رواية قلبي وعيناك والايام الفصل الثمانون 80 بقلم رحاب ابراهيم حسن

    

 

 رواية قلبي وعيناك والايام الفصل الثمانون بقلم رحاب ابراهيم حسن

 

                     ~.. قرار الطلاق..~

وبهذا الصباح المميز لفرحة، بدت مشرقة بملعتا عينيها الواضحتان، ولون خديها الوردي والابتسامة الجميلة التي وكأنها نقشت على محياها. 
وكان هذا اليوم يخالف ما يريدانه فقد احتشدت فيه المهام والاجتماعات العاجلة لبعض العملاء بالشركة. 

فلم تُتاح أي فرصة لإنفرادهما ولو لدقائق، ولكن عيناه كانت ترسل لها أجمل النظرات العاشقة والماكرة من حين لآخر، وكانت تتحاشى النظر إليه قدر المستطاع بينما قلبها في دفة آخرى من السعادة. 

وجلست فرحة على مكتبها وهي تحرر ابتسامتها حتى اقتحم هدوء المكان خطوات حذاء مزعجة!. 
رفعت فرحة رأسها لتنظر للقادم فوجدتها تلك الشقراء السخيفة 
" ماهي"، نظرت لها فرحة بثقة عالية ولا مبالاة وهي تتوقع شجار مفتعل مو الأخرى، ولكن خالفت ظنها ماهي وقالت بابتسامة مصطنعة بالترحيب: 
 _ صباح الخير يا قمر. 

رفعتفرحة حاجبيها بتعجب للحظات ثم أجابت باختصار وهي تود لو تسألها ما خلف ذلك الزيف: 
  _ صباح النور. 

جلست ماهي قبالتها دون حتى أن تأخذ الإذن لذلك وقالت بمرح وعينيها تؤكدان على أن هناك شيء ما: 
  _ اسمحيلي اعطلك شوية معلش، بس بصراحة جاية اعتذرلك، معاملتي كانت سخيفة في اول مقابلة ما بينا بس مكنتش أعرفك، بيقولوا ما محبة إلا بعد عداوة مش كده؟!. 

بذلك الاسلوب المريب التي تتحدث به ماهي لا تستطع فرحة أن تُحسن النية ولابد من أخذ ولو بعض الحذر فقالت بهدوء: 
  _ حصل خير. 

اغتاظت ماهي من إجابات فرحة المختصرة وكأنها لا ترحب بتلك الهدنة بينهما!!، فابتسمت رغمًا وقالت مرة أخرى: 
  _ يعني بجد مش زعلانة مني؟! .. أنا فعلًا مكنتش أقصد أزعلك، الحقيقة أنا استغربت من وجود سكرتيرة بنت هنا لأن زايد كان رافض المبدأ نفسه من بعد المشاكل اللي حصلتله بسبب كذا سكرتيرة اشتغلوا معاه وحطوا عينهم عليه، زايد زي أخويا وهو بيعتبرني كده برضه فبينا عشم زيادة،  عشان كده استغربت لما لقيتك وسألتك.

وتابعت عندما وجدت فرحة مستمعة لها بتركيز: 
  _ أنتي لو تعرفي المشاكل بتاعت السكرتيرات اللي فاتوا هتعرفي أنا اتعصبت ليه، وزي ما قولتلك زايد زي أخويا ويهمني مصلحته، بس لو كنت أعرف أنك خطيبته كنتي هتلاقي مني معاملة تانية خالص ده أنا كنت بدعيله دايمًا يلاقي بنت الحلال اللي تستحمله. 

وضحكت ماهي واعتبرت قولها مزحة، بينما قصدت التقليل من شأن زايد وكأنها بذلك تنتقم منه، فعبست فرحة واغضبتها الكلمة الأخيرة وقالت: 
  _ تستحمله ؟! 

اظهرت ماهي نفسها بوضع المرتبكة التي تجاهد لتخفي شيء، فحمحمت قبل أن تجيبها وتصحح ثم قالت:
  _ لا أقصد يعني تستحمل حبه لشغله اللي واخد كل وقته. 

هزت فرحة رأسها بابتسامة خفيفة وكأنها مررتها، ولكن شعرت أن تلك الفتاة ليست حسنة النوايا وأنها تضمر الكثير، فنهضت ماهي وقالت بمرح وكأنهما أصبحا أصدقاء: 
  _ هستناكي في فترة البريك نتغدا سوا .. احنا بقينا صحاب بقا ها !. 

ولم تنتظر الرد فخرجت من المكتب على عجل، واطرفت فرحة عينيها بحيرة وبعض الضيق، ليس منه تحديدًا، بل لأنها على ما يبدو سوف تحارب كثيرًا لأجل أن تبعد عيون النساء من حوله!.

وبتلك اللحظة خرج العميل من مكتب زايد وغادر سريعاً، وبعد لحظات خرج زايد واقترب لمكتبها بنظرة مشتاقة والابتسامة تشق ثغره، ولكنها كانت شاردة في أفكارها الخاصة والتي عكرت بعض سعادتها فهمس زايد وقال بابتسامة ماكرة: 
  _ بتفكري فيا مش كده؟ ... 

خرجت فرحة من شرودها ونظرت له بحدة للحظات ثم قالت بعصبية: 
  _ هو أنت ممكن تشغل سكرتيرة عندك وتخني بعد ما نتجوز؟؟! 

رفع زايد حاجباه بدهشة وقال بتساؤل: 
  _ أنتي ما نمتيش امبارح كويس مش كده ؟! ... اكيد سهرتي تفكري فيا. 

وابتسم بثقة مرةً أخرى حتى نهضت واكدت بعصبية: 
  _ لا ما سهرتش .. انا بتكلم بجد !. 

نظر لها بذهول للحظات ثم قال بتعجب: 
  _ وأنا لو عايز أخونك هستنى لبعد ما نتجوز ليه ؟! ... وبعدين هو أنا لو في بالي خيانة هتجوز ليه اصلا ؟! ... ولمعلوماتك أنا بقالي اكتر من ٣ سنين مش بشغل سكرتيرات عندي ومش ناوي!... باستثنائك أنتي طبعاً. 

أشارت فرحة له بأصبعها وكأنها وجدت ضالتها وقالت بحدة: 
  _ ايوة بقا قولي ليه مش بتشغل سكرتيرات عندك ؟!. 

