رواية لحن البراء ( كاملة جميع الفصول ) بقلم شاهندا

 

رواية لحن البراء كامله جميع الفصول بقلم شاهندا 


أمام شاطئ الإسكندرية
كانت تسير بمحاذاة المياه تبكي وتردد بصوت مختنق:
"هجيب لها العلاج إزاي؟ هعمل إيه؟"
دموعها لم تتوقف وهي تشعر بالتعب حتى لَمَحت شيئًا يتحرك عند طرف البحر.
ركضت بلا وعي وكلما اقتربت تبيّن لها أنه جسد ممدد فوق الماء.
ترددت لوهلة ونظرت إلى المياه ثم إلى الجسد قبل أن تهوي نحو البحر رغم ثقل خطواتها
بدأ الماء يبتلعها لكنها دفعت نفسها بقوة حتى وصلت إليه سحبته بجهد شاق إلى الشاطئ
رمت جسده فوق الرمال الرطبة وركعت بجانبه تضغط على صدره بكل ما تبقى لديها من قوة
أنفاسها تتقطع رأسها يدور لكنها أبت أن تتوقف.
حتى سعل بعنف والماء يتدفق من فمه وعيناه تفتحان ببطء
ابتسمت بارتياح لكن جسدها لم يحتمل أكثر
اختنق نفسها وغامت رؤيتها قبل أن تنهار بجانبه تغمض عينيها باستسلام.
فتح عينيه بالكامل تنفس بعمق وهو يحاول استيعاب أين هو.
لمحها ممدة بجانبه ملامحها شاحبة وعيناها مغمضتان.
جلس بصعوبة مد يده يلمس وجهها المرتجف وفجأة تمتم بنبرة مبحوحة ممزوجة بدهشة:
"إنتي. إنتي اللي وقعتي نفسك"
ضحك بخفة وسط تنهيده متعبة وكأنه لا يصدق ما يراه وما راه
اقترب منها أكثر لكن فجأة شعر بوخزة حادة في رأسه
رفع يده ببطء ليلامس جبينه وما إن أنزلها حتى رأى الد*م يغطي أصابعه.
أنفاسه تعثرت لوهلة الأ*لم ضر*ب رأسه بقوة لكنه تجاهله نظر إليها بعينين مرتجفتين ثم تحامل على نفسه رغم الألم وحملها بين ذراعيه بتعب شديد وكأن كل خطوة كانت معركة مع جسده المنهك.
في المستشفى
 كان جالسًا على أحد المقاعد رأسه ملفوف بالشاش الأبيض وجسده منهك.
أنامله تعبث بقلق في أطراف ملابسه وهو يحدق في الباب الذي دخلت منه منذ قليل.
بعد قليل من الوقت 
خرجت طبيبة ترتدي معطفها الأبيض تقدمت نحوه بابتسامة مطمئنة.
سارع بسؤالها بصوت خافت لكنه مشحون بالتوتر:
"هي عاملة إيه؟"
أجابت بلطف:
"جاتلها الازمة اللي بتجيلها بس كويس إنك لحقت تجيبها بدري."
هز رأسه بعدم فهم وقال:"أزمة ايه"
_ "الربو" 
هز ياسين راسه كأنه يحاول أن يستوعب الحديث قبل أن يهمس:
"وهي بقت كويسة؟"
ابتسمت الطبيبة وأومأت له:
"آه وشوية وهتفوق إن شاء الله."
أسند رأسه إلى الجدار خلفه وأغمض عينيه لوهلة ثم فتحهما ببطء وهو يتذكر عيناها وهي فوقه قبل أن تسقط بجانبه
كان يترقب اللحظة التي يرى فيها عيونها تفتح من جديد.

بعد ساعات مرت حتي استيقظت سمحوا له بالدخول.
دفع الباب بهدوء قلبه ينبض بقوة وهو يقترب من السرير.
كانت مستلقية هناك مغمضة العينين أنفاسها منتظمة قبل أن تحرك رأسها ببطء وتفتح عينيها.
لمحته عندما اتي وبدون مقدمات انفجرت فيه بصوت متوتر وغاضب:
– "إنت مجنون؟ كنت هتموت نفسك؟ نطيت في البحر كده من غير تفكير؟
كنت عايز تموت ولا إيه؟ إنت فاكر نفسك ايه عشان تعمل كده ؟"
كلماتها قطعت قلبه لكنه ظل مكانه صامت يتأمل ملامحها الغاضبة المتوترة وكأن صوتها كان موسيقى بالنسبة له بعد كل ما مر به.
ظل ينظر لها لوهلة قبل أن يبتسم بهدوء مرير وقال بنبرة ناعمة لكنها صادقة:
– "شكرًا إنك أنقذتيني."
قالها ببساطة بجملة واحدة ثقيلة خرجت من قلبه.
ثم التفت قبل أن تضيف كلمة أخرى وخرج من الغرفة بهدوء تاركًا إياها تحدق خلفه بدهشة 

مرّ يومان
كانت آسيا تجلس في صمت داخل شقتهم الصغيرة تنظر بحزن إلى والدتها زينب التي استسلمت للمرض وجلسَت على الكرسي بعجز ظاهر
كانت أنفاس الأم ثقيلة وعيناها شبه مغلقتين بينما آسيا تحدّق إليها بقلق تحبس دموعها بصعوبة
وفجأة
دوّى طرق خفيف على باب المنزل
قالت زينب بصوت متهالك:
– "افتحي يا آسيا"
تحركت آسيا نحو الباب بخطوات بطيئة 
فتحت الباب... وفور أن وقع بصرها عليه اتسعت عيناها بدهشة غير مصدقة
كان يقف أمامها بنفس ابتسامته الواثقة عيناه تلمعان بنظرة لم تفهمها
نادَت زينب من الداخل دون أن ترى بوضوح:
– "مين يا آسيا؟"
ابتسم هو وقال بصوت هادئ به شيء من الجرأة:
– "اسمك حلو"
دلف إلى المنزل دون أن ينتظر إذنها فتراجعت آسيا خطوة إلى الوراء مذهولة تتابعه بعينيها وهو يتقدّم نحو والدتها.
اقترب بجانب زينب ثم انحنى قليلًا أمامها وقال بنبرة جادة ولكنها دافئة:
– "أنا جاي لك ..جاي النهاردة طالب إيد بنتك يا حجة."
شهقت آسيا بصوت خافت لم تصدق ما تسمعه بينما رفعت زينب رأسها بتثاقل تحدق فيه بعينين شبه مغمضتين وسألته بضعف:
– "إنت مين؟ وبتقول إيه؟"
أعاد كلامه بثبات وإصرار:
– "انا براء وبقولك يا حجة... أنا جيت النهاردة عشان أخطب بنتك بالحلال.
آخدها في عينيّا وأرعاها زي ما تستاهل."
ثم التفت برأسه نحو آسيا بعينين تحملان شيئا مخفياً

تعليقات



×