رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثالث و الثمانون 83 بقلم سهام صادق




رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثالث و الثمانون بقلم سهام صادق


حاوطتها نظرات زميلاتُها بنظرة ثاقبة ومُترقبة وكأنهن ينتظرن رؤية ردة فعلها نحو تلك الجميلة التي اتجه إليها زوجها ، نظراتهم التي كانت منذ لحظات تحمل إنبهارًا صارت الآن تحمل فضولًا وترقبً.
لم تتحرك "زينب" من مكانها بل وقفت مثلهن تنظر إليهم وقد ضاقت حدقتاها بنظرة شَزْراء تحولت إلى لهيبٌ مُشتعل عندما اقتحم رأسها فجأة أمرًا أصابها بالتساؤلات، كيف عرفت وجودهم هنا ولو كانت مصادفة، هل سيتصادفون أيضًا في مكان الأقامة ؟

_ مين المادموزيل الحلوة ديه يا "زوزو". 

سؤال السيدة "كاميليا" مديرة المعهد انتشلها من أفكارها ،لتلتف سريعًا نحوها. 
وضعت السيدة "كاميليا" يدها على كتفها وأشارت برأسها نحوهم واستطردت قائلة:

_ أوعي تقوليلي إنك واقفة كده متعرفيش جوزك واقف مع مين.

نظرة السيدة "كاميليا" إليها جعلتها تبحث عن ردٍ سريع. 

_ ديه صحفية عملت معاه لقاء من قريب ، وأهلها أصدقاء العيلة. 

ابتسمت لها السيدة "كاميليا" ثم أومأت برأسها عدة مرات. 

_ صحفية و جميلة وصديقة للعائلة الكريمة...

خرجت تمتمت السيدة "كاميليا" بنبرة تهكمية ثم اطلقت زفرة طويلة وهي تدفعها بخفة من أمامها. 

_ استعجلي لينا الكابتن عشان نبدء جولتنا ولا حضرت الصحفية جاية تعمل معاه لقاء هنا. 

هذه المرة كانت نبرة السيدة "كاميليا" واضحة ، إنها مُستاءة من وقوفها هكذا لكنها لا تعلم أن حياتها مع "صالح" مختلفة عنهن. 
زجرتها السيدة "كاميليا" بنظرة لأول مرة تراها في عينيها حتى تتحرك. 

تنهد "صالح" بضيق من ثرثرتها العجيبة التي لم يفهم منها شئ،فاشار إليها حتى تصمت قليلًا وتعطيه فرصة للحديث. 

_ الظاهر إن وجودك هنا مش صدفه ولا عندك حتى رد على سؤالي ، فعموما رحلة سعيدة يا "رغد". 

فظ وغليظ القول يعلم هذا، لكنه مُجبر على تلك الطريقة معها حتى تفيق من حِلم المُراهقة الذي ما زال يآسرها. 

توقدت عيناها بنظرة ساخطة وتمنت لو استطاعت صفعه لكنها مجبرة على استقبال حديثه بابتسامة واسعة حتى تثأر لكرامتها منه. كاد أن يتحرك إلا أنها التقطت ذراعه. 

_ هو ده ترحيبك بيا "صالح". 

اندهش من تصرفها بعد حديثه الذي ظنه صفعةٌ قوية لها حتى يقطع حبال الأمل لديها. 

_ "رغد" اِلزمي حدودك معايا ، وياريت تكوني أد كلمتك يومها... وشعورك ناحيتي يكون أتغير. 

قالها وهو ينفض يدها عنه ، فأسرعت بالنظر حولها خشية من ملاحظة أحد فعلته. 

تنهد بضيق عندما رأى الدموع تحجرت في عينيها ،فهو لم يعد يحب فظاظته الغليظة ولم يعد ذلك الرجل الذي كرهته منذ سنوات لكنه لا يحب صورة الراجل المراوغ. 

_ "رغد"، أسوان فيها فنادق كتير هتعجبك... ياريت تشوفي مكان تاني. 

هل يطلب منها الرحيل ؟ هل يظن نفسه إنه محور الكون؟ 
رددت ذلك داخل نفسها حتى تزيد من كرهها له و يا لها من حمقاء بائسة ، فهي كانت كاذبة عندما أخبرته ذلك اليوم أنها تكرهه ولم تعد تلك المراهقة التي رفضها مُتعللًا أنها مازالت صغيرة لِتفكر في أمور مثل هذه. 

اِقتراب "زينب" منهم جعلها تنفض ضعفها بعيدًا وسرعان ما اِفتر ثغرها عن ابتسامة عريضة وقالت بغنج تعمدت أن يطغو على نبرة صوتها الناعمة. 

_ معقول مش مبسوط من وجودي هنا يا "صالح". 

تجهمت ملامح وجهه وقد فهم سبب تحولها السريع عندما اخترق صوت "زينب" أذنيه. 
_ "صالح".. 

نظرته إليها جعلتها تشعر بلذة عجيبة خاصة عندما وجدت القلق ارتسم على ملامح وجهه.
 
استدار سريعًا نحو "زينب" معتقدًا إنه سيرى منها نظرة لن تروق له. 

_ مش تعرفنا يا حبيبي. 

لفظها لتلك الكلمة التي لا يسمعها منها أذهله وجعله يفتح فاه في دهشة وقبل أن تمهله فرصة حتى يستوعب ما تفوهت به ، تساءَلت. 

_ أنا حاسه إني شوفتك قبل كده ، أيوه افتكرت خلاص. 

رفرفت "رغد" أهدابها بغرور ثم رفعت كتفيها بخيلاء. 

_ أكيد عرفتيني من اللقاء الصحفي مع كابتن "صالح" ، أو شوفتي فيديوهاتي المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي أو مثلا عرفتي إني بابي الدكتور "منتصر" صديق عمو "صفوان". 

لم تزول ابتسامة "زينب" بل التمعت عيناها بنظرة غريبة جعلته مقطب الجبين مُنتظرًا ردة فعلها. 

_ معقول يا حبيبي نسيت تقولي معلومة زي ديه، لأ أنا زعلانه منك. 

ورغم معرفتها الضئيلة بصداقة العائلتين إلا إنها قررت إظاهر دهشتها. 