نظر لها بصمت مفكرًا، لو أخبرها لثارت من الغيرة، وأن أخفى عنها ولم يجيب سيزرع الشك بقلبها، فقال معترفا وأمره إلى الله: 
  _ عملولي مشاكل .. وأظن مش دي الأمور اللي نتكلم فيها بالذات النهاردة!. 

صرّت فرحة على أسنانها بغيظ وقالت: 
  _ مشاكل ايه قولي ؟!. 

كتم ضحكته وتماسك ثم قال: 
  _ يعني .. مافيش داعي أقول .. حاجات ماينفعش تتقال ولا تتحكي، أخاف على حيائك يا ملاكي. 

اتسعت عينان فرحة على آخرهما وقد تخيلت ما فعلن ليوقعوه في شراكهن، وكتم زايد ضحكته بمجاهدة وظهر بمظهر الضحية فهتفت به:
 _ وأنت عملت إيه ؟!. 

رد ببراءة: 
  _ أنا كنت في المكتب بشتغل !. 

زمت فرحة شفتيها بعصبية وهتفت به: 
  _ مابعرفش اخد منك إجابة صريحة تريحني لازم تشوفني وأنا هتجنن قدامك عشان تنعم عليا وتجاوبني بصراحة !. 

ضحك زايد للحظات ثم قال بصدق: 
  _ بتبقي لذيذة أوي وأنتي غيرانة، بس الأمر اكيد مش كده بالضبط، كان في منهم كتير الحقيقة تصرفاتهم معايا مكنتش بتعجبني وبتحرجني قدام الموظفين كمان ، وأنا ليا اسمي وسمعتي اللي محبش أن أي حد يسيء ليهم ، والباقي مافهموش الشغل وكانوا مملين، فجبت سكرتير وريحت دماغي والشغل مشي تمام التمام... بس كده!. 

ابتلعت فرحة ريقها وقد هدأت ثم باغتها بسؤاله قائلًا: 
  _ ليه دايمًا شاكة فيا؟! 

قالت معترفة وظهر عليها التوتر : 
  _ ماتنساش أنك حاولت معايا قبل كده عشان توقعني واتنازل عن المحضر بتاع فادي، وموضوع سالي كمان ... حتى لو كان أخوك السبب بس في حاجات غصب عني مش عارفة انساها. 

تفهم زايد حيرتها وقال: 
  _ وعشان كده بفسرلك وبشرحلك، موضوع سالي كان سببه فادي وادخلت لأنها كانت مزقوقة عليه، وانتي كنت هعمل معاكي كده بسببه بس حبيتك ! .. تقريبًا من أول مرة شوفتك فيها، مش سهل أبدًا أن انسان زيي يلاقي الأمان مع حد وخصوصاً لو كانت بنت!. 

نظرت له نظرة كأنها تريده أن يؤكد ما يقوله ويكررها، فقال : 
  _ دي الحقيقة، لو الأمان مجاش مع أول دقة قلب يبقى كل اللي بنعيشه وهم وهنفوق منه في أي وقت، الأمان بيخليني اكمل، مابشوفش راحتي غير مع حد واحد مافيش غيره!، أنما الحب لوحده مش كفاية، الحب لوحده هيفضل حب، الحياة من غيره مستمرة، أنما الحب مع الأمان والثقة هيبقى حياة من غيرها معرفش أعيش!. 

سألته بغرابة: 
  _ أطمنتلي بالسرعة دي ومن أول مرة ..؟!

ابتسم بمحبة وأجاب: 
  _ سؤال عمره ما كان ليه إجابة بتتقال!، ماينفعش نجاوب على سؤال إجابته عمرها ما كانت بالعقل عشان نعرف نعبر عنها! .. أنك تطمني لحد لله في لله كده دي حاجة بتدخل قلبك من غير استأذان، وده اللي حصلي معاكي .. معرفش اتطمنتلك ليه وأمتى وأزاي، يمكن حتى لو سألتيني بحبك ليه هقولك معرفش!، حاجة كده زي اللي هو أنا عايزك ومش عايز غيرك من الدنيا بحالها. 

نظرت فرحة أمامها بابتسامة خجولة وخديها متوردان من شدة الحياء، وكانت إجابته أكثر من كافية لكي ترضى. 

                               *********

وارتفع صوت آذان الظهر بعد مرور بعض الوقت، وتسلل صوت المؤذن حتى غرفة الصغيرة ريميه، وبينما كانت جيهان تنظر لهما بحنان شديد فتحت أيسل عيناها وكأنها تذكرت شيء هاما وقالت: 
  _ آذان الظهر، أصحي يا ريمو نصلي. 

راقبت جيهان ايقاظ الصغيرة والتي اعتدلت بالفراش وهي تفرك عيناها وقالت: 
  _ هنتوضأ الأول يا إيسو زي ما علمتك، تعالي معانا يا ماما جيهان. 

انتبهت جيهان لطلب الصغيرة بحرج وخزي من نفسها، فتلك الصغيرات يلبون النداء وهي المرأة التي تعدت الثلاثون عامًا كانت تتكاسل عن أداء الصلاة!!. 
ولكن نهضت معهم جيهان وتوضأت وساعدات الصغيرات في الوضوء، فقالت أيسل وهي تساعد جيهان في فرش سجاد الصلاة: 
  _ ريمو خلتني أصلي كل فرض يا طنط جيهان. 

وبينما الصغيرتان جاهزتان للصلاة استأذنت جيهان لجلب رداء محتشم من غرفتها مناسبًا، ودقائق قليلة وكانت تسجد بجانبهن لرب العالمين .. وبآخر ركعة جلست جيهان وغرقت عيناها بالدمع بشكل مفاجئ!.
دقائق قليلة، وحركات يسيرة في الركوع والسجود، وما تيسر من القرآن الكريم، ودعوات لربما وافقت ساعة استجابة وفتحت لها أبواب السعادة!... أين كانت هي من كل هذا بالسنوات الماضية؟!...  خرجت جيهان من شرودها على صوت الصغيرة ريميه وهي تدعو مثلما كانت تدعو لأمها ليلى التي علمتها كيف تطلب من الله ما تشاء: 
  _ يارب يارب تدي لماما جيهان فرحة كبيرة كبيرة قد الدنيا، يارب أنا حبيتها أوي أوي يارب. 

