رواية كحك العيد الفصل الثانى 2 بقلم سمر ابراهيم

 

رواية كحك العيد الفصل الثانى بقلم سمر ابراهيم



-  ما تيجي تلعب معايا يا أحمد


نظر إليها ببراءة وعقب بحنان أخوي:


-  بس أني عايز أروح ألعب كورة في الشارع وانتي مينفعش تلعبي مع الصبيان لحسن مرات عمي تضربك.


حركت كتفيها لأعلى ولأسفل وهي تتحدث بلامبالاة:


-  أني ماليش دعوة أني عايزة ألعب معاك تعالى العب معايا الأولى ولا السبع طوبات  مش لازم كورة.


ابتسم لها بحب معقبًا على حديثها وهو يومئ لها بإيجاب:


-  طب تعالي هلعب معاكي حبة صغيرة وبعدين اطلع ألعب مع العيال في الشارع ماشي.


ابتسمت باتساع وهي تمسك بيده ليتجها نحو بهو المنزل الذي اعتادا اللعب به وسط نظرات امهاتهما السعيدة لتتحدثتا لبعضهما البعض بابتسامة وإحداهما تميل على الأخرى:


-  شوفتي البت بنتك يا بت يا سعاد بترسم عالواد من دلوقتي مبتلعبش إلا معاه.


قهقهت الأخرى وهي تعقب دون أن تحيد بنظرها عن طفلتها التي تلعب بمرح:


- وماله يا بدرية و احنا نطول يختي دا احمد ديه حبيب قلبي وابني البكري اللي مخلفتوش ربنا يجعلهم نصيب في بعض لما يكبروا.


- يارب


كان ذلك تعقيب بدرية قبل أن تستأنف حديثها بجدية:


-  طب همي بينا ندخل نشوف اللي ورانا معادش وقت عالمغرب.


أومأت لها بإيجاب وهي تتحرك معها معقبة بسخط:


-  على قولك يلا بينا لحسن الشغل فوق بعضه شوفتي البت وهيبة والمقلب اللي عملته فينا:


عقدت حاجبيها بعدم فهم وهي تعقب باستفهام:


-  عملت إيه المزغودة دي؟


أجابتها وهي تلوي فمها بعدم رضا:


- البت يختي جت وقعدت تتحايل عليا تشتغل عندنا شغل داخلة العيد ولما وافقت قعدت تتمرقع ومش عايزة تعمل حاجة وكل شوية أقفشها قاعدة قدام التليفزيون لحد ما زهقت وكرشتها.


- مني قولتلك قبل كدا البت دي مش بتاعة شغل قولتيلي غلبانة الغلبان يختي يسعى على أكل عيشه إنما دي أكل ومرعى وقلة صنعة.


صدقت على حديثها معقبة:


- عندك حق بس أني قولت غلبانة وعايزة تاكل عيش واحنا في أيام مفترجة وكنت ناوية والنية لله أجيب هدوم العيد لبنتها واديها اللي فيه النصيب بس أهي قطعت برزقها.


- معلش كله عند الله واللي كنتي ناوي تديهولها اديهولها لله احنا في أيام مفترجة.


قالت ذلك وهي تربت على كتفها لتستجيب الأخرى فحركت رأسها بموافقة وهي تبتسم لها مقتنعة بحديثها فما نوت أن تفعله ابتغاء مرضات الله لا ينبغي أن تتراجع عنه. 


❈-❈-❈


باليوم التالي


تقف سعاد أمام المنزل تتلفت يمينا ويسارًا بقلق حتى رأت أحمد قادم من بعيد فنادت عليه بصوت مرتفع ليهرول نحوها وحدثها بلهاث:


- نعم يا مرات عمي.


- مشوفتش هبة يا احمد قالتلي إنها هتلعب قدام الدار وطلعت أناديها مش لاقياها.


كانت تحدثه وهي تتلفت حولها باحثة بيعينيها عن طفلتها الصغيرة ولكن ما سمعته منه جعل الدماء تتجمد بعروقها:


-  شوفتها يا مرات عمي كانت ماشية مع واحدة في آخر الشارع ولما ناديت عليها مسمعتنيش جريت علشان أشوفها  رايحة فين بس ملحقتهاش وجيت جري عشان أسألك انتي باعتاها مع حد ولا إيه.


ضربت بكفها على صدرها فور سماعها لحديثه وتحدثت بزعر وهي تتجه نحو الطريق الذي أشار إليه:


-  مين الولية دي يا واد تعرفها تعالى وريني مشيوا منين.


أجابها وهو يهرول معها:


-  معرفش مين أني شوفتها من ضهرها ولما جريت ملقتهومش فص ملح وداب.


بحثت عنها في كل مكان بلا فائدة ومع مرور الوقت وانتشار خبر فقدها اجتمع معظم أهل القرية وأخذوا يبحثون عنها وتعالت أصوات مكبرات الصوت في جميع مساجد القرية يرددون نفس الجملة:


-  يا أهالي البلد عيلة صغيرة تايهة لابسة جلابية منقوشة عليها ورد صغير اللي يلاقيها يوديها دار الحاج عبد العظيم السخاوي.


