رواية بحر ثائر الجزء الثانى الفصل الاول 1 بقلم اية العربي


 رواية بحر ثائر الجزء الثانى الفصل الاول بقلم اية العربي



يا أنتِ... 

لا للخطر والمخاطر أنتِ.... 

لي كنتِ ولي ستظلين... 

لي للأبد أنتِ..... 

لي  يا الابتسامة السعيدة

لي يالسعادة البعيدة

لي يالضحكة  الشريدة

لي يا الحبيبة الفريدة 

لي ولقلبي وفي روحي

يا أنتِ... 

ياغراما عذبا ذقته 

يانجما بعيدا لمسته

لن أسمح بأن يأفل

ياحبا غريبا لذيذا متأخرا جائني

ومتأخرا ذقته... 

يا حلما جميلا حققته 

بعد عمر من الآلام

بعد عمر من الأيام....

( بقلم فيروزة  )

❈-❈-❈

لتشعر بالسلام يجب أن تتذوق مرارة الظلم  ،  لتقدّر الراحة يجب أن تمارس الألم  ،  ولتشتري السعادة عليك أن تدفع الثمن  ،  وحينما تعطي الحب بسخاء فاعلم أنك تأذيت من القسوة ودعك من أن فاقد الشيء لا يعطيه  ، لقد كذبوا علينا لأنهم فقط أرادوا أن يسلكوا المسار السيء في الرواية وتمنوا أن نتبعهم ولكننا لسنا تابعين بل سنظل دومًا مميزين . 

كلما مر الوقت مر العمر وتثاقلت الأحمال وليس لك متسع إلا إذا أسرعت في إنجاز ما تسعى له  . 
أنت لست سِوى هدفَا لتحقيق هدفٍ آخر  ،  أنت مجرد عاشق كل مسألته في الحياة أن يحافظ على مشاعر من يحب لذا إياك أن تنحرف عما تم تحديده لك وإن حدث فتحمل العواقب لإنك ستصبح بين شقي الرحى 
إما أن تضع وطنيتك على المحك أو أن ... تبتر أجنحة حبك الحقيقي  .( بقلم آية العربي) 

❈-❈-❈

الأجواء مجهزة بعناية لتتلائم مع ليلة رومانسية مميزة  ،  السرير معد على طريقتها الخاصة  ،  كأنها تآمرت معه ليسحر العين  ،  رائحة الورود اندمجت مع رائحة النبيذ  ،  ومع ذلك لم تؤثر أيٍ من هذه الأشياء به  . 

ها هو يسعى ليفرد أبسطة الوقت بالقدر المستطاع حتى لا يقع فيما لا يشتهيه  ، برغم أنه يدعي غير ذلك  . 

يوهمها أنه يريدها  ،  يوهمها عبر لمساتٍ جعلتها تمارس جرأة تنفرد بها كأنها أسرت جسده  لذا بات في مأزق كبير بين ما يريد وما لا يريد  . 

أين ذلك الاتصال اللعين الذي ينتظره  ،  أين من أوصاه وأكد عليه  ؟ 

بات يرجو الله ألا يفعلها وأصبح تحت ضغطٍ قوي خاصةً مع حركاتها وأفعالها ليشق صوت همهماتها رنين هاتفها الذي يجزم أنه استشعره قبل أن يصدح لذا تعلق به وهمس لينبهها  : 

- مارتينا  ،  هاتفك  . 

أُحبط جسدها خاصةً حينما ابتعد لتطالعه برغبة قاتلة وعيون خاملة فأسرع يدعي ضيقه ويستطرد بانزعاج  : 

- من هذا المزعج ؟ لقد نسينا أن نغلق هواتفنا  ،  دعيني أرى  . 

تحرك نحو الطاولة يلتقط الهاتف من فوقها ليجد المتصل توماس لذا ضيق عيناه وعرض عليها الهاتف فشعرت بالغضب وتحركت لتلتقط منه الهاتف ولكنه رفعه للأعلى يتساءل بملامح متجهمة وقد تعلق بحالة التأهب التي أحضرها كتعلق الغريق بالقشة  : 

- لماذا يتصل بكِ الآن  ؟ 

- أعطني الهاتف ثائر  . 

قالتها بنبرة متسلطة وهي ترفع يدها تحاول التقاطه ولكنه كان المتحكم وقد اتخذها ذريعة ومد يده يفتح الخط ومكبر الصوت ليتحدث توماس وهو في حالة سُكر تامة ويبوح بشماتة واستفزاز متعمد  : 

- مارتينا ال*  ،  هل تم الأمر أيتها ال **  ،  هل فعلتِ معه مثلما فعلتِ معي  ؟  هيا أخبريني من منا أفضل  ؟  كنتِ تخبريني أنني الأفضل على الإطلاق هل ما زلتي عند رأيكِ  ؟ 

ظل يذكرها بلياليهما سويًا وبأفعالها الخادشة واحدة تلو الأخرى ثم ختم كلماته الفظة بقهقهة عالية ساخرة ليحتل الغضب تقاسيم وجه ثائر الذي أغلق الهاتف ورطمه في الحائط وسمح لنفسه أن يثور فهذه فرصته لذا نطق حينما وجدها متبلدة تستوعب كلمات توماس  : 

- ما رأيك الآن  ؟ هل سمعتِ ماذا قال  ؟ هل اتفقتِ معه لكي تحطمي كبريائي  ؟  هل تستمتعين بغضبي الآن  ؟ 

نطق الأخيرة صارخًا فانتفضت واتجهت تتعلق به وتبرر له بهستيرية بعدما نجح في وضعها في قفص الإتهام  : 

- إنه يكذب  ،  هو ثمل ويتفوه بالتراهات  ، لا تصدقه أرجوك ثائر  ،  دعنا نكمل ليلتنا  . 

