رواية مداهنة عشق الفصل الثامن 8 بقلم اسماء ايهاب

 

 

 

رواية مداهنة عشق الفصل الثامن بقلم اسماء ايهاب


استمع صبري الي صوت الهاتف باشعار الرسائل ليخرج الهاتف من جيبه ليري من أرسل له و ما ان فتح الرسالة حتي اتسعت عينه بصدمة متجمدة علي الكلمات القليلة التي بعثتها له ابنة شقيقته تعتذر منه انها تركت المنزل بلا رجعة تركت منزل والدتها الذي لا يملك به شئ بسبب زوجته !!

هددتها و اجبرتها علي الزواج من رجل بعمر والدها زواج سري دون علم احد كيف لم يمر بعقله التهديد ، كان متيقن من وجود خطب ما بها و لكن التهديد لم يأتي بخاطره ابداً 

رُقية التي يعرفها لن توافق علي زواجها بهذا الشكل لقد وافقت علي زوجها السابق بعد معاناة والدتها معها لما لم يلفت انتباهه سهولة موافقتها هذه المرة ، اغمض عينه بقوة يلوم نفسه علي عدم الحفاظ علي امانة شقيقته اهمل في راعيتها حتي اضطرت للهروب خوفاً مهما قد تفعله زوجته ...
و علي ذكر زوجته انتفض من مكانه مستقيماً يخبر مساعده علي عجل انه سيذهب الي المنزل و من الممكن الا يعود 
في دقائق معدودة وصل البناية و صعد سريعاً يفتح الباب بالصك الخاص به و اخذ يبحث عن رُقية علي امل ان يلحق بها قبل ان تذهب و لكن خاب امله حين وجد خزانتها فارغة و لا وجود لها بالمنزل و لا لزوجته أيضاً ، ارتمي علي الاريكة بالردهة يدفن رأسه بين راحتي يده يتمتم بأعتذار الي شقيقته الراحلة و ظل علي هذا الحال وقتاً لا بأس به حتي استمع الي صوت فتح الباب رفع رأسه لعل رُقية قد عادت بعد ان ملت من وجود مأوي لها ، اشتعلت عينه بغضب شديد و هو يجد زوجته تدلف من باب المنزل بيدها الكثير من الحقائب البلاستيكية منها و القماشية اغلقت الباب و توجهت نحو الردهة تضع الحقائب من يدها تنظر الي بتعجب متسائلة عن وجوده في هذا الوقت :
_ اية اللي جابك بدري كدا يا صبري انت تعبان ؟

افجلت حين هب واقفاً بحدة و تراجعت خطوة الي الخلف متحدثة بتساؤل قلق لحالة وجهه الذي لا يفسر :
_ مالك يا راجل في اية 

لم تستمع الي رداً منه أيضاً بل ينظر اليها نظرات غاضبة جعلتها تشعر بالريبة من امره لتبتلع ريقها بصعوبة و اقترب منه بحذر متحدثة :
_ في حاجة حصلت في الشغل و لا اية 

تركها تقترب منها حتي اصبحت امامه مباشرةً و دون سابق انذار امسك بخصلات شعرها من اسفل الحجاب بقوة حتي كادت تُخلع بين يديه و هي تصرخ بألم شديد تمسك بيده تحاول الافلات منه قائلة بصراخ :
_ ابعد عني يا صبري في اية 

افلت خصلات شعرها بصعوبة بعد محاولات عديدة منها و اخذت تلهث بقوة و هي تنظر اليه بخوف من حالته التي تشاهدها لاول مرة و لم تكن لتستوعب الامر حتي تلقت منه صفعة قوية القتها ارضاً و هي تشعر بتخدر اصاب جانب وجهها لتنفجر في البكاء واضعة يدها علي وجنتها لينحني صبري ليصل اليها و يمسك بخصلات شعرها من جديد يهتف بغضب من بين اسنانه المتلاحمة :
_ بقي تهددي بنت اختي و تخليها توافق تتجوز راجل زي دا بغلك و غباءك ، يا بجحة دا بيت امها و احنا ملناش فيه حاجة عايزة تمشيها منه تترمي لواحد الله الاعلم بيه و يرميها بعد شهر 

