رواية مابين الحب و الحرمان الفصل الثامن بقلم ولاء رفعت على
تجلس عايدة في غرفتها و نيران الغيرة و الحقد تنهش قلبها بضراوة ودت أن تصعد و تفسد عليهم تلك الليلة بشتي الطرق لكن ما يطمئن قلبها ما قامت بدسه في الفراش و ما سار عليه معتصم، لم تنتبه إلي زوجها الذي دلف للتو و يردد كلمات الأغاني التي سمعها في الحفل وجدها جالسة في حالة سكون تضع ساق فوق الأخري فقال:
- ربنا يستر، يا تري قاعدة كده و بتفكري في مصيبة لمين؟
رفعت إحدي حاجبيها إليه و قالت:
- ليه شايفني أي بالظبط عشان أفكر في مصايب لحد، ليه ما تقولش المصايب بتتحدف علينا لحد عندنا و أنتم نايمين في العسل.
ضيق عينيه و عقد حاجبيه فسألها:
- قصدك علي مين؟
نهضت من فوق المقعد و وقفت عاقدة ساعديها أمام صدرها و أجابت:
- هي فيه غيرها ست الحسن و الجمال اللي أخوك بإذن الله هياخد فيها أكبر خازوق.
أنتبه لكلماتها جيداً فسألها مرة أخري:
- قصدك أي بالكلام ده.
أقترب منها و أردف:
- أنتي تعرفي حاجة و مخبيها و لا أي، أنطقي.
جلست علي حافة الفراش و تصنعت وجه الحمل الوديع قائلة بتمثيل إحترافي:
- لاء يا سيدي ما بحبش أتكلم علي حد دي أعراض، ربنا يستر علي ولايانا، و بعدين أخاف أمك و أخوك يقلبو عليا و لا يقولو غيرانه و بتلفق لسلفتها مصايب عشان تتخلص منها .
أمسكها من يدها و صاح بها بحنق:
- ما تتنطقي يا بت أحسن ما أخليكي تنطقي بالعافية.
تصنعت ملامح الحزن و قالت:
- أخص عليك يا سي جلال، ماشي هقولك بس ياريت ما تجبش سيرتي، أول إمبارح و انا رايحة الحنة لسه كنت واقفة قبلهم بتلات بيوت لاقيت الولاه اللي اسمه عمار اللي ساكن فوق بيت شوقي بينط من شباك أوضتها اللي بيطل علي الحارة و عمال يتلفت من حوليه زي الحرامية، تفتكر ده كان بيعمل أي جوه عندهم و لا علاقته أي بالبت ليلة!
عقب زوجها علي كلماتها:
- ما هو ممكن يكون كان بيسرق من بيتهم حاجة، إن بعد الظن إسم، بقولك أي أوعي تقولي كلمة هنا و لا هنا، أخويا ممكن يقلب الدنيا فوق دماغنا غير أخوها حبشي ده مجنون و ممكن الموضوع يوصل للدم.
أشارت إلي فمها ببراءة قائلة:
- و أنا مالي يا أخويا مليش دعوة هكتم بوقي أهو.
و وضعت كفها علي فمها كدلالة علي عدم البوح.
ــــــــــــــــــــــ
و بالأعلي كانت تجلس في الغرفة تحاول خلع الوشاح الأبيض، تلتقط الدبابيس منه و توخزها بداخل قطعة من الأسفنج الملون،
بينما هو يجلس بالخارج في الردهة، أزرار قميصه مفتوحة و ينفث دخان سيجارته بشراهة حيث ما ألقته عليه تلك الأفعي عايدة من كلمات مسمومة علي زوجته ليس بالشئ الهين، هل بالفعل زوجته علي علاقة برجل آخر!
