رواية مابين الحب و الحرمان الفصل السادس بقلم ولاء رفعت على
و في منزل حبشي، تمكث بداخل غرفتها منذ ليلة الأمس يجافيها النوم تحتضن صورة والدتها و والدها كم تمنت إنهما يعودا إلي الحياة ربما لم يحدث لها ما تتلقاه علي يد شقيقها الظالم الذي لديه إستعداداً و دون تردد بيع شقيقته إلي من يزيل عنه مسئوليتها و لا يصرف قرشاً واحداً، فالبخيل مثله لا يصرف سوي عندما يوقن أن الجنيه عندما يخرج من جيبه سوف يعود إليه أضعافاً مضاعفة.
طرقت هدي الباب و قالت من خلفه:
- ليلة يلا عشان آذان المغرب هيأذن أهو.
أجابت الأخري:
- مليش نفس يا هدي كولي أنتي و العيال، و معلش سبيني لوحدي و لا أقولك اعتبروني هوا في البيت.
أدارت المقبض و ولجت إليها قائلة بعتاب جلي:
- طيب أنا ذنبي أي تخاصميني و عارفه معزتك و محبتك في قلبي زي أختي الصغيرة.
نظرت إليها بطيف إبتسامة ثم أخبرتها بنبرة يتخللها الهزيمة و الإنكسار:
- أنتي أكتر واحدة مصبراني أعيش و أستحمل القرف و الذل اللي شايفاه علي أيد أخويا، صعبانة عليا أوي انك وقعتي معاه ياريتك أتجوزتي واحد أحسن منه يمكن كان حالك يبقي احسن و عندك كل اللي نفسك فيه.
جلست بجوارها لتري بداخل عينيها تلك النظرة التي طالما كان بخاصتها نحو عمار و أخبرتها :
- مش بأيدي يا ليلة ، القلب هو اللي بيختار لنا ناس لو فكرنا بالعقل هانقول إستحالة نعيش معاهم، و أنا مهما أخوكي عمل و علي كل عيوبه دي بحبه أوي و ماقدرش أتخيل أعيش يوم من غيره، قولي عليا مجنونة أو واحدة معنديش كرامة، بس أحكام القلب بتجبرنا نعيش في وسط النار كأنها الجنة و نعيمها.
ضحكة قوية أطلقتها ليلة حتي سألتها الأخري بحنق:
- هو أنا كنت بقول نكت يا ست ليلة؟
توقفت عن الضحك و أجابت:
- معلش يا هدي مش قصدي اللي فهمتيه، بس مستغربة كمية الكلام العميق اللي قولتيه و أنتي ماوراكيش حاجة طول الليل و النهار غير شغل البيت و تجري ورا العيال و طلبات أخويا اللي ما بتخلصش فأستغربت.
أخرجت هاتفها من جيب عبائتها و اخبرتها بإبتسامة:
- أكمني يعني معايا دبلوم يبقي مش بعرف اتكلم، عموماً يا ستي هقولك علي السبب، أنا بيني و بينك عامله حساب علي الفيس بأسم الولاه محمد ابني و مشتركة في جروبات بتنشر روايات حلوة أوي، دي اللي علمتني الكلام اللي قولته ده و مش هاعرف أعيده تاني، و بصراحة بتهون عليا خصوصاً لما بكون مخنوقه بقعد أرفه عن نفسي و اقرأ.
عقبت ليلة و تكتم ضحكاتها:
- و كمان عامله فيس، ربنا يستر و حبشي لو شم خبر هايمسك التليفون و يفتح بيه دماغك.
شهقت هدي و ضربت بكفها علي صدرها:
- يا مصيبتاي حرام عليكي يا ليلة أوعي تكوني هاتفتني ليه عليا!
ضحكت و قالت:
- جوزك أصلاً لا يفقه أي حاجة في التكنولوجيا و كل فكرته عن الفيس أنه بتاع العيال الفشلة و البنات اللي بتدخل عليه مش محترمه، جوزك دماغه تعبانه خالص تحسي إنهم شالوا مخه و حطو له بطاطس بدالها.
أخذت تضحك الأخري قائلة:
- يخرب شيطانك يا ليلة ده أنتي فظيعة، بمناسبة البطاطس يلا بقي تعالي أفطري قبل ما الأكل يبرد عاملالك صينية بطاطس في الفرن اي نعم قرديحي بس هتاكلي صوابعك وراها و جمبها بتنجان مخلل زبدة يستاهل بوقك.
و قبل أن تذهب ليلة و تغادر غرفتها أوقفتها هدي و اردفت:
- بصي هقولك نصيحة و لو مش عجباكي ماتعمليش بيها، أنا لو مكانك و جالي واحد زي معتصم شاريني و ينجدني من جحيم أخويا هوافق علي طول.