تمتمت أيسل بجانبها وآمنت على دعاء صديقتها الصغيرة وقالت : 
  _ يارب حقق دعاء ريمو يارب. 

نظرت جيهان بذهول للصغيرتان وتوهجت عيناها بالدموع وهي تراهما يدعوان لها بتلك البراءة، وتزلزل الأمل وبهجة غريبة بداخلها، لم تشعر بمثل هذا الشعور من قبل!، وختمت ريميه دعاء وتحسست يدها جتى لمست يد جيهان وقالت بابتسامة: 
  _ ماما ليلى قالتلي لما تحبي حد ادعيله وكلمي ربنا عنه، وقالتلي كمان أن ربنا بيحبني وهيحققلي دعوتي، وأنا دعيتلك وكلمت ربنا عنك وهتفرحي فرحة كبيرة قد الدنيا دي كلها. 

انحنت جيهان قليلًا وهي تبك على رأس الصغيرة وقبلتها بقوة شديدة وكأنها تشكرها على تلك الهدية العظيمة التي قدمتها لها، ثم ضمتها بقوة أشد وهي تبك، وبعد لحظات انضمت أيسل لريميه بين ذراعي جيهان وهي تقبلهما بحنان شديد.
ثم قالت وهي تبك بكاءً شديد ولأول مرة تبك دون وخزات الألم: 
  _ أنا عملت إيه حلو في حياتي عشان ملايكة زيكم يحبوني ويدعولي كده !!..، أنا فرحانة وحاسة أن قلبي نور من دعواتكم دي ... أنا بحبكم أوي أوي. 

همست الصغيرة ريميه لها وقالت برقة: 
 _ لو فرحانة أني كلمت ربنا عنك يبقى هكلمه على طول عنك وأدعيلك، كل يوم ..كل يوم. 

نظرت جيهان لوجه الصغيرة الملائكي وقالت بأسف شديد: 
  _ يعني أنتي مش زعلانة مني بسبب اللي قولتهلك قبل كده ؟ 

هزت الصغيرة رأسها بالنفي واكدت ذلك عندما احتضنت جيهان بقوة، فقبلتها جيهان وهي تعتذر بندم شديد وحقيقي: 
  _ حقك عليا حبيبتي ... حقك عليا. 

                            ************ 

وبغرفة وجيه .. 
ترك ليلى على الفراش ودثرها بالغطاء الثقيل، ثم توجه للباب حتى يرى من الطارق!.. وعندما فتح الباب وجد أنها زوجة أخيه الراحل وأم البنات " وداد" ... قالت وداد وهي تستند على الحائط وتأخذ أنفاسها بالكاد: 
  _ لموأخذة، جيت اتطمن على ليلى ... لسه عارفة دلوقتي والله يا دكتور وجيه. 

أسند وجيه ذراعي السيدة حتى تدخل الغرفة وأجاب عليها: 
  _ اتفضلي .. هي بقت احسن شوية. 

جلست وداد على مقعد قرب الفراش وهي تلهث ثم قالت بعفوية : 
  _ وريميه كمان ايه اللي حصلها ؟! .. روحتلها من شوية بس قالولي نايمة ، مين البنت اللي زقتها في المية دي ومسكتوها ؟! 

اتسعت عينان وجيه ونظر لليلى بخوف والذي يعرف انها استمعت لما قيل، ولكن وداد غير مُلمة بحالة ليلى واعتقدت أنها نائمة ! ... فانتفضت ليلى في مكانها وارتجف جسدها بعنف كأن لامسها صاعق كهربائي وهي تئن وتبك، ثم صرخت وهي ترتجف بعنف شديد وكأنها تجاهد لتفتح عيناها ... وتجمد وجيه للحظات وهو يراها هكذا! 
ويبدو ان ليلى كافحت لتفتح عيناها وتصرخ مطالبة بأبنتها فقالت بصراخ وكأنها ستلفظ أنفاسها الأخيرة: 
  _ بنتي ....بنتــــــــي !!!! 

هرع اليها وجيه واحاط جسدها بذراعيه ليطمئنها، وشعرت وداد وكأنها ارتكبت جرما بما قالته وشحب وجهها، صرخت ليلى وهي تنظر لوجيه بنظرة استغاثة:  
 _ فين بنتي ؟! ... هاتلي بنتي !. 

نظر وجيه لليلى التي استفاقت من غفوتها البعيدة وقال لها : 
  _ اهدي حبيبتي ريميه بخير ... اهدي وهحكيلك اللي حصل ... 

ومن قلب المحنة منحة!، هكذا شعر وجيه للحظات عندما رأى ليلى بدأت تأخذ أنفاسها بالتدريج وعيناها مفتوحتان أخيرا، مرر يده لى رأسها بحنان وقال مؤكدا: 
  _ والله العظيم ريميه بخير، هي وأيسل مع جيهان، اهدي وهفهمك اللي حصل ... 

نهضت وداد وعيناها بدأت تغرورقان بالدمع وقالت بأسف: 
  _ مكنتش اعرف اني ... 

نهض وجيه وقطع حديثها بامتنان وقال: 
  _ يمكن اللي عملتيه ده انقذها من اللي هي فيه، المفروض أشكرك ... 

لم تفهم وداد الأمر تمامًا ولكن يكفي انها لما تسبب أزمة وانسحبت من الغرفة سريعا، وعاد وجيه لليلى وأخذها بين ذراعيه بتنهيدة عميقة وقال: 
  _ حمد الله على سلامتك يا ليلى، كنت مرعوب تفضلي بالحالة دي ... 

بكت ليلى وهي تترجاه : 
  _ بنتي فين يا وجيه ؟ .. وايه اللي حصلها ؟! 

قبّل رأسها وقال بحنان : 
  _ هروح أجيبهالك عشان تتأكدي أنها بخير. 

ونهض مبتسما لها وخرج من الغرفة، وعاد بعد دقائق ومعه الصغيرة ريميه التي استقبلتها ليلى بذراعان مفتوحتان وبكل شوق ومحبة.
قالت الصغيرة بهدوء: 
  _ أنا كويسة يا ماما، ماما جيهان فضلت معايا لحد ما هديت خالص ومابقتش خايفة ... 

تعجبت ليلى للحظات ونظرت لوجيه، والذي بدور اومأ برأسه مؤكدًا على قول الصغيرة، وسلم وجيه الصغيرة للمربية العجوز لتسلمها لجيهان مرة أخرى بالطابق الأرضي حتى يستطيع شرح ما حدث لليلى ... فجلس قبالتها وقالت : 
  _ طمنتك على ريميه قبل ما اشرحلك اللي حصل عشان تهدي. 

