رواية مداهنة عشق الفصل الثانى 2 بقلم اسماء ايهاب

 

رواية مداهنة عشق الفصل الثانى بقلم اسماء ايهاب


جلست علي المقعد المجاور لفراش جدها بالمشفي تتنهد براحة و هي تنظر الي هدوء ملامحه المطمئنة بعد ان تم اسعافه و اخبرها الطبيب انه الآن نائم و لا قلق عليه كم حزنت عندما علمت انه لم يتناول ادويته منذ فترة و اهماله بطعامه و اكله لطعام غير صحي بالمرة لقد مر عليها ساعة كادت ان تنهار بها لولا ان ارسل الله لها هذا الشاب الذي اسرع التصرف و حمل جدها الي المشفي لكانت استمرت في تجمدها حتي فارق جدها الحياة تماماً و علي ذكر ذلك الشاب وجدته يدلف الي داخل الغرفة يغلق الهاتف الخاص به بعد ان ابلغ رب عمله بعدم عودته اليوم الي العمل ، تقدم منها مبتسماً حتي وقف جوار الفراش متسائلاً بهدوء عن حالها :
_ بقيتي احسن دلوقتي ؟

اومأت اليه بايجاب و ابتسمت برقة مجيبة عليه بأمتنان :
_ الحمد لله ، شكراً علي اللي عملته بجد 

_ العفو دا واجبي 

اجابها علي الفور و هو ينظر اليها مدققاً خفية بملامحها متظاهراً باللامبالاة ، استمعا الي صوت انين خافت يأتي من السيد نجيب لتهرع آسيا سريعاً اليه تجلس علي عقبيها امام الفراش تمد يدها تمسك بيد السيد نجيب تقبلها بحب قبل ان تنظر اليه هامسة برفق :
_ جدو انت كويس 

رفعت يدها تمسد علي خصلات شعره الابيض بحنان تكمل بالقرب منه حتي يستفيق :
_ جدو انا آسيا

فتح عينه بصعوبة و هو يشعر بالارهاق يغزو جسده بالكامل نظر الي آسيا ثم الي زيدان الواقف يتابع مع يحدث بدقة و الغرفة الغريبة عنه و لا يعلم ماذا حدث له و لا كيف نُقل الي هنا هو فقط يتذكر شعوره بالدوار عدة مرات اليوم و لكنه تمالك نفسه لكن ازداد الامر سوءاً و لم يشعر بشئ بعدها سوا بغيمة سوداء تصحبه معها الي رحلة هادئة مستكينة انتبه الي الواقع علي صوت زيدان الذي اخرجه من أفكاره قائلاً بهدوء :
_ حمد الله علي سلامتك يا حاج 

ابتسم له السيد نجيب بضعف قبل ان يشعر بيد آسيا تمر علي خصلات شعره قائلة بعتاب :
_ كدا يا جدو تخضني عليك ، انا زعلانة منك جدا علي اهمالك في نفسك 

مد يده اليها بارتجاف يمسد علي وجهها بحنان متحدثاً بصوت متعب خافت :
_ متخافيش يا حبيبتي انا كويس

امسكت بيده الذي يضعها علي وجهها تقبلها ثم نهضت بخفة عن الارض تشير الي الخارج قائلة :
_ هروح اقول للدكتور انك فوقت 

ما ان همت بالخروج حتي اشار اليها زيدان بيده ان تتوقف و تقدم هو باتجاه الباب قائلاً بهدوء : 
_ خليكي يا آنسة ، انا هروح اقوله 

خرج من الغرفة تاركاً اياه تنظر في اثره بأعجاب هيئته الرجولية لفتت انتباهها من الوهلة الاولي حين اطمئن قلبها علي السيد نجيب وقتها خطف انفاسها لدقيقة و هو يتحدث مع الطبيب بصوته الرجولي الاجش و ملامحه الوسيمة الجادة و هو يستفسر عن ما حدث له تنهدت بخفة متعجبة من انجذابها اليه بهذا الشكل و كأنها تريده ان يقف امامها لتتأمله فقط دون فعل شئ اخر زفرت بضيق من نفسها من تلك المشاعر التي اختلطت داخلها قبل ان تلتفت الي جدها تسأل عن هوية هذا الشاب الذي اثار فضولها حوله :
_ هو مين دا يا جدو دا هو اللي شالك علي كتفه جابك هنا و مرضاش يمشي و استأذن من شغله النهاردة عشان يفضل معاك في المستشفى 

