رواية احفاد اليخاندرو الجزء الثاني (الوجه الاخر للمافيا) الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم رحمة نبيل

رواية احفاد اليخاندرو الجزء الثاني (الوجه الاخر للمافيا) الفصل الخامس والثلاثون بقلم رحمة نبيل


كانت روما ما تزال تجلس في غرفتها وهي تشتعل غضبًا مما فعل معها انطونيو، هو حتى لم يكلف نفسه عناء سماع ما تود قوله، هذا هو انطونيو يفعل ما يريد دون أن يعبأ لأحد، لكنها ظنت يومًا نفسها استثناءً، وكم كانت حمقاء .

تشعر أن غضبها يشتعل في ثانية ثم يخمد دون أن يكون لها اليد في التحكم بمزاجيتها .

لكن الآن كل ما تريده هو أن تتحدث بانطونيو وتصرخ في وجهه تخبره كم هو احمق وكم تكرهه هي، وتحبه أيضًا .

وعند تلك الفكرة تحركت روما من فراشها وركضت سريعًا صوب الطاولة التي تجاور باب الغرفة والتي وضعت أعلاها الهاتف الخاص بها، امسكته تحاول الاتصال بانطونيو، لكن لم تستطع ذلك بسبب ضعف شبكة الاتصال .

ألقت هاتفها بعنف، تصمم على التحدث معه؛ لذلك خرجت واتحركت صوب الهاتف الموجود في ممر الغرف، وبمجرد أن أصبحت أمامه، انتفضت فزعة من صوت الصراخ الذي ملء القصر، فتحت عينها بصدمة وهي تعود تمسك بأول شيء وقع تحت يدها وقد كانت مزهرية كبيرة الحجم بعض الشيء، ضاربة بكل أوامر انطونيو عرض الحائط، تركض في اتجاه الصرخات في نفس اللحظة التي رأت روبين تخرج فزعة من غرفتها ومعها رفقة .

دخلت الثلاث فتيات لغرفة راسيل التي كانت تصرخ وجعًا وهايز تحاول أن تتحكم في حركتها هي والممرضتان.

" اهدأي عزيزتي، هذا ضروري جسدك بتماثل للشفاء؛ لذلك من الطبيعي أن تتألمي "

سقطت دموع راسيل أكثر وهي تهز رأسها رافضة لكل ذلك، رافضة أن تتعرض لكل ذلك الوجع، لتخرج كلمات يائسة من فمها معلنة انتصار الوجع على عزيمتها :

" لا اريد شيء، لا أريد الشفاء فقط اريد ألا اشعر بذلك الوجع ارجوكِ "

نظرت لها هايز بعجز فهي من الصعب أن تضع لها مسكنًا آخر، تحركت روما صوب راسيل بشفقة وهي تشير لها أن تهدأ :

" اهدأي راسيل كل شيء سيكون بخير، حسنًا، جرحك يلتئم وهذا الوجع دليل على ذلك "

ورغم أن روما لم تكن تدرك ما تقول إلا أنها فقط تحدثت في محاولة يائسة لتهدأتها، كانت روبين تقف بعيدًا جوار باب الغرفة وهي تبكي بوجع، وكأن جسدها هو من احترق، تشعر أن جسدها هي من يحترق، تتألم وبقوة لرؤية ما يحدث.

وضعت يدها على صدرها بوجع وهي تتحرك خارج الغرفة دون أن ينتبه لها أحد.

بينما الباقون يرمقون ما يحدث بترقب ولا احد يملك ما يمكن فعله، ثواني فقط وبدأ مفعول دهان الحروق الذي وضعته هايز في الانخفاض، وبدأ وجعه يخف شيئًا فشيء، تنفست هايز الصعداء وهي تلقي جسدها على المقعد بتعب شديد .

بينما روما تقف وتراقب راسيل التي كانت تنظر للسقف بشرود تفكر فيما سيحدث لها، ودموعها مازالت تنحدر على وجنتيها ..

" هل سيستمر الأمر طويلًا هايز ؟! هل سيستمر ذلك الوجع للابد ؟!"

نظرت لها هايز ثواني تحاول أن تنتقي كلماتها :

" فقط لبضعة أيام حتى تبدأ مرحلة الشفاء الثانية، كل ذلك الوجع الذي تشعرين به مصدره هو الحروق من الدرجة الأولى والثانية التي اصبتي بها بشكل متفرق على ذراعيكِ وقدمك، بينما باقي الحروق هي من الدرجة الثالثة لا تشعرين بألم بسببها لأنها..."

صمتت وهي ترى أنها انغمست في الشرح بشكل مبالغ؛ لذلك نهضت وهي تبتسم مغيرة الحديث :

" الأمر لن يستغرق وقتًا صدقيني فقط القليل من الايام وسوف تصبحين بخير ولن تشعري بأي وجع آخر"

هزت راسيل رأسها بحسنًا، ثم أغمضت عينها ببطء وهي تشعر بالنعاس، وهذه المرة ليس بسبب الأدوية، بل جسدها هو من طلب استراحة بعد كل ذلك التعب، لكن وقبل أن تسقط في النوم تحدثت بلا وعي :

" عندما يأتي مارسيلو ايقظوني "

ابتسم لها هايز بحنان، تلقي نظرة أخيرة على مؤشراتها، ثم تحركت لتفقد لورا التي حتى الآن لم تبدي أي استجابة للعلاج 

خرجت روما خلف هايز وهي تقول بتساؤل:

" هايز عندما كنتِ تتحدثين عن حروق راسيل، توقفتِ فجأة، هل ...هل هناك شيئًا خطيرًا ؟؟"

استدارت لها هايز وهي تمسح وجهها بتعب :

" لا، الأمر هو أننا في بعض الأحيان لا يمكننا الاسترسال في شرح حالة المريض أمامه، كل ما في الأمر أن الحروق من الدرجة الثانية هي من تسبب كل ذلك الألم لها، لكن الحروق من الدرجة الثالثة لن تؤلمها لأنه ببساطة تم حرق جميع طبقات الجلد بما فيها خلاياها العصبية، لن تشعر بوجع كبير فيها إلا عند الضغط عليها بقوة، لكن كل ذلك الألم الناتج هو من الحروق الأخرى، والتي ليست بالكبيرة  "

انتهت هايز من حديثها وهي تستأذن من روما لرؤية لورا، تاركة روما تنظر لاثرها بحزن كبير، تراقب بعينها حزن الفتيات، تنهدت بتعب وهي تضغط على بطنها وكأنها تستمد بعض القوة من جنينها، واثناء وقوفها بهذا الشكل انتبهت للهاتف الموضوع في الممر، لكنها لم تكلف نفسها عناء الاتصال بانطونيو بعدما فقدت رغبتها في التحدث مع أحد.

______________________

كانت طاولة العشاء أشبه بساحة حرب، حرب كانت الأعين تصف فيها جيوشها استعدادًا للهجوم، فالنظرات بين اسكندر وصدّيق لم تكن أبدًا بالعادية وقد أدركت جاسي منذ اللحظة التي رفض فيها اسكندر المغادرة متحججًا أنه لم يُعد العشاء لنفسه بسبب انشغاله معها في احضار ذلك الهندي المقيت _ حسب وصفه _ وهو مازال جديدًا في الحي الذي انتقل إليه مؤخرًا بعد رحيل رفقة، ولا يعلم اماكن المطاعم وغيرها .

