رواية امواج قاتلة الجزء الثالث (احفاد السياف) الفصل السابع والعشرون
وبعض لحظات الوداع تسرقنا، تقتلع افئدتنا دون أن نشعر وتختفي هي ويبقى بداخلنا فراغ الفقد، نتجرع مرارته مرغمين ونبحث عنها علها تأت من جديد ونسترد ما كان لنا في يوم ما.
مد إليه يده بوجه يعلوه الخجل فلم يخيل إليه انه سيأتي مع نوح، ابتسم بتوتر قائلاً :
مرحب يا رحيم، ربنا يرزجك ببنت الحلال ياولدي ونفرح بيك.
اعترض نوح سبيله فحال بينه وبين رحيم، نظر إليه بثقة طعنه هو بما قاله سرا لرحيم، حرك رأسه برفض
لاه، ميصوحش تمد يدك وتسلم على واحد من عيال السياف، مكانتك اكبر من اكده يا حسن باشا.
ابتلع حسن ريقه بخجل ونظر إلى رحيم بغيظ هامساً
افهمني الاول وبعدين نتكلم يا نوح، انت خابر زين انك أكتر من أخ
أشار إليه أن يتوقف عن حديثه
أنا مليش اخوات غير حماد الله يرحمه، اخوي وولدي وتاچ فوج راسي ليوم ما أموت، وابنه يشرف بلد بزيها، يمكن ملوش نصيب ويا بنتك بس مليون بنت غيرها يتمنوه، الباشمهندس رحيم السياف يا حسن ولا ابوه يعيبه ولا يصغره.
حسن : بالله عليك تسمعني، تعالى نتكلم چوة بعيد عن الدوشة
انتزع نوح كفه من بين يديه قائلاً
لو كنت احترمت العشرة والأخوة اللي بينا وكلمتني راچل لراچل كنت هسمعك لكن لما تلف وتدور وتجهر ابني وتحسسه انه مذنب في چريمة معملهاش يبجى لاه، انتهت لحد اهنه، انت راچل وثجت فيا، شاركتني وسلمتلي مالك، بس أنا طلعت عند كلمتي وكل جرش دفعته كسبتك جصاده عشرة، جولتها مليون مره وهجولهالك تاني، الدنيا كلها عندي في كفة ورحيم ولد حماد السياف في كفة لحاله، مبروك يا أبو العروسة ربنا يتمم بخير، بكرة الصبح تكلم المحامي بتاعك يفض الشركة بيني وبينك وربنا يسهلك بعيد عننا.
اقتربت زوجة حسن بخطوات مسرعة بعدما شاهدت نوح ورحيم، كانت ترتجف خوفاً أن ترى ابنتها رحيم فتنهار مقَاومتها وتترك الخطبة وتلحق به، تنهدت بتعب فكم توسلت إلى حسن ألا يجبرها على الخطبة لأخر ولكن دون فائدة، وها هي ابنتها جالسة إلى جوار خطيبها جسد بلا روح، عيناها تغيم بدموع الحزن ولسانها صامت، استمعت إلى حديث نوح ولم تستطع أن تلومه فقد أخطأ زوجها وصدم الجميع برفضه القاسي
همست إلى زوجها
عاجبك دلوقت، شايف بنتك شكلها عامل ازاي، كسرت قلبها وارتحت يا حسن، ربنا يسامحك يا أخي
نهرها بغضب
ابعدي عني دلوك يا أم العروسة، بكفيانا فضايح الناس بدأت تاخد بالها، أنا مغلطتش واللي معچبهوش يخبط راسه في الحيط.
💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬
أحيانا يباغتنا خوف هائل لا نراه لكنه يحتوي أرواحنا فتختنق في صمت ولا نمتلك من الكلمات ما ينفع للبوح عما يختلج صدورنا فتزداد الحيرة ونبتعد أكثر ظناً منهم أننا تغيرنا ونأبى القرب لكننا لم نتغير وكل ما نشعر به اننا خائفون.
مد إليها قطعة من اللحم فامتعض وجهها وهمست بنفور واضح
لأ، بليز مش عاوزة يا لؤي
تطلع إليها يسري بكره وحدث نفسه
شكلك حامل يابنت الملاجيء وناوية تربطي ابني جنبك علطول بس ده في أحلامك انتِ ويزيد، مستحيل تخلفي من لؤي وكل اللي بخطط اخده يجي ابنك ويلهفه وتبقى ثروتي وثروة ابني ملك أيديكم، أنا اللي هاخد كل مليم معاكم وهرجعك مكان ما اتولدتي.
