رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثانى و الثمانون 82 بقلم سهام صادق


رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثانى و الثمانون بقلم سهام صادق


وقف "عزيز" متيبسًا مصعوقًا من حديثها الذي اندفع من فمها دون اِحْتِرَاس، جحظت عيناه بصدمة وارتدّ إلى الوراء بعدما دفعته على صدره تسأله بصوتٍ مختنقٍ من البكاء. 

_ قول إنك زهقت مني خلاص، ما هو أنا فين و أنت فين... 
ازدادت في بكائها وهي تراه يُحدق بها صامتًا وكأنه لا يملك ردًا على سؤالها، حركت رأسها رافضة ذلك الشعور الذي كان أولاد شقيقه سببً فيه. 

اظلمت عيناه فجأة ثم حدَجها بنظرة مُخيفة. 
اسرعت " ليلى" بوضع يدها على شفتيها حتى تكتم صوت بكائها. 

_ أنت قولتلي إنك عمرك في يوم ما هتزعل مني، أول وعد منك راح يا "عزيز". 
اردفت بها بصوت مُرتعش ومهزوز ثم اِستدارت بجسدها مبتعده عنه، فاسرع بجذب ذراعها بعدما بدء عقله يفيق من ذهوله وصدمته. 

_ اقفي مكانك ولا هتهربي زي العيال الصغيرة وتجري تستخبي. 

نفضت ذراعها عنه وإلتفت بوجهها إليه وقد احتلت عيناها نظرة عتاب. 
_ أيدك بتوجعني يا "عزيز ". 

والألم الذي تجلَّى بوضوح على وجهها, جعله ينتبه على قوة قبضته على ذراعها. 

تنهد بمقت ثم افلت يده عنها وأخذ يدور حول نفسه حتى توقف عن حركته. 

_ أنتِ مستوعبه كل كلمه قولتيها يا "ليلى". 

هزت رأسها وهي تزيل دموعها بأناملها التي ارتعشت مع نبرة صوته الخشنة ثم أعاد سؤاله بصراخ. 

_ ردي، مُدركة كل كلمة قولتيها. 

أومأت برأسها عدة مرات وفي داخلها أخذت تسأل نفسها بماذا تحدثت، فغضبها قادها لتقذف بالكلام دون أن تنتبه. 

_ يعني أنتِ عارفة كويس بتقولي إيه. 

انفلت الكلام دون ترتيب من شفتيها. 

_ أيوة مستوعبه كل كلمة قولتها لأن أنت..

لم تستطيع مواصلة بقية حديثها، فنظرته الخاوية أرهبتها. 

_  قوليلي حسابنا هيكون على إيه النهاردة، على خروجك من غير أذني ومن غير تليفونك ولا... 

وبسخرية أردف بعدما وقف قبالتها وقبض بخفة على ذراعيها حتى لا يؤلمها. 

_ ولا نتحاسب أحسن على كلامك وأنا متأكد تمامًا إنه اتقال بعد ما سمعته من حد. 

وعندما تذكر كل كلمة نطقتها بحماقة عن إنتهاء مهمتها في حياته, احتقنت ملامحه أكثر وصاح بنبرة أشد حدة. 

_ مين وصلك صورة إنك في حياتي كوضع مؤقت، معقول متجوزاني وأنتِ خايفة في يوم أقولك معلش خلاص صلاحيتك انتهت من حياتي. 

ارتفعت أنفاسه بوتيرة عالية، فهو لا يُصدق إنها تراه بتلك الصورة المُخْزِية.. رجلًا يتخذ الزواج من أجل المُتعة وعندما تنتهي مُتعته ينتهي هذا الزواج. 

_ قوليلي بقى احاسبك على أنهي حاجة الأول، ردي. 

_ أنا عملت كده عشان أضايقك بس يا "عزيز"، أنت السبب... عاملتني بالهجر والخصام وأنا ماليش ذنب في حاجة. 

وبأنفاس لاهثة و مُتقطعة أخذت تخبره عن جفائه في كل ليلة كانت تُبادر بالقرب منه و ردوده المقتضبة معها. 

اختفت تقطيبة جبينه و تركها تبوح له عن كل ما صار يدور برأسها من أفكار. 

اخفض رأسه بشرود و ندم ، فهذا ما كان يسعى لأجله.. أن يجعل فكرها ينحصر في مكان واحد وهو الفراش.

_ حاولت أصالحك وفي كل مره مكنتش بلاقي غير الجفا. 

اهتزت أجفانه كما اهتز قلبه... "ليلى" غاضبة منه لهذا الأمر ، الأمر الذي أراد حدوثه بل وهيئها له بكل الطرق حتى تعرف دورها الأهم في حياته لكن بعد ذلك أدرك فداحة تفكيره...؟

رفع رأسه إليها بعد أن تمالك صدمته. 

