رواية خلف قضبان القلوب الفصل الواحد و العشرون بقلم ميمي عوالى
كانت السيارات الثلاثة قد اصطفت الى جوار بعضها البعض فى مدخل مقابر العائلة ، ليهبط الجميع مابين مترقب و متوجس و هم يراقبون رد فعل يونس و هو يهبط من السيارة بصمت مطبق و عينيه لا تحيد عن بوابة المقبرة و كأنها جمرة من اللهب
لتقترب سوزان من زكريا و زهرة و على وجهها ملامح قد تقترب من الهلع لتهمس لهم قائلة : يونس مانطقش ولا كلمة من وقت ما اتحركنا من القاهرة .. انا قلقانة عليه اوى ، و ابتديت اندم على الخطوة دى ، حاسة اننا ضغطنا عليه بزيادة
زكريا : اهدى يا سوزى .. احنا عارفين من البداية انها مش خطوة سهلة ، بس كان لازم تحصل من زمان
زهرة : اعتقد انك لازم تبقى جانبه يا زكريا ، حتى لو ما اتكلمتش معاه ، بس خليه يحس انك جنبه
زكريا و هو يتركهم و يتجه ناحية يونس : اكيد .. ماتقلقوش ، بس خلوا دادة زينب تفضل مع الولاد فى عربيتى على ما نخرج و اكدوا عليهم مايتحركوش
زهرة : حاضر
لتتجه عينا زهرة تجاه امها لتجدها هى الأخرى بملامح حزينة وعيون باكية فقالت هامسة : ربنا يستر و يعدى اليوم ده على خير
كان زكريا قد وقف الى جانب يونس و ضمه تحت جناحه رابتا على كتفه و قال : شد حيلك يا حبيبى ، دى اول مرة نور تشوفك من وقتها ، و اكيد انت كمان واحشها زى ماهى وحشاك بالظبط ، ندخل نقرا الفاتحة و ندعيلها ، و لو حسيت انك محتاج تقعد معاها لوحدكم قوللى و انا هتصرف
ليتقدمهم زكريا و يفتح الباب و هو يذكر اسم الله و يلقى تحية السلام ليتبعه الجميع مابين خاشع و راهب ليتمتم الجميع بقراءة الفاتحة و الدعاء و كل منهم له حوار خاص مع فقيدته
اما سوزان فلم تنفك تراقب يونس و امها و هى تكاد تسمع صوت دقات قلبها المتسارعة قلقا عليهما ، و لكنها اطمأنت بعض الشئ على امها عندما وجدت زهرة قد اقتربت منها و دعمتها بوقفتها الى جوارها
ليظل الحال على ما هو عليه ، حتى ربتت فاطمة على كتف بدر قائلة : بكفاياكى عياط يا بدر ، انا عارفة انها كبيرة عليكى ، بس ادعيلها بالرحمة
بدر و هى تكفكف دموعها : الله يرحمها و يعوضها خير فى جناته ، ثم اشارت الى شاهد اخر بالمقبرة و قالت : ابراهيم الله يرحمه هنا
فاطمة : ايوة .. الله يرحمه ، و منير كمان
لتتجه بدر الى شاهد الرجال و تقول : السلام عليكم يا عمى محمود ، و عليك يا ابراهيم و رحمة الله و بركاته ، الله يرحمكم و يغفرلكم و يسكنكم فسيح جناته ، عمرى ما هنسالك وقفتك معايا يا عمى محمود ، و يشهد ربنا انى عمرى ما بطلت ادعيلك بكل الخير على اد حبى و احترامى ليك
و يجازيك فى اخرتك كل الخير يا ابراهيم على تربيتك لبناتى ، و يعزك فى اخرتك زى ما عزتهم فى دنيتهم
اما انت يا منير .. فبشهد ربنا انى مش مسامحاك على اللى عملته فيا و فى بناتى كلهم
ثم تلتفت الى زهرة و تقول : ابوكى مدفون هنا لو تحبى تدعيله و تترحمى عليه
زهرة : انا ما اعرفليش اب غير بابا حامد الله يرحمه ، بس هقرا الفاتحة لجدى ولعمى و ادعيلهم
و ياريت انتى و مراة عمى تخرجوا تقعدوا فى العربية ، كفاية عليكم كده
فاطمة : ايوة يا بدر .. ياللا يا حبيبتى احسن تعبت من الوقفة ، و كمان عاوزة يونس يقوم من فعدته دى احسن قلقانة عليه اوى
زهرة : ماتقلقيش .. احنا هنحاول نجيبه و نحصلكم
