رواية قلبي وعيناك والايام الفصل السادس والعشرون 26 بقلم رحاب ابراهيم حسن


 رواية قلبي وعيناك والايام الفصل السادس والعشرون 


اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.
صلِ على النبي 3مرات 
لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات 

                   ~... سامحيني يا أبنتي  ...~

للحظات لم يستطع " وجيه " جمع شتات أفكاره ، كل شيء وكأنه انصهر وأنصبّ متوهجاً على رأسه بطرفة عين ! .....

نظر للممرضة في نظرة مشتته تائهة ، حتى ردد بصدمة : 
_ مات !......

وأعقب قوله بترداد اسمها ...وقال : 
_ ليلى ....لازم الحق ليلى .....

تمنى أن يكون الجد عبر الهاتف لم يستمع لشيء....فقال له بقوة:  
_ عرفت منين ؟! ....أنا عايز أعرف هو فين وهروحله بنفسي .... 

رد عليه الجد وهو يبك بقهر، ويبدو أنه سمع ما قالته الممرضة : 
_ أبني مات .....عبد العزيز مات ! .... 

هتف وجيه بعصبية : 
_ قولي اقدر الاقي ليلى فين مافيش وقت ! 

أجاب الرجل بحالة لا يرثى لها من الحزن : 
_ أنا خلاص قربت للمستشفى ..... دقايق واكون عندك ....

وقفت الـ د.مروة في لحظة وقوع الأخبار المتتالية، وشعرت أن هناك كارثة حدثت بالفعل ..... ظهر عليها بعض القلق والتوتر ، ولكنها استجمعت لجام قوتها ...وطرحت الأمر بنية الأنقاذ : 
_ دكتور وجيه ....لو هتروح للي خطف ليلى يبقى الأفضل نبلغ البوليس ..... أنا هقدر اساعدك في كده وهكون معاك ..... والشرطة في دقايق هتكون ورانا .....

لم يركز معها وجيه حيث أنه كان يبحث عن مفاتيح سيارته بعجالة ....وجدها أسفل أحد الملفات فأخذها وتحرك سريعا للخارج دون أن يجيب على الطبيبة .....ويبدو أنه لم ينتبه لكلمة مما قالته من فرط تشتت أنتباهه...

اسرعت خلفه الطبيبة ، وخرجت بعدهما الممرضة ..... 

وأمام المشفى .....
وقفت سيارة الجد "صادق" وخرج منها متورم العينين من البكاء ، حتى التقى وجيه الذي كان ينتظره على جمر من نيران تكاد تفتك به وتدمر أعصابه .....
قال له وجيه بحدة : 
_ قولي الاقيها فين ؟ .... قولي قبل ما يعمل فيها هي والبنت حاجة ! 

ابتلع الجد صادق ريقه بالكاد وقال وهو يكاد لا يرى أمامه من الدموع : 
_ هو اتصل بيا وقالي أنه خد مراته وبنته ، وهيرجع ليلى لعصمته معرفش أزاي ! ..... اتفاقنا نتقابل عشان نتكلم بس انا عارف أنه كشفني ..... 

تساءل وجيه بعينان تلتهب فيهما النيران : 
_ اتفقتوا تتقابلوا فين ؟ 

اتصلت د.مروة بهذا الأثناء على أبن خالتها الضابط "أحمد" ....روت له الأمر فنهرها قائلًا بغضب :  
_ هتروحي فين أنتِ اتجننتي ؟! ..... ارجعي البيت يا مروة بلاش غباء وأنا هتصرف واروح وراه في ظرف دقايق ....بس ابعدي أنتِ خالص....

عاندت مروة وقالت بعصبية : 
_ لأ طبعا هروح واتابع معاك ، هو مش هيكون فاضي يرد عليك عشان تعرف هو فين ..... 

تلقت كلماته الغاضبة عبر الهاتف بعصبية شديدة حتى قاطعته وقالت : 
_ أنا رايحة ومحدش هيقدر يمنعني ...ولا حتى أنت !! 

اغلقت الأتصال وهي تعترف لنفسها أنها تذهب بقصد أن تتحداه ...وتقف بوجه غروروه ، ولم تحسب أنها تضع نفسها بحقائب الخطر فعليًا ....

ترك وجيه الجد ودخل سيارته سريعا ، لم تلحقه مروة، ونظرت للسيارة التي ركضت بالطريق في لحظاتٍ خاطفة ..... 
حركت سيارتها سريعاً وذهبت خلف سيارة وجيه بسرعة قيادة عالية ....

دق هاتفها بإتصال آخر.....لم تحب التحدث بالهاتف وهي تقود ولكنها مجبرة على ذلك .....فتحت الاتصال ورفعت صوت الهاتف وعينيها على الطريق ...ثم قالت بحزم : 
_ يا أحمد مافيش وقت ..... للأسف د.وجيه مشي قبل ما أعرف رايح فين بالضبط ..... أنا معايا رقم تليفونه ، اتصل بيه أنت أسرع وأعرف رايح فين .....

صاح صوته بعنف وقال : 
_ لما أشوفك ...حسابنا بعدين يا أعند انسانة شوفتها في حياتي ...... قوليلي رقم تليفونه بسرعة .....

رفعت مروة الهاتف بتوتر ، وعينيها كل لحظة على الطريق المزدحم بالسيارات ..... تركت الأتصال مفتوح ثم بحثت عن آخر رقم تم حفظه بالهاتف ..... وجدته بعد خمس دقائق مع نظراتها كل لحظة للطريق ، وكادت أن تتسبب في حادث سير، ولكن أنعطفت بآخر لحظة .....

أملته الرقم سريعاً حتي أمرها مرةً أخرى وبشكل اعنف لتعود ....فرفضت بتصميم وعصبية ، أغلق الأتصال وهو يتلفظ الشتائم وقلبه ينتفض خوف عليها بآنٍ واحد .....

أجرى اتصال على رقم وجيه وهو تحرك من مكتبه في ثوانٍ قليلة ليتم الأستعداد للأمر، ويعرف من وجيه وجهة المجرم ومكانه .....