دفعها بعيدًا عنه ونظر لها باشمئزاز من رأسها لأخمص قدميها وهو يتخذ خطوة للوراء ويستطرد بعيون محذرة  : 

- إياكِ والاقتراب مني  ،  هو ثمل لذا فما قاله حقيقة  ،  فعلتِ معه مثلما تفعلين معي دومًا  ،  أنتِ حقيرة مارتينا  ،  تدعين أنك اقتربتِ منه لأجلي والحقيقة أنكِ امرأة ****  . 

كادت أن تقلب الطاولة وتثور ولكنه أسرع يرفع سبابته في وجهها ويستطرد بصياح وجحوظ  : 

- إياكِ وجنونكِ هذا وإلا أقسم ستندمين  ،  ليتني حقير مثلك حينها كنت سأجعل سمعتك وسمعة عائلتكِ على المحك ولكن لأجل ابني فقط  ،  لذا هيا غادري هذه الغرفة الآن  ،  لا أريد رؤية وجهكِ أمامي  . 

وصل غضبها وغيظها إلى ذروته ولأول مرة تجد نفسها مقيدة بالصمت  ،  تعلم أن ما قاله توماس ليس إلا حقيقة  ،  نعم فعلت لذا تتوعد في نفسها بالثأر منه بأي وسيلة  ،  ولكنها سترضخ الآن خاصةً وهي على يقين بأن ثائر في حالة جنونية وربما سببها الغيرة لذا أومأت واتجهت تلتقط مئزرها وترتديه مردفة بهدوء لا يمت لها بصلة  : 

- حسنًا ثائر سأغادر ولكننا سنتحدث  ،  ذلك الغبي نجح في إثارة غضبك ولكنه كاذب  ،  أنت تعلم أنني لم ولن أحب سواك  . 

- غادري الآااااان  . 

نطقها بنفاذ صبر لترضخ لأمره وتغادر الغرفة بإحباط شديد لعدم نيلها ما تريده ولكن يكفيها أنه لن يغادر القصر  ،  سيهدأ حتمًا وستحقق ما سعت له  ، ثائر لم ولن يكون سِوى لها وتحت طوعها  .

اتجهت لغرفة مجاورة ودلفت تفكر في خطة تنتقم من خلالها من ذلك التوماس  ،  عادت لهستيريتها وأرادت أن تهاتفه وتثور عليه ولكن هاتفها قد تحطم لذا توجهت تخطو نحو الأسفل لتجد والدها كما هو يتناول كأسًا من النبيذ فاتجهت تجلس جانبه لذا ابتسم وأردف وهو يطالعها بنظرات ثاقبة  : 

-ماذا مارتينا  ؟  هل سقط سهوًا منكِ  ؟ 

نظرت له وسحبت الكأس من يده وتجرعته دفعة واحدة ثم باتت تهز ساقيها لتردف بتوعد وهي تستعيد كلماته الخادشة   : 

- سوف أقتله  ،  ذلك الحقير تعمد إفساد متعتي  ،  هذه المرة سأقتله حقًا  . 

ضحك والدها وعاد يملأ كأسه ويرتشفه ثم نظر للبعيد وأردف بانزعاج  : 

- وأنتِ أفسدتي حياتي مارتينا ومع ذلك لم أفكر في الخلاص منكِ قط  ،  أدخلتِ بيتي ذلك المسلم الحقير مجددًا  ،  ليتني أستطيع الخلاص منكِ ولكن دون جدوى  . 

طالعته بغيظ فعاد ينظر لها ويردف بنبرة واهية  : 

- نهايتنا ستكون على يده تذكري هذا جيدًا  ،  ليتني فقط أقبض في يدي على دليل واحد يدينه حينها لن يعثر عليه أحد  .

ضحكت وأظهرت شراستها تجيبه وهي تدنو منه  : 

- هل مازلت تظن أنه أتى من أجلك أنت  ؟  بعد كل تلك السنوات  ؟  أبي أنت أحمق  ، أتعجب كيف لرجلٍ بعقلك هذا أن يصبح مسؤولًا في الجيش الفرنسي  ! 

ارتشف كأسه ثم نهض وتجاهلها واتجه نحو غرفة مكتبه وتركها تفكر في عدة طرق كي يتقبلها ثائر  . 

❈-❈-❈

منذ ساعات وهي تسعى لإخراجه برغم يقينها أن هذا لن يحدث بهذه السهولة  ،  لقد فعلها عمها ونفذ تهديده  . 

قلبها يحترق وتتلوى بألم ظلمه خاصةً حينما أكد لها المحامي أنه إذا صدرت نتائج فحص المواد التي عثروا عليها في ورشته وأُثبت أنها مواد مخدرة  ،  حينها ستتأزم الأمور  ، بالرغم من صدور نتائج التحليل الخاص به والتي أظهرت أنه لا يتعاطى أي شيء  ، ولكن يمكنه الإتجار بها  . 

تقف خارج مكتب التحقيق تفكر للمرة التي لم تُحصِها عددًا  ،  تارةً تقرر العودة إلى عمها والرضوخ له مهما كلفها الأمر  ،  وتارة أخرى تقرر تحديه بكل ما أوتيت من قوة  ،  وفي كلا الأمرين ستتخذ قرارها بناءً على رؤيته وما سيحدث معه  . 

تقابلها دينا تبكي بحرقة ويقف صالح أمامها عاجزًا عن مواساتها  ،  شعور العجز مسيطرًا عليه وهذا ما لم يتحمله  ،  يكفيه عجزًا  ،  عليه أن يجد حلًا لذا نطق موجهًا سؤاله إلى بسمة  : 

-  كتير طولو ،   تتوقعي عرفوا مين اللي عملا  ؟ 

رفعت بسمة أنظارها له تنطق عينيها بـ ياليت ولكنها تشعر بغير ذلك  ،  طاقة سلبية هجمت عليها وعلى دينا التي صاحت حينما سمعت صوت صالح تردف بتخبط  : 

- مش يمكن الحاجة دي بتاعتك إنت وكنت مخبيها في الورشة  ؟ 

توسعت مقلتاها وهو يلتفت يطالعها ليشعر بطلقة غير مرئية استهدفت قلبه لذا انعقد لسانه ولم يدافع عن نفسه ولكنها ندمت على تهمتها العبثية له  ،  تألمت حينما لمحت الألم في عينيه لذا عادت تنتحب وتلف وجهها عنه ولكنها أعطته الحل لتلك المعضلة لذا تحرك نحو الشرطي يردف بثبات وعزمٍ  : 

- بدي أقابل الظابط لو سمحت  ،  في شي مهم لازم يعرفه  . 