اجابها الجد ببساطة و هو يغمض عينه بقوة و يفتحها مرة اخري يحاول الاستفاقة :
_ دا زيدان سكنته امبارح في الاوضة اللي فوق السطح بيشتغل دليفري في محل الاكل اللي علي ناصية الشارع 

و ما كادت ان تتحدث من جديد مستفسرة حول المدعو زيدان حتي وجدت صوت الطبيب يأتي من أمام الباب يلقي عليهما السلام بلطف :
_ السلام عليكم 

ردا التحية عليه في حين دلف هو الي الداخل و اخذ يفحص المؤشرات الحيوية للسيد نجيب متحدثاً بلوم و قد نبه عليه العديد من المرات الانتباه الي تعليماته جيداً :
_ اية يا حاج نجيب مش قولنا نهتم بالادوية و الاكل شوية 

تنهد السيد نجيب بثقل و هو يشعر بعدم الرغبة في تناول اي من ادويته مرة اخري لقد مرت سنوات عديدة و هو يعاني من عدة امراض تجعله يتناول ادوية متعددة ليجيب علي الطبيب بضجر :
_ زهقت يا دكتور الواحد طول عمره عايش بين الادوية 

ربت الطبيب علي كتفه بعد ان انتهي من الفحص قائلاً بهدوء :
_ الله يشفيك يا حاج ، بس لازم تاخد ادوية السكر و الضغط بانتظام 

و هذه المرة تدخلت آسيا بالحديث مجيبة علي الطبيب و هي تعقد ذراعيها امام صدرها تنظر الي جدها بتحدي لرفض جدها :
_ متقلقش يا دكتور من النهاردة انا هشرف علي ادويته و اكله 

نظر اليها الطبيب و هو يبتسم مجيباً بمرح :
_ طب انا كدا اطمنت انه مش هيفوت اي دوا ، حمد الله علي سلامتك يا حاج 

انهي جملته و هو يهم بالخروج لتلحق به آسيا علي الفور تريد الاطمئنان بشكل كامل عليه حينها التفت السيد نجيب الي زيدان يبتسم له بأمتنان يهتف بشكر :
_ تسلم يا زيدان علي وقفتك معايا مش عارف اشكرك ازاي

تقدم منه زيدان و هو يبتسم ابتسامة بسيطة لكنها كافية لان تظهر وسامته يربت علي كتفه يشدد من ازره يتحدث بهدوء :
_ متقولش كدا يا حاج دا واجبي و انت زي المرحوم ابويا بالظبط 

ما كاد ان يجيب السيد نجيب عليه حتي دلفت آسيا من جديد الي الداخل تقترب من جدها تجلس علي طرف الفراش تربت علي يده قائلة بهدوء :
_ الدكتور طمني و قالي ينفع تخرج النهاردة 

************************************
صوت تأوه متألم ينب علي كم الآلم الذي يشق قلب صاحبها و لم تكن الا تلك الشابة المتشحة بالسواد تجلس علي فراشها تضم قدميها الي صدرها تحاوط نفسها بذراعيها تنظر امامها بشرود في نقطة معينة دموعها تسيل دون ارادة منها علي وجنتيها رفعت عينها السوداء الكحيلة الي الاعلي تتنفس بعمق حتي يصل الهواء الي رئتيها و تهدئ و لكن ما حدث كان النقيض تماماً حيث انفجرت بالبكاء من جديد تتلطخ بشرتها البرونزية بالحُمرة تغمغم بصوت خافت مرتجف بكلمات غير مفهومة ابداً التفتت برأسها الي وحدة الادراج المجاورة للفراش تتطلع الي هاتفها علي أمل ان يحدثها من تنتظره ارتجفت شفتيها و هي علي حافة البكاء من جديد تمد يدها الي خصلات شعرها السمراء متوسطة الطول ترجعها الي الخلف قبل ان تتحدث بحرقة :
_ لية كدا يا كريم مكنش دا عشمي فيك 

