رواية مداهنة عشق الفصل الرابع 4 بقلم اسماء ايهاب


رواية مداهنة عشق الفصل الرابع بقلم اسماء ايهاب



خرجت اسيل من المرحاض تلف خصلات شعرها المبتلة بمنشفة بيضاء تضم ياقة مأزر الاستحمام الخاص بها قبل ان تدلف الي غرفة الملابس الصغيرة تخرج ملابسها للخروج اخرجت فستان صيفي من اللون الوردي الفاتح وضعته علي الفراش قبل ان تتوجه الي طاولة الزينة لتجفف خصلات شعرها الطويلة حتي اصبحت منمقة خلف ظهرها لتتقدم من الفراش ترتدي ملابسها و ما ان انسدل الثوب علي جسدها المتناسق حتي انفتح الباب و ظهر زوجها الحبيب من خلفه اتسعت ابتسامته و هو يدلف الي الداخل غالقاً الباب خلفه تقدم نحوها يحاوط خصرها بين ذراعيه يميل نحوها يلثم وجنتها الناعمة برقة لتبتسم هي بسعادة تمد يدها تمررها علي خصلات شعره و هي تسمع همسه لها بالاشتياق اليها رغم انه لم يمر الكثير من الوقت علي ابتعاده عنها فقط مرت ساعتين ذهب ليتابع بعض الاعمال الخاصة به و عاد اليها راكضاً قبل ذهابها للعمل ، شعرت بيده تمر ببطئ علي ظهرها لتبلع ريقها الذي جف فجأة و هي تحتضن جذعه العلوي لها تشدد علي اقترابه المحبب لها ليهمس في اذنها بصوت خافت رقيق يداعب قلبها و يجعلها مستسلمة لاي فعل قد يصدر منه :
_ وحشتيني يا اسيل ، خلصت كل حاجة بسرعة عشان اجيلك جري 

تنهدت بحرارة و هي تداعب فروة رأسه في حنان بالغ و هي تستشعر بارتجاف مشاعرها قبلاته علي عنقها لتهمس بصوت مرتجف اجش متأثرة بما يدفعه داخل قلبها من مشاعر تجعلها تذوب بعشقه يوماً بعد يوم :
_ و انت كمان وحشتيني يا فارس 

ضم خصرها بذراعه المتلف بالكامل حوله يجذبها لتلتصق به ثم احتوي جسدها بالكامل يضمها اليه بهدوء يبث في هذا العناق حبه لها و الاطمئنان الذي يتدفق الي صدره في حضرتها و هو يلف خصلات شعرها الطويلة حول معصمه يستشعر نعومته المحببة له و لكن قطع دوامة مشاعرهما صوت رنين هاتف فارس الصادر من جيب بنطاله وضعت يدها علي صدره تدفعه برفق عنها و هي تتحدث بهدوء :
_ شوف مين يا حبيبي ممكن يكون الشغل

ابتعد عنها علي مضض و اطال النظر في عينها الخضراء الواسعة يتأمل جمالها الفاتن حتي انقطع الاتصال ابتلع لعابه بصعوبة و هو يخرج الهاتف من جيبه و ما كاد ان يري من اتصل به حتي صدح صوت الهاتف بين اصابعه من جديد ليفتح الاتصال و هو ينظر الي زوجته التي تضع يدها علي صدرها تلتقط انفاسها بهدوء الذي سلبها من شدة شوقها له ليمرر انامله الحرة علي وجنتها الحريرية و هو يجيب المتصل ثم صمت ينتظر حديث الطرف الاخر عن سبب المكالمة لينتفض كالملسوع و هو يصرخ بغضب :
_ و دا حصل امتي ، مقالش لية ؟

احتدت عينه و هو يزيحها عن مرمي بصره يواليها ظهره في ضيق و غضب يظهر في تشنج عضلات جسده لتنظر اليه بقلق و قد توترت من عصبية حديثه و يده التي تلوح في الهواء بانفعال ثم وجدته يهتف بضيق :
_ اعرفلي منه كل حاجة و بلغني 

اغلق الهاتف و القاه باهمال علي الفراش يضع يده بخصره و هو يتنفس بعنف شديد لتقترب منه اسيل تتلمس ذراعه برقة متسائلة بتوتر :
_ مالك يا حبيبي في مشكلة ؟