عاد الحزن إلي ملامح ليلة التي أكتفت بهز رأسها و عقبت:
- هافكر يا هدي و هابقي أرد عليكم، سبيني بس علي راحتي.
ــــــــــــــــــــ
- عايدة، بت يا عايدة.
كان نداء نفيسة علي زوجة إبنها التي لم تجب عليها، خرج جلال يتثائب و قال:
- صباح الخير يا ماه.
- صباح أي يا بني قول مساء الخير، ده الضهر قرب يأذن، فين المحروسه مراتك؟
رفع كتفيه بعدم معرفة و يحك فروة رأسه:
- و الله ما عارف أنا لسه صاحي ما لقتهاش جمبي يمكن نزلت تشتري حاجة و طالعة.
- أنا صاحية من الفجر صليت و قرأت قرآن، يعني لو صحيت كنت شوفتها.
أشار إلي والدته و طلب:
- معلش و النبي ياماه ولعي لي فحم خليني اخدي لي نفسين يفوقوني بدل ما أنا قايم مصدع.
رمقته بغضب و رفض قائلة:
- الناس تصحي تصلي ، أنت أول ما تصحي عايز تشرب شيشة، ده أنت لو لاقي صحتك في الشارع مش هاتعمل في نفسك كدة، و كأنك ناسي إحنا في رمضان يا موكوس.
تأفف و زفر بحنق:
- يوه بقي كل يوم الموال الأخبر ده علي الصبح، مش ناوية ترحميني بقي من الأسطوانة الحمضانة دي!
- شكراً يا أبني، الحق عليا خايفه عليك و تبقي دي جزاتي في الأخر...
ظلت تتمتم بكلمات متكررة حتي شعر إبنها بالضجر و تركها و دلف إلي المرحاض:
- يوه بقي مش هانخلص من الموشح.
بينما في مكان أخر، مكان موحش و تفوح منه روائح البخور و روائح أخري كريهة
يلقي هذا الدجال ذو المظهر المخيف و لحيته التي تشبه لحية السحرة و الكهنة قديماً حفنة من مادة تجعل الفحم المشتعل ينبعث منه دخاناً كثيفاً و يتمتم:
- حي، أرزق ياللي بترزق، أبعت ياللي بتبعت.
دخلت بتردد و تضع طرف وشاحها تخفي به نصف وجهها:
- السلام عليكم يا شيخنا.
أشار لها للجلوس قائلاً:
- اتفضلي يا اختاه قولي علتك.
نظرت إليه بتوجس من مظهره المخيف ثم قالت له:
- علتي هي قلبي يا سيدنا الشيخ، بحب واحد و هو مش حاسس بيا نفسي يحبني و يبقي يتمني مني كلمة و سمعت إنك ياما جمعت حبايب و جوزت بنات فاتها قطر الجواز.
صاح مُهللاً:
- حي، حي، كله بأمره كله بأمره يا بنتي، و عشان تنولي المراد من رب العباد لازم ترضي الأسياد.
كانت في حالة ذعر من النيران المشتعلة و زيادة رائحة البخور فقالت بتوتر:
- أنا تحت أمر الأسياد، قولي أيه طلباتهم و هاتكون عندك في الحال.
أخرج من جيبه ورقة مطوية و مد يده بها إليها:
- بكرة زي دلوقتي يكون عندي كل الطلبات دي و هاديكي اللي يخلي حبيبك ما بين إيديكِ و ماتنسناش في دعواتك.
أومأت له و قالت:
- من عينيا.
و كانت السعادة تتخلل ملامحها و تنضح من عيناها ذات النظرة الشيطانية.
ـــــــــــــــــــــ
عادت من الخارج و ركضت إلي غرفتها و بدات في خلع عبائتها لتبدلها بأخري، دخل زوجها و يرمقها بنظرة لم تستشف منها شيئاً:
- كنتي فين؟
أنتفضت بفزع و أجابت:
- ككـ كنت صاحيه مخنوقة و احتاجت أشم شوية هوا فوق السطوح.
أشار إلي ثيابها و سألها بتهكم:
- طالعة تشمي هوا بعباية الخروج!
حالفها الحظ و وجدت الإسدال علي كرسي طاولة الزينة و أشارت إليه قائلة:
- ما أنا كنت لابسة الإسدال و لسه قلعاه.
أقترب منها و عانقها:
- ما تسبنيش نايم لوحدي تاني و تقومي، و بعدين لو مخنوقة صحيني و أنا أفرفشك.