_ ليه مقولتهاش ليا صريحة يا "ليلى"، من حقك تقوليلي إنك عايزاني. 

اخفضت رأسها خجلًا، فهي لم تكن تقصد هذا الأمر فحسب... بل كان يكفيها حضنه ومداعبته لها بحديث لطيف و حنون.. هي أحبت "عزيز" الحنون، السَخِي في عطائه. 
_ ارفعي راسك و بصيلي. 

_ "عزيز"، أنا مقصدش اللي أنت فهمته... 

كاد أن يقترب منها إلا إنه تجمد مكانه عندما وجدها تندفع نحو الفراش ثم دفنت رأسها أسفل الوسادة باكية...
... 

توقف "سيف" قرب الدرج محتارًا، فهل يهبط لأسفل أم يتحرك نحو غرفة عمه ويطلب منه أن يأتي معه للخارج حتى يهدء غضبه ثم يعود ليحل هذا الخلاف. 

اِختفاء صوت شجارهم زاد من حيرته وتساؤله، فما الذي حدث؟ 
اتخذ قراره و سار باتجاه الممر المؤدي إلى غرفة عمه ولم يكن في داخله سوءً حتى إنه استعجب من نفسه. 

_  "ليلى" هنفضل نعيط كده كتير. 

جذب الوسادة من عليها, لتدفن وجهها هذه المرة بالفراش حتى تهرب من نظرته العابثة. 

_ طيب قوليلي إنك زعلانه مني عشان جرعة العسل بتاعتنا. 

قالها وجلس جوارها، فانكمشت على نفسها وقبضت بيديها على شَرْشَف الفراش. 

_ بعترف إني غلطان في النقطة ديه. 

حركت رأسها ببطء بعدما صرح بخطئه، فابتسم واشاح وجهه عنها ثم استند بساعديه على فخذيه مُستطردًا. 

_ زي ما أنتِ غلطانه في خروجك من ورايا.. 

رفعت رأسها بالكامل و اعتدلت في رقدتها ثم حدقت بظهره. 

_ وغلطانه برضو على كلامك اللي لازم اعرف مين داخله في راسك. 

والتفت برأسه إليها بعدما شعر بحركتها. 

_ لكن هنسيب عِتابنا دلوقتي ونشوف موضوع جُرعة العسل. 

_ "عزيز".. 

خرج صوتها مبحوحًا يطغو عليه الغنج. 

_ طيب منظري إيه دلوقتي قدام نفسي بعد ما غضبي كله ضاع. 

مطت شفتيها بعبوس، فضحك بقوة. 
_ ما تحاولي تصالحيني بقى يا "ليلى". 

وفي لحظة اِنقلب الأمر إلى ضحكات عالية, ليتوقف "سيف" مكانه مدهوشًا، فهل تلاشى غضب عمه هكذا بل ويضحك ويطلب منها أن تُدلله أم تُريد أن يُدللها هو.. ؟

عمه صار نسخة من والده، والده الذي  لا يتذكره إلا في صورة رجلٍ خنوعٍ وضعيفٍ.. 

اخفض "سيف" رأسه وقد أخترق ضحكات عمه أذنيه وسرعان ما كانت تعلو شفتيه ابتسامة ساخرة. 

_ هتخليك تكون زيه، بتخلق صورة تانية من "سمية" في حياتنا يا عمي. 

قالها ثم تراجع بخطواته واتجه نحو غرفته مُلقيًا بكل ما تلتقطه يديه تحت نظرات "كارولين" الذاهلة. 

...
 
وقف "صالح" ينظر إلى الفراش وهو لا يستوعب ما تفعله ورغم وضوح الأمر إلا إنه شعر بالغباء. 

_ أنتِ بتعملي إيه يا "زينب". 

التفت إليه ،فتوقف عن تحريك المنشفة على خصلات شعره الرطبة. 

_ زي ما أنت شايف. 

قالتها ثم ابتعدت عن الفراش وأشارت إلى الجزء الذي اختار النوم عليه. 

_ زي ما أنا شايف! 
هتف بها وهو يرفع أحد حاجبيه ثم واصل حديثه بتهكم. 

_ الصراحة أنا مش شايف غير إنك بتقوليلي بكل أدب و ذوق إن السرير ليكي والأرض ليا. 

كادت أن تقطع كلامه وتخبره إنها  تُحب أن تأخذ حُريتها بالنوم وإذا أراد الإعتراض فلِما لا يحجز غرفة مُزدوجة الأَسِرَّة. 

_ "زينب" أنا مش هنام على الأرض وليا حق في السرير ويتقسم بالعدل. 

