رواية مابين الحب و الحرمان الفصل التاسع بقلم ولاء رفعت على
مضي اليوم بأكمله دون أن يري إحداهما الأخر مما جعل نيران غضبه تندلع كلما تذكر نظرة التحدي و التمرد التي رمقته بها عندما أمرها و لم تلبي أمره، علم أن القادم سيكون ملئ بالصعاب، لعن في داخله زوجة أخيه التي جعلته تسرع في هذه الزيجة .
أنتبه إلي رنين جرس المنزل نهض من فوق الأريكة بعد أن كان ممدد عليها، فتح الباب ليجدها أمامه مرة أخري تقف و لا تكترث إلي نظرة الإزدراء التي يرمقها بها.
- أتفضلو السحور ، علي فكرة أنا اللي عملاه مش خالتي نفيسة .
عقد حاجبيه و ينظر إلي الطعام بتردد فقالت له:
- ما تخافش مش هاكون حطلكم فيه سم يعني .
حدقها بتهكم و أخبرها:
- مش بعيد عن واحدة زيك تقدر تعمل أي حاجة.
أبعدته عن طريقها و ولجت إلي الداخل حيث المطبخ، ذهب خلفها فوجدها تركت الصينية أعلي الطاولة الرخامية و ألتفتت إليه:
- أنا أي حاجة بعملها بالنسبة لك وحشة، أنت السبب فيها، عموماً خلاص أنا مش هجري وراك تاني كفاية بس هاقعد أحط رجل علي رجل و أنا شايفة مراتك بتديك علي قفاك .
أمسكها من رسغها و عنفها قائلاً:
- لمي لسانك أحسن لك، و مراتي أنضف و أطهر منك و لو جيبتي سيرتها علي لسانك مرة تانية هقطعه لك .
أقتربت منه و رفعت إحدي حاجبيها و قالت بجرأة سافرة دون خجل :
- أقطع لك لساني أنا بنفسي لو كانت سمحت لك تتدخل عليها.
أبتسمت حين لم تتلق منه سوي الصمت فأردفت:
- البت دي واخداك سلم عشان تكمل تعليمها و تهرب من عيشة أخوها البخيل .
جز علي أسنانه ود سحب لسان تلك الأفعي و قطعه بيده فقال لها:
- عارفة يا عايدة لو كل اللي بتقوليه طلع صح، علي الأقل هي عندي أحسن منك بكتير و أنضف مش واحدة لا مؤاخذة.
جزت علي شفتها السفلي بغيظ فقالت له بتحدي و علي وشك الذهاب:
- خليك نايم في العسل، بكرة الأيام تثبت لك كلامي.
قالتها و ذهبت تاركة إياه في حالة غضب إذا لم يسيطر علي حاله لسوف يدمر كل شئ.
بعد مرور وقت...
عندما شعرت بالجوع قررت الخروج من الغرفة و الذهاب للبحث عن أي شئ تأكله، ولجت إلي داخل المطبخ وجدت صينية الطعام، رفعت الغطاء فنظرت إلي الطعام بتلذذ تود أن تلتهم الأطباق، تناولت رغيف من الخبز و أخذت تأكل و تلتهم كل ما يقع عليها يدها بنهم.
- براحة علي نفسك محدش بيجري وراكي.
كان يقف لدي مدخل المطبخ عاقداً ساعديه أمام صدره و يستند إلي الحائط.
توقفت عن تناول الطعام و نظرت إليه و تشعر بالحرج، ضحك رغماً عنه من هيئتها الطفولية لاسيما عندما ضربت حُمرة الخجل خديها، تراجعت عن تناول الطعام فقال لها:
- ما أنتي عندك دم و بتتكسفي، أومال ليه ما تكسفتيش و أنتي بتردي علي أمي و كمان مهنش عليكي تعتذري لها.
عادت نظرة الغضب إلي عينيها مُجدداً ، رمقته بإمتعاض و قالت:
- مامتك اللي غلطت فيا الأول، عماله تهددني بكلام كل اللي فهمته منها شكلها متضايقة مني عشانك، روح شوف أنت حكيت لها ايه مخليها شايله مني.
قطب حاجبيه و أجاب بنفي:
- أنا ما أتكلمتش معاها غير لما جت الصبح تبارك لنا و أحكي لها أي يعنـ...
صمت بعدما تفهم ما ترمي إليه الأخري فقال:
- و فرضاً حكيت لها حاجة ، مش ده صح و لا أنا بكذب.
صاحت بعدم فهم:
- هو أي اللي صح وضح كلامك أنا مش فاهمة أنت تقصد أي.
