الي احد المنازل نزل عن دراجته بطوله الفارع يأخذ احد الحقائب صاعداً الي الطابق العلوي ، دق جرس الباب ثم انتظر حتي فتح له رجل كبير بالعمر يتخطي الستون من عمره يتكأ علي عصاه ابتسم اليه زيدان يمد يده اليه بالحقيبة قائلاً :
_ اوردر الاكل يا حاج 

دقق الرجل النظر به و هو يخرج المال من جيب بنطاله المنزلي يري ملامحه الوسيمة لاول مرة فلم يتعرف عليه ، مد يده له بالمال متسائلاً بود :
_ انت شغال جديد انا اول مرة اشوفك ؟

هز زيدان رأسه مؤكداً علي صحة حديثه و هو يمد يده يأخذ الاموال و يده الاخري تمتد بحقيبة الطعام مجيباً عليه بهدوء :
_ ايوة يا حاج لسة شغال هنا من اسبوع 

سأل الرجل من جديد بفضول :
_ انت من المنطقة هنا ؟

نفي الاخر برأسه و هو يعدل من كنزته التي تظهر عضلات جسده مجيباً عليه :
_ لا من شبرا بس جيت هنا استرزق و بدور علي مكان اقعد فيه 

هز الرجل رأسه اليه ثم اشار الي الطابق العلوي يخبره عن وجود مأوي له ان اراد ذلك :
_ انا عندي اوضة واسعة بمطبخ و حمام فوق السطح بأجرها لو حابب تتفرج عليها 

رفع زيدان رأسه ينظر الي الطابق العلوي ثم اومأ اليه يخبره بهدوء و قد نوي بداخله العودة بعد موعد العمل الرسمي لعل ان يكون له نصيب من سكنه هنا :
_ ماشي يا حاج هعدي عليك بعد ما اخلص الشيفت 

ابتسم ذلك الرجل و هو يربت علي كتفه قائلاً بهدوء :
_ ربنا يرزقك يا بني 

خرج زيدان من البناية يقف امام دراجته النارية من جديد ليواصل عمله و هو ينظر الي الاعلي حيث الطابق الاخير المتواجد به تلك الغرفة ليهز رأسه بايجاب متاخذاً قراره قبل ان ينطلق بالدراجة حيث وجهته التالية ، وقف امام الباب يقرع الجرس عدة مرات متعجلاً حتي فُتح الباب و ظهر من خلفه شاب ضخم الجثة اصلع نظر الي زيدان بتقييم قبل ان يتحدث زيدان بهدوء :
_ اوردر الاكل يا فندم 

مد الاخر يده يأخذ الحقيبة قبل ان ينادي بصوت اجش قوي بأسم شخصاً اخر حتي يأتي له بالاموال و حينها خرج شاب هزيل من احدي الغرف قائلاً بتساؤل :
_ الدكتور وصل بالواد الجديد؟

زجره الشاب الممسك بالطعام بغضب و هو ينظر اليه نظرة اخرسته قبل ان يدفعه بكتفه الي الداخل قائلاً بحدة :
_ ادخل هات الفلوس من اخوك ، اخلص 

صرخ بكلمته الاخيرة بغضب ليسرع الاخر مهرولاً الي الداخل بتوتر ليختفي للثواني قبل ان يعود بالاموال يمدها الي زيدان الواقف يتابع ما يحدث امامه بهدوء و الذي اخذ الاموال و التفت مغادراً في صمت ، اغلق الباب خلفه بقوة ينظر الي ذلك الشاب المرتجف امامه يهدر بغضب :
_ انت غبي ياض انت لسانك دا ميعرفش يكتم خالص غور من وشي بدل ما ادشملك 

انصرف سريعاً من امامه يحمد الله ان الامر مر معه علي خير و الا كان في عداد الاموات الآن في حين خرج الاخر من المطبخ يحمل عدة صحون يسأل عن سبب غضبه قائلاً :
_ في اية يا ناجي بتزعق لية

وضع المدعو ناجي حقيبة الطعام علي الطاولة يجلس علي المقعد الملازم لها قائلاً بضيق و هو يفتح الحقيبة مخرجاً الطعام :
_ اخوك الغبي هيكون مين غيره فهمه يمسك لسانه دا بدل ما اخليه اخرس 

جلس الاخر علي المقعد المجاور له قائلاً بلا مبالاة فهذا الامر يحدث كثيراً امامه :
_ انت عارف وليد غبي و مبيفهمش 