صاح بها بحنق ثم اتجه إلى الجزء المخصص له والقى بجسده عليه بعد أن القى المنشفة من يده. 

_ وأهي المخدة عشان ترتاحي خالص. 

قذف بالوسادة أرضًا ثم نظر لها وهو يعقد حاجبيه منتظرًا رؤية ردة فعلها. 

_ تعالي نامي يا "زينب" ربنا يهديكي ومتخافيش نومي هادي ومش بتحرك لا شمال ولا يمين. 

وبمكر أردف عندما وجدها تعقد ساعديها أمامها. 

_ اظن إنك شوفتي ده بعينك. 

رمقته بنظرة شَزَرة ثم طرقت الأرض بقدميها حانقة.
 
_ خلاص نلتزم بالإتفاق محدش يقرب من حدود التاني. 

اِنفجر ضاحكًا بعد حديثها. 

_ حاضر مش هقرب من المنطقة المحظورة. 

تنهدت ثم التقطت الوسادة التي القى بها أرضًا و تأففت وهي تعيد من وضعها لكن هذه المرة وضعتها بالمنتصف. 

_ رغم إن المخدة ديه إهانه في حقي وعدم ثقة فيا بس وماله كله عشان الحدود والإتفاقيات. 

زجرته بنظرة حادة بعد مزاحه، فاخفى ابتسامته سريعًا واعطاها ظهره قائلًا:

_ تصبحي على خير يا "زينب". 

داعبت شفتيَّ "صالح" ابتسامة عريضة عندما أستمع إلى غمغمتها. 

_ هنام جانبك وأمري لله. 

وضعت رأسها على الوسادة ثم نظرت إليه، فما تفعله معه صار يَرْوق إليها. 

أغلقت جفنيها مُطمئنة وعلى شفتيها اِرتسمت ابتسامة خفيفة. 

غفت سريعًا بسبب إرهاق السفر لكن هو أخذ يتقلب على صفيح ساخن... 
مدَّ يده نحو الوسادة حتى يرميها مجددًا لكنه تراجع باللحظة الأخيرة عندما وجدها تمد يديها وتحتضنها ثم استدارت بها للجهة الأخرى. 

انفرج ثغره بابتسامة واسعة حينما رأى مكان الوسادة أصبح فارغًا. 

_ حلو أوي ، أنتِ اللي شيلتيها بنفسك. 

اِنتظر قليلًا، فالخطوة القادمة ستأتي لا مَحَالةَ وستكون منها. 

_ اتحركي يا "زينب"، خليكي قريبة مني. 

بخفوت تمتم كلماته ثم أغلق عينيه مُترقبًا حدوث ما يتوق إليه، فتح عينيه على وسعهما عندما شعر بيدها على ذراعه ووجهها مُقابل وجهه ولا يفصلهم سوى أنفاسهم. 

ولن يكون هو قديسًا هذه الليلة ويحرم نفسه من قربها. 
_ "زينب" ينفع أقرب أكتر. 

حديثه الخافت لم يكن يسمع صداه إلا هو... ابتسم عندما وجد شفتيها تنفرج بإنفراجة خفيفة حتى تستطيع التنفس بعمق. 

.. 

وقفت "شهد" قرب النافذة التي تُمكنها من رؤية سيارات المنزل عند عبورها البوابة، تنهدت ثم ابتعدت قليلًا وأطرقت رأسها. 

_ أول مرة "سيف" يتأخر كده. 

أجفلتها نحنحة والدها الخشنة، فانتفضت بذعر والتفت حولها وعلى ما يبدو إنه يتجه إلى المطبخ. 

دارت حول نفسها, لتبحث عن مكان تستطيع الإختباء به. 

_ أيوة هنا... 

جثت على ركبتيها وراء تلك الأريكة ثم أسرعت بتكميم فمها حتى تحبس أنفاسها الهادرة. 

دقائق مرت وهي تجلس هكذا وراء تلك الأريكة و ترتجف من الخوف. 

أغلقت عينيها تسترقي السمع إلى خطوات والدها التي اختفى صوتها بعدما عاد إلى غرفته. 

_ كنتي هتضيعي يا "شهد". 

نهضت سريعًا من وراء الأريكة وقررت العودة إلى غرفتها... فلن تُطبق نصيحة "لميس" لها ولن تدعوه ليأتي معها هذا الحفل لكن قرارها تبخر في لحظة عندما استمعت إلى صوت سيارته. 

غادرت المسكن بعدما مررت يديها على ثوب نومها الذي قامت والدتها بحياكته لها. 

خرج" سيف" من سيارته بخطوات مُترنحه، فالأول مرة يزيد من جرعة شُرب الخمر التي كانت لا تتجاوز سوى كأسين يُبرر بعدها إلى نفسه إنه يشرب للمجاملة لا غير. 

