رواية حب للبيع الفصل الثالث 3 بقلم احمد فايز

 

رواية حب للبيع الفصل الثالث بقلم احمد فايز



حين تسقط الذرائع وتنفضح النيّات

مضت أيّام، لكنها لم تمرّ مرور النسيم، بل كانت كالعاصفة في صدر هاني، كل لحظة تمرّ كانت شوكة في خاصرته، تدفعه للإسراع... وبالفعل، باع الأرض.

أرض أبيه، التي لطالما حلم أن يُقيم فوقها بيتًا يجمعه بحبيبته... الآن، صارت ماضيًا، فقط لأن الحُب يحتاج لتضحية، وحُب "هناء" كان يستحق أن تُباع الدنيا لأجله.

وفي صباحٍ هادئ، طرق "هاني" باب بيتها، لكن هذه المرة لم يكن وحده، بل كان معه "أحمد"، كالشاهد على ما سيقال.

فتح الباب "أخوها الكبير"، ذاك الذي ظن أن المال هو السلاح، والسلطة هي الحكم.

قال "هاني" بنبرة هادئة لكن تحمل خلفها بركانًا من الكبرياء:

– صباح الخير… أنا جاي أقطع لسان كل واحد قال إني مش قدّها.

ردّ الأخ بسخرية:

– جاي تقولنا هتبطل تمسك فيها ولا إيه؟

اقترب "هاني" خطوة، وعيناه لا تهربان، صوته كالسيف حين يلمع:

– جاي أقولك إنك كدّاب…
كنت بتقول مش معايا بيت؟
أنا دلوقتي معايا شقة ملك، متشطبة ومفروشة…
وبعتها بأرض كانت تساوي أكتر من وشّك.

وقف أحمد بجانبه، وقال بتأييد:

– والشقة دي اتفرشت في يومين، بحب راجل ما استناش نصيب، ولا ظروف، ولا حجة تتقال."

سكت "هاني" للحظة، ثم زاد:

– كنت بتقول عايزين ضمان؟
أنا ضمانها… قلبي وعيني وسنيني اللي هديها ليها.
مش محتاج منكم موافقة، أنا جايلكم بس عشان ما تتفاجئوش يوم كتب الكتاب.

ظهر الارتباك على وجه أخوها، لكنه حاول التماسك:

– بس إحنا مش مقتنعين بيك!

اقترب "هاني" أكثر، وقالها بثقة:

– ماتقتنعوش… أنا مش طالب رضاك.
أنا طالب حق… والحق مش بيُستأذن.
وهناء لو راضية بيا… كفاية.
وساعتها لو وقفتوا في طريقها، تبقوا بتئذوها مش بتحموها."

في الخلف، خرجت الأم، بوجهٍ شاحب، تنظر إلى الشاب الذي كسر كل حججهم.

قالت بصوتٍ هادئ:

– يعني ناوي تتجوزها حتى لو رفضنا؟

رد "هاني" بثبات:

– أنا ناوي أصونها، وأسترها، وأكمل بيها اللي بدأناه.
واللي بيني وبينكم مش حرب…
أنا جيت على بابكم، مش خطفته.
بس لو فضلتوا تقفوا قدامي، هخطفها بعقد، وشهود، وقلب بيحبها أكتر منكم كلكم."

سكت الجميع، والحق كان واضحًا كالشمس.
لم يعد لهم حجة، ولا قدرة على الوقوف أمام من باع الأرض ليشتري قلبًا.

"إذا سقطت الحُجج، وقام الحبّ على عرش التضحية، خرسَت الألسن… وانتصرت القلوب". 

                  *****

كان الليلُ ينسدلُ على المدينة كستارٍ من حنين، والنجومُ تتناثرُ في السماء كأنّها رسائلُ مُضيئةٌ من العاشقين، يقرؤون فيها أمنياتهم المؤجلة. وعلى شُرفةٍ تُطلُّ على سكون الليل، جلس "هاني" بقلبٍ يتقافزُ من فرطِ الشوق، يُقلّب صورَها في هاتفه كمن يُنقّب عن كنزٍ دفين، حتى أضاءت الشاشة باسمها، فارتسمت ابتسامةٌ على ثغره كأنّ الشمسَ قد أشرقت في عينيه.