ضربت لولو على طاولة الطعام بخفة وهي تقول :

" فيه ايه ما تكلوا، هتفضلوا تبحلقوا لبعض كده كتير ؟؟"

وكان أول من انسحب من معركة الأعين هو اسكندر الذي ابتسم بخفة :

" لا طبعًا يا لولو هناكل، أنا بس كنت بتأكد أن ضيفنا مش حاسس بالحرج ولا حاجة "

ابتسمت له جاسي وهي تجيبه بالنيابة عن صدّيق الذي لم يفهم كلمة مما يقول :

" لا بالهنا والشفا أنت، صدّيق مش مكسوف ولا حاجة، ده البيت بيته يعني"

ابتسم صديق رغم عدم فهمه لما يحدث حوله، لكن خرجت بسمته ردًا على بسمة جاسي التي اهدتها له .

شعر اسكندر بجسده يشتعل وهو يلعن صدّيق وجاسي وذلك العشاء الذي جمعه بهما، كان عليه الرحيل حتى يهدأ ويفكر، ثم يعود للمواجهة، لكن لا بأس هو في الأساس لم يكن ليستطع البقاء في منزله ثانية وهو يعلم أن ذلك الهندي المقيت يجلس هنا في نفس المنزل مع جاسي، وعلى ذكر ذلك الأمر تحدث اسكندر ببسمة دبلوماسية :

" إذن سيد صدّيق في أي فندق تقيم ؟؟ يمكنني التوصية عليك، فأنا على علم بالعديد من الفنادق في العاصمة "

كان يتحدث ببسمة هادئة أثناء وضعه للقمته الاولى في فمه، لكن كلمات صدّيق التي خرجت حالت ما دون ابتلاعه لتلك اللقمة وهو يبعدها عن فمه بصدمة وكلمات ذلك الهندي ترن في أذنه :

" شكرًا لك سيد اسكندر، أنا لن أقيم في فندق فجاسي تستضيفني في منزلها "

استدارت رأس اسكندر كالرصاصة لفادي وهو ينظر له بتساؤل وكأنه يخبره ( أحقًا ما يقول ؟!") لكن نظرات فادي الغير راضية وهو يرمق ابنته التي احرجته مع ضيفها أكدت له أنه سيرضخ في النهاية للأمر، فتح فمه بصدمة وهو يقول دون وعي :

" وياترى بقى هتنيموا الاستاذ فين ؟! في احضان لولو ؟!"

نظرت له لولو بحنق :

" ما تحترم نفسك ياض ولا هو مفيش حد عاجبك في القعدة دي؟! ايه احضان لولو دي ؟! بعدين أنا اساسا مش طيقاكم كلكم، أنا كنت قاعدة في بيتي لوحدي ومرتاحة وكل يوم بسهر مع سوسو وخلصنا، البيت بقى زحمة وكل شوية تجبولنا حد ولا كأنه ملجأ "

نظرت جاسي لـ لولو بحنق محذرة إياها ألا تستمر في حديثها حتى لا يستشف صدّيق فحوى حديثها من ملامحها الحانقة :

" لولو مش كده عندنا ضيوف "

ضربت لولو الطاولة بخفة وهي تقول :

" عندكم ضيوف ؟؟ ده انتم نفسكم ضيوف، وضيوف رخمين كمان، يا خويا ايه القرف ده، الضيف اعرفه بيقعد يوم، يومين، اسبوع بالكتير، لكن يقعد بشهور لا ويجيب ضيوف معاه، كده كتير واوفر الصراحة "

نظر فادي لجدته بحنق :

" فيه ايه يا تيتة وانا اللي مش عايز نمشي عشان نونسك"

نظرت له لولو :

" امشي أنا مش ناقصة ونس، معايا مسلسلاتي واللابتوب بتاعي وحلوياتي وعايشة، انما انتم كاتمين على نفسي، و الصراحة كده انا مبقتش طيقاكم كلكم "

انتهت لولو من حديثها، ثم نهضت ببطء وتعب وهي تتحرك بضعف نحو الباب، لكن واثناء مرورها من جوار صدّيق رفعت عكازها تلكزه به مرددة بسخط :

" وأنت داخل علينا بطولك كده، ألا ما شوفت منك شوية تمر هندي ولا برياني، أي حاجة من خلقتك، عالم معفنة كلكم "

تحركت صوب الباب ساخطة من الجميع وكأن ما حدث حرك الرماد الساكن أعلى غضبها لتنفجر في وجوههم كلهم، أغلقت لولو الباب خلفها وهي مازالت تتمتم بحنق :

" الله يمسيك بالخير يا بيومي يا بني مكنش يدخل البيت غير وهو جايبلي اللي نفسي فيه، والله ايام "

نظر الكل لأثر لولو بصدمة، قبل أن يتنحنح فادي محاولًا أن ينقذ ما يمكن إنقاذه :

" نعتذر بني فلولو سيدة كبيرة في العمر ولا تدري حقًا ما تقول، هي طيبة القلب حقًا، لكنها عنيفة في بعض ردات فعلها "

ابتسم له صدّيق وهو يقول متفهمًا رغم عدم فهمه الكامل لحديث لولو إلا أنه تمكن من أن يستشف ما تريده من نظراتها  :

" لا تقلق سيدي أنا أتفهم الأمر، أنا بعدما أنتهي من الطعام سآخذ جاسي لتساعدني في إيجاد فندق مناسب و..."

قاطعه صوت اسكندر الذي قال بغيظ أن تخرج معه جاسي :

" لا بأس يمكنني استضافتك في  منزلي حتى تنتهي رحلتك لمصر ونتخلص منك "

رفع صدّيق حاجبه وهو يرسم بسمة جانبية على فمه :

" اووه حقًا ؟؟"

" نعم حقًا، فضيوف جاسي، هم ضيوفي في النهاية، أليس كذلك جاسي ؟؟" 

ابتسمت له جاسي وهو تجيب ببراءة مصطنعة :

" نعم يا قلب جاسي ...."

______________________

نهض اليخاندرو من مقعده وهو يقول :

" إذن اتفقنا، جاكيري أنت تولى أمر فقرات الحفل ومعك جايك، فبريانو وانطونيو اريد التأكد من أن الجميع سيحضر، الباقيين سوف ينفذون ما اتفقنا عليه، اريدها حفلة لا تُنسى، وكما قلت سابقًا لا اريد أن يتكرر ما حدث آخر مرة "

انتهى من حديثه وهو ينظر للجميع بنظرة غامضة جعلتهم يبتسمون بخبث مخيف، قبل أن يتحرك اليخاندرو لغرفته وهو يضيف بجدية :

" حسنًا أمامكم يومًا واحدًا للانتهاء مما اخبرتكم به، ومارتن لا تنس ما اتفقنا عليه "

هز مارتن رأسه ببسمة مؤكدًا على جده أن كل شيء سيتم وفق ما خطط له، وبمجرد اختفاء جسد اليخاندرو عن مرمى البصر، اعتدل مايك في جلسته وهو يقول :

" إذن نحن اليوم إجازة صحيح ؟!"

