رواية مابين الحب و الحرمان الفصل الرابع بقلم ولاء رفعت على
و في منزل حبشي الذي يصيح بصوت جهوري:
- هدي، لما تخلصي الفطار أبقي أبعتي الواد محمد إبنك بعلبة الأكل عشان عندي شغل كتير و مفيش وقت أجي و أفطر و أمشي.
ردت من داخل المطبخ و تزفر بتأفف فهي تمسك بإسطوانة الغاز تقوم بهزها قليلاً:
- ياريت تقول للواد اللي شغال معاك يجيب لنا أنبوبة من المخزن اللي في الشارع اللي ورانا، الأنبوبة شكلها بتشطب.
كانت ليلة تجلي الصحون و قامت بشطف أخر كوب و وضعته بجوار الأكواب الأخري علي مصفاه أعلي طاولة الرخام القديم و الذي يخترقها شقاً كبير، سألت زوجة أخيها:
- شوفتي يا هدي عمايل جوزك هو ناوي يحرمني أني أكمل تعليمي و لا أي!
ردت بقلة حيلة:
- و الله ما أعرف ، هو كل اللي فهمته من رفضه و كلامه شكله ناوي يخليكي ما تكمليش.
صاحت بسخط:
-نعم ! ، و ربنا ده أنا كنت كلمت خالي و خليته يجي من البلد يشوف شغله معاه، هو فاكر نفسه أي إن شاء الله.
أشارت لها بخوف و أن تصمت:
-هشش يخربيتك هايسمعك و ينزل فيكي ضرب زي كل مرة، و بعدين خالك ده و لا ليه أي ستين لازمة، إذا كان بيخاف من مراته مش هيخاف من حبشي!، يا شيخة أتوكسي.
هزت رأسها بسأم و رددت:
- علي رأيك، ده أنا عمري ما أنسي لما كنت عايزة أبيت عندهم و اقعدي لي يومين مراته راحت سحباه من قفاه و تقوله بقولك أي أنا عايزة اقعد براحتي في بيتي مش ناقصة حد يقعد يكتم علي نفسي.
ضحكت الأخري علي أسلوب ليلة الساخر و تقليدها لزوجة خالها:
-يخرب فقرك ، هي فعلاً بتعمل كده، دي وليه حيزبون ربنا يهدها البعيدة.
- أنا ماشي و ماتنسيش اللي قولتلك عليه.
صاح بها حبشي بصوته الغليظ و الجهوري، فصرخت الاخري:
- ما قولنا الأنبوبة شطبت عمال أهز فيها زي إزازة الحاجة الساقعة و يا دوب شعلتها سهراية.
أشاحت ليلة بيدها و قالت:
- ياختي بلا هم، أموت و اعرف أنتي أتجوزتيه ليه، مش هو أخويا بس و ربنا لو جالي واحد زيه عندي أقطع شراييني و لا أتجوزو.
أخبرتها هدي:
- النصيب يا ليلة، النصيب و القلب اللي بيدق من غير ما ياخد رأيك.
كادت الأخري تعقب علي كلماتها لكن صوت رنين هاتفها صدح من الغرفة، جففت يديها بمنشفة المطبخ و قالت:
- شكلها البت سلمي صاحبتي عايزة تتطمن عملت أي، منك لله يا حبشي يا لي موقفي لي حالي.
ذهبت و أمسكت بهاتفها، أنتفض قلبها عندما رأت إسم المتصل (سلمي عمار)، تسحبت علي قدميها لتتأكد من عدم سماع زوجة شقيقها لها ثم أوصدت باب الغرفة، قامت بإجراء الإتصال:
- ألو، ليك عين بتتصل بيا بعد اللي عملته معايا أخر مرة!
اتاها صوته و يبدو عليه الإعياء و التعب:
-أنا بكلمك عشان أقولك أنا بحبك أوي و ما تزعليش ربنا أنتقم لك مني و أديني راقد في سريري مش قادر أعمل لنفسي الفطار بقالي يومين عايش علي سندوتشات بيجيبها لي واحد صاحبي.
خفق قلبها بقلق و خوف فقالت:
-مالك يا حبيبي بعد الشر عليك.