يدها التي امتدَّت للمصافحة وتلك الابتسامة التي مازالت تُرافق شفتيها جعلت صالح ينظر إليها بنظرة ثاقبة. 

...
 
اِختفت ابتسامة "بيسان" وتوقفت عن الكلام مع أحد الموظفين. 

_ حضرتك معايا يا فندم. 

تساءَل بها الواقف جوارها، فاخفضت رأسها سريعًا حتى تستطيع تمالك نفسها. 
أومأت برأسها واعطته الأوراق التي بيدها. 

_ راجع الشروط كويس وياريت بكره بالكتير الاقي تقرير على مكتبي بالملاحظات. 

تحرك الموظف من جانبها في اللحظة التي أبصرت فيها "سمية" وجودها ولم تخفىٰ على "سمية" نظرة "بيسان" نحو "كارولين". 

أشارت إليها "سمية" ثم نادتها حتى تلفت نظر ذلك الذي لا تعرف ما به اليوم. 
_ "بيسان"... 

هتاف والدته باسمها أصاب قلبه برجفة وابتلع ريقه دون قدرة على رفع عيناه التي يُداريها وراء نظارته السوداء والتي قرر ارتدائها حتى لا ينتبه أحد على إحمرار عيناه وتلك الهالات التي بَدَتْ بوضوح حولهما.
 
أقتربت منهم "بيسان" بعدما تخلصت من تلك الغصة التي اصابت حلقها ثم ابتسمت. 

_ "بيسان"، "كارولين" من النهاردة هتشتغل معانا...
قالتها "سمية" وهي تنقل نظراتها بينهم. 
لم يرفع "سيف" عينيه نحوها وتمتم مُعتذرًا. 

_ عن إذنكم رايح مكتبي.

رمقته "بيسان" بنظرة ساخرة وهي تُحرك أصابعها على بنصرها الذي يُزين خاتم خطبتها. 

_ نورتي الشركة يا "كارولين" وإن شاء الله الشغل معانا هيعجبك. 
فعلتها التي تعمدتها ؛ التقطها بطرف عينه ،فتخطى مكان وقوفهم لكنه توقف جامدًا. 

_  "فارس" هيجي يتعشا معانا بكره. 

تعمدت أن تقولها حتى تذيقه من كأس تجرعته طويلًا ،فابتسمت "سمية". 

_ يشرف و ينور أكيد يا حببتي ،إيه رأيك يا "سيف" تيجي تتعشا معانا بكره. 

القت "سميه" بكلامها ثم استطردت بعدما برقت عيناها بنظرة مُنتشية. 

_ عشان تتعرف عليه... ما "بيسان" زي  "نيرة" ولازم يعرف إن ليها أخوات. 

حديثهم الدائر ونظراتهم كانت واضحة و لم تكن "كارولين" غافلة عن سعي سمية الدائم لتزويجها من "سيف". 
... 

حدقت" شهد" بسقف الغرفة شاردة ثم انسابت دموعها بخزي وهي تستمع إلى صوت والدتها القريب من غرفتها. 

_ سيبها يا "سعيد" خليها نايمه ،طول الليل بتذاكر وعندها امتحان مهم بكره. 

_ محدش مدلع البنت ديه غيرك. 

تنهدت "عايدة" بصوت قوي قائلة :

_ هو أنا عندي غيرها يا "سعيد" وكمان خليها تدلع الحمدلله رفعت راسنا وبقت دكتوره اد الدنيا. 

مط "سعيد" شفتيه باستياء من تلك الأسطوانة التي صارت مُتكررة على لسانها. 

_ يعني عشان هتكون دكتورة تفرعنيها عليكي أكتر. 

كتمت "شهد" صوت بكائها واتجهت نحو باب غرفتها توصد غلقه بإحكام. 
...
 
جلس العم "سعيد" زافرًا أنفاسه بقوة وقد ترك أمر "شهد" جانبًا. 
حاول مرارًا أن يلجم لسانه عن هذا الحديث إلا إنه وجد نفسه سيختنق إذ لم يتحدث. 

_ بقولك إيه يا "عايدة". 

فور أن قال عبارته التي يتبعها حديث لن ينتهي إلا بمناكفتهم الحادة. 

_ قول يا "سعيد"، قول يا أخويا ... أنا عارفه وجودك في البيت وفي الوقت ده ورا موضوع شاغل دماغك. 

رمقها بنظرة ماقتة، فتنهدت "عايدة" بسأم. 
_ يا "سعيد" الله يكرمك عندي طلبيه عايزه أسلمها. 

قالتها ثم التقطت القطعة التي تقوم بتطريزها لكن يديها تجمدت عليها. 

_ ما تاخدي" ليلى" للدكتوره تشوفي الحمل اتأخر ليه. 
 
تركت "عايدة" تلك القطعة مجددًا وهزت رأسها بيأس. 

_ برضو يا "سعيد" لازم تتدخل في كل حاجة. 

_ يا "عايدة" اسمعيني، البيه ملهوف على طفل وهما بقالهم تلت شهور متجوزين. 

امتقعت ملامح "عايدة"، فهم لا دخل لهم بأمور كهذه إلا إذا طلبت منهم "ليلى". 

_ "ليلى" مطلبتش مني أروح معاها للدكتوره، يبقى مندخلش يا "سعيد" و أنت قولت بنفسك تلت شهور متجوزين... تفتكر هنقلق وندور على الخلفة بعد تلت شهور ، "سعيد" الله يكرمك سيبني أكمل شغلي. 

لم يروق له حديثها و نهض من أمامها مُتأففًا. 

_ "سالم" بيه الله يرحمه أول ما اتجوز " سميه" العقربة حملت علطول. 

الجمت الصدمة ملامح" عايدة" ،فهل شقيقها يُقارن في أمور كهذه.

_ أنت بتقول إيه يا "سعيد" ، لأ أنت تقوم تمشي رجلك شوية ومتفكرش كتير.

_ شوفتي الواحد ميعرفش يتكلم معاكي كلمتين، أنا مش عارف ليه صابر عليكي أنتِ و جوزك و بنتك وعايش معاكم لحد النهاردة.

سار من أمامها، فأسرعت ورائه تجتذبه من ذراعه.

_ "سعيد" بلاش تفتح الموضوع ده مع "ليلى" ولا حتى
"عزيز" بيه ،ديه حاجة خاصه بيهم.

