رواية حب للبيع الفصل الخامس 5 والاخير بقلم احمد فايز

 

رواية حب للبيع الفصل الخامس والاخير بقلم احمد فايز



"يعطينا الحبُّ قوةً تفوقُ كلَّ شيءٍ، فلا يمكنُنا قياسَها؛ هي قوةٌ قادرةٌ على تغييرنا في لحظةٍ. يُقدّمُ لنا لحظاتٍ من الفرحِ والسعادةِ، وفي كثيرٍ من الأحيانِ، يرى القلبُ ما تعجزُ العينُ عن رؤيتِه".

 

 
في اليوم التالي، صباحية العرسان، استفاق هاني على رنات الجرس المتتالية، فزعًا وهو يقول: 
_ دا مين الرزل اللي جايلنا على الصبح ده؟

قام ليفتح الباب ليتفاجأ بأحمد ويزن يقفان أمامه، وكأنهما جاءا من زمن بعيد، يحملان عبء الضحك والمفاجآت.

_ سربرايز! أكيد كنت بتشتمنا في سرك.

أجاب هاني بتلقائية وسخرية، وكأنها لهجة ألفها في مواجهات الصباح:
 _ آه والله، قصدي مش إنت طبعًا.

لكن أحمد، الذي كان أستاذًا في تقمص الزعل، رد بجدية متصنعة: 
_ شايف يا يزن؟ جايين نتهزق هنا. يلا بينا، أنا غلطان إني جيت أساسًا.

لكن هاني، وقد شعر بكلمات أحمد كأنها أشواك على قلبه، قال بصدقٍ وأدبٍ مع محاكاة مازحة:
 _ والله أبداً! ما قصدي. إنت تشرف في أي وقت يا دكتور! طبعًا اتفضلوا، اتفضلوا.

ثم تكلم أحمد بخفة، وهو يغمز بعينيه:
 _ مش هقبل بأقل من ديك رومي وجوزين حمام وعلبة شوكولاتة.

_ يا سلام! دا احنا عنينا للدكتور دا!" قال هاني، وكأن الكلمات تخرج من بين شفتيه كأنها أصداء من غزارة حب قديم، "احنا زارنا النبي النهاردة، هدخل بس أغير وأجيلكم."

"خد راحتك يا حبيبي" 
جاء الرد، محملًا بتصميم الراحة في قلبه.

ثم التفت يزن إلى أحمد قائلاً: 
_ حاسس إننا زودناها يعني، كان لازم نيجي النهاردة؟! أنا لو مكانه كنت طردتك.

لكن أحمد، بتصميمٍ كما لو أن الأيام كلها تحت قدميه، رد: 
_ مش عاجبك؟ قوم امشي، وبعدين الأيام جاية ومسيرك تتجوز! مش هجيلك في الصباحية، لا! دا أني هنبات معاك! 

أما يزن، فقد أجاب بنبرة مرحة، لكنه كان يحس بالألفة: 
_ إيه ده؟ أقطع علاقتي بيك من دلوقتي! نهيهااا.

_ والله إنت الخسران.
جاء الجواب من أحمد، وكأن الكلمة سيف مسلط على الحقيقة.

_ بهزر طبعًا! منقدرش نستغني عنك يا قلبي.
قالها يزن بابتسامة كبيرة، وكأنها نبضة حب تمتد عبر الزمان.

ثم دخلوا البيت، وقضوا وقتًا سعيدًا معًا. كان كل واحد منهم يعرف أن هذه اللحظات هي التي سيظل يذكرها حتى في أوقات الشدة، وركضوا معًا في زحام الحياة. وأخذوا الرومي معهم، لينتهي اليوم في سعادة، وتبدأ أيام جديدة مليئة بالحب والغرام والسعادة.

ومع مرور الوقت، بعد تسعة شهور، استفاق هاني في منتصف الليل على صوت آنين هناء، فزعًا، وكأن الزمان قد عاد بهما إلى أول لحظات العشق. توجه مسرعًا إليها، ليكتشف أن الحياة قد بدأت تحملهما إلى آفاق جديدة، مليئة بالتحديات والأمل: 

_مالك يا حبيبتي؟
هناء كانت تتألم بشدة، وصوتها يخرج بصعوبة: 

_مش قادرة يا هاني، حاسة إني بولد. 

_الولادة دي مينفعش تستني لغاية الصبح.

هناء، في صراع مع الألم: 
_صباح إيه يا هاني؟، ثم زاد الوجع بشكل مفاجئ، فصرخت صرخة مدوية: أآآآه مش قادرة!