نهض و ذهب ليتأكد من هذا، فتح الباب فوجدها تحاول خلع الثوب لكنه علق بجسدها، و هناك من خطف أنفاسه سلاسل خصلاتها المنسدلة علي ظهرها كشلالات من الحرير و ملامحها المختلفة عن الحجاب، فهي أجمل بكثير عن ما رآها من قبل، وجد نفسه يقترب منها دون إرادة و وقف خلفها وضع يده علي بداية السحاب و قال لها:
- ممكن أساعدك؟
أومأت له عبر المرآه بالموافقة دون أن تتحدث، أخذ يفتح سحاب ثوبها ببطئ و عينيه تتأمل ملامحها في صورتها المنعكسة، و عندما أنتهي من فتح السحاب كاملاً أزاح خصلاتها علي إحدي كتفيها و أخذ يُقبل كتفها، تحركت بين يديه لتبتعد فوجدته يشد من قبضتيه :
- معتصم لو سمحت، معتصم.
ظلت تكرارها ليبتعد عنها و هو كان كالوحش الجائع الذي وقعت تحت يديه فريسة و عليه أن يلتهمها، كانت قبلاته علي جيدها تتميز بالعنف فصرخت ليبتعد عنها:
- أوعي، أبعد عني.
ابتعد و رمقها بغضب و عندما نظر إليها وجدها تبكي و تمسك موضع قبلاته التي تركت علامات وردية داكنة، عاد إلي رشده بعد أن كان علي وشك أن يستسلم لوساوس شيطانه و يتعامل معها بهذا الأسلوب العنيف.
أقترب منها بحذر حتي لا يزيد خوفها منه و قال لها:
- حقك عليا مكنتش أقصد اللي عملته.
رمقته بغضب و الدموع حبيسة داخل عيناها:
-أطلع برة.
أشار لها بأن تتمهل قائلاً:
- إسمعيني بس هقولك.
أخذت تدفعه في صدره نحو الباب بقوة لا يستهان بها من يديها الضعيفتين أو هكذا تبدو علي غرار قوتها:
- مش عايزة أسمع، أطلع برة.
و صفقت الباب في وجهه تحت نظراته المتعجبة و عيناه المتسعة من الصدمة.
ـــــــــــــــــــــ
في صباح اليوم التالي...
- قوم يا حبشي خلينا نروح نصبح علي أختك و نشتري لها شوية حاجات خلينا نرفع راسها قدام نسايبها بدل ما أنت ما صدقت جوزتها و ماجبتلهاش خيط في إبره حتي.
أستيقظ بغضب و بصوت أجش:
- يا فتاح يا عليم علي الصبح، مش شيفاني نايم يا وليه بتصحيني ليه، و بعدين فيه حد يروح لعرسان علي الصبح خلاص مفيش إحساس و لا دم!
رمقته بإمتعاض و قالت:
- يا راجل بطل تهرب بقي من أي مشوار يبقي فيه فلوس و هايكلفك فاكرني هبلة و مش هافهم!
صاح بها بتهديد:
- طب غوري من وشي علي الصبح بدل و ربنا و ما أعبد لأقوم أديكي علقة هخليها هي اللي تيجي تزورك و أطفي النور بدل ما أخليكي عايشة في الضلمة طول عمرك لما أديلك كشاف علي عينيكي يعميكي و أرتاح.
تأففت بضيق و غضب منه و ذهبت تتمتم بصوت خافت:
- عادتك و لا تشتريها روح يا شيخ اللهي اللي بتحوشه من ورايا و حايشه عني أنا و اختك و عيالك يجي لك حرامي يقشهم كلهم و يحسرك عليهم.
ــــــــــــــــــ
كان يتمدد علي الأريكة و مازال بثيابه منذ الأمس و لم يبدلها بعد ، أستيقظ علي صوت الجرس حينما فتح عينيه و تذكر خلافهما البسيط في البارحة، نهض مُسرعاً و طرق الباب عليها:
- أفتحي يا ليلة جرس الباب بيرن شكلها أمي و لا يكون أخوكي و مراته، أفتحي ما ينفعش يدخلو يلاقوني لسه ببدلة الفرح!
