رواية سفينة الخلاص الفصل الاول
الحاجه زبيدة: أنا قلت ميت مرة.. الست اللي ما بتخلفش ملهاش لازمة أن هي تقعد في دار جوزها أو على ذمته هيعمل بها إيه إما هي عامله كيف الأرض البور ملهاش لازمة وأصل ! شوف اكده يا عادل يا ولدي، يمكن ربنا يكرمك مع واحدة تانية، الشرع محلل أربعة اتجوز وشوف حالك يا ولدي!
منى بغل: أيوه يا عادل امايا عندها حق بس بسرعه أحسنلك قبل ما يفوت الأوان يا ولد خالي أنت مش ولد خالي بس أنت كمان سيلفي وما يرضانيش حديت الناس عليك وأنت راجل مال وهدومك وليك مقامك واسمك
و مش معقول تعيش العمر ده كله مع واحدة لا خلفت ولا نفعت!
[كان عادل صامتًا، واضعًا يده على خده، يبدو عليه الهمّ، يتنهّد ويهزّ رأسه وكأنه متردّد]
عادل: ما فيش حد يقدر يتحدت عليا يا بت عمتي وكمان أنا مش خابر أسوي إيه.. مش قادر أظلمها بس في نفس الوقت حاسس إني مظلوم معاها.. كل اللي اتجوزوا معايا معاهم قرطه عيال وأنا لحد دلوقت ولا عيل ولا تايل !
[خديجة تستمع إلى ذلك الحديث تبتلع ريقها بصعوبة، وقلبها يعتصره الألم تشدّ طرف جلابيتها وهي تشعر أن عمرها يُسلب منها رويدًا رويدًا وكأن الحياة لم تُنصفها منذ وفاة والديها فبعد رحيلهما، تغيّرت المعاملة، وأصبح الجميع يستضعفها ويستغلها، حتى سلايفها لا تخدم إحداهن نفسها أما حماتها، فتجبرها قسرًا على خدمة الجميع، فقط لأنها الوحيدة التي لا تملك أولادًا، ولا أهل يحمونها أو يسألون عنها]
خديجة ( همست لنفسها والدموع تملا وجهها): يعني أنا مالي.. هو العيب مني أنا عملت تحاليل واشاعات كثيرة قوي والدكاترة كلهم قالوا لي أن أنا ما عنديش حاجه أسوي إيه ثاني؟! أنا عملت إيه عشان أتحاسب على حاجة ما ليش يد فيها !
[تمسح دموعها بسرعة، تأخذ نفسًا عميقًا وتحاول أن تتماسك، لكن قبل أن تفتح الباب، تسمع كلماتٍ تزلزل كيانها]
الحاجه زبيدة: وبعدين يا عادل، إحنا مش عايزين فضايح.. أنت عارف إن الناس بدأت تشك وتقول عليه حديت بطال يا ولدي.. واكيد مرتك هي اللي ما بتخلفش يبقى العيب فيها... وما تخافش ما فيش حد هيجي يحاسبك ولا حد هيقولك اتجوزت ليه وما اتجوزتش ليه هي ما لهاش حد غيرنا بعد مو'ت أبوها وأمها يعني أعمل ما بدالك يا ولدي وشوف حالك !
[خديجة ترتجف، تضع يديها على صدرها، وتحاول أن تخفي الحزن العميق الذي يملأ قلبها منذ وفاة أهلها، فقد بدأت تشعر فعلًا بأنهم باتوا يستهينون بها بعد رحيلهم غير أن النار الكامنة في داخلها تحولت إلى بركان، فتفتح الباب فجأة، وعيونها حمراء تملؤها الآلام.
خديجة: ليه اكده يا مراة عمي أنا كنت بقول عليكي أنك مكان أمي ليه تعملي فيا أكده أنتي مفروض تكوني معايا أنتي عندك وليه يرضيك يحصل اكده مع زينب بتك الظلمه آخرته وحشة وربنا ما بيسيبش حق الولايه حرام عليكي وانت يا عادل أنا من يوم ما اتجوزتك وأنا خدماك وبعمل كل اللي أنتم رايدينه ليه تعملوا فيا اكده !
عادل بغضب وعصبيه: "إنتي اتجننتي يا خديجة إياك أنتي بتردي علينا ولا إيه وكمان أنتي بتتصنتي علينا يا مرة اتحشمي بقى شويه ؟ وكمان إيه الطريقة اللي بتحدديني بيها دي قدام أمي ومراة أخوي و كمان ليكي عين تردي عليهم هم يقولوا اللي هم رايدينه ويعملوا اللي هم رايدينه أنتي ما لكيش أنك تتحددي أصلا ؟!"