نظر له انطونيو بتشنج :

" حقًا مايك؟! بعد كل ما تحدث به جدي هذا ما هداك له عقلك ؟! أن اليوم إجازة ؟! مايك افق الحفل بعد يوم عزيزي "

ابتسم له مايك وهو ينهض غامزًا :

" طالما أنه ليس بعد ساعة إذن نحن في إجازة، والآن يا سادة اسمحوا لي فهناك أميرة علىّ زيارتها مرة أخيرة قبل أن انشغل في أمور الحفل "

نظر الجميع صوب مايك لينهض آدم وهو يقول ببسمة واسعة :

" نعم كما قال مايك، سوف اذهب أنا أيضًا لرؤية طبيبتي الخاص فأنا أشعر أن قلبي ليس بحالة جيدة هذه الأيام "

انكمشت ملامح انطونيو بسخرية وهو يقول :

" غزلكما يثير اشمئزازي "

ضحك آدم بصوت مرتفع وهو يقول :

" نعم نعم يا سيد وطن اهتم بعاصمتك، ولا شأن لك بمدن الآخرين"

لوى انطونيو شفتيه بامتعاض، قبل أن يعتدل في جلسته وهو يقول بجدية :

" حسنًا دعونا نحن ننتهي من تحــ "

ولم يكمل كلمته وهو يرى جايك ينهض من مكانه حاملًا حقيبته، ثم ألقى للجميع بقبلة مستفزة وهو يقول :

" حان وقت الفن احبائي أراكم في الغد "

وبمجرد انتهاء جايك من حديثه حتى تحرك للخارج بسرعة كبيرة قبل أن يسمع أي اعتراض من انطونيو الذي كان يرمق الجميع بعدم تصديق :

" حقًا ؟! هل هذا ما قاله جدي ؟! انتم تتــ "

ومجددًا تم قطع حديثه وهو يرى ماركوس ينهض بكل هدوء يغلق سترته، ثم تحدث ببسمة وهو يتحرك للخارج بكل بساطة :

"  اتمنى لكم ليلة سعيدة يا سادة "

وتبعه مارتن الذي نهض يحمل حاسوبه يتحرك للخارج مبتسمًا بهدوء :

" حسنًا سوف اذهب لإكمال عملي حيث الهواء المنعش في الحديقة"

خرج مارتن من المنزل وهو يضع حاسوبه في حقيبة ظهره، ثم تحرك صوب سيارته وهو يقول بخبث :

" حديقة القصر الغربي " 

وفي المنزل كان انطونيو ينظر لكلًا من جاكيري وفبريانو ببسمة مترقبة لما سيفعلانه، ولم يخيب فبريانو ظنه وهو ينزع سترته الجلدية عن المقعد متحركًا صوب الخارج دون أن يهتم حتى بقول أسبابه كما فعل الآخرين، بل خرج بكل هدوء وبساطة.

نظر انطونيو لجاكيري ثم أشار له بيده حتى يلحق بالجميع :

" هيا جاكيري ألحق باخوتك عزيزي، هيا حتى تستأنسوا ببعضكم البعض في الطريق الطويل "

نهض جاكيري وهو يقول ببسمة متفهمة لما يقول انطونيو  :

" حسنًا فقط لأنك طلبت ذلك، وأنت تعلم يا اخي أنني لا ارفض لك طلبًا، فأنت القائد في النهاية، والآن سوف اذهب لانفذ ما أمرتني به وألحق بالجميع "

راقب انطونيو رحيل جاكيري وهو ينظر حوله للقصر الفارغ تقريبًا إلا منه ومن جده الذي صعد للراحة بعض الوقت قبل بدء تجهيزات الحفل، أعاد انطونيو رأسه للخلف وهو يقول :

" للتو فقط تركناهم، وهولاء عادوا ليلتصقوا بهن، لم أرى حمقى مثلهم في حياتي، يلتصقون في اناثهم وكأنهم سيختفون إن ابتعدوا مقدار شعرة عنهم "

انتهى من حديثه وهو يغلق عينه بتعب قبل أن يفتحها فجأة، ينهض نازعًا مفاتيح سيارته وهاتفه، ثم دسهم في جيب سترته وهو يلحق بالجميع :

" وإن كانوا هم حمقى فأنا كبير الحمقى "

خرج انطونيو من القصر بأكمله، ثم صعد لسيارته وانطلق بها بأقصى سرعة يملكها يرمق هاتفه مبتسمًا :

" لم تحاولي حتى الاتصال بي ولو لمرة، لا بأس روما أدعي الثقل كما تريدين، فأنا أهلٌ لثقلك يا جميلة الجميلات "

خرج انطونيو للطريق الرئيسي ليلمح سيارت بعض أبناء عمه، وبالطبع لم يلمح دراجة جاكيري، تمتم بسخرية :

" لا بد أن جاكيري وصل القصر منذ دقائق ويتناول الطعام الآن أو يحتسي بعض الشراب، ذلك الغبي اقسم أن أحطم له دراجته، فقط ننتهي من كل ذلك "

____________________

صعد مايك الدرج غير عابئًا بأي أحد، متجهًا صوب هدفه، صوب غرفة لورا، الحبيبة الغائبة، من اشتاق قلبه لمحياها، وتاقت عينه لرؤياها.

 تنهد وهو يفتح الغرفة يتحرك للداخل في ذلك الظلام الذي لا يبدده سوى شعاع صغير من ضوء القمر المتسلل بكل خبث من النافذة رغم كل تلك السحب التي تحاول جاهدة لمنعه.

أغلق مايك باب الغرفة، ثم تحرك بخفة صوب الفراش ليجدها تتوسط كملاك، وها هي مازالت تحترف سرقة قلبه دون أي مجهود يُذكر .

" مرحبًا بأميرتي الفاتنة، كيف حالك الآن ؟!"

صمت وهو يقترب من فراشها مرددًا ببسمة :

" إن كنتِ تتسائلين عن حالتي فأنا بخير ومشتاق لوجودك جواري "

جلس على طرف الفراش وهو يقترب مقبلًا جبهتها بحنان :

" هل السبب عشقي لكِ، أم أنكِ تزدادين جمالًا ؟؟ اعلم أن الأمر غريب لكن ..."

مدّ يده يتحسس وجهها مضيفًا :

" كل ذلك الشحوب لم يزدك إلا جمالًا فوق جمالك، فرفقًا بي فاتنتي "

ختم حديثه وهو يضع رأسه جوار خاصتها يستمتع بقربها هامسًا :

" تبقى يومين وانتهى من كل تلك الضوضاء في عالمي، ليصبح ملائمًا لاستقبالك اميرتي "

" لا بأس حتى إن لم تتخلص من كل تلك الضوضاء التي تتحدث عنها، فأنا اتقبلك بضوضائك وجنونك، اتقبلك بكل ما فيك مايك "

هز مايك رأسه بنفي ولم يستوعب بعد ما يحدث :

" لا تلك الضوضاء تحديدًا لا استطيع تر..."

توقف مايك عن الحديث وهو يرفع رأسه كالرصاصة وعينه متسعة بشكل مضحك، ينظر لوجه لورا المبتسم أمامه وقد تركت لعينيها الحرية في استكشاف ملامحه الحبيبة .

" لورا ؟! هذه أنتِ ؟! أنا لا احلم صحيح ؟!"

ضحكت لورا بضعف :

" لا بل شبح لورا، وقد أتيت لاطاردك "

نهض مايك وهو يتحرك بجنون في الغرفة صارخًا بصوت مرتفع :

" هايز، هايز لقد استيقظت لورا، هايز "

وقبل أن يخرج تحدثت لورا بسرعة وإرهاق كبير :

" الجميع يعلم ذلك مايك، لقد استيقظت منذ ساعات هيا عد هنا وتوقف عن القفز هكذا "

توقف مايك ولم يكد يمسك بمقبض الباب وهو يعود أدراجه صوبها يرمقها بصدمة وسعادة كبيرة :

" أنتِ...لكن ...لكن لِمَ لم يخبرني أحد بالأمر ؟! وانا من ظننت أن قربي منك وحديثي هو السبب في استيقاظك مما يحدث عادة "

ابتسمت له لورا وهي تشير له أن يقترب، والآن فقط انتبه مايك أن أغلبية الأجهزة التي كانت موضوعة قد أُزيلت، دنى مايك من لورا بأقدام مرتجفة وهو يقول :

" هل أنتِ بخير ؟!"