_ياااه يا هناء... أخيرًا هتبقي على اسمي

قالها بصوتٍ فيه من الرجاءِ ما يكفي لتلينَ له الصخر، ومن العشقِ ما لو قُسِّم على العاشقين لكفاهم.

_والله وأنا مش مصدّقة نفسي... خلاص بعد العذاب ده كله هنرتاح ونكون لبعض

ردّت هناء بصوتٍ مُحملٍ بدمعِ الفرحة، كأنها تقتنصُ لحظةً حلمت بها دهورًا.

_مَن طلب الهوى بسط لليل كفّه، وسهر الليالي وقال في حبّك مواويل

قالها هاني وهو يغمض عينيه كمن يتذوّقُ المعنى، فتنهّد كأنّ قلبه يروي قصة عمرٍ بأكمله.

_هيييح، وأنا كمان سهرت الليل، وحبيت الليل، وعذاب الليل... لأجل عينك

ضحكتها كانت كخريرِ نهرٍ رقراق، تخترق صمتَ الليل وتبعثرُ السكون.

_بس أنا مش عاوزك تحبّي حد غيري... فاهمه؟

قالها وهو يضم الهاتف إلى صدره كأنّ صوتها دفءٌ في صقيعِ روحه.

_فاهمه ونُص... مفيش حدّ يملأ عيني غيرك، وعلى رأي المثل: اللي عينها مليانة ميغويهاش الألوان

_أيوا بقى، أحبّك إنتِ يا جميل يا ملون

_وأنا كمان بحبّك أوي يا هاني

ثم صمتت لحظة، وابتلع السكون حروفهما، لكنه كان صمتًا يصرخ بالشغف.

_أحيييه... على اسم "هاني" منك يا قمر... قوليها كمان مرة

_هاني...

قالتها بخجلٍ تراقصَ على أطرافِ الكلمات، فتنهّد هاني كمن استقبل دعاءً مستجابًا.

_أموت أنا وأعيد السنة... إمتى بكرا ييجي؟ مستنيه بفارغ الصبر

_هانت يا حبيبي، عدّينا الصعب كله، فاضل تكّة... المهم، اختارت أغاني الفرح؟

_طبعًا! دي حاجه تفوتني؟
الرومانسي: بحبك لأحمد جمال، وبحبك لعمرو دياب، وحلم السنين لتامر حسني
أما الشعبي: سطلانه، النهاردة فرحي، وأعملك إيه
حلو كدا عشان ألحق أطير بيكِ على عش الزوجية، مش هنقضي الليلة كلها في الفرح، نبقى نكمل في شقتنا!

_يا سلام، دا انت محدد كل حاجه بالظبط
بس أنا حابه أول ما ندخل القاعة نشغّل: "أوصفي في ليلك نجمه"

_بس كدا؟ أحلامك بسيطة والله... احلمي، وأنا أحقق، وأشغّلك كل أغاني الحب والغرام

_ربنا ما يحرمني منك... بحبك وبموت فيك

_بعشقك... ودايب في داباديبك

قالت هناء بمزاح: 
_عندك شامبو؟

_لا والله، عندنا دباديب... ههه

_عسل يا ناس، هتجوز عسل دمه خفيف

_وقلبه أحنّ من النسيم... يلا نامي وارتاحي، عشان يومنا طويل بكرا
تصبّحي على حب وعشق الهاني

_وأنت من حب وعشق الهنا
احلم بيا بقى

_حاضر من عيوني
افتحي صورتي قبل ما تنامي، واعملي زووم، وبُصي فيها خمس دقايق
وأنا هحلم بيكي يا قمر

_هعمل كده أكيد
مع السلامة يا حبيبي

_مفيش بينّا سلامات
اسمها نكمّل بكرا... يا ربّ حياتي

_منك نتعلم... يا ربّ حياتي

_حبيبتي يا ناس...

"إنّ الهوى إذا اشتدّ، نطق القلبُ بما عجزت عنه الشفاه،
وإنّ العاشق إذا صبرَ، جعلَ من نبضهِ سيفًا، ومن دمعهِ وعدًا،
فلا تسل عن الشوق، فقد كُتبَ على جدرانِ القلوب قبل أن يُكتب في القصائد"

         
تعليقات



×