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖

وقف الجد صادق أمام غرفة العناية وجسده بدأ ينتفض ..... أتت إليه الممرضة منى التي أخبرت وجيه بخبر الوفاة ، وما كادت أن تتحدث حتى خرج عدد من الأطباء بغرفة العناية وهم يتحدثوا مع بعضهم البعض ...وكان منهم طبيب العناية المشرف على حالة ابنه ......

نظر الطبيب للرجل الباكي وسأله بتعجب قائلًا : 
_ بتبكِ ليه يا حج ؟! .....

رفع الرجل رأسه بضوء أمل وسأل الطبيب وكأن الإجابة هي الحياة أن صح ظنه : 
_ قالولي أبني مات .... 

نظر الطبيب لمنى بغيظ ، ثم ارجع رأسه للرجل بإعتذار وقال : 
_ أبنك بخير يا حج وحالته للحقيقة اتحسنت شوية ، وبنديله مسكنات عشان مش هيتحمل الألم لو فاق لأن في تجمع دموي على المخ...أما الرئة أصابتها مش خطيرة الحمد لله.... بس أنا آسف على اللغبطة اللي حصلت .....
هو اتنقل الفجر لأوضة تانية بأمر مدام جيهان ، والمريض اللي خد مكانه كان على وشك الموت بس قدرنا بفضل الله نسعفه والقلب اشتغل تاني.... ليه عمر لسه ....

تنفس صادق بحدة واستنشق الهواء كالحياة بملء قلبه ، ابتسم وعينيه لا زالت تظرف الدموع ، اقتربت منه الممرضة منى وقالت بأسف شديد : 
_ والله العظيم أسفة ، بس أنا لسه جاية دلوقتي ومستلمة النباطشية ومكنتش أعرف ، ومع زحمة الدكاترة حواليه وقالوا أنه مات والقلب وقف .... مركزتش في الشكل وكمان أنا معرفش ملامحه كويس فحصل لغبطة ....سامحني أرجوك...

كانت الفتاة على وشك البكاء بندم حقيقي ، رغم أنها بالفعل لم تقصد ما حدث .....لم يكن في وسع سعادة قلب الأب بعد نجاة فلذة كبده أن يحمل ضغينة سوى لحظات قليلة لتلك الفتاة ....قال بصدق : 
_ مسامحك يابنتي ....كفاية أن ربنا جبر بخاطري ..... بس عايز أشوف أبني ....

أخبر الطبيب الممرضة على غرفة العناية الأخرى بالطابق الرابع ، أخذت الممرضة "منى" الرجل حتى المصعد نظرًا لسنه الكبير وحالة الإرهاق الواضحة عليه ....

وبالطابق الرابع ....
دخل صادق بخطوات سريعة للغرفة التي أشارت لها الممرضة ......ليجد طبيب وممرضة أخرى تقف بجانب السرير الطبي ...... نظر الطبيب للرجل وقال : 
_ أطمن ياحج هيبقى كويس أن شاء الله ، بس المفروض مواعيد الزيارة مش دلوقتي خالص !! 

كاد أن يتحدث الرجل ويتوسل الطبيب أن يتركه، حتى قالت الممرضة منى وهي تقف عند الباب المفتوح للغرفة: 
_ لو سمحت يا دكتور ..... الدكتور وجيه سمح بالزيارة .... 

هز الطبيب رأسه بموافقة ثم خرج .... ابتسمت منى للرجل ثم ذهبت لعملها ......

توجه صادق بقرب ابنه مشتاقاً..... انحني على رأسه ببكاء حار وحاد ..... منذ لحظات كان أين؟..والآن هو أمامه ولا زال على قيد الحياة ! ....قال وهو ينظر لوجه ابنه عن قرب : 
_ قلبي انفطر عليك ....يمكن لصدق نيتي ربنا رحمني وخلاك عايش ....لحد ما اسمع "أنا مسامحك " منك ...... حمد الله على سلامتك يا طيب .....

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖

على طريق قليل ما تسير فيه السيارات ...... ولا يوجد به مبانِ إلا على مسافاتٍ طويلة .....

يوجد بهذه البقعة تحديدًا من الطريق مبنى كبير عبارة عن مخزن للأخشاب ..... لم تكن عائلة ليلى تملكه نظرًا لأعمالهم بالأخشاب ، فالمخازن المملوكة لهم لم تكن بذلك الطريق المهجور بالأساس .....ولكن يبدو أن لا أحد يعرف عن المكان أي شيء ...سوى "صالح" 

خصصه لأعماله الخارجة عن القانون .... ولا أحد يعلم عنه أي شيء سواه هو ..... 

كان يجلس على مقعد يضمد جراح ذراعيه وجسده من الجروح المتقيحة منذ أن كان بين أيادي عدوه اللدود .....

ابتسم بسخرية رغم آلام جروحه ، وشعر بعجرفة أن لا أحد بمستوى ذكائه .....قال له أحد رجاله الأوفياء : 
_ هنعمل في السوالم إيه ياباشا ؟! .....مش معقول الحكاية تخلص نسلم واحد ونستلم واحد !! ..... اللي عملوه فيك مايتسكتش عليه ! 

رفع صالح رأسه بغضب من جملة الرجل الأخيرة ، فأخذ المطهر الذي يطهر به الجروح ودفعه بوجه الرجل بغلظة ، وشراسة تطل من مقلتيه ..... ثم هتف : 
_ لو كررتها تاني هتبقى نهايتك ، أنا محدش يقدر عليا ولا يقدر يوقف قصادي ، وأنا هعرف اخلص عليهم أزاي ... والمرادي مش هبقى على حد فيهم ..... النهاية قريبة للسوالم ...مشاكلهم زادت .....

تألم الرجل من حرقة عينيه من مادة المطهر الطبية وركض ليغسل وجهه سريعا ......

