رواية فاما اليتيم فلا تقهر الفصل الثاني
تحمل خطاب مسؤولية روح وأخذها كابنه له وراعي الله فيها وقام بتربيتها هو وزوجته علي الاخلاق الحميدة غارسًا فيها كل القيم والمثل الدينية العاليه
الي إن مرت ست سنوات
كبرت "روح" وأصبحت تلميذةً في الصف الأول الابتدائي، بينما "بهاء" شارف على نهاية المرحلة الابتدائية في الصف السادس، وكانا معًا في نفس المدرسة.
أوكلت الأم إلى ابنها مسؤولية إيصال أخته الصغيرة إلى المدرسة وإعادتها، معتبرة إياه جديرًا بالثقة.
في البداية، سُرّ بها بهاء؛ كانت جميلة، هادئة الملامح، وديعة الطبع، لدرجة أن أصدقاءه انجذبوا إليه بسببها. لكنّ إعجابهم بها أشعل في صدره نار الغيرة والحقد، إذ شعر أنها السبب في توددهم له، لا هو. ومن هنا بدأ ينفر منها، يرفض مرافقتها إلى المدرسة، ويُلحّ على والديه أن يُعفياه من هذه المسؤولية.
لكن الأم كانت حازمة، والأب لم يُصغِ لاعتراضاته، فازداد حنقه عليها.
وفي أحد الأيام، لم يُخبر والدته أنه سيتأخر في دروسه، متعمدًا أن تضطر أخته للانتظار طويلاً، علّها تملّ وتطلب بنفسها أن تتوقف عن الذهاب معه.
وبالفعل، خرجت "روح" من فصلها كالمعتاد، وانتظرت طويلاً، لكنها لم تجده.
يئست، واغرورقت عيناها بالبكاء. ظنّت أنه تركها عمدًا.
وببراءة مؤلمة، قررت العودة إلى المنزل وحدها، سارت بخطى مترددة على الطريق الذي تعودت أن تسلكه معه، لكنها ضلّت السبيل، ووقفت في مفترق طرق تبكي، لا تدري إلى أين تذهب!
أما "بهاء"، فقد خرج من دروسه سعيدًا، متوقعا أن انتقامه نجح، لكن لمّا لم يجدها في مكانها المعتاد عند الباب، ارتبك. اقترب من البوّاب وسأله:
عم مسعود، هي روح فين؟"
أجاب الرجل وهو يتلفّت:
استغفر الله العظيم، كانت هنا من شوية، كانت بتعيط، قولتلها تصبري، أكيد امك جاية تاخدها، سبتها ودخلت أعمل كوباية شاي، معرفش راحت فين!"
شحب وجه "بهاء"، وسرت في قلبه رعشة الخوف.
أصبح بين خيارين: إما أن يعود إلى المنزل ويأمل أنها سبقته، أو يبدأ رحلة بحث لا يعرف مداها.
اقترب منه زميله "صلاح" وسأله:
مالك واقف كده؟ مش هتروح؟"
ردّ بهاء بشرود:
أروح إزاي وروح مشيت لوحدها ، يمكن تكون تايهة دلوقتي وخايفه... أعمل إيه يا صلاح؟"
حدق به صديقه وعاد وساله:
يعني إيه تايهة؟ مامتك مجتش خادتها؟"
هزّ رأسه بالنفي، فأقترح عليه صلاح أن يعود إلى البيت أولاً، قائلًا:
يمكن تكون روحت ما بقالها كذا شهر جاية ورايحه معاك، اكيد حفظت الطريق وتقدر تروح لوحدها
اخذ بهاء نفس عميق وفكر مليا وقال:
تصدق ممكن طيب تعالي معايا نشوف كده يمكن فعلا روحت، بس عايز منك خدمه، عرف ماما اننا اتاخرنا غصب عنا من غير من نعرف،
لانها ممكن تزعل مني وتعاقبني لو عرفت اني كنت عارفه بتاخيري ومبلغتهاش تجي تاخدها،
وافقه صديقه علي مرافقته وتقديم الخدمه له حتي لا يعاقب من والدته علي اجبار اخته للذهاب وحدها ذهب الاثنان سويا الي البيت علي امل ان روح سبقتهم كم كانا يتمنا ،
دلف بهاء من الباب بصحبة صديقه فسمع امه تحدثه من المطبخ بعدما سالت من الذي حضر، فأجابها بانه بهاء فردت عليه بهدوء طمئن قلبه:
طيب ادخل علي الحمام، اتوضي وصلي ، علي ما تخلص صلي أكون جهزت الاكل
سكتت بعدها دون السؤال عن روح فاطمن قلبه بأنها عادت الي البيت سالمة، تنهد براحه وابتسم لصديقه وقال بمرح:
تجي تصلي معايا ولا هتروح
هز صديقه راسه بالرفض وقبل ان يغادر سمع امه تساله وهي مازالت بالمطبخ:
هي روح فين يا بهاء كل ده لسه طالعه السلم
الجمته الصدمه ولم يتسطيع الرد عليها، استغربت ابتسام صمته وخرجت اليه تساله:
فين روح يا بهاء، شكلك زعلته وسايبها تطلع لوحده، زي كل يوم، والله يا بهاء ليجي يوم وتندم علي عمايلك معاها، انزل هات اختي يلا...