_ بس أنا سمعت "عزيز" بيه بيقول لــ "نيهان" بيه إنه مستني اليوم ده بفارغ الصبر..

واستطرد قائلاً بعدما عاد لجلوسه على أحد المقاعد القريبة منه. 

_ البيه بقى قلقان يا "عايدة" ... ده طول عمره كان شايف ولاد اخوه هما أحق بفلوسه ومهما اقول يا بني تعبك ده كله لـ مين، يقولي لـ ولاد أخويا. 

هزت "عايدة" رأسها متفهمه ، فهى تعلم بمدى تمني شقيقها لهذا الخبر لكن بالنهاية الأمر لا يعنيهم. 

_ إن شاء الله قريب نفرح يا "سعيد" لكن بلاش تتكلم في حاجة زي ديه لو بتحب "ليلى" بلاش تسألها أنت عارف هي حساسه وخجوله إزاي. 

وبمُهادَنة سألته بعدما ربتت على كتفه. 

_ مش أنت بتحبهم يا سعيد. 

أسرع بهز رأسه مُجيبًا بصدق. 

_ وده سؤال "عايدة"، ده البيه غالي على قلبي أوي و "ليلى" ربنا وحده عالم من ساعت ما جات هنا وعاشت وسطينا وأنا بعتبرها بنتي. 

ولأنها تعلم طبيعة شقيقها ،استمرت في مُهادَنته. 

_ يبقى ما دام بنحبهم ندعلهم لحد ما يفرحونا بالخبر. 

_ امتى يا  عايدة" ؟
ضحكت رغمًا عنها. 

_ أه لو تريح دماغك شوية يا" سعيد" ، هترتاح و تريحنا. 
... 

لقد صار يحفظ خلجات وجهها و ردود أفعالها حتى تلك الابتسامة التي ترسمها على شفتيها غصبًا و لا تعلم إنها أصبحت شفافة بالنسبة له... وآه منها ألف آه. 

_ كان لازم تيجى أسوان يا" رغد" ، لازم أعرف مين قالك على مكان إقامتنا. 

تمتم بها" صالح" حانقًا بعدما أخفض رأسه، فهو يشعر بضيقٍ شديد في صدره لكن ضيقه تلاشى سريعًا وهو يسمع صوتها الذي صدح نبرته بحماس وهي تُخبرهم إنها ستقص عليهم أسطورة إيزيس وأوزوريس. 

تحمس زملائها ورغم أن البعض يعرف جزء من تلك الأسطورة الشهيرة إلا أنها كانت منها مختلفة. 

توهجت عيناه بنظرة حانية التقطتها عيناها؛ فاصابتها برعشة خفيفة وكادت أن تتعثر في وقوفها. 

وقفت بمنتصف المركب الشراعي الذي أخذ يتمايل بهم بخفة على نهر النيل وقد احاطت الجزر الخلابة ضفافه. 

إنها يومًا بعد يوم تخطف فؤاده، تخطفه بصورة الطفلة والأنثى. 
الجميع حول نظراته نحو ضفاف النيل إلا هو كانت عيناه عليها ومعها. 

خفق قلبه عندما وجدها تنظر إليه بعد أن انتهت، هو وحده من أخذ يسمعها بإنصات. 

انتهت من سرد القصة وكان هو أولهم من ارتفعت كفوف يديه وأخذ يصفق لها بحرارة. 

انفرج ثغر السيدة "كاميليا" وأشارت برأسها إلى ابنتها التي تعد هي مرشدة الرحلة وقد دفعت "زينب" إلى القيام بدورها بعدما رأت طريقتها بالحديث وعلمت منها إنها محبة للتاريخ والأثار
 كــ والدها رحمه الله. 

_ "زينب" ديه بتفكرني بنفسي وأنا في شبابي. 

قالتها السيدة "كاميليا" بهمس خافت ،فابتسمت ابنتها لها. 

_ وبابا طبعًا يشبه الكابتن يا مامي. 

ضحكت السيدة " كاميليا" بخفة و هزت رأسها مؤكدة. 

_ عارفه إنك حبيبت أبوكي بس مقدرش أنكر إنه ديما معايا وفي ضهري. 

نهض "صالح" من مكانه حتى يلتقط يدها ويجتذبها إلى جواره بعدما هربت من مجاورته عند صعودهم المركب وتحججت بأنها ترغب بالتحدث مع السيدة "كاميليا". 

_ أنا شايف إنك تقومي بدور المرشدة السياحية. 

نظرتها إليه والتي لانت قليلًا شجعته حتى يسألها. 

_ معقول تكوني شكيتي يا " زينب" إن أنا دعيت "رغد" لرحلة أسوان وأخترت ليها نفس فندق إقامتنا. 

عبست بشفتيها واشاحت وجهها عنه حرجًا ، فتنهد بثقل. 

_ مش عارف هعمل أكتر من كده إيه يا "زينب" عشان تصدقي إني بحبك بجد وإنك الست الوحيدة اللي قدرت تملك قلبي. 

خرج صوته بنبرة حزينة، فكُلما شعر بالأمل معها..اضاعته.

_ زي ما قولتلك القرار قرارك وعمري ما هغصبك على حاجة وخليكي متأكده إني هفضل أحبك لآخر يوم في عمري لأنك تتحبي بجد يا "زينب". 

تسللت كلماته إلى قلبها العطش، قلبها الذي عاد يرتوي من جديد معه لكنها تخاف أن تعود مُحلقة في سماء الحب ثم يسقطها مرة أخرى إلى الهاوية. 

تلاقت عيناهم في نفس الوقت الذي توقف فيه المركب وتعالت وتيرة أنفاسهم معًا. 

انتصب في وقفته أمامها ثم نظر إليها وهو يمدَّ يده وعلى ثغره انشقت ابتسامة خفيفة اخفى ورائها قهرته. 

_ خلينا نستمتع بالرحلة وننسى كل حاجة. 

وها هي جولتهم في معابد الفيلة تبدء ، انقسموا على شكل مجموعات صغيرة ولم تكن مجموعتها سوى من زميلاتها وأزواجهن حديثين الزواج مثلهم. 

ابتلعت ريقها وهي ترى زميلاتها كيف يحتضنون ذراع أزواجهن بحب وقد ظنت أنه لن يفي بوعده لها ويجعلها رحلة سعيدة. 