القاها من يده ليرتطم رأسها بالارض و استكمل حديثه بحدة قائلاً :
_ معملتيش حساب اي حاجة و معملتش حساب ليا حتي ، انا مكنتش مطمن من موافقتها بس مجاش في بالي انك بالحقارة دي 

جذب يدها لتقف عن الارض دون أن تتوقف عن البكاء و النحيب ليدفعها نحو المقعد لتجلس و انحني يأتي بحقيبة يدها يلقيها بوجهها قائلاً :
_ تكلمي صاحبتك اللي شبهك دي تقوليلها معندناش بنات للجواز سامعة 

اومأت اليه بارتجاف و هي تنظر اليه بتوسل متحدثة ببكاء و ضعف :
_ اسمعني بس يا صبري انا كنت عاملة علي مصلحتها و كنت عايزاها تعيش حيا..

بترت جملتها حين القي عليها نظرة حادة مليئة بالغضب و هزت رأسها بهسترية حين وضع يده علي فمه في اشارة لها بالصمت لتمد يدها المرتجفة تأخذ الهاتف من الحقيبة و تجري اتصال بصديقتها لتخبرها بما اراد صبري متوعدة لرُقية بالعذاب بعد ان كشفتها امام خالها :
_ افتحي الاسبيكر و سمعيني 

فتحت مكبر الصوت مع ارتفاع صوت صديقتها عطاء من الطرف الاخر قائلة :
_ ايوة يا سماح روحتي و لا أية 

ابتلعت ريقها و تنفست بهدوء حتي يخرج صوتها طبيعي امام صديقتها قائلة بهدوء :
_ اه روحت و كنت عايزة اقولك ان صبري غير رأيه و رفض جوازة رقية من الشيخ طلال

استمعا الي شهقة قوية من عطاء قبل ان تجيبها بصوت مرتفع و طريقة سوقية اشمئز منها صبري :
_ و جاية تقوليلي كدا دلوقتي يا حيلتها بعد ما حددت ميعاد مع الراجل و قبضتي الوعكة التمام 

اخبرتها سماح بنفاذ صبر و هي تنظر الي زوجها الذي يقف امامها يقبض علي كف يده بقوة :
_ اعمل اية يعني اهو دا اللي حصل

صاحت بها عطاء بعد جملتها بغضب :
_ يبقي ترجعي الفلوس كلها يا حلوة علي داير مليم

نظرت سماح نظرة خاطفة نحو زوجها قبل ان تنظر بالارض قائلة :
_ انا روحت اشتريت بنص الفلوس حاجات لرقية 

اتي صوت عطاء من الطرف الاخر مرتفع بانفعال شديد و كأنها لم تعد صديقتها التي تحنو عليها و تبادلها الهموم و الاسرار بل اصبحت اخري اكثر حدة و شراسة و هذا ما جعل الدماء تتجمد بعروقها حين القت عليها جملتها الاخيرة قبل ان تغلق الهاتف بوجهها :
_ ما هو يا الفلوس كاملة يا عينيا ياما الراجل يتجوز بنتك الننوسة بدل رقية او جوزك يتسجن 

ما ان اغلقت الهاتف حتي ثارت ثائرة صبري و اخذ يلقي علي مسامعها الكثير من الكلمات السامة التي تستحقها و لكنها لم تكن تعي ما يقول كل ما اثار خوفها هو تدخل ابنتها في الامر لتجلس سريعاً بالارض بجوار قدم صبري تمسك بيده تردف بتوسل و بكاء :
_ ابوس ايدك يا صبري اقنع رقية تتجوزه بنتي لا يا صبري بنتي لسة صغيرة 

الخوف يزحف بخبث الي قلبها علي ابنتها التي تجلس بسكن الطلبات في الاسكندرية لاكمال تعليمها الجامعي لا تعلم عن افعالها شئ اكملت توسلها بخوف عليها حتي دفعها صبري عنه بقوة و هو يصرخ بما اكمل عليها و جعل صدمتها تتضاعف قائلاً :
_رقية حققتلك رغبتك و سابتلك بيتها تعيشي فيه لوحدك رقية هربت مننا يا هانم