فتحت الباب و أتسعت عيناه عندما رآها ترتدي منامة حريرية باللون النبيذ و مشطت خصلاتها بعناية و شكل فني جذاب، فقالت له و كأنه لم يحدث شئ ليلة أمس:
- هتلاقيهم أخويا و مراته.
أمسكها من يدها و سألها بحدة:
- هو أنتي ناوية تطلعي لهم بالمنظر ده؟
ألقت نظرة علي هيئتها فقالت:
- ماله منظري، دي بچامة ستان بكوم و بنطلون طويل، و بعدين بقولك أخويا و مراته يعني محدش غريب.
دفعها إلي داخل الغرفة و أخبرها بأمر:
- روحي ألبسي عباية أو الإسدال و لو أتكررت الحركة دي تاني هتلاقي كل اللي في الدولاب ده مرمي في الشارع.
رمقته بسخط و قالت بتذمر:
- هو يعني عشان شاريهم لي بفلوسك هتذلني مش عايزة منك حاجة، انا هاكلم مرات أخويا تجيب لي هدومي القديمة.
رمقها بنظرة نارية قاتلة :
- ليلة، أحذري غضبي و أتقي شري و خشي أسمعي الكلام بسرعة.
أرتدت في النهاية كما أمرها علي مضض و ذهبت هي و قامت بفتح الباب ريثما يبدل ثيابه.
- السلام عليكم ، ازيكم يا عرايس.
صاحت بها هدي بسعادة و تحمل علبة من الحلوي، عانقتها الأخري:
- أهلاً بحبايبي وحشتوني.
ثم أنحنت إلي أولاد شقيقها و عانقتهما و ربتت عليهما بحنان، نظرت خلف هدي و سألتها:
- أومال فين حبشي مجاش معاكم ليه؟
أجابت الأخري بإبتسامة تخفي توترها و الحرج الذي تشعر به:
- أخوكي معلش مش هايقدر يجي لك النهارده أصله يا عيني من ساعة الفرح إمبارح و هو مصدع و تعبان ماقامش من النوم من وقت ما روحنا، شوفتي نسيت خدي شيلي الحلويات دي في التلاجة أبقو كلوها بعد الفطار.
أدركت ليلة كيف تقوم بتشتيتها عن الإجابة لتداري عن زوجها البخيل الذي يخشي أن يأتي إلي شقيقته و يبارك لها و يهنئها و يجب أن يعطي إليها مبلغاً من المال كنوعاً من أنواع المباركة.
- ربنا يشفيه، أدخلو أقعدو عقبال ما أجيب حاجة للعيال .
ذهبت لتحضر كؤوس من العصير و قطع حلوي وضعتها أمام الصغيرين، أقتربت هدي منها و سألتها بصوت خافت:
- ها طمنيني عملتي أي؟
رمقتها الأخري بعدم إستفهام :
- في أي؟
لكزتها بمزاح و خفة:
- ما أنتي عارفة يا بت قصدي أي.
أدركت ما تقصده فقالت بتردد و ترجع خصلاتها خلف أذنها:
- ماحصلش حاجة.
غرت الأخري فاهها و شهقت:
- أنتي هبلة يا ليلة، ده أنا فاكرة أول ما دخلنا أنا و أخوكي من باب الشقة يا دوب عقبال ما وصلنا لأوضة النوم كان حصل اللي حصل و أنتي تقولي لي ما حصلش حاجة!
نهضت ليلة لتتهرب من نظرات الأخري قائلة:
- هدي لو سمحت دي حاجة خاصة بيا أنا، أنتي و أخويا كنتم عارفين بعض و بتحبو بعض قبل ما تتجوزو بخمس سنين، أنا يا دوب لسه عارفه جوزي من أسبوع، لازم أتعود عليه الأول.
