رواية حب فى 2050 الفصل الاول بقلم صفاء حسني
نسمع من بعيد صوت أطفال يلعبون في الخلفية، ثم تقترب الكاميرا من منزل كبير في حي الحسين. يظهر المنزل ببوابة حديدية ضخمة على طراز قديم، محاط بسور عالٍ. داخل المنزل، تظهر تكعيبة عنب ممتدة حتى باب البيت. المنزل مكون من أربعة أدوار، كل دور شقة مستقلة، بالإضافة إلى دور أرضي واسع. ساعة كبيرة معلقة على باب المنزل من الداخل والخارج.)(مع كل أذان، تسمع أصوات رنين الساعات القديمة، أصوات لا تسمع إلا في هذا المنزل.)منزل مختلفة وسط تحديث من المعمار والطرق وتحويل مصر لتحفة معمارية وتحسي انك فى باريس او أمريكا زمان لان أصبح ليس لها وجود في هذا الوقت عام 2050
ولذلك تتوقف بطلتين (مليكة، فتاة شابة، تنادي على أنس، المصور.)
مليكة: (بفرحة وشغف) يا انس، البيت ده تحفة! تعالى يا أنس، نصوره!
أنس: (بقلق وخوف) يا لهوي، لا لا، ابعدي يا بنتي، ده بيت العقارب مش هينفع ندخل!
مليكة: (باستهزاء) ههههه، بتخوفني؟ عقارب إيه يعني؟ مهجور وملّيانه عقارب!
أنس: (بجدية وشرح) يا ستي، هو اسمه كده عشان ملك لعيلة العقرب، الحاج مجدي محمود عبد العزيز عقرب، كان أشهر صانع ساعات في المنطقة، ورثه عن جده، وابنه ورثه لأبنه محمود، وبعدين لحفيدته الحاجة رحمة. من سنين وهي محافظة على كل حاجة قديمة فيه، حتى الساعات! والحكومة حاولت تخرجها من البيت ده..
قطعت مليكة كلامه
مليكة: (بذهول وإعجاب) يا سلام! أنت عارف سيرتهم الهلالية أهو! ومش عايزني أصوره؟ ده مختلف عن أي بيت شفته، تحفة أثرية بجد! وسامعة أصوات من جوا! وكمان مدام فيها قلقل يبقي سبق صحافي ب امتياز..
أنس: (بقلق وتفسير) دي عقارب الساعات، بترن لوحدها مع كل أذان. البيت ده فيه حكايات كتيرة.
مليكة: (باستنتاج) عشان مهجور. تقصد..
أنس: (بمحاولة ان يفهمها) يا حبيبتي، إنتِ بتحسّي إنه مهجور، وبتخافي من أصوات الساعات والحيوانات. كمان، حتى كل الناس مضيقة من شكله لانه غريب وسط العمارات المرتفعة والتغير الجزرية فى كل مكان..
مليكة: (ببعض الخوف) حيوانات مفترسة! علشان كده ممنوع الدخول؟
أنس: (بتهدئة) لا، السيدة رحمة كبيرة في السن، وفتحت البيت لكل الناس. الحيوانات قطط وكلاب بس.
تنهدت مليكة براحة
مليكة: (بإصرار) طيب، كويس جدًا. ليه مينفعش ندخل؟
أنس: (بقلق) بقولك البيت في مشاكل لان صاحب البيت ظابط كبير، وعشان تعلق امه ب البيت ده رفض اي تغير فيه، وكمان ممنوع الإعلام يدخلوا عشان يقدر يسوي أموره مع البلد بدون شوشرة.
فضولها شدها اكتر
مليكة: (بثقة) متقلقش، أنا مبخافش من حد! لو أنت خايف، هات الكاميرا وأخرج أنت! بالعكس انا اقدر اساعده ان يثبت وجهة نظره ان يحتفظ بالبيت يعتبرؤ يا ست مكان اثاري..