هز ناجي رأسه بأسف لم يعد يعلم كيف يتصرف مع هذا الاحمق الا انه صرخ بعد لحظات بأسمه حتي يتناوله معهما الطعام 

***********************************
بمنتصف الليل في منطقة سكنية مُظلمة بعض الشئ لا ينير بها سوا تلك الصيدلية الكبيرة التي خرج منها شاب صغير لا يتخطي العشرون عاماً حيث اضطر النزول ليأتي بالدواء والده الذي انتهي دون ان ينتبه لذلك ، عبر الطريق ليصل الي الاتجاه الاخر حيث الطريق الي منزله و لم يكن يدري شئ عن من يتبعه بخبث منتظراً الفرصة المناسبة لكي ينهي مهمته و عند نقطة معينة تأكد من خلو المكان من كاميرات المراقبة انقض علي هذا المسكين الذي لم يكن يدري شئ يقيد حركته من الخلف و يده تمتد الي وجهه يضع عليه محرمة غارقة بالمخدر الذي لم يجعل هذا الشاب يقدر علي المقاومة بل سقط حقيبة العقار من يده و ارتخ جسده تماماً مستسلم الي الخدر الذي اصاب جسده ليحمله الرجل علي كتفه متسرعاً بخطواته نحو عربة النقل العام التي كانت في انتظاره و انفتح بابها حين وصل امامها ليظهر وليد يعاونه في حمل الشاب و ادخاله السيارة هامسة :
_ حد شافك يا ناجي 

تنفس ناجي و هو يغلق باب السيارة مجيباً عليه بهدوء يحسد عليه :
_ لا محدش شافني 

انهي جملته ثم امر السائق ان يغادر المكان سريعاً قبل ان يشعر بهم احد و ما ان انطلقت السيارة حتي التفت ينظر الي الملقي علي المقعد بالخلف فاقد الوعي تماماً لا يدري شئ عما سيصيبه بعد قليل ليشير اليه قائلاً :
_ علي الله بس يطلع سليم و نطلع منه بمصلحة 

تفحصه وليد و رفع عنه كنزته يري اي جرح اثر عملية جراحية ما او ما شابه و حين لم يري به شئ انزل كنزته يغطي جسده من جديد قائلاً بجدية :
_ شكله مفيهوش حاجة و المصلحة المرة دي هتمشي 

اعتدل ناجي بجلسته يستريح بظهره علي المقعد ثم امره بصوته الغليظ متحدثاً :
_ كلم الدكتور مهدي خليه يجيلنا عشان ياخدله عينات و يكشف عليه خلينا نخلص

***********************************
في احد المنازل الفاخرة في منطقة راقية كـ ساكنيها كانت تلك الفتاة الفاتنة صاحبة البشرة البيضاء تمتلك اعين خضراء انف دقيق و شفتيها الحمراء الغليظة تجلس علي الاريكة بالردهة تمسك بالجهاز اللوحي الخاص بها تتابع العمل الخاص بها تنتظر زوجها حتي يستيقظ فقد تأخر كثيراً بالنوم حتي انه انهي نصف النهار بالنوم بعد ان حدث بعض المشكلات في عمله و في ظل اندماجها بالعمل و تدقيقها ببعض الاوراق شعرت بقبلة حانية علي رقبتها من الخلف و يد تمتد لتحمل شعرها الاسود الفاحم الطويل يضع قبلة اخري علي خصلاته ابتسمت باتساع و هي تلتفت بهدوء حيث زوجها الذي اعتاد فعل ذلك كل صباح قفز يجلس علي الاريكة الي جوارها يحاوط كتفها يقبل جبهتها قائلاً بحب :
_ صباح الفل يا حبيبتي 

مدت يدها تمسد علي ذقنه النامية قليلاً تدقق بملامحه الوسيمة ثم رفعت رأسها تقبل وجنته قائلة :
_ مساء النور يا روحي 

ابتسم و هو يضمها الي صدره ينظر الي الجهاز اللوحي الذي اُغلق قائلاً بتساؤل :
_ انتي عندك حاجة مهمة النهاردة ؟

تنهدت و هي تميل برأسها علي صدره مجيبة بهدوء :
_ في اجتماع مهم الساعة ٤ في الشركة 

ذم شفتيه بأسف و لم ينطق مرة اخري لترفع رأسها من جديد تنظر الي ضيقه لتبتعد عنه قليلاً تحاوط وجهه بين راحتي يدها تردف بهدوء :
_ مالك يا حبيبي مش عايزني اخرج النهاردة ؟

