قصة لعنة فندق العصافرة كاملة بقلم ولاء اشرف
الجو كان مغيم والضباب مغطي البحر، الهوا بيخبط في الشبابيك بصوت يخلي قلبك يدق من الرعب. التاكسي وقف على جنب الطريق، قدام بوابة كبيرة مصديه، مكتوب فوقها يفطـة قديمة نص الحروف فيها وقع:
"فندق المينا – تأسس ١٩٤٣"
السواق بص للمراية وقال وهو بيجز على سنانه:
"متأكدة إنك نازلة هنا؟ المكان دا فاضي بقاله سنين!"
ردت عليه سالي، وهي بتزق باب العربية بصعوبة:
"آه، جالي دعوة بحجز هنا... ورشة عمل ولا مش عارفة إيه..."
نزلت وهي شايلة شنطتها، بصت حواليها، الطريق فاضي، مفيش بني آدم، حتى البحر صوته مخنوق كأن فيه حاجة مكتومة جواه. البوابة كانت مفتوحة على وسعها، بس مفيش أي نور، لا من الشبابيك ولا من المدخل.
خطت خطوتين لجوه، الأرض كانت مبلولة وفيه ريحة رطوبة وعتامة، الجو جوا كأنك دخلت قبو، مش فندق. في آخر طرقة طويلة باين نور خفيف، وورا النور دا كان فيه شباك الاستقبال، وراها ست كبيرة، لابسة إسود من فوق لتحت، عنيها سودة وبراقة بشكل مش مريح، وقالت بصوت مبحوح:
"كنتي متأخرة... كلكم اتأخرتوا. بس مفيش مشكلة، كل واحد له ميعاد محدد يوصل فيه."
سالي ابتلعت ريقها، وقالت بتوتر:
"يعني... في حد جه قبلي؟"
ردت الست بابتسامة غريبة:
"أكيد... كل واحد جه في معاده. وحضرتك أوضتك رقم ٣."
إدتها مفتاح معدن قديم، ومشيت سالي في طرقة طويلة، الأرض بتزيق تحت رجليها، والحيطان متشققة وبتنزل منها مية، كأن المكان دا فضل نايم سنين وفجأة صحي، ومستغرب وجود بني آدمين جواه.
#بقلميwalaasherif
سالي دخلت الاوضة ويدوب لسه بتفك شنطتها، لكن فجأة الجو في أوضتها بئا بارد بشكل مش طبيعي، كأن التكييف مفتوح على آخره رغم إنه بايظ من سنين. فجأة سمعت صوت خطوات تقيلة في الطرقة، وبعدها خبط على الباب.
فتحت وهي مترددة، لقت راجل طويل، أصلع من النص، لابس بدلة قديمة متبهدلة شوية، وباسبور في إيده، وقال:
"أنا مينا… قالولي أوضتي هنا؟"
سالي اتفزعت شوية، بس ردت بحذر:
"لا.. دي أوضتي. هما قالولي رقم ٣."
مينا بص في الورقة اللي معاه وقال:
"أنا كمان... مكتوب ٣. يمكن في غلطة؟"
وفي اللحظة دي، الست العجوز اللي كانت في الاستقبال ظهرت من آخر الطرقة كأنها كانت واقفة في الضلمة مستنية اللحظة دي، وقالت بصوت ثابت:
"كل حاجة صح... أوضتكوا جنب بعض، متقلقوش. كل واحد ليه مكانه... فين سالي؟"
سالي رفعت إيدها بخضة. الست ابتسمت:
"تمام. حضرتك المفروض تقابلي باقي الضيوف بعد نص ساعة في الصالون. اتفضلوا ارتاحوا."
ومشيت... كأنها دخلتهم في حاجة مش هيرجعوا منها.
---
الساعة عدت، وبدأوا الناس يظهروا واحد ورا التاني:
طارق:
دخل متأخر، لابس لبس شيك أوي، بس باين عليه متعجرف. عربية BMW مركونة برا، وأول ما دخل بص للناس كأنهم مش على مستواه. لما سالي سألته جاي ليه، قال باستهتار:
"جالي إيميل إن فيه مؤتمر عن الاستثمار العقاري... قلت أعدي."
بس باين عليه مش مهتم، وكان بيتكلم كتير عن مشاريع في دبي، وفلوس، ونجاحات، بس عنيه مش مرتاحة، كأن في حاجة مطاردة دماغه.
داليا:
كانت أول واحدة اتكلمت بصراحة. لابسة جينز واسع وشنطة جلد، معاها نوتة قديمة وقلم. قالت إنها صحفية مستقلة، وكانت بتكتب في قضايا فساد واختفت فترة كبيرة عن الصحافة.