رفعت يدها اليسري تنظر الي تلك الحلقة الذهبية رباط زواجها يمر علي عقلها الكثير و الكثير من المواقف و الاحداث التي جعلتها و بتلقائية تخلع تلك الحلقة عن خنصرها تمسك بها تنظر اليها مطولاً قبل ان تضعها علي وحدة الادراج تنعي نفسها علي ما مرت به ، مررت يدها علي وجهها تمحي دموعها سريعاً حين استمعت الي الباب يُفتح ثم دلفت سيدة في منتصف الثلاثينات من عمرها تنظر الي تلك التي يظهر علي تقاسيم وجهها الألم و يظهر بكائها واضحاً عليها تلوي شفتيها بتهكم قبل ان تغلق الباب خلفها تتقدم منها و هي تتحدث بضيق :
_ و لحد امتي هتفضلي علي الحال دا يا ست رقية 

تنحنحت رُقية تجلي حلقها حتي يخرج حديثها دون حشرجت البكاء تجيبها بهدوء عكس ما بداخلها من ضيق اتجاهها قائلة :
_ و ماله حالي يا مرات خالي مانا كويسة اهو

لوت الاخري شفتيها يمنياً و يساراً قبل ان تتطلع الي ملامحها الباهتة الحزينة قائلة بسخرية :
_ لا ما هو باين يا حبيبتي 

تنهدت رُقية بضيق قبل ان تستند ظهرها علي ظهر الفراش دون الرد عليها لتقترب منها الاخري تربت علي كتفها تردف بهدوء :
_ انتي من يوم طلاقك و انتي علي الحال دا دي عدتك فاضلها اسبوع و تخلص و انتي بردو مستنية البية يحن عليكي و يكلمك 

تساقطت دموعها من جديد و زوجة خالها تلقي عليها الحقيقة التي تعلمها هي جيداً فمنذ ان طلقها زوجها و هي تنتظر فقط مكالمة واحدة منه يخبرها انه يرغب في عودتهما سوياً من جديد لتبتعد عن العيش مع خالها و زوجته التي تبدو غير مرحبة بوجودها و لكنه لم يعيرها اي اهتمام و كأنها لم تكن بحياته يوماً ، همست بتيه و كأنها تحادث نفسها قائلة باختناق :
_ مكنتش متوقعة منه ابداً انه يطلقني و يرميني كدا و انا ذنبي اية بس عشان يلف وشه و كأنه ميعرفنيش 

تأففت زوجة خالها بضيق نادمة علي دخولها الغرفة لمواستها قليلاً حتي تخرج من حالة الحزن تلك و تجعلها تعيش بسلام دون حزن و بكاء طوال الوقت لتربت علي كتفها هذه المرة بقوة حتي تستفيق تلك الحمقاء علي نفسها قائلة بحنق :
_ قومي ياختي اغسلي وشك و فضي المناحة دي مش هتاخدي منها حاجة يلا قومي خلينا نحضر الغدا 

اومأت اليها رُقية دون التعليق علي طريقتها في الحديث بل وقفت عن الفراش و هي تمسح دموعها تتوجه نحو الخارج بخطوات بطيئة مرهقة ، زفرت الاخري بغضب و هي تهب واقفة عن الفراش متوجة سريعاً الي غرفتها تنظر الي زوجها الغارق بالنوم بغيظ قبل ان تتقدم منه تنكزه بكتفه بقوة تنادي بأسمه حتي يستفيق و بالفعل نجحت في ذلك حين انتفض من مضجعه جالساً ينظر اليها متسائلاً بقلق :
_ في اية يا سماح مالك 

تخصرت تلك المدعوة سماح و هي تميل بوقفتها قليلاً نحو اليمين متحدثة بحدة و قد خط الغضب علي وجهها :
_ في ان انا زهقت يا صبري بنت اختك دي مبتزهقش من النكد دي هتدخلي الفقر البيت من كتر نواحها دا 

تنهد صبري و هو يمرر يده علي وجهه حتي يستفيق قائلاً بهدوء :
_ طب اعمل اية يعني يا سماح ما انتي عارفة اللي فيها 

ضربت صدره بقوة حتي تأوه هو بألم قبل ان تتحدث اليه بغل :
_ بقولك اية انت تتصرف و تمشي البت دي من بيتي ياما مش قاعدة فيه يا صبري 

عقد صبر حاجبيه بحدة قائلاً بتساؤل حاد غاضب :
_ يعني اعمل اية ارميها في الشارع ؟ متنسيش انه بيت امها 

نفت برأسها و هي تعيد خصلات شعرها المموج الي الخلف قائلة بحزم :
_ لا ، تجوزها شوفلها اي عريس ياخدها من خلقتي بوز الفقر دي 