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖

في غرفة شبه مظلمة ....مثلما اعتادت سابقًا أن يتركها تصرخ، ولكن على الأقل أبنتها لم تكن معها .....تريد أن تصرخ بأعلى صوتها .....أن تنتحب وتستغيث ...ولكن الصغيرة ترتعب من الصوت والصراخ .....
كانت ترتجف گ المحمومة وبين يديها طفلتها التي تبك بعنف .. ترتجف مثل أمها ...... ولأول مرة حمدت ليلى أن صغيرتها لا ترى ....لكي لا ترها على هذا الحال ، والظلمة المخيفة حولهما....
قالت الصغيرة كلمات متقطعة وهي تبكي وترتجف وقطتها تضمها بقوة أيضا : 
_ ما..ما .... أنا خايفة ....خايفة ..أوي .... هو احنا في الضلمة ؟ 

كان مفهوم الصغيرة للظلام قبيح ومخيف ، أكثر من الظلمة التي تعيش بها ، فكرتها عن الظلام الآخر هو أن يرافقه وحوش مفترسة وأشباح مخيفة ..

ابتلعت ليلى ريقها بالكاد وهي ترتجف بقوة ، ويصطك أسنانها من الرعب ....وقالت كاذبة وهي تبك : 
_ لا .... احنا ...في النور ، والمكان اللي احنا فيه زي .....

فتح الباب بقوة واحدث صوت مزعج عالِ ....صرخت الصغيرة بين ذراعي أمها والتصقت بصدر ليلى برعب وهي تهتف : 
_ بابا وجيه ....

وقف صالح بوجهه المخيف ونظراته الأنتقامية وقال بتوعد : 
_ أوعي تكوني فاكرة أني كنت بعيد ومش عارف خطواتك ؟! ..... أنتِ كل خطوة خطتيها كانت بتوصلني ..... أما بقى جدك ليه ترتيب تاني معايا ..... ده ليه حساب كبير معايا .... مش هيكون اصعب من "صافية "و "ورد ".....

قال صالح تلك الجملة الأخيرة ، فاتسعت عين ليلى على آخرهما ، وبدأ يتردد أمامها أشباح من الذاكرة ...... وهي ترى مقطع فيديو ، ومشهد آخر رآته أمامها مباشرةً ....

تسارعت أنفاسها بحدة بعينين تنظران يمينا وشمالًا بسرعة عالية وفي صدمة عنيفة قاتلة ...... 

ارتخت قبضتها على الصغيرة في صراع شرس مع نفسها ...باتت لا تشعر بأي مكان هي ، أو من يقف أمامها ، بأتت لا تشعر أنها حتى في الحقيقة وتمر حقا بما تراه  .....
تركت ابنتها وابتعدت زاحفة لمكان بعيد عنها ....وبدأت ليلى تدخل بنوبة ارتعاش غريبة شبيه لنوبات الصرع بعد لحظات ..... ويرتجف جسدها بقوة وهي تصرخ ....

لم تستطع أن تنطق أي كلمة ....تصرخ وترتجف بأعلى قوتها .....والصغيرة ريميه تتنفس بصعوبة وكاد قلبها يقف من الرعب .....

نظر صالح إلى ليلى بسخرية وقال : 
_ موتي .....بس مافيش راجل هيقربلك غيري ....

ارتفع رنين هاتف صالح بهذه اللحظة برقم الجد وأجاب : 
_ أنت وصلت ؟! 

رد وجيه عليه بشراسة وقد أخذ هاتف الجد شخصيا معه وقال : 
_ لو قربت لليلى ولا بنتي مش هرحمك .... ومافيش مخلوق هيقدر ينقذك مني لا رجالتك ولا الف واحد عليهم .... واجهني راجل لراجل لو كنت راجل .....

قال صالح بسخرية وقد توقع أن وجيه سيعرف الأمر سريعا: 
_ كنت متأكد أنك هتعرف بسرعة يا دكتور وجيه..... بس ما توقعتش أن جدي يبقى بالغباء اللي يخليه يبعتك ليا !! ..... مش خايف لموتك ! 
وبعدين بنتك منين ؟! ..... امال أنا أبقى إيه ؟! 

قال ذلك بغضب وبصوتٍ حاد ..... جعل الصغيرة تسترد صوتها بعدما استمعت لاسم وجيه وصرخت بقوة وبكاء : 
_ بابا وجيـــــه تعالى خدني أنا وماما من هنا ، بيضرب ماما وهيضربني .......

تلفظ وجيه الشتائم الذي لأول مرة ينطقها وصاح بعنف وقلبه ينهشه الخوف عليهما : 
_ بنتي ومش هسمحلك تأذيها .... أنت اقذر واحقر أنك تكون أب لأي طفل .... بنتي حتى لو أنا مكنتش أبوها بالدم .... بس هكونلها أب بجد ...... لو قربتلها أو قربت لليلى يبقى نويت على نهايتك .... لأن معايا فيديو متسجل بموت صافية ......

تذكر وجيه ما قاله الجد صادق منذ أن تركه بالمشفى حينما قال له : 
_ لما تقابله قوله أن معاك فيديو لموت صافية ، هو ميعرفش أن الفيديو معايا ، خبيته عنه السنين اللي فاتت ومعرفتوش حاجة  وخوفت ليعرف يأذيني ، بس آن الآوان يطلع ويظهر مش هستنى تاني ......

صدم صالح مما سمعه من وجيه ، وببعض التفكير علم أن الجد أو ليلى خلف الأمر فقال بمراوغة : 
_ مراتي هرجعها ليا مش هأذيها وبنتي ومعايا ..اكيد مش هموتها يعني !! ...... أنما بقا أنت اللي بتعمله فيه ضررك .....بس مافيش مانع نتقابل ..... أهو منها أعرف حكاية الفيديو اللي أنت بتقول عليه ده !! 

ادرك وجيه أن هذا المجرم يضمر الشر بنبرته ، فقال وهو ينظر للطريق جيدًا ويقف على بُعد امتارًا من محطة بنزين : 
_ أنا موجود في المكان اللي اتفقت عليه أنت وجد ليلى .... هاتها ومعاها البنت وإلا أنت عارف ...... 