اقترب نحوها و هي تتراجع حتي أصبحت محاصرة بينه و بين الموقد :
- قصدي هو أن المفروض يحصل ما بينا اللي يحصل بين أي اتنين متجوزين.
أنتابها التوتر و الخجل في آن فأخذت تتمتم :
- أي اللي أنت بتقوله ده إحنا ما تفقناش علي كده ، عايزني إزاي أعمل اللي بتقول عليه و إحنا يا دوب عارفين بعض بقالنا اسبوع بس.
أقترب بشفتيه نحو أذنها و همس بصوت يعلم ماذا سيكون تأثيره عليها:
- مش شرط علي فكرة إننا لازم نكون مخطوبين فترة كبيرة، و بعدين مش يمكن لما نقرب من بعض أكتر تتعودي عليا بسرعة.
حاوط خصرها بين يديه و هبط بشفتيه علي عنقها، يقبلها ببطئ جعلها تسمرت بين ذراعيه بإستسلام و كأنها فقدت الوعي، بينما هو عندما وجدها لم تقاوم أخذ يرتفع بقبلاته حتي وصل إلي شفتيها و كاد يُقبلها سرعان ما عادت إلي وعيها عندما صدح رنين هاتفه، شعرت بالفزع و دفعته في صدره و ركضت إلي الغرفة.
أخرج هاتفه من بنطال جيبه و أجاب:
- عايز أي يا هادم اللذات.
.......
- طيب يا عم خمس دقايق و جاي لك، سلام.
أنتبه لإختفائها من أمامه فأبتسم و حك فروة رأسه بسعادة ثم قال إلي نفسه:
- هاتجنني معاها بنت الأيه.
ــــــــــــــــــــــ
يجلس عمار علي المقهي و يحتسي كوب الشاي و حين أفرغ منه لاحظ قدوم معتصم و إحدي الجالسين علي طاولة قريبة منه يشير إليه:
- تعالي هنا يا نجم.
أسترق الأخر السمع و صاحب معتصم يقول له:
- معلش يا صاحبي خليتك تسيب عروستك و تنزل.
رد الأخر:
- طب أنجز عشان سايبها لوحدها.
و حين أستمع عمار إلي هذا الحوار و علم إن ليلة بمفردها الآن ، ضربت رأسه فكرة جنونية، أسرع خطواته حتي وصل إلي منزل عائلة معتصم و دلف دون أن يراه أحد، صعد مسرعاً حتي وجد باب شقة جلال مفتوحاً، أسرع للطابق الأعلي و ضغط علي الجرس.
هي بالداخل كانت تجلس أمام التلفاز تنتظر زوجها لتناول السحور و عندما سمعت صوت الجرس تأففت بضجر و قالت:
- لما أنت نازل المفروض كنت اخدت مفتاح و لا لازم انـ...
صمتت عند رؤيته أمامها، شهقت و وضعت كفها علي فمها و بعد ذلك أخبرته:
- يخربيتك أنت جاي لحد بيتي! ، عايز مني أي يخربيتك هاتوديني في داهية و هاتفضح.
دفعها إلي الداخل و أغلق الباب خلفه ثم أخبرها:
- اطمني المحروس جوزك قاعد علي القهوة و مش جاي دلوقت، أنا جاي لك بس عشان أسألك سؤال، أنتي بتحبيني لسه؟
أخذت تتلفت من حولها و قالت بصوت خافت:
- أطلع برة و أمشي من هنا يا مجنون جوزي لو جه هيدبحك ده غير الفضيحة اللي هاتعملها لي .
و بالطابق الأسفل كانت عايدة تفكر في أمر ما و هي أن تصعد إلي ليلة و التحدث معها و محاولة الوقوع بينها و بين زوجها و هذا بعدما رأت من الشرفة معتصم يغادر المنزل منذ قليل.
صعدت إليها و قبل أن تضغط علي زر الجرس أستمعت حديث كلا منهما و الشيطان يهيئ لها مئات السيناريوهات.
و في لحظة أتت لها فكرة من الجحيم، عادت إلي منزلها و ذهبت إلي والدة زوجها التي تشاهد إحدي المسلسلات الرمضانية و قالت:
- خالتي بقولك ما تيجي نطلع نقعد شويه مع العرايس و نتسحر معاهم.
أشاحت الأخري بيدها:
- لاء خليهم علي راحتهم و بعدين أسكتي هتلاقيهم من وقت ما كنت عندهم و هم متخانقين.
عقدت عايدة حاجبيها و سألتها:
- ليه هو أنتي عملتي لهم أي؟
أجابت نفيسة ببراءة و وداعة زائفة:
- البت ياختي خدتها علي جمب و بوصيها علي جوزها بنصحها يعني لاقيتها هبت فيا زي نار الفرن و لا كأني قتلت لها قتيل بس أي معتصم إبني ربنا يبارك له نفخها سيبتهم و نزلت أنا و جوزك قولت خليه يربيها أم لسان متبري منها.