خرج معتصم من الغرفة يرتدي قميص و بنطال من القطن فأصبح شديد الوسامة، لأول مرة ليلة تحدق به هكذا لم تصدق هذا الذي كان معها منذ أسبوع.
- يا أهلاً و سهلاً البيت نور.
ردت هدي:
- ده نوركم يا أستاذ معتصم، و ألف مبروك عليك أنت و ليلة و ربنا يرزقكم بالذرية الصالحة.
رد بإبتسامة متكلفة:
- تسلمي ربنا يحفظك، أومال فين حبشي؟
أجابت بتوتر يشوبه طيف إبتسامة:
- تعبان من إمبارح و ماقدرش يقوم من النوم بعد الفطار هتلاقيه جاي لكم إن شاء الله .
نهضت و أمسكت بطفليها و أردفت:
- فوتكم بعافيه بقي.
فقالت ليلة بتعجب:
- أنتي لحقتي تقعدي، رايحة فين؟
- أنا جيت أطمن عليكم و الحمدلله أطمنت هابقي أجي لكم وقت تاني بإذن الله.
غادرت هدي، فقامت ليلة بحمل الصينية و دخلت إلي المطبخ ، وجدته خلفها فسألته:
- تحب تاكل أي علي الفطار؟
أجاب و يبدو من نبرته لا يرغب في التحدث معها:
- لما يجي وقت الفطار هاتصرف أنا.
ألتفتت إليه و سألته مرة أخري:
- أنت زعلان مني عشان إمبارح؟
تأفف بضجر و أخبرها:
- ليلة واضح جدا أنك لسه ما تعرفيش يعني أي جواز و لا أي حاجة، و شكلي هاخد وقت عقبال ما تتعودي عليا بس ياريت بسرعة عشان أنا مش من النوع الصبور، خدي بالك.
أبتلعت لعابها بتوجس و نظرت إليه بتوتر و قالت:
- و أنا مش ذنبي أنك اتجوزتني بعد أسبوع من معرفتنا لبعض، يعني مالحقتش أعرفك.
تلاقي حاجباه بضيق و قال:
- و دي مش حجة أو مبرر كافي لمعاملتك الجافة ليا إمبارح.
- و المطلوب مني؟
اقترب منها ليخبرها :
- المطلوب منك تسيبي لي نفسك و أنا هعلمك كل حاجة علي إيديا.
رمقته بصمت قاطعه صوت مزعج للغاية:
- صباحية مباركة يا عرسان.
ألتفت كليهما إليها فسألها معتصم بغضب:
- أنتي إزاي دخلتي هنا؟
لوت عايدة شفتيها جانباً و رفعت أمام عينيه مفتاح الشقة قائلة:
- دخلت بمفتاح خالتي نفيسة و هي اللي قالت لي اطلعي لهم يمكن محتاجين حاجة و اقولكم تحبو تاكلو أي علي الفطار،طلعت افتكرتكم نايمين، بس واضح شكلكم صايحين من بدري، غريبة أول مرة أشوف عرسان يبقو صاحيين من صباحية ربنا الظاهر كانت ليلة مش ظريفة.
رمقها الأخر بنظرة جعلتها تتراجع إلي الخلف و حتي لا يثير شكوك ليلة حاول أن يهدأ من روعه و هو يخبر زوجة أخيه:
- أعمل أي أصل ليلة حبيبتي وحشاني و مش طايق النوم يبعدها عني، صح يا ليلة؟
إبتسمت الأخري و قالت:
- صح يا حبيبي.
عقبت عايدة بتهكم و حقد جلي:
- ما براحة علي نفسكم يا عرايس ده أحنا حتي في نهار رمضان و لا تكونو فاطرين!
لاحظت ليلة نظرة الغيرة و الحقد القاتلة في عينيي الأخري و قد فسرت هذا غيرة سلايف ليس إلا، لا تعلم ما خفايا كان أعظم!
