رواية خلف قضبان القلوب ( جميع فصول الرواية كاملة ) بقلم ميمي عوالى

رواية خلف قضبان القلوب الفصل الاول بقلم ميمي عوالى

كانت حفلة مدرسية احتفالا بنهاية العام الدراسى ، و فتيات صغيرات فى عمر الثامنة تقمن باداء فقرة راقصة و هن ترتدين ملابس بالوان زاهية و تتغنى بمرح ملحوظ تصاحبهن تحية المتفرجين من المعلمين و اولياء أمورهن 
كانت البسمة و الفرحة ترتسم على وجوه الجميع .. الا طفلة واحدة .. همس .. كانت عيونها باكية و هى تدور بين اوجه الجميع باحثة عن وجه تألفه و لكنها لم تجد ، و ما ان انتهت الفقرة حتى انسحبت الفتيات الى خلف الحاجز المزخرف بالزهور لتستقبلهن زهرة .. المشرفة القائمة على رعايتهن بتشجيع مكافأة لهن على حسن الاداء ، و ما ان وصلت اليها همس بعيونها الغائمة وسط امواج عبراتها حتى انحنت زهرة امامها و هى تقول بحنان و مواساة : مش قلنا بلاش عياط يا همس ، حبيبتي انبسطى وسط اصحابك و زمايلك ، شايفة مبسوطين ازاى .. انبسطى زيهم
همس بنشيج : هم مبسوطين عشان مامتهم و باباهم قاعدين يتفرجوا عليهم و سقفولهم ، لكن انا مافيش حد معايا يتفرج عليا حتى تيتا مش جت 
زهرة : طب هو مش انا كنت بتفرج عليكى و بسقفلك 
همس : انتى كنتى بتتفرجى علينا و بتسقفيلنا كلنا ، لكن انا عاوزة بابا و تيتا يبقوا معايا .. اشمعنى انا مش معايا حد 
زهرة بتنهيدة تعاطف : همس يا حبيبتى انتى قلتيلى ان باباكى تعبان  و اكيد ماجاش عشان مايقدرش يعمل كده ، و لو كان يقدر ييجى .. اكيد ماكانش هيتأخر ابدا
همس بامتعاض باكى : طب و تيتا
زهرة : ماهو اكيد تيتا كمان قاعدة مع بابا عشان ماتسيبوش لوحده .. او خصل حاجة عطلتها انها تجيلك ، و كمان انا هوصلك بنفسى لحد البيت النهاردة .. ايه رايك بقى 
لتومئ همس برأسها بقلة حيلة ، فعقلها الصغير يعلم ان لا شئ سيتغير 
اما بمنزل همس فكانت تجلس الجدة فاطمة بهدوء شديد فى بهو الفيلا الخاصة بهم و هى تتمتم بعبارات التسبيح الهادئ و عيناها معلقة بالدرج حتى وجدت الطبيب فى اتجاهه الى الاسفل ، فوقفت لاستقباله و هى تقول : طمننى يا دكتور .. يونس عامل ايه دلوقتى 
الطبيب : يا فاطمة هانم .. انتى عارفة ان حالة يونس مش سهلة ، لكن عاوزك تتفائلى و مش عاوزك تقلقى خالص
فاطمة : انا بس عاوزة اعرف العلاج بيجيب نتيجة و اللا لأ 
الطبيب : هو بيجيب نتيجة الحمدلله ، يمكن النتيجة ماتكونش ملحوظة لاى حد من اللى حواليه ، لكن انا ملاحظها الحمدلله 
فاطمة : يعنى ابتدى يحرك اى حاجة تانية فى جسمه
الطبيب : هى حركة بسيطة اوى تكاد تكون مش ملحوظة ، بس هو ابتدى يتحكم شوية فى حركة صوابع رجليه
فاطمة بفرحة شديدة : انت بتتكلم جد ، طب الحمدلله
الطبيب ببهجة : ايوة كده .. عاوزين دايما الحالة النفسية تبقى تمام ، لان روحكم المعنوية بتأثر على نفسيته جدا 
فاطمة بايماءة موافقة : ايوة طبعا .. لو تعرف المجهود اللى ببذله عشان اقدر اعمل ده  اد ايه .. كنت دعيتلى انى اقدر افضل كده على طول 
