رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الواحد و الثمانون بقلم سهام صادق
هل أرتجف قلبها للتو وهي تنظر نحو الفراش الذي يتوسط الغرفة؟ أم تلك الرجفة أصابتها بسبب الهواء الذي أندفع فجأة من خلال الشرفة المفتوحة والتي ينسدل عليها ستارً خفيف؟
اقترب "صالح" منها وقد استشعرت سخونه أنفاسه على خدها هامسًا بصوت شتَّت تركيزها.
_ تحبي تدخلي الحمام الأول تاخدي شاور سريع ولا..
انتفض جسدها بعد حديثه حتى إنه شعر بنفضتها التي اذهلته والتفت برأسها إليه ثم ابتعدت عنه قائلة بنبرة مهزورة جعلته يقطب جبينه بحيرة.
_ لأ أدخل أنت الأول، أنا هقف في الفراندا شوية.
وأردفت وهي تتحرك من أمامه.
_ محتاجة أشم شوية هوا.
مرر "صالح" يده على عنقه بحركة اعتاد عليها كُلما شعر بالحيرة وتساءل وهو يتحرك ورائها.
_ أنتِ كنتي من دقايق نايمة على نفسك يا "زينب" ، يعني أكيد تعبانه من السفر..
انفلتت تنهيدة من شفتيها خافتة ثم اطبقت على جفنيها، فكيف لها أن تخبره أن قلبها هذه اللحظة يدق بعنف وقد أعادت أفعاله الأخيرة معها تلك المشاعر التي كانت تشعر بها قبل زفافها منه.
_ أنا مش عايزة أنام...
توقفت عن الكلام وابتلعت ريقها عندما وضع رأسه على كتفها مُشيرًا نحو أشجار النخيل ومنظر التلال التي تبعد مسافه لا بأس بها.
_ المنظر يجنن، يخليكي عايزه تاخدي نفس عميق وبعدين تغمضي عينك.
وضع يديه على سياج الشرفة بعدما رفع رأسه وتنهد بعمق.
_ لأول مرة أحس إني مرتاح ومبسوط في مكان، أقولك الصراحة مكونتش متحمس لرحلة أسوان غير عشانك وحقيقي أنا ممتن إنك حبيتي تشاركيني رحلة ممكن تكون اخر حاجة تجمعنا.
تقطرت المرارة من أحرف كلماته الأخيرة التي قالها مُرغمًا حتى يقنع قلبه وعقله معًا أن يعتاد على حقيقة باتت واضحة.
استدارت نحوها سريعًا بعدما القى عليها هذا الحديث وقبل أن تتحدث بشئ، ابتسم وابتعد عنها.
_ بما إنك أجلتي الشاور بتاعك، فأسمحيلي استولى على الحمام قبلك.
اِنحشر الكلام في حلقها وتتبعته بعينيها ثم واصل كلامه مازحًا.
_ من الأول عشان نكون متفقين هنام على الجنب ده من السرير.
وأشار نحو الجزء الأيمن من الفراش وغمز لها ضاحكًا.
_ أوعي يكون قلبك قاسي يا "زوزو" وتقوليلي نام على الأرض.
وجدته يضع الحقيبة الخاصة به على الفراش ثم فتحها وسرعان ما كان ينتبه على شئ، فترك ما بيده واقترب من الهاتف الخاص بخدمة الغرف.
_ وقت العشا لسا كام ساعه عليه وأنتِ مأكلتيش كويس في الطريق، قوليلي محتاجه نطلب إيه؟
وكاد بالفعل أن يلتقط سماعة الهاتف، فهتفت وهي تهز رأسها برفض.
_ أنا مش جعانه لو حسيت بالجوع هاكل أكيد
نظر إليها، فاقتربت منه والتقطت سماعة الهاتف قبل أن يقوم بطلب الطعام لها.
_ "صالح" بلاش تعاملني وكأنك بتعامل "يزيد".