_ هاتي أيدك يا عنيده ، وسيبي نفسك ليا بقى. 

ولن تستطيع إنكار أنها اليوم عاشت معه شعورًا مُختلفًا ،شعور لا تشعر به المرأة إلا في كنف من يحبها. 

ضحكت وهللت كالأطفال والتقط معها كل لحظة يتمتعون بها من خلال كاميرته الحديثة. 

_  "صالح" الصورة ديه وحشة، أمسحها. 

قالتها بتذمر ثم حاولت التقاط الكاميرا منه لكنه رفع يده عاليًا رافضًا طلبها. 

_ ولا صورة ولا مقطع هيتمسح.. كل حاجه هتفضل عشان نقعد نفتكرها سوا. 

انكمشت ملامحها بتذمر لكن في داخلها كانت سعيدة وراغبة بكل لحظة معه. 
...
 
تجهمت ملامح "عزيز" عندما وجدها تقف ورائه في غرفة مكتبه وقد انشغل في مكالمته الهاتفية ولم ينتبه على وجودها. 

_ خير.. 

ابتلعت "كارولين" لعابها ،فهي أتت لتخبره بما رأته ليلة أمس لكن نظرته لها أرعبتها.

_ أنا مش قولت أي مكان أكون في لوحدي متكونيش موجوده في. 

_ أنا لا أفهمك ؟

هذه العبارة دائمًا تُرددها له عندما يُرهبها بنظراته إليها. 

- استغفر الله العظيم، اتفضلى بره. 

_ أنا أردت أن أخبرك بشئ هام. 

قالت عبارتها بعربية ركيكة ،فامتقعت ملامح "عزيز". 

_ مع إن عندك "سيف" تقدري تقولي له لكن قولي بسرعه لأن مش فاضي. 

قالها وهو يتحرك من وراء طاولة مكتبه وقد ظنته سيأتي ليقف قبالتها لكنه اتجه نحو الباب الذي أغلقته وفتحه. 

حدجت في فعلته بدهشه ،فهل ستتحدث والباب مفتوح على مصراعيه. 
_ هل سنتحدث والباب مفتوح؟

رمقها "عزيز" بنظرة ساخطة وصاح بها. 

- دقيقة واحدة لتتكلمي فيها أو تطلعي من هنا وليكي جوز تقدري تتكلمي معاه. 

_ لا، لا الأمر هام... سأتحدث. 

...

 
تنهدت "زينب" بعمق واشاحتُ وجهها للجهه الآخرى وهي تسمع ما يُخبرهم به موظف الأستقبال عن دعوة "رغد" لتناولهم طعام العشاء معها في مطعم الفندق. 

سحبها "صالح" ورائه قائلًا:

_ أنا تعبان و أنتِ كمان تعبانه فمحتاجين ننام. 

زمت شفتيها باستنكار ونظرت نحو يده التي تسحبها. 

_ طيب براحه لأني مش حاسه برجلي. 

_ أشيلك. 

جوابه أتى دون تفكير ،فاندهشت عندما وجدت إنه بالفعل سيحملها. 

_ أوعى تعملها. 

قهقه بخفوت ونظر حوله. 

_ وفيها إيه، محدش بقى يركز مع حد. 

_“صالح“ 

نطقها لاسمه بتلك الطريقة جعلته يرفع ذراعيه مستسلمًا لقرارها. 

_ أنتِ حره، أنا بحاول أكون راجل جينتل بكل المقاييس. 

_ شكرا... 

تمتمت بكلمة شكرها ،فابتسم. 

_ حاسس إنك بتقوليها من تحت الضرس. 

وكزته في ذراعه بمرفقها قبل دلوفهم إلى غرفتهم قائلة بصوت مستاء. 

_ هبقي اقولها بعد كده بطريقة ألطف.
 
...
 
قذف "مراد" الهاتف من يده بعدما ضجر من ردها عليه. 

_ بكره هعرف بنفسي مبترديش ليه يا سيادة المستشاره، أما نشوف اخرتها معاكي. 

في هذا الوقت كانت "زينة" تُراسل "هشام"، تُخبره عن رغبتها في رؤيته وتتوسله ألا يُعاملها بهذا الجفاء. 

أغلق "هشام" هاتفه والقى به على طاولة مكتبه متمتمًا. 
_ كده احسن ليك يا "هشام". 
...
 
نظر "صالح" إلى باب الحمام المُغلق ثم للوقت متسائلًا. 

_ هي بتعمل إيه كل ده ؟ 

تحرك بالغرفة ثم زفر أنفاسه، فهو قرر انتظارها حتى يقرر معها ماذا سيفعلون في أمر نومهم سويًا ليلة أخرى على الفراش. 

ارتفع رنين الهاتف برقم والده، فـ رد مُتلهفًا معرفة ما هاتفه من أجله ظهرًا لكنه لم يُجيب على مكالمته. 

_ من قبل ما تسألني عن وجود "رغد"، أنا اقترحت عليها تروح تقضي كام يوم في أسوان ما دام أنت و "زينب" موجدين. 

عقد "صالح" حاجبيه ثم التوت شفتاه بسخرية. 

_ كنت فاكر ده تصرف دكتورة "حورية" لكن يكون منك أنت استبعدت ده بصراحه. 

اخفض "صفوان" عينيه وتوقف عن سيره نحو سيارته المصطفة أمام المشفى. 

_ مش فاهم وجود "رغد" مضايقك ليه؟

احتقنت ملامح "صالح"، فوالده لا يرد على سؤاله ويسأله لِما هو غاضب من تصرفه. 

_ دكتور "صفوان" أنا و أنت عارفين كويس أنت عملت كده ليه. 

صوته الغاضب أجتذب انتباه "زينب" ،فاقتربت من الباب حتى تسترقي السمع. 

استجمعت ما فهمته من حديث بينهم حتى عرفت من وراء وجود "رغد" هنا. 

اطلقت زفيرًا طويلًا قبل تُحكم غلق حزام مئزرها ، فهي قررت النوم بجانبه الليلة باحدى الغلالات التي احضرتها معها. 

تنفست مرة أخرى بعمق وأخذت تهتف داخل نفسها. 

_ مش هتعرفي توصلي له ردك غير كده. 