سألت في نهاية جملتها ليهز رأسه بايجاب يمد يده يمسك بخصلات شعرها المحببة لقلبه قائلاً :
_ بصراحة لا يا اسيل كنت عايز نروح نتغدي برا بقالنا كتير مخرجناش 

ابتسمت له و هي تتحدث اليه برفق تحاول ان تجعله يحزن :
_ اوعدك مش هتأخر و اول ما اخلص هكلمك تعدي عليا و نتغدي برا و نفضل برا للصبح اتقفنا 

مالت برأسها الي اليمين بدلال مأثرة عليه اومأ اليها مبتسماً ثم مال يقبل وجنتيها قبل ان يصدح صوت هاتفها الجوال الموضوع علي الطاولة لتنحني تلتقطه و ابتهجت روحها حين وجدت شقيقتها من تتصل فتحت الاتصال سريعاً تهتف :
_ الو ، آسيا عاملة اية يا حبيبتي 

استمعت الي صوت شقيقتها آسيا من الطرف الاخر لتبتسم بحب مجيبة عليها بهدوء :
_ احنا كويسين ، انتي فين يا بنتي مشوفتكيش من اسبوع 

اجابتها آسيا من الطرف الاخر تشرح لها ما تمر به الآن من ضغط عمل :
_ و الله يا أسيل عندي شغل كتير جدا و جلسات تصوير كنت متقفة عليها و اخر واحدة بكرا باذن الله 

اجابتها اسيل بحنو و هي تميل علي كتف زوجها :
_ ربنا يعينك يا حبيبتي ، يعني هتجيلي امتي ؟

سألتها بهدوء لتجيب الاخري مفسرة لها عدم قدرتها علي الذهاب اليها في الغد :
_ هجيلك بعد بكرا لان بكرا هروح لجدو نجيب ازوره ، تيجي معايا ؟

رفعت رأسها الي زوجها تغمز بعينها بشقاوة قبل ان تتحدث الي شقيقتها قائلة :
_ مش هقدر اجي الاسبوع دا هروح الاسبوع الجاي معاكي ان شاء الله 

استمعت الي صوت شقيقتها يأتي و بجوارها ضوضاء و الجميع يحثها علي التعجل لتهتف برفق :
خلاص يا حبيبتي شكلك مستعجلة هستناكي و نبقي نتغدي سوا ، اوكي يا قلبي سلام 

اغلقت الهاتف و وضعته من جديد علي الطاولة ثم وقفت عن الاريكة ليظهر قصر قامتها النسبي بعكس شقيقتها طويلة القامة و شعرها قد انسدل الي الخلف و قد تخطي خصرها بكثير امسكت بيده تجذبه حتي يقف عن الاريكة قائلة بهدوء :
_ قوم يا فارس ناكل لاني جوعت جداً و مفطرتش 

وقف معها يجاورها يحاوط خصرها بذراعه يقربها منه متوجهين نحو الغرفة المجاورة لتناول الطعام يهتف بضيق و لوم من عدم اهتمامها بنفسها :
_ خدي بالك من اكلك شوية يا أسيل 

اومأت اليه بهدوء تؤكد انها ستفعل تبتسم بحب علي اهتمامه الدائم بها و بكل ما يخصها فهو دائماً ما يظهر حبه لها و الذي لم يقل حتي بعد مرور عامين علي زواجهما بعد ان سعي خلفها لشهور دون كلل او ملل ليفوز بها و رغم عدم توافقهما المادي الا انها لم يفرق معها شئ سوا حبه الواضح لها 

***********************************
خرجت من سيارة الاجرة التي استقلتها بعد مناقشة طويلة مع جنة حتي لا تذهب بسيارتها بمفردها اعطت السائق حقه قبل ان تذهب السيارة في طريقها اما هي فابعدت نظارتها السوداء الحاجبة للشمس الي فوق رأسها تلملم بها خصلاتها الامامية عدلت من ياقة قميصها الابيض البسيط المحتشم و تقدمت داخل البناية التي يقطن بها جدها او من تعتبره جدها فهو الشقيق الاصغر لجدها من الام ، طرقت الباب عدة مرات و لكن لم تلقي اجابة انتظرت قليلاً ثم قرعت الجرس و لم تصل لها اجابة ايضاً نهش القلق قلبها فهي لاول مرة تأتي في موعدها المحدد و لا تجد جدها في انتظارها طرقت الباب بقوة اكبر و هي تهتف من خلفه و قد زحف التوتر الي اطرافها :
_ جدو انا آسيا ، افتحلي يا جدو 