ابتسمت لورا بسمة واسعة، تمدّ يدها له تدعوه للاقتراب، وهو لبّى الدعوة بلهفة كبيرة وكأنها دعته لتذوق تلك الفاكهة المحرمة التي لطالما تساءل عن طعمها، والآن أتت فرصته لفعل ذلك .

سحبته لورا ببطء صوبها وصوت هايز يتردد في أذنها عن خوف مايك وسماعها لبكائه جوارها طوال الوقت، كل ذلك يمر أمام عينها في تلك اللحظة التي استقر فيها مايك جوارها :

" هل يمكنني الحصول على عناق صغير مايك ؟!"

نظر لها مايك بصدمة وارتجفت يده، يهز رأسه رافضًا مبتعدًا عنها سريعًا :

" لا لا ربما اؤذيكِ دون قصد "

ابتسمت لورا له وهي تنظر له بإصرار :

" هيا أنا أثق أنك لن تفعل "

ابتلع مايك ريقه وهو يتوق كثيرًا لفعل ما تقوله، لكن قلبه يرتجف رعبًا أن تصيبها لهفته وعشقه بأي أذى صغير، لكنه قاوم هواجسه وهو يتقدم ليجلس جوارها على فراشها، لتتحرك لورا ببطء كبير صوبه تضع رأسها في أحضانه بكل حب وراحة تتلمس حنانه الذي بدأ يتسرب منه لها.

بينما مايك في تلك اللحظة كانت حالته أشبه بمن يحمل رضيعه للمرة الأولى في حياته، فمن ناحية يود لو يضمن لقلبه يشبعه تقبيلًا وحبًا، ومن ناحية أخرى يحمله بحذرًا خوفًا أن يصيبه بضرر، كانت يده ترتفع في الهواء وهي تحارب إرادته حتى تضمها، ويبدو أنها انتصرت حينما حطت بكل لهفة لتضم لورا لصدر مايك .
تنهد مايك براحة كبيرة، يشعر بها بين أحضانه وهناك بسمة كبيرة ترتسم على فمه وقد استكان قلبه وجميع حواسه لقربها، لكن كل ذلك خرب فجأة وانتفض قلبه بعنف كبير ضاربًا بكل هدوءه عرض الحائط حينما اخترقت تلك الكلمة أذنه ...

" أحبك مايك"

فتح مايك عينه بصدمة وهو يشعر كما لو أن أحدهم ضربه على رأسه بمطرقة كبيرة، لقد قالتها، لأول مرة تقولها له مباشرة، قالت أنها تحبه، لورا تحبه، اغمض مايك عينه يحاول أن يستوعب ما يحدث، قبل أن يسمع صوت لورا تقول بهدوء :

" أخبرني الطبيب أن اختبر قلبي عند نطق تلك الكلمة، لكن مايك أشعر أن قلبي قد شُلّ من وقع تلك الكلمة عليه، ازدحمت العديد من المشاعر به حتى أصبح لا يستطيع التمييز بينهم، وفي النهاية حقيقة واحدة هي ما أدركها وهي أنني اعشقك مايك، احببتك كــ مافو، وعشقتك كـ مايك ...."

______________________

كانت تجلس في غرفتها ومعها رفقة التي لم تتوقف عن الحديث عن كيف سيكون زفافها، أو كيف سيكون فستان زفافها الذي وعدها جاكيري أن يحضره كما تخيلته بالتحديد .

لكن روبين لم تكن منتبهة لها، بل كل ما يشغل بالها هو حديث فبريانو الأخير لها، عن أنه سيعود لها، والآن وجود رفقة في غرفتها ليس بالجيد ابدًا، فلا فبريانو سيتراجع عن رؤيتها ولا رفقة ستتناول وترحل، خاصة بعد آخر مواجهة بينها وبين فبريانو والتي ما تزال تاركة أثرها في نفس رفقة .

" وبعدين بقى هنعمل ممر من الورد الابيض وهخلي جاكيري يلبس بدلة سودة، تخيلي يلبس بدلة، أنا طول فترة معرفتي بيه عمري ما شوفته لابس بدلة اساسا "

كانت رفقة تقص على مسامع روبين ما تريده بينما روبين أبعد ما يكون عنها، انتبهت لها رفقة وهي تقترب منها قائلة بحنق :

" أنتِ مش معايا خالص ليه ؟!"

نظرت لها روبين ثواني بصدمة أنها تمكنت من الايقاع بها :

" أنا ؟! أبدًا أنا بس كنت بفكر هو مفيش شبكة هنا في القصر ده ؟! اصل كنت عايزة اكلم بابا عشان اطمن على الكل هناك "

فتحت رفقة فمها بتذكر ثم قالت وهي تنهض :

" تصدقي صح، وانا كمان كنت حابة اكلم اسكندر اشوف اخر اللي حصل معاه هو والقادرة اختك، والله يا روبين لولا أنها اختك وأنتِ قاعدة قدامي دلوقتي كنت سمعتك موشح سب وقذف عنها، اختك دي لا هتكسب ولا تربح باللي بتعمله في اخويا "

تحركت رفقة صوب الباب الخاص بغرفة روبين تاركة إياها ترمقها بصدمة مما قالت قبل أن تستدير وتنظر لها قائلة :

" أنتِ مش هتقولي ليها صح ؟!"

هزت روبين رأسها بلا لتبتسم رفقة وهي تخرج من الغرفة بحثًا على أي مكان يمكنها من استخدام هاتفها بشكل جيد للتحدث مع أخيها، في نفس الوقت الذي تركت به روبين تتنفس الصعداء خلفها بعدما استطاعت بمعجزة التخلص منها .

" أيتها الخبيثة استطعتِ التخلص منها قبل أن أتدخل أنا وافعل "

انتفضت روبين صارخة وهي تتراجع في الفراش بسرعة كبيرة تبحث عن مصدر الصوت، نظرت صوب النافذة لتجد أنها فارغة ولا أحد بها، وضعت يدها على صدرها برعب تقسم أنها سمعت صوت فبريانو منذ ثواني يتحــ 

وقبل أن تكمل روبين أفكارها وجدت فبريانو يقفز لغرفتها بقوة كبيرة لتتعالي صرخاتها بجنون في الأجواء، مما جعل فبريانو يركض لها، ويضع يده على فمها محذرًا إياها من الصراخ :

" اششش ما بكِ روبين، توقفي عن الصراخ قبل أن ينتبه أحد "

نظرت له روبين بفزع وهي تحاول التحدث، نزع فبريانو يده عن فمها ينظر لها بتساؤل ليجدها تدفعه في صدره بغيظ :

" أنت بتهزر، مش فيه باب ؟؟ بتهرب من مين هنا ؟! يعني هناك وكنت بتعمل كده عشان بابا، هنا بتعمل عشان مين ؟!"

اطرق فبريانو ثواني يحاول التفكير في سبب لما يفعل ثم هز كتفه بكل بساطة :

" اردت فعل ذلك وفعلته، ثم الأمر هكذا ممتع أكثر، وقد ساعد وجود القصر في وسط كل تلك الأشجار على تحقيق ما أردت، موقع هذا القصر مميز فأي غرفة تجدين عندها الكثير والكثير من الأشجار لتسلقها"

تحركت روبين صوب النافذة وهي تنظر بتعجب حولها لتشير إليها قائلة :

" هو أنت كنت متعلق فين ؟! أنا لما بصيت ملقتش أي حد"

نظر فبريانو حيث تنظر، ثم أشار لفرع الشجرة المقابلة للنافذة والذي كان منخفض كثيرًا عن مستوى النافذة :

" على ذلك الفرع"

نظرت له روبين بصدمة وهي تقول :

" نطيت من الفرع ده للشباك ؟! هو أنت مولود في جبلاية قرود ؟؟"

ابتسم لها فبريانو وهو يقول ببساطة :

" لا الأمر فقط أنني منذ الطفولة كنت أحب القفز أعلى الأشجار، قد يبدو الأمر مضحكًا لكِ، لكنني كنت أحب طرزان وكنت أدعي طوال الوقت أنني هو، فكنت اسير طوال الوقت بشورت قصير في المنزل واقفز على الأشجار حتى تمسك امي بي وتجبرني على ارتداء ثيابي"

صمت ثواني وهو يجلس على النافذة ويجلسها أمامه، ثم استرسل في قص طفولته عليها :

" في البداية لم تكن امي تعارض رغبتي في أن أصبح رجل غابة كـ طرزان، وتفهمت أنني مازالت طفل ومن الطبيعي أن اتعلق ببعض الشخصيات الخيالية، لكن كل ذلك  التفاهم اختفى فجأة بعد ذلك اليوم ..."