تحدث صالح وبدا وكأنه ارتجف خوفا من التهديد، وقال وبعينيه يطل الشر: 
_ ماشي .... هسلمك ليلى والبنت وتسلمني الفيديو ، ولو نسخت منه يبقى اتحمل اللي هتشوفه مني ..... الحكاية تخلص وكل واحد ياخد اللي عايزه ..... 

ساير وجيه الحديث حتى أنتهى الأتصال ...... 

دق هاتف وجيه بأتصال للمرة الرابعة فأجاب وجيه : 
_ وقفت عند محطة البنزين زي ما اتفاقنا ، وكلمته وهو جاي ومعاه ليلى وريميه ....بس طبعا أنا عارف أنه هيجي من غيرهم ...... ده إذا جه بنفسه ! .....

قال الضابط أحمد وهو يقود سيارته وخلفه عربة شرطة كبيرة للقبض على الخاطف : 
_ أنا دقايق وهكون عندك ، وفي كمين قريب منك وأنا كلمتهم  على ما أجيلك .... كويس أنك اجلت المكالمة على ما قربت اوصل ليك .... كله هيبقى تمام ما تقلقش ...

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖

انتهى صالح من وضع ليلى الفاقدة الوعي بسيارة أخرى غير سيارته ، والصغيرة ريميه تصرخ وتستغيث بأمها تارة ، وتريد قطتها  الذي تركها صالح بالمخزن تارة أخرى.... 
صرخت بقوة وهي تضع يديها على وجهها وتبكِ بعنف ......

القى صالح مفاتيح سيارته الاساسية لأحد الرجال وقال له : 
_ خلص أنت عليه وهات اللي معاه ، وبعد كده ولع في العربية وهو فيها ..... عشان أبقى خلصت منه للأبد ....

أخذ الرجل مفاتيح السيارة وتحرك إليها ، ثم قاد صالح السيارة التي بها ليلى وابنتها وقادها لطريق آخر غير الذي ينتظره فيه وجيه ......

أنتظر أحد الرجال عندما ابتعد صالح بعربته والرجل الآخر ،ثم أخرج هاتفه وابتعد قليلًا عن المخزن ......وقال عبر اتصال أجراه سريعا : 
_ عكس السير ، رجالتك على الجانبين ، اللي يلاقيه يتصرف ..... بس ماتنساش حلاوتي .....دي الخبطة الكبيرة ....

رد اسماعيل وهو بسيارته على ذات الطريق وقال بابتسامة متشفية : 
_ لو حصل اللي عايزه ، هتقالك بالفلوس ..... وعد لعمل لجنازته زفة في البلد بحالها ..... 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖

كان يقود صالح السيارة وهو يهتف بالصغيرة لتصمت ، حتى ضربها على وجهها بقبضة يديه بعنف.....احتبست أنفاس الصغيرة برعب منه وهي تضع يديها على فمها لكي لا تخرج أي صوت ويضربها مجددًا .....

حتى انطلق صوت عيار ناري وبعدها انحرفت السيارة بالطريق ووقفت بعد دقائق ....... 
اصطدم وجه صالح من الأمام إلى الخلف بقوة .....وصمتت الصغيرة بأكثر لحظاتها رعب مما يحدث ..... وقلبها الصغير لا يحتمل هذا الخوف الشديد.....

تحسس صالح رأسه الذي نزف بجرح بسيط حتى وجد مسدس بجانب رأسه ....يد تسللت من النافذة بجانبه واطالت رأسه ....ولكن لم يطلق الأعيرة النارية بعد ......

ابتسم اسماعيل بإنتصار وقال :
_ قولتلك هتجيلي تاني ، اهو أنت ورجالتك كلكم في ايدي ....وريني بقا مين هينجدك مني ..... 

ضيق صالح عينيه بذهول وخاصةً عندما وجد حشد من الرجال المسلحين حول السيارة ......والصدمة أن من بين هؤلاء الرجال بعض من رجاله !! 

صرّ على أسنانه بغضب ولأول مرة يشعر بالخوف ...... خرج من السيارة لعلمه أن أي خطوة للدفاع ستكتب نهايتة بلحظة .....أراد مزيدًا من الوقت ......

أطلق اسماعيل أعيرة نارية على ساقيه الأثنان حتى لا يستطع الحركة ...... صرخ صالح بألم شديد وهو يهوى على الأرض ......قال أسماعيل وهو يشير لأحد رجاله : 
_ دخل اللي معاه في العربية دلوقتي ، أما الكلب ده سيبوهولي لوحدي ....... 

توجه الرجل للسيارة ونظر فيها جيدًا فقال : 
_ دي مراته وبنته ؟ 

رد اسماعيل وهو ينظر بكراهية واحتقار للملقى على الأرض وينزف بشدة : 
_ دورهم جاي ..... دخلوهم دلوقتي المخزن ..... على ما أفضى .....

حمل أحدهم ليلى الفاقدة الوعي تمامًا والآخر كان يجر الصغيرة التي تبكِ وتشهق بقوة من البكاء ......

ولأول مرة عندما دق القلب بالخوف صرخ صالح بصوتٍ عالي : 
_ سيبوا بنتي ..... 

ولكي يعذب اسماعيل هذا المجرم مثلما قتل أشقائها ....أخذ الصغيرة من يد الرجل وجرها بعنف بالقرب من أبيها وهي تتلوى وتصرخ بيديه .....وقال اسماعيل بنظرة وعيد وعنف لصالح : 
_ مش دي بنتك ؟ ...... هعذبها قدامك قبل ما أخلص عليك .....هدوقك المر اللي شربتني منه سنين ......

نظر صالح لأبنته بدموع لأول مرة بعمره ينزفها من عينيه ، ورأى الآن بشاعة ما كان يفعله بالغير ...... ما ذنبها أن كان هو قاتل مجرم؟! ....ما ذنبها أن تشعر بوجود فعليًا أبيها بآخر لحظات حياته !! 
وما ذنبها أن تنل من الحكم عليه وعقابه ؟! .....
ولكن أفعال الشر مثل الشوك ...لا تؤذي الساق فقط ...بل تؤذي جميع ساكني جسد النبته .....

