رواية التائهه ( كاملة جميع الفصول ) بقلم ايمان محمد

 

رواية التائهه كامله جميع الفصول بقلم ايمان محمد 



حين هبطت الطائرة، تفاجئ فادي بصديقه (يوسف) يستقبله بترحاب : عاش من شافك يا وحش.

- إنت بتعمل إيه هنا؟!

زوى يوسف جانب فمه ساخراً : لأ واضح إنك فرحان برؤيتي.

حمحم فادى بحرج : مش قصدى يا يوسف إنت عارف.

قضب يوسف جبينه بضيق مصطنع : إخص عليك وأنا اللى سبت الغسيل منقوع والمواعين بصابونها وسربت العيال عند الجيران عشان أجي أقابلك يا وحش.

إتسعت عينا فادي ووضع كفه على فم يوسف ليسكته: الله يخربيتك فضحتني أنا مش لوحدي.

دفعه يوسف بضيق : إوعى كده كتمت نفسي إيه ده ريحة إيدك مزعجه!

نظر فادي إلى يده ثم إلى يوسف وأسرع بوضعها على فم يوسف مجدداً : طب أهوه شم يا حبيبي مش جاي تقابليني إستلم بقى.

دفعه يوسف ليلتقف أنفاسه: يخريبت مخك أنا بكره ريحة الجلد الجديد.

زوى فادي جانب فمه ساخراً : إبقى قول لأمك الكلام ده.

رفع يوسف حاجبه متعجباً: أمي؟!!

فأومأ له ببسمة بلهاء ثم أوضح : أصل هيا اللى مهدياني بالشنطه وحلفت مانا مسافر إلا بيها على العموم شكراً لإستقبالك اللى مكنلوش لزمه.

قضم شفته السفلية بغيظ وعيناه تبرق بوعيد جعل فادي يتراجع للخلف خطوتين ويرفع كلا يديه مستسلما وقبل أن يتحدث وجد وجه يوسف هدأ وتجمد وهو ينظر خلفه فتتبع نظره ليجده ينظر إلى كارما التى تتشاجر مع الحمال من أجل حقائبها الثمينة وحين وصلت لم تنتبه لوجود يوسف وتأففت بضيق.

- مش كانو ينزلونا باريس عالأقل أعمل شوبنج حلو هعمل إيه أنا ف لندن؟!

فأجابتها ملك بملل: إحنا مش جايين نتفسح يا كارما.

فأشاحت الأخرى بوجهها عنها بضيق فإلتقت عيناه بعينان ظنت أنها لن تراهما مجدداً، عينان ظنت أنها نسيت عشقهما وتجمدت دمائها لنظراته المشتاقة وتعجب كل من كان حولهما عدا فادي لحالتهما الصامتة تلك حتى أتى المشرف ليخبرهم بضرورة التحرك فأفاقا من شرودهما.

تجمعوا حول المشرف الذى أعطاهم إسم وعنوان الفندق : تقدروا تروحوا مطرح ما يعجبكم شرط مفيش تأخير لبليل بس متصرفوش فلوسكم كلها عشان هتحتاجو تشتروا مؤن للرحله إحنا هنسافر لأقرب مدينه للجزيره ومنها هناخد مركب للجزيره وهناك هنقابل المسؤليين اللى هيرشدونا على النظام هناك بس هناك مفيش بيع وشرا أكل، الشرا من المدينه كل واحد هيشترى من فلوسه فبلاش تضيعوها هنا ولو معكوش دولارات كفايه أو نسيتو تغيروا عمله ف مصر فى بنك قريب من الفندق تقدروا تبدلو هناك لأنهم ف المدينه بيتعاملو بالعملات الدوليه زى الدولار والإسترلينى واليورو العمله المصريه بالنسبه ليهم غير متداوله لأن نادرا ما بيجي مصريين هنا أي أسئله؟

صمت الجميع فإبتسم بوقار : ممتاز يبقى نتحرك اللي هيروح أي مكان لازم يخطرني بيه وممنوع التأخير.

نظر فادي إلى نسمه التى تنظر بداخل حقيبتها بحزن فإقترب ببطأ وهمس لها: إيه اللى مضايقك؟

إرتبكت وأغلقت حقيبتها سريعاً وإرتدتها متصنعة الهدوء : مفيش حاجه عن إذنك.