نفض يدها بحدة عنه و لم تعهد هي تصرفه ذلك رفعت يدها ترفع خصلات شعرها الي الخلف باناملها المرتجفة بارتباك لتلتفت تقف امامه تراقب تتابع تعابير عديدة علي ملامح وجهه رفعت يدها علي وجنته تمسد عليها بحنان متسائلة من جديد :
_ فيك اية يا حبيبي 

اغمض عينه بقوة و اخذ يتنفس بحدة و صدره يصعد و يهبط و هو يرفع يده يزيح يدها بهدوء عن وجنته ثم عاد الي الخلف خطوتين متحدثاً بسكون عكس ما كان عليه منذ قليل و قد اثار ذلك ريبتها و تأكدت من وجود خطب ما به و لا يريد ان يفصح لها عنه :
_ انا كويس ، لازم ارجع الشغل دلوقتي و بعدين نبقي نتكلم يا اسيل 

انهي حديثه مع تقدمه من باب الغرفة خارجاً منها سريعاً غالقاً الباب خلفه بقوة تاركاً اياها تنتفض من اثر صوت الباب و من ارتباكها من ذلك الموقف العجيب و اخيراً من خوفها عليه لشدة غضبه الواضح لها و الذي يحاول ان يسيطر عليه في حضرتها ، تأففت بضيق و هي تلملم خصلات شعرها بين يديها ثم اخذت خطواتها نحو المرحاض تغسل وجهها حتي تكمل استعدادها للخروج تحاول محو اي قلق يسكن قلبها نحوه حتي يأتي المساء و يروي لها ما حدث بهدوء كما يفعل دوماً 

************************************
خرجت آسيا من سيارة جنة تستند عليها بارهاق تضع ضمادة علي جبهتها و يلتف ذراعها الايمن كاملاً بضمادة اخري سحبت كنزتها البيضاء الي الاسفل تخفي بطنها التي ظهرت و هي تنزل عن السيارة تنفست بقوة و هي تكبح ألم كاسح ينخر في جسدها بلا رحمة رغم تناولها اودية تسكن هذا الألم و كلما شعر بالألم كلما تفاقم الغضب داخلها ناقمة علي تلك المدعوة كارما و التي غافلتها و لم تقدر هي علي اخذ ردة فعل و لكن اوان الندم قد فات و هي لن ترضي سوا بأخذ ثأرها من تلك الحقودة و دعسها تحت الاقدام و هذا ما ستسعي اليه خرجت من افكارها الدموية علي يد جنة التي ربتت علي ظهرها برفق تحثها علي السير اتجاه البناية التي يقتن بها جدها و التي اصرت ان تعود له من جديد غير راغبة في تركه بمفرده بعد ازمته الصحية السابقة ، سارت ببطئ تتكأ بذراعها السليم علي ذراع جنة تصعد الي الاعلي حتي وقفت امام الباب لتنظر نحو صديقتها قائلة بهدوء و تحذير :
_ جدو ميعرفش حاجة عن شغلي يا جنة خدي بالك ، هقول اني وقعت في الشركة تمام 

اومأت اليها جنة و هي تقرع جرس الباب ، فُتح الباب بعد دقيقة و تفاجأ السيد نجيب من هيئة حفيدته ليسرع نحوها بلهفة و قلق قائلاً :
_ مالك يا بنتي اية اللي حصلك 

ابتسمت آسيا ببهوت و هي ترتب علي كتف جدها تحاول بث الطمأنينة داخل قلبه الفزع عليها قائلة بهدوء :
_ متخافش يا حبيبي انا كويسة وقعت بس في الشركة مش اكتر 

افسح لها مجال للمرور من جواره و العبور الي الداخل هي و صديقتها التي لم تتركها حتي جلست برفق علي الاريكة بالردهة ليدلف هو الي الداخل غالقاً الباب خلفه متقدماً نحوها يمرر عينه علي هيئتها و وجهها المكدوم قائلاً بتساؤل :
_ متأكدة يا بنتي انك كويسة ، وقعتي ازاي بس

امسكت آسيا بيد السيد نجيب الذي يقف جوارها و جذبته برقة حتي جلس علي جوارها مجيبة عليه بهدوء :
_ دوخت يا جدو و وقعت بس انا كويسة دلوقتي متقلقش 