انتظرت حتى هدأت دقات قلبها ثم فتحت الباب ببطء. 

توقف عن حديثه المُحتد مع والده واستدار بجسده بعدما أستمع إلى صوت فتح الباب. 
َوبعدما كانت وتيرة أنفاسه تعلو غضبًا صارت تعلو بتهدج وبشعور أخر سلب أنفاسه. 

اربكتها نظرته المُحدقه بها ، فتحاشت النظر إليه ثم 
تحركت أمامه بغنج وقد كشف ذلك المئزر الطويل ما ورائه من فتحتين طرفيه عند جلوسها على الفراش وبدأت في تدليك قدميها ثم ساقيها.... والدعوة كانت الليلة صريحة. 
❤️❤️❤️❤️


دارت بعينيها بينه وبين الباب الذي فتحه ووقف عنده منتظرًا سماع حديثها، ثقل لسانها وارتجف جسدها وهي تستمع إلى صوت أنفاسه التي يطلقها بقوة وكأنه لا يطيق وجودها. 
اخفضت "كارولين" رأسها وبرقت عيناها بسخرية ، فهو بالفعل لا يطيق رؤيتها وكأن بينهم عداءٍ منذ زمنً طويلًا. 
تنهدت بصوت خفيض ورفعت رأسها حتى تقف أمامه بثبات وتقص عليه ما قررت نسجه بخيالها. 

_ أنا معنديش وقت أضيعه وأنا مستنيكي تتكلمي. 

صوته الذي أعتادت على حدته أصابها بالذعر من القادم، فهي تعلم بمكانة ذلك السائق وعائلته لديه خاصة بعد زواجه من "ليلى". 

_ اتفضلي أخرجي وخدي الباب في أيدك. 

هتف بها "عزيز" بعدما أتجه مرة أخرى نحو طاولة مكتبه وتعمد الوقوف أمام النافذة مُعطيًا لها ظهره. 

_ لا استطيع الحديث معك، أنت دائم الصراخ حتى إنك لا تعطيني فرصة منذ أن وطأت قدماي هذا المنزل. 

قالتها بنبرة مهزوزة متحشرجة ، فالتوت شفتيّ "عزيز" بتهكم. 

_ أنا لا بفهم كلامك ولا أنتِ بتفهمي كلامي.. فياريت أي كلام مهم عندك تقولي لـ "سيف" ودلوقتي كمان في "سمية" هانم بشتغلي عندها. 

وأردف بنبرة حملت سخرية مبطنة.
 
_ "سمية" أكتر واحده هتعرفي ترتاحي معاها بالكلام. 

حينما التقطت اسم "سمية" ، ارتسمت على شفتيها عبوسًا. 

_ هي لا تحبني. 

تَجَلَّى التهكم عل وجه "عزيز" و استدار برأسه باستدارة سريعة ثم عاد يُحدق بزجاج النافذة وبنظرة قاتمة خرج صوته بهمس. 
_ لأنكم شبه بعض. 

تحركت" كارولين" نحو طاولة المكتب وقد شجعها هدوئه المُفاجئ لكن عندما التف نحوها بكامل جسده عاد الفزع يحتل قسمات وجهها. 

_ "سيف" لم يعد يحبني. 

قطب جبينه مدهوشًا من حديثها الذي نطقته فجأة، اسرعت بخفض عيناها حتى لا يسْتَشَفَّ بفراسته ما تخفيه. 

_ إنه صار مغرم بـ "بيسان". 

وانسابت دموعها بحرقة أجادة تصنعها ، فهي كل يوم تتأكد أن المرأة التي يُفضلها عزيز كمثيلات "ليلى"... وعليها أن تصبح مثل صورتها حتى تجتذب عيناه إليها. 

تجمدت ملامح "عزيز"، فهو لم يقبل اِستمرار زواج ابن شقيقه منها إلا من أجل أن يقضي على أمل "سمية" في أمر زواج "سيف" مع ابنة "هارون". 

حدجته بنظرة ثاقبة متفرسة، فالجمود الذي ظهر على ملامحه جعلها تُدرك ما لم يلفت انتباهها من قبل إلا الليلة ... هذا الرجل لا يقبل بها كزوجة لأبن شقيقه إلا من أجل غاية في نفسه. 
ازدرد لعابه ثم اخفى تجهم وجهه و التقط هاتفه قائلًا :

_ خلصتي كلامك، اتفضلي. 

اِتسعت عيناها ذهولًا من ردة فعله، فكرر كلامه هذه المرة بحزم. 

_ بيتهيألي مافيش كلام تاني عايزه تقولي. 

اِندهاشها من تصرفه أصابها بالخرس ، فهل يستقبل حديثها هكذا دون أن يُعلق بشئ بل وعاد لطريقته الفظة معها بالكلام. 

ابتلعت ريقها ونظرت إليه وسرعان ما توهجت عيناها بلهفة وأمل عندما رأته يبتسم لكن آملها زال في لحظتها واحتلت الخيبة ملامحها. 

_ حبيبتي تعالي، مالك واقفة عندك كده.. قربي. 

دلفت ليلى إلى الغرفة وفي نظرة عيناها تساؤلًا عن سبب وجود "كارولين" في غرفة مكتبه. 

_ هو في حاجة حصلت؟ 

تساؤلها البسيط الذي لم يحمل إلا القلق جعل شفتيه تتسع بابتسامة عريضة. 

_ بتشتكي ليا من "سيف" لأنه مقصر معاها بسبب شغله في الجامعه والشركة. 

_ هو فعلا وجوده في البيت قليل، أنت ممكن تلفت نظره يا "عزيز". 

حرك رأسه ومازال ينظر إليها مبتسمًا ثم رمق "كارولين" بنظرة شَزْرة. 

_ على فكرة "سيف" بيحبك بس هو شخص طموح وفي بداية مشواره، فهو عايز ينجح وأنتِ أكيد هتفتخري بي لما يكون شخص ناجح والحمدلله جتلك فرصة حلوه واشتغلتي معاه. 

القت "ليلى" كلامها ثم نظرت إلى" عزيز" الذي لم تنمحي ابتسامته وظنت أنها عندما تُلقي عليه رغبتها بالعمل مجددًا ستجد إستحسانًا منه ،واردفت بحماس يطوي داخله أملًا. 

_ طب ياريت "عزيز" يرضى يشغلني معاه. 