رمقها بنظرة شملتها ثم زفر أنفاسه.
_ "يزيد" مش متعب زيك يا "زينب"، لا وجبات أكل بتهتمي بيها ولا حتى في لبسك بتنتبهي على تغير الجو وتعملي حسابك.. طفلة متعبة أنتِ.
اِتسعت حدقتيها من تعنيفه العجيب وتساءلت باستنكار.
_ أنا طفلة متبعة!
هز رأسه مؤكدًا على ما نعتها به ثم هتف بسخْط.
_ أيوة طفلة متعبة وعنادية ومهملة في نفسك كمان وعايزه حد ديما يتابعك ويعمل عليكي كُنترول
خرج الكلام منه دفعة واحدة ثم مرر يده على وجهه بإرهاق.
_ "زينب" هو إحنا جايين نتبسط ولا نتخانق؟
_ أنا مش بتخانق، أنت اللي تصرفاتك عجيبة ومش مفهومة.
عقد حاجبيه في دهشة واقترب منها حتى تلاشت تلك المسافة القصيرة بينهم وقد باغتها بقبلة على خدها.
_ رحلة سعيدة يا "زوزو"، تصدقي نسيت اقولهالك أول ما نزلنا من القطر.
أدار - الحديث الذي كاد أن يتحول إلى شِجار- بحنكة يمتاز بها في عمله ثم عاد إلى مزاحه.
_ تحبي أقولك بالفرنسية ولا التركية ولا الروسية ..
_ ثقيل..
قالتها وهي تدفعه على صدره وانفلتت من شفتيها ابتسامة صغيرة.
_ ثقيل، بقى راجل زي وسيم وجنتل مان يتقال عليه كده.
زمت شفتيها بعبوس واشاحت وجهها عنه حتى تهرب من نظراته التي باتت تُربكها وتمتمت بخفوت.
_ الغرور من سمات "صالح الزيني" واِستحالة تتغير.
داعبت شفتيه ابتسامة عريضة وبصوت رخيم حرك به مشاعرها المضطربة.
_ بس معاكي أنتِ بتنازل عنه.
تقابلت عيناهم بنظرة طويلة ثم فرت هاربة من أمامه، فابتسم وصدحت صوت ضحكاته عاليًا.
_ على فكرة إحنا كنا متفقين إني هاخد الشاور قبلك بس مافيش مشكلة اتنازل عن حقي.
أخذ صدرها يعلو ويهبط، هي اتخذت قرارها بالبقاء معه لكن تلك المشاعر التي يغدقها بها تجعلها خائفة.
ابتلعت ريقها وتحركت نحو حوض الاستحمام وجلست عليه محدقة بأرضية الحمام بنظرة خاوية.
_ "زينب"، أنتِ مأخدتيش هدوم معاكي... هحطلك الهدوم قدام الباب، تمام.
لم ينتظر أن يسمع ردًا منها والقى بنظرة سريعة نحو ما وضعه لها من ثياب واتجه إلى الشرفة حتى يُهاتف صغيره.
أغلقت "زينب" عينيها لوهلة ثم انتفضت من مكانها وخرجت شهقة قوية منها كتمتها بكف يدها.
_ ده أكيد فتح شنطتي وشاف أنا جايبة معايا إيه.
دارت حول نفسها لا تستوعب إنه رأى غِلالات النوم التي أحضرتها معها.
_ غبية يا "زينب"، غبية.
...
سارت "ليلى" جوار "عايدة" في أحد شوارع القاهرة القديمة وعلى محياها ارتسمت ابتسامة متوترة، فكُلما مر الوقت واقتحمت فكرتها المتهورة رأسها أخذت تتخيل ردة فعل "عزيز" علي خروجها دون عِلمه وتركها لهاتفها.
_ أنتِ لي خايفة كده يا " ليلى" ، أنتِ عملتي ده عشان تضايقي زي ما ضايقك، هو السبب..