تحدثت روبين باندماج معه في تلك الحكاية وهي تجلس جواره في تلك الشرفة الواسعة تقترب من قدمه تستند عليها :

" يوم ايه ده ؟! متقولش أنك وقعت وانكسرت رقبتك "

هز فبريانو رأسه بلا وهو يميل حتى وصل رأسه لمستوى خاصتها يقول بجدية :

" في أحد الأيام استيقظت من النوم وارتديت ذلك الشورت القصير لاستلام عملي كـ طرزان الحي، ثم أخذت اقفز على الأشجار واقتحمت منزل جيراننا بثيابي الداخلية وأنا اهددهم أن يعطوني كل ما يمتلكون من الموز وإلا سأحمل ابنتهم الصغيرة والقي بها من فوق الشجرة "

تجمدت ملامح روبين وهي ترمقه تنتظر منه أن يضحك بقوة مخبرًا إياها أنه يمزح، لكن ملامحه العادية أخبرتها بجدية ما قصّه عليها للتو، ضغطت روبين على شفتيها لتمنع ضحكة عالية مما سمعت، لتشعر بالدموع تتجمع في عينها بقوة من كثرة كبتها لضحكاتها، لذلك انفجرت فجأة في موجهة ضحك هستيرية، تشعر أن أعضائها الداخلية ستخرج من كثرة الضحك، لا تصدق أن طفولته كانت هكذا، من يراه الآن يقسم أنه تعرض للتعذيب في طفولته ورأى طفولة قاسية .

كانت روبين تضحك بعنف لدرجة أن عينها اخذت تدمع بقوة كبيرة بسبب الضحك وفبريانو يراقبها بتذمر ظاهري، لكنه في الواقع كان يجاهد لكبت بسمته التي أرادت الظهور تباعًا لضحكاتها، تنهد براحة لرؤية ضحكاتها تلك .

فعندما كان في طريقه لها أخرج هاتفه ليرى أن هناك رسالة منها وقد أخبرته بها كم هي حزينة وأنها تشعر بالاختناق، وقد كان ذلك بعدما رأت ما حدث لراسيل .

اعتدلت روبين في جلستها تحاول تمالك نفسها بعدما أفرغت طاقتها في الضحك، لا تصدق أنه يجلس أمامها الآن يبوح لها عن طفولته بكل بساطة هكذا، لتجده يبتسم وهو يقترب منها مهددًا إياها:

" أنتِ بالطبع تعلمين أن ذلك الأمر إن علم به أحد سأقتله"

هزت روبين رأسها بنعم وهي تمسح دموعها تدعي الهدوء :

" لا تقلق، لن يعلم أحد بالأمر "

أنهت حديثها لتنظر في وجهه قبل أن تنفجر في الضحك أكثر وهي تشير له غير قادرة على تخيل مظهره وهو طفل صغير ذو خدود ممتلئة حمراء يقفز أعلى الأشجار بشورت قصير، ويقتحم المنازل مطالبًا بالموز .

" حسنًا توقفي عن الضحك، فأنتِ تصبحين اكثرًا قبحًا حينما تفعلين "

هكذا علق فبريانو بحنق وهو يدفع رأسها بعيدًا عنه، يجلس مربعًا بقدميه وهي تستند برأسها على قدمه وتضحك بقوة، بينما روبين تحاول تمالك نفسها، وهو يدفع رأسها بعيدًا عن قدمه ...

" لو أنا قبيحة يبقى أنت قصير وقرد"

أبعدها فبريانو بغضب وهو يقول :

" أنتِ ايتها القزمة، أنتِ آخر من يتحدث عن الطول، حسنًا فأنا اراهنك أنكِ حتى لم تقتربي من الـمائة وستين سنتيمتر "

رفعت روبين رأسها بحنق وهي تقول مصححة حديثه :

" أنا ١٥٩ سنتي "

" إذن أنا محق، تسخرين مني وأنتِ لم تبلغي المائة وستين سنتيمتر حتى، وأنا طولي ١٨٩ سنتمترًا، أي أنني افوقك بمراحل "

صمتت روبين وهي تقول بتحذلق :

" ابن عمك الكبير طوله كام ؟!"

صمت فبريانو ثواني قبل أن يقول :

" مشكلتك أنك مش عارفة تفرقي بين العادي والحالات الشاذة، يعني انطونيو طوله لوحده ١٩٨، ده لا يصنف طويل، ده بيتم تصنيفه من العمالقة، وكذلك جايك اللي طوله ١٩٥، في حين أن جاكيري قريب جدا من طولي ١٩٠ سنتيمتر، والطول ده كله وراثه اساسا من عمي "

كانت روبين تتابع حديثه وهي تفتح فمها ببلاهة ولم تنتبه حتى لكلماته فقد توقف عقلها عند الجملة التي خص بها انطونيو :

"  يعني هو جه على الاتنين سنتي ونموه وقف، طب يلبس جذمة كعب اتنين سنتي عشان يقفل المترين، ده لو مشي وهو مش واخد باله ممكن يدوس على البت فيور يساويها بالأرض "

نظر لها فبريانو بسخرية قبل أن يقول :

" ده على اساس أنك طويلة يعني ؟! "

رفعت روبين ذقنها وهي تقول بجدية وحدة :

" قصدك ايه يعني ؟! أنا مش قصيرة "

" ها انظري غضبتي لأنني اصفك بالقصيرة وأنتِ هكذا بالفعل، بينما أنتِ تستمرين في وصفي بالقصير وأنا لست كذلك، هل رأيتِ كم الأمر مزعج ؟!"

تجاهلت روبين حديثه وهي تقترب منه تردد بجدية :

" فبريانو هو أحنا هنعمل فرح ؟!"

نظر لها فبريانو بتعجب لسؤالها :

بالطبع سنفعل روبين ما بكِ، هل سأتزوجك دون زفاف ؟!"

اتسعت بسمة روبين بقوة وهي تقترب منه أكثر :

" امتى ؟!"

نظر فبريانو لوجهه الذي كان قريبًا من خاصته بقوة ليقبلها من وجنتها دون شعور وبحنان أضاف:

" عندما انتهى من العمل المعلق، خلال اسبوع فقط "

رفرفت روبين برموشها في خجل كبير وهي تبتعد شيئًا فشيء عنه ثم قالت بخجل وهي تتراجع بعيدًا عنه :

" طب أنا...أنا عايزة اشتري فستان عروسة زي رفقة وجولي "

" لا هنتجوز ببيجامة الارنب بتاعتك "

نظرت له روبين بتعجب ليوضح هو حديثه الساخر :

" بالطبع سأحضر لكِ فستان زفاف روبين، هذه أمور بديهية، لا يمكنك طلب اشياء ستحدث بالفعل، اطلبي اشياء غير متوقعة كأن نقيم زفاف أسفل شلال أو مثل تلك الأمور الــ .."