***********************************
كان زيدان قد انهي عمله و سلم ثمن الوجبات الي رب العمل و استعد للصعود و التنعم بالراحة و النوم العميق الذي لم يناله منذ البارحة و في طريق العودة شاهد مشاجرة كبيرة بين رجلين من رجال الحي و احدهم يمسك مدية للاخر يلوح بها امام وجهه في تهديد واضح و الجميع يحاول التفرقة و لا احد يستطيع ليتدخل هو بين الرجال ليري ما يمكنه فعله لفض هذا الاشتباك ان امكنه ذلك مال علي اذن احد الرجال متسائلاً و هو يشير نحو المشاجرة التي تشتعل اكثر و صوت صيحات و الألفاظ النابية تنطلق باريحية قائلاً :
_ هو اية اللي حصل بينهم 

اجابه الاخر و هو يراقب بدقة ما يحدث دون ان يبعد عينه لحظة واحدة :
_ الواد سمير عاكس مرات كامل و مكنش يعرف أنه وراه و قامت العركة و محدش قادر يفرق بينهم 

تركه زيدان و توجه داخل دائرة المعركة يحاول ابعاد كامل الذي يمسك برقبة الاخر يوعده بجز عنقه و ان يجعل الجميع يشهد علي ما قد يحدث لمن يقترب من زوجته ليتحدث زيدان بحدة و هو يجذب ذراعه بعيداً عن الاخر :
_ استهدوا بالله يا جدعان السلاح يطول 

دفعه كامل بانفعال بعيداً عنه و هو ينظر اليه بغضب و اشهر المدية بوجهه متحدثاً بتحذير :
_ اقسم بالله لو ما بعدت عني لاخد رقبتك معاه 

نظر اليها زيدان باستهزاء و هو يهتف بسخرية :
_ شجاع و الله 

و بحركة مباغتة سحب المدية من يده و دفعه بقدمه بقوة ببطنه ليتراجع الاخر متألماً ابتسم زيدان بهزء و هو يغلق المدية قائلاً بسخرية :
_ اتكلم علي قدك يا كوكو 

اقترب من سمير الذي الواقف بشجاعة زائفة يحاول الدفاع عن نفسه و قد تلقي من الضرب ما كفاه و حينها لم يمنع زيدان نفسه من صفعه بقوة و امسك بتلابيب ملابسه متحدثاً بتعنيف :
_ تمشي في الشارع عينك في الارض يا روح امك ، هستكفي باللي الراجل دا عمله مرة تانية اشوف عينك اترفعت من الارض هسيبك ليهم فاهمني يا سمارة 

اومأ اليه سمير و هو ينفك عن قبضته و يركض بالاتجاه الاخر مبتعداً عنهم في ذعر في حين صرخ ذاك الثائر به انه لن يتركه مهما هرب و اشار الي احد الواقفين الذي القي اليه مدية اخري خلاف التي اخذها زيدان منه و اشهرها راكضاً خلف الجبان الهارب و حين لمحه زيدان حتي تقدم منه يمنعه سريعاً من اتباعه حتي لا تحدث كارثة و يقوم بقتله عن حق فقد اعماه غضبه تماماً عما يفعل تصدي له زيدان و هو يحاول منعه بصعوبة دافعاً اياه الي الخلف و لكن مع اندفاع كامل بجنون نحو الامام انغرزت المدية دون قصد منه بخصر الاخر بقوة ، اضطر كامل و سحب المدية من جانب جسد زيدان سريعاً ينظر الي الدماء التي سالت منه بخوف و في لحظات كان يتركه و يفر هارباً دون النظر الي الخلف ، وضع زيدان يده موضع الجرح و نظر الي الدماء التي تملئ كف يده بغزارة ليغمض عينه بألم شديد و هو يصك علي اسنانه كابحاً تأوه متألم قد يخرج منه حينها تبعثر الوسط ، ساد الهرج و المرج حوله و اسرع اليه بعض الرجال و صراخ أحد الرجال يحث الاخرين علي مهاتفة الاسعاف ليميل هو مستنداً علي احد الشباب يهمس بتألم :
_ وقفلي تاكس مش هستني الاسعاف