همست بكلامها في نفسها ثم أسرعت بنفض رأسها عندما التفت عايدة إليها.
_ مالك يا "ليلى" واقفة كده ليه، تعالي أما عرفك على الحاج" عبدالجواد".
تقابلت عينين ليلى مع عينين ذلك الرجل الذي يتجاوز عمره الستين وابتسمت ثم اقتربت من مكان وقوفهم.
_ ما شاء الله، بقى عندك عروسة حلوة كده ومخبياها علينا يا ست "عايدة".
اطرقت "ليلى" رأسها خجلًا، فضحكت "عايدة" ملء شِدْقيها قائلة:
_ أه لو "عزيز" بيه سمعك يا حاج "عبدالجواد".
انتبه الحاج "عبدالجواد" على خاتم الزواج الذي يزين بُنصرها بعد حديث "عايدة".
_ لا ده إحنا نرحب بزيادة بيها ونحطها فوق راسنا..، يا "فرج" هات كرسي زيادة يا بني بسرعة وأطلب أحلى كوبايتين كركديه ساقع.
ارتبكت "ليلى" عندما علمت بمعرفة الحاج "عبدالجواد" بـ "عزيز" وبصوت متحشرج ردت وهي تنظر نحو زوجة عمها.
_ شكرًا ليك يا حاج بس مافيش داعي..
قطعت "عايدة" حديثها والتقطت يدها حتى تُجلسها على المقعد الذي أتى به الصبي.
_ اقعدي يا "ليلى" عشان منزعلش الحاج "عبدالجواد".
رد الحاج "عبدالجواد" مُعقبًا على حديث "عايدة".
_ كده برضو، ده "عزيز" بيه جمايله مغرقانه...
وبسماحة واصل الحاج "عبدالجواد" كلامه.
_ اقعدي يا بنتي خلينا نضيفك ولا أنتِ شكلك مش كريمة.
خجلت "ليلى" من كلامه وجلست بحرج وقد لفت حيائها نظر الحاج" عبدالجواد" مُستطردًا بلطف.
_ يا زين ما ختار "عزيز" بيه، يستاهل كل خير ابن الأصول.
...
دلف "عزيز" إلى المنزل وقد احتلى الشوق ملامحه عازمًا على مُراضتها وأخذها لتناول طعام الغداء حتى يعوضها عن جفائه معها بالأيام الماضية.
صعد درجات الدرج مُتلهفًا ومتسائلًا، لِما لا تُجيب على مكالماته.
_ حمدلله على السلامة يا "عزيز" بيه.
هتف بها العم "سعيد" بصوت مبتهج وهو يخرج من المطبخ، فتوفق "عزيز" عند منتصف الدرج والتف إليه وكاد أن يتحدث إلا أن العم "سعيد" القى بوجهه ما جمد ملامح وجهه وأوقد داخله غضبًا.
_ "ليلى" اكيد قالتلك إنها خرجت مع "عايدة" يخلصوا شوية مشاوير، طيب ليه مقولتلهاش تقعد تستناك ولا أنت مرضتش تزعلها حاكم أنا عارف الستات لما بيكونوا عايزين حاجة.
قهقهةٌ العم "سعيد" جعلت "عزيز" يفيق من حالة جموده وتساءل بنبرة أصابت العم "سعيد" ببعض الشك.
_ هما خرجوا من أمتى؟
اجابه العم "سعيد" بنبرة هادئة.
_ يعني من ساعة يا بني كده تقريبًا أو أزيد، أكلمهم استعجلهم ليك.
وسؤال أخر سأله ازاد الشك داخل العم "سعيد".
_ راحوا إزاي،" عزيز" راح معاهم...
حدق العم "سعيد" بنظراته، فهبط "عزيز" درجات الدرج التي صعدها، فخرج صوت العم "سعيد" مُتذبذبًا.