"أنا كنت محبوسة في بيتنا تقريبًا... حاجات حصلت خلتني أختفي من الدنيا."
وكانت دايمًا باصة حوالين المكان، بتدوّن كل حاجة كأنها بتحضر لتحقيق كبير.
عاصم:
راجل نضيف قوي، لابس بدلة وكرافتة، وكل حاجة فيه متروسة. دكتور نفسي، بس لما بدأ يتكلم، الناس حسّت إن وراه حاجة.
"أنا جيت علشان مؤتمر عن العلاج الجماعي في البيئات المعزولة..."
لكن لما سالي سألته عن شغله تحديدًا، سكت وقال:
"الشغل دلوقتي مش بنفس الحماس زمان... حصلت حاجات خلتني أراجع نفسي."
عنـيه دايمًا بتراقب اللي حواليه، وبالذات مينا... وكأن بينهم حاجة قديمة مش مفهومة.
وفي الآخر...
الست الكبيرة، اللي عرفوا إن اسمها "أمينة"، ظهرت من تاني، وقالت:
"كل الضيوف وصلوا... العشا الساعة ٨، متتأخروش. المطبخ مش بيحب الزباين اللي يتأخروا."
الجملة دي مكنتش عادية. طريقة كلامها كانت كأنها بتتكلم عن كيان تاني... مش بشر بيطبخوا.
#بقلميwalaasherif
الليل جه، والجو بقى أسود كأن السما نزلت على الأرض. البحر صوته عالي، والمطر بدأ يخبط على الشبابيك الحديد القديمة بتاعة الفندق. الضيوف اتجمعوا حوالين السفرة في الصالون الكبير. نور خافت طالع من الأباجورات القديمة، وصوت عقارب الساعة على الحيطة عامل زنة مرعبة في الخلفية.
الكل ساكت... حتى أمينة، اللي كانت قاعدة على كرسي هزاز في آخر الصالون، بتبص لهم من بعيد كأنها مستنية حاجة تحصل.
سالي بدأت تكسر الصمت، قالت:
"هو احنا كلنا جالنا نفس الدعوة؟ عن ورشة؟ مؤتمر؟"
طارق ضحك وقال:
"أنا جايلي دعوة لمؤتمر استثمار... بس واضح إن دا مؤتمر رعب."
داليا قلبت في نوتتها وقالت بهدوء:
"أنا بحثت عن الفندق دا قبل ما أجي... مفيش أي معلومات عنه أونلاين، كأنه مش موجود."
الكل بدأ يبص لبعض... الريبة بتزيد، والسكون مرعب أكتر من أي صوت.
وفجأة... النور قطع.
صرخة طلعت من آخر الطرقة.
الجميع جري ناحية الصوت. طرقة طويلة، باب متفتح، ريحة دم قوية في الهوا.
الغرفة رقم ٥...
جوه، مينا كان مرمي على الأرض، جسمه متلوي، عينه مفتوحة على الآخر، وفمه مليان دم.
طارق صرخ:
"إيه دا؟! دا مات؟!!"
عاصم ركع جنبه، حط صباعه على رقبته، وقال:
"مفيش نبض... مات فعلاً."
سالي:
"بس إزاي؟! دا كان معانا من شوية!"
داليا: قربت وبصت حوالين الأوضة، شافت حاجة مكتوبة بالدم على الحيطة:
"رجعوا اللي خدتوه."
الجملة دي رجعت كل اللي في القوضة لورا كأن حد زقهم بالعافية. عنيهم بدأت تزوغ... ومفيش حد عايز يعترف إنه فاهم الجملة دي معناها إيه.
أمينة دخلت الغرفة، بصت على الجثة، وقالت بمنتهى الهدوء:
"أول واحد... الباقي لسه. كل حاجة بتترد في معادها."
الناس كلها بصت لها، وطارق صرخ:
"إنتي بتقولي إيه؟! مين اللي عمل كده؟! وإزاي؟!"
أمينة ردت:
"البيت دا ما بيحبش الكدب... واللي عملوه لازم يتدفع تمنه... واحد ورا التاني."
---
تاني يوم الصبح... كلهم قرروا يمشوا من قلب الفندق
لكن كان في مفاجاه في انتظارهم...
البوابة مقفولة بسلسلة حديد، ومفتاحها مش موجود.
مينا؟ جثته اختفت.
الحيطة؟ فاضية، مفيش أي دم عليها.