الطبيب : انا عارف طبعا .. ربنا معاكى و معاكم كلكم ، بس انا نفسى تلاقوا طريقة ترفهوا بيها عنه ، انا مش عاجبنى نومته كده فى الاوضة باستمرار بالشكل ده 
فاطمة : طب و العمل 
الطبيب باقتراح : ليه ماينزلش فى اوضة هنا تحت ، و دلوقتى فى كراسى متقدمة كتير تنفع لحالته 
فاطمة بامتعاض : و اذا كان هو اللى رافض انه يخرج من الاوضة .. و فاهم انه كده بيعاقب روحه على اللى حصل 
الطبيب : يبقى محتاج جلسات نفسية 
فاطمة : تقصد دكتور نفسانى 
الطبيب : او اخصائى نفسى 
فاطمة بحيرة : بس انا ما اعرفش حد ، و مش عارفة كمان ان كان هو هيرضى بده و اللا لا
الطبيب : ان شاء الله هنلاقيلها حل ، و اسمحيلى انا عشان مرتبط بمعاد مع مريض تانى 
فاطمة : ااه طبعا اتفضل 
لتتجه الى الدرج و تصعد الى غرفة يونس لتدخل عليه و هى تقول بهدوء : نايم يا يونس و اللا صاحى 
يونس : صاحى يا ماما .. تعالى 
فاطمة بحبور : الدكتور النهاردة نازل و هو مبسوط اوى ، و بيقوللى اننا الحمدلله بنتقدم خالص
يونس بتهكم : بنتقدم عشان حركت صباعين تلاتة
فاطمة : قول الحمدلله يابنى .. احنا كنا فين و بقينا فين ، ده انت لحد تلت شهور فاتوا ماكنتش حتى بتقدر تحرك ايديك ، و قبلها كمان ماكنتش بتقدر تتكلم ، دلوقتى الحمدلله بتتكلم و ايدك بتتحرك و كمان رجلك اهو ابتدينا 
يونس : الحمدلله يا امى .. الحمدلله
فاطمة و هى تربت على يده : تستاهل الحمد يا ابنى ، و اوعى تقطع عشمك فى ربنا 
يونس : حاش لله ، حاضر يا ماما .. حاضر ، و حقك عليا تاعبك معايا و واخد وقتك كله
فاطمة : اوعى تقول كده تانى ، هو انا عندى غيركم انت و اخواتك ، انا هنزل اخليهم يحضروا لنا الغدا على ما انزل اقابل همس و هى راجعة ، احسن زمانها زعلانة و عاملة عمايلها 
يونس بعتاب خفيف : ليه ما روحتيلهاش
فاطمة : كنت عاوزة اقابل الدكتور ، ماكانش ينفع ما ابقاش موجودة 
يونس باقتطاب : انا السبب ، من البداية خالص و انا السبب فى كل حاجة حصلت و بتحصل
فاطمة بتنهيدة : يا ابني وحد الله دي اعمار .. وبطل تحمل نفسك فوق طاقتها ، سيبها على الله ، كل شيء مكتوب بامره ، انا هنزل اشوف همس علشان ما تجيش ما تلاقينيش قاعده مستنياها و تزعل بزيادة ، وهرجع لك ثاني عشان نتغدى 
وبعد ان تتركه فاطمة وتتجه الى الاسفل يعود يونس بذاكرته الى اكثر من ثلاثة اعوام مرت عليه وهو على فراش المرض لا يستطيع الحركه بل انه كان ايضا لا يستطيع الحديث بعد ان فقد النطق ايضا ، بعدما تركته من كانت تقطن قلبه لاعوام كثيره مضت ، فقد ترعرعا سويا ، حتى شبا معا عن الطوق 
فكانت نور ابنه عمه تلك اليتيمه التي تركها عمه و زوجته برعايه والد يونس ووالدته وهي ما زالت في عمر الزهور ليقوم والد يونس ووالدته برعايتها و شقيقتها سوزان التى كانت حينئذ لم تكمل الخامسة من عمرها ، وتكفلا بهما مع ابنائهما حتى اتمتا دراستهما الجامعيه وتزوجت نور بيونس لينهلا من السعاده قناطيرا مقنطره و التى زادت اضعافا مضاعفة .. عندما رزقهما الله بابنتهما همس ، حتى قرر يونس الاحتفال بعيد زواجهما السادس بمنزلهما الريفي ويصر على نور ان يتركا همس برعاية جدتها ويذهبا سويا بمفردهما قبل  منتصف الليل حتى يستمتعا بشروق الشمس معا وهي تسطع فوق الحقول الخضراء 