قالت الأخري بداخل عقلها:
- هي برضو اللي لسانها متبري منها برضو! ، اه منك يا حيزبون هتلاقيكي إديتلها كلمتين شبه وشك العكر و البت ما استحملتش، يلا أحسن يكش تولعو أنتم الأتنين في بعض.
أنتبهت إلي سؤال حماتها:
- بتقولي حاجة يا عايدة؟
أبتسمت لها إبتسامة صفراء و قالت:
- بقول أن كنت لسه شايفه معتصم من البلكونة رايح ناحية القهوة فأي رأيك نطلع نقعد معاها و تفهميها إنك هنا الكل في الكل و الكلمة كلمتك.
أخذت نفيسة تفكر قليلاً و راق لها الأمر فقالت:
- طب يلا بينا و أبقي أطفي التليفزيون ده و حصليني.
أتسع ثغرها بإبتسامة عارمة قائلة:
- عينيا.
و عودة إلي ليلة و عمار الذي يقبض علي عضديها بعنف و يخبرها من بين أسنانه بتملك و هوس:
- أنا مليش دعوة بكل اللي قولتيه أنا اللي أعرفه حاجة واحدة أنتِ بتاعتي أنا و بس.
دفعته بكل قوتها عنها مما أدي إلي إختلال توازنه فوقع علي الأرض، نهض و كاد يهجم عليها لكن صوت جرس الباب أوقفه، أتسعت عيناها و لطمت علي خديها قائلة بصوت خافت:
- أنا أتفضحت، أتفضحت.
رفع يديه و قال:
- إهدي أنا هاتصرف بس خدي بالك لو معملتيش اللي قولت لك عليه المرة الجاية كلامي هايبقي مع جوزك نفسه، سلام يا حلوة.
و في لحظة ركض من أمامها و فر من نافذة المطبخ و منها يتسلق علي المواسير إلي أعلي السطح.
بينما ليلة ذهبت لتفتح الباب فوجدت أمامها نفيسة و عايدة التي قالت بتهكم :
- معلش يا عروسة صحناكي من النوم.
و أخذت تبحث بعينيها عن عمار في أرجاء المنزل حتي لاحظت نافذة المطبخ مفتوحة فأدركت أمر هروبه، جزت علي أسنانها بحنق.
فقالت نفيسة:
- معلش لو عملنالك إزعاج بس قولنا نطلع نقعد معاكي شويه و أقولك ما تضايقيش من كلامي أنا زي أمك برضو.
و ربتت علي كتفها، فأخبرتها ليلة:
- خلاص يا خالتي حصل خير.
ــــــــــــــ
يمشط خصلات شعره ثم شاربه الكث أمام المرآه فجاءت زوجته بجواره قائلة:
- حبشي إيدك علي فلوس عشان هاعزم أختك و جوزها يجو يفطرو معانا بكرة.
توقف عن ما كان يفعله و رمقها بنظرة من قاع الجحيم قائلاً:
- عزومة أي يا روح خالتك !
لوت شفتيها جانباً بتهكم ثم أجابت:
- بقولك هعزم أختك و جوزها فيها أي دي يعني.
قبض علي ذراعها و وضعه خلف ظهرها مما جعلها تتأوه بألم قائلاً:
- أراكِ توزعين من مال أمك، ده عشان تقولي يا عزومة عايزه لك اقل حاجة 200 جنيه.
صاحت بسخرية:
- 200 أي يا حبشي أنت مش عايش في الدنيا و لا أي دي الـ 200 دي يا دوب تجيب لك فرختين و بعدين يا أخي لا روحت زورتها و لا جيبت لها موسم أو خزين زي أي عروسة، ده الحمدلله ربنا رزقها و كرمها بواحد زي معتصم راجل كريم و جدع مش بخيل و القرش بيطلع منه بالضالين.
زاد قبضته مما جعلها تصرخ بألم:
- مين اللي بخيل يا بنت مفيدة ما أنتِ لو شقيانة و بتنزلي تحت العربية و تقعدي تصلحي فيها بالساعات كنتِ عرفتِ قيمة الجنيه اللي عايزة تبعتريه يمين و شمال و تقولي لي موسم و هباب علي دماغك، هي خلاص بقت علي ذمة راجل مسئولة منه مش كفاية قعدت أصرف عليها و علي تعليمها لحد ما خدت شهادة ثانوية عامة!
- يا شيخ حرام عليك أنت يعني كنت بتصرف عليها من جيبك ده لولا ورث أبوك و أمك الله يرحمهم كنت زمانك رمتها في الشارع.