انطلقت من شفتيّ "عزيز" ضحكة قصيرة ،جعلت "كارولين" تنظر نحو "ليلى" التي زَمَّت شفتيها بعبوس. 

_ ده أنا شكلي اللي هشتكيلك يا "كارولين" ، شايفه مش عايزني اشتغل من غير سبب. 

لم يكن الحديث الدائر بينهم تفهمه "كارولين" بأكمله لكن نظراتهم ونبرة صوتهم اشعلت من قهرها وزادتها رغبة أن تسلب قلب هذا الرجل، "عزيز الزهار" الرجل الذي باتت تحلم به كل ليلة حتى عندما تكون بين ذراعين "سيف" تتخيله في صورة عمه. 
وها هو الماضي يعيد قصته من جديد. 

جرت ساقيها بصعوبة وانسحبت من الغرفة ، فلم تعد تستطيع إلتقاط أنفاسها ولم يعد لديها قدرة على تحمل المزيد. 

_ هي مالها خرجت بسرعة كده ليه، هو "سيف" مزعلها أوي. 

مُغادرة "كارولين" بتلك الطريقة لم تُثير دهشة "عزيز" ،فهو بات فاهمًا لدواخلها الدنيئة لكن عليه الصبر حتى تتزوج "بيسان" وتفقد "سمية" أملها.

_ ركزي معايا أنا وصالحيني. 

ضحكت بخفة ،فـ "عزيز" صار مُدللًا وكأنه طفلها. 

_ بتضحكي يا "ليلى" ، يبقى تصالحيني زي ما أنا عايز لكن خلينا نقفل الباب الأول. 

صدحت ضحكاتها عاليًا ،فاغلق الباب سريعًا وعاد إليها ثم وضع يده على شفتيها مُتمتمًا بخشونه. 

_ ضحكتك ديه متضحكهاش غير في أوضتنا فوق لأحسن أعلقك من ودانك زي الأرانب. 

قهقهت بصوت خافت أسفل يده واخذت تُومئ برأسها ،فابتسم. 

_ أنتِ بتحلوي كده ليه كل يوم. 

توقفت عن الضحك والتمعت عيناها بحب ،فحرك يده عن شفتيها. 

تعجب من تحديقها به وقبل أن يسألها عن سبب نظرتها له بهذا الشكل أندفعت إلى حضنه. 

_ بحلو عشان أنت في حياتي يا "عزيز ". 

وجرعة الحب صارت تتحول مع الايام إلى جرعة لم يعرف معناها يومًا ،جرعة تزيل غبارًا حاصر قلبه لسنوات لا يتذكر عددها. 

... 

يقولون أن غرور الرجال لا يسقط إلا إذا امتلكت امرأه فؤاده وأصبح على يديها رجُلًا عاشقًا ، ولم يكن يرى هذا إلا هراءً ، فكيف لرجل عاقل وناجح يتغير على يدين امرأه، ربما يُصدق أن الظروف والعواقب تكسر من عزائم الرجال لكن الحب.. هذا عبثًا. 

وقد أتى هذا اليوم أخيرًا ، الذي صار يبصم فيه بكل أصابعه أن العبث والهراء كانوا حقيقة هو الآن يعيشها راضيًا مُتنعمًا في نعيم اللَوَّع. 

خفقت دقات قلبه كــ قرع الطبول ومعها أخذت تتحرك تفاحة آدم خاصته بطريقة واضحة كُلما ابتلع لعابه. 

فهل هي تختبر صبره أم قدرة تحمله على الصمود، أم تزيد جرعة تلاعبها به ظنًا منها إنه سيظل وافيًا بوعده لها؟

_ كده صعب، صعب أوي. 

_ "صالح" ، أنت معايا.. 
هتف بها والده بعدما توقف فجأه عن الرد عليه وقد التقطت أذنيه عبارته. 

ابتسمت "زينب" رغمًا عنها عندما تسلل ما تفوه به إلى أذنيها. 
تسارعت دقات قلبها وتوردت وجنتاها خجلًا ولم تتمكن من رفع عيناها نحوه. 

_ "صالح" أنت معايا. 

إنه حقًا لا يمتلك قوة حتى يتجاوز هذا المشهد ويستطيع الرد على والده؟

حاولت تمالك نفسها من الضحك واستمرت في تدليك ساقيها وقدميها ، هي معتادة على فعل هذا كل ليلة لكن أمامه الأمر كان صعبًا  ومحرجً لكنها تشجعت وفعلتها ولم تزيدها فعلتها إلا اِستمتعًا. 

اِستدار سريعًا بجسده بعدما وجدها تُفرغ القليل من العبوة مرة أخرى وستعيد الكاره. 

_ لأ كده الوضع لا يحتمل. 

لم تتحمل كتم صوت ضحكتها أكثر من اللازم، فالتف نحوها بعدما انفلتت ضحكتها. 
أطبقت شفتيها حتى تتوقف عن الضحك. 

_ "صالح" ، أنت يا بني... 

_ بابا أقفل من فضلك. 

لم ينتظر سماع رد أخر من والده وأسرع بإنهاء المكالمة. 

ازدادت دقات قلبها خفقانًا وارتعش جسدها برجفة خفيفة عندما اختلست النظر إليه و وجدته مُدقَّقً النظر إليها. 

غطت ساقيها بعد أن انتهت و اعتدلت في جلوسها على الفراش ثم اشاحت وجهها سريعًا إلى الجهة الأخرى. 

ازدرد ريقه لمرات ثم أقترب منها متسائلًا. 

_ وقفتي ليه ؟

سؤاله أدهشها ولم تفهم مقصده ونظرت إليه بحاجبين معقودين تتساءَل بحيرة. 

_ وقفت عن إيه ؟

انفرج ثغره بابتسامة عابثة. 
_ التدليك. 

جحظت عيناها من رده ،فالرد كان صريحًا. 

_ أنا شايف إنك مدلكتيش رجلك كويس. 

ارتعشت أهدابها ذهولًا وحدقت به دون قدرة على التفوه بشئ. 

_ هاتي عبوة الكريم ،أنتِ مجرباني قبل كده في الموضوع ده. 

انفتح ثغرها على أخره من الصدمة تسأله ببلاها. 