قضب جبينه وهو يتابعها تبتعد عنه وتوترها الواضح يزيده قلقا وإذا بيد تربت على كتفه ودون أن يستدير كان يعلم أنه يوسف : مالك ياصاحبي؟

- مش عارف مالها كانت كويسه لحد ما المشرف وقف يتكلم.

- إنت مش سبق وقولتلي إن ظروفها الماديه وحشه، وأبوها وأمها ميتين مش كده؟

أومأ له بصمت فأردف يوسف : طيب ياجدع مفهومه.

قضب جبينه للحظه ثم أدرك مقصده كيف غفل عن هذا؟ مؤكد ليس معها مالاً وفيراً وتذكر أنها كانت تبدو مرتاحه حين قيل أن الرحله مجانيه لكن يبدو أنهم كان المقصد من مجانية الرحلة هو الإقامة وثمن التذاكر فقط، المشكله هنا تقبع فى إقناعها بأخذ المال وحين إستشار صديقه صمت لبُرهه ثم أشار عليه بفكرة نالت إعجابه فذهبا سويا إلى المشرف لعرض الأمر عليه وقد وافق على إقتراحهما فقد تذمر أغلب الطلبه مما قاله منذ قليل فجميعهم إعتمدو كون الرحلة مجانية تماماً.

هتف المشرف بالطلبة وأخبرهم أن يوسف يقترح إستضافتهم بمنزله وسيُلغى حجز الفندق وبدلا من دفع المال من أجل السكن بالفندق سيُشترى به مؤن تكفى الجميع ولا حاجة لهم لإنفاق أي مال إضافى.

هلل الجميع مرحبين بهذا الإقتراح وشكروا يوسف كثيرا عدا كارما التى صرخت معترضة لكن لم يأبه أحد برأيها بل ثاروا عليها لأنها ثرية لا تشعر بهم وحين قررت أن تسكن بفندق لحالها رفض المشرف فهو مسؤل عنها فقررت تحدي يوسف ودفع نفقة الإقامه بفندق راقي وإحضار المؤن لكنها تراجعت عن ذلك حين تذكرت أن والدها قد أخذ بطاقة إئتمانها منذ عادت من سفرتها الأخيرة ليمنعها من الرحيل مجدداً فرافقتهم مجبرة.

إستقبلهم يوسف بمنزله الذى ظنو أنه صغير وسينامون على أرضيته لكنهم تفاجئو بمنزل فخم مكون من طابقين يحوي العديد من الغرف وتم تقسيمهم بطريقة إستوعبت بها الغرف جميع الطلبة فقد إستغلو الأرائك بجوار الأسِره لكي تكفي الجميع حتى أن يوسف شارك غرفته الخاصة مع فادي وإثنين آخرين أما كارما فوجدت نفسها شريكة مع نسمه وملك وشمس وكانت كمن يختنق بينهم فلا أحاديثهم ولا تفكيرهم ولا حتى تقبلهم لما يحدث يرضيها كما أن أكثر ما يُغضبها تواجدها بمنزل يوسف وما زادها سخطاً أنه لم يحاول حتى محادثتها منذ أن رآها وكأنه لا يعرفها!

أغمضت عيناها تحاول النوم لكن صورته تشكلت بمخيلتها فنفضت عنها الغطاء وتوجهت إلى الشرفة تنظر إلى السماء بضيق تتذكر حين رأته أول مرة فى منزلها يرتدي زي عامل بناء مع العمال الذين يعيدون تصميم منزلها ولاحظت فوراً أنه لا ينتمي لهم فثقته الزائدة وعنفوانه وعدم إهتمامه برضى رئيسه بالعمل كغيره جعلها تدرك أنه مختلف كذلك نظراته لها التي لم يكن يخفيها عنها كغيره أو يُحرج من إمساكها به وهو يحدق بها وملاحظاته الدائمة على أي زي ترتديه وعن عدم إعجابه ببعض من تصرفاتها، كان يتصرف وكأنه وصي عليها وليس عامل لديها وحين إنتهى العمل ورحل أحست بفراغ كبير قد تركه خلفه وظنته سيهاتفها ويرجو رؤياها متزرعاً بأي سبب واهٍ لكنه حتى لم يحاول وكأنه لم يكن موجوداً يوماً بحياتها وحين يأست وحاولت الوصول إليه فشلت فإكتئبت وعادت إلى مصر لكن ذات يوم ذهبت مع والدها لزيارة صديقه بالمشفى وتفاجأت بيوسف هناك برفقة إبن صديق والدها (فادي) الذي تفاجأت بأنه بجامعة حكومية رغم ثراء والده لكنه متواضع يحب الإختلاط بالعامة ولكن مفاجئتها الكبرى هى كون يوسف إبن عمه، إبن رجل أعمال ذات صيت كبير وتعامل معها بهدوء وكأنهما غرباء حتى ظنت أنه ليس هو، مجرد شبيه لدرجة لا تصدق حتى تحسنت حالة والد فادي الصحية الذى أصبحت تزوره دوماً من أجل أن ترى يوسف.