بدر : طب انا هروح اقرا الفاتحة لابويا و امى و سيادة الله يرحمهم و بعدين ابقى اقعد فى العربية
فاطمة : طب ياللا و انا هاجى معاكى
اما يونس .. فكان قد افترش الارض أمام شاهد زوجته و عيناه مصوبة الى الارض و كأنه يبحث عنها بعينيه و وجهه تغسله الدموع ، بينما سوزان تجلس الى جواره و هى تتمتم بدعاء خفى و عينيها لا تحيد عن يونس
لينظر زكريا الى زهرة و كأنه يسألها عن الخطوة التالية ، ليجدها اقتربت من مجلس يونس و سوزان و قالت بصوت مسموع و لكنها هادئ : انا ابقى زهرة يا نور .. اختك اللى كان نفسى اتعرف عليكى زى ما اتعرفت على سوزان ، و احب اقول لك انى اتعرفت على همس بنتك ، و حبيتها اوى ، و اللى عرفت انها نسخة منك ، همس ماشاء الله زكية و ناجحة و متفوقة فى مدرستها ، و بتحب باباها جدا ، و كانت السبب انى عرفت ان ليا اخوات و عيلة
متهيالى يونس هيعرف يحكيلك هو اكتر منى ، و اللا ايه يا يونس ، اكيد نور مستنياك تحكيلها و تتكلم معاها
ليرفع يونس عينيه الى زهرة لتقول بابتسامة هادئة : لو اتكلمت معاها هتستريح .. صدقنى ، و لو تحب نخرج نستناك برة شوية مش مشكلة
ليقول زكريا بتأكيد : لو عاوزنا نخرج يا يونس عادى
و عندما لم يسمعوا منه ردا ، قالت زهرة مرة اخرى : خلاص .. تعالو نخرج نقعد فى العربية شوية على ما يتكلم مع مراته شوية براحته و يحكيلها على اللى حصل من وقت فراقها
و تمد يدها لتساعد سوزان على النهوض ، لتنظر لها سوزان بتردد و كانها تخشى المغادرة و ترك يونس ، و لكن زهرة اصرت على سحبها ، لتنهض معها سوزان بعد ان همست ليونس قائلة : لو حسيت انك محتاجنى فى اى لحظة انده عليا و انا هسمعك
ليتجهوا جميعهم الى الخارج تاركين يونس على جلسته امام شاهد زوجته و ما ان شعر بابتعادهم الا و سمح لصوت نشيجه بان يخرج من بين جنبات صدره و هو يقول : سامحينى يا حبيبتى .. سامحينى .. انا السبب
ثم رويدا رويدا بدأ فى حديث طويل يقص عليها فيه مدى اشتياقه و لوعته من فراقها ، و ما حدث منذ وقوع الحادثة
اما بالخارج فكانت زهرة تعاتب سوزان قائلة : ما ينفعش ابدا يحس اننا خايفين عليه بالشكل ده ، كده احنا بننقل له احساس انه مش تمام ، و انه لسه تعبان
سوزان : مش قادرة يا زهرة ، انا فعلا قلقانة عليه لدرجة عمر خيالك ما يوصل لها
زكريا : حبيبتى انتى طبعا عارفة انى اكتر واحد فاهمك و حاسس بيكى ، بس انا ابتديت اقلق عليكى اكتر من قلقى على يونس ، بلاش تضغطى على اعصابك بالشكل ده ، و ياريت تفتكرى اتفاقى معاكى قبل مل ترجعى مصر كان ايه
لتنظر له سوزان بخيبة و تقول : حاضر يا زكريا .. هحاول
و بعد مرور ساعة قالت فاطمة : ما تندهوله بقى يا اولاد ، ده داخل على ساعة كده ، لا يكون تعب و اللا حاجة و احنا قاعدين كده و مش دريانين
زهرة : ماتقلقيش يا مراة عمى ، زكريا كل شوية بيبص عليه ، بس صدقينى كده احسن ، هو محتاج انه يتكلم و يطلع كل اللى جواه ، و مهما اتكلم معانا عمره ما هيقول كل اللى جواه
و عموما .. هخلى زكريا يدخل يندهله و يجيبه
و بالفعل اتجه زكريا الى الداخل و قال بصوت مسموع : مش كفاية كده يا يونس ، ماتعبتش من الكلام
يونس و هو يضع كفه على الشاهد : لو بايدى افضل معاها هنا على طول و ما امشيش ابدا
زكريا : طب كقاية كده النهاردة ، ماما و خالتى تعبوا من كتر القعدة فى العربية