_ "سيف".. 
نادته وهي تدخل ورائه الجراج ثم أسرعت إليه عندما رأته غير مُتزنًا في مشْيه. 

اِستدار إليها مُتفاجئًا بوجودها أمامه بهذا الوقت مُتسائلًا بصوت ثقيل. 

_ "شهد"، أنتِ بتعملي إيه هنا؟ 

حدقت به ثم اتجهت بنظراتها الحائرة نحو باب السيارة المفتوح لتتساءل بقلق. 

_ هو أنت تعبان يا "سيف"، ليه مش عارف تقف كويس. 
اِستمر في ترنحه الذي لم تفسره إلا إنه مصاب بالحمى.. فـ سيف في عقلها الصغير لا يمس تلك الأشياء المُحرمة.

_ أه أنا تعبان أوي يا "شهد". 

خرجت الكلمات من شفتيه ثم سقط أرضًا وأخذ يضحك. 

_ تعبان أوي و السبب بنت عمك. 

رفرفت باهدابها بعدما نفضت رأسها واستوعبت حديثه. 

_ "ليلى"!! عملت إيه، "ليلى"طيبة أوي و مبتعملش حاجة وحشة يا "سيف". 

رفع "سيف" رأسه إليها وابتسم. 
_ خليكي جانبي. 

ردت بتلهف وكأنها تنتظر منه دعوة البقاء بجانبه. 

_ أنا جانبك يا "سيف". 

اقتربت منه أكثر وضمت رأسه إلى صدرها الذي أخذ يعلو ويهبط بأنفاس غير منتظمة. 

_ أنا تعبان و ضايع.. 

خرج صوته في ضعف وخفوت ثم رفع عينيه إليها.
 
تقابلت نظراتهم، فارتبكت من نظرته لها. 

_ "سيف" أنا... 
وبقية الحديث كان يضيع مع تلك القبلة التي رحبت بها معه ولم تشعر بعدها بنفسها إلا وهي مُسطحة على الأرضية الباردة بين ذراعيه.. 
... 

وضعت "أشرقت" يدها على بطنها التي أصبحت خاوية من ذلك الجنين الذي تخلصت منه اليوم. 

اِنسابت دمعة من عينيها مسحتها سريعًا ثم تسطحت على الفراش في تلك الغرفة التي تبيت فيها ليلتها بأحد الفنادق بعدما أخبرت والديها إنها في مأمورية تخص العمل. 
انفلتت الدموع من عينيها مرة أخرى وعادت تُمرر يدها على بطنها. 
_ كده أحسن ليك و ليا... 
❤️❤️

وضع "صالح" رأسه على الوسادة مُفْتَرّ الثغر ومنتشيًا لا يُصدق أنه نال ما تمناه في لحظتها. أغلق عينيه مع تنهيدة خافتة اِنفلتت من شفتيه.
إنه بالفعل الآن يشعر وكأنه طفلًا صغيرًا أستطاع أخيرًا نيل حلوته المفضلة التي تُعاقبه والدته من أكلها بالحرمان وحتى يحصل عليها ينالها بالخفاء وعندما وصل التشبيه به إلى هنا... فتح عينيه راغبًا بالضحك على ما وصل إليه ، فـ قُبلتين اقتطفهما من ثغرها جعلتاه كـ طفلًا مشاغبًا وعابثًا وسيكون كاذبًا إذا لم يعترف إنها كسرت غروره كـ رجل لم يكن يرى النساء إلا في صورة متشبها مهما بلغ جمالهن.

تجمدت ملامح وجهه فجأة وانحبست أنفاسه مرة أخرى وهو يرى يدها هذه المرة تتحرك على صدره وسرعان ما كانت دهشته تزداد عندما صارت رأسها عند نبضات قلبه. 

ابتلع ريقه ثم اخفض رأسه نحوها ، فلو لو كان يعلم أن قُربها منه سيصبح مُلهكًا لكان وافق على النوم أرضًا، فـ ربما برودة الأرض وصلابتها أفضل له من تلك الحرارة التي اشتعلت بجسده. 

مُلهكته ومعذبته هي وكأنها أتت إلى عالمه لتُعلمه أن النساء ليسوا لُعبة تتلعب بالأصبع إنما هن الحياة وهو كان محظوظً أن يكون حظه مع امرأة مثلها، امرأة في ثوب طفلة مازالت تبحث عن والدها. 

أغمض جفنيه بقوة حينما زادت من اِلتصاقها به وأصبح الأمر يفيق قدرته وبعدما كان يريد أن يتنعم بحضنها وملمس جسدها ورائحته ،أراد الآن الهرب... فهو لا يستطيع الصمود. 