استمعت ليلى لما رواه بما يخص حادث الصغيرة وتلك الخادمة، ذعرت ليلى وارتجف جفناها خوفا وتيهة!! ... ثم ختم وجيه قوله: 
  _ البنت دي لازم تواجهيها باللي عملته، لازم أعرف ليه كانت عايزة تعمل في ريميه كده ! ... 

صرّت ليلى على أسنانها لنظرة انتقامية ولكن عندما نظرت له كانت عيناها مليئة باللهفة وقالت:
  _ قبل أي حاجة عايزة اشوف جيهان الأول ... 

                               ********** 

وبغرفة الطابق الأرضي ... 

ربتت جيهان على رأس الصغيرتان التي خلدا للنوم بمجرد سرد قصة مسلية، ابتسمت لهن وهي تنهض، وعند ذلك فتح باب الغرفة ودلف وجيه ومعه ليلى التي كانت تستند على ذراعه ...

نظرت لهما جيهان بابتسامة وتقدمت خطوات، وذهبت اليها ليلى أيضا والتي دون مقدمات أخذتها بين ذراعيها وهي تشكرها بشدة .. فنظرت لها جيهان وهي تربت على يدها وقالت ليلى: 
  _ أنا مش عارفة اشكرك أزاي على اللي عملتيه مع بنتي؟! .. مش عارفة أقولك إيه ؟! ... مش عارفة اردلك معروفك ده أزاي ؟! ... أي كلام هي قليل أوي في حقك ... أنا اسفة على كل مرة فهمتك فيها غلط أو كرهتك فيها. 

ابتسمت جيهان وقالت : 
  _ أنا ما عملتش حاجة يا ليلى، أي حد في مكاني كان هيعمل نفس اللي عملته، يمكن دي كانت كلمة الاعتذار اللي اقدر اقدمهالك انتي وريميه وتسامحوني عن اللي اللي قولته قبل كده، تسامحوني قبل ما أمشي من حياتكم ... 

ذهلت ليلى من جملتها الأخيرة، ونظر وجيه لجيهان بصمت مطبق حتى اكدت جيهان وهي تنظر لهما بنفس ابتسامتها: 
  _ وجيه خيرني قبل كده اكمل ولا اختار الطلاق، اخترت اكمل ... بس دلوقتي بختار الطلاق ... 

هزت ليلى رأسها برفض وبكت !!! ... ثم قالت : 
  _ انتي كده بتعاقبيني !! ... انا بوعدك اني مش هعمل أي شيء ممكن يضايقك وهنعيش كلنا سوا في بيت واحد وهنبقى مبسوطين والله. 

هزت جيهان رأسها بالنفي وقالت: 
  _ لا يا ليلى ، أنا عارفة أنك بتحبيه وعمرك ما هترضي بحد يشاركك فيه، بس أنا حكايتي معاه حكاية تانية خالص ! 
حكايتي مع وجيه مكنتش حب ! ... كانت خوف وهروب من الوحدة، ومن الناس وكلامهم وطمعهم فيا، كانت احتياج أني اكون مع انسان عايزني ... عايزني أنا .. جيهان! 
وجيه بالنسبالي كان الانسان الوحيد اللي مطمعش فيا، الانسان الوحيد اللي اكرمني في معاملته واحترمني حتى بعد الانفصال، اللي وثقت فيه ومهزش ثقتي ولا خانها ... فطبيعي كنت الجأله بكل ضعفي ده ... بس أنا دلوقتي مابقتش ضعيفة يا ليلى، حاسة أني لقيت نفسي التايهة مني، نفسي اللي تستاهل تتحب، نفسي القوية اللي هتقويني وهتخليني قادرة أواجه أي حد من غير خوف ... قادرة أواجه مجتمع شايف المطلقة سلعة متاحة وسهلة بأقل تمن! ... قادرة أواجهة وحدتي واتونس بأمل جديد قلبي شايفه في بكرة وفي كل دعوة بسجد بيها لربنا.. 
قادرة أواجه كل لحظات ضعفي واقولها أسفة مش هتتكرري تاني في حياتي. 

اقترب وجيه لجيهان وقال برجاء: 
 _ جيهان لو سمحتي أنا.. 

قاطعته جيهان بابتسامته التي رافقت دموع عيناها: 
  _ وجيه ... صدقني مش هفتكرك غير بالخير، أنت حاولت تعدل ما بينا بكل طاقتك، نجحت أو فشلت مش ده اللي بقا شاغل تفكيري .. اللي شيفاه دلوقتي أنك فعلا حاولت، أنا محبتكش يا وجيه .. !، أنا كنت محرومة أمان، وأنت كنت الانسان الوحيد في حياتي مصدر الامان والثقة بالنسبالي فاهم الفرق؟!.، لا أنت حبتني ولا أنا حبيتك يبقى ليه نكمل ونضغط على بعض؟!. 

وتابعت بنظرة شاردة: 
  _ كانت غلطة كبيرة أني اتغاضى عن معرفتي انك لسه بتحب واحدة تانية ومع ذلك اصريت اكمل!، بس رغم كل شيء أنا مبسوطة بالتجربة دي، لولاها مكنتش هحس بالاحساس اللي حساه دلوقتي ... على الأقل فهمت نفسي وعرفت عايزة إيه، فهمت ضعفي ولقيت قوتي.

وقبل أن يقول وجيه جملته قالت جيهان بثقة : 
  _ طلقني يا وجيه ؟ 

هتف وجيه بها وظن انها تحتاج لبعض الوقت كي تهدأ، هو يعرف كم يدفعها الحزن لقرارات ستحزنها أكثر : 
  _ هسيبك تهدي ... ونتكلم. 

كررتها جيهان بثقة عالية ورغبة حقيقية: 
  _ طلقني ارجوك ... هو ده اللي هيريحني، وهيريحنا كلنا ... 

رفض وجيه وقال : 
  _ أسف يا جيهان ، مقدرش اطاوعك في اندفاعك، انتي ملكيش غيري تقريبًا ومسؤولة مني ... لو طلقتك هسيبك لمين ؟! 