خديجة قلب قلبها يمتلي بالحزن وعينيها تمتلئ بالدموع تقول له: حرام عليكم.. أنا بني آدمة مش شوال رز ترموه وقت ما تحبوا! لو العيب مني، روح اثبت! لكن طول ما أنا في الدار اهنه وعلى ذمتك ما اسمحش لحد يهينني الدكاترة والتحاليل والاشاعات كلها بتقول أن أنا ما عنديش حاجه تمنع الخلفه روح حلل يا عادل وشوف إيه اللي بيك!
[عادل شعر بأن كرامته أُهينت، فنهض بغضب وجذبها من شعرها بعنف، ثم أدخلها الغرفة وأغلق الباب خلفه تاركًا الجميع في حالة من الصدمة
كانت خديجة تلهث بصعوبة، فهذه أول مرة تعبّر فيها عمّا في قلبها بصدق لكنه كعادته قابل كلماتها بالضرب والإهانة والتوبيخ أمام الجميع]
عادل بعصبيه: يا بت الكلب تعالي اهنا أنتي كيف تتحدت أكده معايا أنتي نسيتي نفسك ولا إيه يا مغبوله ده أنا لمك من الشوارع أنا هرميكي للشارع اللي جبتك منه يا بت الكلب غوري في داهيه ما اشوفك خلقتك اهنا علشان حسابك معايا ما يبقاش عسير روحي سوي مصالح الدار يلا غوري؟!
خديجة، بخوفٍ ورعب، ذهبت وجلست في المطبخ على الأرض، وأخذت تبكي بشدة كانت تشعر برهبة شديدة من عادل، فهو لا يتردد في مدّ يده عليها أو إيذائها، وليس لديها من يسأل عنها أو يدافع عنها، ولهذا السبب كان يُمعن في إذلالها.
دخلت عليها حماتها، الحاجة زبيدة وقالتلها: في ايه يا بت يا خديجه منى بتشتكي منك وبتقولي أن أنتي ما نظفتيش شقتها النهاردة شكلك رايده علقه كيف بتاع الزمان ؟!
خديجة، والدموع تملأ عينيها، يكسو الحزن والخوف ملامحها قالت: والله يا حماتي عملت الشقه كلها بس العيال هم اللي بهدلوها أسوي إيه تاني أنا سويت كل اللي أنتي قلتيلي عليه؟!
الحاجه زبيدة ذات جبروت قالتلها: حتى لو عملتيها والعيال بوظوها اطلعي روقيها تاني مش أريده إهمال رايده الشقه تكون بتبرق علشان ما اقولش لعادل ولدي يطين عيشتك؟!
خديجه بحزن :حاضر يا حماتي هطلع دلوقت اروقها!
ذهبت خديجة إلى شقة منى لترتّبها، فوجدتها أشبه بحظيرة؛ الأطفال قد بعثروا كل شيء، ومنى جالسة مع أقاربها يضحكون ويتسامرون، بينما الأطفال يلعبون بألعابهم، والطعام متناثر في كل مكان، والمانجو مسكوب على السجادة، وكان المنظر فوضويًا وبشعًا للغاية.
دخلت خديجة وهي مصدومة من حال الشقة.
منى (اشارتلها): أخيرا جيتي.. أنتي بتيجي متأخره أنا قايله لأمي تبعتك من بدري إيه اللي اخرك ده كله يا بت المركوب؟ شوفي الشقه عاملاه كيف متبهدله! قومي نظفيها قبل ما يجي محمد يشوف القرف ده يلا بسرعه!
خديجة ( بصوتٍ يملؤه التعب قالت): يا منى.. أنا جيت من شويه وروقتها ده كله أنا كنت منظفاها والله؟!
زبيدة (جاءت خلفها وهي غاضبة وتصرخ): في ايه يا بت ما خلصتيش الشقه ليه أنتي كمان بتردي على منى ده لو عادل أهنأ كان علم بالحزام على جسمك ووشك يا منيله!
الجميع الجالسين كانوا يضحكون، وقالت سامية، شقيقة منى: فعلا بنات الأيام دي الواحد مش قادر عليها الله يكون في عونك يا حاجه زبيدة !
الحاجه زبيدة: والله يا ساميه يا بتي أنا مستحملاها كرم مني بس هي ملهاش لازمه عندي في الدار بس هعمل إيه قلبي الطيب اللي عامل فيك أكده!
نظرت خديجة إليها بحزن ثم جمعت جميع الأواني لكن محمود، ذو العشر سنوات، رمى الطبق على الأرض فانكسر، مما جعل جسد خديجة يرتجف كله من شدة الفزع.