تبدلت الوجوه الحزينة الشاردة بأخرى مبتهجة وإمتلأ الجو بالمزاح والنكات الضاحكة وقد ذُل لسان يوسف ذات يوم وهو يتحدث إلى عمه ليضحكه وقد نسى وجودها تماماً.

- أمى دي دمااااغ مش قادره تقتنع إنى كبرت قال آخر العنقود وإخواتك البنات إتجوزوا مش عوزاك تنحرف.

ضحك الجميع وتأففت والدته معترضة: مبيبوظش أخلاق الشاب غير أصحابه ولازم أهتم بيه ليضيع.

- ياماما خليني ساكت دا إنتِ هرتيني تجارب وكلها ماشاء الله فاشله.

أشارت إلى نفسها بصدمة: أنا فاشله؟!

رفع يديه مستسلماً: خليكو شاهدين أنا قولت تجاربها مش هيا.

قضبت جبينها بضيق : وهتفرق؟

لاحظ عبوسها الجاد فجلس على حافة كرسيها يحتضنها بود: ياماما ياست الكل إنتِ عالعين والراس وأنا مقدرش أزعلك أبداً بس الرحمه حلوه مش كل ما تقري عن مشكله من مشاكل الشباب وحد يقترح حل ليها تجربيها فيا كلها مشاكل متخصنيش وحلول متناسبنيش.

أشار والده بتأكيد : ف دي بقى عندك حق.

نظرت بضيق فتابع متحدياً: فاكره لما صممتي يشتغل ويصرف على نفسه بحجة إنه يعتمد على نفسه وهو أصلا كان شغال معايا من أيام ماكان بيدرس ف الجامعه وخد السلم من أوله لحد ما بقى الرأى الأول والأخير له.

- آه وفيها ايه دى مش يمكن له مزاج يجرب حاجه تانيه ومحرج منك أنا بفتحله ببان جديده.

- ياماما أنا لو كاره شغلى مع بابا مكنتش كملت ونجحت فيه وادينى جربت واستمتعت وانتى اللى معجبكيش.

- انت اللى مستفز رايح تشتغل عامل وفين ف بيوت صحباتي خليت منظري زباله.

تمتم بخفوت: أهو تجربي شويه من اللي بتعمليه فيا.

- بتقول إيه يا ولد؟

- بكح وهعطس كمان شويه.

إستدار بوجهه فإذا بعينا كارما المتسعة تنظر له ثم تحولت صدمتها لغضب وكره وأبعدت عيناها عنه لقد تلاعب بها وكم كرهت ضعفها الغير مبرر تجاهه وتجاهلته تماماً وتجنبت التواجد فى أي مكان يتواجد به ورغم أنه لاحظ الأمر لكنه لم يحرك ساكناً بل ظل يدعي الغباء وكأنها لا تعنيه حتى كادت أن تُجن فقررت العمل بالشركة لكى تراه دون أن تُحرج نفسها رغم أنها لم تنهي دراستها بعد لكن شراكة والدها بأسهم الشركة أتاحت لها الفرصة لفعل ما تشاء ومنذ بدأت العمل وهو يبدي بعض التلميحات كعادته السابقه عن ملابسها وطريقتها بالتعامل ورغم هذا لا يتقدم خطوة واحدة تجاهها ويضع حدوداً كثيرة بينهما حتى فاض بها الكيل فقررت التخلي عن كرامتها وذهبت لتواجهه فتفاجئت به مع سكرتيرته بمكتبه يقبلان بعضهما فصرخت غاضبة: خاين، كلكم خونه كلكم زفت!