زفر بعنف و هو يبتعد عن الفراش يرتدي نعله المنزلي المتواجد جوار الفراش يردف بغضب :
_ لما تبقي تخلص عدتها و يجي عدلها هبقي امشيها يا سماح و عدي يومك علي خير انا مش ناقصك 

خرج من الغرفة صافقاً الباب خلفه بقوة لتصك علي اسنانها بغيظ منه و هي تهز قدمها تنظر في اثره عدة لحظات قبل ان تهز رأسها باستحسان و رضا علي ما فكرت به قائلة بخفوت و توعد :
_ ماشي يا صبري انا همشيها يعني همشيها 

***********************************
عاون السيد نجيب في التسطح علي الفراش بعد عودته من المشفي لتلقي آسيا غطاء خفيف علي جسد جدها و تطمئن علي راحته تراجع زيدان الي الخلف خطوة يتابع تحركاتها الرشيقة بالغرفة حتي وصلت امامه بالضبط و هي تمسك بالعلاج المخصص لجدها لترفع عينها البنية تنظر اليه تتفحص ملامح وجهه بدقة و لم يُخفي عنه نظرة الاعجاب بعينها قبل ان تتحدث اليه بصوتها المميز قائلة :
_ شكراً يا زيدان تعبناك معانا 

نظر زيدان الي السيد نجيب متهرباً من نظرتها له دون خجل قائلاً بهدوء :
_ العفو علي اية ، اي حاجة تطلبها يا حاج انا موجود ، حمد الله علي سلامتك 

القي عليهما السلام و هو يلتفت مغادراً الغرفة بل و الشقة كاملة الا انها اوقفته تنادي بأسمه قبل ان يبلغ باب الشقة بعد ان اسرعت تلحق به التفت اليها متسائلاً عما تريد لتبتسم ابتسامة رقيقة جعلته يصب كامل تركيزه عليها قبل ان تنظر الي ملابسه التي تذكرت منها هوية عمله ليكون هناك مجال لحديث اخر بينهما :
_ ممكن لو سمحت لو جدو طلب من المحل اي اكل دسم تبلغني 

لم تنتظر اجابته بل مدت يدها له تتحدث بجدية :
_ هات فونك

عقد حاجبيه بتعجب من طلبها و لكنها لم تهتم كثيراً بالتفسير و هي تراه يخرج هاتفه من جيب بنطاله يدسه بيدها يراقب بفضول ما تفعل ليجدها تضغط علي عدة ارقام ثم قامت بمهاتفة الرقم ليصدح صوت هاتفها من داخل الغرفة لتبتسم و هي تغلق الهاتف تمده له من جديد قائلة :
_ كدا بقي معاك رقمي و معايا رقمك عشان لو احتاجتك 

اخذ منها الهاتف و هو يتعجب تصرفاتها المريحة مع شخص لا تعرفه ليهز رأسه بايجاب مؤكداً علي فعل ما رغبت به ثم فتح باب الشقة يسرع الي الاعلي مفكراً في الامر برمته قبل ان تغلق هي الباب تبتسم باتساع و قد اعجبها شعورها بارتباكه هذا ضحكت بخفة و هي تتذكر نظرته الاخيرة لها قبل صعوده لتبعد خصلات شعرها الي الخلف بغرور تهمس :
_ المشكلة انك عجبتني يا زيزو و الله 

دلفت الي غرفة جدها تجلس الي جواره تربت علي كتفه متسائلة عن أحواله الآن و قد أجابها برضا حامداً لله علي جميع عطاياه لتتنهد بارتياح قبل ان تبلغه بقرارها التي اخذته حين رأته يركد بالأرض من غير حول منه و لا قوة :
_ انا مش هسيبك تاني اصلا يا جدو هروح شغلي و ارجع اقعد معاك 

ابتسم لها السيد نجيب بسمة ضعيفة قبل ان يخبرها بهدوء و لا يرغب في إزعاجها من اجله :
_ متتعبيش نفسك يا حبيبتي الشركة بتاعتكم بعيدة عن هنا كتير مشوار عليكي كل يوم 

توترت آسيا و ظهر هذا جلياً علي صفحة وجهها الفاتن و قد تناست تماماً أن جدها لا يعلم شئ عن عملها بالازياء متقبلاً عملها هي و شقيقتها في الشركة الخاصة بوالدهن بعد ان اورثها لهن لتجيب بارتباك و هي لا تنظر الي عينه قائلة :
_ و لا مشوار و لا حاجة يا جدو المهم اني هفضل جنبك 