حدق به الشرطي لثوانٍ ثم نطق  : 

- استنى هنا  . 

طرق الباب ودلف يخبر المحقق الذي سمح له بالدخول  ،  دلف صالح ينظر إلى شقيقه نظرة امتنان وشكر وعزة  ،  نظرة قرأها داغر جيدًا لذا هز رأسه بلا  ، يرفض ما هو مقبلٌ عليه جملة وتفصيلًا ليتجاهل صالح نظراته ويلتفت إلى المحقق مردفًا بثبات  : 

- أنا بدي اعترف بشغلة يا حضرة الظابط  ،  هالأغراض لإلي  ،  أنا يللي خبيتن بالورشة  ،  داغر ما بيعرفش اشي عنن  . 

اعترض داغر بجسارة ونطق  : 

- لا يا باشا كداب  ،  هو بيقول كدة علشان يطلعني  . 

- هاي الحقيقة يا حضرة الظابط  ،  داغر ما بيتعاطى والحارة كلها تشهدله  ،  أنا يللي خبيتن  . 

قالها صالح بملامح ثابتة تخفي مشاعر متضاربة يرأسها الإصرار لذا تساءل المحقق بشك وهو يتفحصه بخبرته : 

- وانت بتتعاطى  ؟  

أطرق رأسه ولم يجب لذا عاد داغر ينظر إلى المحقق ويستطرد بضيق وانفعال  : 

- يا باشا ماتصدقوش  ،  بيتعاطى إيه بس ده بيكح لما بيشم السجاير  . 

وقع المحقق في حيرة بينهما وبنظرة استكشافية يجزم أنهما بريئان ولكن هناك قوانين وإجراءات يجب أن تطبق لذا نطق برسمية  : 

- أنا قدامي واحد بينكر معرفته بالمواد دي تمامًا وواحد تاني بيعترف إنها ليه  ،  ولا إيه يا متر  ؟ 

قالها ونظر للمحامي الذي أدرك أن صالح ورط نفسه لذا تنفس بعمق ونظر إلى داغر يردف  : 

- قانونيًا صالح هو المتهم لحد ما المعمل الجنائي يصدر قراره  . 

نهض داغر منفعلًا وترك المحامي يتحدث مع المحقق واتجه يقف قبالة صالح يردف بخفوت  : 

- أنا وانت عارفين كويس مين اللي عملها  ،  اللي انت عملته ده جنان ومش هسمحلك بيه  . 

أومأ صالح ورفع يده يربت على ذراع داغر ويستطرد بثقة ومآزرة  :

- علشان هيك لازم إنت اللي تكون برا  ،  أنا مش راح أعرف أطلعك من هون لو المعمل أكد نوع المواد هاي بس إنت راح تعرف تطلعني ،  إنت لازم تكون برا علشان تدير بالك على أهلك وبسمة  ،  ماتقلقش عليي ياخو  . 

برغم إدراكه أنه سيفعل وسيخرجه مهما كلفه الأمر ولكنه لم يتقبل فكرة تركه هنا  ،  لم يتقبل فكرة اعترافه بذنبٍ لم يقترفه لذا وضع رأسه بين كفيه يلتفت ويستغفر ثم عاد ينظر نحوه ليستطرد صالح محفزًا  :

- يالا ياخو ما بيسوى تضل هون  ، أولاد اختك زغار واختك وبسمة هديك الواطي عمها ماراح يصدق وراح يروح ياخدا غصب  ، اسمع الكلام واطلع إنت واثبت إن هو يللي عملا  .

 تعلق به لثوانٍ يفكر  ،  هو محق في كل ما قاله لذا أردف بتأكيد بعدما رضخ للأمر  : 

- هتطلع يا صالح  ،  واللي عمل كدة هيتحاسب  . 

أومأ له بتأكيد وتجلت على ملامحه ابتسامة ثقة ثم التفت ينظر إلى المحقق الذي ناداه ليستكمل أخذ أقواله  . 

بعد دقائق عدة خرج داغر من مكتب التحقيق فأسرعت إليه دينا تعانقه وتبعتها بسمة تتفحصه بنظرات متلهفة  ،  عانق شقيقته وطمأنها بكلماتٍ حنونة بينما نظراته عانقت بسمة وطمأنتها خاصة حينما لمح دموعها المعلقة  ، نظرتها ممتلئة بالخزي والأسف لذا لم تتفوة ببنت شفة بينما تساءلت دينا بتوتر  : 

- خلاص كدة هنروح صح  ؟  عرفوا إن الحاجات دي مش بتاعتك  ؟ 

أومأ بحزنٍ طغى عليه لتسترسل بعدما ابتعدت ونظرت نحو غرفة التحقيق  : 

- طب وصالح  ؟ 

تنهد بغصة وأجابهما يطرق نظراته  : 

- صالح اعترف على نفسه علشان يطلعني منها  ،  يعني هو دلوقتي هيتحبس بدالي  . 

أكل الذنب قلبها وتعلقت مقلتيها اللامعة بشقيقها وتساءلت  : 

- دي مش حاجته صح  ؟  هو ماعملش حاجة  ؟ 

هز رأسه بلا ولم يستطع قولها حيث بات مقيدًا بسلاسل الحزن والعجز لتتمسك دينا بذراعي شقيقها وتتساءل بترقب ونيران قلبها اشتعلت دون هوية  : 

- بس هيخرج مش كدة يا داغر  ؟  هيخرج صح  ؟ 

برغم مشاعر الحزن الطاغية عليهم إلا أنه لمح بريق الحب يأتي من عند شقيقته تجاه صالح فأراد أن يطمئنها ويؤكد لنفسه فقال  : 

- هيطلع يا دينا وعد  . 