" تلبس بدلة في الفرح "

هكذا قاطعت روبين حديثه ليتوقف فبريانو عن الحديث وهو ينظر لها بحاجب مرفوع وملامح الامتعاض قد بدأت تعلو وجهه وكأن ذلك الأمر ليس متوقعًا أو أنه لم يفكر به يومًا :

" أخبرتك أن تطلبي امورًا غير متوقعة، وليس امورًا غير ممكنة "

شهقت روبين بعنف وهي تفتح عينها وفمها مرددة بصدمة :

" قصدك ايه !؟ مش هتلبس بدلة في فرحنا ؟! "

هز فبريانو كتفه وهو يقول بجدية :

" أنا لا أحب ارتداء تلك الثياب الرسمية، سوف ارتدي بنطال من الجينز وقميص وسترة قماشــ "

ومجددًا قاطعته روبين بجدية وحدة :

" أنت بتهزر ؟! كاجوال ؟! عايز تلبس في فرحك كاجوال ؟! وانا البسلك ايه أن شاء الله ؟! ترينج ؟؟"

نظر لها فبريانو بهدوء غير مناسب لصراخها :

" لا بأس إن أردتِ ذلك يمكنك "

" لكن فبريانو أنا أتمنى أن أراك ترتدي تلك الثياب الرسمية، ألا تريد أن تحقق لي تلك الأمنية الصغيرة؟!"

وها قد بدأت تنظر له بعينها نظرات استعطاف تلعب بكل احترافية على اوتار عشقه لها، تلك الصغيرة الماكرة تستغل ضعفه تجاهها بكل مهارة، وبعد صمت طويل ونظرات توسل، تحدث فبريانو بحنق كبير وملامح التذمر تعلو وجهه : 

" حسنًا "

صاحت روبين بسعادة واي تقذف جسدها في أحضانه بقوة تصرخ بفرحة كبيرة وكأن فريقها المفضل فاز لتوه بمبارة مهمة، ابتسم فبريانو بسمة واسعة وهو يضمها له بحب مقبلًا رأسها هامسًا :

" لأجلك قد أفعل أي شيء ارنبي الوردي، أي شيء تتخيلينه ....."

_________________

" جيبالك هندي ؟! طب وهتعمل ايه يا حزين دول مش بيموتوا بالرصاص ولا الحرق  "

صمتت رفقة ثواني تستمع لحديث أخيها عبر الهاتف بعدما وجدت بصعوبة نقطة في حديقة المنزل بها شبكة اتصال جيدة :

" هي البت دي مش بتتهد ولا ايه، ما تفكك منها يا اسكندر وتشوف غيرها اسهل ؟! اسمع مني بس، أنت البس حتة نضيفة كده ورجع شعرك لورا وحط شوية برفيوم حلوين كده وانزل اي كافيه شوفلك أي بنت حلوة من هناك "

صمتت قليلًا ثم قالت بحنق :

" طب أنت حر خليك لازق لست جاسي دي، والله اخرتك على أيدها وبكرة تقول رفقة قالت، اللي زي البت دي صنف قادر ومش بيتهد، ما كنت حبيت روبين اسهل، واهو كنت رحمتني من الجزار اللي لازق فيها زي الغرا ده "

استمعت لصوت اسكندر من الطرف الآخر بانتباه غير واعية لذلك الذي كان يقترب منها ببسمة واسعة بعدما بحث عنها في المنزل بأكمله، اقترب منها جاكيري بخطوات غير محسوسة ليسمعها تتحدث في الهاتف بكلمات لم يفهمها بعدما نسى ارتداء سماعته .

" لا لا يا حبيبي إلا جاكيري، أنت هتجيب جاكيري برطمان الحنية واللطف، لحبيب روبين اللي آخر معرفته في الحنية أنه مينفعش يقتل روبين عشان بس مراته ؟! "

اتبعت رفقة حديثها وهي تلقي على مسامع أخيها قصائد ومعلقات في حب جاكيري :

" هو فيه زي جاكيري ولا حنان جاكيري وحب جاكيري، ده كفاية بس رفكة اللي بتطلع من بقه زي العسل، ده بيخاف عليا من الهوا الطاير "

في ذلك الوقت كان جاكيري يقترب من رفقة ببطء شديد بغرض مفاجئتها، ليغتنم الفرصة ويمسكها متحدثًا :

" ها قد وجدتك " 

انتفضت رفقة بفزع وهي تبتعد عنه بقوة صارخة قبل أن تتعرقل في الصخور أسفل قدمها وتسقط بعنف شديد في بركة الوحل المجاورة لها وصرخاتها ما يزال صداها يرن في الأجواء، ارتفع صوت اسكندر عبر الهاتف وهو يقول برعب :

" رفقة فيه ايه ؟! مالك حصلك ايه ؟!"

رفعت رفقة وجهها من الوحل ببطء وهي تقول :

" طب اقفل أنت يا اسكندر دلوقتي لاحسن فيه عاصفة حنان كفتني على وشي "

انتهت من حديثها وهي تغلق الهاتف محاولة النهوض بصعوبة، بينما جاكيري يميل بوجهه قليلًا حتى يراها :

" رفكة ما بكِ ؟! هل أنتِ بخير ؟!" 

تحدثت رفقة وهي ما زالت تحاول النهوض :

" والله كلك نظر"

نهضت بصعوبة لتجلس على ركبتيها ووجهها كله وجزء من ثيابها مغطى بالوحل، ليستدعي ذلك انتباه جاكيري الذي أشار لها على وجهه :

" هناك شيء على وجهك"

حاولت رفقة مسح وجهها، لكن يدها كلها كانت مليئة بالوحل ايضًا، لتقول وهي تبتسم بسمة غاضبة :

" اه قصدك ده، لا ده قناع طمي عشان تجاعيد البشرة بس" 

نهضت رفقة بصعوبة وهي تقول بحنق محاولة الابتعاد عن وجه جاكيري قبل أن تنفجر في وجهه :

" اوعى من وشي خليني اغسل نفسي قبل ما انشف و ابقى فخار"

أوقفها جاكيري وهو يقول لها :

" مهلًا أنا لم افهم أي شيء من حديثك، تحدثي بالايطالية"

أشارت رفقة لنفسها وهي تقول من أسفل أسنانها بغيظ:

" هل ترى أن حالتي تحتاج لشرح ؟! يا رجل دعني أمر اريد الاغتسال "

ابتعد جاكيري عنها قليلًا يفسح لها الطريق :

" حسنًا حسنًا هيا اذهبي ونظفي نفسك، ومرة أخرى توقفي عن اللعب بالطين "

توقفت رفقة في سيرها وهي تستدير له قائلة بشر :

" العب بالطين ؟؟ هل أنت مجنون ؟!"

عادت له رفقة بقوة وهي تصيح بغضب :

" أنت أيها الاحمق من ألقيت بي في الوحل، ثم تأتي الآن وتنصحني بعدم اللعب به ؟! هل أنت مختل ؟!"

رفع جاكيري حاجبه يقول بجدية :

" حقًا ؟! ومتى فعلت أنا ذلك؟! لا اذكر أنني لمستك حتى منذ أتيت "

فتحت رفقة عينها بصدمة وهي تقترب منه لتراه يتراجع مشيرًا لها بالابتعاد :

" حسنًا ابقي بعيدة عني، أنا لا أريد تلويث ثيابي "

نظرت رفقة لنفسها ثواني قبل أن تركض صوب جاكيري بسرعة كبيرة تلقي بنفسها بين أحضانه بقوة، مما أدى لسقوطه وهي مازالت تضمه وتتمسح فيه كهرة قابلت صاحبها بعد غياب طويل .

