رواية مداهنة عشق الفصل التاسع 9 بقلم اسماء ايهاب

 

رواية مداهنة عشق الفصل التاسع بقلم اسماء ايهاب



_ شكراً يا آسيا تعبتك معايا 

كانت جملة زيدان موجهة الي آسيا التي عاونته علي الجلوس علي الفراش بعد ان اوصلته الي تلك الغرفة الصغيرة التي يسكنها تنهدت و هي تتقدم نحو تلك الخزانة الصغيرة الخاصة بالملابس قائلة بمزاح حتي ينزاح عنها هذا التوتر التي بدأت تشعر به بحضرته و لم تجد له مُبرر لديها :
_ بحاول اردلك جدعنتك معايا يعني واحدة بواحدة يا زيزو 

مدت يدها تلتقط كنزة نظيفة من الخزانة و تعود له من جديد تقف امامه وضعت الكنزة النظيفة علي الفراش و دنت منه تمسك بطرف الكنزة التي يرتديها الملطخة بالدماء لكي تساعده علي نزعها ، ارتد هو الي الخلف بتلقائية يمسك بيدها التي تتمسك بالكنزة هاتفاً بذهول من جرأة فعلتها :
_ بتعملي اية ؟

ردة فعله كاملة اشعرتها بالخجل هي كانت تريد مساعدته في تبديل ملابسه فحسب فقد رأت اجساد العديد من الرجال و العارضين و لم تخجل من ذلك اما الآن فقد غرقت بالخجل و تسربت الحُمرة تلهب وجنتها من ردة فعله المذهولة لتسحب يدها عنه ببطئ و هي تعتدل بوقفتها متحدثة بتبرير :
_ كنت هساعدك تغير البلوزة عشان الدم اللي عليها 

حمحمت في نهاية جملتها و ابتعدت عنه خطوة الي الخلف تلعن نفسها انها حاولت مساعدته بتغيير ملابسه مما جعلها تتعرض لاسوء موقف قد تتعرض له قط ، انتبه انه اخجلها بردة فعله ليحاول تخفيف حدة الموقف قائلاً بمزاح :
_ مش تقولي طيب ، هجوم المتحرشين دا خضني يا ستي 

امتعض وجهها ناظرة اليه بحدة تردد بغيظ :
_ متحرشين !! ، انا غلطانة البس لوحدك 

كادت ان تخرج من الغرفة الا انه اوقفها ممسكاً بيدها سريعاً قبل ان تبتعد من امامه و تحدث ضاحكاً :
_ كنت بهزر معاكي و بفك الدنيا 

تنهدت و هي تسحب يدها من يده ليشير لها بعينه ان تستدير لتفعل دون ان تنبس بحرف اخر مكتفية بموقف واحد يشعرها حتي الآن بالحرج ، ابدل كنزته ببعض الصعوبة لشعور بالألم حين يتحرك ثم اخبرها ان تلتفت زفرت و هي تلتفت اليه تمرر عينها علي وجهه لتري اي مظهر للألم لكنها وجدته طبيعياً لا يوجد به ما يثير الريبة لتهتف بهدوء و هي تستعد للخروج من الغرفة :
_ طيب انا هنزل دلوقتي اسيبك ترتاح و هبقي اكلمك فون

القي الكنزة المتسخة علي المقعد الخشبي المجاور للفراش و هو يخبرها مبتسماً :
_ لا معلش انا عايز زيارات المريض بتاعتي كاملة 

ازدادت دقات قلبها لثواني قبل ان ترفع حاجبها الايسر و هي تعقد ذراعيها امام صدرها بغرور متسائلة :
_ اه يعني عايزني اطلعلك تاني ؟

رفع كتفيه في حركة اعتيادية و هو يجيبها ببساطة :
_ بساعدك تعملي الواجب للاخر 

التفتت بوجهها عنه حتي لا يري ابتسامتها التي اتسعت و داخلها شعور بالسعادة تعلم ان مصدره هو "زيدان" حمحمت تجلي حلقها قبل ان تلتفت اليه بثبات قائلة :
_ ماشي يا سيدي و انا هكمل الواجب للاخر 