تجمّد "بهاء" مكانه، وعجز عن الإجابة. سالت أمه مستغربة صمته، وحين رأته ينظر إلى صلاح بذهول، انتفضت سائلة بهلع:
فين أختك يا بهاء؟ انطق! لا أطلع روحك! فين روح؟"
لم يجرؤ على الكلام، وركض إلى الخارج ليبدأ رحلة بحثً محمومًا.
تبعته الأم بعينين دامعتين، وقال "صلاح" بلطف:
ـ "خالتي، بهاء ملوش ذنب. لما خرجنا ملقاش روح، حسب إنها روحت لوحدها ووصلت بالسلامه، لكن الزاهر انها موصلتش عن إذنك، هروح أساعده بهاء أدور عليها."
وقفت "ابتسام" مذهولة، تتردد في عقلها كلمات "روح فين روح راحت
ثم، فجأة، صرخت بلوعة:
بنتي! بنتي ضاعت! يا ضنايا، راحتي فين يا نور عيني؟!"
أفاق الأب "خطاب" على صوت زوجته، وخرج "إيهاب" من غرفته قلقًا:
ـماما؟ مالها روح؟ فين؟"
أجابت وهي تلطم وجهها:
البنت ضاعت، كانت بتستنى أخوك، لما اتأخر عليها مشيت لوحدها! ياحسرة قلبي عليك يا ضنايا روحتي فين يا قلب امك ونور عينها، اه يا بنتي
ضمّها زوجها وربّت على كتفها:
اهدي يا ابتسام، هنلاقيها إن شاء الله. قومي البسي، أنا وإيهاب هننزل ندور عليها."
وهكذا، نزل الثلاثة يبحثون عنها بقلق ولهفه وخوف
أما "بهاء"، فقد أخذ يجوب الشوارع المجاورة، يبكي بحرقة. الندم يعصر قلبه، يتذكّر كم كانت أخته تحبّه وتطيعه رغم قسوته.
قادته قدماه إلى مسجد صغير... وهناك، وجدها.
كانت نائمة عند مدخله، ملامحها مرهقة، وجهها مبلّل بدموعٍ جفّت من شدّة التعب.
اقترب منها، جلس على ركبتيه، وربّت على شعرها.
فتحت عينيها، وما إن رأته حتى ارتمت عليه تبكي:
ـ "كنت فين يا بهاء؟ ليه سبتني؟ زعلتك في إيه؟ لو مش عايزني أروح المدرسة معاك خلاص، مش هروح... بس رجّعني لماما."
ضمّ يديها إلى صدره، وقال بصدقٍ ودموع:
أنا اللي غلطت يا روح... سامحيني، ومش هزعلك تاني، وهفضل جمبك على طول. تعالي نرجع لماما، قلبها هيطير عليكي."