لم ينتبه لؤي لشرود والده بل كان بصره معلق بديمه، يتطلع إليها بقلق وترقب
وبعدين يا ديمه، احنا لازم نروح للدكتور، التعب بتعاك طول ولازم نطمن
أشارت إليه بخوف أكد ليسري ظنونه بعدما اعترضت بقوة
لأ، مفيش داعي، ممكن برد وهيروح
ابتسم إليها لؤي بود وقد أراد أن يطمئن عليها
إيه رأيك تسافري معايا
تساءل يسري بحدة طفيفة فرمقته ديمه بخوف
هتسافر فين، مقولتليش يعني، وبعدين هي تغبانة هتاخدها تعمل بيها إيه؟
تنفس لؤي بعمق كي لا يفقد هدوءه وتناول شريحة من اللحم بروية، ابتلعها لؤي بعد قليل والتفت إلى والدها قائلاً بجدية
ومن امتى بقولك إني مسافر أو بتهتم بالتفاصيل دي؟!
ابتسم يسري بسماجة ونظر إليها بمودة لم تصل إلى قلبها الذي يرتعد كلما اجتمعت به، هب واقفا وكأنه قد تأثر بما قاله لؤي، تحرك خطوتين فتحركت معه مشاعر ابنه الذي هتف بلهجة حائرة
رايح فين يا بابا، كمل أكلك
يسري : شبعت، تصبح على خير
استقام لؤي في عقبه قائلاً
اسهر معانا يا بابا، انت زعلت مني ولا ايه؟!
يسري : لأ، انت قولت الحقيقة، أنا فعلاً طول عمري سايبك براحتك، بس مش معنى كده إني مش مهتم بحياتك بالعكس، أنا كنت عاوزك تعتمد على نفسك وتطلع شخصية قوية
نكس لؤي رأسه بتوتر ووضعت ديمه كفها فوق أسفل بطنها تتحسسه بألم طفيف تجاهد في كبته لكنه يزداد كلما نظر يسري إليها.
لم يعقب أي منهم وتوجه يسري إلى غرفته وعاد لؤي إلى مقعده لكنه عزف عن تناول طعامه بينما اكتفت ديمه بالصمت إلى أن كرر لؤي سؤاله بجديه
هسافر بعد بكرة، تحبي احجزلك معايا، على فكرة هيعجبك المكان جدا
ابتسمت بعدما نال اصراره على اصطحابها اعجابها فهمست بتردد
أوك
تطلع إليها هامساً وقد تمنى أن يستأثر بها بعيداً عن الجميع
أوك ايه، موافقة نسافر سو؟!
أعلنت تلك المرة عن رضاها التام بعدما انتبهت إلى عيناه اللامعة ببريق شق صلابة مشاعرها واستوطنها فهمست بثقة
أنا عاوزة اسافر معاك، ياريت نبعد عن كل حاجة وكل الناس ولو فترة بسيطة.
💮💮💮💮💮💮💮💮💮💮💮💮💮💮💮
كلما خذلها قلبها وشعر بشيء من الحنين الرقيق لمشاعر ربما كانت صادقة وربما لم تكن سوى وهم نسجه خيالها المراهق أتى إلى مخيلتها مادار بينهما منذ سنوات وما فعله معها جواد، لقد كان الأول في قلبها والأول في نحر مكانته لديها.
ترجلت من سيارتها فارتطم رأسها بكرة جعلتها تتأوه بقوة قائلة
آه، مين الحيوان اللي حدفني بالكورة
ابتسم جواد بغرور
آسف يا سهيلة، مهدتش بالي منك
تطلعت إليها بحدة واشمئزاز جعله يستشيط غضباً، اقترب منها قائلاً بصوت شرس
خبر ايه يابت خالي، كانك شايفه نفسك جوي، هتبصيلي اكده ليه، معچبكيش إياك
اعتدلت في وقفتها وحركت رأسها تسخر من قوله، أشارت إليه قائلة
أنا مش شايفاك من الأساس
جواد بتلميح أصابها بالغضب
يمكن، رغم ان المثل هيجول عمر اللي بيحب ما يكره، ولا إيه؟!
ابتسمت بانتصار ورمته بوابل من الكلمات
بذمتك واحد في سنك مهمل شغله ومال ابوه وجاعد في الدار كيه البنات هيتحب على ايه، على فكرة اللي حصل زمان كان لعب عيال وعبط، انت دلوك لو آخر راچل في الدنيا مستحيل ابصله أو ارتبط بيه، شوف انت وصلت لأيه وأنا بجيت ايه، أنا بكمل دكتوراه وانت لحد النهاردة بتاخد المصروف من ابوك، رغم انك خريچ هندسة.