_ طلبوا سيارة أجرة، أنا قولتلهم استنوا "عزيز" يرجع من الشغل بس أنت عارف دماغ "عايدة" وأكيد هي اللي جرت "ليلى" معاها عشان تونسها.
وبقلق صار جليّاً على ملامح العم"سعيد" تساءل.
_ هو في حاجة مضايقاك يا بني، "ليلى" مزعلاك في حاجة.. ديه طيبة وغلبانة وتغرق في شبر ميَّهْ.
ابتسم "عزيز" رابتًا على أحد كتفيه بعدما أخفى ضيقه.
_ عارف يا راجل يا طيب.
في تلك اللحظة هبط "سيف" من أعلى ينظر إليهم بتوجس وقد تعلقت "كارولين" في ذراعه.
_ روح شوف حالك يا عم "سعيد".
...
خفق قلب "حورية" بسعادة عندما استمعت إلى ضحكات "يزيد" وقد شاركه "صالح" الضحك.
_ وعد المرة الجاية هتكون معانا يا بطل.
نظر الصغير إلى جدته التي تُتابع محادثتهم ثم عاد ينظر إلى شاشة الهاتف.
_ طيب نادي "زوزو" عشان توعدني هي كمان.
تلاشت تلك الإبتسامة التي زينت ثغر" صالح" وازدرد لعابه بمرارة، فما عساه أن يفعل مع صغيره حتى يخبره بأن يستعد إلى رحيل "زينب" عن حياتهم.
صمت "صالح" جذب انتباه "حورية" واقتربت من "يزيد" وجلست جواره ثم وضعت قبلة على رأسه.
_ عايزاك تتبسطوا يا حبيبي ومتقلقش على "يزيد"... احتمال نروح يوم المزرعة عشان نشوف جدك.
صاح الصغير بسعادة.
_ هشوف جدو "نائل" والعب معاه.
اشاح "صالح" وجهه بخزي ومثله فعلت "حورية" ، فـ "يزيد" صار متعلقًا بعائلة" زينب".
_ ابعت بوسة لـ بابي يا "يزيد" وقوله باي وشويه كده نكلم "زوزو".
تهللت أسارير الصغير وفعل مثلما أخبرته جدته وقال بعدما قذف له بقبلة أخرى.
_ ديه مش ليك يا بابي، ديه لـ "زوزو".
اِنشقت ابتسامة خفيفة على شفتيّ" صالح" وقبل أن ينهي مكالمته مع صغيره صاح الصغير.
_ بابي خلي "زوزو" تنام في حضنك عشان هي بتخاف من العفريت.
أنهى "صالح" المكالمة ثم اِستدار بجسده قابضًا على سياج الشرفة بقوة.
_ يا ترى قرارك هيكون إيه يا "زينب".
وفجأة اقتحم رأسه أمر الحقيبة وأثواب النوم المتحررة قاطبًا حاجبيه ثم تساءل بذهول.
_ معقول!!
وعندما انفلتت الكلمة من شفتيه، صدح رنين هاتفه بنغمة قصيرة ليجد رسالة من والدته تخبره فيها.
« المرادي "زينب" هتلين معاك يا "صالح"، ديه فرصتك إنك تكسبها من أول و جديد و أوعي تنسى إنك ورط أبنك معاك»
ارسلتها له والدته ثم القت بهاتفها على الطاولة التي أمامها ونظرت نحو "يزيد" الذي اندمج في تلوين إحدى رسوماته ولم تكن الرسمة التي رسَمَها اليوم إلا طفلة صغيرها.
التف "يزيد" نحو جدته مبتسمًا.
_ "زوزو" هتجيبلي بنت حلوة زي ديه.
داعبت "حورية" خده وابتسمت.
_ لو عايز يجبولك أخ أو أخت يا حبيبي، لما يكلموك تاني وريهم الرسمة أتفاقنا.
أسرع الصغير بهز رأسه.
_ أتفقنا..
...
توقف "صالح" عن ترتيب أغراضه بالخِزَانة عندما أستمع إلى باب الحمام يُفتح واستدار جهتها.