_ مجربة إيه؟
 
افتر ثغره سريعًا بابتسامة عريضة. 

_ التدليك ولا أنتِ بتنسي الحاجات المهمه في حياتنا. 

نظرت إليه بنظرة ذاهلة وقبل أن تستجمع شتاتها وتخبره أنها انتهت من تدليك ساقيها وستخلد إلى النوم.

_ اقعدي مكانك وافردي رجلك. 

دفعها إلى الفراش برفق والتقط عبوة الكريم من مكانها مغمغًمًا داخل نفسه.

_ بتلعبي بيا يا "زينب" ، ماشي جربي بقى اللعب...

وليته لم يُقرر اللعب معها، فهي تركته يفعل ما يحلو له.
أغلقت عينيها ومع لمسات يديه كانت تنفلت منها تنهيدات خافتة. 

_ لأ أنا بلعب بالنار كده. 

قالها ثم انتفض من جوارها ،فالأمر فاق تحمله كرجل. 
... 

رفع "عزيز" عينيه عن المجلدات التي يختار منها أفضل التصميمات حتى يبدء عُمال مصنع الأثاث بتنفيذها ،فهو عاشق لمهنة والده وأجداده بل و يفتخر بها عكس تجارته الآخرى التي يُشارك بها "نيهان". 

ابتسم ثم نهض من وراء طاولة مكتبه بعدما اجتذبت "ليلى" انتباهه من تأففها وهي تُحدق بهاتفها. 

_ خلصت شغل خلاص. 
قالها "عزيز" ثم جلس جوارها وحاوط كتفيها بذراعه. 
ارتعش جسدها برعشة اِستشعرها سريعًا، فـ "ليلى" مازالت كُلما بادر إلى لمسها بتلك الحميمية ترتجف بين ذراعيه إلى أن تتجاوب معه. 

_ بتتفرجي على إيه ؟

وجهت إليه الهاتف، فضاقت حدقتاه عندما أبصر ما تُشاهده. 

_ ديه حاجات خاصة بالمشغولات اليدوية ، أنتِ عايزة تتعلمي الحرفة ديه. 

ارتبكت من سؤاله ، فهل تُخبره إنها تتعلم صناعة الإكسسوارات النسائية وبعض من مهارات التطريز اليدوي من أجل مساعدة زوجة عمها في مشروعها الصغير الذي بدأته بالمنزل. 

_ بسلي نفسي في أي حاجة ،أنا أغلب الوقت قعده زهقانه. 

وعندما بدء حديثها يدور نحو العمل، نهض من جانبها تحت نظراتها التي تحولت لليأس من موافقته ثم تنهدت وقررت ألا تُخبره بمساعدتها لزوجة عمها؛ فـ ربما ينتقص من قدر هذا العمل الغير لائق بمكانته. 

التقط المجلدات التي كان يُطالعها قبل قليل، فاندهشت عندما وضعهم أمامها قائلًا :

_ وريني شطارتك وأختاري معايا قطع تكون مميزة نبدء نشتغل عليها وتناسب أذواق الناس. 

اِختفى عبوسها في لحظة وتهللت أساريرها والتقطت منه المجلدات وانكبت عليهم بحماس.

...

دخلت "كارولين" من بوابة الفيلا بخطوات فاترة بعدما قضت وقتً في التمشية خارج حدود الفيلا.

هدأت قليلًا و استطاعت تمالُك مشاعرها ، فهي لم تعد تتحمل رؤيتهم معًا.

_ ربما ليلة واحدة معه تُطفئ رغبتي به لكن كيف؟ هذا الرجل مغرم بـ "ليلى".

وبحقد بات واضحًا في نبرة صوتها أردفت بهمس.
 
_ من أين أبدء الطريق حتى أتسلل إليه وأنال معه ما تناله "ليلى" 

وفجأة توقفت عن سيرها و استدارت بجسدها نحو مكسن عائلة "ليلى" ولم تكن سوى صورة "شهد" ما تقتحم رأسها ومن حسن حظها إنها لم تَفَشَّى بهذا السر أمامه واحتفظت به.

...

طرقت "سمية" غرفة "بيسان" ثم دلفت وأشارت إليها أن تواصل مكالمتها.

توترت "بيسان" وأخذت تُجيب بردود مقتضبة مع "فارس" الذي دفعتها "سمية" على الموافقة عليه وإتمام الخِطْبة.

اقتربت "سمية" من الفراش وجلست عليه باسترخاء إلى أن انتهت. 
_ مالك، مش مبسوطه ليه ؟

تساءَلت" سمية" بعدما القت "بيسان" الهاتف على الفراش وأخذت تزفر أنفاسها بضيق. 

_ أنا بخدعه وبخدع نفسي ، أنا عمري ما كدبت على حد في مشاعري. 

قالتها بمرارة ،فهي تشعر بأن "فارس" بدء يميل إليها ويرسم حياتهم سويًا. 

طأطأت "سمية" رأسها ثم وضعت يدها على الفراش حتى تأتي وتجلس بجانبها. 

_ تعالي اقعدي جانبي خلينا نتكلم شوية. 

حدقت بها "بيسان" ثم اقتربت منها وجاورتها وهي تزفر أنفاسها. 

_ تفتكري كان قدمنا حل غير كده، ابني مكنش هيحركوا غير لما يشوفك بتضيعي من أيديه
 و كلامي طلع صح ، مشوفتيش منظره النهاردة، لا ومن ساعت ما عرف بخطوبتك مبقاش قادر يستحمل يشوفك أو يسمع حاجة عن "فارس". 

فركت "بيسان" كفوف يديها ببعضهما ، فحتى لو "سيف" أظهر مشاعره.. فهو مازال رجلًا مُتزوجًا ولن يقبل به والدها. 

_ "كارولين" لسا مراته وكمان... 

قاطعتها "سمية" قبل أن تستطرد في كلامها. 

_ علاقتهم بقت فاتره وقريب أوي هينفصلوا. 

عقدت "بيسان" حاجبيها بحيرة عندما رأتها تنهض وقد ترددت كلمة انفصال داخل رأسها. 

_ حضرتك شغلتيها معانا في الشركة ليه، ما دام وجودها خلاص مجرد وقت. 

توهجت نظرات "سمية" بخبث وتحركت نحو الباب.
 