وكان ذلك في فصل الشتاء وفي شهر يناير ، لتفاجئهم الامطار الغزيرة وهم بالطريق قبل دخولهم الى البلده الريفيه لتنزلق السياره بشدة باحدى الترع ليغيب كلاهما عن الوعى 🥺
و عند افاقة يونس من اغمائته باليوم التالى بالمشفى يعلم بانه فقد القدرة على الحركة تماما ، و لكن صدمته التالية كانت اكبر و اكثر حدة .. عندما علم بعدم تمكن الاهالى من انقاذ نور بسبب الظلام الذى جعلهم لم يتمكنوا من العثور عليها من الاساس 
لتظل نور مفقودة لاكثر من اسبوع حتى يتم العثور اخيرا علي جثمانها لتتعرف عليها شقيقتها سوزان من ملابسها و يتم استلامها و دفنها 
اما يونس .. فعند إصابته بفقدان الحركة و النطق ايضا ، قرر الاطباء بان الشفاء من حالته ليس بالمستحيل ، و لكنه يحتاج الى بعض الامل ، و كثيرا من الوقت مع الصبر و المثابرة ، مع المداومة على جلسات العلاج الطبيعى 
و هاهو طريح الفراش يعانى من علته و من فقدانه لحبيبته و من تأنيب ضميره على ما حدث ، فلم ينسى ان نور عارضت تلك الرحلة فى البداية ، و لكنه لم يعطيها حق الرفض و اصر على اصطحابها ليلا كما خطط لاحتفاله الذى لم يمهله القدر ان يراه ، ليظل تحت اشراف طبيبه المعالج بنوع من الاستسلام حتى استطاع لسانه الافلات من صمته المطبق بعد عام و بضعة اشهر ، ليظل طبيبه المعالج يثابر معه بصبر مفرط حتى وجد يده اخيرا تستجيب هى الاخرى للعلاج و ان كانت استجابة ثقيلة الا ان الطبيب شعر معها بامل كبير ، و ها هو اليوم يستطيع تحريك بضعة اصابع من قدميه ، و لا زالت حركة يده تعانى من بعض الثقل 😒
اما فاطمة .. فقد عادت مرة اخرى الى الاسفل و طلبت من زينب الخادمة تجهيز الغداء لها و ليونس معا 
و جلست تنتظر همس ، و لكنها قبل موعد وصولها سمعت رنين هاتفها لتجد ان رقما مجهولا لا تعرفه  .. فاجابت بشئ من الفضول قائلة : الو .. مين معايا
زهرة : مساء الخير يا افندم .. انا ابقى زهرة مشرفة من مدرسة همس 
فاطمة بقلق : مالها همس
زهرة بطمئنة : همس زى الفل و معايا ماتقلقيش ، انا بس كنت بستأذنك انى اخد من وقت حضرتك ربع ساعة ، محتاجة اتكلم مع حضرتك فى موضوع يخص همس
فاطمة : انتى قلقتينى .. فى ايه يابنتى طمنينى 
زهرة : اقسملك انها كويسة جدا ، انا بس عاوزة  اتشرف بمقابلة حضرتك ، و اتكلم معاكى شوية بخصوص البنت
فاطمة بتفهم : همس اشتكتلك .. مش كده
زهرة : خليها اما نقعد سوا .. احنا قدامنا حوالى اربعين دقيقة و هنبقى عند حضرتك و اتشرف بانى اشوف حضرتك 
فاطمة : الشرف ليا  .. ماشى يا بنتى .. منتظراكم ، مع السلامة 
لتعود فاطمة الى يونس مرة اخرة مستغلة الوقت فى اطعامه بعيدا عن اعين الصغيرة ، فهو يرفض و بشدة ان يطعمه احد امامها كى لا تشعر الصغيرة بضعفه الى تلك الدرجة 
و بعد ان عادت فاطمة مرة اخرى الى الاسفل ، لم تمض دقائق قليلة الا و وجدت همس تدلف من الباب و هى ممسكة بيد زهرة التى كانت تنظر حولها بترقب ، لترحب بهما فاطمة و هى تقول بتهليل : يا اهلا و سهلا .. اتفضلى يا بنتى 