حاول مرارًا التحرك من جانبها لكنها كانت متشبثه به وعلى ما يبدو أنها ظنت أن صدره هو الوسادة. 

أخذ نفسًا عميقًا وقد كتم صوته داخله ثم سحب جسده برفق من جانبها حتى كاد أن يسقط من على الفراش. 

_ ما هو الوضع ده لا يُحتمل يا "زينب" وممكن أتهور ولو ده حصل إنسي إني هتراجع. 

غمغم بها بحنق بعد أن يأس من تخليص جسده من حِصار ذراعيها ثم حدق بسقف الغرفة متنهدًا بكبت. 

_ أنا الغلطان، افتكرت نفسي مراهق وفرحت بحضن و بوسة مسروقين. 

فتحت جفنيها ببطء ونظرت إليه بنظرة ناعسة تتساءل. 

_ أنا فين؟ 

سؤالها أصابه بالذهول لوهلة لكنه أدرك سريعًا إنها ليست بوعيها كعادتها عندما تصحو. 

_ نامي يا "زوزو"، نامي وخليكي بنوتة شاطرة وبكره هقولك إحنا فين و أنا مين. 

قالها ثم أسرع بتحريك يده بخفة على خصلات شعرها، فهو صار يعلم أن تلك الطريقة تجعلها مُستكينة وتعود سريعًا إلى نومتها الهنيئة. 

...
 
تعالت وتيرة أنفاسها ثم أرخت قبضتين يديها عن ثوبها وقد تملكها شعور غريب وجديد عليها. 
شعرت فجأة بالخطر عندما بدأت تشعر بيديه تتحرك على جسدها. 
ارادت مقاومته لكن الفوضى التي باتت في عقلها جعلتها تغلق عينيها وينطلق صوتها بآنينٍ خافت. 

انتفض "سيف" من عليها ثم حدجها بنظرة مذعورة... فصاحبة هذا الوجه يعرفها. 

نظرت إليه "شهد" بنظرة مشوشة ،فوجدته ينهض بصعوبة ثم وضع يديه على رأسه غير مُصدقًا ما دنسته يداه. 

تحرك بخطوات مترنحة وبطيئة ثم توقف فجأة مُستندًا بيديه على ركبتيه و أخذ يزفر أنفاسه ببطء حتى فقد قدرته وأخرج ما بجوفه. 
ارتجف جسد "شهد" عندما أبصرت المشهد ولسعتها نسمة هواء باردة، فاسرعت باحتضان جسدها بذراعيها. 

ازدادت رعشة جسدها واخذت تزحف إلى الوراء حتى التصقت بالسيارة. 

حدقت به بنظرة شاردة وبدأت تستوعب ما كان سيحدث بينهم. 

افرغ ما بجوفه حتى آلمته معدته وبضعف اِستدار إليها ثم غادر الجراج دون أن ينطق بكلمة. 

أطبقت "شهد" شفتيها حتى لا يصدر صوتًا لبكائها ، وبوهن ورجفة ما زالت تُسيطر على جسدها نهضت وهي ترفع أكتاف ثوبها. 

تلفتت حولها ثم ركضت نحو مكسنها ،فما حدث يجب أن يبقى بينهم سرًا.  

... 

عقد "عزيز" حاجبيه بإزعاج قبل أن يُدرك أن تلك اللمسات التي تتحرك على وجهه ما هي إلا أصابع يدها. اِنفكت عقدة حاجبيه في لحظة وتحول عبوسه لابتسامه داعبت شفتيه. 

_ صباح الخير و الأزعاج مع بعض. 

تمتم ثم أجفلها بحركته المُباغتة،فارتفع صوت صراخها بعدما اِنقلب الوضع وصارت مُحاصرة بذراعيه. 

_  حرام عليك يا "عزيز" خضتني وقطعت لحظة تأملي فيك. 

ثقلت أنفاس"عزيز" وبرقت عيناه بوهج من المشاعر المُبعثرة. 

_ شايفاني في عيونك إيه يا "ليلى". 

ردت على الفور بنبرة صوت حملت عشقها الصادق. 

_ أجمل و أحن وأطيب راجل ، أنا بحبك اوي. 

إنها تُعطيه الحب بسخاء ، تُعطيه له دون شروط وقيود.. 

_ قولي كلامك تاني يا "ليلى". 

قالها مُسبلًا أجفانه نحو شفتيها وانتظر أن يسمعها وليتها لم تفعل. 

تشابكت أيديهم وتقابلت عيناهم، وهل يملك هو قدرة الابتعاد عنها قبل أن يرتوي من شهدها... 