قالت جيهان باصرار: 
  _ انا مش جيهان بتاعت زمان يا وجيه؟! ... ومقدرش اكمل في علاقة تعيسة فيها !! ... الكارثة اللي اكتشفتها انك حتى لو قدمتلي الحب مش بفرح من قلبي بجد ؟! ...  يبقى ليه استمر واسبب لينا احنا التلاتة التعاسة والمشاكل؟! .. أنا همشي وسايبة ذكري جميلة تفتكروني بيها، مش عايزة اكون سبب في مشاكل لليلى اكتر من اللي عملتها قبل كده ! ..  

زفر وجيه بقوة وقال مصرا: 
   _ برضه هسيبك تهدي الاول ... 

وخرج من الغرفة، وكانت ليلى تستمع لهم في حالة من التأرجح !! .... فقالت جيهان لها بتأكيد: 
  _ وجيه حاسس بالذنب من ناحيتي عشان كده رافض الطلاق! ... رغم أني حقيقي مش محملاه أي ذنب !! .. 

ردت ليلى قائلة بصدق: 
  _ وأنا رايي من رأيه يا جيهان، قرار الطلاق عمره ما كان قرار بيتاخد بين يوم وليلة! .... يمكن الفترة اللي فاتت حصل بينا مشاكل كتير بس دلوقتي أظن أننا قادرين نفهم بعض ونقدر مشاعر بعض ونعيش كلنا مع بعض من غير مشاكل ... 

هتفت جيهان بعصبية وضيق شديد: 
  _ ليه مش قادرين تفهموني؟! ... انا مش عايزة حد يشفق عليا كفاية كده !! ... انا بصلح غلطة عملتها عشان حياتنا تتصلح !! ..  أنا مش مبسوطة مع وجيه !! ... آه عايشة معاه بس اكتشفت أني محتاجة معاه الحب ! ... الحب اللي أي واحدة في الدنيا بتحلم بيه وبتتمناه !  ... 

صمتت ليلى ولم تعرف بماذا تجيبها؟! ... 

                              ********** 

وبينما وقد كانت جميلة تجلس بجوار جاسر على شاطئ البحر بالرمال المبللة أغراها مشهد الموج ونهضت قائلة: 
  _ هعوم شوية في المية ... 

نظر جاسر للموج المرتفع وقال برفض: 
  _ لأ بلاش دلوقتي ....

اغتاظت منه جميلة ثم نظرت حولها جيدًا ووقع نظرها على صخرة بعيدة فقالت: 
  _ طب هروح اقعد على الصخرة دي .... 

نهض جاسر من مكانه ونظر للصخرة جيدًا ثم قال : 
  _ طب استنيني هنا دقيقة، هدخل الفون ده جوا في الشاليه واجيلك ما تتحركيش . 

ولكن جميلة جذبها المشهد بقوة وانتظرت حتى ذهب جاسر وركضت جميلة اتجاه الصخرة التي جاهدت كي تعتليها، ولكن انزلقت قدماها بسبب الريم الأخضر الناعم الملتصق بالصخرة وجرفتها المياه بعيدًا ... وهي تطفو وتنخفض صارخة باستغاثة. 

❤️❤️
وبينما وقد كانت جميلة تجلس بجوار جاسر على شاطئ البحر بالرمال المبللة أغراها مشهد الموج ونهضت قائلة: 
  _ هعوم شوية في المية ... 

نظر جاسر للموج المرتفع وقال برفض: 
  _ لأ بلاش دلوقتي ....

اغتاظت منه جميلة ثم نظرت حولها جيدًا ووقع نظرها على صخرة بعيدة فقالت: 
  _ طب هروح اقعد على الصخرة دي .... 

نهض جاسر من مكانه ونظر للصخرة جيدًا ثم قال : 
  _ طب استنيني هنا دقيقة، هدخل الفون ده جوا في الشاليه واجيلك ما تتحركيش . 

ولكن جميلة جذبها المشهد بقوة وانتظرت حتى ذهب جاسر وركضت اتجاه الصخرة التي جاهدت كي تعتليها ولكن انزلقت قدماها بسبب الريم الأخضر الناعم الملتصق بالصخرة وجرفتها المياه بعيدًا ... وهي تطفو وتنخفض صارخة باستغاثة. 

أتى جاسر هارعا اليها إثر صرختها واتسعت عيناه على آخرهما بذهول وهو يرها تحاول النجاة بين براثن الموج الشديد، اسرع وقذف بنفسه في الماء واستطاع بصعوبة التقاط يدها وسحبها للشاطئ وهو يلهث. 
وعندما استطاع أخراجها كانت جميلة مغشى عليها تمامًا فحملها على ذراعيه حتى الكابين.
وبعد مضي بعض الوقت استفاقت جميلة ببطء ووجدت نفسها ممددة على فراشها بملابس أخرى جافة!!! 
حملقت بملابسها وخمنت ماذا حدث ومن استطاع فعل ذلك!، ابتلعت ريقها بخجل شديد حتى فتح باب الغرفة وأتى جاسر وبيده صينية عليها عدة أطباق من طعام شهي الرائحة...

ابتسم لها فور دخوله وقال وهو يضع ما بيده على المنضدة القريبة لها: 
  _ اللي كانت هتغرق وهتغرقني معاها !! 

مرر الأمر بمزاح وتابع: 
  _ عملت اكلة سريعة كده، وأنتي محتاجة تاكلي كويس. 

شعرت جميلة وهي تعتدل على الفراش بنوبة دوار شديدة وقالت: 
  _ حاسة بدوخة جامدة !! 

رد جاسر وهو يرفع لها قطعة لحم مشوي مغروز بشوكة معدنية: 
 _ ده طبيعي، لازم تاكلي كويس زي ما قولتلك. 

وكي لا تطيل في الجدال اطاعت الأمر واكلت قطعة اللحم، ثم نظرت للملابس مرة أخرى بتوتر، فابتسم جاسر بخبث وقال: 
  _ آه انا اللي بدلتها، مين يعني اللي هبيبدلها غيري؟!. 

توترت جميلة بعصبية وقالت: 
  _ آه وبعدين عملت ايه ؟! 

لم يروقه عصبيتها وانزعج حقا فقال: 
_ محصلش حاجة، وبلاش النبرة دي ماتنسيش اني جوزك !!! 