كاد أن يفتك بها لولا اقتراب رائد منادياً بقوة
سهيلة، انتِ فين يابت؟!
التفتت إلى شقيقها قائلة
معاك أها، كنت بسلم على ابن عمتك، سلام يا جواد، سلم على أمك
قهقه رائد قائلاً
أمك، كانك هتشتميه يابت ولا إيه؟!
ادعت البراءة قائلة
هشتم مين چواد، ده اخويا الكَبير يا رائد، ولا ايه يا چواد
توعدها بنظراته وأكد حديثها بغيظ
اومال ايه، انتِ غالية عندي جوي يا سهيلة وربنا العالم يابت خالي.
💮💮💮💮💮💮💮💮💮💮💮💮💮
لم يجد مكانا يذهب إليه، يود أن يفضي إلى أحد بانكساره فلم يجد، ترقرقت الدموع بعينيه وهمس بألم
اشكي لمين وأنا مليش غيرك يا شام، اشكيلك كيف وانتِ سبب وچعي
ابتسم وكأنه قد حصل لتوه على مبتغاه عندما هاتفه رحيم، التقط هاتفه بلهفة قائلاً
الو، ابن حلال ياواد يا رحيم.
رحيم بصوت كسير : اخبارك ايه يا آثر، فاضي دلوك اچيلك؟!
تهلل فؤاده واجابه بترحاب
ياريت، ياريت والله محتاچ اتكلم معاك، انت فين؟!
رحيم بهدوء : أنا في أول الشارع، ربع ساعة وأكون عندك
أغلق هاتفه وأسرع إلى غرفة شقيقته، دق باب غرفتها فاسرعت إليه قائلة
أيوة يا آثر، أنا أها
لم ينظر إليها وحادثها بقسوة
رحيم چاي دلوك، متطلعيش من اوضتك فاهمه ولا لاه؟!
اومأت اليه بخيبة أمل قائلة
أحب على يدك سامحني وبلاش تعاملني اكده.
اشاح بوجهه قائلاً
اجفلي الباب يا شام ونامي، ومتتكلميش كَتير لأن كلامك لا هيجدم ولا يأخر، تصبحي على خير.
ما ان وصل رحيم تلقاه آثر بسعادة غامرة، عانقه بقوة وكأنه يستمد من صداقته أمل في البقاء رغم كل الأسى، اصطحبه إلى الداخل وهتف بصدق
خابر ياواد يا رحيم راسي كانت هتنفچر من التفكير واجول يارب اكلم مين بس وفچأة انت اتصلت.
تنهد رحيم بصورة ارعبت آثر الذي انتقل من مقعده إلى جوار صديقه قائلاً
مالك يا رحيم، شكلك مهموم
رحيم : أنا تعبان جوي يا آثر، خابر انا بتمنى اختفى.
اغمض عيناه مستكملاً بألم
هيشيلونا حمل غيرنا ليه واحنا شايلين حملنا بالعافية، تعبت من التمثيل.
تساءل آثر
تمثيل ايه بس، انت ماشاء الله عليك ونعم الرچالة، انت كل الناس بتتمنى ولادهم يبجوا زيك اكده.
نظر رحيم أمامه بشرود وشرع في سرد ما دار بينه وبين حسن وكأنه يفضي إلى نفسه بما حدث دون تجميل أو زيادة
ضرب آثر الطاولة الموضوعة أمامه بغضب ورفض لما سمعه واستنكر خضوع رحيم قائلاً
وانت كيف تسمحله يكلمك بالشكل ده، هينسى نفسه إياك، انت غلطان يا رحيم، لا حسن ولا بته يستاهلوا حزنك ده كله.
قالها رحيم بصوت هامس متذبذب
حبيتها يا آثر، وچعني كلامه ووچعني اكتر انها اتخطبت لغيري.
دار بعقل آثر الكثير من الأفكار وكأنه يقرأ في عجالة ما مر به من قبل، تذكر هربه وحياته المهددة، مساندة رحيم له دون شروط أو انتظار لمقابل، ابتسم آثر فقد ايقن الآن أن رحيم ليس صديقا فقط بل هو نعمة ساقها الله إليه وربما كان هو المخرج لحيرته وتخبط شقيقته لذا لم يتردد في قوله الذي صدم رحيم عندما استمع إليه يقول
أنا هطلب منك طلب وياريت تفمر الاول جبل ما ترفض أو توافج
رحيم بترقب : اطلب يا آثر، تحت امرك
آثر بأمل : رايدك تتچوز شام اختي، أنا مش هطمن عليها مع حد غيرك وصدجني شام هتجدر تخليك تحبها.