التفتوا جميعا حينما فتح الباب وخرج صالح برفقة الشرطي الذي يقبض على يده ويجاورهما المحامي فأسرع داغر إليه يربت على كتفه ليجيبه صالح  : 

- خلص عاد يالا روحوا من هان  ،  الله ييسرها وبكرة ولا بعده بيطلعوني  . 

نظرت له دينا ولم تستطع إلا أن تقول ببكاء  : 

- أنا أسفة يا صالح  ، أنا عارفة إنك ماتعملش كدة أبدًا  ، الكلام طلع مني من خوفي على داغر . 

اعتذارها ودموعها وصدق نبرتها الآن كانوا بمثابة مسكن لجراحه لذا مر على محياه شبح ابتسامة خجلت من الظهور الآن ليسرع في رسم الجدية وهو يقول   : 

- خير إن شالله  ، يالا يا داغر اتيسروا انتوا  . 

سحبه الشرطي لمكان احتجازه ووقف داغر يتحدث مع المحامي ووقفت بسمة تآزر دينا التي ظنت أن نار قلبها ستنطفيء حينما يخرج داغر ولكن عبثًا  . 

❈-❈-❈

تحرك من الغرفة بخطوات مدروسة وسريعة في آنٍ حتى نزل الدرج ليلمحها غافية على الأريكة وتجاورها زجاجة المشروب الفارغة  . 

ابتسم بمكرٍ ورفع نظره للأعلى حيث كاميرات المراقبة لذا زفر وأسرع يكمل خطواته الحذرة نحو مكتب السيد إرتوا وبرغم التوتر الشديد الذي يستحوذ عليه إلا أنه كان مستمتعًا بعودته لرأس عمله المخابراتي  . 

اتجه نحو الممر حيث المكتب في نهايته وعينيه تراقب الكاميرات تارة والحرس في الخارج تارة أخرى   ،  وصل إلى غرفة المكتب ولف مقبضها ودلف يغلق خلفه بعدما ارتدى  قفازَا مطاطيًا ليجد حماه يستند برأسه على المكتب وينام كابنته  . 

أسرع نحوه وفتح الحاسوب الخاص به وعبث حتى حصل على سجل مقاطع المراقبة وقام بحذف المقاطع الذي ظهر بها ثم قام بتثبيت المشاهد الحالية لمدة عشر دقائق فقط هو الوقت المطلوب لإنجاز مهمته وعودته للغرفة قبل دخول الحرس للمناورة كعادتهم حسب أوامر ارتوا بحيث أن من يفحصها بعد ذلك لن يراه وهو يغادر بل سيرى الخارج خالي كما هو الآن . 

أسرع نحو الخزنة الموجودة خلف مقعده ومغطاه بلوحة فنية والموصودة ببصمة العين والإصبع لذا نزع ثائر اللوحة بحذر فظهرت الخزنة ليلف مقعد ارتوا ويتناول يده يوجهها نحو مكان وضع البصمة ويترقب الضوء الذي تحول إلى أخضر لتأتي الخطوة التالية وهي بصمة العين لذا زفر بقوة والتوتر حليفه ولكنه أسرع يقف خلف رأس إرتوا وبكفيه وأصابعه السبابتين والإبهامين قام بفتح جفنيه وظهرت عيناه أمام مستكشف البصمة الذي أعطى إشارة سلبية ضاعفت من توتر ثائر وأسرع يعدل وضعية إرتوا ويحاول مرة أخرى لتنجح هذه المحاولة وينير اللون الأخضر ويفتح قفل الخزنة  .

توغلت الراحة  توتره وترك إرتوا وأسرع يلف مقبض الخزنة ففتح بابها و مد يده يستل الملفات المحفوظة داخلها ويقلب فيها ويقرؤها قراءة سريعة من عينيه وتجلت على محياه ابتسامة انتصار وهو يخرج هاتفه ويلتقط صورًا لهذه الوثائق السرية والهامة للغاية والتي هي عبارة عن طريقة تصنيع إحدى المقاتلات الحربية الفرنسية الهامة والفريدة من نوعها بالإضافة إلى ملفات أخرى يمكنها القضاء على مستقبل إرتوا نفسه وجميعها بسبب ابنته المدللة  . 

التقط الصور سريعًا ونظر في ساعته ليجد الوقت يهاجمه لذا أسرع يعيدها كما كانت ويغلق الخزنة ويعلق اللوحة بحركات منظمة ودقيقة للغاية حتى نجح في إعادة كل شيء كما كان ليعيد حماه لمكانه أيضًا ويتحرك عائدًا نحو الخارج بعدما أتم مهمته بنجاح ولم يتبقَ سوى إرسال ما بحوزته عن طريق كتابة المقالات أو الكتب كما يفعل دومًا  . 

صعد غرفته وقبل أن يغلق الباب سمع صوت الحرس وهم يراقبون المكان واتجه أحدهم يحمل مارتينا التي غفت من كثرة تناول المشروب واتجه بها نحو الأعلى ليمددها في غرفة جانبية. 

بينما أسرع ثائر يتمدد على الفراش ويدعي النوم المبعثر قبل أن يستيقظ إرتوا الذي سينتهي مفعول مخدره بعد قليل  . 

❈-❈-❈

في سيارة بسمة يقود داغر بعقلٍ شارد بعدما هاتف منال وطمأنها ،  لم يسمع كلمات بسمة أو دينا التي كانت تريد الاطمئنان على صالح  . 

كان يفكر في شيء واحد وقرارٍ واحد فقط عليه أن يتخذه الآن لذا انعطف يسارًا وسلك مسارًا مخالفًا  فتعجبت دينا وتساءلت  : 

- احنا رايحين فين يا داغر  ؟ 

لم يجبها بل توقف جانبًا والتفت ينظر نحو بسمة التي تطالعه وتتساءل فأردف بنبرة صارمة  : 

- إحنا لازم نكتب كتابنا حالًا  . 