وركضت خارج المكتب نزولاً إلى الكراچ؛ لتأخذ سيارتها وتبتعد بسرعة لقد تأذت مما رأت ورغم أنه ليس حبيبها ولم يصارحها بشيء لكن نظراته وإهتمامه بها أوحيا لها بأهميتها، ظنت نفسها مميزة بالنسبة له وغضت البصر عن الشائعات التى إنتشرت مؤخراً عنه وعن سكرتيرته التى لم تترك مناسبة لتكيدها بها.

تنهدت بحزن حين تذكرت ألمها حينها وقررت ترك مصر والسفر خارجاً وظلت تتنقل من بلد لأخرى لعامين كاملين كي تنساه وتستطيع مواجهته دون أن تهتز ولم تهتم لمهاتفات مربيتها الراجية عودتها التي أكدت لها أنه منذ أن غادرت مكتبه ذاك اليوم غاضبة وهو لم ييأس من سؤاله عنها وتقصي أخبارها ورغم سعادتها لإهتمامه الذى أكد لها إحساسه تجاهها إلا أن ذلك لم يمحي ألمها من خيانته وتوقعت وجوده حين تعود وتحضرت لذلك اللقاء جيداً لكنها تفاجأت برحيله حين عادت وظنت أنه يأس وعاد يلقي نفسه بين ذراعي سكرتيرته -خاصة- وانها تركت العمل قبل رحيله مباشرةً ولم تفكر فى التأكد من السبب لذا قررت الإنتقام منه ووجدت سبيلها بفادي ستوقعه بحبها؛ لتؤذي يوسف ونقلت أوراق جامعتها إلى الجامعة التى يدرس بها بعد أن توقفت عن الدراسة بسبب سفرها للإبتعاد عن يوسف لكنها تفاجأت بحبه لنسمه وإخلاصه لهذا الحب وفهمت لما يدرس بجامعة حكومية وليست جامعة خاصة كما هو متوقع ممن فى مثل منزلته الإجتماعية ولكن ذلك لم يجعلها تتراجع بل على العكس إزدادت حنقاً فلما فتاة بسيطة مُعدمة كنسمه تحصل على حب وإخلاص وهى لا، لما جميعهن يُشيدن بأخلاق أبائهن وهى لا؟!

زفرت الهواء بغضب وإستدارت لتخرج من الشرفة لكنها توقفت حين سمعت صوت ضحكات يوسف بالحديقة ومعها ضحكات نسمه فإتسعت عيناها وإقتربت بحذر تنظر لتجدهما سوياً يضحكان بمرح فصرت أسنانها بغيظ وخرجت من الشرفة إلى خارج الغرفة تركض غافلة عن كونها بمنامة قصيرة.
_____________

فارق التوقيت جعل أغلبهم لا يستطيع النوم لكن الإرهاق أجبرهم على النوم لكن نسمه إختنقت من محاولاتها الفاشلة للنوم فخرجت من فراشها وتوجهت للخارج علها تستنشق هواءً نقياً يساعدها على النوم لكنها إصطدمت بيوسف الذي خرج من غرفته من أجل أن يحضر الماء للشباب فإعتذرت منه بحرج وحين همت لتعود أوقفها باسماً: مفيش داعي تغيري طريقك، الجنينه دلوقتي جوها منعش أوي ولو خايفه ممكن أجي معاكي.

تلعثمت بحرج : بس أأ أصل..

- متقلقيش مني أنا مش هأذيكِ إنتي بالذات دا غير إنك ممكن تصوتي وتلمي عليا البيت كله.

ضحكت بخفه ثم قضبت جبينها حين إنتبهت لكلمته: قصدك إيه بأنا بالذات؟

إبتسم بود : عشان فادي مش إبن عمي وبس دا أخويا وصاحب عمري.

عضت شفاهها خجلاً مما يقصده بهذا القول: إنت فاهم غلط.

- الظاهر إن إنتِ اللى فاهمه غلط تعالي الجو بره مهدأ للأعصاب.