كانت تستمع لصوت المكبرات وعقلها يرفض تصديق ذلك طفلتها الصغيرة فلذة كبدها التي لم تتجاوز عامها السادس بعد لا تجدها وكأن الأرض قد انشقت وابتلعتها دموعها تغرق وجهها وهي تسأل عنها كل من تجده أمامها تهرول في كل مكان نبحث عنها دول كلل أو ملل ولكن دون فائدة كان الوقت يمر الساعة تلو الأخرى ولا جديد يذكر حل الظلام وبدأ أهل القرية يكثفون البحث أكثر حاملين بيدهم مصابيح الإنارة الزجاجية التي تعمل بالكيروسين والكحول فيما يعرف باللغة الدارجة باسم "الكلوب" والتي كانت منتشرة في ذلك الوقت.


يجوبون الشوارع وعلى رأسهم والدها وأعمامها ينادون باسمها بصوت مرتفع على أمل أن تجيبهم ولكن دون فائدة حتى أصابهم الإحباط وعاد كل إلى منزله قرب آذان الفجر على أن يستأنفوا البحث عنها في الصباح الباكر.


كان المنزل يعج بالنساء اللائي أتين لمواساة سعاد وباقي نساء المنزل في مصابهن لتتقدم وهيبة من سعاد بعينين ممتلئتين بالدموع وحدثتها بصوت مختنق بالبكاء وهي تربت على كتفها بمؤازرة:


-  متعيطيش يا ست سعاد هتظهر بإذن المولى أني حاسة إن الرجالة هتهل علينا دلوقتي وهي معاهم هتروح فين يعني دي البلد كلها على بعضها كام شارع ومنفدين على بعض.


عقبت برجاء من بين بكائها:


- يارب يا وهيبة يارب يسمع منك ربنا.


- إن شاء الله يا ست، متأخذنيش هسيبكم أني دلوقتي وامشي الفجر قرب يدن وإن شاء الله من النجمة هتلاقيني عندك وتكون البشارة جت والبت رجعت بالسلامة.


أومأت لها معقبة بتفهم:


-  يارب، يارب، ماشي يا حبيبتي روحي انتي معانا من ساعتها.


انصرفت بالفعل ومعها معظم النساء لتبدأ سعاد وصلة بكاء جديدة دون توقف ليشاركها البكاء جميع من بالمكان فكل الدلائل تقول بأن الطفلة ذهبت بلا رجعة.


❈-❈-❈


ومع ساعات الصباح الأولى بدأت خيوط الفجر في التسلل برفق من خلف الأفق، كأنها أنامل ضوءٍ تمتد لتزيح ستائر الليل الثقيلة، يتلاشى الظلام شيئًا فشيئًا كذكرى عابرة، تنساب أشعة الشمس الأولى، ذهبيةً دافئة، فتلامس أطراف الكون بخفة، تهمس للنجوم بالرحيل، وتبعث الحياة في الأرض النائمة، كأنها رسالة أمل، تخبرنا أن النور دائمًا ينتصر، وأن كل ليل مهما طال، لا بد أن يفسح الطريق لفجر جديد، ترى على سيأتي اليوم الجديد بأخبار سارة؟ أم أن للقدر رأي آخر.


خرجت من منزلها قبل شروق الشمس تتلمس طريقها بغية الذهاب لعملها مبكرًا حتى يتسنى لها قضاء أكبر وقت ممكن لتحصل على أجر مضاعف تستطيع أن تسد به جوع أطفالها الصغار فلقد اقترب العيد ولم تأتي لهم بشيء جديد بعد ولا تريد لهم أن يكونوا أقل من أحد.


طريق موحش خالي من المارة فمازال أهل القرية نائمون خاصة وأن الجميع كانوا يبحثون عن الطفلة الغائبة حتى بضع سويعات قليلة مضت.


كانت تسير بمحاذاة قناة مائية صغيرة تستخدم لري الأراضي الزراعية فيما تعرف باللغة الدارجة باسم "ترعة" ولكنها في مثل ذلك الوقت من العام يكون منسوب المياه بها منخفض فيستطيع المارة أن يرون قاعها بسهولة ليلفت نظرها جوال كبير كالذي يستعمل في تخزين الدقيق ملقى في وسط القناة وبتدقيق النظر وجدته مفتوحًا لتظهر منه قدم بشرية.


جحظت عينيها وتلجم لسانها لبضع ثواني قبل أن تنطلق صرخاتها لتملأ الأرجاء فسمعها جميع السكان المحيطين بالمكان، خرجوا من فورهم عند سماعهم لصوت ذلك الصراخ المرتفع وفور وصول الأهالي إليها وجدوها تشير بيدها نحو الجوال وهي تصرخ فأصاب الجميع حالة من الذهول فور تيقنهم ما الذي يوجد بداخله ليبادر أحدهم ونزل ليخرجه من المياه الضحلة ليعم الصمت فور رؤيتهم ما بداخله وتيقنهم من أنها جثة الفتاة الغائبة لتكون الجريمة الأولى من نوعها التي تحدث في هذه القرية المسالمة.

الفصل الثالث من هنا

تعليقات



×