رواية امواج قاتلة الجزء الثالث (احفاد السياف) الفصل الخامس والثلاثون
تراكمت غيوم اليأس فوق فؤاده فتاهت عن روحه تلك البراءة الدائمة والنقاء، احتلت ملامحه غضب جعل الرعب يسري في عروق الجميع، تحدث المدير المسؤول بهدوء
يا باشمهندس رحيم أنا شايف إننا نبلغ نوح بيه، مفروض يتصرف بنفسه.
انتفض رحيم واقفا ناظراً إليه بتحذير
وأنا ايه، عيل صغير ممليش عينك إياك؟!
تنحنح الرجل بحرج قائلاً
العفو يافندم، أنا قصدي خير وبعدين الشركة في الأول والآخر ملك حضرتك، أنا كل اللي بعمله إني بحافظ على النظام وبتابع الشغل والموظفين.
رحيم : تمام، وحضرتك راچل محترم ومعانا من سنين، الأستاذ آثر مننا، يعني الشركة شركته يا أستاذ عاصم، ومفيش حد هيسرج شركته وماله، ولا إيه؟!
ابتلع ريقه بتوتر واعاذر قائلاً
أكيد لأ، أنا شكلي كبرت الأمور زيادة عن اللزوم.
رحيم بجدية : بالعكس، كلامك ورد فعلك يأكد إنك إنسان أمين وبتعامل الكل بنفس الميزان، وأنا متشكر إنك بلغتني، اطمن يا استاذ عاصم أنا هتصرف في الحكاية دي بطريجتي.
انصرف عاصم ورغم تعنته مع آثر إلا إنه شخص يتميز بالوضوح والتفاني لعمله وبقي آثر وإلى جواره ماهر يرتعد خوفاً، أشار رحيم إلى ماهر قائلاً
اسمك إيه يابني، وشغال معانا من كام سنة
التفت ماهر إلى آثر مستغيثا به فتبسم رحيم بتهكم قائلاً
انت خايف مني، ده شكل الأستاذ عاصم كلامه صحيح، ولا إيه يا آثر؟!
آثر : ينفع اتكلم معاك لوحدنا.
رحيم بحدة : لاه، انت دلوك موظف زيك زي غيرك، كونك ابن خالي لا هينفعك ولا يخليني اسكت عن الفلوس المنهوبة يا آثر.
ادمعت عينا آثر وتحدث بانكسار
وأنا فاهم كويس إني موظف وكتر ألف خيرك يا باشمهندس، طول عمرك ساندني ومغرجني بچمايلك
رحيم : اسمع يا آثر، الشركة دي مال عمي نوح وعياله، أنا أبويا الله يرحمه مسبليش غير وچع الجلب واسمه، لا عندي فلوس ولا شركات، وواچبي اراعي مال الراچل ومش معنى إنك صاحبي تتصرف على كيفك، فهمني دلوك إيه الحكاية والواد ده انت هتحامي عنه ليه؟!
قص آثر على مسامع رحيم ما حدث سابقاً ليعترض رحيم بشدة
وااه، وهو كل واحد هيمد يده وينهب هنعذره وندافع عنه كمان، أنا آسف يا آثر المرة ديه مضطر اخيب ظنك وهبلغ بنفسي والشرطة تتصرف معاه.
تحدث آثر بلهجة خالية من التردد قائلاً
كلمتي جولتها يا رحيم ولو بلغت هعترف إن الفلوس دي معايا، ماهر ملوش صالح
رحيم بدهشة : كانك مچنون يا آثر، هتلبس نفس تهمة عشان واحد غريب، أنت مخبول؟!
آثر : فلوسك كاملة، وحتى لو مد يده وسرج ربنا أمر بالستر، انتِ مستحيل تفهمني.
رحيم : فهمني يا أستاذ آثر، إيه المبرر، متعاطف معاه ليه.
آثر بألم
لأن الحياة ساعات بتدوس بكل جَتها يا رحيم، ساعات هنغلط غصب يا واد عمتي، محدش فينا ملاك.