إصطحبها إلى الخارج وجلسا سويا على العشب الأخضر فإستند يوسف على راحتي يده ممدداً ساقيه يضع الواحدة فوق الأخرى ثم رفع رأسه يشاهد السماء المنيرة بلآليء نجمية والقمر كتاج عروس بليلة زفافها فى حين ضمت نسمه ركبتيها وأحاطتهما بذراعيها ممسكة بيدها اليمنى غضن رفيع جاف تخدش به العشب بحركات عشوائية حتى كسر يوسف هذا الصمت مشيراً إلى منزل يترائى لهما بالأفق البعيد.

- شايفه البيت اللي هناك ده؟

- أيوه.

- كنت شغال فيه عامل بناء.

رفعت حاجبيها متعجبة: معقول! ياااه على كده انت بديت من الصفر ونجحت و....

صمتت حين صدعت ضحكته مبددة سكون الليل.

- شكلك متأثره بالأفلام أوي أنا لسه صغير على تكوين ثروه لوحدي.

- أومال إزاي من عامل بناء لمالك لبيت زي ده دا ماشاء الله كبير وحلو؟

- البركه ف الست الوالده بعيد عنك نفس عينة حبيبتى فيوزاتها متركبه شمال.

إنتظرته ليوضح لها فإبتسم وتابع: بصي ياستي بقى أنا ولد وحيد على تلات بنات وماما مقتنعه إنى سهل عياري لو تهاونت معايا أو دلعتنى شويه يفلت وعليه كانت بتهتم جدا بأي حاجه تخص تربية الأطفال.

- دا كويس.

زوى جانب فمه ساخراً: أوي.

- مش عارفه، حساك بتتريق.

- لأ دا مش إحساس، دا واقع، الست ماما كانت بتطبق عليا كل الأفكار اللى متناسبنيش.

- زي؟

- مثلا وأنا ف الإبتدائي قررت تعلمني الإعتماد على النفس من خلال التخييم مع إني مكنتش محتاجه أنا كنت بهتم بدروسى من غير تدخلها وكنت بحب دراستى وبحب أتعلم أمور مختلفه ف الحياه وكنت بالنسبه لإخواتي البنات ملاك بس هيا ليها وجهة نظر مختلفه مع إننا ف مصر يعنى مفيش غابات نخيم فيها فقررت نخيم ف جنينة بيتنا.

- حلو أوي أديها إتصرفت.

- مين دي دا كنا ف الخريف وورق الشجر الناشف مالي الأرض راحت مجمعاه كوم ومولعه فيه على أساس تعمل نار زي المخيم، مهيا مخيمتش قبل كده وبتجرب فيا اللى بتسمعه وكل اللى تعرفه عن التخييم انهم بيقعدوا ف خيم ويولعوا نار، والنار ولعت من هنا الهوا هب طير الورق والارض مبدوره ورق فلكي ان تتخيلي اللى حصل.

- متقولش.. حصل حريق؟

- مش بالمعنى ده أوي يعني كانوا شوية ورق خفاف والهوا زي ما طيرهم طفاهم بس ماما ملكة الأفوره فضلت تتشحتف وتبكي وتقولي خليك متأكد إني بحبك وكنت عاوزه اشوفك أحسن الناس واوعى تنحرف أو تظلم اخواتك انت راجلهم وسند باباك الوداع هتوحشونوني كلكم، وهوب لقيتني بطير زقتني أوي، قال إيه تبعدني عن النار ولولا ستر ربنا كنت وقعت على رجلي اتكسرت ولا دماغى انفتحت بس اتشحورت فقولت مبدهاش وروحت جايب شفشق الميه ومطفي الورقتين اللى فاضلين ساعتها بدل ما تقتنع إن ده عته قالتلي شوفت اديك اتعلمت تطفي الحريق.

- بتهزر.

تهللت ملامحها بضحكات قوية فسايرها ساخراً : انتِ بتضحكي ..... طب اضحكي اكتر بقى، بابا واخواتي البنات كانو قاعدين عالترابيزه قبالنا بيفطروا سابوا الفطار وقعدوا يتفرجوا وهات يا ضحك خلتني مسخرة البيت لإسبوع بعدها.

- معلش بقى اماكنتش إنت تستحملها مين اللي هيستحملها؟

تذمر بضيق: وأنا مال أهل، أبويا أهطل وحبها أنا ذنبي إيه؟!

فأوضحت له بهدوء: ذنبك إنها والدتك ثم أكيد الموضوع وعاها وخلاها متعملش كده تاني.