يونس : طب ماتروحوا انتو على البيت و سيبونى هنا شوية كمان
زكريا و هو يمد يده ليساعده على النهوض : انت عارف برضة ان ماما هتتحرك من هنا من غيرك ، ياللا يا حبيبى ، و نبقى نيجى تانى بكرة ان شاء الله قبل مانرجع على مصر
و بالفعل استطاع زكريا ان يعود بيونس الى السيارة و قال : ياللا بينا
و بعد ان جلس يونس الى جوار سوزان بسيارتها قالت له باهتمام و هى تقدم له زجاجة من المياة : انت كويس .. خد اشرب شوية ماية
ليتناول منها يونس الماء و بعد ان شرب بعضا منه قال : الحمدلله .. انا بخير ، ماتقلقيش ، ياللا بينا
اما بسيارة زكريا فبعد ان بدأ بالتحرك قال لزهرة ببعض المرح : طب ده انتى طلعتى جامدة اهو ، اومال بقى لما تاخدى الدكتوراة كمان هتعملى ايه
زهرة : دى شهادة اعتز بيها
زكريا : لا بجد .. برافو عليكى ، بس تعرفى ، احلى حاجة عاجبانى فيكى بجد .. انك بتاخدى الامور بهدوء ، من غير شعننة و لا غرور
زهرة : ربنا يكفينا شر الغرور و عمايله
زكريا : اللهم امين
تولين : هو احنا يا بابى لسه قدامنا كتير على ما نوصل
زكريا : لا يا حبيبتى .. خلاص ، هم خمس دقايق
همس : هو احنا هنرجع البيت امتى
زكريا : طب مش لما نوصل الاول يا ميسو نبقى نرجع ، بس عموما يا ستى ، يمكن بكرة ان شاء الله
زهرة للصغار: انتو جيتو هنا قبل كده و اللا لأ
تولين : مش فاكرة
اياد : و لا انا
زكريا : الحقيقة انا نفسى مش فاكر ان كنت جيبتهم معايا هنا قبل كده و اللا لأ
زهرة : طب و انتى يا هموس
همس : كنت باجى مع بابا و ماما و تيتا
زهرة : طب يا ترى بقى البيت حلو
همس: كبير اوى ، و كان فيه شجر كبير كمان كان بابا عامللى فيه مرجيحة بالحبال و الخشب
زكريا لزهرة : المفروض ان انتى كمان يبقى عندك فضول لبيت جدك اللى اول مرة هتشوفيه
زهرة و كأنها لم يخطر ببالها من قبل : بيت جدى
زكريا بتاكيد : ايوة طبعا بيت جدك الخياط الكبير
زهرة : تصدق ان كل تركيزى كان فى يونس و ماما ، و ما فكرتش ابدا فى الحكاية دى
زكريا : طب ادينى نبهتك اهو ، ياللا استعدى بقى .. ادينا وصلنا
لتجد زهرة امامها منزلا عتيقا ، و برغم مساحته الكبيرة ، الا ان مظهره الذى مزج ما بين الفخامة و البساطة فى آن واحد جعله يضقى ارتياحا و وميضا ساحرا من العراقة على النفس ، لتقف مشدوهة امام الابواب و النوافذ العملاقة التى تطل على باحة من الاشجار الوارفة المتشابكة الاغصان و عدد من الطيور الصغيرة تتنقل بين فروعها بأريحية و كأنها تملك المكان بما فيه
ليخرجها زكريا من شرودها عندما قال : ايه .. المكان عجبك للدرجة دى
زهرة بنبرة يكسوها الالم : اول مرة احس بالظلم اللى اتظلمته من ابويا من يوم ما عرفت حكايته مع ماما ، اعتقد ان لو ماكانش عمل اللى عمله و كنت اتولدت بين اب و ام طبيعيين .. انى ماكنش من السهل ابدا اسيب المكان ده و لا ابعد عنه
زكريا ببعض الدهشة : انتى عاوزة تفهمينى ان بيت جدى عاجبك اكتر من بيت بابا فى مصر
زهرة : تزعل منى لو قلت لك ايوة و بمراحل كمان
زكريا بابتسامة : ابدا .. مش هزعل طبعا ، بس تعالى نشوف الجماعة وصلوا اهم
لتلتفت زهرة الى الطريق مرة اخرى لتجد سيارة سوزان قد اصطفت الى جانب سيارة امها ، و ان الجميع يولى اهتمامه باستقبال يونس و امها ، و لكنهم يستمعون الى بعض اصوات الترحيب الاتية من داخل المنزل تلفت انتباههم