غمرها بعاطفة قوية من مشاعر الحب التي يُترجمها لها بلغة الجسد ومع كل قُبلة ينثُرها على جِيدِهَا أخذت تُردد اسمه بعذوبة.. فيضيع هو معها نادمًا عن طريق اِتخذه دون أن ينظر إلى عواقبه. 

... 

فتح "سيف" عينيه بثقل ثم أخذ يفرك جبهته من أثر الصداع. أطبق جفنيه بعدما داهمته صورة مشوشة وصوت يتردد داخل رأسه بهمس صاحبته. 

انتفض مذعورًا من على الفراش ينظر إلى هيئته، إنه عاري الصدر ولا يرتدي سوى شورتً قصيرً. 

اقتحمت صورة "شهد" رأسه بثوب بيتي طويل ذو قَّبَّة صدر واسعة وأكتاف عارية. 

تهدجت أنفاسه عندما تذكر ما حدث بالأمس ليفتح عينيه على وسعهما.

_ لاا، لاا.. "شهد" ... لا...

خرجت "كارولين" من الحمام وهي تحمل في يدها مجفف الشعر بعدما انتهت من تجفيف شعرها وقد تأنقت في بدلة نسائية. 

_ صباح الخير حبيبي، هل أنت بخير الآن؟ 

تمتمت بها وهي تنظر إليه ،فضاقت حدقتاه مشيرًا إلى مظهرها. 

اقتربت منه وهي تمرر يديها على سترتها. 

_ هل نسيت "سيف" أمر عملي مع والدتك؟... لقد أخبرتك أمس بهذا قبل مغادرتك للمنزل وأنت غاضب ،لا تخبرني إنك لا توافق على عملي. 

كاد أن يخرج صوته بعدما ازاح عيناه عنها. 

_ رائحتك "سيف" ، رائحتك لا أستطيع تحمُلها.. اذهب سريعًا للأستحمام. 

قالتها وهي تضع يدها على أنفها واردفت وهي تتجه نحو طاولة الزينة. 

_ عمك بالأمس كان سيكتشف أمرك، لولا مُساعدتي لك. 

وصورة أخرى أكثر تشويشًا كانت تقتحم ذاكرته وسرعان ما جحظت عيناه ونظر إليها. 

_ كنت انتظرك بالشرفة حبيبي وعِند صعودك ساعدتك لتصل إلى غرفتنا، هيا حبيبي اذهب للأستحمام لا أرغب بالتأخر عن أول يوم لي بالعمل، أنا متحمسة كثيرًا. 

استمر "سيف" بالتحديق بها ،فهو مازال مشوشًا وحائرًا يسأل نفسه ما الذي دفع "شهد" لتأتي إليه بتلك الساعة وكيف استجابت له وطاوعته ، فهو لم يكن يَعي شئ. 

تحرك سريعًا نحو الحمام بعدما شعر برغبته بالتقئ ووضع رأسه أسفل صنبور المياة الباردة. 

تركت "كارولين" قنينة العطر بعد أن نثرت القليل عليها ثم التقطت أحمر الشفاه لتُزين به ثغرها. 

ابتعدت عن المرآة حتى ترى مظهرها بالكامل وسرعان ما اتسعت ابتسامتها ،فهي ليست غاضبة من خيانة "سيف" لها مع تلك الصغيرة "شهد"... فهو أعطاها الآن كامل حقها في خيانته جسديًا وعند هنا التمعت عيناها. 

_ أنت صعب المِراس سيد "عزيز". 

... 

أغلق "سيف" مرش الأستحمام من فوق رأسه بعدما شعر بالاختناق، حاول إلتقاط أنفاسه حتى أستطاع أن يزفر أنفاسه المحبوسة داخل صدره. 

«عزيز ،عايدة، عمه» ثلاث وضعهم في خانة واحدة ثم هز رأسه رافضًا ما اقتحم رأسه. 

_ لا، لا، محدش هيعرف حاجة ، أنا لازم اتكلم مع "شهد"... 
هتف بها ثم لطم الجدار أمامه بقبضتيّ يديه ،فعن أي شئ سيتحدث مع "شهد"...
 _ غبي، غبي... افتكرت "شهد" "بيسان".. 

_ "سيف"، حبيبي... سأسبقك لأسفل...

صاحت بها "كارولين" ثم أستمع إلى طَقْطَقة كعب حذائها ، فتجمدت ملامح وجهه وأنتبه على أمر اِستيقاظها بالأمس ومساعدتها له حتى وصل إلى غرفتهم. 

_ معقول تكون شافت حاجة... 

عاد الشك يقتحم رأسه ،فصرخ عاليًا وهو يُلقي أقرب شئ وجده أمامه. 

_ "شهد" مش لازم تتكلم، لازم تنسى الليلة ديه. 

...
 