رحيم : اطلع برة دلوك يا آثر، تمشي حالاً وتاخد الواد ده في إيدك لأني لحد الساعة دي مراعي الصحوبية اللي بينا، لو فضلت جدامي هدخلكم السچن بيدي.
💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬
كاد أن يقترب فتشبثت بذراع يزيد وصاحت بفزع
خليه يبعد عني يا بابا، ده مجنون مش طبيعي.
لؤي بنفاذ صبر
اقعدي واسمعيني وبلاش تخليني اتجنن عليكِ بجد.
يزيد : اتلم واتكلم عدل يا ولد، انت يتهددها قدامنا.
لؤي : مراتي، لو حضرتك ناسي.
يزيد : وبنتي يابن يسري واتكلم وقول إيه السبب ورا عملتك السودة دي وخلصنا.
تنهد لؤي بغيظ قائلاً
طيب ياريت تقعدوا لاني هقول كلام مهم، وغالباً مش هيعجبكم، بس الحقيقة أنا قررت أكون صريح وتبقى المواجهة مرة واحدة.
ديمه : ده انت باااارد، يابني أنا مش عاوزة أسمعك، أمشي من هنا.
بسرعة وخفة كان أمامها وقبل أن تدرك ما حدث دفعها بلطف فتأوهت قائلة
انت....
أشار إليه بتحذير ونظرات حادة جعلها تنفخ بضيق لكنها آثرت الصمت لعلها تصل إلى خباياه، تنهد قليلاً ليلقي إليهم بما جعلهم في صدمة تامة
أنا لما انقذتك وقت الحادثة استغليت حكاية فقدانك للذاكرة وقولتلك إننا بنحب بعض، وعلى فكرة أنا عملت كل ده باتفاق مع أبويا، كان كل هدفه الفلوس وأنا وقتها كنت شايف انه معاه حق.
عجزت هي عن الحديث فتساءل يزيد :
وإيه اللي اتغير، ليه جاي تقولنا دلوقت، ضميرك صحي فجأة؟!
لؤي : لأ، مش حكاية ضمير، أولا اخوك كان هيسبقني ويحاول يوقع بيني وبينها بأي شكل ومش بعيد كان قالها هو الكلام ده، ثانياً لأني غلطت، أنا مفروض مكنتش استغل ديمه، للأسف هي أنقى من كل اللي بيحصل حواليها.
تقدمت هي بخطوات هادئة إلى أن التقطت المزهرية وضربت رأسه بها لتصرخ سهيلة بفزع ويحول يزيد بينهما بينما لؤي يشعر بدوار حاد وصدمة لم يتوقعها.
انتهت سهيلة من تقطيب جرحه وسط اعتذارها المتكرر عن فعلت ابنتها الغاضبة، همست بخجل يشوبه شماته خفية
حقك عليا أنا يا لؤي، بس انت صدمتنا كلنا بكلامك، ازاي تسيب ديمه تتألم طول الوقت ده واحنا معاها وانت ساكت، ليه معرفتناش ان البيبي بخير، ليه سمعت كلام أبوك، تفتكر لو كنت طلبت فلوس من يزيد كان هيتأخر، بقى ده جزاء طيبة قلبه وحبه ليكم.
نظر إليها بطرف عينه وتحدث بهدوء
أنا خايف عليها وعلى ابني، مش فاهم إيه المشكلة، وبعدين بنتك اتجننت رسمي، انتِ متخيلة إن أول مرة في حياتي كلها حد يعلم عليا يكون دي.
أشار إلى ديمه بغيظ فصاحت هي بجنون
انت لسه هنا بتعمل ايه، امشي أحسن ليك يا لؤي، عارف المرة الجاية هضربك بالرصاص.
ابتسم بسماجة قائلاً
بتعرفي تضربي نار ولا أعلمك؟!
سهيلة : خلاص بقى يابني هي دلوقت متعصبة.