زهرة و هى تحييها : اهلا بحضرتك 
فاطمة و هى تدرس ملامح زهرة بعناية يغلفها الذهول : انا بخير يا بنتى اتفضلى استريحى ، ثم نظرت لهمس العابسة و قبلت رأسها و هى تحتضنها بحنان و قالت : اكيد همس النهاردة كانت زى القمر فى الحفلة .. مش كده
زهرة : ااه طبعا .. دى همس النهاردة كانت شطورة خالص
فاطمة : و خدنا الاجازة كده خلاص
زهرة : ايوة ، بس انا اتفقت مع همس انها هتكلمنى على طول و مش هتنسانى .. مش كده يا هموسة
لتومئ همس برأسها علامة الموافقة و قالت : هكلمك كل يوم
زهرة ضاحكة : و انا هستناكى
فاطمة : طب ياللا يا همس يا حبيبتى .. خلى حد يجيبلنا حاجة نشربها ، و بعدين روحى غيرى هدومك و اغسلى وشك ، و روحى لدادة عشان تغديكى 
لتنظر همس الى زهرة قائلة : اوعى تمشي الا اما اشوفك تانى و اسلم عليكى 
زهرة : اكيد طبعا و انا اقدر برضة ما اسلمش عليكى قبل ما امشى
و بعد انصراف الصغيرة نظرت فاطمة بانتباه الى زهرة و قالت : خير يا بنتى 
زهرة : الحقيقة انا جايالك النهاردة بصفة غير رسمية 
فاطمة : مش فاهمة 
زهرة : حضرتك انا بشتغل فى المدرسة مشرفة ، يعنى ماليش الحق انى اتدخل فى اى حاجة زى دى ابدا ، لكن من حكم ملاحظتى لهمس و حبى ليها بوجه خاص .. اقدر اقول لحضرتك ان همس بتعانى من الاكتئاب
فاطمة بصدمة : اكتئاب .. اكتئاب ايه بس يا بنتى اللى هيجيلها فى السن ده
زهرة : حضرتك الاكتئاب بيصيب الاطفال زى ما بيصيب الكبار بالظبط 
بس اكتئاب الاطفال لو ما اتلاحقش ممكن يوصل لمرحلة تخر. يبية ، تكسير و ترزيع و زعيق و حاجات من دى ، و عشان كده انا قلت الفت نظر حضرتك عشان تقدروا تلحقوها 
اثناء الدراسة كنت بقدر اساعدها من وقت للتانى ، لكن خلاص ، الاجازة جت ، فحصرتك ممكن تشوفيلها حد متخصص يتابع معاها 
فاطمة : هو انتى تخصص ايه يا ميس زهرة ، اقصد خريجة ايه يعنى 
زهرة : انا معايا ماجيستير فى علم النفس و كان المفروض احضر للدكتوراه .. لكن فى ظروف منعتنى انى اكمل ده
فاطمة بانتباه : يعنى لو كنتى خدتى الدكتوراه كنتى تبقى ايه
زهرة بتنهيدة حزينة : كنت هبقى معالجة نفسية 
فاطمة بفضول : و ياترى جربتى تشتغلى مع حد قبل كده بتخصصك ده 
زهرة : وقت رسالتى طبعا كان ليا اكتر من حالة ، لكن انا عشان اقدر اتعامل فعلا .. لازم اخد الدكتوراه 
و بسبب دراستى دى انا قدرت افهم حالة همس و اتكلمت معاها و فهمت منها الظروف اللى موجودة حواليها 
همس يمكن تكون مقدرة حالة والدها المرضية ، بس مش قادرة تستوعب انها لوحدها ، ابسط امنياتها انها تاكل وجبة واحدة معاكى او مع باباها 
لما بتشوف باباها بتتعاطف معاه جدا ، لكن لما بتقضى باقى يومها لوحدها بترفض كل ده من جواها
النهاردة كانت منهارة انها لوحدها من غيرك فى الحفلة ، لكن انهيارها الاكبر و اللى فهمت سببه بعد كده ، ان الاجازة جت و ان حتى الوقت اللى كانت بتقضيه وسط زمايلها مش هيبقى موجود 
يعنى فترة حبسها الانفرادى هتطول بزيادة .. لدرجة يمكن ماتقدرش تتحملها