***********************************
_ بجد وحشتيني اوي يا أسيل 

هتفت بها آسيا موجهة الحديث الي شقيقتها التي تجلس الي جوارها بالسيارة لتقلها الي منزل الجد نجيب حيث اخبرتها ان تمر عليها بالشركة حتي تأخذها معها في طريق العودة اليه حتي تراه لاحتمالية سفرها في القريب العاجل ، ابتسمت أسيل و هي تنظر الي شقيقتها بحب قائلة :
_ انتي كمان وحشتيني اوي بقالي كتير مشوفتكيش 

تنهدت آسيا و هي تنظر الي الطريق بانتباه لانها لم تأتي بالسيارة من قبل الي منطقة سكن جدها :
_ انتي عارفة زيارتي قليلة ليكي لية يا أسيل انا مبحبش ازعلك بس انا مبطقش جوزك دا 

خط الحزن علي صفحات وجه أسيل و قد استنكرت جملة شقيقتها في حق زوجها هي لم تري منه اي سوء سوا بالفعل او القول لكنها دائماً ما تتجنبه تماماً ، زفرت آسيا بضيق من احزان شقيقتها لتمد يدها تمسك بيد أسيل متحدثة برفق :
_ متزعليش مني يا سيلا دا شعور و عبرت عنه مش قصدي اي حاجة 

ابتسمت أسيل بوجه شقيقتها و هي تمسد علي يدها قائلة بهدوء :
_ مش زعلانة بجد بس فارس بجد مش وحش ابداً بالعكس انتي متعرفيش هو طيب و حنين عليا اد اية

ما كادت آسيا تتحدث حتي وجدت تجمع غير طبيعي بالقرب من منزل الجد عقدت حاجبيها بتعجب و هي تهدئ من سرعة السيارة حتي تري ماذا يوجد هناك ، خفق قلبها بقوة و قد رأت زيدان مستند عن احدهم تسيل منه الدماء بغزارة ، ازدادة وتيرة حركة صدرها باضطراب و خرجت انفاسها مرتجفة برعب و هي توقف السيارة تماماً و تنزل سريعاً منها تتوجه نحو في لهفة و خوف يقرع باب قلبها دون مُبرر وضعت يدها علي فمها تمنع شهقة من الخروج و هو تقف امامه مدت يدها نحو خصره و لكنها تراجعت بخوف قبل لمسه حتي لا يصيبه اذي بسبب لمستها قبل ان تهتف بتساؤل :
_ زيدان اية اللي حصل مين عمل فيك كدا ؟

لم يكن به طاقة ليشرح لها الامر لذا هتف باختصار :
_ حادثة ، انا كويس 

اشارت اليه نحو السيارة و هي تتحدث بارتجاف :
_ تعالي هوديك المستشفى 

توجهت نحو سيارتها التي تستند عليها شقيقتها تراقب ما يحدث بفضول لهوية هذا الشخص و تعجب من ردة فعل آسيا علي ما حدث له ، اشارت آسيا اليها ان تصعد بناية الجد و تنتظر معه حتي تأتي و لم تعترض أسيل علي هذا فهي لا تفضل دخول المشفي ابداً ، فتحت الباب الخلفي تشير الي الشاب بمساعدة زيدان لصعود السيارة و ما ان اطمئنت علي استقراره حتي استقلت مقعد السائق تسرع في القيادة نحو اقرب مشفي و هي تراقب وضعه بتوتر من خلال مرآة السيارة 