- مين دي؟! ماما!! ياغلبانه طب دا وأنا ف الثانوي كانت هتخرب بيت كذا عيله بأفكارها الهباب.

- مش معقول!

- لأ معقول ونص، كنا ف مصيف وواحده من بنات صحباتها جايه تستهبلي وتقولي خايفه اعوم لوحدي تعالى معايا اصلي ضعيفه أوي ف العوم.

غمزته بمرح: دى بترسم عليك بقى.

- آه وبختي الأزرق ماما كانت قريبه وسمعتها ومع إنى رفضت أروح مع البت وقولتلها أنا تعبان شوفي حد غيري بس ازاي ماما تعديها، قالت الواد اللى حيلتي هينحرف جمعت الستات صحباتها وقالتلهم ان الاختلاط ده مش كويس عالولاد مع إن فى اختلاط ف المدرسه والنادي عادي ومتعرفيش اقنعتهم ازاي وعشان التنفيذ يبقى محكم هيبقى الانفصال عالكل يعني مش الشباب بس لأ الرجاله كمان شبطوا وقالو الرجاله ف ناحيه والستات ف ناحيه والكل كان مبسوط الستات هترغي وتعيش حياتها بس مخدوش بالهم ان الرجاله برضو هتعيش حياتها بطريقتها.

رفعت كتفيها بلاإهتمام: ما تعيش.

حرك رأسه لكلا الجانبين وضحك ساخراً من سذاجتها

- إنتى غلبانه أوي ...... الراجل المتجوز اما بينال حريته بيخربها، هما عملو فصل بين الجنسين ونسيوا ان مينفعش يعملو كده مع العاملين ف المكان وكان فى بنات كتير بتشتغل هناك حلوين وصغيربن والستات بعد اقل من اسبوع زهقوا من غير رجالتهم ولاحظوا ان الرجاله مستمتعه بغيابهم فقرروا ينهوا الفصل ده لكن ماما اعترضت وحاولت تقنعهم واقتنعوا لكن تانى يوم واحده منهم راحت لجوزها تسأله عن حاجه فقفشته مع واحده وطلع انه اتجوزها عرفى فى يومين الفصل دول ساعتها الدنيا قامت وكل واحده هجمت على جوزها ف حمله تفتيشيه ولو اقولك ان نصهم كان متلبس مبقاش بهول وكلهم قلبوا على ماما وقعدت سنتين بحالهم مبتروحش النادي ومش قادره تبص ف خلقة واحده منهم ولا مصيف ولا شوبنج من الآخر حبس انفرادي ف البيت.

تأثرت لما لقته والدته جراء سوء تصرفها: ياااه أكيد تعبت أوي وأكيد اتعلمت.

- مش بقولك غلبانه.

إتسعت عيناها بعدم تصديق: لأ متقولش! تاني؟!!

- وتالت ياماما هى دي بتوب، ماما تحسيها بتخلص ذنوبنا أول بأول.

- عملت إيه أكتر من كده؟!

- قررت تخليني اشتغل واعتمد على نفسي زي الشباب المكافح اللى بيشتغل وهو بيدرس.

- طب دا شيء كويس.

- كويس لو أنا فاضي أنا من ساعة ما خلصت الثانويه وأنا بشتغل مع بابا جنب دراستي وجيبتها من تحت لحد ما اترقيت بمجهودي، مش عشان بابا؛ مهو عشان اعرف خبايا الشغل لازم اجيبه من أوله لآخره وكنت مدير الشركه وف السنه النهائيه وداخل على امتحانات وبالعافيه اقتنعت إني اشتغل بعد الإمتحانات وبيني وبينك أنا كنت زهقت هفضل لإمتى فار التجارب بتاعها قولت اطلعه على جتتها خليها تبطل.

- عملت إيه؟

- اشتغلت عامل بناء وكنت بدور على الأماكن المملوكه لصحباتها وكل ما يسألوني ليه بشتغل شغلانه زي دي وانت بتدير شركه مهمه بقولهم أصل ماما بتلعب قمار وتخسر ومديونه وبابا رافض يسددلها وواقفين عالطلاق قولت اساعد من بعيد فكانو بيشفقوا عليا ويزودولى الأجر.