فاطمة بقلق : انتى قلقتينى .. طب اقترحى عليا .. اعمل ايه 
زهرة : مانا قلت لحضرتك .. ممكن تعرضيها على معالج نفسى 
فاطمة بتفكير : طب و ليه اعرضها على حد غريب ممكن البنت ماتثقش فيه زيك ، ماتخليكى انتى معاها ، على الاقل انتى خلاص فهمتى علتها و زى ما قلتيلى انك بتتعاملى معاها من مدة 
زهرة : ايوة .. بس .. للاسف ماينفعش
فاطمة : ليه ماينفعش
زهرة : اولا .. انا زى ماقلت لحضرتك .. انا اصلا لسه ماخلصتش دراستى بالكامل .. يعنى ما اقدرش ازاول المهنة و انا مامعاييش تصريح بده
فاطمة : و انا ما طلبتش منك شهادة و لا تصريح
زهرة بتردد : ايوة .. بس برضة ما ينفعش ، حتى لو انا وافقت حضرتك دلوقتى ، هقضى معاها اسبوعين بس و بعد كده هضطر برضة انى اسيبها ، لان فى اسباب تانية تمنعنى انى اعمل ده
فاطمة : طب فهمينى .. ايه الاسباب التانية دى
زهرة : انى مش هبقى موجودة 
فاطمة : يعنى ايه مش هتبقى موجودة .. مش فاهمة 
زهرة بخجل : انا بشتغل فى المدرسة بعقد ، و العقد ده بيبقى فترة الدراسة بس ، و كون انى بشتغل مشرفة فده بيخلينى اركب الباص مع الولاد من مكان اقدر اوصل له من بيتى بمواصلة معقولة ، لكن انا مش من هنا اصلا ، انا لولا حبى لهمس و خوفى عليها كان زمانى فضلت مع السواق و وصلنى للمكان اللى بركب منه عشان اروح ،
و انا عقدى فى المدرسة خلاص فاضل له اسبوعين على ما الامتحانات تخلص ، يعنى مش هقدر اجى هنا بعدها
و المكان هنا الصراحة بعيد عليا اوى .. مش هقدر اجيه مخصوص
فاطمة : هو انتى ساكنة فين يابنتى 
زهرة : فى الحوامدية 
فاطمة بذهول : و كل يوم بتيجى من الحوامدية لحد مصر الجديدة 
زهرة : مانا قلت لحضرتك .. باجى بالمترو لاقرب مكان للباص و بركب معاهم 
فاطمة بدهشة : و هو فى مترو فى الحوامدية
زهرة بحرج : مانا باخد ميكروباص او اتوبيس على حسب المتوفر وقتها لاقرب محطة مترو
فاطمة : ده انتى على كده يا بنتى بتصحى من الفجر و بترجعى بعد المغرب 
زهرة بقلة حيلة : شغلى 
فاطمة : طب هو انتى ليه ما اشتغلتيش بتخصصك
زهرة : مانا قلت لحضرتك انى لسه بدرس .. فماينفعش
فاطمة : كنتى حتى تبقى اخصائية اجتماعية 
زهرة : اهو الفرصة اللى لقيتها قدامى .. الحمدلله
فاطمة و هى تنظر الى يدى زهرة : انتى متجوزة يا زهرة 
زهرة بنفى : لا
فاطمة : و يا ترى عايشة مع مين ، اقصد يعنى والدك و والدتك موجودين 
زهرة بلمحة حزن : والدى متوفى من خمس سنين 
فاطمة : الله يرحمه ، طب و والدتك موجودة 
زهرة بشرود : ايوة .. موجودة 
فاطمة : ربنا يخليهالك يا بنتى ، بس انا ممكن احل لك حكاية بعد البيت ده ، ايه رأيك ، ممكن برضه تيجى بالمترو و اخلى السواق يجيبك من المترو و يرجعك ليه كل يوم زى ما كان باص المدرسة بيعمل وياكى
زهرة : كل يوم 
فاطمة : ايوة كل يوم ، و كمان هعمل لك مرتب كويس اوى يعوضك عن اجازة المدرسة ، و من اول يوم شغل هديكى نص شهر مقدم  
و كمان هسيبك الاسبوعين الباقيين لك فى المدرسة دول ، و من تانى يوم تبقى هنا .. ها .. ايه رايك
زهرة بتردد : بس مش الافضل تشوفى حد متخصص