فقد تقدم منهم أحد الرجال فى العقد السادس من عمره و قال بترحيب : يا الف حمدالله على السلامه ، نورتوا البلد كلها
زكريا : اهلا يا عم سعداوى .. الله يسلمك
سعداوى : البيت اتنضف وبقى زى الفل زى ما وصيتنى ، و كمان الغدا جاهز من بدرى ، انتو اتأخرتوا اوى
فاطمة : ازيك يا سعداوى
سعداوى : تسلمى يا ست ام يونس ، نورتى البر كله اتفضلوا ، و لو انى مش هعزم عليكوا فى بيتكو .. لك وحشة يا سى يونس الف حمدالله على السلامه يا ابنى
يونس بابتسامة ودودة : الله يسلمك يا عم سعداوى ، انت كمان وحشتنى
سعداوى : لولا انى كنت بعرف اخبارك من سى زكريا كان زمانى عاتب عليك ، بس شوفتى ليك النهاردة اكنى فى عيد
سوزان : جرى ايه يا عم سعداوى .. طب و انا ، مافيش ازيك حتى
سعداوى بدهشة : ايه ده .. هو انتى معاهم يا ست سوزى ، يا ميت مرحب ، سى زكريا ماجابليش سيرة انك رجعتى من بلاد برة
سوزان : ده انا قلت نسيت شكلى
سعداوى بمرح : و هى الحلويات دى كلها تتنسى برضة
زكريا ضاحكا : شكل خالتى حسنية مش هنا و عشان كده واخد راحتك اوى و انت بتتكلم
سعداوى بامتعاض مرح : و ليه العكننة دى بس
فاطمة ضاحكة : طب تعالى سلم بس على الباقى الاول و نشوف هتعرف حد فيهم و اللا لا
ليتطلع سعداوى الى زهرة تارة و الى بدر تارة اخرى ، ليقول بحيرة و هو ينظر لكليهما : الابلة شكلها مش غريب عليا ، و لا الحاجة كمان ، اكنى اعرفها من زمن ، بس مش قادر افتكر ، السن له حكمه بقى
بدر : ازيك يا سعداوى ، انا عارفة انك صعب تفتكرنى ، احنا بقالنا فوق التلاتين سنة ما اتقابلناش
سعداوى بتركيز : تلاتين سنة ، ياولداه يا اولاد ، ده عمر تانى
بدر : انا بدر يا سعداوى ، بدر بنت على سليمان
سعداوى بذهول : بدر اخت سيادة
بدر : ايوة يا سعداوى ، انا بدر اخت سيادة ، و خالة زكريا
سوزان و هى تضم بدر تحت جناحها : و مامتى يا عم سعداوى
سعداوى بحيرة : عاش من شافك يا حاجة ، بس يعنى
زكريا : دى حكاية طويلة يا عم سعداوى هبقى احكيلك عليها .. بس ندخل بقى نستريح و اللا ايه
سعداوى : ااه طبعا لا مؤاخذة ، بس مين الابلة ، تبقى …
سوزان : دى زهرة اختى يا عم سعداوى ، و زى ما زكريا قال لك ، هنحكيلك كل حاجة
تحت ضياء القمر .. كان الجميع يجلس بالشرفة و هم يلتفون حول مائدة عتيقة يعلوها العديد من اكواب الشاى و الفاكهة ، و كانت حسنية زوجة مسعود تجلس بالقرب من بدر و تقول : دى حكاية و لا فى الحواديت يا ولاد ، بس انتى برضة غلطانة يا ام نور ، كان حقك اول ما سابك فى المستشفى و عرفتى بعدها انك حبلة ، كنتى تكلمى سى ابراهيم الله يرحمه طوالى ، او حتى كنتى جيتى على البلد و احنا كنا كلنا وقفنا معاكى
و ما سيبناكيش ابدا
سعداوى : و بعدهالك يا حسنية .. احنا هنقعد نقلب فى القديم ليه ، ده حتى العايط ع الفايت نقصان من العقل
حسنية بامتعاض : هو انا دايما كده لازما كلامى يطلع مامنوش لازمة
فاطمة : هو سعداوى بس يقصد اننا مانقعدش بقى نقلب فى المواجع
بدر : انما .. هو بيت امى لسه موجود يا حسنية
حسنية : لاااا .. موجود ايه بقى ، سى ابراهيم الله يرحمه جدده و اداه لامام الجامع عمله كتاب بيحفظوا فيه قرآن للعيال الصغيرين
بدر بفرحة : و الله صحيح .. فرحتينى
فاطمة : طبعا ابراهيم لما عمل كده يا بدر ما كانش يعرف انك موجودة ، فاتصرف يعنى ….