فغرت فاهها متفاجئة ثم إنفجرت ضاحكة: هههههههه انت مش معقول طب ووالدتك؟

- وصلها الخبر من بابا مهو صحباتها متجوزين اصحابه وكلهم كانوا بيحاولو يقنعوه يسامحها ويفك ديونها فشاط ورجع البيت هددها بالطلاق لو مابطلتش عمايلها معايا اللى فضحاهم كل شويه.

- حرام عليك هيطلقو من تحت راسك.

- راسى أنا؟! مش افكارها دى؟ ثم هو هيفضل يفوتلها ويتفرج لإمتى خليه يدوق شويه يمكن يحس بيا ويخليها تعتقني.

- وهل اتعلمت لما باباك اتدخل وسيبت الشعل؟

- أنا مسيبتوش، صممت أكمل فيه أدباً ليهم هما الاتنين .... وحياتك بقوا هيبوسوا ايدي وأنا أبداً لحد ما والد فادي تعب فإضطريت أسافر.

- هو انتو كنتو ساكنين هنا؟!

- آه دا بيت بابا بس مكناش بنيجي كتير واما حصلت الفضايح ولقونى بعاند سافروا مصر وسابوني لوحدي .

- ماشاء الله يعني انت اتعلمت هنا وشركتك هنا؟

- فرع الشركه هنا، الشركه الرئيسيه ف مصر وآه خدت شهادتي الجامعيه من هنا لكن لحد الثانويه كنت بدرس ف مصر.

تنهدت (نسمه) بحزن وهى تتذكر غياب (فادي) لعامين بدون سابق إنذار فقد تعرفت عليه بعامها الجامعي الأول وأعجبت به كثيراً كذلك هو أو هكذا ظنت حتى غاب يوماً ولم يعد، وظلت تنتظر بلا أمل وقد نصحتها والدتها أن تنساه فلو كان يهتم بها مقدار ذرة لحاول ملاقاتها وتبرير غيابه ووافقتها الرأي، لكن قلبها الأحمق ظل ينتظر عامين كاملين حتى ظهر لكنه ليس وحده بل يصطحب تلك المدعوة (كارما) التي ترمقها بحقد واضح ولا تترك فرصة إلا وتتعالى عليها وتؤكد لها أنها لا شيء كما أخبرتها بوضوح أن (فادي) لها منذ عامين وسيظل لها للأبد حينها أدركت (نسمه) غبائها فهى تنتظر منذ عامين وهو نسيها منذ عامين كانت والدتها مُحقه .... والدتها التي توفت بعد عام من غياب (فادي) بعد صراع دام لأشهر مع المرض ولم يستطع والدها علاجها نظراً لضيق الحال وتبعها بشهر واحد بسبب حزنه عليها وأصبحت (نسمه) وحيدة، لولا شمس وملك اللتان ساعدتاها لتحصل على عمل بدوام جزئي بجانب معاش والدها لماتت جوعاً، ومع الوقت أصبحت مقربة أكثر من شمس؛ لأن زوجة عم ملك التي تسكن بالمنزل المجاور لمنزل ملك كانت دائمة التكدير لها كلما رأتها؛ لأن إبنها المبجل أعجب بها وهذا ضد مخطتها لتزويجه بفيروز لذا كفت عن زيارة ملك وأصبحتا يلتقيان بالجامعة ومنزل شمس. 

لاحظ يوسف شرودها المفاجيء واحترم رغبتها في الصمت، ونظر إلي الأرجوحة ببسمة شاردة يتذكر حين أرادت (كارما) حُجه لتحادثه فتلعثمت وأخبرته أنه لم ينهى الأرجوحة فأخبرها أنها إنتهت بالأمس ولم يبقى سوى حوض الأزهار، وإن لم تصدق يمكنها تجربتها، وحين جلست بدأ بدفعها قليلاً فقليلاً حتى إرتفعت جداً وكادت تقع فأمسكها سريعاً وإحتضنها من الخلف محاولاً تهدئتها، فسكنت ونزلت من الأرجوحه وألقت بنفسها بين ذراعيه تبكي، فقد ظنت للحظة أنها ستسقط ولن ينقذها أحد.