غمز لها بعينه فأبتسمت بشفتيها فقط و قالت:
- حاضر.
أخذ يستنشق بأنفه رائحتها:
- أي الريحة العِفشة دي؟
تذكرت أمر البخور فأبتعدت و التوتر يخالج ملامحها و سرعان تصنعت الدلال:
- قصدك اي يعني، علي فكرة دي ريحتك أنت من الشيشة بتاعتك و مكنتش عايزة أقولك عشان ما جرحكش.
حك فروة رأسه بحرج و قال:
- معلش بقي يا حب أصلي كنت سهران مع جماعة صحابي و طلبت معاهم سجاير محشية و وجبو معايا بصراحة مرضتش أكسفهم.
قالت له و كأنها تكترث لأمره:
- طيب ياريت بلاش تشرب تاني عشان صحتك.
جذبها بين ذراعيه و سألها:
- خايفة عليا يا دودو؟
ظهرت أسنانها في إبتسامة مصتنعة:
- طبعاً يا روحي أنا ليا مين غيرك أخاف عليك يا سبعي.
- بقولك أي إبقي أستنيني لما أرجع بالليل عشان عايز اقولك كلمة سر ما ينفعش اقولها لك في الصيام .
دفعته عنها دون أن تنظر له:
- يا عم إجري أنت بتفطر من هنا و بتبقي بعدها زي الفراخ البيضا اللي مفرهدة في القفص.
و قبل أن ينطق صاحت والدته من الخارج:
- واد يا جلال، واد يا معتصم .
- روح شوف مامتك و أنا هاخد لي هدوم عشان عايزة أخد لي دش و أغير و ألحق احضر للفطار بدل ما أمك تفرج عليا الجيران.
خرجت من غرفتها و في طريقها إلي المرحاض فوجدت معتصم يخرج من غرفته و عندما تلاقت أعينهما رمقها بإزدراء، رفعت أنفها بكبرياء واهي و لم تهتم أو ربما تصنعت هذا و الحقيقة غرار ذلك.
ــــــــــــــــــــــ
و عقب صلاة التراويح بمنزل حبشي يجلس كل من معتصم و شقيقه و جلال و والدتهما نفيسة التي ذهبت بعد عناء و محايلة من ابنها بعدما رفضت الذهاب و تلك الزيجة لكن لم تستطع رفض مطلب إبنها الصغير.
لكن لم تأت معهم عايدة و تحججت بالتعب و لديها ألم برأسها، لا تريد أن تري إتمام مراسم الإتفاق.
تحمحم معتصم و يبدو كأنه أنتهي من طلب يد ليلة و ينتظر إجابة شقيقها:
- قولت أي يا حبشي؟
أعتدل الأخر في جلسته و قال:
- طبعاً أنا أتمني يا صاحبي بس لما نسمع رأي العروسة الأول، روحي ناديها يا أم محمد.
وجه أمره إلي زوجته التي تضع يدها علي قلبها و تخشي رفض ليلة التام و ينشب عراك مرة أخري بين زوجها و شقيقته، نهضت علي الفور و ذهبت لتخبرها، فتفاجئت بخروج ليلة من المطبخ و تحمل صينية يعلوها كؤوس المياه الغازية.
- و أنا اللي كنت فاكراكي هاتقلبي الدنيا زي المرة اللي فاتت!
ردت الأخري و ترفع وجهها بكبرياء:
- أطمني يا هدي هانفذ اللي أخويا عايزه بس بشروطي.
ذهبت أمامها و الأخري تتمتم بتوجس:
- يا تري ناوية علي أيه، ربنا يستر.
قامت ليلة بتقديم لكل من الجالسين كأساً فالأول كانت نفيسة التي رمقتها شزراً و بتوعد لكن الأخري لم تعط لها أدني إهتمام، ثم ذهبت لتعطي الكأس الثانية لجلال الذي لكز شقيقه بمرفقه و همس إليه:
- عروستك قمر ياض يا معتصم علي طول محظوظ.
بينما كان معتصم لم يسمع و لا يري سواها، فكلما يراها يشعر بشئ غريب يختلج صدره، لكنه لن يوهم نفسه مرة أخري فالمتاعب لا تأتي سوي من وراء الحب و الغرام و تستيقظ علي حقيقة مريرة سوداء لا تعلم متي ستأتيك الضربة.
- أتفضل.
كان صوتها رقيق عذب، تناول كأسه قائلاً:
- تسلم أيدك.