***********************************
فتح عُدي عينه شديدة السواد حين انتهي اثر المخدر الذي حقنه به الطبيب منذ ساعات نظر حوله الي الظلام الذي يحيط به بلا مبالاة لم يعد يهتم بهذا الامور البسيطة العتمة بداخله تفوق الخارج مراحل عديدة منذ ان جاء الي المشفي و هو لا يتعافي بل يزداد الامر سوءاً يوماً بعد يوم و عقله لا يتوقف عن بث ذكري يوم وفاة خطيبته يرجو من الله ان يريح عقله و لو بعض دقائق فقط حتي يتذكر بعض المواقف اللطيفة التي تجمعهما سوياً و يدعو ان يقدر علي مساعدة نفسه للخروج من تلك الازمة و العودة للمنزل حيث والدته الذي اشتاقها الي حد كبير ، استند بيديه علي الفراش حتي اعتدل بجلسته يستند على ظهر الفراش بصمت ، فُتح الباب و دلف الممرض الي الغرفة و من بعدها اشتعل الضوء ينتشر بالغرفة ليغلق عدي عينه من اقتحام الضوء عتمته فجأة اقترب منه الاخر و علي يده صنية متوسطة الحجم تحمل طعامه اخذ الطاولة المتحركة لتصبح امام مباشرةً و وضع عليها الصنية متحدثاً بهدوء :
_ ياريت تأكل عشان ميعاد الدوا يا استاذ عدي 

نظر عدي الي الطعام و مد يده ليمسك الملعقة مضطر لتناول الطعام دون شهية و الاخر يحاول الابتعاد عنه حتي لا يراه و هو يخرج إبرة الحقن من جيبه ، ارتبك و كادت تسقط من يده حين تحدث عدي بصوت ضعيف :
_ اخويا جيه 

كان مجرد سؤال لكن الاخر من شدة خوفه لاكتشاف افعاله اعتقد انها حقيقة و انه اخاه الآن بالغرفة ليخبأ الابرة بجيبه من جديد و هو يلتفت لاستقبال ذلك الضابط الذي يخيفه و يبث الرعب بين ثنايا روحه و لكن لم يجد احد توجهت انظاره سريعاً نحو عدي معتقداً انه قد جن تماماً لكنه تحدث بتساؤل من جديد :
_ اخويا جيه النهاردة زيارة ؟

زفر الممرض بارتياح و هو يقترب من عدي ينفي برأسه مجيباً :
_ لا مجاش النهاردة بردو 

هز عدي رأسه دون اجابة يكمل طعامه عنوة حتي لم يعد يقدر علي وضع لقمة اخري بفمه ليزيح عنه الطاولة بعيداً ثم هتف الي ذاك الواقف امامه منتظر الفرصة لحقنه بالدواء :
_ انا عايز اخرج الجنينة 

اضطرب الممرض من بداية تفاعل عدي معه و طلب الخروج من الغرفة علي غير العادة يظل صامت حتي يأخذ ادويته و يعود الي النوم من جديد ليتلعثم بارتباك قبل ان يهتف بهدوء :
_ ممنوع يا استاذ عدي 

و ببطئ حاول الخروج عن الفراش يتحدث بتوسل اليه يريد لو يستنشق بعض الهواء عله يفيده في التحسن :
_ ارجوك خرجني الجنينة شوية بس

تنهد الممرض بقلة حيلة يخشي ان يبلغ اخاه انه منعه من الخروج الي الحديقة و يكون هذا بلاء علي رأسه ليتقدم منه يعاونه علي القيام عن الفراش وقتها شعر عدي بثقل بقدمه و كأنه هناك احجار معقودة بها ، ابتلع لعابه بصعوبة و بدأ الخوف يتسرب اليه من فكرة انها الاعراض الجانبية للادوية قد اصابته بالعجز حاول مجدداً و لكن شعر ذات الشعور لينظر الي الممرض بذعر هاتفاً بذهول :
_ انا مش قادر امشي مش قادر

ارتبك الاخر و نظر نحو قدم عدي و هو يشدد من تمسكه به محاولاً تبرير عدم قدرته علي السير قائلاً بتوتر :
_ جرب تاني يا استاذ عدي اكيد من قلة المشي 

حاول عدي من جديد و قد التمعت عينه بالدموع حين شعر بالعجز من السير علي قدمه ليرتمي جالساً علي الفراش خلفه و هو يصرخ بهستريا غير مصدق ما توصلت اليه حالته :
_ انا اتشليت مش قادر امشي علي رجلي ، اتشليت 