فاطمة : المتخصص ده ممكن يقعد معاها ساعة و اللا اتنين فى الاسبوع ، لكن انتى هتبقى معاها معظم اليوم ، تلاعبيها و تاكلى معاها و تهتمى بيها و فى نفس الوقت تعالجيها 
زهرة : تقصدى بيبى سيتر
فاطمة : البيبى سيتر ما بتعالجش ، بس اكيد برضة مش هتقعدى تعالجى فيها طول اليوم .. ها .. قلتى ايه
زهرة : لو تعرفى العرض بتاعك ده هيفرق معايا اد ايه .. انا متشكرة اوى لحضرتك
فاطمة : انا خايفة ااخرك اكتر من كده لا والدتك تقلق عليكى 
زهرة بشئ من الخجل : الحقيقة .. رغم انه يمكن مايهمش حضرتك ، لكن اعتقد ان طالما هدخل بيتك فمن حقك تعرفى 
فاطمة : اعرف ايه يا بنتى 
زهرة : انا والدتى مسجونة 
فاطمة بصدمة : ايه
زهرة بلهفة : اقسملك انها مش حاجة تمس شرفها ابدا ، انا ماما من الغارمات
فاطمة باهتمام : طب ممكن تشرحيلى اكتر 
زهرة : انا كنت مخطوبة من فترة ، و ماكنتش وقتها بشتغل ، كنت بحاول اخلص دراستى كلها عشان اقدر امارس المهنة زى ما فهمت حضرتك ، و طبعا حضرتك اكيد عارفة التزامات الجواز و تكلفته بقت عاملة ازاى الزمن ده 
و المفروض الاتفاق كان انى اجيب الاجهزة الكهربائية ، ده غير طبعا حاجة البنات المعروفة ، المهم ماما جابت لى الاجهزة بالقسط من معرض من المعارض و طبعا مضت على نفسها ايصالات و كمبيالات بالمبالغ كلها و عليها الفايدة 
و ابتدينا ندفع القسط اللى كان بيأثر جدا على عيشتنا ، لحد ما حصل اللى حصل
فاطمة : و ايه اللى حصل
كان فيه تحت البيت اللى كنا ساكنين فيه ورشة نجارة ، و فى يوم من الأيام قامت في الورشة دى حريقة كبيرة بعد ما ماما جابتلى حاجتى بشهرين اتنين بس ، يعنى يادوب .. كنا دفعنا قسطين بس
الحريقة كبرت و خدت معاها نص الشارع تقريبا و طبعا شقتنا بكل اللى فيها ، و فجأة بقينا فى الشارع بالهدمة اللى علينا 
الحكو.مة جت و قالت هتدينا تعويضات ، بس عشان احنا عايشين مامتناش .. التعويضات كانت يا دوب ايجار شهرين فى شقة ايجار جديد على البلاط ، و على ما اول الشهر جه و ماما قبضت المعاش على ماعرفت تجيبلنا سرير و دولاب مستعملين .. ماعرفناش ندفع القسط ، و الدنيا ابتدت تتكوم شهر على شهر لحد ما حصل اللى حصل و اتحكم عليها بعشر سنين
فاطمة : لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم ، طب و خطيبك سابك كده من غير حتى ما يحاول يساعدك 
زهرة بسخرية : خطيبى طلقنى ، و قال انه مش هيقدر يساعدنا و لا هيقدر يستنى على مانقدر نعوض الاجهزة اللى راحت فى الحر.يقة ، و ربنا وفقه و اتجوز من تانى بعدها بكام شهر .. ربنا يسعده
فاطمة بانزعاج : اخص عليه ، بس اوعى تزعلى ، هو مايستاهلكيش ابدا  ، و كونه اتخلى عنك من اول ازمة بالشكل ده يبقى قلته احسن .. بس يا ترى انتى دلوقتى عايشة فين و مع مين
زهرة : لوحدى .. فى نفس الشقة اللى ماما اخدتها و اللى عقدها اخره بعد شهرين من دلوقتى 
فاطمة : وبتشوفي مامتك 
زهرة : بزورها و بطمنها انى بحاول اجمع المبلغ عشان اقصر مدة حبسها
فاطمة بابتسامة : ان شاء الله ربنا هيفرجها ، ماتقلقيش