توجهت نحو باب الغرفة تخرج منها في حين ابتسم هو يتطلع الي الباب و قد رأي ابتسامتها الواسعة التي اظهرتها كالملاك ليتنهد بقوة و يجلس معتدلاً علي الفراش مستند ظهره عليه تأوه واضعاً يده علي مكان الجرح لاعناً ذلك الرجل الذي يدعي "كامل" الذي تسبب له بتلك الاصابة ، استمع الي طرقات الباب ليبتسم معتقداً ان آسيا قد عادت من جديد ليتحدث بصوت مرتفع حتي يصل اليها :
_ زقي الباب و ادخلي 

اندفع الباب و ظهر من خلفه كامل الذي حمحم بأحراج مما حدث لزيدان بسببه مستأذناً بالدخول اشار اليه زيدان بجمود ان يدلف الي الداخل ، وقف كامل الي جوار الفراش يضع يده علي مؤخرة رقبته في حرج لا يعلم كيف يبرر هروبه و تركه اياه ينازع ليحمحم قائلاً بتعثر :
_ انا مش عارف اقولك اية و الله بس انا مكنش قصدي اعمل فيك كدا 

_ عارف 

خرجت تلك الكلمة بهدوء من زيدان ليضع الاخر يده علي صدره قائلاً باعتذار :
_ حقك علي رأسي ، مكنش ينفع اسيبك و اهرب عشان كدا جيت اعتذرلك و اطمن عليك ، و اللي تطلبه باذن الله مقدور عليه 

رفع زيدان رأسه اليه يرمقه بضيق هل يعرض عليه المال مقابل حياته قبض علي كف يده يحاول كبح غضبه من نظرية المال مقابل الروح و هل تعوض الروح ، تنهد بقوة و هو يمرر يده بخصلات شعره ثم اشار لكامل ان يجلس علي طرف الفراش قائلاً بجدية و قد صمت منذ البداية علي حقه حتي يسترد حقه بطريقة اخري :
_ انا مش عايز منك فلوس انا عايز منك خدمة تانية 

***********************************
_ رقية !

تلك النبرة التي اختلطت بها الصدمة مع السعادة كانت تخرج من فم عمة رُقية حين فتحت الباب و وجدتها امامها بعد مرور وقت لا بأس به لم تراه فيه و بتلقائية جذبت يدها تجذبها الي احضانها تغمرها بحنو تربت علي ظهرها برفق جعل الاخري تستلم و تنهار بين ذراعيها و تبدأ بالبكاء بحزن شديد تشعر به و الذي ازداد حين انتهي لقاءها بآدم شددت من احتضان عمتها و هي تكمل بكائها تردد بصوت ضعيف :
_ وحشتيني اوي يا عمتي اوي

ربتت عمتها علي رأسها بلطف تحاول تهدأتها حتي سكنت بين احضانها يخرج منها شهقات مرتفعة تدل علي ما تشعر به من حسرة و حين هدأت تماماً خرجت من احضان عمتها السيدة "سوزان" تكفكف دموعها المنسابة علي وجنتيها ثم التفتت تدخل الحقيبة من خلف الباب غالقة الباب خلفها لتدفعها الاخري برفق الي داخل المنزل حيث الردهة قائلة بحب :
_ فرحتي قلبي بزيارتك يا رقية 

جلست رقية علي الاريكة جلست الي جوارها السيدة سوزان تضمها اليها من جديد باشتياق و هي تربت علي كتفها قائلة :
_ انا عارفة اني قصرت من ناحيتك يا رقية بس و الله غصب عني 

ابتعدت رقية عنها تنظر اليها بابتسامة باهتة تعلم ما تقصده عمتها حيث ان والدتها اتهمتها انها تريد هدم سعادتها حين اعترضت علي زواجها من كريم لتقرر الانسحاب من حياتها حتي لا يحدث مشكلة بسببها ، امسكت بيد عمتها و هي تتحدث بصوت مختنق :
_ انا عارفة ، عشان كدا لما معرفتش اروح لمين ملقتش غيرك يا عمتو 

نظرت السيد سوزان الي وجهها حين استمعت الي نبرتها الحزينة المختنقة لتراه شاحب لا لون به لتربت علي كتفها متسائلة :
_ مالك يا ضنايا متخانقة مع كريم و لا اية 

ابتلعت رقية غصتها و هي تنظر الي الارض تخبر عمتها بهدوء :
_ انا اطلقت و خلصت عدتي 

شهقت الاخري بفزع تضرب علي صدرها بقوة صائحة بصراخ :
_ يا نهار ابيض ، اية اللي حصل بينكم 