لؤي : علي نفسها مش عليا، ورحمة أمي لعلمك الأدب يا ديمه، بقى أنا تفتحيلي دماغي.
يزيد : مكنتش تقصد يا بني.
ديمه : لأ اقصد، وعلى فكرة أنا حزينة جدااا إن الجرح بسيط ياريت كان أكبر.
💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬
تداخلت الأصوات وعلت الوجوه بسمة تعكس مدى سعادتهم بعودته للحياة، لكنه لم يعد كما خُيل إليهم بل كانت روحه هائمة بحثاً عنها، أغمض عيناه وهمس بصوت متعب
رحاب فين،؟
امتعض وجه حنان لكنها اعتادت حنينه لرحاب فتحركت نحوه بغيظ يشوبه سعادة لم تفلح في اخفاءها وقد عادت إليها الحياة بعودته
حنان : حمد الله على السلامة يا هاشم، خد نفسك ياخويا الأول وبعدين اطمن براحتك على أم سما.
أغمض عيناه بحرج خاصة وقد ادرك الأمور بعض الشيء فزوج ابنته وبعض الأطباء ينظرون إليه بفضول، لاحظ سلمان ملامحه المتوترة فمد له يد العون بقوله
حمد الله على السلامة يا حمايا
ابتسم زميليه بحبور وتحدث إليه هاشم بصوت ضعيف
الله يسلمك يابني، متشكر جدا يا دكتور سلمان.
سلمان بأدب : هتشكرني على إيه ياعم هاشم، انت في مجام أبويا وچد ولادي، ان شاء الله ربنا يمن عليك بالشفاء، ها حاسس بأيه دلوك؟!
هاشم : أنا كويس الحمد لله، أم سما عاملة ايه، هي فين؟!
سلمان : اطمن هي كمان بخير وكله تمام.
هاشم : عاوز أشوفها، استدرك حديثه قائلاً
عاوز اشكرها بنفسي.
حنان : خليه يروح يا دكتور علشان يهدي ويرتاح.
ابتسم سلمان بمجاملة قائلاً
حاضر ان شاء الله، تعالي يا سماء ساعدي الحاج هاشم وأنا هبعت اتنين ممرضين يسندوه.
................................
وهل يضير الميت اعاصير الحياة، وهل يفيدنا شوق وعتاب، لقد بتنا في خطوط متوازية ومهما طال الزمن محال أن تجتمع أرواحنا من جديد.
تحدثا مطولا دون كلمات، بقيا صامتين وكلاهما ينظر إلى الآخر بألم أراد هاشم اقتلاعه من جذوره بقوله :
لو أعرف إنك هتعرضي نفسك للخطر علشاني مستحيل كنت هقبل، ازاي تعملي كده يا رحاب؟!
رحاب : حصل خير وربنا كرمنا ومحصلش حاجة وحشة، المهم إنك بخير.
هاشم : ومين قالك اني بخير وانتِ بعيدة يا رحاب!
رحاب : ملوش لزوم الكلام ده، انت مفروض ترتاح، هنده سماء ترجعك سريرك.
هاشم : بتهربي تاني، متعبتيش من الهروب، أنا جايلك وبطلب منك تنسي اللي فات، أنا عاوزك جنبي علطول من غير خوف إنك تبعدي، نتجوز من تاني.
شهقت بصدمة : انت بتقول إيه؟!
هاشم بتيه وتعب : بقولك الصح، ده جنون، أنا مقدرتش انسى ولا انتِ كمان، أنا بحبك زي أول يوم قابلتك فيه، بحب عيوبك قبل مميزاتك وتعبت، تعبت يا رحاب.
تحدثت إليه بثبات وتحول صمتها إلى قوة ثائرة لتتساءل معاتبة
إياه :
ومراتك ذنبها إيه، هتظلمها معانا ليه يا هاشم، مش كفاية ظلمنا روحنا؟!
هاشم : مش هظلمها، بس مش هقدر أكمل من غيرك.