توقف عن الحديث ثم بكي فجأة و هو يمسد بيده علي فخذيه بمرارة هل انتهت قصته عاجز بمشفي الامراض النفسية و العصبية ، رفع رأسه الي الممرض و قد ارتسم الغضب علي معالم وجهه يصك علي اسنانه بقوة و كأن قد تحول حالة هذا الساكن المستسلم لحالته النفسية التي كادت ان تفتك به الي اخر لا يقبل بالعجز ابداً صرخ بالممرض و هو يشير نحو الباب يهدر بعنف :
_ ابعت هات الدكاترة اللي في المخروبة دي ، كلموا اخويا يجي حالاً سامع حالاً

اومأ اليه الممرض بارتعاب و قد دق ناقوس الخطر و اصبح مهدد باكتشاف حقيقة ما فعله ليفر هارباً من الغرفة متوجهاً نحو غرفة الطبيب المسئول عن حالة المريض مقرراً الهرب من المشفي بل من المدينة كاملة بعد ذلك داعياً ان يمر عليه بسلام و يقدر علي الفرار بعيداً عن قبضتهم 

***********************************
يتسطح علي فراش المشفي ملتف حول خصره ضمادة كبيرة بعد ان اسعفه الاطباء سريعاً و خصيصاً انها لم تكن اصابة بالغة بل إصابة يمكنهم السيطرة عليها و انقاذه مما هو اسوء ، و بعد رفضه رفض تام لتحرير بلاغ رسمي بالواقعة خرج الطبيب بقلة حيلة واعداً بتنفيذ رغبته و عدم ابلاغ الشرطة كان يعلم ان هذا كامل لم يقصد اصابته بل كان يركض خلف الثأر لرجولته و هو مكتفي بهذا العذر ، وقفت آسيا بجوار الفراش عاقدة ذراعيها امام صدرها و قد هدأ توترها حين اطمئنت انه بخير حال و لكن ما جعلها تشعر بالغيظ و الغضب منه اصراره علي عدم تحرير بلاغ و لم تقدر علي كبح هذا الغضب اكثر حين تحدثت بضيق متسائلة :
_ اقدر اعرف معملتش محضر لية و لية ضغط علي الدكتور عشان ميبلغش 

تعجب من نبرتها الحادة لينظر اليها بهدوء مفسراً :
_ لاني عارف انه مش قصده يأذيني 

_ بجد ؟

هتفت بها بتساؤل ساخر و هي تجلس علي المقعد المجاور للفراش ليتنهد هو بنفاذ صبر واضعاً يده علي الجرح متحدثاً :
_ انتي عايزة اية يا آسيا 

وضعت يدها علي ركبتيها و هي تميل للامام مقتربة منه تردف بانفعال :
_ عايزاك تاخد حقك عشان الاستاذ اللي مش قصده زي ما بتقول سابك سايح في دمك و هرب !

زفر بقوة و هو يغمض عينه دون الاجابة عليها لتمد يدها تلكز ذراعه قائلة بضيق :
_ ممكن ترد عليا انت ازاي تضيع حقك و متعملش محضر 

تأفف من تكرارها الي ذات الجملة و كأنه لا يقدر علي اخذ ثأره او خائف من هذا الرجل و هذا جعله ينظر اليها بغضب هادراً :
_ ما قولت انا عارف انا بعمل اية ما خلاص بقي هي شغلانة

ما كادت ان ترد عليه رداً لاذعاً لصياحه بوجهها حتي سمعت رنين هاتفها اخذت نفساً عميقاً و فتحت الاتصال تجيب علي شقيقتها و التي هتفت حين استمعت الي صوتها سريعاً :
_ آسيا انتي كويسة ، الشاب اللي كنتي خايفة عليه دا كويس

لا تعلم لما خجلت حين اخبرتها شقيقتها بصراحة انها كانت خائفة عليه الشعور التي كانت ترفض الاعتراف به لنفسها منذ جاءت به الي المشفي لتحمحم حتي تتدارك الموقف قائلة بهدوء :
_ كويسة يا حبيبتي و زيدان كمان كويس شوية و هيخرج 