ليباغتها بسؤاله التالي متسائلاً عن مواعيد عملها :
_ هو انتي و اسيل شغلكم مواعيده اية 

شعرت بارتفاع توترها و هي تعلم ان جدها لن يسمح لها بممارسة تلك المهنة ابداً لكنها حاولت الثبات كعادتها قائلة :
_ مواعيده مش ثابتة يا جدو يعني وقت ما يكون في حاجة مهمة بنفضل هناك لمتأخر 

ابتسم لها بحنو و هو يربت علي يدها برفق قائلاً بتمني :
_ ربنا يقويكم يا بنتي 

اتسعت ابتسامتها و قد ذهب توترها مجرد ان ذهب هذا الموقف لتنحني تقبل جبهته و هي تجيبه قائلة :
_ يارب يا جدو ، نام بقي شوية و ارتاح علي ما احاول اعملك حاجة خفيفة تاكلها 

خرجت من الغرفة سريعاً و ما ان اغلقت الباب خلفها حتي زفرت بارتياح فقد كادت ان تخبر جدها ان عمل الازياء ليس له اي ميعاد ثابت او ايام ثابتة ترجو من الله ان تمر هذه الايام بهدوء و لا يكشف جدها امرها فهو رافضاً تماماً لهذا المهنة و قد حاولت اقناعه سابقاً بحبها و شغفها بالازياء الا ان رده كان صارماً لا نقاش بعده انها ان فعلت سوف يتبرأ منها و لا يريد رؤيتها مرة اخري لذلك اضطرت ان تخفي هذا عنه مستغلة عدم اهتمامه بهذا المجال عقصت شعرها الي الاعلي و هي تدلف الي المطبخ تمتم بقلق :
_ ربنا يستر و يعدي الايام دي علي خير 

************************************
اغلقت جهازها اللوحي بعد ان انتهت من عملها عليه تزامناً مع دخول زوجها الغرفة يحمل بيده باقة من الزهور البيضاء التي تفضلها ابتسمت باتساع و هو يجلس بجوارها يمد يده لها بتلك الباقة الراقية لتأخذها منه بحب ثم تميل تقبل وجنته بعمق ليضمها اليه محاوطاً خصرها بذراعه مستكينة هي بين ذراعيه لدقائق ككل يوم قبل ان يبتعد هو قليلاً الي الخلف ينظر اليها قائلاً بحب :
_ وحشتيني 

التمعت عينيها الخضراء بسعادة و هي تمرر يدها علي وجنته بلطف تجيبه عن مدي اشتياقها له ايضاً قبل ان تحتضن ذراعه اليها تهتف بصوت خافت مُحب :
_ انا بحبك اوي يا فارس ربنا يخليك ليا 

ابتسم مقبلاً جبهتها قبل ان يقف عن الفراش يعبث قليلاً بالهاتف حتي صدح صوت موسيقي هادئة رقيقة بالارجاء ليتقدم الي جوارها يمد يده لها قائلاً :
_ نرقص 

ابتسمت و هي تضع يدها داخل كف يده الممتد لها مجيبة عليه بسعادة :
_ اكيد 

حاوطها بين ذراعيه يحتضنها برفق يتمايل معها علي نغمات الموسيقي في هدوء تبتسم له برقة مستمتعة بقربه المحبب لقلبها المتيم به و استمر الحال دقائق حتي هتفت هي متسائلة بلطف حين قفز الي عقلها فجأة أحوال عمله الغير مستقرة حالياً :
_ اية اخبار شغلك حليت موضوع الفلوس اللي اتسرقت 

ابتسم لها و هو يميل يقبل وجنتها اليسري مجيباً بهدوء لا يريد ان تشغل عقلها بمثل تلك الامور في هذا الوقت الهادئ بينهما :
_ متشغليش دماغك الحلوة دي بالحاجات دي انا هحل كل حاجة ان شاء الله يا حبيبتي 

شدد من احتضانه لها يهمس بجانب اذنها بحب :
_ خليكي معايا و بس انا مش محتاج غيرك جنبي اليومين دول 

مررت يدها علي خصلات شعره الناعمة من الخلف تستند برأسها علي كتفه و هي تجيبه بصدق :
_ انا جنبك علي طول يا حبيبي و ارجوك لو محتاج حاجة متترددش تقولي و اي حاجة تحت رجلك 

