رواية كحك العيد ( جميع فصول الرواية كاملة ) بقلم سمر ابراهيم

رواية كحك العيد الفصل الاول بقلم سمر ابراهيم


 

في أواخر ثمانينات القرن الماضي قرية صغيرة من قرى محافظة الغربية، أناس بسطاء الغالبية العظمة منهم متوسطي الحال إن لم يكونوا فقراء، يعمل معظم الرجال في الحقول، إما أن يكونوا يمتلكونها أو يعملون بالأجر، أما نساء القرية فمعظمهن ربات بيوت ومن تعمل منهن إما في الحقول أو في منازل أغنياء القرية الذين كانوا يعدوا على أصابع اليد الواحدة، عائلة أو اثنين على الأكثر تمتلك في يدها السلطة والمال ومعظم أراضي القرية، والباقي يعملون لديهم.


❈-❈-❈


-  أني ماليش دعوة يما هاتي فلوس أني عايزة أعمل كحك العيد دا مفاضلش عليه إلا كام يوم وأني مجيبتش حاجة لسة أني مش أقل من أي واحدة في البلد كلهم عملوا وأني لسة.


عقبت عليها والدتها بامتعاض غير راضية عن طريقتها الفظة معها في الحديث وعدم مراعاتها لظروفها خاصة وهي الآن في كنف رجل هو المسؤول عنها:


-  وأني أجيبلك منين بس يا بنتي ما انتي عارفة البير وغطاه وبعدين فين الشملول جوزك مبيجيبش ليه خزين للدار ولا هو جوزتها عشان تتاخر راحت وجابتهولي راخر.


استشاطت غضبًا من حديث والدتها وعقبت بصياح دون مراعاة بأن من تتحدث معها الآن هي والدتها:


-  أني ماليش دعوة بالكلام ديه، دي أول عيد يجي عليا وأني متجوزة وانتي ملزومة تجيبيلي وبعدين حسين هيجيب منين؟ دا بيطلع من صباحية ربنا يا نضري ميرجعش إلا لما الشمس تغيب ويوميته يادوب على قد الأكل والشرب.


كسى الحزن ملامحها فهي تعلم ما تمر به ابنتها ولكن ما بيدها حيلة فلقد حذرتها كثيرًا من تلك الزيجة ولكنها أصرت أن تتزوج منه ولكنها ابنتها في النهاية وقلبها يؤلمها كلما تذكرت:


-  على عيني يا بنتي انتي عارفة العين بصيرة واليد قصيرة أني لو عليا أجيبلك الحلو كله بس آدي الله وآدي حكمته وبعدين مش حسين ديه اللي انتي صممتي تتجوزيه دونًا عن شباب الكفر كله جاية تشتكي ليه دلوقتي؟ مني ساعتها ياما نصحتك وقولتلك ديه لسة صغار ومش حمل بيت وعيال قولتي يا هوه يا بلاش استحملي بقى ومتشتكيش.


قالت جملتها الأخيرة بامتعاض لتستمع إلى صوت ابنتها الساخط:


-  انتي كل شوية هتقعدي تبكتيني ماخلاص يما اللي حصل حصل هعمل ايه يعني؟


لوت شفتيها وحدثتها بجدية:


-  متعمليش يختي روحي اسرحيلك سرحتين في أي غيط وهاتي اللي انتي عايزاه ولا روحي ساعدي النسوان في غسيل الغلة والطحين والخبيز في دار الحاج عبد العظيم وهما هيدوكي اللي انتي عايزاه.


صمتت قليلًا وكأنها تفكر في حديث والدتها فعقبت بحيرة:


-  طب والبت الصغيرة هعمل فيها إيه؟ ما انتي عارفة إنها لسة مكملتش كام شهر.


قالت ذلك وهي ترفع طفلتها الرضيعة أمام والدتها لتعقب أمها معطية لها الحل:


-  ابقي سبيها معايا وأمري لله على ما تروحي وتيجي بس شهلي وروحي لحسن حد يسبقك ويروح يتفق معاهم قبلك.


نظرت إليها بابتسامة وكأن هناك فكرة قد لمعت في عقلها وعلقت بحماس:


-  خلاص يما إذا كان كدا ماشي أني هروح دار الحاج عبد العظيم وأهو بالمرة أتفرج عالتمثيلية اللي بتيجى بعد الفطار في التلافزيون بتاعهم.


أنهت حديثها ووضعت طفلتها بين يدي والدتها وخرجت بسعادة تاركة الأخرى تنظر في أثرها بسخط متعجبة من حال ابنتها الذي لن يتغير.