أنس: (باستسلام) الموضوع ليه ابعد كتيرة إنتِ حرة، أنا مش مسؤول. النهاردة أول يوم في رمضان، وأنا لسه في بداية المهنة، مش عايز أفطر في "التخشيبة"!
مليكة: (بمرح) امشي يا جبان! حد يطول أول يوم يفطر في التخشيبة!
ابتسم أنس
أنس: (وبشرح ليها) جبان جبان، بس أعيش يا ماما! (و يعطيها الكاميرا) وينسحب.
تأخذ مليكة الكاميرا وتدخل المنزل. تبدأ بالتصوير، وترى السيدة رحمة تجلس تحت تكعيبة العنب، بيدها طبق مليء بالعنب والتوت. يأتي أحفادها وأطفال الجيران، يحملون فوانيس ورقية وزينة ورقية على شكل حلقات. وقطط كثيرة تملأ الحديقة حول السيدة رحمة.
الجدة رحمة: (بفرحة وحنان) يا عيوني، تعالوا يا حبايبي، إيه اللي في إيديكم ده؟
طفل: (بفخر) ده يا جدتى، الزينة اللي علمتيني أعملها علشان رمضان.
الجدة رحمة: (بحيرة وتشتت) أنا إمتى يا ابني؟ أنا لسه صاحية دلوقتي، وفين رمضان ده؟ أنا مش شايفاه!
بنوتة: (بشرح) يا جدتى، النهاردة أول يوم، وأمس اشترينا الزينة دي. إنتِ قولتي إيه ده، وحكيتي إنك زمان كنتِ بتعمليها كده، وعلمتيني.
الجدة رحمة: (بحنين وشوق) يااه زمان! فين زمان ده؟ وفين رمضان؟ إنتوا بتكدبوا عليا!
تقترب مليكة منهم وتشاركهم في الحديث، بابتسامة ودية.
مليكة: (بلطف) ليه بقى بنكدب عليكي؟
الجدة رحمة: (باشتياق) رمضان مش بيجي إلا لما أسمع صوت أمي وهي بتناديني، وعمتو ياسمينا، وعمتو ليلى.
مليكة: (بفضول) هما فين؟
الجدة رحمة: (ببعض الارتباك) هما مين؟
وتنظر لها
الجدة رحمة: نهى بنتى، كنت فين وايه الا فى ايدك ده؟
إبتسمت مليكة
مليكة: (بإجابة واضحة) أنا اسمي مليكة، مش نهى يا امى، وعندي ٢٥ سنة، خريجة صحافة وإعلام سنة ٢٠٤٥، يعني متخرجة بقالي ٥ سنين.
الجدة رحمة: (بدهشة) نعم! سنة كام؟ إيه الرقم الغريب ده؟ أمس كان سنة ١٩٩٤، وكنت راجعة من المدرسة، واشتريت كيس شيبسي عائلي بـ جنيه ونص، وكنت ناسية إننا في رمضان، ولسه هفتح الكيس سمعت صوت ماما!
إبتسمت مليكة ب لطف
مليكة: الجنية اتلغى من ٥ سنين يا أمي، عشان مبقاش ليه فائدة!
الجدة رحمة: (باستغراب) إزاي بقى؟ طيب الشيبسي بكام دلوقتي؟
مليكة: (بإجابة مباشرة) بـ ١٠ بونس.
الجدة رحمة: (باستفسار) إيه الاسم الغريب ده؟
مليكة: (بإجابة مبسطة) اللي أنا عرفتو، كان الجنية ملوش قيمة، غيّروا اسمه علشان حصل تغير فى عملت دول كتير اتغيرت واحنا معهم، الناس كمان فرحة ، ب عملة الجديدة.