بينما جاكيري أسفلها يصرخ بضيق :

" لا لا، ابتعدي عني ستلوثي ثيابي، ابتعدي عني "

ولم تستمع له رفقة وهي ترفع وجهها قليلًا ثم أمسكت خاصته وأخذت تحرك وجهها بقوة على خاصته حتى تأكدت أنه أصبح ملوث بالكامل، ابتسمت بسعادة وهي تنهض عنه تقول بجدية :

" اووه جاكي يبدو أنك في حاجة لحمام لغسل كل ذلك الوحل عن جسدك، وهذا يعلمك ألا تلعب بالطين مجددًا"

رمقها جاكيري بغضب كبير، لكنها لم تهتم وهي تسير بدلال بعيدًا عنه تعيد شعرها للخلف بكل استمتاع قبل أن تنزلق قدمها مجددًا وتسقط مرة أخرى في بركة وحل غير تلك التي سبق وسقطت بها لتعلو ضحكات جاكيري في الأجواء وهو يعتدل بصعوبة بسبب الوحل الذي يحيط جسده يشير لها ساخرًا وضحكاته مازالت ترن في الأجواء .

تحرك بعيدًا عنها وهو يحاول الخروج من تلك المنطقة المليئة ببرك الوحل بسبب الامطار الغزيرة في ذلك الجزء من المدينة .

لكن وقبل أن يبتعد أكثر شعر بشيء بارد يصطدم به من الخلف، استدار جاكيري ببطء ليجد أن رفقة ألقته بكرة وحل للتو .

اشتد الغضب في عينه قبل أن يقول بشر :

" الويل لكِ "

وفي ثواني كان جاكيري ينقض على رفقة يحركها جسدها بقوة في بركة الوحل يتأكد أن الوحل قد وصل لجميع اجزاء جسدها، بينما رفقة تضحك بصوت مرتفع محاولة أن تصرخ به ليتوقف، لكنه لم يفعل وهو يحمل الوحل ويضعه على وجهها حتى أصبح وجهها اسودًا 

نظر لها جاكيري بعدما انتهى مما يفعل ليبتسم بفخر على لوحته التي خلقها على وجهها، ضحك جاكيري ملء فاهه على وجه رفقة، لكن فجأة وجد كرة وحل تسقط على وجهه ورفقة تنهض بسرعة لتركض بعيدًا عنه تقاوم انزلاق قدمها بينما هو يحمل وحل كثير يتوعد لها، وضحكات الاثنين تتعالى في المكان بأكمله كما لو كانا طفلين في الروضة هربا من والدتيهما للـ لعب في الوحل واختطاف لحظات خارج سباق الزمن، وعيش الحياة كما يريدان بروح طفل لا يأبه في عالم لشيء سوى سعادته .

______________

اقتحم الغرفة بقوة بعدما أخبره الجميع أنها لم تخرج منها منذ صعدت في منتصف اليوم، سقط قلبه رعبًا انعتكون قد مرضت أو حدث لها شيء، لكن بمجرد أن خطى انطونيو الغرفة حتى تيبس جسده في مكانه وهو يرى روما أمامه ترتدي ثياب تشبه تلك التي رآها في العرض الاستعارض في احتفالية مركز الرقص الخاص بروبين، ليس ذلك فقط بل كانت تتراقص بكل احترافية وكأنها خُلقت راقصة.

تشنج انطونيو وهو يراها تتحرك بكل انسيابية وسلاسة في الغرفة لتعود ذاكرته سريعًا لذلك اليوم في شهر العسل الخاص بهم حينما كانت تقفز في الغرفة كالقرص الدوار حتى سقطت من النافذة في نهاية الأمر .

هز رأسه يحاول ابعاد ذلك المشهد الهزلي من أمام عينه، ليشاهد ذلك المشهد الـ...مثير الذي يُعرض مباشرة أمامه .

أغلق انطونيو الباب بسرعة وهو يتحرك صوب روما التي كانت تحرك جسدها في حركات ليست بالقوية أو العنيفة لكنها كانت متناسقة بشكل اصابه في مقتل .

وروما كل ذلك تشعر بوجوده رغم أنه توقف عن وضع  عطره منذ أخبرته ذلك اليوم، إلا أن صوت أنفاسه وحركاته حولها كانت أكثر من واضحة لها، ابتسمت بسمة واسعة وهي تدور بخفة حتى استقرت بين أحضانه، فتحت عينها وهي ترمقه بخبث، تدور حوله ف رقصتها .

بينما انطونيو كان يبتسم بترقب لنهاية ذلك العرض، وهي لا تتوقف عن هز خصرها بقوة وجسدها يدور حول جسد انطونيو تتمايل حوله كفراشة في حديقة مزهرة، ومع نهاية الأغنية توقفت روما عما تفعل، ثم نظرت لانطونيو نظرة خبيثة وبعدها تحركت بكل دلال بعيدًا عنه، لكن وقبل حتى أن تخطو خارج أحضانه كانت يد انطونيو تجذبها له بقوة :

" إلى أين يا جميلة ؟!"

ابتسمت له روما بحنق وهي تحاول ابعاد يده عنها :

" لا يخصك "

أبعدت يده عنها وهي تتحرك صوب خزانة ثيابها بينما انطونيو يرمقها بعدم تصديق مرددًا:

" حقًا ؟! حقًا روما ؟!"

استدارت له روما نصف استدار تردد بتعجب :

" ماذا ؟! "

" لا تلاعبيني روما، فأنتِ لا قبل لكِ بمجاراتي "

ضحكت روما ضحكة صاخبة وهي تقترب منه ببطء وعلى ذراعيها بعض الثياب التي اخرجتها لنفسها، ثم توقفت أمامه وهي تقول بجدية غامزة :

" حقًا سيد انطونيو ؟؟ لكنني فعلت للتو "

انتهت من حديثها وهي تتركه واقفًا، ثم دخلت المرحاض وأغلقت الباب خلفها بقوة مبتسمة بسعادة كبيرة، فمنذ رأت سيارته تدخل للقصر، حتى أسرعت واحضرت تلك الثياب التي سبق واشترتها يوم كانت بمصر وارتدتها خصيصًا .

بينما انطونيو كان ما يزال واقفًا في مكانه يراقب الباب الذي أغلقته في وجهه، تحرك بخطوات بطيئة صوب الثلاجة الصغيرة في الغرفة وأخرج منها زجاجة مياه يتجرع منها ببطء وبعدها نزع رابطة عنقه وسترته وشمر عن اكمامه، وجلس على المقعد المجاور لشرفة غرفتها وهو يضع قدم على قدم في انتظار أن تخرج.

مرت دقائق قبل أن يسمع انطونيو صوت فتح الباب، ثواني وطلت عليه بهيئتها المدمرة التي سبق ووقع بعشقها، اغمض عينه يتذكر تلك السنين التي كان يكتم عشقه بها، سنوات مرت في صراع بينه وبين نفسه، في هل يستطيع أن يدخلها لحياته ام لا ؟! ومن يتخيل أن تصبح تلك الفاتنة أمامه زوجته، بل وتحمل داخل احشائها طفله الاول.