اِلتهمها بنظراته وقد اشعلت - تلك الأثواب التي اكتشف أمرها- غريزته التي يحاول بإستماته كَبَحَها.
اقترب منها بعدما هربت بعينيها بعيدًا عنه وقالت بصوت خفيض مُتعلثمًا.
_ أنا جهزتلك الحمام.
رمقها بنظرة طويلة ثاقبة ، فهو اختار لها منامة محتشمة من قطعتين لكن عقله لا يستطيع عدم التفكير عن أثواب النوم الأخرى.
_ تمام..
قالها بنبرة مُتحشرجة وهو يداعب خدها حتى يجعلها تنظر إليه.
_ أنا كلمت "يزيد" وقولتله قبل ما تنام هنكلمك تاني أنا و "زوزو".
حركة يديه التي تنقلت على ذراعيها بلمسات بطيئة اربكتها، فابتعدت سريعًا عنه وادركت غبائها.
ابتسم عندما انتبه على ردة فعلها وتحرك نحو الحمام لعله يُخمد تلك النيران التي أشعلتها بجسده.
_ زي ما اتفقنا يا" زوزو"، أنا هنام على الجنب ده وكل واحد يلزم حدوده.
عندما أغلق باب الحمام ورائه.. زفرت أنفاسها بقوة ثم اجتذبت المنشفة التي وضعتها على رأسها بعنف.
_ لازم اخفي قمصان النوم بسرعه، أكيد فهم إني بمهد له الطريق.
نفضت رأسها لمرات ثم القت بجسدها على الفراش.
_ نظرته ليا غريبة، آه من غبائك يا "زينب".
...
حدق "عزيز" بالهاتف الذي وجدها تركته أسفل الوسادة ثم التقطه وتنهد بمقت.
_ أه لو كنتي عامله ده قصد يا "ليلى"، يا ويلك مني.
ثم أخذ يتحرك بالغرفة بدون هوادة بعدما سأم من محاولته في مهاتفة "عايدة".
_ أربع ساعات بره البيت ومن غير أذني يا هانم، أنا شكلي دلعتك.
الوقت كان يمر ببطء عليه وقد نأي نفسه تلك الساعات بعيدًا عن الجميع خاصة ابن شقيقه الذي لا تغفل عنه نظراته.
...
أسرع العم "سعيد" نحو كلَا من "عايدة" و "ليلى" وعلى وجهه ظهر الغضب من تأخيرهن.
_ كل ده يا "عايدة" وفين تليفونك أنتِ كمان.
تعجبت "عايدة" من غضبه، فتساءلت "ليلى" سريعًا.
_ هو عزيز موجود.
رمقها العم "سعيد" بنظرة عابسة.
_ رجع من بدري وقاعد مستنيكي.
ثم وجه نظراته مجددًا نحو "عايدة" وقد احتدت نبرة صوته.
_ إزاي تطوعيها تخرج من غير إذن جوزها.
حدجته "عايدة" بصدمة واتجهت بأنظارها نحو
" ليلى" التي تركت الأغراض التي تحملها وتحركت من أمامهم.
_ قوليلي دلوقتي لما يتخانقوا بسببك هتفرحي، أما ألحق أروح وراها قبل ما الموضوع يكبر وأطيب خاطر البيه بكلمتين.
دلفت "ليلى" إلى الفيلا بعدما استجمعت شتَّاتها، فعليها أن تكون قوية اليوم وتخبره إنه من دفعها لهذا.
تفاجأت من خروجه من غرفة مكتبه ثم نظرته إليها وترحيبه بعودتها وقد خرجت نبرة صوته مُستهزءة.
_ أهلًا بالهانم..
قبضت "ليلى" بيدها على حقيبتها التي تُعلقها على أحد كتفيها لتجتذب حركتها انتباهه، فاردف ساخرًا.