سالي قالت بصوت مبحوح:
"إحنا محبوسين... والقاتل وسطنا."
#بقلميwalaasherif
بعد ما سالي قالت كده فضلوا كلهم يبص لبعض بصمت مريب. صوت البحر ما بقاش هادي زي الأول... كان عامل زي الهمهمة. والهوى في الطرقة كان بيعدي زي نفس تقيل جايلك من ضهر حد مش شايفه.
سالي، داليا، طارق، وعاصم قعدوا في الصالون، مفيش حد قادر ينطق. الجريمة اللي حصلت مبارح مش بس خوفتهم... دي فتحت بوابة لكل اللي كانوا بيحاولوا يخبوه.
داليا:
"إنتوا مش شايفين إن الجملة اللي كانت مكتوبة على الحيطة مش جملة عشوائية؟ دي معناها واضح... في حد فينا سرق حاجة."
طارق بص لها بتحدي وقال:
"يعني إنتِ مثلًا؟ صحفية مختفية من سنين، ومحدش يعرف عنك حاجة."
داليا:
"وإنت؟ رجل أعمال مشهور، بس مش لاقيه اسم شركتك في أي سجل تجاري!"
عاصم اتدخل:
"الشك مش هينفعنا بحاجة... مينا مات، وده معناه إن اللي جاي أخطر."
سالي بصت لعاصم وسألته بصوت واطي:
"هو في بينك وبين مينا حاجة؟ كنت باخد بالي إنك بتبصله بطريقة غريبة..."
عاصم سكت شوية وقال:
"كان زمان... كنا نعرف بعض... بس مفيش بينا حاجة دلوقتي. اللي بيني وبينه انتهى من سنين."
وفجأة... صوت خربشة جاي من الدور اللي فوق.
الكل سكت. الخطوات بدأت تبقى أوضح، وبعدين صرخة... صرخة واحدة، قصيرة، كأن في حد اتسحب بعنف.
جروا كلهم على السلالم، وطلعوا فوق.
الغرفة رقم ٧... الباب بتاعها كان مفتوح.
جوه، داليا كانت واقفة متسمرة، بتبص على السقف.
سالي:
"في إيه؟!"
داليا مش بترد...
كلهم دخلوا، وبصوا لفوق.
طارق كان متعلق في السقف... بالحبل.
بس الغريب إن رجليه مش متشنجين، ووشه مش مزرق... كأن الحبل مش هو اللي موته. كان في حاجة تانية... حاجة سحبت الروح من جسمه قبل ما يتحط في الوضع ده.
عاصم همس:
"ده مش انتحار... ده تمثيل."
سالي:
"وده دم برضو... على الحيطة."
المرة دي كان مكتوب:
"اللي اتنسى... لازم يفتكر."
داليا رجعت خطوة لورا وقالت بصوت مهزوز:
"أنا عرفت! مينا... وطارق... الاتنين كانوا ضمن ملف كنت بشتغل عليه زمان! قضية كبيرة فيها رشاوي وتستر على جريمة زمان..."
عاصم:
"وإنتي؟ اسمك كان فين؟"
داليا:
"أنا اللي نشرت أول جزء من التحقيق... وبعدها اختفيت. لأن اللي ورا الجريمة بدأوا يطاردوني. ومينا كان واحد منهم، وطارق كان الممول الأساسي!"
سالي بصت لداليا وقالت:
"يعني القاتل بيقتل الناس اللي شاركوا في الجريمة القديمة؟!"
داليا:
"واضح كده... وأنا احتمال أكون الجاية."
عاصم:
"يبقى لازم نعرف الجريمة كانت إيه... ونلاقي اللي بيقتل قبل ما يخلص على الكل."
بس في اللحظة دي، الباب اتقفل لوحده... والأنوار فصلت تاني.
وفي الضلمة، كان في نفس الصوت... خربشة... بس المرة دي، جوه الاوضة معاهم.
#بقلميwalaasherif
الضلمة كانت خانقة... والهدوء كان أفظع من أي صوت.
في اللحظة دي، سالي قالت بصوت واطي:
"هو في حد جوه؟!"
الخربشة قربت أكتر... وبعدين صوت الباب اتفتح تاني فجأة، والنور رجع.
بس...
داليا اختفت.
عاصم وسالي بصوا لبعض، وشهم مرعوب، وطلعوا يجروا في الممر يدوروا عليها. الباب اللي في آخر الطرقة، الباب اللي كان مقفول من أول ما جم، لكن المرة دى كان مفتوح لأول مرة.