كانت روما تنظر له متعجبة شروده بها، لكن انطونيو لم يدع لها الفرصة في التفكير وهو ينهض من مكانه متجهًا لها بخطوات جعلت تعود للخلف حتى أمسك هو بها يقربها منه بقوة مستنشقًا عطرها الذي اختلط بسائل استحمامها ذو الرائحة اللطيفة هامسًا بشوق :

" اشتقت لكِ، أنا آسف روما "

وإن كان يظن أنه بكلماته تلك استطاع أن ينسيها كل ما بدر منه، فهو محق، هي من الأساس لم تغضب منه، لذلك تحركت روما بلا مقدمات وبهدوء لأحضان انطونيو تسكن إليه وهي تتنهد براحة :

" وروما اشتاقت لك ولاحضانك طوني "

ابتسم انطونيو بحنان وهو ينحني كي تصل رأسه لخاصتها، ثم استند برأسه عليها وهو يربت على ظهرها بحنان :

" أين تعلمتِ كل ذلك الرقص ؟!"

ابتسمت روما وهي تقول :

" من روبين "

ضحك انطونيو بخفة مقبلًا رأسها :

" اشكري لي روبين إذن، واخبريها أنني جد ممتن لها "

صمت قليلًا ثم ابتعد عنها ببطء وهو يسحبها خلفه حتى اجلسها على الفراش، ثم أحضر مشطًا من طاولة الزينة الخاصة بها وجلس خلفها يقول بحنان كبير :

" أود أن أتعلم منذ الآن كيفية الاعتناء بصغيرتي، وسوف اتدرب عليكِ "

ضحكت روما بقوة متعجبة تصرفاته، ثم قالت بخبث :

" ماذا إن كان صبيًا ؟! "

" لا بأس سنأتي بشقيقة له، أنا أريد فتاة، لم تأتني الفرصة للاعتناء سابقًا بفتاة، لم اجرب ذلك الشعور يومًا، كنت محاطًا بالصبية في كل مكان، حتى ابنة عمتي الوحيدة لم تتربى بيننا بسبب خوف جدي أن يمسها أحدٌ بسوء، حتى أننا لا نأتي على ذكرها أبدًا خوفًا أن يستغلها أحد "

ابتسمت روما وهي تنظر له من فوق رأسه :

" حسنًا انا لا امانع أن تدللني حتى نحصل على فتاة صغيرة لأجلك انطونيو "

أنهت روما حديثها وهي تحرك روموشها بدلال جعل انطونيو ينحني مقبلًا رأسها بحب وهو يهمس لها :

" لكِ كل الدلال جميلة الجميلات ....."

____________________

دخل المطبخ يبحث عنها بعينه بعدما أخبرته روز أنها هنا منذ انتهت من عملها مع الجميع، توقف آدم وهو يرمق الإرهاق الذي كان واضحًا على وجهها، أشفق عليها مما تتعرض له، فهي هنا ملزمة بالاعتناء بالجميع، يعلم أن هذا عملها وهي معتادة على ذلك، لكن لايسعه سوى أن يشفق عليها، تحرك آدم صوب هايز التي كانت تستند برأسها على يدها بينما مرفقها ثابت على طاولة المطبخ أمامها .

توقف جوارها يداعب خصلات شعرها بلطف :

" هايز حبيبتي ...."

ولم يكمل كلمته قبل أن يرى رأسها قد سقط على الطاولة أمامها ليدرك الآن أنها ساقطة في النوم، تأوه آدم بحنان وهو ينحني مقبلًا رأسها، ثم اعتدل في وقفته وحملها بلطف وتحرك بها خارج المطبخ متحدثًا لروز التي كانت تلعب ببعض الالعاب مع ايان:

" أين غرفتها روز ؟!"

أشارت روز للطابق العلوي وهي تردد بجدية :

" الغرفة الثانية في الممر الشرقي "

هز آدم رأسه لها، ثم تحرك صوب الاعلى وهو يضم هايز له بعشق وحنان مقبلًا رأسها كل ثانية، بينما الجميع يرمقه في الاسفل بحب، وايان يبتسم بسعادة على ما يرى هامسًا لنفسه :

" واخيرًا تحقق حلمك هايز وأصبح ذلك الصخرة انسانًا يشعر بحبك "

في الأعلى :

اقترب آدم من الغرفة التي أخبرته بها روز، دفع الباب الخاص بها بقدمه وهو مازال يحمل هايز بكل حنان، ثم تحرك صوب الفراش يضع جسدها عليه بلطف خوفًا أن تستيقظ، وبعدها تحرك سريعًا ينزع لها حذائها، ويحرر لها خصلات شعرها من تلك الربطة التي تضعها، حتى تنام براحة، رفع الغطاء ووضعه على جسدها، ثم انحنى مقبلًا رأسها بكل حب .

جلس على الفراش جوارها يربت على خصلات شعرها وهو يردد بعدما أطلق تنهيدة :

" اه يا هايز لكم أود الآن أن اجذبك واضعك داخل صدري واغلق عليكِ بقفل، ثم ألقي مفتاحة بعيدًا "

تحركت هايز في نومها بانزعاج ليبدأ آدم في التربيت عليها بحنان شديد حتى تعود للنوم مجددًاء لكن هايز فتحت عينها بنعاس رافعة يدها أمامها تقول من بين جفونها المغلقة ظنًا أنها تحلم :

" دعني أنام بين أحضانك آدم، لطالما كان هذا حلمي"

ابتسم آدم بسمة واسعة، يخلع حذائه، ثم تحرك صوب الفراش يندس أسفل الغطاء معها جاذبًا إياها لاحضانه بلطف كبير وبعدها أخذ يربت على ظهرها مرددًا ببسمة هادئة :

" يبدو أننا نتشارك الاحلام طبيبتي الجميلة "

ابتسمت هايز أثناء نومه، وقد كانت بين النوم واليقظة وآدم يضمها بحب شديد وعينه شاردة في سقف الغرفة يعود برأسه للوراء حينما أخذ عهد على نفسه ألا يسلم رقبته لمذبحة الحب، وألا يسمح لقلبه بالسقوط في فخ العشق، والآن ماذا فعل؟! وضع رأسه بأكملها على خشبة تلك المذبحة مرحبًا بالموت إن كان في سبيل حبها.

هايز من أُعجب بها في فترة شبابه ليعاند قلبه ويهرب منها حتى لا يتفاقم إعجابه لشيء ينفره .
لتأتي هي الآن وتعانده جاعلة إياه يسقط في حبها مرات ومرات دون كلل أو ملل.

قبّل آدم جبهتها بحنان لتفتح هايز عينها مرددة :

" آدم"

" امممم "

" متى أتيت ؟!"

ابتسم آدم وهو يضمها بحنان:

" للتو فعلت جميلتي "

ابتسمت هايز وهي تضمه بحنان مرددة :

" اشتقت إليك كثيرًا "

" وأنا كذلك حوائي، اشتقت لكِ كثيرًا"

رفعت هايز رأسها تهمس بتعجب :

" حوائك ؟!"

قبل آدم وجنتها بحب :

" نعم حواء التي خُلقت مني ولي، أنا آدم وأنتِ حواء خاصتي "

ابتسمت هايز باتساع وهي تقول بانبهار :

" احببت ذلك اللقب "

بادلها آدم البسمة مستندًا برأسه على خاصتها يردف بعشق :

" وأنا احببتك أنتِ هايز...."

___________________

هطلت الأمطار بقوة كعادة تلك المنطقة، وقد بدأ الجميع يشاهد الأمطار بحب، فبينما يضم فبريانو روبين في النافذة يراقبان الأمطار بحب والباقي يحتمي بالغرفة يتلمس دفئها، كانت جولي تقف أمام باب المنزل تضم نفسها بقوة منتظرة مارتن الذي من المفترض أن يكون قد وصل منذ دقائق طويل كما أخبرها جاكيري .

لكن حتى الآن لم يظهر شيء أو يأتي مارتن، ورغم البرودة التي ضربت جولي إلا أنها رفضت الدخول حتى تراه، وتدخل معه .

وبعد دقائق أخرى مرت طويلة على جولي
تعليقات



×