ـــــــــــــــــــــ
و بعد تناول الإفطار كان يجلس أمام التلفاز يشاهد مبارة كرة القدم ما بين فريقين كلاهما يتميز بالشهرة، يصب كامل تركيزه علي اللعب، بينما هي كانت تتصفح الأنترنت علي هاتفها و إذ فجاءة يصدح رنين الهاتف الذي أجفلها، شهقت عندما علمت بهوية المتصل فسرعان جعلت الهاتف علي وضع الصامت و بعدما أنتهي الإتصال تلقت رسالة كان فحواها كالتالي
( ردي عليا أحسن لك بدل ما أقابل المحروس جوزك و أحكي له علي اللي بينا أو أسمعه تسجيلات مكالمتنا )
أتسعت عيناها و الخوف ضرب قلبها، نهضت لتذهب و تري ماذا يفعل معتصم بالخارج، و من بعيد رأته يصيح تارة و يهلل تارة و يشجع فريقه، عادت إلي الغرفة و قررت أن ترد علي الإتصال خوفاً من أن ينفذ ذلك الأحمق تهديده و يهطل علي رأسها المصائب.
- ألو، عايز مني أي يا عمار؟
- عايز تنفذي إتفاقنا.
ردت بحنق من بين أسنانها :
- إتفاق أي يا أبو إتفاق، أنت أي ما عندكش دم و لا كرامة و لا ما حرمتش من أخر مرة لما أديتك علي دماغك.
قهقه بصوت أخافها و قال:
- لاء مانستش، بس كل اللي أعرفه إننا متفقين مهما حصل هانكون لبعض .
شهقت و أجابت بغضب:
- ده في أحلامك، أنا دلوقتي خلاص ست متجوزة و بحترم جوزي حتي لو مش بحبه علي الأقل دخل البيت من بابه مش بيدخل من الشبابيك زي الحرامية، و بص بقي لو ما بعدتش عني و لميت نفسك هخلي جوزي و أخويا يقطعوك حتت.
أنهت المكالمة علي الفور و قلبها يخفق بقوة من الخوف و إذا بصياح أفزعها من الخارج :
- جول، جيبنا جول، أيوه بقي.
خرجت وجدته في حاله حماس، ذهبت و أحضرت طبق من الحلوي الشرقية و وضعتها أمامه علي الطاولة ثم جلست علي كرسي أخر و نظرت إلي التلفاز و سألته:
- هما مين اللي بيلعبو؟
أجاب و عينيه نحو الشاشة:
- الأهلي و الزمالك .
فسألته مرة أخري:
- و أنت بتشجع أي؟
أجاب بإقتضاب و كامل تركيزه نحو المباراة:
- الأهلي طبعاً، و أنتِ؟
أبتسمت بمكر ثم أخبرته بزهو و فخر:
- الزمالك طبعاً.
أمسك بجهاز التحكم و ضغط علي كتم الصوت و أنتبه إليها و يشير نحو أذنه:
- قولتي بتحبي أي؟
ترددت في الإجابة بعدما رأت في عينيه نظرة أرعبتها، قالت بصوت خافت:
- قولت بحب الزمالك، فيها أي يعني.
نهض و أقترب منها مما جعلها تلتصق بظهر الكرسي من الخوف، أستند بيديه علي مساند الكرسي الجانبية و أخبرها:
- بما إننا بنتعرف على بعض أحب أفهمك تلاته ما بسمحش فيهم و ممكن تطير فيها رقاب.
أبتلعت ريقها بصعوبة و تركته يردف:
- الخيانة و الكدب و تالتهم الزمالك .
غرت فاهها فأكمل حديثه:
- أيوه زي ما سمعتي كده أنا أهلاوي و تقدري تقولي أهلاوي متعصب كمان، و بكره الزمالك جدا، فلو مش عايزة مشاكل ياريت ما تجبيش الاسم ده علي لسانك أحسن ليكي و لمصلحتك.