زهرة بفضول : ياترى بعد ما حكيت لحضرتك حكايتى ، لسه عرض الشغل موجود و اللا ثقتك فيا اختلت
فاطمة بتنهيدة : انتى قلتيها فى الاول يا بنتى ، مامتك ماعملتش حاجة مخلة بالشرف ، و كمان انتى اللى حكيتيلى من نفسك و ما خبيتيش عليا ، رغم انى كان ممكن ما اعرفش اصلا ، عرضى زى ما هو يا بنتى ، و ان شاء الله من هنا لحد مايعدى الاسبوعين اللى فاضلينلك على عقد المدرسة .. يكون ربنا فرجها 
لتقف زهرة قائلة بحرج : انا متشكرة اوى ، و لو تسمحيلى اسلم على همس قبل ما امشى زى ما وعدتها 
فاطمة : ااه طبعا ثانية واحدة 
لترفع فاطمة صوتها و هى تنادى الصغيرة ، التى اتت اليها مهرولة و هى تنظر لزهرة الواقفة بمكانها و تقول : انتى خلاص ماشية 
زهرة بابتسامة : و قلت اسلم عليكى قبل ما امشى زى ما وعدتك ، بس زى ما اتفقنا .. هستناكى تكلمينى كل يوم
همس و هى تحتضن زهرة بحب : هكلمك كل يوم لحد ما ارجع المدرسة تانى 
فاطمة و هى تنظر لزهرة بابتسامة و كأنها تطمئنها الى انها على الوعد : و ليه نستنى المدرسة لما تبتدى من تانى و احنا لسه بدرى اوى كمان عليها .. ميس زهرة هتيجى تقعد و تذاكر و تلعب معاكى كل يوم يا همس .. ايه رأيك بقى 
همس بسعادة : بجد يا تيتا .. امتى 
فاطمة : هى بس عندها شغل فى المدرسة لمدة اسبوعين ، هتخلص شغلها ده .. و بعد الاسبوعين بالظبط هتبتدى تجيلك كل يوم .. ها .. مبسوطة 
همس : اوى يا تيتا
فاطمة : طب اقعدى معاها بقى كده دقيقتين على ما اشوف الاسطى محمد عشان يوصل ميس زهرة
زهرة باحراج : مالوش لزوم .. انا ممكن اتصرف 
فاطمة : انا قلتلك من البداية انى هخليه يوصلك ، عن اذنك دقيقتين
لتخرج فاطمة الى كشك الحراسة الذى يجلس فيه السائق بصحبة الحارس و تنادى السائق و تنفرد به قائلة : اسمع يا محمد .. الميس اللى هتخرج دلوقتى هتوصلها لحد البيت ، و بعد ما توصلها ، عاوزاك تركن العربية بعيد شوية عن مكان ما هتنزلها ، و بعد كده ترجع من تانى و تحاول تعرف لى عنها كل المعلومات اللى تقدر عليها 
محمد : حاضر يا هانم 
فاطمة : مش هوصيك .. اوعى حد ياخد باله من حاجة ، و لو حد سالك بتسال ليه ، تقول ان فى حد عاوز يتقدم لها فبتسال عنها .. فهمت 
محمد : فهمت يا هانم 
لتعود فاطمة الى زهرة و تقول : محمد مستنيكى يا زهرة و هيوصلك لحد البيت 
زهرة : يا خبر ، مالوش داعى ابدا .. المشوار طويل اوى عليه ، انا هاخد المترو زى مانا متعودة 
فاطمة بحزم : عودى نفسك من هنا و رايح اما اقول كلمة تتسمع على طول من غير نقاش ، ياللا عشان ماتتاخريش اكتر من كده 
لتنصرف زهرة بصحبة السائق الذى عاد الى فاطمة مساءا و هو يقص لها ما علمه عن زهرة ، ليؤكد لها صدق كل ما تفوهت به زهرة ، علاوة على إشادة الجيران باخلاقها و سلوكها 
ليمر الاسبوعان سريعا ، لتبعث فاطمة السيارة الى منزل زهرة لاصطحابها الى الفيلا ، لتبدأ اولى ايامها بعملها الجديد و الذى تفاجئت فيه بفاطمة و هى تحدد لها راتبا لم تحلم به قط ، و بانها قد تستطيع من خلاله انقاذ امها بعد عدة اشهر قليلة 

تعليقات



×