جحظت عيناها  وانعقد لسانها وكذلك دينا ليستطرد بضيق وحزن  : 

- لازم نكتب كتابنا بعد اللي حصل ده  ،  ولازم صالح يخرج في أقرب وقت  ،  هنروح دلوقتي للمأذون وبعدها هنروح لعمك أنا وانتِ  ،  قولتي إيه  . 

- كتب كتاب ايه  ؟  استنى بس فهمني  ،  هو عمها اللي عمل كدة  ؟ 

تساءلت بها دينا التي شب الحزن على ملامحها فتجاهلها داغر وحدق ببسمة ينتظر قبولها  ،  عجزت عن التفكير ولكنها على يقين أن جُل ما يسيطر على داغر الآن هو حرية صالح والانتقام   ،  حكيمة بطبيعتها تفكر وتحسب خطواتها جيدًا ولكنها لأول مرة ستنقاد خلف قلبها وقراره لذا أومأت له وأجابته بعدما ازدرت ريقها واتخذت مساره   : 

- تمام  ،  موافقة  . 

وافقت حتى تستريح عله يمتلك ما يريحها  ،  لقد أُرهقت من هذه الحرب النفسية التي يقيمها عمها عليها  ،  استنزفت طاقتها خاصة اليوم حينما وجدتهم يسحبونه ظلمًا أمامها لذا وافقت  . 

استأنف قيادته وهو يستل هاتفه ويتصل بأحد جيرانه الذي أجاب يتساءل بقلق  : 

- إيه يا داغر طمنا  ،  عملت إيه يابني  ؟  نجيلك انا وابراهيم  ؟ 

أجابه داغر بثبات وسعادة مجبر على إخفائها  : 

- أيوا يا سعيد هات ابراهيم وتعالى بس مش ع القسم  ،  على المأذون اللي في ****  . 

تعجب الشاب وتساءل يكرر  : 

- المأذون  ؟  إنت هتتجوز؟ 

- تعالى بس يا سعيد ولما توصل هتفهم  ،  يالا هستناكوا  . 

أغلق داغر معه وانطلق يفكر  ،  بطريقة ما لم تخطر على عقله سيتزوج من أحبها ولكنه لن يسمح لذلك العم أن يهددها به  ،  لن يسمح له باستغلالها ولا استضعافها  ،  لن يسمح له بتوريط صالح في هذا الأمر مهما كلفه الثمن  سيتزوجها ومن ثم سيوقفه عند حده . 

❈-❈-❈

لو لم يأكلها الاشتياق لصغيريها والحنين لهما ولو لم تحتل الأفكار عقلها من أجل ثائر لكانت استمتعت كثيرًا بين هذين الحنونين في الخارج  ،  الآن أدركت كيف تكونت شخصية حبيبها  . 

يمتلك والدان رائعان  ،  يكفي حبهما لبعضهما  ،  يكفي احترامهما المتبادل والحنين من كلاهما تجاه الآخر  . 

لقد عانت من هذا الأمر سواءً كان مع والدها أو زوجها السابق لذا فهي تقدره كثيرًا  ، بل تحب أن تراه وهذا ما حدث معها حينما جلست بينهما منذ قليل  ،  ليت حياتها القادمة تكون بين هذه الأسرة حتى يعوضاها عن إحساسٍ دفين يؤلمها خفيةً وخاصةً لأجل صغيريها  ،  تخشى عليهما من هذا الإحساس حينما يكبرا  ،  تريد أن تهيىء لهما حياة كهذه فهل يمتلك ثائر هذه الصفة  ؟ 

هل يمكن أن يكون أبًا لهما أم أن هذا لا يمكن حدوثه ولا يجب حدوثه كما تسمع وترى حولها من حالات  ؟ 

تنهيدة قوية صدرت منها ثم قررت مهاتفة صغيريها لذا اتجهت تستند على الفراش وحاولت ألا تظهر خلفيتها حتى لا يلاحظان التغيير ويتساءلان أين هي  . 

ثبتت الهاتف عليها وفعلت الاتصال ليمر ثوانٍ قليلة ويجيب مالك عليها مردفًا بحنين واشتياق  : 

- أزيك يا ماما  ،  وحشتيني جدًا النهاردة  . 

جملته جعلتها تنهمر في بكاءٍ مستمر وهي تجاوبه بحنين أشد وتتفحص ملامحه بمقلتيها  : 

- وانت وحشتني جدًا جدًا جدًا  . 

حينما لاحظ دموعها لم يحتمل  ،  برغم صغر سنه إلا أنه حنون لأقصى درجة لذا قال  : 

- طيب خلاص ماتعيطيش  ،  هو أونكل ثائر زعلك  ؟

هكذا تساءل بها الصغير خوفًا على أمه من ذلك الغريب لتتفاجأ ديما من سؤاله لذا تنهدت بقوة وحاولت أن تهدأ ورسمت ابتسامة على محياها ونطقت وهي تجفف دموعها  : 

- لا خالص يا حبيبي  ،  أنا بس بعيط علشان إنت ورؤية وحشتوني ونفسي أشوفكم جدًا  ،  بس وعد قريب جدًا هتلاقيني عندك وهنام في حضنك كمان  . 

هلل الصغير وأسرع ينادي لشقيقته التي جاءت ترحب بوالدتها وظلا يتحدثان معها إلى أن روى كلٍ منهم اشتياقه من الآخر  ،  بشكلٍ مؤقت فقط  . 

❈-❈-❈

الأمر كان أشبه بحلمٍ يعيشه كلٍ منهما  ،  يجلسان مقابل بعضهما يرددان كلمات المأذون وينظران لبعضهما نظرات تتعهد بالحب والأمان  . 

الشهود ودينا في حالة دهشة وتعجب وسعادة  ،  داغر نفسه لا يصدق أنها ستصبح على اسمه بعد لحظات  ،  من ظن أن قربها مستحيل ها هي تصبح له لذا ما إن أنهى المأذون كلماته وأعلنهما زوجان بزواجٍ شرعي نهض وسجد أرضًا يشكر ربه على تدابيره ولم يخجل أن يظهر فرحته  . 