كادت تضحك رغماً عنها، لكن نظرته الجادة جعلتها توقفت عن الضحك فجاءة و أبتلعت ريقها، أنقذها من هذا الموقف رنين جرس المنزل المتواصل فأخبرها:
- ادخلي جوه و ألبسي حاجة عشان شكلهم أمي و أخويا.
نهضت و أسرعت إلي الداخل لتبدل ثيابها ، بينما بالخارج دلفت نفيسة إلي الداخل و تقول:
- اللهم صل علي النبي، اللهم بارك ألف مبروك يا حبيب أمك، أومال فين عروستك ؟
أشار إليها لكي تجلس و أجاب:
- أتفضلي يا أمي، هي بتلبس حاجة و جاية.
صافحه شقيقه قائلاً:
- مبروك يا عريس.
رد الأخر مبتسماً:
- الله يبارك فيك .
أقترب منه و ألتصق به ليهمس إليه:
- ها عملت اي يا بطل، رفعت راسنا و لا أي؟
صمت الأخر و لم يعلم ماذا سيخبره فقال:
- يابني حرام عليك ما كان علي يدك بقالي يومين ما نمتش و هي كذلك فمش معقول يعني كله ورا بعضه، إحنا مش هانطير من بعض.
تذكر جلال حديث زوجته و ما أخبرته به، لوي شفتيه جانباً و ربت علي كتف شقيقه قائلاً :
- شد حيلك بقي.
أكتفي بإبتسامة ثم نظر إلي ليلة التي خرجت للتو، ترتدي عباءة بيضاء مزخرفة بالخيوط الفضية بأشكال من الطبيعة كما ترتدي وشاحاً باللون الخيوط، و كالعادة جمالها يطفو علي أي شئ، خاصة بشرتها الملساء الوردية.
- أزيك يا طنط.
قالتها و تمد يدها إلي والدة زوجها فقالت:
- طنط أي يا سنيورة ، إسمها ماما يا عينيا و لا أخوكي و مراته ما علموكيش إن أم جوزك يتقالها يا ماما!
نظرت ليلة إلي معتصم لعله يتخذ موقف لكنه أكتفي بالمشاهدة فأخبرتها :
- أخويا علمني إن كلمة ماما ما تتقالش غير لأمي اللي ولدتني و سهرت عليا الليالي، يعني مش أي حد يتقاله يا ماما.
رأي جلال الأمر أصبح صعباً و يخشي أن والدته تفعل ما لا يحمد عقباه فقال:
- أنا عايدة مراتي بتقولها ياخالتي، قولي لها يا خالتي.
ردت و قالت:
- لو كان كده ماشي، أزيك يا خالتي.
نهضت الأخري و أجابت بإزدراء و تهكم :
- ماشي يا روح خالتك، تعالي معايا عشان عايزاكي في حاجة.
نظرت ليلة إلي معتصم الذي أومأ لها بأن تذهب ففعلت هذا و ذهبت معها و دخلت كلتيهما إلي الغرفة، فقالت نفيسة لها بقوة و حزم:
- أنا طبعاً مش هوصيكي علي ابني و أقولك خدي بالك منه، لأن لو حصل عكس كده مش هقولك أنا ممكن أعمل فيكي أي، أنا ولادي اللي يزعلهم أكله بسناني خصوصاً معتصم، من صغره و هو شقيان يا قلب أمه و سافر و أتغرب عشان يساعد أخوه في الجواز و بني البيت ده و عشان يعرف يتجوز و يعيشك في الخير اللي أنتي فيه ده كله.
لاحظت الأخري لهجة والدة زوجها الحادة و العداء الجلي في نظراتها لها، فسألتها:
- أنا ممكن أفهم ليه حاسه أنك كرهاني و مش طيقاني كأني خطفت منك إبنك!