ارتجفت شفتي رقية و هي علي وشك البكاء و لم تجيب لتكرر السيدة سوزان سؤالها مستفهمة علي سبب طلاقها لتتنهد مجيبة :
_ حماتي اتهمتني اني عملاله سحر و حطتلي عمل في شقتي و هو صدقها و طلقني

تلي حديث رقية المختصر شهقة قوية من عمتها بصدمة مما تتفوه به لتتسع عينها بذهول متحدثة بعدم تصديق :
_ ازاي تعمل كدا و لية و هو صدقها صدق ان انتي تعملي كدا 

تنهدت رقية بحرارة و هي تهز رأسها بايجاب مجيبة :
_ صدق ، هحكيلك كل حاجة حصلت بعدين مش هدخل بغمي عليكي كدا مرة واحدة 

نظرت اليها عمتها بعتاب و هي تقف عن الاريكة تمد يدها لتأخذ حقيبتها قائلة :
_ غم اية يا ضنايا بس دا انا قلبي وجعني عليكي ، و الله قولت لامك بلاش الجوازة دي و بلاش الست دي مسمعتش مني و اتخانقت معي 

زفرت باختناق من الحزن علي ما حدث لابنة شقيقها و اشارت الي غرفة ما متحدثة :
_ تعالي يا حبيبتي ادخلي اوضتك علي ما اسخنلك الاكل 

وقفت رقية عن الاريكة تتبع عمتها حتي تلك الغرفة التي ستمكث بها و التي من المؤكد انها غرفة ابنة عمتها المتزوجة ، دلفت رقية الي الغرفة تتطلع حولها باشتياق لقد كانت تقيم دائماً بتلك الغرفة حين تأتي اليهم زيارة التفتت تنظر الي عمتها حين تحدثت اليها قائلة :
_ غيري هدومك و انا هجبلك الاكل 

ما كادت السيد سوزان ان تغادر الغرفة حتي اخبرتها رقية بصوت خافت :
_ انا شوفت آدم و انا جاية 

انتبهت اليها الاخري و اسرعت تحتضنها حين بدأت من جديد بالبكاء بحُرقة و كأن بكائها السابق لم يكفيها لاخراج ما بداخلها من حزن لا يندثر لتدمع عيني عمتها و هي تدعو بصوت مرتفع :
_ منها لله اللي كانت السبب في اللي انتوا فيه يا بنتي منها لله 

***********************************
فتح باب عيادته بعنف و اغلقها بذات العنف و صوت انفاسه الهادرة تصدح بالغرفة وضع يمناه علي رأسه و يده اليسري بخصره يشعر بالضياع و استطاعت هي بلقاء قصير لا يتعدي الدقائق ان تضغط علي جرحه الملتهب ليشعر بألم كالجحيم ، تضاربت مشاعره لم يعد يعلم ايمكنه الشعور بالسعادة لرؤيتها من جديد ام الشعور بالحزن كونهما اصبحا غريبان ، ازدادت وتيرة انفاسه شاعراً بالعجز و قلة الحيلة حتي صرخ بشراسة و دفع مقعد المكتب بقدمه بقوة ، انحني يستند بكلتا كفيه علي سطح المكتب هامساً الي نفسه :
_ لو كنت اقدر ارجع الزمن

تنهد بحرارة و يتذكر بعض المواقف التي جمعته بها و كيف استطاعت في فترة قصيرة ان تتملك كيانه و لم يعد يري احد غيرها يتذكر اول لقاء بينهما حين كانت تقيم في منزل جيرانهم و التي هي عمتها كانت عائدة من السوق الشعبي و بيدها حقائب بلاستيكية عديدة حين كادت ان تصل الي البناية انقطعت احدي الحقائب و تناثرت حبات البرتقال علي الارض ، شهقت بحدة و هي تضع الحقائب الاخري علي الارض حينها يتذكر انه كان يخرج من البناية و رأي بعض حبات من البرتقال امام البناية و فتاة شابة تقف تنظر اليهم بحيرة واضعة يدها الصغيرة علي فمها و بتلقائية انحني يجمع تلك الحبات التي اسفل قدميه و تقدم نحوها يمد يده لها بهم قائلاً بهدوء :
_ امسك دول علي ما اجبلك كيس تاني من البقال