ذم شفتيه بانزعاج و هو يتحدث بانفعال موبخاً لها علي سوء تصرفاتها و عدم الحفاظ علي صحتها :
_ ما انتي مبتأكليش زي البني ادمين كل اكلك خضار مفيش اي غذي خالص 

ضحكت آسيا بخفة علي انفعال جدها الحنون لتميل تستند برأسها بهدوء علي كتفه قائلة بهدوء :
_ و الله الاكل دا بردو مغذي يا جدو 

ما كاد السيد نجيب ان يرد مجادلاً لها حتي انتبه الي جنة التي تقف بهدوء بالقرب منهما ليبتسم بحنو و هو يشير لها علي احد المقاعد قائلاً بود :
_ اقعدي يا بنتي معلش مرحبتش بيكي انشغلت مع اسيا 

ابتسمت جنة ابتسامة لطيفة كشخصها و هي تجلس علي المقعد تريح ظهرها اليه و هي تود القليل من الاسترخاء بعد ما عانته من توتر فترة انتقال آسيا الي المشفي حتي الاطمئنان عليها :
_ و لا يهمك يا جدو ، اخبار صحة حضرتك اية ؟

انهت حديثها بسؤال حتي ينشغل الجد عن الاستفسار لما حدث لصديقتها و بالفعل نالت ما رغبت حين اندمج معها السيد نجيب في الحديث ثم وقف عن الاريكة يخبرها انه ذاهب للصلاة ، انحني يقبل قمة رأس آسيا حامداً الله علي سلامتها ثم اتجه الي الطرف الاخر من الشقة لتنتقل جنة الي جوار صديقتها تمسد علي خصلات شعرها برفق متسائلة :
_ انتي كويسة يا آسيا بجد ؟

ابتسمت آسيا لها بحب و هي تميل لتقبل وجنتها في امتنان لوجودها الي جوارها اينما احتاجت لها ثم اجابتها بهدوء تطمئنها حتي تستكين بعد ما خاضته من رعب يظهر بتشنج عضلات جسدها الرشيق :
_ صدقيني كويسة يا حبيبتي متخافيش 

تنهدت جنة بارتياح و كأنها ازاحت عنها ثقل كبير قبل ان تنظر اليها من جديد متسائلاً بضيق يظهر علي ملامح وجهها المليح :
_ هتعملي اية مع كارما 

ابتسمت آسيا هذه المرة بشر يكمن داخل حدقتيها التي التمعت بشئ من الخبث و الدهاء قائلة بنبرة هادئة :
_ سبيها لوقتها 

اومأت اليها جنة و هي تشعر بعدم الارتياح لما تريد ان تفعله صديقتها و ساد الصمت بينهن قليلاً قبل ان تصدر جنة شهقة رفيعة دليل علي تذكرها شئ هام لتلتفت الي آسيا قائلة :
_ يوسف قصدي "چو" كان عايز يجي معانا يوصلك بعد ما الدكتور قال ينفع تروحي بس مرضتش عشان جدك

هزت آسيا رأسها باستحسان و عينها ترمق تعابير وجه جنة بدقة قبل ان تستطرد :
_ كويس انك عملتي كدا 

ارخت جنة ظهرها علي ظهر الاريكة و اغمضت عينها في سكون في محاولة منها لخفاء ما قد يظهر في عينها من نظرات حزينة متشربة بالحسرة تفكر لما يقع الشخص الذي عشقته في حب صديقتها المقربة جاعلاً منها تتنحي جانباً ترفض اظهار اي مشاعر نحوه متخلية عن ذلك العشق في صمت دون حتي الإفصاح عنه و لو لمرة واحدة لاي شخص ، اقتلعتها آسيا من دوامة افكارها التي تغمرها بالحزن في همس حنان :
_ جنة 

همهمت جنة باستجابة و هي تفتح عينها تنظر اليها بانتباه لتمسك آسيا بيدها قائلة في لطف :
_ متحاوليش تخبي مشاعرك عنه اكتر من كدا 