أخذ يسعل ثم أجاب:
-عندي سخونية و زوري واجعني و جسمي كله همدان مش قادر أحرك دراعي، حتي بكلمك من التليفون بالعافية.
أخبرته بحزن و قلق:
-خليك مكانك و أنا جاي لك ما تقلقش عشر دقايق و هاكون عندك، سلام دلوقتي.
أنهت المكالمة بينما هو رفع زواية فمه كإبتسامة ذئب ينتظر فريسته الشهية ليفترسها بضراوة.
ــــــــــــــــــــ
و فوق سطح المنزل تمسك عايدة بقطعة ثياب مبتلة و ألقتها أعلي الحبل ثم قامت بتثبيتها بالمشبك الخشبي، و بمجرد سماعها صوت هذا القادم و الذي يصعد الدرج تركت ما بيدها و اختبأت في زواية لا يمكن من رؤيتها منها.
كان يطلق صفيراً و ذهب ليقف بالقرب من سور السطح ، و ما أن تأكدت من خلو السطح إلا من وجودها و وجوده أطلقت ساقيها بخطي لم يشعر بها الأخر، و في لحظة أجفلته بجذبه من يده و سألته و الغضب ينضح من سؤالها:
- أنت صحيح هاتتجوز البت اللي إسمها ليلة يا معتصم !
لم يكن مذعوراً، هذا حدث كثيراً من قبل، رمقها من أعلي لأسفل و قال:
- عايزة أي؟
أخبرته بنظرة ولع و عشق مدفون بقلب ملتاع:
- عايزاك أنت و لا نسيت اللي ما بينا!
نفض يدها عن يده و قال:
- للأسف ما نستش، ما نستش كذبك و خداعك لما كنتي بتوهميني بحبك و في نفس الوقت ماشية مع صاحبي، و جيت واجهتك بتسجيلات مكالمتكم قعدتي تحلفي كدب و تألفي لي قصص من خيالك و فاكراني أهبل، و كله كوم و إن تستغلي رفض ليكي و خلتيني أسيب لك البلد و أطفش من وشك و عمايلك و قعدت في الغربة تلات سنين ما نزلش أشوف أهلي، في الأخر أتصدم يوم ما رجعت ألاقيكي متجوزة أخويا، لولا نظرة حبه ليكي اللي شايفها في عينيه كنت حكيت له عن حقيقتك القذرة.
اقتربت منه و قالت:
- أنت لسه برضو مش مصدقني، و الله كل ده كذب و تلفيق، انا بحبك أنت و الواد سعد هو اللي عمل كل ده عشان ياما رفضت إن أرتبطت بيه و لما عرف إني بحبك أنت قرر ينتقم مني و منك، عايز تصدق براحتك مش عايز أنت حر.
إبتسامة هاكمة ظهرت علي محياه قائلاً:
-علي أساس الوفاء و الإخلاص مقطع بعضه عندك!، كفاية عمايلك السودة و اللي كل مرة بتعدي بستر ربنا بدل ما تتفضحي و أنا أخسر أخويا.
أقتربت أكثر و كادت تلتصق به:
-ما تبطل بقي دور المحترم و الأخ الوفي اللي عايش فيه ده، فاكر لما قولت لي أنا ماحبتش و لا هاحب زيك!
صاح بها و يرمقها بإزدراء:
- كان كله وهم و كدب، دلوقتي مش شايف غير واحدة لولا إننا في نهار رمضان و أنتي للأسف واحدة ست كنت قولت لك لفظ يليق عليكي.
اقتربت منه بشدة و كادت تلتصق به:
- لو ده هايرضيك و يشفي غليلك مني أنا موافقة، بس تسامحني و ترجع لي.
يا للوقاحة إلي هذه الدرجة تجرأت في الحديث معه دون رادع أو خجل!
قبض علي عضدها و هدر من بين أسنانه:
-أسمعي يا عايدة أقسم بالله أنا ماسك نفسي عنك بالعافية و عامل حساب لأخويا الكبير لكن لو لاقيتك ما بطلتيش عمايلك الوسخة دي لهاعملـ..
- عايدة، بت يا عايدة.