توقفت "كارولين" مكانها مشدوها من رؤية "ليلى" تُهرول وراء "عزيز" وقد اخذ يهز رأسه بيأس منها. 

_ برضو مصممه... 

زَمَّت شفتيها بعبوس ثم أومأت برأسها لتؤكد له إنها لن تتركه يرحل دون عُلبة الطعام البلاستيكية. 

_ أنت مفطرتش كويس يا "عزيز". 

تنهد ثم التقط منها العُلبة وداعب خدها بحنان. 

_ حاضر يا حببتي.. أي أوامر تانية. 

ثم اقترب منها هامسًا بنبرة ماكرة أفقدتها صوابها. 

_ مع إني شبعان وشاحن طاقتي حلو أوي.

دفعته على صدره بعدما اخجلها بمقصده ،فقهقه بقوة لكنه توقف فجأة عن الضحك عندما وجد أعين "كارولين" تترصدهم. 

_ تعالي معايا لحد العربية.

التقط يدها قبل أن تستدير برأسها إلى الوراء. 

اخفضت "كارولين" عينيها تتساءل هل هذا الرجل عاشق لتلك الدرجة ، "سيف" أخبرها كثيرًا عن كُره عمه للنساء... لكن ما تراه أمامها رجل لا يعرف سوى الحب ويجعل امرأته مُتيمة به. 

_ أنتِ محظوظة "ليلى" ، تمتلكين رجلًا يعرف كيف يُحب ومُخلصًا لك. 

ولا تعلم لِما أتت صورة "شهد" أمامها هذه اللحظة وهي تركض نحو مسكنها والأمر لم يكن يحتاج للتفسير بعدما رأت مظهر "سيف". 

_ "ليلى"، "ليلى".. 

هتف بها العم "سعيد" وهو يُغادر المطلخ لتلتف "كارولين" إليه ،فاحتقنت ملامح وجهه. 

نظرة هذا العجوز لها لم تتغير منذ أن دخلت لأول مرة هذا المنزل. 

_ فين ست البنات؟ 

هذا اللقب الذي يختص به "ليلى" يُثير تعجبها وتساؤلها ؟

_ اكيد خرجت ورا البيه، ما هي الست الشاطرة اهتمامها ديما بجوزها لكن نقول لمين الكلام ده... ما هما بنات الأصول المتربين يتعدوا على الصوابع. 

اِنفجرت "كارولين" بالضحك رغم صعوبة فهمها لحديثه لكنها تعلم إنه يُلقي عليها كلمات بغضيه، فهي ترى دومًا في عينيه كرهًا لها. 

اندهش العم "سعيد" من صدوح ضحكاتها ثم القت عليه نظرة لم يفهمها وتحركت نحو غرفة الطعام حتى تتناول فطورها وهي تتمتم. 

_ ليتك تنشغل بأبنة شقيقتك أيها العجوز ، تلك العاهــ.ـرة الصغيرة. 

... 
انتهت من ربط حذائها ثم استقامت في وقفتها وكادت أن تخبره إنها ستسبقه إلى أسفل حتى ينتهي من تصفيف شعره لكن اِنعقد لسانها عن الكلام بعدما تقابلت نظراتهم بالمرآة. 

ابتسم "صالح" غامزًا لها بطرف عينه. 

_ طالع حلو مش كده. 

اختفى بريق عينيها واشاحت وجهها عنه متمتمه. 

_ "صالح" و الغرور. 

هكذا أصبحت تُلقبه وهو لم يكن إلا سعيدًا بهذا اللقب.
تجلجلت ضحكاته وقال وهو يلتف إليها برأسه ويرفع من ياقة قميصه.

_ لو كنتي استنتيني أكمل كلامي كنتي فهمتي قصدي. 

رمقته بنظرة ثاقبة ، فهو صار يُجيد التلاعب بها ومعها وهي ليست بغافله ومن حسن حظه إنها باتت تُرحب بأفعاله. 

_ شوفتي ديما ظلماني إزاي. 

قوست شفتيها باستنكار ، فهي تعلم إنه يشير نحو سوء ظنها عند لحظة اِستيقاظها بالصباح وقد وجدت نفسها نائمه بالجزء المخصص له من الفراش ولولا عدم وجوده بالغرفة في هذا الوقت لكن الأمر لم يمر مرور الكرام. 

هتف بها بخشونة وهو يُمرر أصابعه على خديها ثم ابتلع لعابه عندما وقعت عيناه على شفتيها مُتذكرًا مذاق تلك القبلات التي اختلسها خِلسة. 

رجفة قوية أصابت جسدها وهي تراه يميل عليها وقد علمت هدفه ولولا رنين هاتفها لكن نال قبلة الصباح. 

أسرعت بالابتعاد عنه واتجهت نحو هاتفها والتقطته ثم ارتفعت نبرة صوتها بحنق حتى تُداري توترها. 