_ فين تليفونك؟
اِشْتدَّت قبضتها على حقيبتها وقد تبخرت قوتها واخفضت رأسها.
_ صوتك راح فين.
صراخه عليها جذب انتبه "سيف" و "كارولين" الجالسين بغرفتهم وقد أتى العم "سعيد" مُهرولًا.
_ براحه عليها يا بيه، غلطه ومش هتكرر تاني.
اقترب "عزيز" منها واجتذبها من ذراعها.
_ اعذرني يا راجل يا طيب.
وقف العم "سعيد" مكتوف الأيد وهو يراه يسحبها ورائه صاعدًا الدرج وفور إغلاقه باب غرفتهم، ارتفعت نبرة صوته.
_ الحاج "عبدالجواد" بيشكرلي في أخلاق مراتي اللي خرجت من غير علمي وبيقولي يا زين ما اختارت...
ثم أخذ يدور حول نفسه حانقًا.
_ اتخرستي كده ليه؟
_ صوتك يا "عزيز" ، من فضلك وطي صوتك.
هل تطلب منه أن يخفض صوته وهو جلس لساعات ينتظرها بقلق حتى أتاه اتصال الحاج "عبدالجواد" يخبره أنه رأى زوجته اليوم.
_ حاضر يا "ليلى" هانم هوطي صوتي، لأ وهسقف ليكي كمان..
سقطت دموعها واشاحت وجهها عنه، فخرجت زفراته بمقت وابتعد عنها.
_ اتفقنا على إيه من أول يوم اتقفل علينا باب الاوضة ديه.
اِنتظرها أن تخبره بتلك الضوابط التي وضعوها حتى تصبح حياتهم هادئه لكنها استمرت في بكائها.
_ هتعيطي زي العيال.
بكت بقوة و حسرة وضعف، ليتها تملك قوة النساء اللَّواتي استمعت عنهن، ليتها تمتلك وَالِدَيْن تركض إليهم.
_ ما دام أنا بعيط زي العيال اتجوزتني ليه يا "عزيز".
توقف عن حركته ونظر إليها بنظرة عميقه، فاقتربت منه.
_ زهقت مني مش كده، ما أنا كنت زي الحلاوة اللي طعمها خلاص خلص حتى مبقتش ترضى تلمسني.
لم تتركه حتى يستوعب ما نطقته وصاحت بصوت هز أرجاء غرفتهم.
_ أيوة أنا خرجت من وراك عشان اضايقك وتتخانق معايا.
...
اِندهشت "حورية" من زيارة "رغد" وقد أتت مع "صفوان" بعدما دعاها إلى تناول العشاء معهم.
_ طنط حورية.
هتفت بها "رغد" ثم أسرعت إلى أحضان "حورية" التي فتحت لها ذراعيها مرحبة بها بحفاوة.
_ حببتي وحشتيني أوي، أخيرًا فكرتي تيجي تزوريني.
ابتعدت "رغد" عن حضنها تحت نظرات" صفوان" الذي وقف مبتسمًا.
_ الهانم عايزة تعيش لوحدها.
لم تفهم "حورية" مقصده ليوضح لها الأمر سريعًا.
_ "منتصر" و "لمياء" سافروا لندن عشان عملية "باسم".
تفهمت "حورية" الأمر وقد شعرت بالشفقة نحو "منتصر" و "لمياء".. فهم منذ ولادة" باسم" ويرحلون من بلد لآخر من أجل علاجه.
_ قولي لعمو "صفوان" إني كبرت يا أنطي ومبقتش صغيرة واقدر اعيش لوحدي.
حرك "صفوان" رأسه رافضًا.
_ والله أنا بنفذ طلب صاحبي ومهما كبرتي مش هتكبري علينا يا "رغد".
ابتسمت رغد"، فاحتضنتها حورية مُجددًا بحنان.
_ حببتي أنتِ بقالك فترة كبيره بعيدة عن مصر، ده غير إن الفيلا مفيهاش غيري أنا و" صفوان" والخدم.