أجابت الأخري بحدية:
- أنا و لا بحبك و لا بكرهك، انا بحذرك بس.
بالخارج كان يتحدث جلال مع شقيقه الذي يخشي علي ليلة من حديث والدته الحاد و خاصة عندما أخذتها إلي الداخل، تأكد أن هناك خطب ما يحدث.
نهض و ترك شقيقه بمفرده و ذهب ليري الذي يحدث و قبل أن يفتح الباب سمع قولها:
- طب إسمعيني بقي زي ما سمعتك، لو حضرتك فاكرة طريقتك دي ها تخوفني و جو الحموات و ماري منيب ده هيعمل معايا حاجة، أحب اقولك وفري مجهودك لأنه مش هياكل معايا، كل اللي ليكي عندي كل إحترام و أدب غير كده يبقي معلش، إبنك و حاجته و خيره عندك، أصلاً أنا مكنتش موافقه علي الجوازة من الأول يا طنط.
فتح معتصم الباب و توقف ينظر لكلتيهما قائلاً:
- في أي مالكم صوتكم جايب للحارة .
و سرعان وجد والدته تبكي بحُرقة قائلة:
- تعالي يابني شوف مراتك اللي لسه بقولها تاخد بالها منك و بنصحها زي أي أم تاخد بالها من بيتها و جوزها راحت مزعقة فيا كأني قتلت لها قتيل.
رمق ليلة بغضب فأقترب من والدته و عانقها و ربت عليها:
- معلش يا أمي أكيد ليلة ما تقصدش حاجة، صح يا ليلة؟
كانت الأخري تقف في حالة صدمة من تمثيل والدته المتقن و علمت إنها قد وقعت في براثن عقربة إذا لم تآمن غدرها فستلدغها لا محالة.
- أنا معملتلهاش حاجة هي اللي عماله تهددني و تتكلم معايا بأسلوب مش كويس.
صاح بأمر و عينيه تنضح شرر:
- ليلة، أعتذري لأمي.
نظرت إليه و الغضب ينبلج في عينيها، أجابت برفض تام :
- مش هعتذر.
قالت له والدته:
- خلاص يا بني هي زي بنتي برضو اللي مخلفتهاش.
هدر بصوت أجفل كلتيهما و لأول مرة تراه ليلة في تلك الحالة:
- هاتعتذر غصب عنها.
- خلاص يا بني أقصر الشر.
وقف أمام الأخري و أجاب علي والدته:
- أسكتي أنتي يا أمي، أنا عارف أنا بعمل ايه.
كادت ليلة تذهب من أمامه قائلة:
- و أنا معملتش حاجة عشان أعتذر، أبقي أتاسفلها أنت عن أذنك.
أمسك يدها و أوقفها، تسحبت والدته قبل نشوب أي مشكلة و غادرت الغرفة بل و الشقة بعدما أشارت إلي إبنها الأخر و قالت له:
- يلا بينا يا ولاه.
سألها بقلق:
- هو في أي!
جذبته من يده إلي الخارج:
- هابقي أقولك تحت.
و بالعودة إلي معتصم و ليلة التي تقف أمامه تتظاهر بالقوة لكن بداخلها عكس ذلك.
- ممكن أفهم أي الأسلوب الزبالة اللي سمعتك بتكلمي بيه أمي قبل ما أدخل!
صاحت بغضب:
- احترم نفسك و أنت بتتكلم معايـ...
قطع جملتها و هو يركل الكرسي من أمامه بقوة بدلاً من أن يصفعها أو يقترف بها شئ يندم عليه لاحقاً و لم يكتف بهذا فقط بل زجر كالوحش أمراً إياها:
- أطلعي بره.
هرولت من أمامه قبل أن يدركها غضبه، ذهبت إلي الغرفة الأخري و تبكي رغماً عنها، حسبت إنها تخلصت من ظلم و قساوة شقيقها لتجد نفسها وقعت في مصير أكثر قسوة!