بدر : زكريا ابنه كان له نص البيت يا فاطمة ، و كويس انه عمله كده .. كتر خيره ، الله يرحمه
زهرة : هو انا ممكن اروح اشوف البيت ده
زكريا : الصبح ان شاء الله اخدك اوديكى
زهرة : تيجى معانا يا ماما
بدر : ان شاء الله يا حبيبتى ، انا نفسى اشوف البلد كلها .. واحشانى اوى
كان يونس يلتزم الصمت و هو يستمع الى الاحاديث الدائرة بين الجميع و هو ينظر بعيدا الى ركنا بعينه بين الاشجار الوارفة المحيطة بالمنزل ، و الذى تجمع فيه الصغار و هم يتبادلون الجلوس بمرح على ارجوحة معلقة بين شجرتين ، لتقول له سوزان التى كانت لا تنفك عن مراقبة نظراته : ايه يا يونس ، ليه ساكت كده و ما بتتكلمش معانا
يونس : ابدا .. بسمعكم
سوزان : طب كنا بنقول ايه
لينظر لها يونس ببعض الضيق قائلا : عاوزة ايه يا سوزان
سوزان : عاوزاك تتكلم و تنبسط معانا ، ماتبقاش على طول ساكت كده
ليشيح يونس وجهه بعيدا عنها دون تعليق ، فتقول له سوزان باصرار : لو فاكر انى كده هزهق و هسيبك تبقى فقدت الذاكرة و التركيز كمان ، لانك عارف كويس اوى انى ما بيأسش
يونس : شوفى حاجة تانية تشغلك بعيد عنى لانى ابتديت أزهق
سوزان : بذمتك حد يبقى حواليه الجو التحفة و ريحة الجو اللى تجنن دى و يزهق
يونس بحدة بسيطة : انا ابتديت ازهق من الحصار اللى انتى عاملاه حواليا ، ما ينفعش كده ، انا عارف انك بتحاولى تهتمى بيا و تعوضينى و انا بجد شاكر ليكى كل مجهودك ده ، بس كل شئ و له حدود يا سوزى مش كده ابدا
كانت سوزان تنظر ليونس بصدمة و قد احتقنت عيناها بالدموع ، ليشعر يونس بالندم على ما قد تفوه به ، فزفر تحت انفاسه و قال : انا اسف .. ما كانش قصدى اتنرفز عليكى
سوزان و هى تحاول تمالك نفسها : ماتتأسفش .. لان عندك حق ، انا اللى اسفة لانى فعلا زودتها ، حقك عليا
و قبل ان يستطيع يونس الرد عليها مرة اخرى كانت قد نهضت من جلستها و قالت و هى تحاول السيطرة على نبرات صوتها : انا هدخل اقوللهم يعملولنا شاى ، حد عاوز حاجة معينة
زكريا : انا عاوز قهوة يا سوزى
لتختفى من امام عينا يونس ، ليظل يتلفت باحثا عنها بعينيه بعدما احضرت الخادمة الشاى و القهوة دون ان تعود سوزان مرة اخرى
و لكنه يسمع زهرة و هى تقول بصوت عالى : ايه يا سوزى انتى روحتى فين
ليسمع صوتها آتيا من اسفل الشرفة بالخارج و هى تقول : لقيت عندهم جوة درة ، فقلتلهم يشووا لنا
بدر : طب و انتى يا بنتى هتفضلى واقفة عندك كده
سوزان : اصلى بحب اشم ريحته اوى ، و كمان عشان الولاد ما يقربوش اوى من الحطب و هو وا.لع
زهرة : طب انا جاية لك
سوزان : تعالى ياللا