كانت الصغيرة على وشك أن تفقد الوعي وهي تنظر للأسفل بإنكسار وضعف براءتها .... 

قال صالح لها والدموع تهطل من عينيه بندم وذل: 
_ سامحيني يابنتي .....أفتكري أني طلبت منك تسامحيني قبل ما أموت ...... أوعي تنسي .... يمكن ما تشوفنيش تاني.....

قالت الصغيرة وهي لا تدرك ما يحدث وتتحدث وعادت للبكاء بضعف : 
_ مش عايزة أشوفك تاني ....أنت بتضربني .... أنا بكرهك ....


قالتها ببرءاة عمرها الصغير ..... فقسمت ظهره وهو ينظر إليها بأكثر من شعور القهر ، صوته مُقيد داخل فمه كأنه بصحوة الموت يتأرجح  ...ولكن ما الفائدة الآن ؟! ....هي لا تعي أنها تفارقه بالفعل ...وهو لا يملك الوقت الكافي للأعتذار ! .... والنتيجة فراق لا راجعة فيه ...!

صغرت الدنيا بعينيه حتى ثقب الأبرة بل أصغر ...ما هذا الشيء الذي كان يركض خلفه طوال سنوات، وجعله يفعل هذه الجرائم دون تقلّب أدنى شعور للضمير ؟! 
المال ..؟! 
أين هو الآن ؟! 
لو وضع أسفل قدمي عدوه ضعف أمواله ما رحمه رغم ذلك! 

رأسه يحاوطه الاسلحة النارية أن تحرك سينتهي الأمر بلحظة ! 
وانتظار الموت لأمر مريع ....

لمَ الحياة تظهر على حقيقتها بآخر اللحظات ؟! 
ولمَ تسحرنا هكذا ؟! 

قامت أمام عينيه الضائعة من البكاء إجابة كالشمس ظاهرة وغامضة ك قمر الليل ....
الحياة اختبار .... أن جاهد نفسه سيسهل الأمر على نفسه ويملأ صحفه بالصواب ....ولكنه عاند الجهاد ، وعاند أن يقترب ، عاند أن يكن انسان صالح .... وما اخد من اسمه إلا بعض من الحروف ! 

كل شيء كان بعينيه مبهر أصبح الآن لا يسوى حبة واحدة من الرمل أمام عينان أبنته الباكية وذعرها ....وهو يعجز حتى أن يأخذ منها وداعاً آخير ....لربما كان الشيء الوحيد الذي يأخذه معه عملًا صالحاً..... ولكنه لا يتذكر حتى أنه فعل شيء جيد يستطع تذكره .....

الحياة ساحرة ، والعمر قصير ....لم يكن عليه أن يتقن الفساد هكذا ! ..... وكيف عليه أن يرحل ويترك هذا الكم من الكراهية بالقلوب له؟! 
 ....وحتى أن الرحيل ليس بيديه ! 
ما أقساه شعور ! .... 

أصبح الموت يلوح له عن قرب .... يشعر به يجري بالأنفاس .... رغم أنه لا زال على قيد الحياة ! 

رآه أسماعيل بهذا المظهر الذليل الخاضع ، لم يكن على وجهه أي سيماء للجبروت الذي كان قائمًا مُقيم بعينيه !! 

مد "صالح "يده اليمنى الذي أصابتها الرجفة العنيفة ، أشارة أنه يريد صغيرته التي حتى لا تراه ! 

دفع أسماعيل الصغيرة بعيدًا لأحدًا من الرجال وقال هاتفاً : 
_ دخلها وأرميها جنب أمها دلوقتي ...

صرخ باكيًا ، رافضاً أن تبتعد عن عينيه ، ولكن أفعاله السيئة من حتفت به بهذه النهاية ! 

تطلع به اسماعيل بسخرية، وقال بغليل يتوهج بصوته : 
_ كفاية عليا شوفتك كده ، مذلول ! ...... هتبرد ناري العمر كله ، لولا أن بنتك دي بنت مش ولد كنت موتها قدامك ....بس لأ ، مش هسيب حد يقول اسماعيل السوالمي موت حرمه وبنتها .... اللي يرضيني موتك أنت .... يبرد نار أخواتي وولادي اللي دمهم لسه ما نشفش ..... 

رفع أسماعيل سلاحه واستعد لإطلاق النار ، ثم أخفض يديه وأطلق عدة أعيرة نارية بجسد صالح المطأطأ رأسه ويبك بذعر ...... وأنتهى أمره بعد لحظات .....إلى الأبد ...

بعدما غرق جسده بالدماء وعينيه مفتوحتان على وسعهما إثر لحظات الذعر الأخيرة قبل أن يلتقط أنفاسه ....

تنفس أسماعيل الصعداء كأنه القى جبلًا من الرمال من على كاهله للأبد ...... كان هذا الرجل للجميع مثل الطاعون الذي لم يرحم حتى عائلته ! 

ظل ناظرًا لجثة صالح لبعض الدقائق بشرود ، حتى قال أحد الرجال له : 
_ هنعمل إيه في مراته وبنته يا باشا ؟ .... 

قال اسماعيل بنفس نظرته على صالح وقد استعاد بعض رشده : 
_ دي طليقته مش مراته .... خدوها هي والبنت وارموهم في أي حته بعيدة عن هنا ، لأبعد مكان ...وهددها لو فتحت بوقها هتخلص عليها هي وبنتها ...طاري وخدته خلاص.... 

نظر الرجل للجثة الملقاة بلا حياة على الأرض وقال : 
_ طب والجثة دي هنعمل فيها إيه ؟ 

صمت أسماعيل للحظات ....ثم قال : 
_ أرميه على أول البلد والناس هتتصرف ....... وخد المسدس ده أخفيه في أي مكان....مش عايز مخلوق يلاقيه ... 

القى المسدس للرجل وأخذه الآخر وتحرك لينفذ الأمر .....