تنهد فارس بقوة قبل ان يبعدها عنه قليلاً ليري وجهها الفاتن ثم رفع يده يمرر انامله بهدوء علي بشرتها متحدثاً بجدية :
_ مش اتفقنا كل واحد يخليه في شغله و مش عايزك تتكلمي معايا في اي فلوس 

استشعرت الضيق بمعالم وجه لتسرع في القول بهدوء و هي تمرر يدها علي ذراعه برفق :
_ حاضر يا حبيبي بس انت متضايقش انا بس عايزك تخرج من الازمة دي 

امسك بمشبك شعرها يبعده عن إمساكه لخصلاتها لتنسدل علي طول ظهرها بانسيابية ليمرر يده علي خصلات شعرها بلطف قائلاً :
_ متقلقيش يا حبيبتي كله محلول ان شاء الله 

ابتسمت بحب و هي تجده يمسك بيدها يجعلها تدور حول نفسها ثم تعود بين ذراعيه من جديد يحتضنها يتمايل معها من جديد يهمس لها بالامتنان لوجودها الي جواره

************************************
كان "قاسم" يسير في الاتجاه المعاكس لمنزله بعد ان اطمئن علي والدته و طمئن قلبها الملتاع علي شقيقه "عدي" يخبرها انه سيعود الي المنزل و الي حياته في القريب العاجل ان شاء الله ليقرر العودة من جديد الي عمله حتي لا يتأخر اكثر من ذلك و بخطوات قوية و واثقة اكمل الطريق راغبة في السير علي قدميه ليشعر ببعض الراحة من تلك الأعباء التي تصر علي ارهاقه استنشق الهواء و هو يطمئن نفسه هو الاخر ان كل شئ سيكون علي ما يرام في وقتاً ما عسي ان يعجله الله قريباً و في ظل حديثه السري في نفسه ليدعم نفسه شعر بأحد يسير خلفه خطوةً بخطوة اكمل سيره بثبات حتي لا يشعر به من خلفه و علي حين غرة سحب سلاحه الناري من خصره و التفت سريعاً يوجه السلاح الي رأس الشخص المتواجد خلفه الذي صُدم مما حدث في لحظات فقط تجمد عن الحركة بارتباك حين سحب قاسم صمام الامان مستعداً لاطلاق النار ثم هدر بصوت قوي غاضب :
_ انت تبع مين يالا و ماشي ورايا لية ؟

ابتلع الاخر لعابه بخوف حين شعر بالخطر انه من الممكن ان يطلق عليه الرصاص في اي لحظة ليمد يده ليصل الي سلاحه المخبئ بملابسه و لكن لم يقدر علي تخطي سرعة بديهة قاسم الذي افطن ما سيفعله ليسرع هو منتزعاً السلاح منه عنوة و ضغط بسلاحه علي رأسه يردف بحدة :
_ مش عليا انا يا روح امك ، تبع مين انطق 

صمت الاخر و لم يجيب أيضاً و كأنه ابتلع لسانه غير قادر علي التحدث ليبتسم قاسم بخبث و هو يضع السلاح الاخر بخصره ثم جذب خصلات شعره الطويلة بقوة حتي صدر عنه تأوه متألم و لم يهتم بل جذبه اقوي من السابق يدفعه ليسير امامه قائلاً :
_ حلو اوي ، في القسم الكل بينطق 

و عند هذه الجملة التي تؤكد انه سيزج به بالسجن تشبث بالارض كالاطفال و هتف بتوسل يحاول الفكاك من بين براثن قاسم :
_ بلاش القسم يا باشا الله يخليك انا عبد المأمور 

همهم قاسم و هو يحاوط رقبته بذراعه يقربه منه بعنف متسائلاً :
_ قولت تبع مين بقي يا كوكو 

نظر اليه ذلك الرجل بخوف من البوح بأسم سيده ليضغط قاسم علي رقبته اكثر بتهديد و عينه التي تبرق بشكل مرعب يشير بها نحو الطريق بتحذير ان لم ينطق سيكون الطريق الي القسم اقرب له ليهتف الاخر سريعاً دون تفكير لينجو بنفسه و تحترق باقي السفينة :
_ طارق النجار 