❈-❈-❈


منزل كبير يمتلكه أحد كبار القرية تعمل جميع النساء به على قدم وساق فلقد اقترب موعد عودة الرجال من الحقل ليصدح صوت نسائي متحدثًا بحزم:


-  همي يا بت انتي وهي المغرب قربت تأدن والأكل لسة مخلصش لو اجوازتكم جم ملقوش الأكل مرصوص عالطبلية هيطينوا عيشتكم.


عقبت عليها إحدى زوجات أبنائها بابتسامة:


-  متخافيش يما على ما يجوا هتكون كل حاجة خلصت مفضلش إلا حاجات بسيطة.


عقبت حماتها بتمني:


-  على الله يا بتي يلا روحي شوفي بتعملي إيه.


هرولت من أمامها لتنهي عملها سريعًا مع باقي سلفاتها وبعد القليل من الوقت كان الجميع يلتف حول طاولة الطعام الدائرية الصغيرة الرجال يجتمعون حول واحدة والنساء والأطفال حول أخرى منتظرين سماع صوت المؤذن ليبدأون بتناول الطعام فلاحظت سعاد أن طفلتها ليست موجودة مع باقي الأطفال فقامت تبحث عنها وهي تنادي باسمها ليرتسم على وجهها علامات الضجر وهي تراها تلعب في بهو المنزل غير مبالية بشيء فصاحت بها بقليل من الحدة:


-  بت يا هبة تعالي هنا يا بت انتي، انتي بتعملي إيه؟


هرولت نحوها وهي تبتسم ابتسامتها البريئة التي تمتص بها غضبها:


-  بلعب الأولى يما على ما المغرب يأدن.


أمسكتها من يدها وتحركت بها نحو طاولة الطعام:


-  المغرب هيأدن حالا تعالي علشان تاكلي انتي أول سنة تصومي علشان متتعبيش.


ذهبت معها بطاعة ليتناول الجميع الطعام وسط جو يسوده الود والمحبة وما أن انتهوا من تناول الطعام حتى استمعوا إلى طرقات على الباب، ذهبت سعاد لترى من الذي جاء الآن لترتسم على وجهها ابتسامة هادئة فور رؤيتها من الطارق وتحدثت بترحاب:


-  يا مرحب يا وهيبة اتفضلي.


بادلتها الابتسام وولجت بخجل:


-  سالخير يا ست سعاد عاملة إيه؟ وكل سنة وانتي طيبة. 


عقبت بابتسامة ودودة:


-  وانتي طيبة يا حبيبتي خير.


أجابت وهي تنظر أرضًا فاركة يديها بخجل:


-  أني كنت جاية اسأل انتوا عايزين حد يساعدكم في شغل الدار وخبيز الكحك زي كل سنة؟ ولا مش عايزين؟


أومأت لها بإيجاب وهي تجيبها:


-  إيوا عايزين أومال إيه انتي عارفة إن الشغل كتير.


رفعت رأسها وحدثتها برجاء:


-  خلاص اعملي حسابي معاكم.


عقدت حاجبيها وهي تسألها بتعجب:


-  انتي مش لسة والدة يا وهيبة من كام شهر وبنتك لسة صغار هتشتغلي إزاي؟


أجابتها مسرعة:


-  ما تشيليش هم يا ست أني هسيبها مع أمي على ما أخلص شغل انتي عارفة الظروف واحنا في داخلة عيد والحال عالقد.


حركت رأسها لأعلى ولأسفل بتفهم وحدثتها بود:


-  خلاص يا حبيبتي من عنيا حاضر تعالي من بكرا.


قالت ذلك ولاحظت تسليط نظرها نحو التلفاز الذي يجلس أمامه جميع من في المنزل ليشاهدون الحلقة الجديدة من مسلسلهم المفضل فابتسمت سعاد وحدثتها وهي تشير نحو الداخل:


-  ادخلي يا وهيبة اسمعي التمثيلية معانا دي حلوة اوي.


تهللت أساريرها وهي تعقب بسعادة:


-  بجد يا ست؟


اتسعت ابتسامتها وهي تجيبها بتأكيد:


-  إيوة بجد ادخلي ادخلي ولو عايزة تيجي تشوفيها كل يوم ابقي تعالي.


هرولت نحو الداخل جالسة أرضًا وهي تشاهد الحلقة بسعادة بالغة وهي تردد بامتنان:


-  ربنا يخليكي ليا يا ست سعاد يا أم قلب طيب يارب

الفصل الثانى من هنا

تعليقات



×