كان صوت والدته تنادي من الشرفة، نفض ذراعها من يده قائلاً من بين أسنانه:
- أبقي كرري حركاتك و كلامك ده تاني و أنا هخليكي تندمي علي اليوم اللي دخلتي فيه البيت ده.
ـــــــــــــــــــــ
و في الليل وصلت إلي نهاية الدرج حيث يقطن عمار فوق السطح بداخل غرفة يتكون سقفها من الصفيح و الخشب القديم.
و بخطي وئيدة تتقدم نحو الغرفة و قلبها يدق بشدة مثل جرس إنذار و الأحري ناقوس خطر لكن هنا العاطفة كان لها الكلمة الأخيرة، أختصرت خطواتها الأخيرة و دلفت و هذا بعدما وجدت باب الغرفة مفتوحاً، فـ نادت:
- عمار ، عمار؟
كررت النداء و لم تجد تلبية و كادت تلتفت خلفها حتي أجفلها كجدار صلب يقف أمامها، أنتفضت بفزع و تراجعت، ترمقه بتوجس:
-أنت بخير؟
لوي شفتيه جانباً بإبتسامة ماكرة كذئب أضحت فريسته أمامه و لم تجد مفر للهرب أو ربما هكذا ظن:
- أنتي شايفة أي يا لولو ؟
رددت بتعجب و دهشة لاسيما عندما لاحظت تعابير وجهه التي تخبرها إنه ليس في حالته الطبيعية و عليها الحذر:
- عمار أنت شارب حاجة؟
أغلق الباب خلفه و تقدم نحوها قائلاً:
-لسه هاشرب، تعالي أوريكي أشرب أي.
و سرعان فاجئها بجذبها من خصرها و حملها إلي فراشه المُهترئ، أخذت تقاومه و تضربه بقوة محاولة أن تفلت من بين يديه:
-سيبني يا حيوان، أبعد عني، أنا كنت حاسة إن فيه حاجة غلط من الأول بس لما عرفت إنك تعبان مهونتش عليا و جيت لك جري.
ألقاها علي الفراش و أرتمي عليها بثقله حتي لا يمكنها الهرب، قام بتقبيلها بوحشية و يقول لها بثمالة :
-طاوعيني مفيش غير الحل ده عشان نتجوز، لازم نحط أخوكي قدام الأمر الواقع و يخليني أتجوزك غصب عشان الفضيحة.
أستطاعت فلت يدها و صفعته بقوة:
- ده بعينك يا واطي يا قذر، عايزني أفرط في شرفي عشان أخسر نفسي و أخويا و تبقي فضحتي علي كل لسان.
نهض عنها و لم يصدق نفسه و ينظر لها بغضب عارم:
- أنا بقي هادفعك حق القلم ده غالي و هخلي فضيحتك علي كل لسان يا زبالة.
و جذبها من تلابيب ثوبها و يدفعها نحو الحائط، أخذت تصرخ و لكن لم تستطع الإستغاثة فهي الآن المُدانة أمام الجميع، هي من ذهبت إليه بإرادتها و دون علم شقيقها، عليها أن تتحمل ذلك و يا ويلها إذا نال منها هذا الثائر بجنون و عزم علي أخذها بالقوة و لم يتركها سوي أن تراق الدماء علي جوانب شرفها!
- شكلك محرمتش من المرة اللي فاتت، يبقي أستحمل.
صرخت بتلك الكلمات و ما أن قالتها ركلته بقوة بين ساقيه و لم تمهله أن يستوعب ما فعلته أمسكت بعصا خشبية و نزلت بها فوق رأسه مما سببت في فتح جرح أعلي جبهته، صرخت و ركضت إلي الخارج قاصدة الهرب و ربما إذا حدث له مكروه فلا تكون المتهمة و يفتضح أمر علاقتها الخفية به.
ــــــــــــــــ
خرجت من البناء تتلفت يميناً و يساراً بخوف تخشي أن يراها أحد، كانت تضبط من هندام حجابها و إدخال خصلاتها التي تشعثت من الأمام، خبئتها أسفل الحجاب، ألقت نظرة أخيرة و لم تنتبه فأرتطمت بهذا الشاب الفارع الذي لم يهتز إنشاً واحداً و هي قد وقعت علي الأرض، رفعت عينيها و رأت كف غليظ ممدود إليها:
-قومي.