حمل الرجال جثة صالح إلى الصندوق الخلفي لأحدى السيارات المصطفة بالطريق.....ثم قاد الرجل الموكل بالمهمة بقيادة السيارة، ثم دخل المخزن يأتي بشيء يخصه ......

ودخل الرجل الثاني للداخل ثم خرج بعد قليل وهو يجر ليلى التي استعادت قليل من وعيها ، ولكنها لا تتذكر ما حدث منذ أن استيقظت صباحا!! 

القاها الرجل بالسيارة ثم أبتعد وأتى من جديد ومعه الطفلة المذعورة ودفعها بجانب أمها ....ثم صاح بهما وحذرهما من الصراخ ......ضمت ليلى أبنتها في ذهول ورعب مما يحدث، وهي لا تعرف كيف أتت لهنا .....لا تتذكر شيء ! 

قد عادت لتلك النوبات المرعبة مرة أخرى !! .... كانت قد اعتقدت أنها شفيت ولكن لا يبدو أنها عادت إليها من جديد .

تحركت العربة التي بها ليلى وصغيرتها للبعيد .....وظل اسماعيل واقفا بإنتظار الرجل الآخر ليخرج من المخزن ويرحل .....

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖

انتظر وجيه بسيارته وصول صالح ....وبينما ظهرت سيارة وحيدة بالطريق تأتي قبالته ....وقفت السيارة بعد لحظات وخرج منها رجل غريب !! .....

كانت تأتي سيارة مروة على بُعد ليس كبير ولم تعرف خطوط الحقيقة .... حتى تفاجئت بوجيه وهو يقترب منه أحد الرجال .....وقفت بسيارتها التي احدثت صوتً مسموع بهذا السكون ....! 

نظر الرجل لما خلف وجيه وقال له بنظرة تحذير: 
_ هي البت دي معاك ؟ 

تأكد وجيه مما كان يظنه ، فقد أرسل صالح أحدًا آخر مكانه .....وكره وصول تلك الطبيبة الآن ومجيئها بالأساس ! .....ما كان عليها أن تتهور وتتصرف هكذا !! 

رد بثبات دون أن يلتفت خلفه: 
_ معرفهاش .... بس المفروض أنا اللي اسألك ....هو مجاش ليه بنفسه ؟! 

اختلس الرجل النظرات للفتاة التي تتطلع به باهتمام بالغ من نافذة سيارتها ...ثم أجاب على وجيه قائلًا : 
_ ما أنا جاي اسلمهالك بداله .... مش ده المهم ؟! ....دقيقة واحدة ... اجيبهالك ...حبيت بس اتأكد أنه أنت 

نظر وجيه للرجل بنظرة متفحصة وادرك أنه يضمر الشر ...... عاد لسيارته على بُعد خطوات فاصلة للسيارتان .....ثم وقف أمام باب سيارته للحظات ....وأخرج فجأة سلاحه من جيب معطفه، وكاد أن يصوب اتجاه وجيه ...حتى وجد سيارة الفتاة تندفع إليه بأعلى سرعة للسيارات .......

كانت مروة بهذه الدقيقة استقرت أن تتحرك بسيارتها حتى لا تلفت الانتباه أكثر من ذلك ...وبينما هي تتحرك وجدت الرجل يشهر سلاحه صوب وجيه ....فأندفعت إليه بسرعة عالية حتى تشتت انتباهه، ولا يطلق الأعيرة النارية على وجيه ويحسم الأمر بنهاية مروعة لليلى ......

اتسعت عين الرجل وركض للجهة الأخرى قبل أن تسحقه السيارة المجهولة أسفل إيطارها ....... حتى اندفع وجيه إليه من الخلف في لحظات تشتته بسرعة السيارة التي تلحقه بشكل غريب، وضرب رأسه بجسد السيارة الجانبية ....حتى أختلّ توازنه بعض الشيء.....

صرخ الرجل وسقط سلاحه من يده وهو يتأوه من رأسه بألم شديد ......احكم وجيه يديه حول عنقه في غضب وتهديد بصوته الصارخ : 
_ ليلى والبنت فين ؟ فيـــــن ؟!

أتت سيارة الشرطة بهذه اللحظة ، واطمئنت مروة لوصول الشرطة    فخرجت من سيارتها وتوجهت نحو الرجلان  الذي يتشاجران.....

حاول الرجل الفكاك من براثن وجيه ...لينفد بنفسه من قبضة الشرطة ، فأخبر وجيه مكان صالح سريعا ليترك عنقه ويفلت منه ....وبالفعل تركه وجيه حتى ركض الرجل باتجاه مروة ....فظنت إنه يهرب!! 
 قبضت ملابسه وتشبثت وهي تصيح على رجال الشرطة  بصوتٍ عالي واستغاثة وهو يدفعها ويضربها بعنف...

حتى دفعها بغضب فاصطدم رأسها بالسيارة بقوة عنيفة ....سقطت في إثرها فاقدة الوعي ....

بينما رجال الشرطة استطاعوا أن يقبضوا عليه دون مجهود ....وأن يعرفوا أيضا منه مكان صالح وأسماعيل أيضا .....فقد أعترف بمكانهما الأثنان ......فكان خائنًا لمن يدفع له أكثر ....وكلاهما كان يدفع .... فكان جاسوس مزودج بينهما .....

أتت سيارة الضابط أحمد وصدم عندما وجد مروة مُلقاه على الارضة فاقدة الوعي ....لم ينظر لشيء سواها هي ..... أي جنون جعلها تفعل بنفسها هذا ؟! كاد يتوقف قلبه عندما ظن أن أصابها طلقة نارية وسقط على إثرها !! 

ركض اليها وقد جف ريقه من الخوف ، حتى انحني على جسدها ورفع رأسه بمحاولة أن تستفيق وتنهض ...ولكنها لم تستجيب لمحاولته ..وظلت جامدة ! ....

ردد اسمها بذعر : 
_ مروة ...مــــروة .... حصلك ايه !! 

اقترب منه وجيه سريعا وقال له : 
_ خدها للمستشفى بسرعة راسها بتنزف .... لازم أسعاف قبل ما تخسر دم أكتر من كده ....