ازدردت لعابها في توتر و ارتجفت يدها بين يد آسيا قبل ان تسحب يدها سريعاً تأخذ خصلات شعرها القصير السوداء التي تنافس الحرير حتي في لمعته البراقة تبعدها الي الخلف في ضيف اقتحم صدرها قائلة بجدية و اصرار ان تنكر تلك الحقيقة :
_ آسيا من فضلك متخمنيش اوهام من عندك انا معنديش مشاعر اتجاه يوسف 

اردفت آسيا في ثقة و هي تراقب عن كثب اللمحات المتلاحقة التي تلتمع بها عين صديقتها :
_ اهي يوسف اللي انتي الوحيدة اللي بتقوليها دي هي اللي مأكدالي مشاعرك ناحيته اكتر مانا شايفاها

تأففت جنة بضيق و هي تهب واقفة عن الاريكة تتأهب للخروج تعدل من وضع كنزتها السوداء يسقط كتف واحد منها يظهر بشرتها ناصعة البياض بشكل ينافس بياض الثلج المتشربة بالاحمرار ثم هتفت بغيظ :
_ ياريت متقوليش الكلام الفارغ دا تاني يا آسيا انا مبحبش حد

اتجهت الي طريق باب الخروج لتسرع آسيا في اللحاق بها تمسك بذراعها بيدها السليمة تمنعها من التقدم خطوة اخري نحو الباب قائلة بنفاذ صبر :
_ انا مفيش بيني وبين چو اي حاجة غير الشغل يا جنة و انتي عارفة كدا 

ابتلعت غصة مريرة بحلقها و هي تنظر اليها بدقة و هي تعلم ان هذا الحديث صحيح لكن من طرفها هي فقط و الامر لم يكن كذلك بالنسبة ليوسف فهي تعلم حبه لصديقتها و لهفته برؤيتها لتهمس بضيق يعتمر قلبها تنفي صحة حديثها :
_ بطلي تخاريف يا آسيا متستفزنيش انا مليش دعوة بيه و لا هو في دماغي اصلاً .. اقولك انا مروحة 

هتفت بجملتها الاخيرة بحنق بعد صمت لحظات و توجهت نحو الباب بخطوات غاضبة حتي فتحت الباب و آسيا خلفها تحاول ايقافها و تخليها عن عنادها الذي سيؤدي الي خسارتها لحبها لكنها لم تستمع اليها و لم تلتفت اليها حتي لا تري دموعها التي اخذت مجراها الي وجنتيها ، خرج منها تأوه متألم حين ارتطمت بمن يصعد الدرج لترتد الي الخلف خطوة رفعت وجهها الباكي الي زيدان الذي كان يصعد الدرج علي عجل من امره همس باعتذار لتلك الفتاة المنهارة امامه و التي لم تنتظر اي لحظة بعد همسه بل اومأت اليه و ركضت بتعثر الي الاسفل رفع كتفه و هو ينظر اليها و هي تركض ثم التفت الي تلك الواقفة يظهر عليها الضيق و صُدم مما هي عليه ليكمل صعود درجات السلم حتي وقف امامها مباشرةً و رغم غضبه منها منذ موقفها المتعجرف معه الا انه لم يمنع نفسه من الحديث بهدوء :
_ الف سلامة ، حادثة دي و لا اية 

هزت رأسها بايجاب و هي تجيبه ببساطة :
_ الله يسلمك ، وقعت في الشركة بس 

ضيق عينه يرمق ذلك الخدش برقبتها بثبات قبل ان يسألها :
_ عملتي محضر ؟

عقدت ما بين حاجبيها و هي تنظر اليه تتحقق من جدية حديثه ليميل جانب شفتيها في ابتسامة ساخرة تتحدث بتهكم :
_ هعمل محضر عشان وقعت 

نفي زيدان برأسه و هو يدس يديه في جيب بنطاله ثم اشار بعينه نحو رقبتها قائلاً بجدية :
_ لا عشان الخربوش 

وضعت يدها بتلقائية علي مكان ذلك الخدش التي احدثته اظافر كارما ثم ابتسم لذكاء ذلك الشاب ثم اجابت عن سؤاله السابق بصدق هذه المرة :
_ لا معملتش محضر 

_ لية ؟

سأل مستفسراً لتلتمع عينها بمكر قد التقطه سريعاً ثم صدق حدسه حين اردفت بهدوء :
_ مش مستاهلة محضر ، اقدر اخد حقي كويس 