لقد ظنها أزمة حلت على حياته  ،  حينما تم القبض عليه هجم عليه اليأس دفعةً واحدة وظن أنه لن ينجو منها ولكن أتى تدبير الله ليتزوجها بهذه الطريقة  . 

سقطت دموعها بسعادة ونهضت دينا تبارك لها وتحاول أن تزيح حزنها مؤقتًا ليعتدل داغر ويتنفس بعمق وهو يحدق بها ثم أردف بفيضٍ من المشاعر التي باتت مقروءة بوضوح في عينيه  : 

- مبروك يا بسمة  . 

- الله يبارك فيك . 

نطقتها بخجلٍ وتضارب مشاعر كثيرة أبرزها عشقٌ يتلألأ في مقلتيها  .

من بعدها بدأ المأذون يتحدث مع داغر والشهود ووقعوا جميعهم على العقد وغادروا المكان   . 

انطلق داغر عائدًا إلى الحارة كي يوصل شقيقته إلى المنزل وعقله الآن يفكر في مواجهة نبيل وبراءة صالح  ،  وضع فرحته جانبًا ورسم خطة سريعة يتمنى أن تنجح لذا رفع هاتفه يناقشها مع المحامي  . 

لم تستطع بسمة حجب خوفها الذي بدأ يسيطر عليها حينما استمعت له وكذلك دينا التي باتت تتساءل بقلق ولكنها لم تجد إجابة. 

عم الصمت بعدها إلى أن أوصلها فترجلت ووقفت أمامه تحدق به وأردفت بتأهب  : 

- طب أنا هقول لماما إيه دلوقتي  ؟  داغر بلاش المشوار ده أنا قلبي مش مطمن  . 

تعمق فيها وتنهد يجيبها بصدق وترقب وشجاعة   : 

- مهو لازم أطلع صحبي اللي محبوس بدالي ده يا دينا مهما حصل  ،  مش معقول هيضحي بنفسه علشاني وأنا هقعد اتفرج  ،  اطلعي إنتِ واحكي لماما اللي حصل لحد ما نرجع ولو لا سمح الله تليفوناتنا اتقفلت أو ماعرفتوش توصلولنا بلغي البوليس  . 

نشب الذعر داخلها فاضطر أن يتحرك وتركها وانطلق يغادر وبسمة تجاوره وتحركت دينا بخطوات مهزوزة نحو الأعلى تدعو الله أن يردهما سالمين . 

خرجت عن صمتها وتساءلت بتوتر  : 

- إنت ليه ماذكرتش اسمه في التحقيق يا داغر  ؟  احنا متأكدين إن هو اللي عمل كدة  ،  كان لازم البوليس يبقى عنده علم  . 

أجابها بعقلٍ شارد  : 

- مهو ده اللي عمك عايزه يا بسمة  ،  إني اتهمه علشان يرفع عليا قضية تانية  ،  فكرك يعني إنه هيسيب دليل يدينه  ؟  ولو فيه دليل فكرك إنه مش هيعرف يطلع منها  ؟  عمك فكر كويس هو وابنه ونفذوا بس حسبها غلط ولولا ربنا ثم صالح كان زمان خطته بتتنفذ  ،  أنا بقى هروح أقف قدامه وأقوله إننا اتجوزنا وإني طلعت  ،  عايزه يطلع أسوأ ما عندو  ،  عايزه يغلط وانتي هتسجلي كل ده صوت وصورة بس أوعي ياخد باله يا بسمة  . 

التمعت عيناها بالغيوم وهجمت عليها كتلة من الضيق وهي تستطرد  : 

- أنا قلقانة جدًا  ، الفيديو ده بمجرد ما ينتشر اسم العيلة هيبقى في الأرض  ،  الصرح اللي بابا بناه ووصاني عليه هينهار في الأرض  ،  أنا تايهة ومش عارفة أعمل إيه  . 

نطقتها بعقلٍ عملي استحوذت عليه وصية والدها لها وسمعة عائلتها ولا إراديًا تناست أمر صالح ليغضب داغر ولكنه تمالك نفسه ونطق موضحًا بتريث  : 

- فيه واحد متهم زور بتعاطي مخدرات وحيازتها يا بسمة  ،  ولو ماكنش اعترف على نفسه بدالي كان زماني أنا اللي مكانه وصعب حد يطلعني منها  ،  اللي عمك عمله ده لازم يدفع تمنه حتى لو خسر كل ثروته  ،  ولو على اسم والدك وشركته سبيها على الله ربنا عالم مين ظالم ومين مظلوم  ،  وبعدين إنتِ مش أي حد  ،  إنتِ بسمة الراوي اللي وقفت المصنع والشركة على رجليهم من تاني بعد ما ابن عمك كان هيدمرهم  ،  ويمكن ربنا رايد أنهم يبعدوا عنك بقى ويحلوا عن الشركة  ،  أنا بس أهم حاجة عندي دلوقتي هو صالح  ،  مش هسيبه يوم في الحبس بسبب واحد زي ده وأكيد إنتِ موافقاني الرأي  . 

وضعها أمام مرآتها وضميرها لتدرك أنه محق في كل ما قاله  ،  على مدار سنوات عانت مع عمها وابنه في التعامل  ،  هم بالفعل يسيؤون استخدام سلطتهم وثروتهم واسم العائلة  ،  هي لم تجنِ من ورائهم سوى الخراب ولولا حكمتها لكان انهار كل شيءٍ منذ وفاة والدها لذا أومأت له ونطقت بحزنٍ  : 

- معاك حق  . 

زفر بارتياح فهو يوقن أنها صاحبة ضمير حي ولن تقبل بكل ما يحدث لذا عاد يؤكد عليها  :

- أهم حاجة تفتحي البث المباشر قبل ما نوصل وماتظهريش إنك بتصوري  ،  وماتخافيش ربنا معانا  . 

- ونعم بالله  . 