شحب وجه أحمد برعب عليها ، ثم حملها لسيارته ولأول مرة ينسى أنه بمهمة وواجب .... ولكن يبدو أن قوة الشرطة بقيادة بعض زملائه الضباط قد اتموا الأمر بشكل كافي ..... ومهمته الآن ان ينقذها حياتها أو بالأصح ...حياته ! 

تحرك الضابط أحمد بسيارته لأقرب مشفى بهذا الطريق بينما توجهت سيارة الشرطة في اتمام الخطوة الأهم... وهي القبض على صالح الخاطف والمجرم ...وتسليم ليلى وابنتها سالمين ....

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖

خرج الرجل  من المخزن بعد مدة ليست بقليلة وكأنه بحث بجهد عن شيء مهم لا يستطع تركه .....ومعه حقيبة بالية !! 

ظن أن من استعجال اسماعيل بإختفاء الجثة... فأنه لن يسأل عن شيء ولكنه سأله !!....فقال له أسماعيل بتعجب وأوقفه : 
_ كنت بتدور على إيه والشنطة دي فيها إيه ؟! 

تعثر الرجل في الإجابة ثم قال بمراوغة : 
_ دي فيها هدومي يا باشا ...... عشان ما أسيبش أثر ليا هنا ، أنت علمتنا كده .....

شك أسماعيل بالرجل وخطف من يده الحقيبة ، وفتحها وعينيه بتهديد على عين الرجل .....ليجد فيها الأموال الذي أخذها من خزنته الخاصة ليعطيها لأحد رجال صالح الخائنين ....والذي ينتظر مجيئه !! .....
زم أسماعيل شفتيه بغضب ، وهتف به : 
_ بتسرقني يا أبن الـ.... ماشي ..... هحاسبك بس مش وقته ، روح خلص اللي قولت عليه وكلامنا في البلد مش هنا ...... 

نظر له الرجل بمكر وهز رأسه وكأنه خضع للأمر ، حتى تحرك خطوة صغيرة وارجع قدميه بلحظة خاطفة، وأشهر سلاحه بوجه أسماعيل قائلًا بتهديد: 
_ أنت ما تختلفش عن صالح كتير ، خاين ومالكش عزيز ....... هات الفلوس وهخلصك من الجثة ومش هتشوف وشي تاني ....

نعت أسماعيل نفسه فقد ترك سلاحه الشخصي في مكانه بمكتبه واستخدم سلاح آخر ...وقد اعطاه للواقف أمامه ! .....

قال وكأنه رضخ للتهديد ....ودفع الأموال بوجه الرجال وقال بغضب : 
_ أخلص ...ومش عايز أشوف وشك تاني .....

أنحنى الرجل ليتلقط حقيبة النقود من على الأرض بعدما سقطت ....بينما يديه وعينيه مصوبة على أسماعيل ...... أنحنى سريعا ليأخذ الحقيبة ولكن أسماعيل دفع يديه عاليًا فترنحت يديه وسقط المسدس عنوة من قوة الدفعة .......

ركض أسماعيل للمسدس وأخذه بنظرة انتصار ثم قال : 
_ مش حتت عيل اللي ياخد مني حاجة غصب عني ....ده أنا خلصت على اللي كل البلد كانت بتترعب منه ....هيوقف قدامي عيل زيك ويهددني ! 

كان أسماعيل يدافع عن هيبته، وخصوصا بعدما أنتهى أمر صالح على يديه .... وهذا ما كان سيجعله يرفع رأسه أمام أعدائه الآخرين ......

أشار اسماعيل للرجل باتجاه السيارة وقال : 
_ نفذ اللي قولتلك عليه وإلا هخلص عليك .... وبعديها تاخد حسابك وتغور من وشي .....

حسب أسماعيل غدر هؤلاء الرجال ، فآغراه بالمال ليعود وينفذ المهمة التي وكله بها .....لكنه سينال منه بالآخير ....هكذا وعود الفاسدين ....

كبت الرجل غيظ شديد من اسماعيل وتوعد له ، توجه للسيارة وما كاد أن يفتح بابها الأمامي حتى اندفعت الأعيرة النارية حوله ليسلم نفسه ولا يستطع يهرب ......

أتت سيارة الشرطة كالبرق وأصبحت أمام المخزن القديم بلمح البصر ...... ركض أسماعيل ليختبأ بالمخزن ....ولكنه تفاجأ بعيار ناري كاد أن يصيب قدمه .. وقف ورفع يديه حتى يتم وقف إطلاق النيران .....لم يهنأ بإنتصاره ......! 

قال الرجل بدفاع عن نفسه  للضابط الذي يتوجه إليه: 
_ أنا معملتش حاجة يا باشا ، اسماعيل بيه هو اللي قتل صالح والمسدس ببصماته معايا ....... والجثة في العربية ...

نظر اسماعيل بأنتقام وغضب للرجل الذي يبدو أنه يشفي غليله منه بهذا الأعتراف الذي أتى على طبق من ذهب للقضية دون مجهود ......قال الضابط له وهو يأمر رجال الشرطة أن يأخذهما : 
_ شاطر ..... ماتعبتش نفسك معايا ..... خدوهم على البوكس ....

أشار الضابط للرجال حتى تم القبض على أسماعيل ورجله وجثة صالح!! .....ويبدو أن النهاية لم تكن لصالح فقط .....

نفض بعض رجال الشرطة المخزن بحثا عن ليلى وأبنتها....حتى أن وجيه بحث معهم بجنون ولكن لا يوجد أثر لأي منهن !! 

خرج وجيه بوجه هربت منه الدماء ويخبر ضباط الشرطة أن ليلى والصغيرة ليس بالداخل ......فأخذ أحد الضباط طريقه إلى اسماعيل حتى عنّفه ليعترف بمكان السيدة وابنتها .....

لم يجد أسماعيل سبب لأن ينكر ....فقد قبض عليه بمكان الجريمة وبحضور الجثة والسلاح ....فما تبقى أن يخفيه ....فقال : 
_ راجل من رجالتي خدهم وهيسيبهم في اي مكان بالطريق .....محددتلوش مكان فمعرفش هيسبهم فين ! 