سألت شقيقتها بتعجب :
_ هتستني معاه لحد ما يخرج ؟

نظرت اليه و هي تجيبها بتحذير قائلة :
_ اه هي كلها ساعة ان شاء الله و هاجي بس اوعي تمشي من عند جدو 

اغلقت الهاتف بعد ان ودعتها و قد شعرت بالارتباك حين واجهتها شقيقتها بحقيقة خوفها علي زيدان و هذا ما لا تقدر علي انكاره فقد كانت في حالة لم تشهدها من قبل من ذعر شديد اصابها فجأة و هي تراه بحالته تلك ، تأففت بضيق من تلك المشاعر التي تقتحم سكون حياتها لتحاول ازاحة هذا التفكير عنها حين التفتت اليه تتحدث بضيق و حدة لعلها تستطيع ابادة هذا الشعور :
_ اختي كانت جاية تقضي معايا انا و جدو اليوم و بسبب شهامة حضرتك يا شيخ الحارة انت بوظت تخطيطي 

رمش باهدابه عدة مرات من هجومها المفاجئ عليه و اتهامه بهدم سعادتها اليوم ليشير الي نفسه قائلاً بدهشة :
_ هو انا قولتلك اقعدي معايا 

استكمل حديثه مشيراً الي باب الغرفة قائلاً ببساطة :
_ اتفضلي امشي 

اتسعت عينها بصدمة و اشارت بيدها اليمني الي نفسها و اليسري الي الباب متسائلة بعدم تصديق :
_ انت طردتني دلوقتي ؟

نفي بهدوء متحدثاً لايضاح ما حاول فعله الآن :
_ لا ، بس مش عايزك تبوظي خططك عشاني 

انفعلت من طريقته معها و هي التي كانت تسابق الريح حتي تنقذه من الموت منذ قليل و دون التفكير في حديثها هتفت :
_ و انا كنت اشتكتلك 

لم يستوعب جملتها ماذا كانت تفعل منذ قليل الم تشتكي انه دمر متعتها التي كانت تخطط لفعلها مع شقيقتها و كأنه اجبرها علي ترك شقيقتها و الذهاب معه ليشير الي رأسه قائلاً :
_ انتي عبيطة يا آسيا !

تأففت بقوة دون ان تنطق بحرف اخر تلوم نفسها علي عدم اتزانها لمجرد شعور بسيط بالخوف علي أحدهم صمتت و هو يحاول الهدوء و تمالك نفسها قليلاً و في محاولة منها لمحو حماقة حديثها السابق نظرت اليه باستفهام و كأنها لم تسمع منه رداً علي سؤالها التالي من قبل :
_ هو انت معملتش محضر لية ؟

وضع يده علي رأسه المتألم غير مصدق تصرفاتها الغريبة علي ما اخذ من انطباع اخر عنها ثم صرخ بها بانفعال :
_ قـومـي روحــي مش عايز حد معايا 

***********************************
ازدادت وتيرة انفاسها و ارتجف قلبها بين اضلاعها باضطراب شديد حين وطأة قدمها الحي الذي تسكنه عمتها شعور مؤلم يغزو روحها و ذكريات الماضي تتدفق الي ذهنها لتأذي روحها المتألمة ، تجمدت قدمها تماماً دون ارادة منها عند بناية معين يعلمها قلبها جيداً ، سقطت اولي عبراتها علي ما آلت اليه حياتها بعد ان ظنت ان السعادة ستكون حليفة لها طوال حياتها خاب ظنها و قد كانت علي باب تلك السعادة الذي اغلق بوجهه بقوة مهينة و استقبلت ما بعد ذلك من ألم و حسرة ستلازمها دائماً ، رفعت يدها تمحو تلك الدمعة عن وجنتها و اجبرت قدميها علي التحرك عنوة من امام البناية و ما ان خطت نحو وجهتها تتخطي البناية حتي سمعت صوت هي أكثر من تعلمه تحفظ نبرته و لو مر عليها ألف عام :
_ رُقية !!