الجدة رحمة: (باسترجاع ذكريات) آه والله! طيب إنتِ عارفة إن الفراخ كانت بكام وأنا متجوزة وعندي ٤٠ سنة سنة ٢٠٢٤؟ وصلت ٣٠٠ جنيه، والأعداء فضلوا يضربوا فلسطين بطيرتهم ويقتلوا الأطفال والنساء والرجال يوم ٧/ أكتوبر ٢٠٢٤ كان يوم غريب كان في فرحة لكن مكملتش.
سألتها رحمة
رحمة: ليه يا امى.
ردت رحمة وحكيت
رحمة: عشان وقتها أبطال من اهل فلسطيني قدور يعدوا الحدود الا كانت عاملها الأعداء، وكانت صوت وصورة وكسرت هيبتهم ف اتجنون وطلعوا جناينهم فى الناس الأبرياء وضرب صوريخ ومدفع وهدم بيوت ومستشفيات ومدراس وللأسف كان العالم بيتفرج والناس بتجوع وبتموت...
تستغرب مليكة، وتظهر تعاطفها مع الجدة.
مليكة: (بإشفاق) هو أنا سمعت عن اللي بتقولي عليه ده من أمي، لكن فلسطين خلاص اتحررت.
الجدة رحمة: (باستغراب) إمتى ده؟
مليكة: (بإجابة غير دقيقة) من ١٠ سنين أو ٨، مش فاكرة.
الجدة رحمة: (باستفسار) طيب اللي ما اتسمّوا راحوا فين؟
مليكة: (بإجابة مختصرة) رجعوا، اتشتتوا تاني. ومصر ودول كتيرة...
الجدة رحمة: (بصدمة) إنتِ بتقولي إيه؟ ازى دخلوا مصر وسيناء الا اتحررت في ٦ أكتوبر، وكنت بحتفل بيها في المدرسة! وأنا أول يوم في رمضان لازم أعمل فراخ وبسلة ورز، وزوجي أعطاني ٤٠٠ جنيه أجيب بسلة بـ ٣٠، طماطم بـ ٣٠، و بطاطس، أجيب فرخة كيلو يعني.
وضحت مليكة وهى تفكر في نفسها، المعلومات التاريخ تتحدث للجدة بلطف.
مليكة: الا عرفته في التاريخ بعد الحرب الا انتى اتكلمت عليها دخلوا مواجه مع مصر عشان يرحلوا اهل غزة ومع أحداث كتير المهم اهتزموا فى مصر على يد المصرين وفلسطين وبعد كده اتشتتوا فى كل مكان لكن كان اتبقي حبه من وقت الحرب ده وانتى عارفهم اشتروا بيوت فى كل مكان في مصر..
رحمة: (هزت راسها) اه يعني بقوا ضيفوا عندنا وبيدفعوا ضريب..
مليكة: (بصبر) طب احكي لي، علشان أنا فعلاً متشوقة أكتب عن رمضان في العصور من سنة ١٩٩٠ لحد النهاردة ٢٠٥٠، إنتِ فاكرة لحد إمتى؟
الجدة رحمة: (ببعض الارتباك) عصور إيه؟ هي إيران دخلت الحرب مع الأعداء صح، وأمريكا صح؟
مليكة: (بابتسامة) مش عارفة والله، اللي أعرفو إن الاتحاد السوفيتي رجع ما بين كوريا وروسيا والصين.
الجدة رحمة: (بصدمة) الاتحاد السوفيتي خسر من زمان أوي، درستها في التاريخ في الحرب العالمية الثانية، وأمريكا بقت دولة عظمى ومسيطرة، واللي ساعدها على كده البعدي عشان ينصرهم ويديهم فلسطين.
مليكة: (ضحكت) إنتِ مواليد أيام جمال، ولا السادات، ولا حسني، ولا السيسي؟ والا...