اخذتهم منه رقية بحرج منه ليغيب هو داخل احد المحلات التجارية الصغيرة و يعود و معه حقيبة بلاستيكية بيضاء فتح الحقيبة لتضع بها ما معها من ثمرات و جعلها تمسكها حتي انحني يجمع ما بقي علي الارض واضعاً اياه بالحقيبة لتهتف بخجل و امتنان قائلة :
_ شكراً 

ابتسم آدم و هو يدقق بملامح وجهها المليح ليمد يده لها بالمصافحة قائلاً :
_ اسمي آدم دكتور اطفال ساكن هنا ، انتي ساكنة جديد ؟

اشار اليها بيده الاخري علي البناية السكنية المقابل لهما و هو يسأل عن هويتها لترتسم ابتسامة لطيفة علي ثغرها و هي تصافحه قائلة :
_ أهلاً بيك انا قريبة جيرانكم الاستاذ محمد 

اشارت هي الاخري بيدها نحو بناية زوج عمتها اومأ اليها بتفهم مرحباً بها لتسحب يدها بهدوء و هي تنحني لتأخذ بقية الحقائب عن الارض مستعدة لاستكمال طريقها و ما كادت ان تتخطاه حتي هتف سريعاً يوقفها :
_ مش هتقوليلي اسمك طيب ؟

وقفت تنظر اليه قبل ان تجيبه بصوت خافت هادئ :
_ رُقية

و منذ ذلك الحين و لم يبتعد صدي همسها بأسمها عن اذنيه و كانت بداية لعنة عشقه لها و جحيم اصاب حياته في فراق لم يحسب له حساب يوماً ، علي رنين هاتفه ينتشله من دوامة ذكرياته ليتنفس بقوة و هو يقف معتدلاً ، اخرج الهاتف من جيب بنطاله و حين رأي رقم المشفي الذي يقطن بها صديقه "عُدي" حتي قبض قلبه بخوف و اسرع في فتح الاتصال واضعاً الهاتف علي اذنه استمع الي ترحاب من الطرف الاخر و لم يكن سوا الطبيب المتخص بحالة صديقه ليجيب بتوتر و هو يبلل شفتيه بطرف لسانه مجيباً :
_ تمام يا دكتور بخير ، في مشكلة عدي حصله حاجة 

حمحم الاخر و هو يتحدث بهدوء :
_ احنا حاولنا نكلم قاسم باشا بس مردش علينا ، استاذ عدي عايز حد منكم 

عقد آدم حاجبيه بدهشة مما تفوه به الطبيب غير مصدق ان "عُدي" بالاخير استفاق الي نفسه و عاد ذهنه الي دنيا الواقع ابتسم بسعادة لانه و أخيراً سيعود له صديقه و لكن انقباضة قلبه لم تطمئنه تخبره بوجود خطب ما ليهتف متسائلاً بقلق :
_ هو عدي كويس ؟

صمت الطبيب لبرهة لم يسمع فيها آدم سوا انفاس مضطرة و كأنه متردد من اخباره شئ ممكن زاد من قلق آدم و توتره ليجلس علي مقعد المكتب ينتظر ما يملي عليه الطبيب الذي تحدث بعد تنهيدة عميقة قائلاً :
_ بكل اسف في احتمالية ان الاستاذ عدي أصيب بشلل نصفي احنا طلبنا دكتور متخصص وهو علي وصول 

انتفض جسد آدم بفزع مما يقول و تسارعت انفاسه بحدة مما قال الطبيب صديقه اصيب بالعجز لم يعد قادر علي الحركة هل تحمل المسكين هذا الخبر كيف كانت حالته حين علم بالأمر فقد كان اكثرهم حركة و حماس كيف له ان يتحمل ، ازدرد ريقه بصعوبة و هو يهتف بصوت مرتجف بصدمة :
_ انت متأكد ، عدي عرف ؟

تنهد الطبيب بقلة حيلة و هو يخبره قائلاً :
_ الدكتور هيجي يطمنا يا دكتور آدم بس من فضلك متتأخرش لانه محتاج حد جنبه حالياً 

حثه علي الإسراع في التواجد جوار "عُدي" ثم اغلق المكالمة معه بهدوء علي عكس ذاك الذي ثار و ازاح بيده ما كان موجود علي سطح المكتب و هو يخرج صيحة غاضبة من بين اسنانه المتلاحمة ، اخذ يلتقط انفاسه الهادرة حتي يهدئ و هو يحاول التواصل مع قاسم لاخباره بما حدث لشقيقه و حين لم يجد منه اجابة افطن انه منشغل بمهمة ما مرتبطة بعمله ليقف سريعاً متوجهاً الي الباب الخارجي حتي يذهب الي صديقه ليشدد من ازره 