رفعت وجهها و نظرت إليه أجفلتها نظرته الثاقبة و كأنه يعرفها بينما هي تجهل هويته، لم تذعن لأمره و أستندت علي الأرض و لم تكترث للغبار الذي أنغمرت به يديها، أسرعت من خطاها للعودة إلي المنزل و إكتشاف إحداً بعدم وجودها.
بينما معتصم مضي في طريقه إلي ورشة حبشي الذي رآه قام بالترحيب به رافعاً يده:
-يادي النور، يادي النور، معتصم منورنا في الورشة، أجري ياض يا بلية هات حاجة ساقعة لعمك معتصم.
خرج الأخر من أسفل السيارة قائلاً:
- أمرك يا سطي حبشي، فوريرة و جاي بسرعة.
أخبره معتصم بتهكم مازحاً :
-أي يا عم جو الضيافة و الكرم ده، أنت عيان و لا أي!
أستشف الأخر تهكمه و إتهامه بصفة الشح و هو كذلك بالفعل:
- ماشي يا عم الله يسامحك.
جلس كليهما علي الكراسي فقال معتصم:
- يارب يسامحنا كلنا، علي العموم أنا جاي لك في موضوع كده بس اسمعني للنهاية قبل ما ترد.
رمقه بإهتمام مبالغ و عقد حاجبيه و كأنه يخشي أن يطلب منه أموالاً سلفاً:
- خير يا صاحبي.
ضحك الأخر عندما لاحظ علامات توجس صديقه:
- ما تخافش مش هطلب منك فلوس، بس طالب حاجة تانية، مبدأياً كدة بالصلاة علي النبي أنت عارف بقالي أكتر من أربع سنين شغال بره و الحمدلله أنا راجل كسيب و بنيت البيت اللي أمي و أخويا و مراته اللي عايشين فيه، و بنيت التالت عشان أتجوز فيه.
أدخل الأخر طرف خنصره في أذنه و يهزه ليزيل شئ عالق يضايقه بداخلها و قال مُتظاهراً بالحماقة:
- ربنا يزيدك يا معتصم يا أخويا، بس أنا مافهمتش برضو أنا داخلي أي بالكلام ده؟
أبتسم الأخر و تجلي الفرح علي ملامحه:
- أنا طالب أيد أختك ليلة .
غر فاهه و كاد يتدلي فكه إلي صدره عندما أخبره صديقه:
- بس أنا عايز خطوبة و كتب كتاب و فرح كل ده في خلال أسبوع و أنا متكفل بكل حاجة حتي شنطة هدومها أنا هجيبها لها، يعني عايز كل اللي عايزه العروسة بس.
حك ذقنه و يفكر في الأمر:
- و الله يا صاحبي ده شرف ليا تتجوز أختي و كل اللي قولته كلام موزون و جميل، بس أستني أسألها الأول و أشوفها هتوافق و لا أي؟
- أنت هاتستعبط عليا يا حبشي!، ده أنت اللي مربيها و كلمتك مسموعة يعني لو أنت موافق هي هتوافق و تقولك آمين.
أتسع فمه بإبتسامة ظهرت فيها كل أسنانه:
- برضو يا عصوم لازم أفاتحها خصوصاً لسه مخلصة ثانوية عامة و قال أي عايزة تدخل الجامعة و بيني و بينك أنا مش راضي علي موضوع الجامعة ده، هناك الشباب مع البنات و الدنيا مليطة مولد و صاحبه غايب، و أنا راجل دمي حامي ما استحملش علي أختي الهوا.
أشاح الأخر له بيده بسخرية:
- ياعم أجري أنت هاتعملهم عليا، أنت بس خايف من مصاريف الجامعة و اللبس، خلاص أنا موافق أنها تكمل و تدخل الكلية اللي تشاور عليها، كدة كدة هقعد معاها أجازة الصيف و هسافر تكون هي بدأت الدراسة.
- يبقي كدة إحنا متفقين.
قالها بسعادة واهية علي غرار حال شقيقته عندما تعلم بالأمر و يا ويلها إذا علمت بقراره الحاسم و الذي لا رجعة فيه.