محمود : يا خالتي خديجة.. أنتي مش خابرة تمسكي المواعين مليح شفت الطبق وقع كيف هو كان عليه صابون كثير علشان اكده وقع من يدي وكمان أنتي كنت حاطاه مطرف من على الرخامة؟!
منى : معلش يا حبيبي أنا خابرة أن هو كان غصب عنك روحي أمسحي الأرض بدل ما تضيعي الوقت يا خديجة وبعد اكده اشطفي المواعين كويس لأنها بتبقى مليانه صابون والولاد مش بيعرفوا يمسكوها!
هوَت خديجة على الأرض ودموعها تنساب على وجنتيها، يغمرها الضيق وهي تتابع التنظيف بصمت موجوع... حينها التقطت أذناها صوت منى تخاطب حماتها:
يمايا.. خلاص عادل قال هيجوز عليها الشهر الجاي نجلاء بت الحاج سباعي اتطلقت وأنا أتفقت مع أمها على آخر الشهر دي هنروح ونقرا الفاتحة معاهم بس يخلص من البهيمة اللي عندنا في الدار الأول علشان نجلاء مش أريده درة وكمان خديجة دي وشها شؤم على الدار كله ما شفناش يوم حلو من ساعه ما دخلت الدار.... اي نعم هي بتنظف الدار وبتخليه بيبرق بس لو على التنظيف نجيب خدامة تنظفلنا الدار كله؟!
زبيدة (وهي تخفض صوتها): ما تقلقيش.. المأذون هيجي النهاردة وعادل قالي هيخليها تمضي من غير ما تحس بحاجه خلينا نخلص منها أنا نفسي اشوف عوض ولدي!
وضعت خديجة يديها على فمها واستمرت في البكاء حتى وصل المأذون ثم أنهت تجهيز شقة منى وذهبت إلى شقتها، دخلت غرفتها وأغلقت الباب خلفها دخل عادل عليها وقال: خديجة، وقعي على الورقة دي بسرعة، مش أريد حديت كثير أمضي الأول وبعد اكده نتحدت خلصي يا بت؟!
خديجه باستغراب: ورقة إيه ده يا عادل أنا همضي على أي حاجه وخلاص عارفني هو إيه ده ؟!
عادل أمسك بشعرها وقال لها: أمضي يا بت بدل ما هخليكي تمضي غصب عنك اخلصي ؟!
كانت خديجة تعلم أن عادل يجبرها على توقيع ورقة الطلاق، لكنها لم تكن تملك القدرة على الاعتراض كانت خائفة منه ومن قسوته عليها، وكانت تخشى أن يفعل بها شيئًا.
الحاجه زبيدة تتكلم بانتصار: الحمد لله! دي ورقه الطلاق! أخرجي من داري ملكيش دخول أهنا تاني غوري للشارع اللي جيتي منه يا بت إسماعيل!
خديجة: انتو خدعوني! لأ! مش هخرج أروح وين دلوقت أنا ما ليش حد غيركم!
عادل ( أمسك بشعرها واهانها وذلها): اسكتي! أنتي مالكيش قاعدة في داري تاني أمي عندها حق لازما ارجعك للشارع اللي جيبتك منه أنا مش رايدك خليني أشوف حياتي واخلف حته عيل قبل ما العمر يعدي روحي من أهنأ !
دفع الباب بيديه وهو واقف أمام باب المنزل والناس كلها واقفة وتراقبهم لأن صوتهم كان مرتفعًا ثم رماها خديجة أمام البيت، وكانت تبكي بشدة وتتوسل إليهم كي لا يطردوها في وسط الليل.
زبيدة (من الشباك): أنتي مش خابرة تهتمي بالدار ولا خابرة تجيبي له حته عيل ولا خابرة تهتمي بجوزك وولدي علشان نيته مليحة وراجل كويس ربنا رزقه بواحده هتجيبله العيل أول ما ياخدها مش كيفك نحس وأرض بور !
منى (بتضحك):أيوه يمايا كيف ما قلتلك نجلاء اللي هتقدر تجيب الواد اللي إحنا بنتمناة هنجوزها له وهتفرح قلبك يا مايا وكمان هي مخلفه قبلك اكده إن شاء الله تجيبلنا دسته عيال كويس اللي إحنا خلصنا من الملكومه دي!
خديجة (وعيناها تمتلئ بالدموع): عادل.. بالله عليك ما تعملش فيا اكده، أنا ماليش غيرك! إنت خابر إني ماليش حد، هروح وين دلوقت يا عادل يا امايا والنبي خليني عندكم كيف الخدامة وهعمل كل اللي انتم رايدينه بس ما ترمونيش في الشارع اكده والنبي ؟!
فجأة قال لها عادل بشدة...؟