رفع كتفيه غير راغب في اكمال اسئلته مستفسراً عن الامر الذي لا يهمه بالتأكيد لكنه هتف في النهاية بهدوء :
_ لو محتاجة مساعدة انا موجود 

اتسعت ابتسامتها و هي تبعد يدها عن رقبتها تستند بظهرها علي الحائط المجاور لباب الشقة قائلة بابتهاج :
_ حيث كدا بقي انا عايزاك في خدمة و هديلك اللي انت عايزه 

اغمض عينه يكبح جماح غضبه من إحراقها حية و هو يصك علي اسنانه بقوة هل تقصد ان تحط من شأنه امام نفسه ليصيح بحدة و قد برزت عروق عنقه بشكل ملحوظ و احمرت اذنه و رقبته :
_ يا ستي الله يرضي عنك بلاش استفزاز انا عدتيها المرة اللي فاتت بمزاجي 

ابتلعت ريقها بصعوبة و هي تراقب انفعالاته الواضحة عليه ثم همست بأسف و اعتذار و لم تكن بالفعل ترغب في اشعال غضبه :
_ مكنتش اعرف ان دي حاجة تضايقك ، sorry 

تأفف بقوة و هو يمرر يده علي وجهه ثم اومأ اليها ثم سأل باقتضاب :
_ طب قولي محتاجة اعمل اية و انا اعمله 

عادت الابتسامة تزين ثغرها و هي يعيد خصلاتها المنسدلة علي كتفها الي الخلف قائلة بحماس بالغ :
_ خلينا لبكرا بعد الضهر كدا لو فاضي هنروح مشوار سوا 

و بتلقائية ابتسم لحماسها كطفلة وعدها والدها بالتنزه لاول مرة ليهز رأسه بايجاب موافقاً علي مرافقتها بالغد قائلاً :
_ بكرا هعدي عليكي 

نفت برأسها و هي تشير بيدها ان ينتظر و لا يتحرك حين هم بالصعود الي الاعلي قائلة بلهفة :
_ لا بلاش تخبط علي البيت عشان جدو ، كلمني علي الفون 

اخرج هاتفه من جيب بنطاله يمد يده به لها قائلاً بهدوء :
_ خدي اكتبي الرقم تاني عشان مسجلتوش 

انتهت من كتاب الرقم و مدت يدها له بالهاتف من جديد ثم نظر اليها واضعاً الهاتف بجيبه مجدداً :
_ كدا تمام ، الف سلامة عليكي مرة تانية 

ابتسمت آسيا و هي تجيبه بلطف :
_ الله يسلمك 

***********************************
تأففت سماح و هي تغلق باب الغرفة بعد ان دلفت خلف زوجها تحاول اقناعه بزواج رقية من ذلك الرجل و اصرت علي الحديث رغم رفضه القاطع لهذا الموضوع بعد ان رأي الصورة الفوتوغرافية لذلك الرجل الخرف الذي يريد الزواج من فتاة صغيرة كـ رقية :
_ يا صبري اسمع بس دي فرصة حلوة اوي ليها و لينا احنا كمان معاها 

صرخ صبري بنفاذ صبر و قد اختنق من ثرثرة زوجته بذات الموضوع الذي لا فائدة منه :
_ فرصة اية دا راجل رجله و القبر ، دا اد ابوها يا سماح اتقي الله البت لسة صغيرة 

تنهدت بقوة و هي تجلس الي جواره علي الفراش تمرر يدها علي كتفه حتي يهدئ و يمكنه التفكير لتتحدث بهدوء و عينها تلتمع بالجشع :
_ اسمعني بس ، يعني هو الراجل الكبير دا هيقعد اد اية سنة سنتين و يتوكل علي الله و البت بقي تورث العز كله و تنغنغنا معاها 

التفت يرمقها بغضب قبل ان يدفعها بكتفها لتبتعد عنه ثم اشار الي رأسه يهدر بعصبية :
_ مش موافق يا سماح و حلي عن نفوخي الساعة دي 

اغمضت سماح عينها لثواني تحاول ان تسيطر علي نفسها و الا تصرخ بوجهه الآن و نشب شجار كبير بينهما ثم وقفت امامه تمرر يدها علي رأسه قائلة بهدوء :
_ لية بس يا راجل متبقاش عنيد الموضوع كله مصلحة و لا عايزها تفضل في الفقر دا 