هاني لم يتوانَ لحظة، هرع إلى المطبخ ليحضر ماءً ساخنًا بأسرع ما يمكن.
_إيه ده؟ إنت هتعمل إيه؟
_هولدكِ، هولّدكِ، خليكي معايا.
هناء، وقد أصابها الهلع:
_ تولد مين يا مجنون؟! قولتلكم قبل كده الواد ده مجنون، محدش صدقني!
_طيب قوليلي، اعمل ايه وأنا أعمله؟
هناء، بصوت مكتوم من الألم: 
_طلقني، بقولك طلقنننننني!
_حاضر، حاضر، هطلقكِ بس لما تولدي.
هناء، والدموع تنهمر من عينيها: 
_وكمان بتقولها بسهولة؟! أآآه، يا غلبك يا هناء، يا ميله بختك، لو سمحت وديني المستشفى علشان أولد، عشان خاطر هنوشتك. 

حملها هاني بين ذراعيه دون أن يفكر في شيء سوى الوصول بها إلى المستشفى، جريًا نحو الأمل، وبينما كانت هي تصرخ من الألم، كان هو يحاول إخفاء خوفه وراء شجاعة مضطربة.
في الطريق إلى المستشفى، كانت الساعات تمر كالعمر كله، والدموع كانت تملأ عيني هاني، لكنه حاول أن يظهر متماسكًا لها، وصلوا إلى المستشفى في وقت قياسي، وبمجرد أن ركن سيارته، أسرع إلى الاستقبال، صوته يعلو:
_ عايز دكتورة بسرعة!
سارع الأطباء والممرضات في تجهيز غرفة الولادة، وكانت الأجواء مليئة بالسرعة والضوضاء، لكن قلب هاني كان ثابتًا لا يتحرك.
هناء، في حالة من القلق والدموع:
_هاني، أنا خايفة، خليك معايا.
_أنا معاكِ، حبيبتي، متخافيش، إن شاء الله تقومي بالسلامة.
ثم ودّعها وقام بفتح باب غرفة الولادة، بينما قلبه يصرخ مع كل لحظة تمر.
وفي تلك اللحظات القاسية، اتصل هاني بأحمد ليكون بجانبه. بعد دقائق وصل أحمد، وقد بدا عليه القلق مثل هاني.
_طمني، عملت إيه؟
_لسه جوا.
_متقلقش، إن شاء الله تخرج بالسلامة، دي ولادة، مفيش حاجة، اجمد كده، لازم تكون قوي علشان مراتك.
هاني، وهو يحاول إخفاء مشاعره: 
_أحمد، أنا عشت لحظات خوف ما حسيتش بيها قبل كده، شفتها بتتألم كده؟ مقدرتش أستحمل.
_يا حبيبي، ده عادي، أول طفل بيكون كده، بعد كده بيكون الوضع عادي، ما تشيلش هم.
مرت دقائق ثقيلة، ثم فجأة سمعوا صوت بكاء طفل صغير يتسلل إلى مسامعهم.
خرجت الممرضة، مبتسمة:
_ مبروك، جالكوا بنت زي القمر، تتربى في عزكم.
فرح هاني وأحمد بحجم لا يوصف، وتبادلوا النظرات التي تحمل كل معاني الفرح.
_عايزين الحلاوة بقى؟
 قالت الممرضة، فهرع أحمد ليعطيها حلاوة الولادة، كما جرت العادة، هي وزملاؤها.
_ناوي تسميها إيه؟ سأل أحمد مبتسمًا.
_هسميها "هلا" 
أجاب هاني بفخر، وهو يلتفت إلى طفله في يديه.
_اسم جميل! ألف مُبارك يا حبيبي، تتربى في عزك يا أبو هلا، عقبال ما تخاويها إن شاء الله.

_الله يبارك فيك، يا أحمد، وأنا هروح أطمن على هناء والبيبي.
دخل هاني إلى غرفة هناء، وخطاه مترددة، قلبه يخفق بشدة، وهو يعبر عن شعور جديد يتملكه لأول مرة في حياته.
_حمد الله على السلامة يا حبيبتي.
_الله يسلمك، يا حبيبي، بنتي فين؟ عايزة أشوفها.
ثواني، واجبها لك.
نظر إليها هاني وكأنها ملاك، ثم أخذ الطفلة بين ذراعيه بحذر، وجاء بها إليها قائلاً: 
_شوفي قمر ازاي، شبهكِ تمامًا.
هناء، وعيناها تدمع من شدة الفرح:
_ بسم الله ما شاء الله، قمر في تمامه، لكن ملامحها كلها منك، إلا عيونها عيون أبوها بالظبط، شكلك كده هتبقى بنت أبوكِ من أولها.
_البنت حبيبة أبوها، مفيش شك، ولا إنتِ هتغيري منها.
_أغير من بنتي؟ معقول؟ دي بنتي وأنتَ وأنتِ الاتنين مني.
بعد أيام قليلة، خرجت هناء من المستشفى، واحتفلوا بسبوع صغيرتهم الأولى وسط أجواء من الفرح والسرور، عزموا الأهل والأصدقاء، وكان أحمد ويزن من بين الحضور كان سبوعًا فاخرًا، مليئًا بالسعادة، وكأن الزمان قد عاد بهم إلى أيام العز.