اسودت عين وجيه وهو ينظر له وكاد أن يصعد سيارة الشرطة وينشب أظافره بعنقه حتى يختنق ....ولكن سرعة الإنقاذ واجبة الآن .....
اعترض طريقه الضابط حتى لا يصل لأسماعيل وقال له : 
_ مش هو المهم دلوقتي ....المهم نلاقيهم .....

أمر الضابط أن يتصل اسماعيل بالرجل ويأمر بالعودة لهنا دون أن يخبره بشيء .... أعطى أحد العساكر الهاتف الذي وجدوه بجيبه بعد التفتيش له لكي يجري الأتصال ....ورفع أسماعيل الصوت ليصبح مسموع

حتى أجاب الطرف الآخر ...فقال اسماعيل ونظرته على ضباط الشرطة :  
_ أنت فين ؟ ووديت اللي معاك فين ؟ 

أجاب الطرف الآخر وقال : 
_ رميتها على الطريق هي وبنتها زي ما قولتلي وخلاص راجع لعندك ....... مالقتش لزوم ابعد أكتر من كده ، هي في كل الأحوال شكلها هتموت ! ..... 

دق قلب وجيه بعنف عندما سمع كلام هذا المجرم ..... فقال اسماعيل له : 
_ رميتها فين بالضبط ؟ 

رد الطرف الآخر : 
_ عند الكيلو ......

سمع وجيه الاجابة وركض لسيارته .....وذهبت سيارة من سيارات الشرطة معه بينما الأخرى حملت المجرمين وتوجهت لطريق قسم الشرطة ......

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖

كانت ليلى مُلقاه على جانب الطريق .....وفي حالة إعياء لم تستطع معها فتح عينيها بسهولة ...... فقد كانت الصدمة منذ الصباح وهذا الرعب والنوبات التشنجية التي مرت بها ....أكثر من أن تتحملها ...... وأكثر من قوة أعصابها وقدرتها على التحمل ..

حركت رأسها وهي تكاد تتيه بفقدان وعي مرةً أخرى .....وتضع الصغيرة رأسها على صدر أمها بعينان مفتوحتان وصوتها لا تستطع أخراجه ....كانت بالكاد تمتم هي الأخرى .....

_ ما.....ما .....ما ...ما ....

انتبه شعور الأم لصوت صغيرتها الضعيف ، فابتلعت ريقها وهي تجاهد لتنهض ولكنها كالمقيدة تماماً ......  

صرخ قلب الأم بجسد عاجز عن الحركة ...فأدمعت عينيها بألم شديد وخوف يصل لحد الرعب ....لا تعرف بأي حالة تكون على صغيرتها الآن .....ربما كانت بحاجة للأسعاف ! 

رجف قلبها صوت وقوف سيارة بشكل مفاجئ، حتى تنهدت بأمان عندما سمعت صوته يناشدها ويركض بإتجاهها ....

با...با ...وجيـ....ـه 
كانت الصغيرة تتحدث بصوت ضعيف جدًا وبالكاد مسموع ....ففقدت ليلى وعيها تمامًا بعد ذلك .....

هرع اليهما وجيه وخلفه الشرطة .....انتفض قلبه وهو يراهما هكذا .....وهتف برعب وهو يحمل الصغيرة من على جسد أمها: 
_ ليلى ..... ريميـــــه ..!! 

ضم الصغيرة لصدره بقوة ، وباليد الأخرى رفع رأس ليلى وهو يناشدها برجاء لتفتح عينيها : 
_  افتحي عينيكي طمنيني عنك ...أنا جانبك والبنت في حضني ما تقلقيش عليها .....

أسرع الى سيارته ووضع الصغيرة أولا ....ثم عاد ورفض أن أحد من رجال الشرطة يلمس جسد ليلى ..... فحملها لسيارته ....ثم أمر الضابط احد العساكر وقال له : 
_ أنت عارف اقرب مستشفى لهنا ....وصله وخليك معاهم ..... وأنا هحصلك ....

استلم الرجل مهمة قيادة السيارة من وجيه واسرع بالسيارة ......

كانت ليلى ترمي رأسها على كتفه ...بينما الصغيرة بين يديه ويحاول أن يتحدث معها .....عينيها مفتوحتان ولا تستطع التحدث ......
ربت على وجهها برفق وقال بقلق شديد : 
_ حبيبتي ردي عليا ...أنا بابا وجيه ....أنا هنا محدش هيأذيكي متخافيش .....

كانت الصغيرة تتنفس بالكاد ثم رمت رأسها على صدره وتشبثت به بكل قوتها وهي ترتجف بحالة فزع ...... ضمها وجيه بقوة وقبّل رأسها وهو يعتذر : 
_ أنا أسف....مش هسيبكم لحظة بعد كده .....

تشبثت الصغيرة بملابسه أكثر برعب وعينيها مفتوحتان على وسعهما كأنها ترى شبح ...! 
ولا تتحدث ! 

تنهد بألم ....وقال بنبرة ملؤها الحنان لتطمئن : 
_ مش هبعد متخافيش .... أطمني أنا معاكِ ....

بدأ يلاحظ ارتجاف الصغيرة بشدة ......فخلع جاكته سريعا ولف جسدها الصغير به ....ولكنها سريعا تشبثت بملابسها ورمت رأسها على صدره وهي على حالتها .....

ربت عليها بحنان ثم اختلس نظرة لوجه ليلى ..... تنهد بعمق وادرك أن عليه تحمل بعض الوقت .....ولكن هناك أشارة ضوء تأتي بكثير من الأمل .....أن المجرم الذي أرعبها لسنوات ......أنتهى أمره للأبد ......لم يعد بينهما عائق ليتجمع حبهما تحت سقف واحد ....

قال لهما بتأكيد وهنا بطريقهما للمشفى : 
_ مافيش حاجة هتبعدكم عني تاني أبدًا...... كل حاجة كانت واقفة بينا خلاص .... أنتهت ...

تعليقات



×