ونهض من مكانه وتوجه ناحية الشرفة مواليًا ظهره لها في غضب، شعرت جميلة بأن سؤالها كان سخيفا حقا ولا داعي له، فنطقت اسمه حتى يأتي ولكنه لم يعيرها أي انتباه، وكررت الأمر ولم يجيب فقررت النهوض والتحدث معه. 
ولكن ما أن لامست قدميها الأرض وقد اقتحمتها موجة دوار شديدة جعلت الرؤية أمامها مشوشة، فسقطت على الارض بعدما تعثرت وصرخت. 

وفجأة وجدت نفسها محمولة على ذراعيه حتى الفراش، نظرت له بعدما اجلسها مرة اخرى على الفراش ، وقبل أن يبتعد غعنها تمسكت بذراعه، نظر لها جاسر بوجه لا تعابير له فقالت: 
  _ أنا أسفة مكنتش أقصد. 

جلس جاسر أمامها ورفق بحالتها وقال وهو يمرر يده على شعرها برقة: 
 _ محصلش حاجة، المهم أنتي كويسة ؟ أنا كان ممكن يجرالي حاجة لو مطلعتيش من البحر سليمة، كويس أنك ماشوفتيش حالتي كانت أزاي وانا بفوقك بعد ما جبتك هنا. 

نظرت له للحظات وغزى قلبها ندم شديد على العذاب الظاهر بعينيه فارتمت على صدره باكية، ضمها جاسر بقوة وحاول أن يطمئنها كي تكف عن البكاء، ولكنه عندما شعر أن مقاومته ستخونه ابتعد ونهض من مكانه قائلًا بتهرب: 
  _ هروح اعملك حاجة دافية تشربيها. 

قالت جميلة بدموع : 
  _ أنا بحبك أوي، حاسة أني بحبك النهاردة من اول وجديد، مش أنت جاسر اللي أعرفه ومش أنا جميلة بتفكيرها بتاع زمان، أنا مش خايفة منك .. أنا مش مطمنة لحد قدك في الدنيا. 

وقبل أن تتابع كلمة أخرى كان هو أقرب من أي حديث آخر، وكلمات أخرى، ودقائق ثقيلة، وأخذها إلى أمان لقائهما الحلال. 

                               *********

بعد قرار جيهان بالطلاق، نبض بداخله شيء، شيء جعله كالمتأرجح على ضفاف الحيرة والتردد. 
توجه لغرفة مكتبه، وأمر الخدم بعصبية أن لا يقتحم خلوته مخلوق حتى لو كانت ليلى نفسها ..! 
وهذا ما أثار الريبة والتساؤلات بذهن الخدم، لأن بهذا الظرف خصيصاً من الصعب أن يبتعد عنها بتلك الطريقة!. 

وأغلق وجيه باب مكتبه جيدًا، احكم غلقه حتى يستطع أن يفكر بتأن ويدرك الدفة الحقيقة لمشاعره المشتتة تلك!. 
جلس خلف مكتبه وشردت عيناه للبعيد، يحاول أن يتذكر كل ذكرياته مع زوجته الأولى جيهان، كم كان جافا وغير مهتماً معها؟! 
أم أن عقدة الذنب التي تحلق بضميرة هي من تهيئ له جميع الصور المزيفة كي تشير بأصبع الأتهام. 

وعاد وهز رأسه رافضا منحنى أفكاره، هو قدم ما يستطيع تقديمه، الرفق والرعاية والأمان، أما قلبه فخارج سيطرته في الحقيقة، ولكن يعود لنفس النقطة. 
أن قرارها بالانفصال هو السبب الأول والأخيره فيه. 

القى وجيه رأسه بتنهيدة ثقيلة مُحملة بشعور مخيف بالذنب. 

                               ******* 

والتزمت ليلى غرفتها، بغمار حرب نفسية وخوف اجتاح عقلها وقلبها، لم تستطع أن تحدد أي شيء يخفيها أكثر فبات حتى صوت الهواء يرتعد له قلبها!. 
لم تحدد أي قرار سيتخذه وجيه سيسعدها اكثر، سواء موافقته أو رفضه قرار جيهان فالأمران لهما مساوئ ليست بهينة. 

تنهدت بضيق ونهضت من فراشها وجهة النافذة لتستنشق بعض الهواء، ورغم تيبس جسدها بعض الشيء ولكن تحتاج لبعض الهواء المنعش. 
ودقائق وكانت قررت النزول والتحدث معه، لن يفيد كثرة التفكير وتلك الحيرة، فالحديث معه الآن أكثر ما يجعلها تقف على ارضا ثابته. 

وبعد دقيقتان كانت تقف أمام مكتبه وتستعد لأن تطرق الباب، ولكن أوقفتها خادمة وقالت لها بتنبيه: 
  _ معلش يا ست ليلى، بس الدكتور محذر أن حد يدخل المكتب دلوقتي. 

لم تبالي ليلى بالأمر فهي تعرف أنها مستثناه من هذا التحذير فقالت بتفهم: 
  _ أنا مش أي حد متخافيش مش هيضايق. 

ابتلعت الخادمة ريقها بتوتر ثم قالت : 
  _ هو قال حتى أنتي ما تدخليش

وهنا التفتت ليلى للخادمة بصدمة!، وعجز تفكيرها عن ايجاد مبرر لقوله هذا!، وارتعشت اناملها على مقبض الباب حتى ارتخت وأنسحبت ببطء، وقالت والتمعت عينيها بالدموع: 
 _ هو قال كده ...؟!

هزت الخادمة رأسها بعطف على حالة ليلى ودموع عينيها التي لا تبخل عند اقل مؤشر للألم، وابتعدت الخادمة وتركت ليلى تسير ببطء شديد لتعود ادراجها وتجر أذيال الخيبة. 

وبغرفتها ...

تمددت ليلى على فراشها والدموع تملأ عينيها، وتذكرت فجأة طبيبتها النفسية، سحبت هاتفها وأجرت الاتصال سريعاً حتى أجابت الطبيبة مروة سريعا: 
  _ معاكي يا ليلى، خير طمنيني عليكي..؟! الحمد لله أنك اتحسنتي يا حبيبتي، أنا بجد مبسوطة جدًا وكنت متأكدة أنك هتتحسني في اقرب وقت. 