_ متشغليش بالك بالحاجات ديه و زي ما قولتلك قريب أنتِ و سيف هتتجوزوا، أنا عايزه أحفادي منكم أنتوا.

قالت كلامها ووضعت يدها على مقبض الباب. 

_ كملي في خطتنا واتنزلي شوية مع "سيف"، بلاش تقفليها أوي معاه. 

أغلقت "سمية" الباب ورائها بعدما غادرت الغرفة ثم أطبقت أجفانها بقوة حتى تهرب من ماضي فتح "عزيز" أبوابه عندما هدَّدها بكشف سرها. 

« متسبنيش أموت يا "سمية" ، مش عايزة أموت وأسيب بنتي ،كفاية أخدتي "هارون" مني. » 

.... 

نظرت إليه بغرابة ثم حدقت بما يفعله وقد أفترش الأرض بغطاء خفيف يستطيع النوم عليه ثم القى بالوسادة. 
إنه يختار الليلة بكامل إرادته النوم أرضًا ولا يرغب بتلك الأتفاقية ولا إلتزام الحدود. 

_ أنت بتعمل إيه ؟

هتفت بها "زينب" ثم اعتدلت في رقدتها على الفراش، فلم تظن أنه عندما قضي وقته داخل الشرفة سيعود مُقررًا النوم أرضًا. 

_ زي ما أنتِ شايفه. 

رده كان مُقتضبًا وجافًا، فهو لم يعد يتحمل النظر إليها ويكفيه تلك النيران التي اشعلتها بجسده. 

_ إحنا كنا متفقين على وضع حدود بينا وكل واحد بينام على طرف. 

اِستنكر كلامها ونظر إليها بنظرة شملتها، فهربت بعينيها بعيدًا عنه. 

_ أنا مخلفتش الأتفاقية لكن مادام عايز تسيبلي السرير براحتك. 

_ "زينب" ممكن تنامي. 

وأردف بغيظ وكبت بعدما خلل أصابعه في خصلات شعره بعنف.

_ نامي يا "زينب" وخلي الليلة ديه تعدي على خير.

أشاحت وجهها عنه حتى لا يرى ابتسامتها. 

_ هو عمو "صفوان" ليه قال لـ "رغد" على الفندق، هتحكيلي ولا أفهم لوحدي سبب وجودها. 

اِستلقىٰ أرضًا واعطاها ظهره متمتمًا بغلظة. 

_ افهمي لوحدك. 

_ هو أنت بترد عليا كده ليه، و ليه مديني ضهرك. 

أغلق عينيه واخذ يُحادث نفسه.

_ أعمل فيها إيه ديه، لو حجر كان حس. 

_  صالح" أنا مش عايزه أنام، إيه رأيك نتفرج على الصور بتاعت النهاردة. 

شدَّ من غلق أجفانه وتمتم بنفاذ صبر. 

_ هي مش عايزة تعدي الليلة على الخير ليه؟ 

هرولت" زينب" نحو موضع الكاميرا، فالتقطتها عيناه التي لم تعد تطيق رؤية ذلك المئزر اللعين الذي يخفي عليه ما يُريد رؤيته. 

اِقتربت منه بحذر ونظرت إلى الأرض وقبل أن يُخبرها أن تعود إلى الفراش وتنظر إلى الصور بعيدًا عنه وجدها تُلملم طرفين مئزرها وتجلس بجانبه. 

_ أنتِ بتعملي إيه؟ 

ببراءة تمتمت وهي تنظر إليه بعدما انتفض من رقدته. 

_ مالك يا "صالح" ،أنت غريب أوي النهاردة.

_ أنا ! 

سألها مستنكرًا ردها عليه ،فحركت رأسها مؤكدة. 

_ هتتفرج على الصور معايا ولا لأ.

بصعوبة سيطر على غصبه وابتسم بعدما أطلق زفراته عدة مرات.

_ خلينا نتفرج ونشوف آخرتها إيه. 

ابتسمت وفردت ساقيها ثم اعطته الكاميرا. 

_ مش الكاميرا بتاعتك اتعامل أنت. 

القتها عليه ثم ضحكت، فتنهد بمقت. 

_ هي الليلة ديه ليه طويلة أوي كده. 

و رُدودها الليلة كانت عجيبة وكأنها أرادت أن تُصيبه بالجنون. 

_ مش عارفة، يمكن عشان أنت زهقان. 

بعد حديثها اراد الصراخ عليها وأخبارها أن الأمر صار أكبر من تحمله و طاقته. 

_ وقف عند الصوره ديه.

التقطت منه الكاميرا حتى تستطيع النظر إلى تلك الصورة وتساءَلت وعلى محياها ارتسمت ابتسامة صغيرة. 

_ أنت عيونك زُرق لمين؟

ثقل صدره من قسوة ذلك الشعور الذي سيطر عليه. 

_ "زينب" أنتِ عايزه إيه ؟

بنبرة أقرب للهمس خرج صوتها بعدما نظرت نحو الصورة هربًا من نظراته. 

_ بسألك عن لون عينك. 

نفذ صبره ولم يشعر بنفسه إلا وهو يآسر شفتيها بخاصته هامسًا بلهفة. 

_ طاقتي وصبري نفذوا يا "زينب". 

حاولت دفعه ومقاومته بعدما تسللت يده نحو طرف مئزرها. 

_ لو قولتي أبعد، هبعد... 

والبعد صار له ولها مُحاله، فهي من بدأت اللعبه... 

_ متبعدش يا "صالح".. 

يتبع... 

رواية #ظنها_دمية_بين_أصابعه ♥️ 

اقتباس من فصل القادم إن شاء الله 

عزم على تنفيذ خطة والدته بعدما وجد أن عليه إنقاذ عمه من فتاة سلبت عقله. 

هذه الليلة كانت بداية إلى طريق سيحصد هو عَلْقَمَه وسيتجرع من ورائه كأسً مريرًا لن ينساه.

ابتعد "سيف" عن المطبخ حتى لا يرى المزيد وقد أصم أذنيه بيديه لعله يطرد صوت عمه وهو يمطر "ليلى" بقبلات على صَفْحة وجهها ويُحرك يديه بجراءة على جسدها وقد خانه صبره عليها وتغنجها أمامه وهي تُحضِر له بالمطبخ أحد أصناف الحلوى المفضلة لديه.

تعليقات



×