************************************
استمع الي طرقات قوية علي باب غرفته ليضع قدح القهوة من يده علي سطح المكتب يأذن للطارق بالدخول ليدلف الي الداخل مساعده المخلص الذي تقدم اليه بخطوات واسعة واقفاً امامه يفصل بينهما المكتب الخشبي و علي وجهه ابتسامة عريضة تظهر ان القادم سوف يسعد قلبه :
_ طارق باشا

استند ظهره علي المقعد و التمعت عينه بالفضول لما يزف له من اخبار قائلاً :
_ خير 

لاحت بسمة خبيثة علي ثغره و هو يبوح بما اتي ليخبره به :
_ عُدي الدميري اتشل في المصحة 

اتسعت ابتسامة طارق و حتي وضحت تلك التجاعيد حول عينه التي ضاقت قليلاً و هتف بانتشاء و تشفي :
_ هي دي الاخبار اللي مستنيها

صدحت قهقة قوية منه و هو يدور بمقعده الي خزنة صغيرة علي الطاولة العالية المجاوره له فتحها و اخذ منها حفنة من الاموال الورقية ثم القاها اليه و هو في حالة اغتباط تامة قائلاً :
_ خد دول عشانك

التقف مساعده الاموال بتلهف و ابتسامة لم تفارق محياه منذ ان اسعد هذا الخبر سعيده و علم ان ذلك سيخلف مكافأة له و ها هو يحصل عليها الآن ، شكره بهدوء قبل ان يضع يده علي رأسه متذكراً شيئاً هاماً عليه ابلاغه به قائلاً :
_ بس الممرض عايز يمشي من المصحة خايف من قاسم مع اني قولتله انه مش هيجي تاني مش مصدق

تجلت القسوة في مقلتيه و تلاشت ابتسامته ، رفع سبابته يشير اليه بتحذير ان يحدث خطأ واحد يخلف عنه ضياع ما يخطط اليه يهتف بشراسة :
_ اياك تخليه يبعد عن عدي ، عدي هيفضل ياخد الادوية دي لحد ما يحصل اخوه انت سامع 

وضع الرجل الأموال بجيب سترته الكلاسيكية السوداء و أومأ برأسه متحدثاً بهدوء :
_ حاضر يا باشا هقنعه

_ او هدده اللي يناسب معاه اعمله معاك كارت اخضر 

هتف بها ببساطة و هو يمرر يده بشعره يعيد الخصلات التي طالها الشيب الي الخلف ، وضع مساعده يده علي صدره في وعد صادق قائلاً :
_ تمام يا باشا الموضوع عندي متقلقش

اشار اليه بالانصراف منهي اللقاء بينهما ليلتفت الاخر متوجهاً نحو الباب خارجاً من الغرفة و ما ان فتح الباب حتي هتف طارق من جديد بنبرة ماكرة :
_ خليه يبعت صور لعدي في الحالة دي خلينا نشوف اخباره اية 

***********************************
حملت صنية متوسطة الحجم عليها بعض الصحون الممتلئة بالطعام لعدم شعورها بالراحة لتواجده بمفرده بلا طعام خرجت من المطبخ متوجهة الي باب المنزل في هدوء راغبة الا يشعر بها أحد و لكنها استمعت الي صوت شقيقتها حين قربت الباب و التي هتفت بمكر :
_ رايحة فين يا آسيا بتتسحبي كدا 

زفرت آسيا بضيق من نبرة صوت شقيقتها الخبيثة لتلتفت اليها متحدثة بهدوء :
_ مطلعة اكل لزيدان هو تعبان و اكيد معندوش اكل حالياً 

صمتت حين ظهرت ابتسامة تعلمها جيدة على ثغر اختها لترفع حاجبها الايسر بتحذير تكمل حديثها :
_ انا قولتلك هو عمل معايا اية لازم ارد الجميل

_ طبعاً يا حبيبتي هو انا اتكلمت ، بس خليكي فاكرة انك بتردي الجميل بس 

انتهت جملتها الساخرة بغمزة من عينها اليسري لتشعل غضب آسيا التي التفتت الي الباب تهتف بحدة :
_ افتحيلي الباب يا أسيل 