_ ليه هو" صالح" مش عايش معاكم ..
تلاقت نظرات" حورية" و" صفوان" لتُدرك" رغد" حماقتها ونظرت حولها.
_ فين صحيح جدو" شاكر" ، عايزه اسلم عليه.
...
وقفت "زينة" أمام المرآة حتى تلتقط لنفسها بعض الصور التي تظهر بعض من تفاصيل جسدها.
ابتسمت عندما تأكدت إنه رأى رسالتها وقد اتجها "هشام" نحو غرفة مكتبه، ليتمكن من رؤية تلك الصور.
تنقلت عيناه من صورة إلى أخرى ثم ابتسم وهو يتحرك نحو طاولة مكتبه وأخذ يُحرك أصابعه على شاشة هاتفه مُرسلًا لها برسالة قصيرة.
_ وبعدين بقى، أنتِ عايزة تعملي فيا إيه يا "زينة".
التمعت عينين "زينة" ثم اتجهت إلى فراشها وتسطحت عليه وكادت أن تبعث له بصورة أخرى إلا أن دخول خالتها المُفاجئ أربكها وجعلها تترك الهاتف من يدها.
قوست "إلهام" حاجبيها بإستغراب.
_ مالك يا "زينة" أتخضيتي كده ليه؟
اعتدلت "زينة" في رقدتها سريعًا ولملمت خصلات شعرها قائلة:
_ واتخض ليه يا خالتو، حمدلله على السلامة وحشتيني أوي.
نهضت من على الفراش واقتربت منها ثم أحتضنتها.
_ روح قلبي أنتِ.
ضحكت "إلهام" ومسكت خديها، فتأوهت "زينة" من فعلتها.
_ أه يا بكاشة، لو كنت وحشتك كنتي سألتي عليا ولا مصدقتي إني غيبت في سفري أسبوع.
_ تفتكري أقدر استغنا عنك يا خالتو.
داعبت "إلهام" خديها بحنان ثم أخذت تمرر يدها على خصلات شعرها المُجعدة وتنهدت قبل أن تخبرها بما عليهن فعله.
_ "زينة"، "عدنان" كلمني عشان نكون موجدين في الفيلا الأيام ديه.. فرح "مراد" بعد أسبوعين ولازم نظهر بصورة العيلة المترابطة
...
اندفعت "حورية" لداخل الغرفة وراء "صفوان"
وهي تستشيط غضبًا من فعلته بالأسفل أمام "رغد" التي ستمكث معهم الأيام المُقبلة إلى أن يعودوا والديها ويستقروا بالوطن.
_ ممكن افهم ليه شجعت "رغد" تسافر أسوان، هي رحلة أسوان مجتش على بالها غير وأبني هناك.
تحرك "صفوان" بالغرفة مبتسمًا ثم استدار نحوها.
_ وفيها إيه البنت لما عرفت إن "صالح" ومراته في أسوان اتحسمت بزيادة وقالت تغير جو.
وبتلاعب اكمل "صفوان" حديثه.
_ وكمان ديه فرصة حلوة تتعرف على "زينب".
احتقنت ملامح "حورية" واقتربت منه.
_ أنت عارف وأنا عارفه إن ده مش هدف "رغد"، مش كفايه إنها هتعايش هنا فترة، "صفوان" أبنك و "زينب" حياتهم بدأت تاخد منعطف جاد.
وبضيق اِستكملت كلامها بعدما زفرت أنفاسها الهادرة من شدة غيظها.
_ لا وقولتلها على اسم الفندق، "صفوان" أنت هتجنني..
تَوَقَّد الدهاء في عينيه، فازدادت ملامح وجه "حورية" اِحتقانًا.
_ أنت مبسوط كده ليه.
رمقها "صفوان"بنظرة مُتسلية رابتًا بكلتا يديه على كتفيها.
_ بكره تعرفي يا "حورية ".