تركت الصينية علي المنضدة و جلست بجوار شقيقها عاقدة ساعديها أمام صدرها و ترمقهم بعنجهية جلية للعيان مما جعل نفيسة تسألها بتهكم:
- قولي لي يا حبيبتي بتعرفي تطبخي زينا و تعملي شغل البيت و لا مرات أخوكي هي اللي شايلة البيت كله فوق دماغها لوحدها!
رفعت ليلة إحدي حاجبيها و قالت:
- أنا و الله يا طنط كان عندي ثانوية عامة يعني وقتي و تركيزي كله للمذاكرة.
- أومال هاتبقي ست بيت إزاي، ده الواحدة فينا مهما أخدت شهادات في الأخر ملهاش غير بيت جوزها.
ردت الأخري عليها بنبرة مماثلة لها:
- دي ظروفي و أظن إبنك جاي و فاهم وضعي.
عقب معتصم قائلاً:
- اه طبعاً يا عروسة، أنا خلاص أتفقت مع أخوكي علي أي طلب أنتي عايزاه.
فسألته و تراقب ردة فعل والدته:
- و طنط عارفه أي شرطي ليكون عندها إعتراض و لا حاجة.
رمقته والدته علي الفور بغضب، فقال:
- أمي راحتي من راحتها، و طالما أنا موافق هي موافقة.
و ألتفتت إلي والدته و سألها بنظرة أدركت ما يريد قوله لها:
- صح يا أمي؟
ردت بتصنع السماحة و الطيبة كالعادة:
- طبعاً يا حبيبي، أنا كل اللي عايزاه أشوفكم مرتاحين و يبعد عنكم ولاد الحرام.
و نظرت إلي ليلة التي أدركت مقصدها في الحديث فأجابت عليها:
-أيوه ربنا يبعد عننا ولاد الحرام.
تدخل جلال قائلاً قبل أن ينشب خلاف بين والدته و ليلة :
- أنا بقول خير البر عاجله و نقرأ الفاتحة كدة بالصلاة علي النبي.
ردد حبشي:
- عليه الصلاة و السلام.
رفع جميعهم إيديهم و بدأو يرتلون آيات سورة الفاتحة و عندما أنتهو أطلقت هدي زغاريد الفرح و السعادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
و في اليوم التالي ذهب الجميع لشراء الحُلي ماعدا عايدة التي تصنعت التعب.
كانت ليلة تراقب ملامح معتصم عن قرب و هو يقف بجوارها و ينظر إلي قطع الحلي ليختار لها ما سيهديها إياه.
- أي رأيك في طقم الكوليه و الإسورة بالخاتم بتاعها أظن هيبقي حلو أوي عليكي.
رمقته بوجه متجهم عندما شعرت بإطراء منه:
- أنا أصلاً ما بحبش الدهب.
كانت والدته تستمع إليهما فسألتها بتهكم:
- أومال عايزاه يجيب لك سولتير و عقد ألماظ!
رمق معتصم والدته بإمتعاض فأصلح ما أفسدته :
- لو عايزة سولتير أنا معنديش مشكلة، الحمدلله خير ربنا كتير، شاوري بس و أنا هاجيب لك اللي أنتي عايزاه.
تعجبت ليلة من هذا المعتصم الذي كلما يحدث شئ لا تجد منه سوي معاملة طيبة يشوبها الحنان، زفرت بضيق حيث شعرت بالإختناق كلما علمت إنها مجرد أيام قليلة و سوف تصبح زوجة لرجل يوجد بينهما فارق ثلاثة عشر عام كما يوجد فرق في التعليم و الفكر و فوق هذا و ذاك لا تعلم عنه سوي إنه جارهم في الحارة و كان إحدي أصحاب شقيقها و هذا أكثر ما يثير مخاوفها.
- أنا كل اللي عايزاه دبلة و خلاص مش فارقة معايا أي حاجة تانية.
همس شقيقها إلي زوجته من بين أسنانه:
- خديها علي جمب و عقليها بدل ما أجرها علي البيت و أعقلها بقلمين علي وشها.
بادلته هدي هامسة:
- أهدي يا حبشي ما ينفعش تعمل اللي كنت بتعمله فيها، كده أنت بتقل من كرامتها قدام نسايبها.
تحدث معتصم إلي الصائغ و يشير إليه نحو طقم الحلي و المتشكل علي هيئة فراشة:
- لو سمحت إحنا عايزين الطقم ده و دبلة فضة إيطالي و أحفر لي إسم ليلة بالعربي جواها.
نظر جميعهم نحوه بتعجب، و بعد أن جلب الرجل لهم ما قام بطلبه:
- ألف ألف مبروك ربنا يتمم بخير.
أطلقت هدي الزغاريد مثل الأمس ثم قامت بتهنئة و مباركة العروسين.