فتحت لها الباب لتخرج آسيا متوجهة الي الاعلي حيث يقبع زيدان ، و حين وصلت أمام الغرفة حتي سمعت صوت ضحكته الرجولية الخاطفة و التي جعلتها تبتسم تلقائياً و اتي صوته الهادئ من بعدها يهتف بهدوء :
_ انا كويس متقلقيش عليا يا حبيبتي 

انمحت ابتسامتها و ارتسم الضيق علي صفحات وجهها و قربت رأسها من الباب بهدوء حتي تستمع الي حديثه مع تلك الحبيبة تلقي بتحذيرات عقلها الا تفعل عرض الحائط ، ارتفعت ضحكته من جديد و كأنها القت عليه مزحة ما و صمت لثواني قبل ان يهتف من جديد :
_ عارف انك قلقانة بس صدقيني مفيش اي حاجة انا بخير 

صمت من جديد يستمع الي الطرف الاخر قبل ان يهتف ينهي المكالمة قائلاً :
_ طيب يا حبيبتي مع السلامة 

اشتعلت نيران مجهولة الهوية بصدرها و شعرت لوهلة لو تقدر علي الهجوم عليه و قضم رقبته باسنانها صكت علي اسنانها بغضب و هي تطرق الباب بقدمها لعدم امكانية فعل ذلك بيديها ، تعجب زيدان من تلك الطرقات العنيفة علي باب الغرفة ليقف عن الفراش بحرص متقرباً من الباب بخطوات هادئة لشعوره ببعض الألم حتي فتح الباب و عقد حاجبيه بتعجب من تواجد آسيا و معها هذا الكم من الطعام افسح لها المجال للدخول متحدثاً بحرج :
_ تعبتي نفسك لية بس انا كنت هطلب من المحل عندنا اكل دلوقتي 

حاولت كبح غيظها منه بأي طريقة لترسم ابتسامة صغيرة علي ثغرها متحدثة بجمود :
_ اهو بوفرلك مكالمة المحل لحد تاني اهم 

تعجب من نبرتها لكنه لم يعلق انما اتجه نحو الفراش يجلس عليه بهدوء ثم نظر اليه ملامحها التي تغيرت فجأة يشوبها الضيق و الغضب و اكدت ذلك حين نطقت بصوت خالي من اي تعبير تشير نحو الصنية قائلة :
_ كل و خد العلاج ، بعد اذنك انا نازلة 

ما كادت ان تلتفت مغادرة حتي اوقفها هو متسائلاً عن سبب تغيرها :
_ آسيا ، في حاجة مضايقاكي ؟

ابتسمت باقتضاب واضح و هي ترفع كتفيها مجيبة بنبرة تدعي بها اللامبالاة :
_ نهائياً اية اللي ممكن يضايقني يعني عادي

رفع شفتيه و هو يدقق بملامحها اكثر متحدثاً :
_ شكلك بيقول غير كدا مالك ؟

رفعت ابهامها كأشارة منها له ان كل شئ علي ما يرام متحدثة بجدية :
_انا تمام ، سلام عشان عندي شغل مهم 

انهت حديثها و تحركت خارج الغرفة سريعاً في حين نظر هو في اثرها يفكر هل تلك الفتاة لديها انفصام في الشخصية هل تمتلك شخصيتين متناقضتين تماماً واحدة مرحة و مبهجة و الأخري حادة غريبة الاطوار ، زفر بضيق من تصرفاتها التي تجعله يضع حولها علامات استفهام عديدة لينظر الي الطعام و الي الباب الذي اغلق بقوة قائلاً بتعجب :
_ مجنونة و الله 

اما عنها فقد خرجت بغضب من الغرفة و توجهت سريعاً نحو الدرج المؤدي الي الاسفل حيث شقة جدها و قبل ان تبلغ نهاية الدرج حتي توقفت تزفر بضيق و هي تتحدث بصوت حاد خافت :
_ اصلا عادي يفرق معايا في اية دا واحد معرفهوش الا من يومين عملي جميل و كنت برده و بس 

ضربت كف بالاخر في نهاية جملتها و صمتت تستوعب غضبها لتمرر يدها بخصلات شعرها تتنفس بهدوء حتي تعود الي وعيها قائلة بهمس :
_ اهدي كدا و ارجعي لعقلك انتي اسيا التهامي 