خرجت منها تنهيدة حارة تنب عما بداخلها من ألم حين سمعت نبرته المذهولة من تواجدها في نفس المكان من جديد بعد سنوات شجعت نفسها حتي تلتفت اليه و بالفعل التفتت ببطئ شديد و كأن هناك قوة خفية تحارب لكي لا تلتفت اليه كما كانت هذه القوة دائماً موجودة معها تساعدها علي دفن مشاعرها و عدم التفكير به و تذكرها دائماً باستحالة تواجدهما معاً و ان كُتب عليهما الفراق منذ البداية ثم بعد خطبتها اخذت تلك القوة تذكرها بارتباطها دائماً ، اصبحت امامه وجهاً لوجه استطاعت السيطرة علي دموعها لكي لا تفضح اشتياقها الذي تخبئه دائماً كما تخبئ مشاعرها اتجاهه الآن و بكل وقت منذ افتراقهما لتهمس بصوت مختنق يكاد يخرج منها :
_ ازيك يا آدم عامل اية ؟

اما عنه كان يقف متجمد من صدمة رؤيته لها بعد تلك السنوات التي تألم فيها لفراقها بما يكفيه لم يكن يصدق هذه الصدفة لذا همس بأسمها بذهول و ما جعل صدمته تتضاعف انها لم تكن سراب كما كان يعتقد بل هي حقيقة امامه تنظر اليه و تسأله عن احواله ايضاً يدور سؤال واحد فقط بدهنه الآن هل يجوز له ان يركض اليها ملتقطاً اياها داخل احضانه ، دارت عينه عليها باشتياق واضح بلمعة عينه و لاحظ انها ذبُلت كوردة لم تروي منذ مدة طويلة عينها التي دائماً كانت لها وميض مميز لم يعد موجوداً الآن جسدها الذي اصبح هذيل كم شعر بالألم بحالها الجديد و كم تمني لو كان الي جوارها ليمنع عنها اي اذي قد اصابها ، اقترب خطوة منها بتلقائية و عينه لا تنزاح عن وجهها الذي اشتاقه و لم تخرج من فمه سوا كلمة واحدة كانت اصدق ما يمكن ان يقول بهذا اللقاء :
_ وحشتيني 

كان يعلم انه هذا مُحرم علي الآن في حين أنها متزوجة من رجل اخر و لكن لم يقدر ان يمنع نفسه من البوح بما بداخله ضارباً بتحذيرات عقله عرض الحائط بتلك اللحظة ، امتلئت عينها بالدموع و لم تعد قادرة علي كبحها اكثر من ذلك كلمة واحدة كانت قادرة علي انهيارها تماماً وضعت يدها علي فمها و اليد الاخري تتمسك بذراع الحقيبة بقوة لتتماسك لم تقدر علي الرد عليه و لم تقدر علي تركه و التوجه الي منزل عمتها تختبئ به عن دوامة الاوجاع التي ابتلعتها من جديد و همسته التالية كانت بمثابة سكين اصابة منتصف صدرها :
_ انا اسف 

انهيارها أمام كلمته لم يمر عليه مرور الكرام انما شعر بالاختناق الشديد و عادت نفسه تلومه علي عدم التصدي لما تعرضه له سابقاً و تقتنعه كان من الممكن ان يتغير كل شئ لمجرد الوقوف بوجه تلك الامواج القاسية التي ضربت حبهما بقوة و اخذته معها حيث الاعماق و لم يعد بيده الآن سوا الاعتذار لها لعل هذا يفيد بشئ و لو بسيط ...

مسحت علي وجهها تمحي تلك الدموع الحارة التي الهبت داخلها و نفت برأسه تخبره بشكل مباشر ان هذا لم يعد يفيد بشئ اغلقت صفحات قصتهما و كانت النهاية مؤلمة :
_ مش بايدينا ، النصيب حكم و معدش له فايدة الكلام 

تنهدت بقوة قبل ان تجبر شفتيها علي الابتسام ابتسامة باهتة و هي تمد يدها لمصافحته قائلة بهدوء :
_ مبسوطة اني شوفتك بخير يا آدم 

احتوي كف يدها يصافحها و مد يده الاخري يربت علي كفها بحنو متحدثاً بصدق دون التفكير في الحديث حتي :
و انا كان كل املي اشوفك تاني يا رُقية 

تعليقات



×