و عندما لا تلقي رداً ارتجفت يدها و هي تقرع الجرس بيد و اليد الاخري تطرق علي الباب بقوة تنادي بأسم جدها ، ابتلعت ريقها بصعوبة و هي تفكر قليلاً ما يجب عليها فعله فـ جدها لا يخرج من البيت ابداً و ليس لديه اي اصدقاء يذهب اليهم ، ادمعت عينها و هي تطرق الباب من جديد علي أمل ان يفتح الباب يخبرها انه كان نائماً ...

بعد ان انتهي من مواعيد عمله الرسمي اليوم قرر الصعود الي غرفته التي استأجرها البارحة من ذلك الرجل البشوش حتي ينعم ببعض الراحة قبل ان يبدأ في موعد العمل الجديد بعد منتصف الليل ، صعد درجات السلم بهدوء و لكنه انتبه الي صوت طرقات الباب العنيفة التي تأتي من الاعلي ليسرع خطواته الي الاعلي حتي وجد فتاة شابة تقف امام باب السيد نجيب تطرق الباب بقوة و صوتها متحشرج بالبكاء تنادي عليه بخوف يظهر بنبرة صوتها الرقيقة ليتقدم منها يقف خلفه متسائلاً :
_ في اية يا آنسة في حاجة حصلت ؟

التفتت آسيا تنظر اليه باستنجاد تشير الي الباب بارتجاف تهمس باضطراب :
_ جدو مش بيرد عليا 

راقب زيدان ملامحها الباكية القلقة و يدها المرتجفة التي تشير الي الباب ليشير بيده اليها ان تهدئ قائلاً :
_ طب اهدي هو ممكن يكون خرج او راح يشتري حاجة 

نفت برأسها و تلتفت من جديد تطرق علي الباب بقوة قائلة :
_ جدو مبيخرجش من هنا و طلباته بتيجي لحد عنده لانه تعبان 

طرقت الباب بقوة اكبر و هي تهتف ببكاء و توسل :
_ افتح يا جدو عشان خاطري 

في ظل طرقها للباب مرة اخري بطريقة هستيرية صعدت امراة تتجاوز الاربعين من عمره تتقدم نحوها تربت علي كتفها بهدوء قائلة :
_ في اية يا آسيا مالك ؟

التفتت اليها آسيا تخبرها بعدم رد جدها عليها منذ وقت لتمسد الاخر علي خصلات شعرها بحنو تردف بود :
_ طب استني جدك كان سايب مع جوزي نسخة من مفتاح الشقة بتاعته هنزل اجيبها و اجي 

تركتها آسيا تنزل لتأتي بالمفتاح في حين اقترب زيدان منها يتحدث بصوت هادئ حتي يخف من حدة توترها قائلاً :
_ متقلقيش هو اكيد نايم و مش سامع 

هزت رأسها دون حديث تضغط علي كف يدها تحاول تمالك نفسها قليلاً حتي صعدت تلك السيدة و بيدها مفتاح الشقة التي ما ان رأته حتي التقطه منها سريعاً تفتح الباب بأرتجاف و ما ان فُتح الباب حتي انطلقت الي الداخل سريعاً و لكنها انتفضت بمحلها و هي تجد السيد نجيب ملقي علي الارض لاحول له و لا قوة تجمدت بمحلها تتنفس بصعوبة لا تقوي علي الاقتراب انما اقترب زيدان يجلس علي عقبيه امام السيد نجيب يضع يده موضع العرق النابض بعنقه و بالفعل وجده لازال علي قيد الحياة و لكن النبض متباطئ ليسرع بحمله علي كتفه في لمح البصر يركض نحو الباب ليخرج منه صارخاً بتلك المتجمدة حتي تفيق علي نفسها قائلاً :
_ عايش متخافيش ، لازم نروح المستشفى 

استفاقت علي نفسها و اسرعت بالركض خلفه حتي يقل جدها الي اقرب مشفي حتي يسعفه و يطمئنون عليه تحمد الله انه لازال علي قيد الحياة 

تعليقات



×