_ شوفت آه هيتحركوا من غيرنا... 

ابتسم ،فـافعالها الطفولية وتذمرها الدائم في كل لحظة تقارب بينهم باتت مكشوفة له. 

_ أنا عايزهم أصلا يمشوا وسيبي نفسك ليا ،
و هفسحك احلى فسحة في أسوان. 

نظرتها المُستنكرة قابلها بنظرة مُتحدية. 

_ أه لو تعرفي قدراتي الخارقة ،مكنتيش بصيتي ليا البصه ديه. 

هربت بعينيها بعيدًا عنه بعد حديثه حتى لا يرى ابتسامتها لكن بالفعل رآها. 

_ أنا جهزت خلاص ، يلا بينا. 

صاح بها بمرح أطرب قلبها... وأسرعوا بتجميع متعلقاتهم الشخصية وما سيحتاجوا إليه في جولتهم التي ستستمر لساعات. 

غادروا الغرفة مُتجهين نحو الأسفل حيث يقف الجميع منتظرين هبوطهم. 

اندهشت من توقفه فجأة ونظرت إلى يده التي يمدَّها إليها قائلًا بصوت رجولي رخيم. 

_ مينفعش ليدي جميلة زيك تمشي كده لوحدها... 

ترددت بالبداية لكن بالنهاية لم يسمح لها بإتخاذ القرار وقد التقط يدها التي تعانقت مع يده ثم سار بها دون أن ينطق بكلمة تفسد عليه صمتها وهدوئها العجيب الذي يُشتته ويروقه. 

تحركت عيون زميلاتها عليهم ومن نظرتهن لها.. علمت إنهم سيكونوا حديث رحلتهم. 

قبض على كفها حتى لا تفلت يدها منه وكاد أن يهمس لها ببضعة كلمات إلا أن ذلك الصوت الأنثوي الذي اخترق أذنيه ولفت أنظار الواقفين جعله يقطب جبينه مدهوشًا. 

_ "صالح". 

صوت ندائها باسمه تكرر ، لتستدير "زينب" سريعًا نحو صاحبة الصوت. 

إنها تلك الصحفية التي بعثت لها "سما" صورها... 

... 

القت "سلوى" الأوراق التي بيدها بغضب بعدما ابلغها السيد "عادل" مُشرف قسمها أن قبول ترقيتها يُرفض للمرة الثانية. 

_ ما هو مش معقول تكون هي السبب ، للدرجادي بقى جوز الست خلاص. 

_ مالك يا "سلوى" بتكلمي نفسك ليه ؟

تساءَلت بها "عبير" عند دلوفها الغرفة، فانفلتت تنهيدة طويلة وماقتة من شفتي "سلوى".

_ ديه تاني مرة يرفض ترقيتي مع إني استحقها.

رفعت "عبير" حاجبيها واقتربت منها ثم استندت بظهرها إلى طاولة المكتب الآخر الفارغ.. فجميع العاملين الآن في استراحتهم حتى السيد "عادل" غادر الغرفة بعدما أبلغها بالقرار. 

_ شكل "عزيز" بيه حاطك في دماغه وكأنه بيقولك الباب يفوت جمل. 

ضاقت حدقتيَّ "سلوى" ونظرت نحوها شزرًا. 

_ "عبير" عندك كلمة عدله قوليها معندكيش ياريت تسبيني لوحدي. 

هزت "عبير" رأسها ، فاشاحت "سلوى" وجهها عنها وأخذت تزفر أنفاسها بضيق. 

_ تعرفي مين يقدر يساعدك؟ 

تجهمت ملامح وجه "سلوى" والتوت شفتيها بتهكم. 

_ وفري اقتراحك لأني مش هكلمها، الهانم بقت تتهرب من مكالماتي... ما هي خلاص بقت مرات البيه وراسها عليت. 

ابتسمت "عبير" ابتسامة عريضة ، فاقتراحها لم تكن تقصد به "ليلى". 

_ أنا مقصدش توسطي "ليلى" عند "عزيز" بيه. 

قطبت "سلوى" جبينها ، لتتحرك "عبير" من أمامها وقبل أن تُغادر الغرفة حتى تلحق الوقت المُتبقي من الإستراحة. 

_ "بسام " ، ولا نستيه.. أكتر واحد كان قريب من "ليلى" وتلاقيهم دلوقتي لسا في بينهم تواصل....أنا سمعت إن منصبه في المصنع التاني أعلى ما كان هنا، يعني صداقته من" ليلى" فادته. 

«بسام»!! تردد الاسم في رأس "سلوى" وسرعان ما كانت تعلو شفتيها ابتسامة خبيثة. 


تعليقات



×