كانت كلماتها كالنيران التي أضرمت فجعلته ثائراً بغضب عارم:
- طب عليا الطلاق لأخليكِ تحرمي تنطقي إسطوانتك الحمضانة بتاعت كل مرة أنتِ اللي جبتيه لنفسك.
أنهال عليها بالضرب علي أنحاء جسدها حتي تمكنت من الهرب من أمامه و اللجوء للغرفة و إغلاق الباب عليها و وصده من الداخل:
- حسبي الله و نعم الوكيل فيك.
- بتقفلي الباب عليكي و بتحسبني عليا، ماشي يا هدي هانروح من بعض فين مصيرك تقعي في أيدي.
هم بالذهاب و أردف:
- كتك الهم لازم تنكدي عليا كل يوم قبل ما أروح الشغل، هات هات و كأن الواحد قاعد علي بنك و أنا مش عارف.
غادر و صفق الباب خلفه.
ــــــــــــــ
أمام بناء في الحارة تقف تلك المتشحة بالسواد و ترتدي غطاء الوجه حتي لا يراها أحد و هي ذاهبة إلي عمار الذي عندما رأته ولج إلي داخل المبني و يصعد الدرج، ذهبت خلفه حتي وصل إلي غرفته المقيم بها أعلي السطح، توقف فجاءة و ألتفت إليها و أخرج مُدية من جيبه و أشهرها بالقرب من تلك السيدة:
- أنت و لا أنتِ مين؟
تحدثت بصوتها الأنثوي و دون أن ترفع غطاء وجهها حتي لا ينكشف أمرها له :
- نزل اللي في أيدك الأول و تعالي نتفاهم، ما تخافش أنا مش جاية أئذيك لأن مصلحتنا واحدة.
أخفض يده و أعاد المدية إلي جيبه و سألها بتوجس:
- أنتِ مين و عايزة أي؟
أجابت بكل هدوء :
- ليلة، أنا عارفة اللي بينك و بينها و أنك بتحبها و بتحاول تضغط عليها و عايزها تطلق من معتصم ، أنا بقي جاية أساعدك بس لمصلحتك.
نظر إليها بعدم فهم و سألها:
- و أي مصلحتك أنتِ؟
بالطبع لم تخبره بحقيقتها حتي لا تكشف له نواياها الخبيثة و القذرة فأجابت:
- مصلحتي أنا و معتصم كنا متجوزين في السر، عيشت معاه أسود أيام عمري و في الأخر رماني و خد كل اللي ورايا و قدامي، عايزة أخد حقي منه بس أنا مهما كان ست وحيدة و ضعيفة و ماليش أهل يقفوا له.
شعر بأن هناك أمر ما خاطئ، و قبل أن ينصاع لها سألها للمرة الرابعة:
- و المطلوب مني أي اعمله؟
أشارت إليه نحو أريكة خشبية بالية:
- تعالي نقعد بس الأول عشان نعرف نتكلم.
ذهب كليهما و جلسا فأردفت:
- بص يا سيدي، معتصم شغال بقاله أكتر من تلات سنين في الكويت و قبلها كان في السعودية ماشاء الله بيقبض حلو أوي و ربنا فاتحها عليه من وسع ، لولا أمه الحيزبون كنت زماني بتمتع في خيره و لما عرفت بجوازنا فضلت وراه لحد ما خلته يسيبني، طبعاً زمانك بتقول طب برضو أنا هاعملك أي، اقولك أنت بأيدك تعمل كتير أوي و الخير يعُم علينا إحنا الأتنين.
أتسعت عيناه عندما أدرك ما تقصده من حديثها الطائل هذا:
- قصدك أبتز ليلة و اطلب منها فلوس!
أومأت له و قالت:
- براوه عليك، أنا نظرتي ما تخيبش، هي كده و لا كده خلاص معدتش بتحبك و لا عايزاك و راحت أتجوزت غيرك و هو كمان باعني و قطع الورقة العرفي اللي بينا ، و ما تستغربش إن أنا عرفت إزاي، أنا كنت طالعة إمبارح لمعتصم عشان محتاجة قرشين و قبل ما أخبط سمعت صوتك أنت و مراته و الحوار اللي دار بينكم.
لاحظت علامات الإعتراض و الرفض علي ملامحه، نهضت و أستعدت للمغادرة فقالت قبل أن تذهب:
- خد وقتك في التفكير و اه قبل ما أنسي هات رقم تليفونك عشان أكلمك و اتواصل معاك و لو في أي جديد هابلغك، و ياريت و أنت بتفكر أعقلها صح و فكر في مصلحتك، القرش هيجيب لك اللي أحسن من ليلة لحد عندك .