❈-❈-❈

انتهت غفوته ونهض إرتوا متعجبًا من نفسه  ،  يشعر بصداعٍ يفتك به لذا فتح درج مكتبه واستل قرص مسكن وتناوله ونظر حوله بتعجب  ،  كيف غفا هكذا فجأة  ؟ 

نعم يحدث معه هكذا حينما يفرط في تناول المشروب ولكن هل أفرط حقًا  ؟  ،  هو لا يتذكر غير أنه احتد مع ابنته وغادر وتركها  ! 

رفع كفيه يدلك رأسه بشكلٍ متتالٍ وبدأ ينظر حوله وفجأة تذكر أن ذلك المسلم يمكث في القصر الآن لذا هب واقفًا والتفت ينظر نحو اللوحة بتشتت ليسرع نحو حاسوبه ويعبث به ليرى سجلات المراقبة  . 

أغشاه الله فرأى أن الأمر طبيعي كما خطط ثائر لذا زفر بقوة وارتد على مقعده يعاود تدليك رأسه ويردد بخفوت  : 

- لن أهدأ ولن أرتاح إلا إذا تخلصت من ذلك المسلم  ،  آهٍ مارتينا آه  . 

في ذلك الوقت كان ثائر يدعي النوم أو أنه غفا بالفعل حينما تسللت مارتينا إلى الغرفة مجددًا لتراه  . 

وجدته ينام وكفيه يتشابكان عند بطنه  ،  تشعر هي أيضًا بالصداع وتترنح من أثر المشروب ولكنها لن تضيع هذه الفرصة في الاقتراب منه  . 

ذلك الحقير توماس أفسد ليلتها ولكنها لن تستسلم وستحصل عليه مجددًا بأي وسيلة  ،  هو لها من البداية وبسبب حبه فعلت الكثير وقتلت الكثير ولن تهدأ قط  . 

اقتربت منه وجلست على الفراش تحدق فيه وفي تفاصيل وجهه وجسده  ،  دومًا كان مثيرًا بالنسبة لها  ،  يمتاز بالوسامة والهيبة في آنٍ  ،  ممارسته للملاكمة جعلت من جسده مثاليًا أمامها وأمام غيرها ولكنها كانت تنهي مستقبل كل من تعجب به  . 

امتدت يدها تتحسس شفتيه بخفة لذا فتح عينيه يحدق بها ونطق بثباتٍ وحدة متخليًا عن نعاسه كما اعتاد : 

- ابتعدي الآن  . 

تأفأفت بملل ونطقت كأنها لم تفعل شيئًا   : 

- هيا ثائر لا تضخم الأمور  ،  دعنا ننسى ونكمل ما بدأناه  ، لقد ازدت وسامة  . 

قالتها بعينين تتفحصان تفاصيله بجرأة فاعتدل يبتعد عنها ويطالعها باستحقار قائلًا  : 

- ننسى  ؟  تريدنني أن أنسى كلمات ذلك ال** وهو يخبرني أن زوجتي كانت معه في الفراش وتفعل مثلما تفعل معي  ؟  هل أنتِ مختلة أم حقًا أصبحتِ  ** مثلما قال  ؟ 

تعارك الصداع مع الغضب ليُنتجا ثورة داخلها لذا هبت واقفة ونطقت بصياح  : 

- توقف أيها الحقير  ،  أنت أيضًا فعلت  ،  تزوجت من تلك ال**** وفعلت معها ذات الأمر لا تدعي الشرف أيها الذكوري  . 

ختمت جملتها وهي تتحرك بفوضى عارمة وتبحث عن أي شيءٍ ترطمه فلم تجد سوى أغراضها الموضوعة عند مرآة الزينة فأزاحتهم أرضًا لذا نهض وتكتف يحدق بها بصمت ويدرك نرجسيتها ليظل ثابتًا يفكر في ديما  ،  دون أن تدري ذكرته بها وبالمشاعر التي عاشها معها وكيف كانت كالبكر معه  ،  شتان بينها وبين هذه المرأة  ،  بل لا توجد مقارنة من الأساس لذا نطق بجدية مستترة خلف قناع الغضب  : 

- تظنين أنني *** لأنسى ما قاله بهذه السهولة  ؟   حسنًا مارتينا إن لم تغادري الآن أقسم سأطلقكِ ولن يرف لي جفن وليحدث ما يحدث  ،  تدركين أنني لا أمزح  . 

حساباتها خاطئة  ، ولكنها تعلمه جيدًا حينما يثور وإن كانت ثورتها عاصفة فثورته تسونامي  ،  هي على يقين أن كلمات توماس أشعلت النيران داخله ولن تنطفئ بسهولة لذا ستنسحب مجددًا وهذا ما فعلته حينما نزعت نفسها والتفتت تغادر مجددًا خالية الوفاض على أمل العودة تدب الأرض بقدميها وتقدح نيران الشر من مقلتيها كأنها ليست بشرية  . 

❈-❈-❈

وصلا أمام الفيلا وترجلا سويًا ليراهما الحارس لذا نطق بترحاب  : 

- أهلًا وسهلًا يا بسمة هانم  ،  اتفضلي  . 

كاد أن يفتح لها ولكن قاطعه داغر الذي تأهب يردف  : 

- نادي على نبيل بيه  . 

طالعه الحارس بتعجب ثم نظر إلى بسمة التي أومأت له فتحرك يلتقط سماعة الهاتف ويتصل بالسيد نبيل يخبره  . 

دقائق حتى ظهر نبيل تجاوره زوجته على اليسار  وماجد على اليمين ،  رآه أمامه فتجمد ولم يصدق كيف تحرر هذا الداغر  ؟  ،  من المؤكد هناك خللاً ما  ،  كيف سيساوم بسمة الآن  ؟ 

لمح داغر صدمته فابتسم ونطق بصوتٍ عالٍ  : 

- إيه يا نبيل بيه مستغرب ليه بس  ؟  علشان طلعت يعني  ؟  شوف كرم ربك بقى  . 

تأهب ماجد وغضب حينما رآه طليقًا وكاد أن يخطو نحوه ليضربه ولكن منعه نبيل بقبضة يده وبدأ يصيح بانفعال يواري به صدمته  : 

- امشي من هنا بدل ما اطلب لك البوليس حالًا  ،  وانتِ يا بسمة ادخلي وبطلي تمشي ورا الهمجي الاستغلالي ده  . 

