![]() |
اسكريبت ليس من البشر الفصل الثاني بقلم حور حمدان
دخل كأنه صاحب البيت، ولا كأن بابا واقف، ولا كأن في قواعد للمنطق.
قعد على الكنبة، وبص لي من أول ما دخل لحد ما قعد... النظرة دي مش طبيعية.
كأن عينيه شايفة الي جوايا.
بابا قرب وقال له بهدوء مستفَز:
إنت مين؟ وإزاي تدخل كده؟
الولد ما بصش لبابا، ولا رد... كأنه مش سامعه أصلاً.
قال لي تاني:
جاوبيني... فكرتي؟
قلت وأنا صوتي بيترعش:
أنا قلت لأ... مش موافقة. و... ومش فاهمة إنت مين أصلاً.
ضحك. ضحكة باردة، مافيهاش أي روح.
وقال:
اللي يرفضني... بيتحاسب.
أول ما قال الجملة دي...
اللمبة اللي فوق راسي فرقعت.
وبابا وقع على الأرض!
صرخت وجريت عليه، لقيته بيتنفس بالعافية، وشه ملوش لون.
بصيت له وصرخت:
إنت عملت فيه إيه؟!
قال بهدوء:
ماعملتش حاجة... دي البداية بس. وافقي... وانقذيهم. كلهم.
قمت وأنا مرعوبة، جريت على المطبخ، مسكت سكينة، ولفيت عليه:
اخرج من بيتنا حالاً!
بص لي، وعينيه اتحولت للحظة... كانت سودة تمامًا.
وقال بصوت مش صوته:
حاولت أكون لطيف... حاولت أديكي فرصة.
بس إنتي اخترتي.
واختفى.
زي ما يكون اتبخّر.
بابا فاق بعدها بدقايق، بس ما افتكرش حاجة.
ولا شافه.
ولا سمعني وأنا بتكلم معاه.
ولا حتى حاس إني كنت بصوت عالي.
لكن من اللحظة دي...
كل حاجة بدأت تتغيّر.
الموبايل بيشتغل لوحده.
الساعة بتقف كل يوم على نفس المعاد اللي هو ظهر فيه.
وصوته... بقيت أسمعه كل ليلة قبل ما أنام، بيقولي:
مفيش رجوع...
وأنا...
ماعدتش عارفة هو كان مين.
ولا عايز مني إيه بالظبط.
بس اللي أنا متأكدة منه...
إني لما رفضته، كنت فاكرة إن ده قرار بسيط.
لكن الظاهر...
إني فعا اختارت مصيري
بقالي أيام مش بنام.
كل مرة أقفل عيني، أشوفه واقف عند باب أوضتي... مبتسم نفس الابتسامة اللي ما تريحش.
صحياني بقت على أصوات...
حاجات بتتكسر، خبط، أو همس باسمي.
بابا وماما حاسين إني مش طبيعية، بس كل ما أحكي، يضحكوا ويقولوا:
بلاش أفكار الأفلام يا بنتي.
بس أنا مش بتخيل.
كل حاجة حواليا بتقول كده...
الصورة اللي في الصالون اتشقّت نصين من غير سبب.
الكلب بتاع الجيران بيعيّط طول الليل قدام باب شقتنا.
والمرايا... بقت مغطّية بقماش من غير ما حد يقولي ليه.
بس اللي خلاني أتأكد إن في حاجة غلط فعلًا...
كان يوم الخميس.
وأنا داخلة أوضتي، لقيت ظرف على سريري.
مكتوب عليه اسمي بخط رفيع، ومرعّش.
فتحت الظرف، لقيت ورقة صغيرة مكتوب فيها:
"رجّعيني... أو خدي مكاني."
تحت الجملة دي... كانت صورتي، بس مش صورتي اللي أعرفها.
كانت صورتي وشي باين فيه خوف مش طبيعي... وعيني فيها دمعة، وورايا ظِل... مش ظِل بني آدم.
رميت الورقة وقلبي بيخبط، جريت على بابا وقلت له:
بابا، أنا مش قادرة أعيش هنا، في حاجة غلط، في حاجة مش طبيعية بتحصل، اسمعني.
قال لي:
حور، اللي عنده ضمير نظيف، ما يخافش من اللي مش شايفه.
سكت... الجملة دي مش كلام بابا، مش طريقته.
بصيت له، حسيت إن صوته مش صوته... وطريقته مش طريقته.
قلت له:
إنت... إنت مين؟
ابتسم نفس الابتسامة بتاعته.
وسابني واقفة، ومشي على أوضته.
أنا دلوقتي مش متأكدة مين اللي معايا في البيت.
ولا متأكدة إذا كنت أنا لسه أنا...
عدّت أيام، وأنا محبوسة جوا نفسي.
ما بقتش عارفة أنام، ولا آكل، ولا حتى أتكلم.
كل اللي حواليا مش متأكدين إذا كنت مجنونة… ولا هما المجانين.
بس أنا كنت عارفة الحقيقة.
في حاجة في البيت ده مش طبيعية.
في وجود غريب… مش بشر.
وفي ليلة، وأنا قاعدة على سريري، النور قطع.
الدنيا سكتت، والهواء وقف.
وظهر هو.
واقف في نص أوضتي، لابس نفس الهدوم القديمة، عينه لسه حمرا،
بس المرة دي... كان باين عليه غضب.
قال لي بصوت مخنوق:
انتي اخترتي ترفضي… وده قرارك… بس لازم تتحمّلي نتيجته.
قمت وأنا بحاول أثبّت صوتي:
أنا مش خايفة منك.
ابتسم، وقال:
مش لازم تخافي… بس لازم "تبدّلي".
لحظة ورا التانية، حسيت بجسمي بيتقل، قلبي بيخبط، ورجلي بتسحبني ناحيته من غير ما أقصد.
صرخت:
إنت عايز إيه؟!
قال وهو بيقرب مني:
كل اللي طلبته إنك تيجي معايا... وانتي قلتي لأ… دلوقتي لازم واحدة فينا تختفي.
صرخت تاني، بس صوتي ما طلعش.
كنت ببص حواليّا، بدوّر على أي حاجة تنقذني.
عينيا وقعت على المراية القديمة اللي مرمية ورا الباب...
فضلت أبص فيها، لقيت صورتي... بس مش زَيّي.
كانت "أنا"، بس ملامحي مش بتتحرك، واقفة... بتبصلي.
وهي اللي اتكلمت وقالت:
أنا هبدّل، وإنتي اللي هتروحي.
رجعت خطوة لورا، بس جسمي تخدر.
وبدأت أحس إني بتسحب، بتشد، بتنطفي.
زي ما روحي بتتسحب منّي…
وفجأة… النور رجع.
لقيت نفسي واقعة على الأرض، ماما بتصرخ، وبابا بيجري عليا.
بس هو... اختفى.
ولا في حد اسمه "هو"، ولا في مراية، ولا في جواب، ولا في صورة.
بس المشكلة… إن لما بصيت في المراية بعدها…
ما شفتش نفسي.
شفتها.
نفس البنت، نفس ملامحي…
بس واقفة، بتبصلي من جوا المراية، وبتبتسم.
من يومها، وأنا مش متأكدة مين اللي عايشة الحياة دي.
أنا؟
ولا هي؟