ضحكت روح وحضنت يدها الممسكه بها وقالت:
انت احلي بهاء في الدنيا، ربنا ما يحرمني منك انت واخويا ايهاب وبابا خطاب وماما ابتسام
ضحك بهاء وسالها باستغراب:
يعني ايهاب اخوكي وانا لاء ولا علشان بيجيب ليكي شكولاته، انا كمان هجيبلك كل الحاجات الحلوة اللي بتحبيها، بس تحبيني زي ايهاب ومتزعليش مني
هزت راسها برفض ومالت براسها علي يده وقالت:
انا مش عايزه منك اي حاجه علشان احبك، انا بحبك أكتر من أي حد... حتى من بابا وماما. لكن إيهاب أخويا، بس إنت... إنت حبيبي!"
نظر اليه باستغراب لكلامها الذي يسبق سنها، فكيف تحمل كل له هذا الحب له وهو يعاملها بكل هذه القسوة ولا يطيق مرافقتها فقال لها غاضبًا علي نفسه:
ايوه بحبك يا روح والنهاردة بس اتاكدت اني بحبك وعمري ما اقدر استغني عنك،
اوعديني يا روح متسبنيش حتي لو زعلتك هيكون غصب عني، استحمليني وانا هرجع واصالحك بس اوعي تسبيني اتفقنا
ابتسمت وهزت راسها بالموافقة وجذبت يدها وقبلته من خدها وقالت بمرح وفرحه تتراقص بداخلها:
عمري ماهسيبك حتي لو انت سبتيني يا بهاء، يلا بقي نروح لماما علشان وحشتني
اخذ يدها وعاد الي البيت، فرأي امه تبكي بحرقه ما ان وقعت عيناها عليها تحول بكاءها الي زغاريد وسعادة وفرحه لا توصف وضمتها الي قلبها وقالت:
قلب امك يا روح سامحيني لو قصرت معاكي كان واحب عليا اجيلك المدرسة لما اتاخرت، لكن خلاص مش هتتكرر تاني، ويشهد عليا ربنا من النهاردة ما هخلي حاجه تحرمني منك الا الموت يا بنت الغالية
ربت خطاب علي كتفها واخذها منها وقال:
روح بقت هي روح البيت لو خرجت منه كل اللي فيه مش هيعرفو يعيشو، علشان كده بأذن الله، لما تكبر
هنجوزها لواحد من العيال، يا إما إيهاب، يا إما بهاء... إيه رأيك؟"
ابتسمت زوجته وردت عليه بسعادة:
عين العقل يا خويا، بس هي تختار بمزاجه مش هنفرض عليها ها يا روح تحبي تتجوزي مين قيهم
نظرت "روح" إلى بهاء، ثم نكّست رأسها وقالت:
ـ "أنا بحب إيهاب... وبحب بهاء أووي... علشان كده هتجوز الاتنين!"
ضحك الابوين وقال ايهاب:
يا مفترية الراجل بيتجوز واحدة بالعافية وانت عايزه تتجوزينا احنا الاتنين عمتنا الكلام ده لسه عليه كتير اوي، لما تكبري مشاعرك هتحركك وقلبك هو اللي هيختار ويارب يكون اختيارك صح
رمقها بهاء بضيق وقال:
تختار او لاء انا مش عايزها، خليها ليك حبو في بعض من دلوقتي علشان تختار صح
عن اذنكم هدخل اصلي المغرب قبل ما يروح عليا هو كمان زي العصر
تركهم بهاء ودخل عرفته بغير ثياب المدرسة وحدث نفسه بضيق :
الغبية اقولها متشبنيش تقول اتجوزك انت واخوك،
مكدبش ايهاب لما قال بنت الحرام اللي امها بتحب الرجالة، للاسف روح بنت حرام واكيد طالعه زيها ؟!
تعال الغضب بداخله دون سبب الا لمزاح طفله لم تستوعب معني الزواج وكان هذا بداية لمعاناة لا تنتهي لتلك الطفله البريئة مع بهاء المتنمر عليها:
فقد تأججت في صدره نيران لم يدركها بعد...
كانت تلك بداية مشاعر معقدة ستثقل كاهل "روح" لسنوات قادمة دون ذنب