لم ينظر اليها انما يظهر علي تقاسيم وجهه الغاضب منها و رؤيتها لقبضه علي كف يده تنبهها الا تغامر و تتمادي في الحديث معه حتي لا تكون النهاية مؤلمة لها هي وحدها لتبتلع ريقها و هي تحيط بوجهه بين كفي يدها ترفع رأسه لها متسائلة بأمل :
_ طب لو هي وافقت انت هتوافق ؟

ضاقت عينه بتحدي و هو يعلم تفكير رقية فقد وافقت علي زوجها السابق بعد معاناة و تفكير طويل و ضغط رهيب من قبل امها لترتسم ابتسامة ساخرة علي طرف شفتيه قبل ان يردف بجدية :
_ عمر ما رقية هتوافق علي الراجل دا دي نشفت ريق امها عشان توافق علي كريم ، بس انا معاكي للاخر لو رقية وافقت انا موافق و لو موافقتش تكتمي خالص و متجبيش سيرة الموضوع دا تاني تمام يا بنت الناس ؟

لوت شفتيها في ضيق و قد فاض بها الكيل و تريد التخلص من تلك الفتاة عما قريب حتي تنعم بحياة مليئة بالراحة و السكون دون ان تكون تلك دائمة الشكاء و البكاء معها في ذات البيت و تغمر حياتها بسواد ما مر بها تلك الفترة لتتنهد بقوة و هي تقول بهدوء :
_ انت عارف انها مكنتش موافقة علي كريم او غيره لية بس حاضر يا صبري لو رقية قالت لا مش هتكلم في الموضوع دا تاني خالص 

***********************************
و بالغرفة المجاورة لغرفة صبري كانت رقية تجلس علي الفراش تحاوط نفسها بذراعيها تكمل وصلة بكائها و نعيها لنفسها علي ما الت اليه الامور لقد القاها زوجها السابق و كأنها قطعة خرقة بالية شهقت بقوة شهقة تكاد تمزق قلبها و هي تتذكر بعض المواقف بينهما و كيف كان يغدقها بكلامه المعسول و يضغط عليها الي الحد الذي جعلها توافق علي زواجهما ابتسمت بسخرية علي نفسها وسط دموعها التي اغرقت وجنتيها ليتها لم تفعل تمثل امامها من جديد ذكري حُفرت داخلها في موقف من اصعب ما مر عليها منذ ان تزوجته و كانت هذه الذكري سبباً رئيسياً في طلاقهما ..
تتذكر تماماً حين وقفت والدة زوجها في منتصف ردهة منزل الزوجية تصيح بصوت عالي صاخب تلقي عليها الاتهامات الباطلة امام ذلك الصامت الذي عاد منذ قليل للمنزل لتحل عليها غيمة سوداء حين صعدت خلفه والدته تصرخ به انه اخطأ حين تزوجها و فضلها علي ابنة صديقتها و في الاخير دفعته بكتفه تشير بيدها الاخري نحو رقية الواقفة ببهوت و لا تستوعب ما يحدث معها مطلقاً صارخة بغل :
_ انا سمعتها بودني بتقول لصاحبتها انها عملالك سحر عشان كدا زي الجذمة في رجلها متقدرش تعملها حاجة و حطاه في فرشتكم 

و ما صدر من زوجها "كريم" سوا اسمها بنبرة مستنكرة حديث والدته اللاذع مشيراً اليها بعدم تصديق :
_ رقية !!

و ما ان تقابلت اعينهما حتي نفت برأسها بهسترية و كأنها بذلك تثبت صدقها و اقترب بخطوات مرتعشة منه تتمسك بذراعه تستنجد به من والدته التي تهدم حياتها معه قائلة بصوت ضعيف باكي :
_ و الله ما حصل يا كريم صدقني انا عمري ما اعمل كدا انا اخاف ربنا 

صدحت ضحكة مستهزة من والدة كريم قبل ان تتقدم منهما و هي تتخصر قائلة بسخرية :
_ بتخافي ربنا اوي يا حبيبتي 

شعرت رقية بالبرودة تجتاح جسدها بقوة و قد القت بها تلك السيدة داخل نيران ستبتلعها و تجعل حياتها رماد لتزداد وتيرة انفاسها بخوف و دون شعور منها هتفت بقهر :
_ طيب خافي انتي من ربنا 