تحدثت ليلى بدون مقدمات طويلة وتسربت الدموع من عينيها وهي تشرح ما حدث في الساعات الأخيرة، فقالت مروة برفق: 
  _ أنا مش فاهمة أنتي زعلانة ليه بصراحة؟!، أي حد فينا بيجيله وقت وبيبقى محتاج يفكر مع نفسه من غير تدخل من أي حد حتى لو اقرب الناس ليه، هو اكيد حاسس بالذنب من ناحية جيهان، وده أمر طبيعي بالنسبة لشخصية دكتور وجيه. 

شعرت ليلى وهي تتحدث بحرقة غريبة بقلبها وقالت بصدق ودموع: 
  _ عارفة يا مروة أنا أول مرة أخاف على قلبه !..، أول مرة أبقى خايفة لقلبه يميل لواحدة تانية، احساس عمري ما حسيته مع وجيه، وعمري ما تخيلت اني أحسه معاه. 

ردت مروة بشيء من المرح لتحاول تخفيف ما تمر به وقالت: 
  _ خايفة إيه بس يا شيخة قولي كلام غير ده، دكتور وجيه محدش بيعرف يحب زيه، اللي خلاه ما ينسكيش ١٠سنين وانتي بعيد، هيحب غيرك وأنتي مراته!.... أنا مش بحسد يعني. 

وختمت جملتها بضحكة، فقالت ليلى بمحاولة أن تصدق حديثها: 
  _ طب فهميني اللي بيحصل، أنا واثقة فيكي وفي تفكيرك وأنك بتطلعي صح كل مرة. 

ابتسمت مروة وقالت: 
  _ هعتبر ده مدح، بس زي ما قولتلك يا ليلى، الموضوع مش أكتر من احساس بالذنب من ناحية جيهان، وعمومًا الموضوع ده محتاج قاعدة معاكي وكلام كتير، هحاول اجيلك بكرة بأذن الله. 

قالت ليلى برجاء: 
  _ تبقي عملتي فيا معروف، محتاجة اتكلم واخرج اللي جوايا، لأن انا كمان للأسف حاسة بالذنب من ناحية جيهان، خصوصا بعد اللي عملته مع بنتي النهاردة.

تعجبت مروة من الأمر ولكن أجلت فهمه لمقابلة الغد فقالت: 
  _ بكرة بأذن الله هجيلك على العصر كده وتفهميني اللي حصل كله. 

وانتهى الأتصال، والذي استطاع أن يقتنص قطاع طويل من خوفها وتوترها، وذهبت ليلى نحو النافذة مجددًا حتى لا تترك نفسها للنوم وربما يأتي وجيه وقد تاهت بغفوتها. 

ولم تشعر كم مر من الوقت وهي تقف شاردة أمام النافذة حتى دقت أجراس عقلها عندما شاهدت وجيه يجر جيهان من يدها ويدخلها سيارته..!!!! 

لم يكن الأمر به قسوة أكثر ما يبدو أنهما عشاق !!! 
انتفض قلبها بهلع وهي تراه يربت على وجه جيهان برفق شديد وكأنها ستنكسر بين أنامله وينظر لعينيها بنظرة عميقة ويتحدث وكأنه يرجوها!.

استندت ليلى على الحائط كي لا تسقط وهي تكتم فمها من الصراخ والبكاء. 
وفي حالتها تلك اقتحم جحيمها هذا صوت نقر على باب الغرفة، تجاهلته ليلى وهي تكتم صراخها وتبك بحرقة، ولكن عندما اشتد الطرق صرخت ليرحل الطارق أي ما كان، فقالت الخادمة بنبرة اعتذار وقلق: 
_ معلش يا ست ليلى بس دكتور وجيه بيقولك ريميه وأيسل في أوضة الست جيهان خليكي معاهم، هو ممكن يتأخر برا. 

وكانت تلك ضربة أشد من سابقتها، صدمة جعلت جسد ليلى يتجمد للحظات حتى ارتمت على فراشها بضعف وتحول جمودها لارتجاف شديد وكأنها محمومة. 

انتبهت الخادمة لصوت أنين فدخلت الغرفة ووجدت ليلى على حالتها هذه فهرعت اليها بخوف وقالت: 
  _ مالك يا ست ليلى ؟! 

استطاعت ليلى النطق بعض الشيء وقالت: 
  _ خلي الدادة مع البنات، ما تسيبهمش لحظة واحدة، وسيبيني لوحدي. 

نفذت السيدة الأمر دون نقاش وذهبت لعملها بالقصر، بينما ليلى ازدادت حالتها سوءً وكلما تخيلت إلى أين سينتهي الأمر كلما اشتعلت بقلبها النيران وتوهجت. 

                                    *******

عيناه شاردة ويداه تحرك عجلة القيادة بثبات، اختلست جيهان نظرة جانبية سريعة عليه ثم نظرت أمامها وقالت بهدوء: 
  _ ممكن أعرف رايح على فين ؟!. 

تنهد وجيه تنهيدة عميقة كأنه يهرب من شبح يقفز أمامه، ثم أجاب والتيهة مرتسمة بعيناه: 
  _ هنروح مكان هادي نبات فيه النهاردة، ونبقى براحتنا أكتر. 

فنظرت له جيهان وتمنت أن لا يكون الأمر كما تفكر، ولا أن ينساق هو تحت مشاعر الشفقة التي ستجعله في استماته لكسبها مجددًا، وظلت صامتة حتى ترى إلى أين سينتهي الطريق بهما. 

وعند أحد الفنادق المُطلة على النيل أوقف وجيه سيارته، وأخذها إلى حيث نفس الغرفة التي تشاركها مع ليلى سابقاً، ومع الفته مع العاملين بالفندق شكت جيهان بشيء، فقالت وهما يسيران نحو أحدى الغرف العلوية: 
  _ أظاهر أنك معروف هنا. 

حاول أن يتهرب من الإجابة فقال وهو يشير للغرفة المقصودة: 
  _ حجزت الجناح ده الليلة، المنيو هيجي دلوقتي واختاري اللي تحبي تاكليه، ولا اختارلك أنا؟. 

قال لها ذلك بابتسامة وهو يجر مقعد لطاولة لفردين فقط تتوسط الممر المؤدي للغرفة، فجلست جيهان وبدا المكان حولها شاعري جدًا، خاصةً مع آخر ساعات النهار.