دخلوا، ولقوا داليا قاعدة على الأرض، رجليها مربوطة، ووشها فيه كدمة، وعينيها فيها دموع.
سالي جريت عليها وقالت:
"إنتي كويسة؟ مين عمل فيكي كده؟!"
داليا قالت وهي بتنهج:
"هو... هو كان مستخبي وسطنا من الأول... وعارف كل واحد فينا. بيستنانا نغلط، ونقرب أكتر من الحقيقة، علشان ينتقم."
عاصم بص حواليه وقال:
"مين؟ مين فينا؟! إحنا تلاتة بس دلوقتي!"
داليا قالت بصوت مكسر:
"مش إحنا التلاتة بس... أمينة."
سالي وعاصم اتجمدوا مكانهم.
سالي:
"أمينة؟ الست الكبيرة اللي قاعدة من أول يوم؟ بس دي مش بتتكلم غير بكلام غريب!"
داليا بصت لهم وقالت:
"هي كانت أم الطفل اللي مات بسبب اللي عملناه من عشر سنين."
عاصم:
"طفل؟! إنتي بتتكلمي عن إيه؟!"
داليا بدأت تحكي...
"أنا، ومينا، وطارق، كنا شغالين على مشروع استثماري في حي شعبي. طارق كان بيغسل فلوس، ومينا كان بيزور في أوراق العقارات. كان في أرض عليها نزاع، والناس رفضوا يسيبوا بيوتهم.
الحل؟ حريقة مفتعلة.
الضحايا؟ كام بيت... واتنين ماتوا، منهم طفل صغير...
اسمه آدم."
سالي حطت إيديها على بقها وقالت:
"يا نهار أسود... وإنتي كنتي عارفة؟!"
داليا:
"كنت صغيرة... وغلطت... وكتبت عن اللي حصل، بس اتسحبت المقالة، واتهددت، وهربت.
بس أمينة... أمينة كانت أم آدم."
عاصم:
"يعني هي اللي بعتت الدعوات؟"
داليا:
"آه... هي اللي جمعتنا هنا، عشان تدينا كلنا جزاءنا."
في اللحظة دي، الباب اتقفل، وأمينة دخلت.
بس شكلها اتغير...
ما بقتش الست الهادية اللي كانت قاعدة على الكرسي الهزاز. كانت واقفة، ضهرها مفرود، وعينيها سودة، فيهم نار. لبسها القديم اختفى، ولبست فستان أسود طويل، كأنها خارجة من جنازة.
أمينة بصت لهم وقالت:
"كل واحد فيكم خدتوا مني حاجة... والنهارده، كل واحد هيرجعها.
أنا كنت ساكتة سنين... بربي وجعي، وبغذي ناري...
لحد ما جه الوقت."
عاصم قال:
"بس أنا مالي! أنا كنت في الجيش وقتها، معرفش أي حاجة عن القضية دي!"
أمينة بصت له وقالت بهدوء:
"إنت كنت أخو المحامي اللي غطى على الجريمة... ومات، صح؟
بس قبل ما يموت، ورثك كل مستنداته... وانت شفت كل حاجة وسكت. سكوتك شراكة."
سالي بكت وقالت:
"طب وأنا؟! أنا مالي؟!"
أمينة مشيت ناحيتها وقالت:
"إنتي بنت الراجل اللي طردني من الشغل لما كنت بشتغل شغالة في شركتكم... قبل حتى موت ابني. إنتي أول واحدة خلتني أفهم إن الفقر جريمة.
كنتي سبب البداية."
صمت...صمت مرعب
الكل سكت.
أمينة فتحت باب الأوضة التانية، وظهر جواها جدار كامل، عليه صور الضحايا، وخرائط، وملف القضية الأصلي.
كل حاجة كانت مترتبة... بخط إيد أمينة.
سنين من التخطيط، والتحمل، والكراهية.
داليا قامت بصعوبة وقالت:
"خلاص... خدت حقك... كفاية. إحنا اتفضحنا، واتحاسبنا. كفاية دم...
أمينة بصت لها وقالت:
"لسه في واحد ناقص..."
الأنظار راحت لعاصم.
#بقلميwalaasherif
عاصم واقف بيبص لأمينة، اللي كانت ساعتها بتقرب منه بخطوات باردة، ووشها عليه ملامح انتقام متخزن من سنين.
سالي قربت وقالت:
"أمينة... انتي مش كده، أنتي أم... قلبك كبير، متسيبيش الغل يحرقك لحد ما تبقي زيهم."