اخذت وقتها لتهدئ و لكن داخلها لم يهدئ بل يزداد اشتعال و كأنها تريد الصعود اليه من جديد و ابراحه ضرباً ليهدئ داخلها ، رفعت رأسها الي الاعلي حيث الطابق العلوي تهتف بغيظ من بين اسنانها :
_ يارب تفركشوا ياخي

***********************************
_ اهلا اهلا يا فارس باشا 

نطق بها امير بتهليل زائف حين وجد الباب يُفتح بعنف و دلف الي مكتبه فارس بغضب يظهر جلياً علي ملامحه و خلفه موظف امين اسرار المكتب الذي كان يحاول منعه من اقتحام الغرفة فجأة ، اشتدد غضب فارس و هو يراه بهذا البرود و تقدم منه حتي اصبح امام بالضبط ثم صاح به بانفعال :
_ انت كلمت أسيل لية اية دخلها في اللي بينا

اشار امير الي الموظف بالخروج و حين خرج و اغلق الباب وضع ساق فوق الاخري و استند بظهره الي المقعد مجيباً عليه بنبرة هادئ تثير حفيظة من امامه :
_ حبيت اباركلها علي الشراكة بس مكنتش اعرف انك مخبي عليها 

صك فارس علي اسنانه بعنف كادت تتهمش من شدة غضبه ليشمله بنظرة حادة قبل ان يتحدث بصوت عالي منفعل :
_ انت كنت قاصد ان اسيل تعرف بشراكتنا اللي انت ورطتني فيها 

تأتأ باستفزاز و هو ينظر الي غضب الاخر بهدوء لا يبدي اي ردة فعل غيره ليهتف قائلاً :
_ و الله انت مش صغير عشان حد يورطك انت بس ملكش في ال business مع اللي اكبر منك 

و حين نطق جملته الخبيثة التي يعلم باطنها و هو التقليل من شأنه و تذكيره انه أقل منه و من أسيل انحني نحو يمسك بتلابيب ملابسه باحتدام قائلاً :
_ انت عارف انك انت اللي ورطتني و بعتلي ناس خلوني هفلس و اضطريت امضي علي الصفقة دي من غير ما تبين نفسك في الصورة 

ابعد امير يده عن ملابسه بضيق متأففاً و دفعه عنه بقوة حتي تراجع جسد فارس الي الخلف خطوتين ليقف عن المقعد مقترباً منه قائلاً :
_ و الله اللي عايز ينجح مبيدخلش في حاجة غير لما يكون عارف اصلها و فصلها مش تدخل صفقة مش عارف مين فيها 

صمت فارس يعلم بقرارة نفسه انه ارتبك خطأ حين تعامل وقتها بقلة خبرة و همجية ادت الي الوقوع بين براثن هذا المختل فقد كادت حياته المهنية تنتهي قبل ان تبدأ بسببه و ارسل اليه رجاله يعرض عليه اتفاق عمل لم يكن ليحلم به و بوقت حرج لذا لم يفكر بالامر بل انقذ نفسه من السقوط في بئر الفشل الذي يخشاه امام زوجته سيدة الاعمال الناجحة التي ذاع صيتها في عالم الاعمال بعد والدها رحمه الله ، تصارعت انفاسه بغضب شديد حتي شعر بألم في صدره من شدة انفعاله ليربت امير علي كتفه بعنف متحدثاً بغلظة :
_ خليك عاقل و متعملش الشويتين دول تاني عشان مش هيعجبك اللي هعمله معاك 

نظر فارس الي يد الاخر و ازاحها عنه بحدة ثم دفعه من امامه رافعاً سبابته امام وجهه متوعداً ثم هتف بتحذير :
_ تبعد عن اسيل نهائياً و مدخلهاش في موضوعاً و الا قسماً بالله هيبقي عليا و علي اعدائي 

انهي جملته بنظرة ذات مغزي تشير الي ما يقصده و فهمها الاخر ببساطة ثم التفت مغادراً المكتب في حين ابتسم امير و عاد يجلس علي مقعده ثم ارتفع جانب شفتيه في ابتسامة متهكمة ساخراً في نفسه من فارس و من اختيارات أسيل التي قررت الانفصال عنه حين علمت باحدي اعماله الغير قانونية و فضلت عليه ذاك الابلة الذي اوقع نفسه بين يديه دون معرفة عواقب ذلك و لتري اسيل من فضلت علي من و من كان افضل لها من الاخر و هذا دوره الذي سيؤديه الفترة القادمة بكل براعة 
تعليقات



×