ابتسمت الجدة رحمة
الجدة رحمة: (بافتخار) أنا اتولدت أول ما مسك بابا حسني الحكم، وكبرت على بابا حسني وماما سوسن ، وعشت بداية التسعينات والثمانينات، وعاصرت جيل التكنولوجيا وثورة ٢٥ يناير الا غيرت كتيرة ، وسمعت أجمل أغاني إيهاب توفيق، وعمر دياب، وحمادة هلال، ومحمد فؤاد، وشيرين، وهاني شاكر، وكمان عشت زمان الأغاني الهبطة، وأسماء عجيبة: كبريتة، ومفتاح، وکسبرة! مهرجانات والترند وايامه..
مليكة: (باستغراب) مين كبريتة ومفتاح وکسبرة ده؟: يا ني، أنا دوخت يا أمي! الناس دي أصبحت ماضي لينا، وراحوا من زمان، واللي موجودين أسماء جديدة، وبنسمي اللي بتقوليه ده أيام الزمن الجميل.
الجدة رحمة: (بإصرار) الزمن الجميل ده بيتقال على أم كلثوم، وعبد الحليم، ووردة، وفيروز يا بنتي! أما ده نسميه شريط الكاسيت والمغني الأصيل. ابحثي على النت وإنتِ هتعرفي.
مليكة: (ضحكت) حاضر يا أمي، ومسكت ساعة فى ايديها وبتبحث..
سألتها رحمة
رحمة: ايه ده؟
ضحكت مليكة
مليكة: النت يا امى، وزى ما انتى قولتى صح..
رحمة: (استغربت) أيامنا كان تليفون تتش و اي فاي او باقة نت بس الصراحة الايام ده سرقت الناس والايام بقيت تجري وخصوصا من ٢٠١٩ وقت كرونا ومن قتها تحسي ان الزمن بيجري زى الصاروخ والعادات اختلفت..
مليكة: (ابتسمت) و طلبت منها بمدح: انتى موسوعة يا امى، ممكن نبدأ من البداية وأنا أسمعكي، رمضان كان إزاي أيامك؟
الجدة رحمة: (بالتردد) وأنا صغيرة، ولا وأنا كبيرة؟
مليكة: (باقتراح) من وإنتِ قد الأطفال دول.
الجدة رحمة فجأة تتوه مرة ثانية
الجدة رحمة: (بالتوهان) مين دول؟ إنتِ جيتي يا نهى، اتأخرتي ليه؟
مليكة: (باستفسار) مين نهى دي؟
الجدة رحمة: (بإجابة غير متوقعة) إنتِ نسيتيني يا ندلة! أنا حماتك رحمة!
مليكة: (بابتسامة) تمام، احكي يا أمي أي حاجة وأنا أجمع بعدين.
الجدة رحمة: (بإثارة) طيب يا حلوين، تعالوا أحكي لكم أول يوم رمضان كنت بعمل إيه.
الأطفال: (بإلحاح) ياريت يا جدة!
الجدة رحمة: (بفرحة) وتعالي إنتِ كمان يا نهى!
مليكة: (بإدراك) نهى نهى... بس أخلص... (تحمل طفلان على قدمها بكل حب) إنت اسمك إيه؟
إياد: (بإجابة مباشرة) اسمي إياد. (تبتسم للبنت) وإنتِ يا قمر اسمك إيه؟
نوران: (بإجابة بسيطة) اسمي نوران.
مليكة: (بإعجاب) أسماء حلوة! أنا اسمي مليكة. هو بابا وماما موجودين هنا؟
إياد: (بإجابة حزينة) لأ، بابا في الشغل.
نوران: (بإجابة حزينة) وماما عند ربنا.
مليكة تبكي، وتعانق الأطفال بحنان.
مليكة: (بدموع) يا حبايبي! تعيشوا وتفتكروا...
التفتت مليكة، لكن عينها وقعت على شخص واقف عند النافذة. ولكن عندما رفعت رأسها لم تجد أحدًا. شعرت بالخوف.
مليكة: (بنبرة خائفة) هو ممكن يكون البيت مسكون بجد، وفي حيوانات أو أرواح!