               ****
في الأيام التالية، عاد هاني وهناء إلى حياتهما اليومية، لكن شيء ما كان قد تغير في حياتهم، وكأن القدر قد قرر أن يترك لهما اختبارًا جديدًا، منذ لحظة ولادة "هلا"، أصبحت الحياة أكثر تعقيدًا، والمشاعر أكثر تضاربًا. هاني كان يراها كل يوم كالشمس التي تشرق في عينيه، لكنه في الوقت ذاته كان يشعر بشيء عميق يزداد يومًا بعد يوم. شعور لم يكن يستطيع تحديده، لكنه كان حاضرًا كظلال تتسرب إلى زوايا قلبه.

في إحدى الليالي، وبينما كانت هناء نائمة بجواره، وأصوات الليل تنساب في أرجاء المنزل، جال في خاطر هاني تساؤلات كثيرة، هل كانت حياته قد اكتملت حقًا مع هناء وطفلتهما الصغيرة؟ أم أن هناك شيئًا ناقصًا، شيء لا يستطيع فهمه؟

نهض من سريره بهدوء، بينما هناء تغط في نومها العميق، فخرج إلى الحديقة الصغيرة أمام المنزل. كان الجو باردًا قليلًا، لكنه لم يهتم. جلس على المقعد الخشبي المتهالك الذي وضعه بالقرب من الشجرة الكبيرة، كانت السماء صافية، والقمر يرسل أشعته الفضية على كل شيء حوله.

أغمض عينيه لفترة، وهو يحاول أن يسترجع تلك اللحظات التي شكلت حياته، من أيامه الأولى مع هناء، إلى لحظة ولادة ابنته؛ لكنه لم يستطع أن يتخلص من الشعور الذي بدأ يراوده منذ فترة. شعور بعدم الرضا الذي يتسلل إلى قلبه دون أن يدري سببًا لذلك.

وفي تلك اللحظة، شعر بشيء غريب، كما لو أن هناك من يراقب فتح عينيه فجأة ليتفاجأ بشخص يقف في الظلام، يتأمل المكان بكل هدوء، شخص كان يعرفه جيدًا.

_"أحمد؟"  قالها هاني بصوت مرتفع قليلًا، وهو ينظر إلى الظل الذي أخذ يتضح تدريجيًا في ضوء القمر.

_ إنتَ مش لوحدك، يا هاني، العالم مليان أسئلة.
 كلمات أحمد تخرج ببطء، وكأنها ليست مجرد كلمات، بل نوع من التأمل العميق.

هاني، وهو يزفر بعمق:
 _ محتاجين نواجه أنفسنا، صح؟

أحمد، بخطوات بطيئة نحو المقعد بجوار هاني:
 _ الكل عنده أسئلة، لكن السؤال الأصعب هو: هل نريد الإجابة؟

ظل الصمت يخيّم عليهما للحظات، كان كل واحد منهما غارقًا في أفكاره، وأخيرًا، كسر هاني الصمت، قائلًا: "أحيانًا أفكر... هل كانت هذه هي الحياة التي كنت أريدها؟"

أحمد نظر إليه بصمت، ثم قال: 
_الحياة، يا هاني، مش دايمًا بتكون زي ما إحنا عاوزين  ، لكننا بنختار إزي نواجهها.

كانت تلك الكلمات بمثابة دعوة للبحث عن إجابة، لكن هاني شعر أنها أيضًا كانت دعوة للتمهل والتفكير  قبل أن يرد عليه، شعر بشيء غير معتاد يغلف قلبه؛ هل كان هذا هو المسار الصحيح؟ هل كان ما يعيشه هو ما يُفترض أن يكون؟ أم أن هناك شيئًا غريبًا يلتف حوله، يهدد بتغيير كل شيء؟

بينما كان هاني في حيرة من أمره، همس أحمد في أذنه: "الحقيقة... قد تكون أخطر من أن تكتشفها، ولكن في النهاية، أن تجدها هو ما سيحدد مصيرك"

هاني، وهو ينهض من مكانه: 
"أعتقد أنني بحاجة للمزيد من الوقت... لأفهم كل شيء"

ثم ابتعد، تاركًا أحمد يقف وحده في الظلام، وكأن الحديث بينهما كان مجرد جزء من لغز لا يزال يبحث عن حل.

انتهت احداث الرواية نتمني ان تكون نالت اعجابكم وبانتظار أراؤكم في التعليقات وشكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم


للمزيد من الروايات الحصريه زورو قناتنا على التلجرام من هنا
تعليقات



×