و بعد تلك الجملة المرتعشة منها دفعها كريم عن ذراعه ثم صرخ بحدة و تحذير :
_ رقية اخرسي 

ازداد بكاء رقية و هي تنظر اليه بأعين تتوسله الا يصدق ما يقال بحقها لتبتسم الاخري بشماتة و هي تقترب من ابنها تربت علي كتفه و هي تتحدث من جديد بصوت عالي ترمق رقية بغضب :
_ طب ادخل يا حبيبي و فتش تحت فرشتك و شوف و لو مفيش حاجة انا هعتذرلها 

وقف كريم مشتت و لا يعلم ما يجب عليه فعله نظراته تنتقل ما بين والدته و زوجته اينجرف خلف اتهامات والدته و يدخل للبحث ام يصدق زوجته و لا يدخل الشك بينهما و لكن جاءت دفعة من والدته لكتفه نحو غرفته اخرجته من دوامة افكاره المتضاربة جاءت عينه البنية الداكنة بعينها السمراء الباكية للحظات صامتة قبل ان يتوجه نحو غرفتهما و يبدأ بالبحث و داخله يقين ان زوجته لن تفعلها و لكن بهت فجأة حين ازاح المرتبة المنتفخة يلقيها علي الارض ليُصدم بلفافة بيضاء بالمكان المخصص لنومه ازدادت وتيرة انفاسه و هو يلتقط تلك اللفافة الغريبة اخذ يتفحصها حتي فتحها و وجد صورته يكتب عليها باللون الاحمر بطريقة غريبة ارتجفت يده و هو يدقق بما بيده و بثقل التفت الي رقية التي وقفت امام باب الغرفة تراقب ما يحدث و التي صدرت منها صيحة معترضة علي ما هي متهمة به الآن تقدم منها بخطوات غاضبة هوجاء حتي وقف امامها تماماً امسك بذراعها يجذبها نحوه بقسوة و هو يلوح بيده بما وجده متسائلاً بغضب :
_ بتعمل اية دي تحت راسي يا رقية 

_ و الله ما عملت حاجة يا كريم و ..

همست بتوسل لتصديقها و لكنه قطع حديثها حين رفع يده عن ذراعها و هبط بها علي وجنتها اليمني بقوة جعلتها تصرخ بألم شديد و كأن نيران نشبت بوجنتها التي انتشرت بها الحُمرة ، القي ما بيده علي الارض و امسك بخصلات شعرها يجذبها منها بقسوة و هو يصرخ بوجهها :
_ بتعمليلي عمل يا رقية دا انا كنت مفكرك ملاك بجناحات 

ارتفع صوت بكائها و توسلها له و هي تحاول ان تزيح يده عن خصلات شعرها ليشدد اكثر علي خصلاتها وسط تشجيع والدته علي ما يفعله و القاءها لكلمات بغيضة بحق رقية تزيد من اشتعال كريم اكثر و اكثر حتي دفع زوجته الي البعيد بقوة و قد ارتطمت بالارض لتزحف للخلف علي ذراعيها حتي وصلت الي الحائط استندت عليه تشهق بقوة و هي تحاول التحدث لكن لم تسعفها الكلمات لينظر اليها باحتقار لحظات قبل ان يلقي كلمته التي كانت بمثابة نقطة النهاية لزواجهما و انتهاء علاقتهما الي الابد :
_ انتي طالق يا رقية

شهقت بقوة و هي تعود من تلك الذكري البائسة في حياتها تحاوط رأسها بين راحتي يدها تضغط عليها بقوة لم تراه من بعد ذلك اليوم و لم يعطي لها اي فرصة للحديث معه بل كان نائبه في كل ما مر بعد ذلك اليوم هو شقيقه الاكبر كم شعرت بالقهر من فعلته معها و كأنها لم تكن بحياته بالاصل تخلي عنها تماماً دون الالتفات الي الخلف مجدداً و تقدير ما بينهما من مودة و تألف شهقت بقوة و هي تمسح دموعها هامسة بحسرة :
_ حسبي الله ونعم الوكيل ربنا ينتقم من كل ظالم 


تعليقات



×