مد داغر كفه يحتضن كف بسمة التي تمسك بالهاتف بيدها الأخرى وتوثق ما يحدث في الخفاء  ،  نطق باستفزاز متعمد حتى يُظهر أسوأ ما فيهم  : 

-  تدخل فين يا نبيل بيه  ؟  بسمة من هنا ورايح مكانها جنب جوزها  ،  أنا وبسمة اتجوزنا  .

جحظت عينا نبيل وألجمته الصدمة كزوجته  ، هل تزوجها  ؟ هل ضاع الكنز منهما  ؟ وقفا مشدوهان على عكس ماجد الذي لم يتحمل الخبر ووصلت درجة انفعاله إلى ذروتها لذا تحرك نحوه يقبض على تلابيبه ويهزه بعنف مرددًا  : 

- اتجوزتها يا *  ،  ضحكت عليها علشان تلهف ثروتها مهي مغفلة    . 

نفضه داغر عنه بقوة فترنح ماجد وابتعد لينطق الأول بجسارة وهو يخفي بسمة خلف ظهره خوفًا عليها من سهام كلماتهم اللاذعة وصوب كلماته    : 

- اتجوزتها علشان احميها منكوا يا عيلة قذرة  ،  انتوا اللي عايزين تشفطوا ثروتها  ،  كنت عايز تتجوزها ولما ماوفقتش هددتها بيا يا جبان مش كدة  ؟ 

كشر ماجد عن أنيابه وأومأ بشرٍ يجيبه باندفاع أهوج متباهيًا أمام الجميع : 

- حصل واحنا اللي دبرنالك التهمة دي لإنك واحد ****   ،  طلعت منها آه بس المرة دي هخلص عليك بنفسي  . 

تحرك ماجد نحو الحارس قاصدًا نزع سلاحه ليقتله فأسرع نبيل يقيده وابتعد الحارس عنه فبات يتلوى ويحاول التحرر أمامهم لتصيح والدته بقسوة  : 

- ماتضيعش نفسك علشان واحدة زي دي يا ماجد  ،  ماتستاهلش تورط نفسك بسببها هي باعت نفسها من وقت ما راحت عاشت مع البيئة ده  ، وجوازهم أكيد تصليح غلطة   . 

نظرت لها بسمة ولم تجِبها  ،  الخيْبة والانكسار لم يأتيا منها بل أتيا من عمها الذي استطرد بقسوة مماثلة وهو يقيد ابنه : 

-  خدي الكلب ده وامشوا من هنا حالًا وأنا هعرف إزاي اخليكي تيجي تبوسى رجلي علشان أسامحك وادخلك بيتي تاني  ، طلعتي خسيسة مش بيتمر فيكي أي حاجة ،  وابقي وريني هتعملي إيه يا بسمة ومالكيش عندي مليم واحد وخلي القانون ياخد مجراه  . 

ابتسمت بألم وهي تطالعهم من خلف ظهر داغر الذي ود لو أن أنفاسه تلفظ النيران المشتعلة داخله فتحرقهم  ،  يفترض أن هؤلاء عائلتها  ،  يفترض أنهم جيشها الحامي ولكنهم عوضًا عن ذلك كانوا الذئاب التي نهشت عرضها ونهبت ثروتها وتناوبوا على دهس مشاعرها بلا رحمة ودون أن يرف لهم جفن  . 

وعت على يد داغر التي تسحبها وتتحرك بها نحو السيارة  ،  سمعت صوته بعيدًا يحثها على التحرك برغم أنه يجاورها ولكنها هي من تبتعد  ،  توازنها يختل  ، أنفاسها تتلاشى  ، ستقع وتفقد وعيها أمامهم وهذا آخر ما تريده لذا تحركت معه وسمحت له بسحبها  . 

أجلسها في السيارة وعيناه لا تفارقها بقلقٍ ينهش قلبه عليها حينما وجدها تبتسم والألم يقطر من مقلتيها لذا أسرع يلتقط منها الهاتف والتفت يستقل مكانه ويقود مبتعدًا عن هؤلاء  . 

قاد مسرعًا وهو يناديها   : 

- بسمة  ؟  خلاص عدت  ،  من هنا ورايح ماحدش هيقدر يقربلك  . 

تتطلع أمامها ولم تنبس ببنت شفة  ،  تفكر في اتحداهم سويًا عليها  ،  رأت وجههم الحقيقي دون أي تجمل  ،  رأت الكره في عيونهم بوضوح دون ستار  . 

-  ليــــــــــــه  ؟ 

تساءلت بها والغيوم فاضت من مقلتيها وتابعت مقيدة بصخورٍ تربض على صدرها  : 

- ليه بيكرهوني كل الكره ده ليه  ؟  عملتلهم إيه أنا  ؟  كل ده علشان الثروة  ؟  ليه يا داغر ليـــــــــــه  ؟ 

وجدها تنهار وقلبه ينهار معها لذا لم يحتمل فتوقف جانبًا وترجل يلتفت لها ويفتح بابها ويسحبها فجأة قائلًا  : 

- تعالي  . 

كلمة واحدة تبعها عناقًا واحتواءً يمكنها التخلي عن كامل ثروتها لأجله  ،  يحتويها بقلبه قبل يديه اللتان تحتوياها وبات يحركهما ذهابًا وإيابًا على ظهرها كي تطمئن ويطيب خاطرها  ،  كي يخبرها دون كلمات أنه لن يتخلى عنها  ،  لن يتركها  ،  يحبها حبًا أقوى من كرههم لها وسيعوضها عن كل لحظة حزنٍ مرت عليها معهم  . 

كلاهما كانا يحتاجان هذا العناق  ،  كلاهما يحملان أثقالًا خاصةً هذه الليلة المزعجة ،  كلاهما تعهدا الآن أن يواجها سويًا هذه الرياح العاتية إلى أن يأتي الربيع 
تعليقات



×