تنهد بحنين حين أحس بالضيق لإنتهاء العمل لديها وإضطراره للسفر بسبب مرض عمه، ولم يصدق عيناه حين رأها بعد عدة أيام بالمشفي وتعجب لكونها تعامله كغريب! كيف لم تتعرف عليه، لكنه قرر معاملتها بالمثل فكرامته تأبى عليه التذلل، وبعد مرور عدة أيام فكر بأنها تتظاهر بعدم معرفتها له لظنها أن عائلته لا تعلم بعمله كعامل بناء، فقرر بأن يُعلمها بطريقة غير مباشرة أن عائلته على معرفة سابقة بالأمر، لكنه حين تحدث أمامها إلي والدته تفاجئ بها تغضب وتبتعد وتتجنبه فظن أنها أحبت آخر ولا تريده أن يقف بطريقها؛ فسأل والدها عن الأمر وكم أحس بإرتياح حين علم أن ظنه في غير محله، وكم أراد التحدث معها لكنها تتجنبه وحين كاد ييأس تفاجئ بوالدها يخبره أنها ستعمل معهم بالشركة، رغم أنها لم تنهي دراستها التي لا علاقة لها بمجال عملهم، لكن لا يهم المهم أنه سيراها كل يوم وأصبح يتحين الفرص لرؤيتها والتحدث إليها ورغم محاولاتها التعامل بجدية معه، لكن عيناها أخبرته أن جديتها ما هى إلا قناعاً كاذباً؛ لذا قرر التحرك وأخبر والدها بكل شيء وعلم منه أنها كارهة للرجال؛ بسبب والدتها التي غرست عُقدها برأس كارما منذ الصغر لذا قد يجد من كارما رفضاً دائم -خاصة- أنه يزلزل كل معتقداتها عن الرجال، ولن تصدق يوماً أنه مخلص لها مهما فعل.

ولسوء حظ (يوسف) لم يكن والد كارما يعلم عما يتحدث فرغم أنه كان محقاً بشأن والدة كارما، لكنه لم يكن يعلم أن كارما لم تكن كارهة للرجال كما يظن بل كارهة له ولوالدتها؛ فكلاهما لم يفكر بها، كلاهما أخطأ بحقها ولغبائه كان يفكر كيف يجعلها تحبه وغفل عن سكرتيرته التي تنشر الشائعات لتبعد (كارما) عن طريقها حين لاحظت نظراته وإهتمامه بها، ورغم أنه لم يحاول التصرف معها خارج نطاق عمله لكنها كانت طموحة، ومنذ رأته وهى تخطط للإرتباط به ولا يعلم حتى الآن كيف واتتها الجرأة لتلقي بنفسها عليه وتقبله هكذا! ولكن لا يهم لم يعد شيء يهم، فكارما رأتهما وأساءت الظن وحين ركض خلفها كانت قد رحلت فأسرع إلي منزلها وهناك تفاجئ بمربيتها تخبره أنها لم تأتي، وظل طوال اليوم يبحث عنها بلا فائدة، وهاتفها مغلق وكاد أن يبلغ الشرطة لكن مربيتها هاتفته وأخبرته أنها عادت، فأسرع إلي هناك لكنه وجدها نائمة وحين سأل أين كانت أجابته المربيه بحزن.

- قالتلي كانت بتتمشى ف الدنيا لا عارفه راحه فين ولا هتعمل إيه ولما تعبت رجعت.

صر أسنانه بغضب: أنا اللي غبي كنت من الأول صارحتها وخطبتها، مكنتش سيبت فرصه لأي واحده تفكر فيا وتجرحها.

-اللي حصل حصل يا ابني وانتهى، الصبح بإذن الله لما تصحى هبلغك ويمكن لما تتكلمو مع بعض ينصلح الحال.

قضي ليلته حزيناً يفكر بها وحين أشرقت الشمس أسرع إلي منزلها، لكن حين ذهبت مربيتها لتوقظها عادت تركض بوجه خائف تخبره أنها ليست بفراشها، وحين كاد أن يركض خارجاً بحثاً عنها صدع صوت هاتف المنزل فأجابته المربيه لتتفاجئ بكارما تخبرها أنها سافرت فجر اليوم ولن تخبرها إلي أين حتى لا يصل لها يوسف هى فقط أرادت طمئنتها عليها.

إختطف يوسف سماعة الهاتف من المربيه وسألها بصوتٍ يحترق خوفاً عليها: كارما إنتي فين؟ أنا....

تعليقات



×