فأجابت وهي تنظر لعيناه بعمق علها تكشف ما خلفهما من أفكار: 
  _ مش جعانة دلوقتي، ممكن نتكلم ؟ 

وبلافته لم تعتاد عليها مسك وجيه يدها اليمنى وقبلها برفق، ثم ابتسم لها قائلًا برقة: 
  _ احنا جايين هنا نقضي يوم لطيف مش لازم جدال يا جيهان، اجلي الكلام لوقت تاني. 

حدقت جيهان به وبيدها المسجونة بين يديه وبدأ الشك بقلبها يزيد أكثر، سحبت يدها بهدوء وبدا الانزعاج واضحا على محياها بقوة، ولكنه لم يعلق رغم ملاحظته لذلك!. 

وطلب وجيه قائمة الطعام من اختياره كليًا، وتحدث بأحاديث عشوائية وهما يتشاركا الطعام بهدوء، ولكنها كانت تراقب نظرات عينيه البعيدة، استطاع بنجاح تمثيل دور الزوج المحب ولكن فشل فشلا ذريع في تخطي نظرات اللهفة والاشتياق لأمرأة أخرى. 

وبعد انتهاء وجبة الطعام انتظرت أم تتحدث معه، ولكنه أخذها للغرفة وقال: 
  _ ها بقا إيه رأيك في المكان ده؟.... الجناح ده أفضل جناح في الفندق كله. 

قالت جيهان باختصار لترضيه: 
  _ جميل .. 

قال بتعجب وهو يخلع معطفه الخريفي: 
 _ جميل بس؟! ... ده يجنن، ليلى بتحبه جدًا و..

التفتت جيهان له بسرعة البرق، وبنفس السرعة أدرك وجيه خطأه فنظر بتوتر لجيهان للحظات ثم ابتسم ليغطي على ذلة اللسان تلك وقال: 
_ لو مش عاجبك ممكن اشوف مكان تاني لو حابة. 

صمتت جيهان وابتلعت غضبها، فضلت عدم الحديث وهي بهذا المزاج السيئ، مهما تظاهر بالحب فقلبه تملكه ليلى فقط مهما فعل!. 
اقترب منها وعينيه يشع منها الاعتذار واضحا، ثم قبّل رأسها وبدا أنه يريد أكثر من ذلك، ولكن عندما حاول كسبها وتظاهر بمظهر الزوج المحب اعترض قلبه ونطق اسم ليلى. 

تجمدت جيهان عندما سمعت اسم ليلى بتلك اللحظة خاصة وابتعدت عنه بنفور شديد، نظرت له بدموع وقالت : 
  _ أنا كده اتأكدت، بس مكنتش مصدقة أنك ممكن يوصل بيك الأمر للشفقة يا وجيه ؟! 
للدرجة دي بقيت مثيرة للشفقة بنظرك؟! 
صعبت عليك !! ... 

توتر عروق فكيه ورقبته من ارتباكه، ولم يقول أي شيء، حتى اقتربت منه جيهان مصدومة وقالت: 
  _ مافيش غير احتمالين اقدر أفسر بيهم تحولك الغريب ده، يأما صعبانة عليك يأما احساسك بالذنب ناحيتي اجبرك على كده!، الاحتمالين أبشع من بعض ! 
لا وجبتني هنا، المكان اللي شاركتها فيه وحبيته عشانها!!، جبتني عشان بس تدي لنفسك مبرر أنك بتعاملني زي ما بتعاملها في كل حاجة!. 

_جيهان أنا ...
قاطعته بغضب ودموع: 
 _ أنت إيه بس ؟! ... أنت عارف أني رجعتلك لأني محتجالك، لكن الشفقة دي انا عمري ما هقبلها على نفسي مستحيل، ولا هقبل أنك تمثل عليا الحب عشان حاسس بالذنب !! 
أنت حتى معرفتش تمثل وقلبك مطاوعكش تنطق غير اسم ليلى يا وجيه !! 

نظر وجيه بنظرة حزن شديدة لها ورمته بنظرة قاسية، فقال  صادقا: 
  _ سامحيني يا جيهان، صدقيني حاولت اعدل ما بينكم، حاولت ومجرد ما بحس اني وجعتك أو ظلمتك بكره نفسي. 
أنا عمري ما كنت سبب في أذية انسان ولو بكلمة، ورغم محاولتي دايمًا أني اعدل بس عارف انك اتظلمتي. 

مسحت جيهان عيناها واقتربت منه ووقفت أمامه ثابته وكأنها استعادت ثقتها بنفسها كاملة، وهذه المرة هي من أخذت يده بين يديها وقالت بصدق: 
  _ أنا عارفة أنك حاولت، وعارفة أن لو في ظلم وقع عليا يبقى أنا أول من ظلمت نفسي، وعشان اريحك أنا مسمحاك، صدقني هبعد وانا مش جوايا أي شيء وحش ليكم بالعكس ، أنا هفضل أثق فيك وفي رأيك، هنفضل شركا في المستشفى، هتفضل أصدق حد موجود في حياتي ... بس مش بصفتك زوج. 

ابتسمت وهي تحبس دموع عيناها أمام نظراته الثابته عليها: 
  _ أتمنى أقابل انسان يحبني زي ما بتحب ليلى، أنا مش زعلانة من أي حد فيكم وعايزاكم تسامحوني لو غلطت في حقكم، بس كل اللي عايزاه دلوقتي إنك تطلقني. 

سألها بصدق: 
  _ أنتي متأكدة أن ده اللي هيريحك ؟!

هزت رأسها بكل تأكيد وثقة دون لحظة تردد: 
  _ هينقذنا احنا التلاتة، ليلى محتجالك اكتر مني هي وريميه، ماينفعش بعد سنين الفراق دي كلها يبقى نصيبها فيك جزء منك..!، وأنا على الأقل هيبقى ليا الفرصة أني احلم تاني بحد تاني ممكن الاقي معاه اللي بتمناه. 

وجيه : أنتي طالق يا جيهان. 

 
                             ********** 

وقف وجيه بسيارته أمام المنزل، أخذ نفسا طويلا مليئا بالارتياح والأمل، وشوق عنيف لرؤية ليلى .. حبيبته الأولى والأخيرة ..

وتركه سيارته واسرع للداخل، وستفهمه وتتفهمه، ويشرح سبب تصرفه الأخير...ولكنه عندما دخل الغرفة خلصتهنا وجدها فارغة، وأكثر ما جمده هو أبواب الخزانة المفتوحة والفارغة من أكثر من نصف ملابسها!!! 

تعليقات



×