صمت قاسم و ارتفع جانب شفتيه بسخرية واضحة فقد كان يتوقع هذا الاسم بالتحديد لينظر الي الرجل قائلاً بتهكم :
_ عمره ما اختار رجالة تخصص بهايم بس ، اسمك اية ياض 

ابتلع الرجل الاهانة و اجابه بهدوء يفصح عن اسمه :
_ السعيد 

همهم قاسم و هو يسير بهدوء جاذباً السعيد معه ثم هتف متسائلاً بمكر :
_ و انت بقي بتحب طارق باشا اكتر و لا نفسك اكتر يا ابو السعود

توقف قاسم بعد الانتهاء من سؤاله ينظر اليه و يري ردة فعله و لكنه لم يجد سوا البلاهة المرتسمة علي ملامحه تنبه انه لم يفهم قصده من هذا السؤال ليفسر له من جديد واضعاً يده علي كتفه يطرق عليه بحدة :
_ يعني تبقي معايا و لا مع ناصر مصلحة في التخشيبة و هبقي كريم معاك و هلبسك قضية تعاطي بس 

اتسعت عينه بخوف و تمسك بيد قاسم بتلقائية في توسل فعلي منه قائلاً بلهفة :
_ معاك يا باشا طبعاً معاك بس بلاش التخشبية 

ابتسم قاسم لوصوله الي ما اراد بالضبط و هو يبعد يد السعيد عنه قائلاً :
_ جدع يا كوكو ، جدع 

_ الو يا باشا ، انا السعيد 

هتف بها السعيد و هو يتحدث بالهاتف برئيسه بالعمل كما امره قاسم ان يفعل و الذي يقف يتابع الحديث بهدوء و استمع الي صوت "طارق" بمكبر الصوت حين نطق متسائلاً بلهفة :
_ طمني يا سعيد نفذت 

ابتلع السعيد ريقه بتوتر و هو ينظر الي قاسم الذي اشار له بعينه ان يكمل حديثه و ينفذ ما اتفقا عليه ليتنفس بقوة قبل ان يتحدث بجدية الي الطرف الاخر قائلاً :
_ نفذت يا باشا و دفنته في مكان محدش يعرف يلاقيه 

************************************
في هدوء الليل و ظلمته و سكون اناس الارض خرج ذلك الرجل الاصلع فارع الطول من سيارته بعد ان اوقفها امام الباب الخلفي للبناية المعنية راقب الاجواء ينظر يميناً و يساراً قبل ان يصعد تلك البناية بخطوات سريعة حتي وقف يلتقط انفاسه امام الباب و مد يده يقرع الجرس و ما هي الا ثواني حتي ظهر ناجي من خلف الباب و الذي ابتسم باتساع ما ان رأي الطارق ليزيح نفسه عن الباب يفسح الطريق له قائلاً بابتهاج :
_ اتفضل يا دكتور دا انا مستنيك من بدري 

دلف ذاك الطبيب الي الداخل يتجول بعينه في ارجاء الشقة قبل ان يهتف بتساؤل ملتفتاً الي ناجي المنشغل بغلق الباب جيداً :
_ اومال هو فين ؟

ابتسم ناجي بخبث و هو يشير بيده نحو احدي الغرفة المقابلة لهما قائلاً :
_ في الاوضة دي اديتله منوم علي ما تيجي 

أومأ اليه الاخري يتقدم الي داخل الغرفة و قد فتح بابها ليجد ذلك الشاب اليافع في مقتبل عمره ينام بسلام علي الفراش بفعل المخدر الذي حُقن به منذ قليل لا يشعر بما حوله ليتقدم حتي يجلس جواره يضع يده علي عنقه موضع العرق النابض متفحصاً سلامته قبل ان يرفع رأسه الي ناجي المراقب بهدوء قائلاً :
_ التحليل طلعت زي الفل جهز الاوضة اللي هنعمل فيها العملية زي كل مرة 

اسرع ناجي يجيبه بلهفة و هو يشير بيده نحو الخارج :
_ جاهزة من بدري يا دكتور و الدكتور مهدي و معاه ممرض موجودين جوا

وقف الطبيب من جديد يتوجه نحو الباب قائلاً بجدية :
_ هات الواد دا و تعالي ورايا 

خرج الطبيب من الغرفة في حين حمل ناجي ذاك الشاب علي كتفه متوجهاً الي الغرفة المخصصة لتلك الأعمال الغير قانونية و التي لا تمت للانسانية بصلة لذلك المسمي المهني السامي 

تعليقات



×