أمينة وقفت فجأة، وبصتلها بنظرة غريبة، وقالت:
"أنا مابقتش أم من يوم ما ابني اتشوى قدام عيني... من يومها بقيت حاجة تانية، بقيت الصرخة اللي محدش سمعها."
عاصم بص في الأرض، وبعدين قال:
"أنا فعلاً كنت عارف... وفضلت ساكت. بس كان جوايا صوت بيصحى كل يوم ويقولى
إن في حاجة غلط... يمكن أنا ما ولعتش الحريقة، بس سكوتي كان نار تانية.
أنا استاهل اللي يجيلي... بس مش سالي، ومش داليا."
أمينة رفعت إيدها، ومعاها حاجة صغيرة... كانت مفتاح.
أمينة قالت:
"الغرفة اللي تحت ... فيها كل اللي يثبت اللي حصل. أوراق، تسجيلات، وحتى تقرير الطب الشرعي اللي اتخبى. كنت مستنياكم تكتشفوه بنفسكم، لكن الظاهر إنكم بتدوروا على باب الخروج مش الحقيقة."
عاصم قال:
"طب ليه؟ ليه تقتليهم؟ كان ممكن ترفعي قضية، تنشري الحقيقة."
أمينة ضحكت، ضحكة قصيرة خالية من الروح، وقالت:
"قضية؟ ضد مين؟ نفس النظام اللي خلى موت ابني مجرد رقم في دفتر؟!
أنا اخترت أكون القاضي... والجلاد."
فجأة داليا قامت، وشدت كرسي من الأرض، ووجهته ناحية أمينة، وقالت:
"خلاص كفاية دم! خلاص! إحنا هنكمل في دايرة الانتقام لحد ما نموت كلنا؟!!"
أمينة بصتلها، ودموع بدأت تنزل من عنيها لأول مرة... بس ابتسمت، وقالت:
"أنا خلصت دوري... بس أنتوا، انتوا لسه دوركم ما ابتداش."
سالي قربت منها، وقالت بهدوء:
"إحنا هننشر القصة. بالحقيقة كلها. والناس هتعرف. واسم آدم هيعيش في كل كلمة."
أمينة سابت المفتاح في إيدها، وقالت بصوت مكسور:
"لو كنت لقيت حد يسمعني من الأول... ماكنتش وصلت لكده."
وبدأت تمشي، ببطء، لحد ما اختفت جوه الضباب اللي كان داخل من شباك الأوضة المكسور...
كأنها اتبخرت.
---
اليوم اللي بعده
سالي وداليا وعاصم بلغوا الشرطة.
لقوا فعلاً كل الأدلة اللي أمينة قالت عليها.
التحقيقات اتفتحت من جديد.
جرائد كتبت عن القضية، وعن الطفل آدم، والناس أخيراً عرفت.
بس...
بعد شهور، داليا جالها ظرف بالبريد. جواه صورة مرسومة بإيد طفل... طفل صغير وشه متشوه شوية، وعينيه سودا كبيرة.
وكان مكتوب ورا الصورة:
"لسه الدور عليكم."
كل واحد فيهم خرج من الفندق ده بشيء مكسور جواه، حاجة مش هتتصلح أبدًا.
مش بس لأنهم عاشوا الرعب، لكن لأن الحقيقة كانت أوحش من الكوابيس.
سالي بقت بتكتب مقالات عن العدالة، بس في كل كلمة بتكتبها، بتحس إن في صوت بيهمس ورا ضهرها، بيقولها: "العدالة ما بترجعش اللي راح."
داليا سابت شغلها وسافرت برا مصر، بس كل ليلة بتصحى مفزوعة على وش آدم في الحلم، بيبصلها وهو ساكت.
عاصم؟ فضل ساكت. ما اتكلمش تاني عن اللي حصل، كأنه قرر يحمل الذنب لوحده.
أما الفندق...
اتقفل، وبقى مهجور.
بس الناس بتقول إنهم ساعات بيسمعوا صريخ جاي من جوه، وبيقولوا إن في ست بتقف عند الشباك اللي في الدور التاني، لابسة إسود، وعنيها مليانة دموع... ومستنية.
يمكن تكون العدالة اتعملت.
ويمكن... يكون الانتقام عمره ما بيخلص.
لكن الأكيد، إن اللي حصل في الفندق ده...
ماكانش مجرد جريمة.
دي كانت لعنة... ولسه ما خلصتش
انتهت احداث الرواية نتمني ان تكون نالت اعجابكم وبانتظار ارائكم في التعليقات وشكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
للمزيد من الروايات الحصرية زورو قناتنا علي التليجرام من هنا