لتنقضى الامسية دون اى حوار اخر بين يونس و سوزان التى تعمدت ان تقضى الباقى منها بالباحة الخارجية بصحبة زهرة و الصغار ، و حتى عندما انضم اليهم زكريا و يونس .. حرصت على عدم توجيه اى حديث له ، حتى عندما شعرت بانه يحاول تجاذب الحديث لمشاركتها اياه .. جمعت الصغار للذهاب الى النوم و اختفت من امام ناظريه ، ليلوم على نفسه مقابلة صنيعها معه بتلك الفظاظة التى لم يستطع محوها
اما بالصباح التالى .. فقد التف الجميع حول مائدة الإفطار التى امتلأت بخيرات الريف و التى علقت عليها زهرة بمرح قائلة : على فكرة انا ممكن ابيعكم كلكم و افضل هنا لوحدى عادى بس يفطرونى كل يوم الفطار ده
سوزان و هى تجاريها المرح : و انا ممكن اسيبك بس على شرط تبعتيلى منابى كل يوم
فاطمة ضاحكة : طب مانخليهم يعملولكم هناك اللى انتم عاوزينه اسهل
زهرة ضاحكة : طب لو عملولنا الفطير .. هتجيبولنا القشطة الطازة دى منين كل يوم
زكريا ضاحكا : سهلة .. نخلى عم سعداوى يبعتلنا جاموستين تلاتة نربيهم فى الجراج جنب العربيات
زهرة و هى تقف متحفزة : انا خلاص شبعت الحمدلله .. ياللا يا زكريا انت و ماما لو هتودينا زى ما قلت بالليل
سوزان : انا جاية معاكم
فاطمة : انتو هتروحوا كلكم و تسيبونى لوحدى
سوزان : مش هنتاخر يا ماما ، لولا ان ماما قالت انها هتروح مشى على رجليها كنت قلتلك تعالى معانا ، بس عارفة انك هتتعبى
همس : انا عاوزة اجى معاكم
تولين : و انا كمان
بدر : تعالوا معانا ياللا .. و نتفرج على البلد مع بعض كلنا
زكريا : ادونى بس عشر دقايق اشرب القهوة .. تحب تيجى معانا يا يونس
يونس : لا يا حبيبى .. روحوا انتو ، انا هفضل مع ماما
فاطمة : لو حابب تروح معاهم يا ابنى ماتشغلش بالك بيا ، زينب معايا اهى هى و حسنية و انتو يعنى اكيد مش هتتاخروا
يونس برفض : خليها مرة تانية
سوزان و هى تتجه الى الخارج : انا هستناكم برة ماتتاخروش ، خلص قهوتك بسرعة يا زيكو
اما بالقاهرة .. كانت مريم بصحبة حاتم و هما يتابعان وصول اخر شحنة باحدث المبردات التى قد اشتراها حاتم و قام بتجهيزها ، و كانت مريم تضع يدها فوق وجهها و هى تقول ببعض الاشمئزاز : ايه يا حاتم ده .. الريحة مش لطيفة خالص
حاتم : شششش .. ايه يامريم ، مانتى عارفة اللى فيها
مريم : ايوة طبعا عارفة ، بس ما تخيلتش ابدا انها تبقى واصلة لكده
حاتم : ان شاء الله نخلص منها بسرعة زى المرة اللى فاتت
مريم بقلق : انت متاكد ان ماحدش ممكن يحصل له حاجة بسببها
حاتم بسخرية : و هو كان حد حصل له حاجة الكام نوبة اللى فاتوا
مريم : و هى المرات اللى قبل دى كانت ريحتهم كده برضة
حاتم بعدم اهتمام : يعنى مش اوى ، بس مش الشهر ده اللى هيفرق يعنى ، و بعدين زى ما قلتلك قبل كده .. اول ما بتتحط على النار خلاص ، كل حاجة بتبقى تمام