رحاب : زي ما كملت سنين، هتقدر تكمل الباقي، انت ليه متخيل إني اتبرعت بجزء من جسمي علشان ارجعلك، أو ازاي متخيل اني ممكن أقبل إن ست غيري تشاركني فيك، أنا زي ما أنا من يوم ما حبيتك لحد النهاردة، مفيش حاجة اتغيرت.
هاشم : وانتِ منتظرة إيه، اطلق حنان؟!
رحاب بحدة : انت بتقول ايه، مستحيل طبعا، دي ست كل ذنبها إنها عاشت معاك سنين وعمرها ما قصرت معاك، يمكن كانت قاسية مع بنتي شوية لكن ده الطبيعي، ورغم كل حاجة أنا مديونة ليها، لو في يوم عملت أكلة وبنتي أكلت منها فأكيد ده جميل في رقبتي، ازاي اطلب منك تطلقها.
اقترب هاشم بأمل :
يبقى خلاص، ارجعي، واعتبري حنان مش موجودة، أنا هقدر اتصرف، بس ارحمي نفسك وارحميني وخليني أعيش الباقي من عمري معاكِ، عاوز أموت بين ايديكي، أنا حبيتك أكتر من روحي، لكن حبيتك بغباء، اديني فرصة اعوضك واعوض نفسي عن اللي فات.
نكست رأسها ولم تنظر إليه فبعض النظرات قد تؤدي إلى استسلام مخزي، همست قائلة
لا انت هتقدر تعدل، ولا أنا هقبل بالظلم وكل اللي هيحصل اننا هنجرح بعض من تاني، وصدقني يا هاشم مبقاش قلبي حمل وجع جديد، أنا آسفة احنا مشينا طريق وغصب عننا هنكمله للنهاية، روح لمراتك يا هاشم واعتبر إن حياتنا سوا كانت حلم، حلم مستحيل يتحقق أو نعيشه من تاني.
💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬
ومن بين نجوم السماء تختص احداهن بخطف ابصارنا وكأنها لنا دون سوانا فإن اشتدت ظلمت الليل بحثاً عنها بقلوبنا إن عجزت الأعين عن رؤيتها، وهكذا كانت هي لا يدرك مدى عشقه لها إلا عندما تحيطه أسوار الماضي فيختنق حد الموت.
توجه بوجه بائس وروح ممزقة صوب سلمان الذي نظر إليه بتعجب وفزع من هيئته قائلاً
رحيم؟! إيه اللي چابك دلوك، كانك موچوع ولا إيه؟!
رحيم : عارف إن كلامي غلط وطلبي ضد شغلك كادكتور بس أنا هكلمك دلوك كاني هكلم نفسي، رايد أشوف رنا بأي شكل.
ابتسم سلمان وهمس بفضول : انت خابر زين إن أبوها واجف كيه عسكري الدرك، وحتى لو اتحرك من مكانه البنت نايمة وصعب تحس بيك.
رحيم : هطمن عليها، محتاچ أشوفها.
نفخ سلمان بضيق وحيرة لكنه لن يخيب رجاءه لذا تحدث إليه بود قائلاً
اجعد اهنه في المكتب، متخرچش وأنا أول ما أشوف حل هرچعلك، تمام.
اومأ إليه رحيم بتعب قائلاً
تمام، أنا مستني ومش هتحرك من غير ما أدخلها.
غاب عنه ساعات لم يستشعر رحيم كم طالت المدة فقد كان شارداً إلى أن ناداه سلمان بخفوت
جوم ياواد انت نمت ولا إيه، يلا بسرعة جبل ما حسن البومة يرچع تاني.
تحرك رحيم نحوه بسعادة قائلاً
أنا معاك أها، يلا بينا
سلمان بتحذير
عالسريع يا رحيم، انت خابر ان تصرفنا دلوك غلط بس لولا حالة البنت مستحيل كنت هخالف ضميري، تدخل تطمن عليها وتطلع من غير ما حد يشوفك لأن حسن مچنون وهيعمل شوشرة لو شافك.
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم