رواية قلبي وعيناك والايام الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم رحاب ابراهيم حسن


 رواية قلبي وعيناك والايام الفصل الثالث والثلاثون 


وقف رعد متسمرًا أمامها دون حراك ، صدم من تقلّب حالها للنقيض ، من تلك الفتاة الرقيقة الخجولة التي كانت تحمر خجلًا من أقل كلمة منه ...إلى الفتاة الشرسة الواقفة أمامه بمنتهى التحدي والقوة .... ورغم صدمته ولكنه يعترف أن تحديها له أنار ركنً بعيد بزاويةً ما بداخله ... 

رمته رضوى بنظرة أخيرة قاسية قبل أن تبتعد عنه ، ويبدو أنها اتقنت اللعبة سريعا ... فقد اضحت حتى حركتها نابعة عن ثقة عالية بالنفس. 

نظرة عينيه تنقلت معها وهي تبتعد ، مُسلطة عليها كأنه يرها لأول مرة ... وأن أرجع المعادلة لعلم النفس الذي درسه، فسيعرف أن المرأة أن تم جرح قلبها بقسوة فأنها باليوم التالي تحاول النجاح بأي شيء آخر وبمنتهى السرعة ... كلافته عالية تريد أن تخبر بها الجميع أنها ليست ضعيفة ، ليست فاشلة ... وأنها لا زالت قوية ولا يعني هذا الجرح لها شيء ... وهي جدًا تئن وجع !

تحرك بخطوات بطيئة اتجاه الشجرة التي كانت تختبأ خلفها واسند عليها بظهره شاردًا .... 

وعلى رغم كل شيء ... ابتسم بسعادة خفية لوجودها بالقرب. 

                                     ***** 

تم إعداد الطعام ورتب على المائدة .... وبشيء لم يعتاد الجد رشدي عليه ... شاركوا الفتيات في ترتيب الأطباق وامتلأت الأجواء بالبهجة .... ابتسم الجد لهن بمحبة وقال : 
_ كنتوا فين من زمان ؟! .... أنا من فترة كبيرة مش بقعد على السفرة وأكلي بيطلعلي أوضتي .... خصوصًا وجبة العشا. 

ابتسم له الفتيات ثم جلسوا بصف واحد على المائدة وتبقى المقاعد المقابلة .... نظروا لبعضهن في توتر لإفتراضية مجيء الشباب بأي لحظة...

أتت مدبرة المنزل العجوز وقالت للجد : 
_ جايين دلوقتي .... والست جيهان مش هتتعشى والست وداد أم البنات لقيتها نايمة ... وريميه دكتور وجيه نبه عليا ااكلها لوحدها عشان بتخاف ولسه مخدتش علينا. 

رد الجد رشدي بهدوء : 
_ خلاص ماشي ... 

خرج جاسر من صالة الرياضة وأغلق الباب خلفه ، شعره يلتمع ويبدو أنه أخذ دوشا وبدل ملابسه بطقم رياضي اسود بالكامل .... رمى نظراته على جميلة التي تطلعت به للحظة وابعدت عينيها سريعا .... ابتسم بسخرية وأختار المقعد المقابل لها تحديدًا كأنه قصد أستفزازها .... وقال لجده بمرح وعينيه الماكرة على جميلة: 
_ مساء الخير ياجدي ... ياحبيبي. 

رد عليه الجد وتجاهل طريقته كأنه لم ينتبه لشيء ...وقال : 
_ مساء النور ... 

لوت جميلة شفتيها كأنها ترد عليه بسخرية صامته .... فاتسعت ابتسامة جاسر وقال وهو يرجع بظهره للمقعد في ثقة ويرميها بنظرات خبيثة: 
_ البيت وحشني أوي أوي يا جدي ... بفكر أخد أجازة كام يوم كده أشبع منه الأول ... 

أجاب الجد بصدق : 
_ هو بعد ما سيبتوا القافلة قبل معادها هينفع تاخد إجازة ؟؟! ... ده أنت هتاخد على دماغك ! 

ابتسمت جميلة واخفت ضحكتها .... وراقبن الفتيات الثلاث نظرات جاسر لجميلة والعكس .... حتى أتى آسر وقد بدل ملابسه أيضا .... ورمق جاسر المواجه لجميلة ، فتسحبت نظرته لسما ووجدها ترمقه بقرف ... اغتاظ منها وجلس مواجهًا لحميدة ..... وقال بعصبية لجده : 
_ هقعد هنا 

رد الجد بتعجب : 
_ طب وأنا مالي ؟! ...أنت في حصة علوم ؟! 

ابتسمت سما وقصدت أن تظهر له ذلك، فأغتاظ منها أكثر وتطلع بها بحدة ..... ودقيقة وكان يوسف يركض هابطا من غرفته بالطابق الثاني اتجاه المائدة مباشرةً ..... وابتسم لحميدة وقال لجده : 
_ الله بقا .... بحب اللمة . 

وتفاجأ بآسر الجالس اتجاه حميدة ، فهز ظهر مقعده وقال لآسر هامسًا : 
_ قوم ده مكاني ! 

نظر له آسر بحدة وقال : 
_ من أمتى وده مكانك ؟! 

ضيق يوسف عينيه له وهمس مرة أخرى :
_ من النهاردة وقوم بقا ! 

سأل الجد يوسف : 
_ في إيه يا يوسف مالك ؟! 

قال آسر بصوتٍ عالِ : 
_ بيقولي قوم وعايز يقعد مكاني يا جدي ؟! 

طافت ابتسامة على وجه حميدة ولكي تبقيها سرًا نظرت للأسفل .... ابتسم الجد بمرح ليوسف ثم قال له بخبث: 
_ اقعد يا يوسف في أي مكان أحنا مش في حضانة ! 

انتهز آسر الفرصة بذكاء ليحقق ما يريده ونهض من مقعده قائلًا : 
_ ولا تزعل ...تعالى اقعد. 

جلس يوسف بابتسامة مرحة صوبها لحميدة ، بينما جلس آسر مقابلًا لسما مباشرةً .... ورمقها بنظرة متحدية. 

ترقبت رضوى ظهور رعد ، وتمنت أن لا يأتي وهي بموجة من الحيرة والكبرياء المتأرجح بين القوة والضعف ....  ولكنه حضر بعد لحظات من الصمت خيمت على الجميع .... وتوجه مباشرةً اتجاه رضوى جالسًا ....
كأنه يخبرها شيء بنظراته القوية الحادة هذه... 

نظر الجد يمينًا للفتيات ثم انتقل بنظرته يسارًا للشباب ... وكانت ستغلبه ضحكة من مظهرهم ونظراتهم القتالية لبعضهم البعض .... فقال : 
_ انتوا مش بتاكلوا ليه ؟! ...يلا ابدأو ..

 
نظرت حميدة لأخواتها ببعض الارتباك ، فهي لا تحبذ الأكل بالشوك والسكين ولم تعتاد عليه ... وكذلك الفتيات ، لمح يوسف ارتباكها وفهم بذكاء ما يدور برأسها .... فألقى الشوك والسكين جانبًا وقال بمرح : 
_ تعرف يا جدي ... أحلى أكل كلته في البلد عند أهل مرات عمي ، واتعودت اكل بإيدي من غير شوكة ولا سكينة ... وبصراحة أريح وأطعم. 

ابتلع الجد رشدي ما بفمه بابتسامة محبة ليوسف ، ثم ذهبت نظرته لحميدة التي كانت عينيها تشع دفء وهي تعلم أنه فعل ذلك لأجل ارتباكها .... فقال الجد مُلقيًا الشوكة من يده أيضا : 
_ وأنا كمان هعمل زيك. 

وفعل ذلك بقية الشباب وتشارك الجميع الطعام بإرياحية ... حتى قطع الجد الصمت وقال : 
_ في حفلة هنعملها قريب ، لمناسبتين ... أول مناسبة هسيبك عمكم وجيه هو اللي يقولهالكم .... تاني مناسبة عشان أعرّف البنات على بقية العيلة ومعارفنا وصحابنا. 

قال رعد بسخرية : 
_ أتمنى ماتكونش المناسبة الأولى تدبيسة لينا كالعادة ! 

توجهت نظرة رضوى عليه مباشرة بعصبية وهي تعرف مغزى حديثه ، فبادلها بنظرة متحدية فتأكدت أنه قصد التقليل منها ومن أشقائها أيضا حتى لو بدون قصد. 

تنفست بعمق بعدما تركت طعامها ، ثم نهضت من مقعدها واستأذنت الأنصراف .... فسألها الجد : 
_ أنتِ لحقتي كلتي يا رضوى ؟! 

تظاهرت رضوى بابتسامة بسيطة وقالت : 
_ الحمد لله ، أنا اكلتي ضعيفة أصلًا يا جدي ... بعد أذنك. 

توجهت مباشرةً إلى غرفتها وهي تتحكم بدموعها قدر الإمكان ، ابطأ رعد في طعامه ببعض الشرود والعبوس الذي ظهر على وجهه إثر مغادرتها ...كأنه غضب من نفسه على هذا القول الغبي .... فأجاب الجد بعصبية : 
_ لا مافيش تدبيسة ولا هيكون في من النهاردة ما تقلقش ... مش هختار حاجة ليكوا تاني .... رغم أني أختياراتي كانت كلها لمصلحتكم .... بس بما أن ده مش عاجبكم فهلغي أي حاجة كنت مرتبها ليكم... حتى لو كنتوا عايزينها. 

نظر يوسف بصدمة لجده ، بينما نهض الفتيات الثلاث وتوجهوا لغرفة رضوى .... وتجاهلن تمامًا الجالسين أمامهن..... وصوب رعد نظرة غامضة طويلة إلى جده ...

ابتلع الجد آخر ما بفمه وقال : 
_ أنا هخرج مع البنات نتفسح شوية ، لو وجيه رجع وكنت أنا لسه برا قولوله .... 

نظر جاسر لساعة الحائط بدهشة وقال : 
_  الساعة داخلة على ١٠ ... تتفسح دي معناها مش أقل من ٣ساعات ! ....هترجعوا أمتى ؟!!

نهض الجد وقال له بثقة : 
_ أرجع وقت ما ارجع أنت هتناقشني ؟! 

زفر جاسر بغيظ وقال : 
_ ياجدي ما تعودهمش على كده دول في البلد كانوا بيناموا من المغرب ! .... وبعدين ماينفعش يفضلوا الوقت ده كله برا حتى لو كنت معاهم .... برضو هفضل قلقان ! 

سأل الجد بسخرية : 
_ وأنت تقلق ليه وأنت مالك ومالهم ؟! ... دول اللي انتوا اعترضتوا عليهم  لو ناسيين ؟! ، يبقى محدش فيكم ليه حق ينطق في أي شيء يخصهم .... 
كل واحد فيكم يخليه في نفسه واعتبروهم مش موجودين. 

نهض رعد بغضب واضح والقى على جده نظرة حادة ثمخرج من المنزل بكامله ....ذهب وبدأ يتأكد شكوكه .... هز الجد رشدي رأسه بيأس وقال : 
_ عنيد وكبريائك أعمى وهيوديك في داهية ! 

نهض جاسر وحاول أن يسيطر على أعصابه فقال : 
_ طب ياجدي .... ممكن حد فينا يجي معاك ؟! .... أصل ماينفعش يبقى معاك أربع بنات وتفضل تلف بيهم من مكان للتاني ومايبقاش معاك حتى أي حرس !! 

صمم الجد على رأيه وأضاف: 
_ أنا قولت كل واحد يخليه في حاله ! .... اكيد مش هتخافوا عليهم اكتر مني يعني ! .... ولو هختار بين حد من الحرس أو انتوا يبقى من الحرس احسن .... أنا بدي الاختيار مرة واحدة ولو اترفض بمنعه خالص ...أظن فهمت ؟ 

ضيق جاسر عينيه بنظرة غاضبة بعدما فهم المقصود ، ووقف آسر بعصبية قد حاول كبحها منذ وقت وقال : 
_ ماتخليش موقفك معانا يجي على حساب سلامتهم ، لو سمحت خد حد من الحرس معاك لو رافض حد مننا يجي ! .... 

قد رتب الجد الأمر ولكنه أراد أستفزازهم ....فأجاب بهدوء : 
_ برضو مالكش دعوة. 

سأل يوسف بمقت : 
_ طب انتوا رايحين فين ؟! 

أجاب الجد بصدق هذه المرة: 
_ لسه مقررتش .... بس حتى لو اتمشينا بالعربية كده يعني هكون مبسوط ... 

وضع يوسف يده على وجهه بضيق شديد ... 

                                    ****** 

وقف الثلاث فتيات ينظرن بريبة إلى رضوى التي تقف أمام خزانة الملابس وتنتقي منها بعناية ما يناسبها .... قالت جميلة بقلق : 
_ خايفة من سكوتك ده ، لو عايزة تفضفضي يبقى احسن ... ومايهمكيش من الغبي ده بكره يندم عليكِ ... 

التفتت رضوى لهن بابتسامة ساخرة على عكس المتوقع وقالت : 
_ وهيندم وأنا كده ؟! .... أنا عايزاه مش بس يندم ..... أنا عايزاه يتقلب موجوع الليل من خسارته ليا ... 

تقدمت لها حميدة وقالت بخوف عليها : 
_ اوعي تتغيري يا رضوى ، مايستاهلش اللي بتعمليه في نفسك ده ؟! أنا حاسة بيكِ والله ... 

تدخلت سما وقالت بجدية : 
_ بقولكم إيه ؟ ..... هي مقالتش أنها هتنحرف لخوفكم ده ...كل اللي هنعمله احنا الأربعة أننا هنتمتع بورث أبونا ... نلبس ونتعلم ونشوف الدنيا ونعيش بقا .... إيه الغلط في ده طالما مش هنتعدى حدودنا وهنفضل محافظين على أخلاقنا ؟! 

أجابت جميلة عليها بموافقة : 
_ لو كده فمافيش مانع وأنا أولكم ...

تنفست حميدة الصعداء وقالت : 
_ وأنا معاكم .... لو على الجمال والشكل فسهل يتجاب ....أنما الطبع فغلاب ..... أحنا مش أقل منهم ... ولازم يعرفوا كده. 

                               ****** 

بعد مرور بعض الوقت ....
كان الجد يجلس بسيارته بالمقعد الأمي وتولى السائق الخاص به مقعد القيادة ...... وجلسن الفتيات الأربعة بالمقعد الخلفي .... قال الجد رشدي لهن: 
_ نروح الأول نشتري شوية حاجات وبعدين هعزمكم على أكلة تجنن ....انتوا مكالتوش في العشا... مستعدين ؟ 

قال الفتيات بنفس واحد وبحماس : 
_ مستعدين يا جدي. 

همست حميدة لسما قائلة : 
_ أنتِ قولتي لأمي أننا خارجين ؟ 

أجابت سما بالإيجاب: 
_ آه روحت استأذنتها وهي وافقت على طول لما عرفت أن جدي معانا ....
ارتاحت حميدة لمعرفة أمها ثم بدأت تراقب تواتر الطريق من نافذة السيارة التي للتو تحركت ....

وأمام المنزل كان رعد بداخل سيارته يراقب خروج سيارة جده من بعيد .... وحرك السيارة بغضب من عناد جده معه تحديدًا، حتى وجد يوسف يقفز داخل السيارة قائلا : 
_ خدني معاك ...

وبعدها وجد جاسر وآسر خلفه يدخلان السيارة ....فقال جاسر بغيظ: 
_ مش هنروح كل واحد في عربية ، نروح مع بعض .... يلا الحقهم .

هتف بهم رعد بعصبية وقال كاذبا : 
_أنا مش رايح ورا حد !! 

صاح جاسر بانفعال وقال : 
_ ياعم اتكتم بقا واسكت ما أنت اللي عكيت الدنيا، وأنت هتموت عليها أصلا، وانا مش عايز أفضحك قدامهم أكتر من كده...! خلينا ساكت احسنلك.

شجّع يوسف جاسر وقال : 
_ ايوة يا جاسر اديله كلمتين كمان. 

قال آسر وهو يضرب المقعد بضيق : 
_ بطلوا غباء واسكتوا وخلينا نلحقهم .... يعني أغبيا ورغايين ؟! 

انطلق رعد بسيارته فور جملة آسر وبدأ يبحث عن سيارة جده بالطريق .... 
                                    *******

 وعقب وصول وجيه للمنزل ومعرفته بذهاب إبيه مع الفتيات ، توجه مباشرةً لغرفة الصغيرة ليطمئن عليها ... 

فتح الباب فوجد الصغيرة نائمة على الفراش ومدبرة المنزل ليست بجانبها .... ضاق من أهمال المرأة العجوز في رعاية الطفلة ... وبينما كاد يخرج حتى انتبه لتمتمة خافته .... كأنه صوت عصفور يئن! 

استدار لفراش الصغيرة ثم اقترب منه فوجدها تتمتم وهي نائمة ...والأغرب من ذلك أن الدموع تنزلق من عينيها .... ادرك أنها تحلم بكابوس مزعج ...وضع يده على رأسها بربته رقيقة وهمس لها كي يوقظها ...

اهتز جسد الصغيرة برجفة شديدة وهي تفتح عينيها وتبك .... رددت بذعر مرتسم على وجهها : 
_ بابا ..صالح ، بابا ..صالح 

ضيق وجيه عينيه عليها بتعجب ثم همس لها لكي تطمئن : 
_ حبيبتي أنا بابا وجيه .... جيت اطمن عليكِ . 

اعتدلت الصغيرة وهي متمسكة بيده الممدودة ، ثم قفزت على صدره باكية وهي تقول : 
_ بابا صالح ...كان بيصرخ وبيناديلي أنا وماما . 

نهض وجيه وهو يحمل الصغيرة بين ذراعيه بحنان وقال برقة : 
_ حلم، مش حقيقي .... متخافيش. 

لا يبدو على الصغيرة أنها اقتنعت فظلت تبك، فسألها وجيه كي يبعد فكرها عن هذا الحلم المزعج: 
_ أكلتي ؟ 

لم تجيله الصغيرة مباشرةً ، حتى هزت راسها نفيًا ، فقال لها بحنان : 
_ طب أنا ما أكلتش مخصوص عشان ارجع اكل معاكِ ، كلهم قالولي كل وأنا قولت لأ هاكل مع ريمو بنتي حبيبتي .... 

طافت ابتسامة رقيقة وبسيطة على وجه الصغيرة وفركت غينيها لتمسح دموعها ...  فابتسم لها وجيه بمحبة شديدة وقال : 
_ يلا بينا بقا نحضر الأكل سوا ، وكمان عايزك تحكيلي أنتِ حدوته ... هتعرفي ولا أقول للناس أن ريمو مش بتعرف تحكي حواديت ؟! 

عبست الصغيرة وظنت أنه يقول ذلك حقا ، فقالت بتأكيد : 
_ لأ هحكي هحكي .... 

ضحك على تصميمها وقبّل رأسها بمحبة ، ثم هبط للطابق الأرضي وهو يتحدث معها بمرح. 


المرأة تغار من المرأة .... ولكن أن تغار من طفلة فهذا شيءٌ مريب !

وقفت جيهان بالممر بالطابق الثاني وعينيها على وجيه وهو يهبط ومعه الصغيرة .... زفرت بصوتٍ مسموع وتمتمت بعض الكلمات الغاضبة ، ثم توجهت لغرفتها مباشرةً. 

وقفت مدبرة المنزل أمام وجيه وقال لها : 
_ حضريلنا عشا خفيف كده يا دادة. 

أطاعت السيدة الأمر وذهبت لتعد وجبة خفيفة ، وتوجه وجيه لمائدة الطعام .... حيث كانت الصغيرة في حالة من الصمت دون لمحة من الابتسامة أو حتى التذمر ! ...

وضعها على أحد المقاعد ثم جلس بجانبها قائلًا بمشاكسة : 
_ يلا بقا احكيلي حدوته حلوة كده زيك. 

حركت الصغيرة شفتيها بصوتِ ضعيف جدًا ، ثم بدأت تتحدث بكلماتٍ متقطعة .... ما كان يهمه هو أن تخرج من قوقعتها وتتحدث بأي شيء ... لا يهم ما تقول تحديدًا ..

تفاعل معها واظهر حماس لما تقوله ، بينما هي كأنها تركض خلف الكلمات لتأخذها وتخرجها من فمها ... تكافح للحديث ! 

أتت مدبرة المنزل بالطعام ووضعته أمامه على المائدة، ثم انصرفت مبتعدة .... أخذ وجيه في أطعام الصغيرة التي تلوك الطعام بفمها في بطء ...ثم قالت على حين غرة : 
_ كل أنت كمان ! 

ابتسم لها بمحبة وأجابها : 
_ حاضر هاكل ... بس هأكلك أنتِ الأول. 

 وبعد فترة من المرح والأحاديث بينه وبين الصغيرة أخذها للغرفة التي خصصها لها وصعد بها .... 
وضعها على الفراش ودثرها بالغطاء جيدًا ، نظر لها بمحبة شديدة ... محبة جعلته يتعجب كيف أتت بهذه القوة .... يعتقد أن لو كان له إبنه لما أحبها أكثر من هذه الصغيرة ريميه .... 

فتحت جيهان باب غرفة الصغيرة ببطء ، ثم وقعت نظرته عليها وهي تقف تطلع بهما ... فقالت بعصبية : 
_ مسألتنيش حتى اتعشيت ولا لأ ؟! 

أشار لها وجيه لتصمت ، فيبدو أن هذه الجدال سيحتد من عصبيهتا الظاهرة ! .... نهض وربت على رأس الصغيرة هامسًا : 
_ الدادة هتجيلك بعد شوية وتفضل معاكِ .

حركت الصغيرة جفنيها بكسل وبدا عليها النعاس ، وقالت فجأة : 
_ بابا وجيه .... عايزة أفضل معاك هنا .. مش عايزة اروح البندق ...

اتسعت ابتسامة وجيه بقوة عندما ادرك أنها تقصد بالبندق "الفندق" ... ثم قبّل رأسها قائلًا بتأكيد : 
_ هتفضل معايا على طول ... أنتِ بنتي. 

اغمضت الصغيرة عينيها بطيف ابتسامة ... استقام وجيه ولا زالت عينيه المبتسمة عليها ... ثم تذكر وقوف جيهان التي سرحت بعاطفتها بهذا الموقف ... ومال قلبها قليلًا لتلك الطفلة ! 

وبغرفة وجيــه ..... 

 تفاجئت جيهان أنه سحبها من يدها برفق ووقف أمامها مبتسما بطيف اعتذار بعينيه ... وقال : 
_ ما تزعليش أنا أسف ... بس افتكرتك نايمة. 

نظرت له بتعجب ، ومن الابتسامة الصادقة الواضحة بعينيه ، واعتقدت أنه ربنا اعتاد على وجودها وألف قربها .... ابتسمت جيهان قائلة : 
_ حصل خير .... أنا أصلًا مش باكل قبل ما أنام ...

اتسعت ابتسامته بمزاح وقال وهو يخلع جاكته : 
_ غاوية عتاب يعني ! .... 

نادر.ًا ما كان يمزح معها ... ربما لأنها دائمًا ما تحدثه سوى بالعتاب واللوم ! .... فبدأت تكتشف شيء كان غائبًا عنها .... فتشجعت واظهرت المرح وقالت : 
_ غاوية اسمع كلام حلو ..... تعرف يا وجيه أنت حنين أوي ، يمكن دي أكتر حاجة بتطمني فيك ، لما شوفتك مع ريميه أتمنيت أنها تكون بنتي ... أنت هتكون أحن أب ممكن أشوفه. 

تنهد وجيه والابتسامة على وجه ... ثم قال بصدق : 
_ كل شيء له آوان يا جيهان ، لهفتي للأبوة دلوقتي أكبر بكتير من عشر سنين فاتوا .... حاسس أن دلوقتي ينفع أكون أب بجد ولاده يفتخروا بيه.... ويديلهم كتير من وقته واللي اتعلمه في اللي فات. 

نظرت له جيهان بدهشة وقالت : 
_ يعني من عشر سنين مكنتش عايز تخلف ؟! 

استدار لها وجيه وقال بصدق : 
_ مش كده .... بس أنا بحب ادي لكل شيء حقه ، وزمان مكنتش هقدر اديلهم الوقت اللي محتاجينه مني ، بسبب شغلي وتكوين مستقبلي .... وكنت هفضل حاسس بالتقصير ، وعلى ما أوصل للي عايزه في شغلي هتكون عدت أيام عليهم سيبت فيها فراغ وجودي ...وده شيء مش بيتعوض.... أنما دلوقتي أنا مستعد جدًا. 

وضعت جيهان يديها على صدره بدلال وقالت مبتسمة : 
_ هفضل احلم باليوم اللي أشوفك فيه مع ولادنا وبيتنططوا حوالينا .... 

شاكسها ومرر يده على شعرها بمزاح ثم أخذ ملابس من خزانته ودخل لحمام الغرفة يغتسل قبل الخلود للنوم. 

                                    ******

وقفت سيارة الجد أمام مول تجاري ضخم البنية ، والأضاءة ذات الألوان العديدة تحاوطه من جميع الاتجاهات ... 

نظرت جميلة للمبنى وقالت بإنبهار: 
_ الله .... أول مرة أشوف مكان بالجمال ده ! 

قال الجد بابتسامة خبيثة : 
_ وأنتِ لسه شوفتي حاجة ! 

ترجل الجد من السيارة على عصاه ، وخرج الفتيات من السيارة تباعاً .... دخلوا الفتيات معه لمبنى المول التجاري ودخلوا المصعد لأحد الطوابق.... وعندما خرجوا كان الجد يشعر بالدوار الشديد ...فأسندته حميدة قائلة بقلق : 
_ مالك يا جدي ؟! 

تنفس الجد براحة وقال مبتسما : 
_ بدوخ من الاسانسير بس ... خمساية كده وهتلاقيني دبور في المكان. 
ضحكت حميدة على مزحته فقال لهن بجدية : 
_ بصوا بقا .... مش عايز واحدة فيكم عينيها تيجي على حاجة عجباها وتسكت ! ...أزعل كده ! .... اشتروا كل اللي نفسكم فيه واصرفوا مايهمكوش حاجة .... 

ابتسم الفتيات له بمحبة ليس من سخائه ، بل من المحبة الصادقة الظاهرة عليه والتي يريد بكل ما يستطع فعله أن يعوضهن ولو بشيء قليل.

انبهر الفتيات وهن بيسيرون بالممرات الواسعة للطابق الرابع الذي كان بداية المحلات التجارية للملابس والذهب والإكسسوارات ...وأشياءً أخرى كثيرة ... 

الإضاءة ورائحة المكان العطرة تحسن الحالة النفسية لأي مخلوق ... دخل الفتيات أول محل للملابس النسائية .... وكان به فتاتان يعملان به .... الحوائط التي تشبه لون العسل الصافي ...والمكان رحيب بنظافة عالية .... وانتشر الفتيات بالزوايا لإنتقاء الملابس المناسبة لكلًا منهن. 

وراقبهم الجد بابتسامة كأنها التصقت على ثغره ، وأشار لأحدى الفتيات العاملات وقال : 
_ تعالي أقولك يابنوته يا حلوة أنتِ. 

ابتسمت له الفتاة وأتت إليه .... فقال لها الجد بهمس : 
_ خليكِ معاهم وساعديهم ... أنتِ قمورة وذوقك اكيد شبهك. 

اتسعت ابتسامة الفتاة من طريقة العجوز وقالت له بمواققة: 
_ اكيد هساعدهم ... اتفضل أقعد على ما يخلصوا. 

وأشارت إليه كي يجلس على مقعد قريب ...فقال الجد بمشاكسة: 
_ أنا هقعد بس مش عشان رجلي وجعتني ... هقعد عشان أنتِ عايزة كده... 

ضحكت الفتاة مرة أخرى ، ثم اسرعت للفتيات تساعدهن في الانتقاء والملائم لهن ..... همست حميدة لسما وقالت : 
_ يالهوي على دي هدوم يابت .... ده أحنا مكناش عايشين ! 

ضربتها سما بكوعها ذراع حميدة وقالت بتحذير: 
_ وطي صوتك يا بغلة البت اللي شغالة هنا هتسمعك ! 

عبس وجه حمبدة إثر الضربة ... قالت الفتاة العاملة وهي تجذب رداء طويل يناسب المحجبات ورفعت أمام أنظارهن .... اعجب الرداء حميدة كثيرًا وقالت : 
_ فظيع .... عايزة اقيسه ؟ 

أشارة الفتاة للبروفا وقالت : 
_ البروفا هناك ...تقدري تقيسيه براحتك. 

دخلت حميدة لتختبر مقاس الرداء .... ودقائق وكانت تخرج مبتسمة برضا عن مظهرها .... نظرن الفتيات لها باستحسان فقالت جميلة بتأكيد: 
_ حلوة أوي أوي ...لايق عليكِ جدًا. 

نظرت حميدة لجدها فوجدته يهز رأسه علامة الإعجاب بالرداء ... عادت لترتدي ملابسها مرة أخرى .... حتى وقفت رضوى أمام أحدى الفساتين السواريه مشدودة لمظهره الرقيق الرائع ..... وقفت بجانبها أحدى العاملات وقالت : 
_ لو عاجبك أنزلهولك تقيسيه ؟ 

نظرت رضوى للرداء الأزرق الشيفون بإعجاب شديد وقالت دون تردد : 
_ نزليه ... 

جذبته الفتاة من المشجب وأخذته منها رضوى حتى خرجت حميدة من البروفا وأخذت مكانها ..... 

ارتدت رضوى الرداء أمام المرآة الكبيرة ولكن ما ضاقها هي سحابته الخلفية .... فأزاحت الستار قليلًا وأشارت لحميدة أن تأتي وتساعدها ....فمضت حميدة إليها سريعا وقالت : 
_ في إيه ؟! 

قالت رضوى بتأفف : 
_ الفستان سوسته مش راضية تفتح ! ... معلقة. 

نظرت حميدة لسحابة الرداء وحاولت معها حتى اتلفت مسارها ...فقالت حميدة بضيق : 
_ السوسته باظت ! ... طب قيسيه الأول وبعدين نشوف موضوع السوسته. 

ارتدته رضوى وهي تعرف أنها ستأخذه لا محال ...فالرداء مبهر وضعفت أمامه .... وكان ظنها صادقا فقد أخذها مظهرها به وطلتها الساحرة ..... قالت حميدة بإعجاب شديد : 
_ طلقة عليكِ ....

ابتسمت رضوى وكادت أن تخلعه حتى تذكرت شيء ...  فقالت بنظرة تحدي : 
_ لأ مش هقلعه ... هفضل لبساه. 

تفاجئت حميدة ودهشت ....ثم قالت : 
_ طب مش تضبطيه الأول عليكِ وبعدين تلبسيه ؟! ...ده احنا حتى لسه ما أشترينهوش ! 

مطت رضوى شفتيها بلا اكتراث ...وقالت: 
_ هشتريه .... وهفضل لبساه ، اومال هشتريه ليه ؟! 

قطبت حميدة حاجبيه وقالت : 
_  يابنتي عايز يتقصر عشان طويل ، وبعدين جدك يقول علينا ايه ؟! 

اكدت رضوى : 
_ هيفرح لفرحتي ...بسيطة خالص !... وبعدين ما احنا يعتبر في سهرة وهو سواريه ، هشتري صندل عالي دلوقتي وهيبقى تمام ... والله ما أنا قلعاه.... 

ضحكت حميدة عليها وقالت : 
_ آه يا هبلة ... بس خلاص طالما ده هيريحك ...بس هنعمل إيه في حكاية السوسته دي ؟! ... 

فكرت رضوى لدقيقة ثم قالت : 
_ روحي قولي للبنات اللي برا أن سوست الجيبة بتاعتي اتقطعت وعايزة دبابيس ضروري .... اقوم أنا بقى حاطة الدبابيس في الفستان وشكرًا .... 

نفذت حميدة الأمر وبالفعل أخذت من أحدى الفتيات دبوس كبير لم يوجد غيره معها .....ودخلت لرضوى مرة أخرى وأخفت تلف سحابة الرداء بذلك الدبوس ....ثم قالت : 
_ حاجة مؤقته بقا ، والطرحة هتداري السوسته. 

ابتسمت رضوى وهي تلف حجابها جيدًا ...ثم قالت بعبوس: 
_ الطرحة مش لايقة مع الفستان ! .... ماشي ، هلبسها مؤقتا واكيد هلاقي حاجة لايقة عليه. 

وخرجا الأثنان من البروفا بعد ذلك ونال مظهر رضوى رضا واستحسان الجميع حتى العاملات بالمكان .... وقالت رضوى مبررة تمسكها بلبس الرداء: 
_ سوستت جيبتي اتقطعت ومانفعش الدبوس فيها ، فلبسته. 

قال لها الجد بمدح : 
_ قمر يارضوى ... أنا عايزك تفضلي لبساه ياحبيبتي وتتبسطي. 

بدأت الثقة تزداد بداخل رضوى ، حتى من أقل الأشياء والمواقف. 
وانتقى بقية الفتيات ما يناسبهن ...حتى خرجوا من المحل التجاري وهم محملين بالمشتريات ..... وقف الجد بالممر ينظر لجميع المحال الأخرى المختلفة ....ثم أشار لأحدهم : 
_ تعالوا نكمل هنا .... مش هنسيب مكان غير لما نشوف اللي فيه واللي يعجبنا ناخده. 

قالت سما بتعجب: 
_ ياجدي ما كفاية اللي جيبناه ! 

غمز لها الجد بثقة وقال : 
_ لأ مش كفاية ، وبكرة تعرفي أنه مش كفاية خالص ، الهدوم اللي جبتوها دي يدوب تقضي مشوار واحد ! ...

ومثل ما فعلوا في المحل الأول فعلوا في الثاني. 

                                 ******** 

سيارة رعد كانت تقف أمام المول التجاري ، ولكن بعيد عن صفوف السيارات الأخرى ، حتى لا ينتبه الجد أو أحدًا من الفتيات إذا خرجوا فجأة من المبنى.....
قال رعد بسخط وعصبية وهو جالس خلف عجلة القيادة: 
_ هما بيعملوا إيه كل ده ؟! 

قال يوسف باستغراب: 
_ كل ده ايه ؟! ....دول بقالهم نص ساعة بس ، وبعدين يابني دول بيشتروا لبس وحاجات بتاعت البنات دي ... يعني خمسة خمستاشر سنة كده. 

خيم الصمت للحظات ....فتح جاسر الباب بحدة وخرج من السيارة ...فسأله يوسف : 
_ رايح فين ؟! 

قال جاسر بغيظ: 
_ داخل المول .... مش طايق أقعد. 

خرج الشباب سريعا من السيارة ، فقال يوسف بعصبية: 
_ ولا أنا .... أنا قلقان لحد يبصلهم كده ولا كده والمول مليان رجالة وشباب ... 

ضيق رعد عينيه بعصبية واضحة ، نظر له يوسف بمكر وكتم ابتسامته ...وأضاف ليستفزه أكثر: 
_ ايوة زي ما بقولكم كده .... بنات زي دي باين عليهم اللبخة وأنهم خام ....

ثم نظر لجاسر وأكد: 
_يعني فريسة سهلة للذئاب البشرية اللي زيك كده يا جاسر .... تخيل لما حد زيك يبص لواحدة فيهم ... 

ضغط جاسر على أسنانه بانفعال واضح ، بينما آسر تقدم خطوة للداخل وهتف بهم : 
_ أنا داخل واللي يحصل يحصل ... مش وقت كبرياء وغباء ! 

تبعه الشباب الثلاث بينما كان يوسف ينظر لهم في ابتسامة خفية ....

                                 *******

خرج الفتيات مع جدهم من المحل الثاني واتجهوا للثالث مباشرةً بعدما أخذوا مشترياتٍ عدة .... وقفت رضوى تتأمل الحقائب النسائية .... وعلى رغم اعجاب جميلة وسما بالمكان ولكنه لم يروق لها ما فيه كثيرًا .... همست لحميدة قائلة: 
_ الشنط دي مش عجباني كلها كده على بعضها ... تعالي نروح مكان تاني. 

ردت حميدة ونظرتها تجول المكان: 
_ جميلة وسما بينقوا استني لما يخلصوا .... 

نفخت رضوى بضيق ، ثم التفتت حولها فوجدت محل مقابل يبيع كافة أنواع أقمشة الخمار والنقاب والحجاب، والكثير من الأكسسوار.
قالت لحميدة مجددًا : 
_ طب أنا هروح المحل اللي هناك ده على ما تخلصوا ... 

هزت حميدة رأسها بموافقة ، تقدمت رضوى هامسة لجدها بأمر الذهاب فوافق الجد أيضا بما أنها لن تبتعد كثيرًا ....

اسرعت رضوى للمحل المقابل وكادت أن تتعثر بسبب طول ردائها ، ولكنها انقذت الموقف سريعا ....دخلت المحل فوجدت فيه شاب وفتاة ....تعجبت لوجود شاب بمحل محجبات ! ...

رحبت الفتاة بها وهي تتحدث بالهاتف وأشارت لها بالدخول حتى تأخذ ما تريد .... والقى الشاب نظرة متفحصة على رضوى ثم ابعد عينيه سريعا عندما انتبه للنظرة الحادة التي رمته بها زميلته. 

هزت الفتاة المتحدثة بالهاتف رأسها بيأس منه وتابعت التحدث بالهاتف .... 
تجولت رضوى تنتقي اللون المناسب للرداء الأزرق ... فوجدت لونين مناسبان للرداء كثيرًا ....وظهرت الحيرة على وجهها حتى اقترب منها الشاب قائلًا بعدما استغل ابتعاد زميلتها للخارج وانشغالها بالمكالمة الهاتفية.... وقال بصوتٍ هادئ :
_ شكلك محتارة ....تحبي اساعدك ؟ 

اجابت رضوى بهدوء ...ما يقوله من صميم عمله لا يستعدى العصبية منها : 
_ لأ شكرًا .... أنا هختار بنفسي. 

رفع الشاب حاجبيه بسخرية من صدها .... وابتعد قليلًا ، ثم قال مرة أخرى: 
_ في ميك أب في الزاوية دي لو عجبك حاجة .... 

وأشار لها لفترينة كبيرة لم تنتبه لها .... وكانت مليئة بمساحيق التجميل الذي يبدو عليها جميعها من ماركات أصلية ثمينة..... فقررت رضوى سريعا أخذ الحجابين كي تتخلص من حيرتها ، ثم توجهت لزاوية للأرفف الزجاجية وبدأت تتفحصها جيدًا .... 

أتت الفتاة من جديد واقتربت من رضوى بابتسامة رسمية ...وقالت : 
_ أنتِ بشرتك نوعها إيه ؟ 

أجابت رضوى عليها : 
_ دهنية 

نظرت الفتاة للأرفف وأخذت مساحيق تخص تلك النوعية وقالت لها وهي تضعهم أمامها على الزجاج : 
_ دي كل حاجة تخص البشرة الدهنية ، صن بلوك ، فونديشن ، كريم ليل ، نهار ، عيون ......
وظلت الفتاة تذكر أسماء المنتجات بالعربية ، وحمدت رضوى ذلك ..فأخذت منهم ما أعجبها، ثم اختارت بنفسها مرطب شفاه ... فقالت رضوى للفتاة : 
_ عايزة اضبط طرحتي ممكن ؟ 

وافقت الفتاة على الفور وقالت لها : 
_ اكيد طبعا ، في حمام هنا ...

وأشارت لها اتجاه الحمام .... دخلت رضوى الحمام وبدلت حجابها بأحدى الأثنين التي ابتاعتهم منذ قليل .... ثم نظرت لمرطب الشفاه الأحمر وأغراها أن تجربه .... وما أن فعلت ذلك حتى ابتسمت بإعجاب للونه على شفتيها ، رغم أنه ليس فاقع اللون ولكنه أضفى لمعة رقيقة رائعة لشفتيها .... خرجت من الحمام وهي تبتسم بثقة وتفاجئت أن الفتاة ليست موجودة ! 
بل كان الشاب هو من عاد ويبدو كأنه تشاجر مع أحد ! ..... تجاهلته رضوى وانشغلت برؤية الأكسسوارات حتى يأتي أشقائها وجدها حال أنتهائهم .... 

تحرك الشاب اتجاه الباب وظنت رضوى أنه سيخرج فتنفست الصعداء ، ولكنه توقف للحظة ناظرًا لشيء لفت انتباهه فجأة وسمره بمكانه، وقد كاد أن يتركها ويخرج بالفعل ... 

كانت سحابة فستانها مفتوحة من الأعلى وتظهر حيز من ظهرها ..لم تشعر رضوى بسقوط الدبوس المعلق بالسحابة وأيضا قد نست تمامًا هذا الأمر.... والحجاب التي ارتدته طوله يسقط على كتفيها ولا يخفي من ظهرها الكثير. 

وقف الشاب متمعنًا فيها بنظرة دقيقة متفحصة ، وكأنه يتمنى أن يظهر اكثر وأكثر من جسدها ! .... 

كانت هناك مرآة دائرية أمام رضوى مباشرة تظهر انعكاس وجههاّ، وهذا ما جعل رعد يتعرف عليها من بعيد ...ولكنه ضيق عينيه لمن يقف وعينيه مسلطة عليها بنظرة شهوانية. 

تعليقات



×