رواية امواج قاتلة الجزء الثالث (احفاد السياف) الفصل التاسع عشر بقلم نداء علي
وكل الطرق تؤدي إليك وكلها موجع بلا نهاية، يتوسلني قلبي أن نسلك دروبها مهما طالت ويدفعني الواقع إلى الهرب،فماذا أفعل؟
تناولت حبة الدواء وساعدتها والدتها على الاسترخاء، جلست إلى جوارها تقبلها بحنو وسعادة، تتأمل ملامحها الرقيقة ويبتسم قلبها بحنين، لقد حظيت سماء بكل ما يميز والدها، شعرها الحريري الكثيف ، بشرتها المعتدلة البياض، جاذبيتها الخاطفة والأجمل ابتسامته التي كانت عالماً تحيا بداخله فلما حُرمت منه وحُرمّت عليه اكتفت بالنظر إلى طفلتهما، تنهدت بألم وتحدثت إلى سماء بحب هامسة
مش هتقوليلي مالك ياقلب ماما، في ايه مزعلك كده؟
ابتلعت سماء ريقها بصعوبة ولم تستطع أن تفضي بسرها واكتفت بابتسامة باهتة قائلة بخفوت
ولا حاجة، أنا بس مرهقة من الشغل وكنت محتاجة ارتاح، وهفضل مع حضرتك فترة لحد ما أحس إني كويسة وقادرة ارجع الشغل.
تحدثت رحاب بدهشة
وسلمان، عارف انك هنا؟
سماء : وهو ماله يا ماما، أنا احتمال كبير أنقل شغلي هنا كمان.
نفخت رحاب بضيق ولم تجادلها فوجه ابنتها يوحي بالكثير، يوحي بألم احترقت هي بنيرانه سابقاً وتتمنى ألا يمس ابنتها ذاك الألم.
تحركت رحاب ناحية باب الغرفة، اغلقت ضوء المصباح وهمست إلى سماء
تصبحي على خير يا سما، هسيبك ترتاحي ونتكلم الصبح
لم تعقب سماء وبدت شارده تماما فتسرب الخوف إلى قلب رحاب، جلست في الخارج تفكر فيما يحدث، تساءلت بفضول قائلة
غريبة الحكاية دي، البنت كانت طايرة من الفرحة يوم ما اتقدملها سلمان، ايه اللي حصل وخلاها دبلانه كده، يمكن عمل حاجة زعلتها، ياربي اعمل ايه؟
ترددت قليلاً قبل أن تمسك بهاتفها وتخطو إلى غرفة نومها بعيداً عن مسامع سماء.
هاتفت هاشم قائلة دون مقدمات فهي كمن يخطو على جمر لكنها مجبرة
سماء حصلها ايه يا استاذ هاشم، عملت في البنت ايه تاني؟!
لم يمنحها جوابا وكأنه يتلذذ بصوتها أولا فعادت هي سؤالها بحدة طفيفة
انت معايا، رد عليا لو سمحت.
هاشم بهدوء : عاوزة ايه يا رحاب، سما هتقعد معاكي كام يوم، مش ده كان هدفك من أول ما اتطلقنا، أهي جاية تعيش عندك.
رحاب : اه طبعا هدفي وأمنية حياتي، بنتي ومعنديش غيرها يمكن انت مكتفي بولادك ربنا يباركلك فيهم، لكن أنا مليش غير سما.
قالتها بصوت يرتجف فتنهد بعتب قائلاً
انتِ عارفة ان سما نور عيني وأغلى عندي من أي حد في الدنيا.
رحاب بسخرية : اه طبعاً عارفة وافعالك بتأكد كلامك
صاح هو بصوت متعب
عاوزة ايه، هتوصلي لأيه تاني، دمرتي حياتنا بعنادك وعايشين نتألم بسبك
عبراتها لم تمنعها من رد هجومه وتحدثت بنحيب
أنا؟ اه صح أنا اللي كنت ليل نهار بتخانق وبغير وبأمر وبس، أنا اللي خيرتك بين أهلك وبيني، انا اللي رحت اتجوزت بعد شهر من طلاقنا، مظبوط يا هاشم، أنا السبب فعلاً، بس عارف أنا السبب لأني حبيتك وكنت شايفة فيك أمان مستحيل ينتهي وفي لحظة واحدة هديت كل حاجة فوق راسي
هاشم بجنون : وانتِ يعني ملاك؟ بلاش ترمي الغلط عليا لوحدي، انتِ كنت عارفه جنوني بيكِ وغيرتي عليكِ ومع ذلك محترمتيش ده، بلاش تكلمي ولاد عمك تعاندي وتقولي مقدرش دول اخواتي، متروحيش في مكان من غير ما اعرف، تخرجي وتكسري كلامي، بلاش شغل يا رحاب، لااا ده مستقبلي ومستقبل بنتنا.
هدأت رحاب قليلاً فهدأ هو بدوره واستكمل
ضيعتي أي فرصة لرجوعنا لما اتجوزتي، قتلتيني
رحاب بقوة
حقي، عملت نفس اللي انت عملته، انت سكنت غيري دنيتك وأنا كان لازم أقتل وجودك في حياتي، خلصنا يا هاشم أنا دلوقتي محتاجة اجابة لسؤالي، سماء سايبه بيتها وشغلها والعريس اللي اتقدملها وهربت من كل ده وراجعة بقلب مكسور ليه؟
هاشم بجدية
متكبريش الأمور، سلمان عريس زي غيره قلبها هينكسر ليه
رحاب : تصدق أنا غلطانه اني بكلمك، وانت هتفهم منين انها بتحبه، انت أهم حاجة عندك تنفذ اوامرك وبس، البنت نفسها تدخل طب يا هاشم، لأ ظروفي متسمحش، طيب هساعدك، ابدااا أنا ماخدش فلوس من حد، وبعدها بكام سنه تدخل بنتك التانية، هاخد سما تعيش معايا يا هاشم، لا أنا بنتي تتربي في بيت أبوها، و.. و.. مليون موقف ومليون وجع منك يبقى ازاي هتحس بمشاعرها، لو بتحس كنت عرفت من لمعة عينيها ولهفتها عليه انها بتحبه.
استمع إليها بانصات تام، نعم يعلم يقيناً أن ما يحدث وما حدث سابقاً كان صنع يديه لكنه عاجز عن الاعتراف، استكملت هي برجاء
لو لسه ليا عندك خاطر وباقي ذكريات حلوة كانت ما بينا بلاش سما، كله إلا بنتي يا هاشم متكسرش قلبها هي كمان
💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬
قام آثر بوضع المشتريات التي انتقاها الرجل ونظر إلى المبلغ الكلي قائلاً بابتسامة
الحساب ١٥٠ چنيه يا باشا
قدم إليه الرجل ورقة مالية قائلاً بفضول
انت من الصعيد
ابتلع آثر ريقه بتوتر قائلاً
آه يا بيه، بس متربي اهنه وعمري ما نزلت الصعيد
دقق النظر إليه ليتساءل من جديد
أجدع ناس يا....
انت إسمك ايه؟
تطلع آثر إلى أحد الزبائن الواقفين بانتظاره قائلاً بلهفة وكأنه قد وجد طوق نجاته
بستأذن حضرتك هشوف طلبات الاستاذ.
ابتسم إليه الرجل بغموض وتحرك نحو باب الخروج، التفت على حين غفلة فوجد آثر ينظر إليه بتوجس، ابتعد قليلاً عن المكان وتحدث إلى أحدهم قائلاً
أيوة يا حامد باشا، الواد اللي بعتلنا صورته موچود في الچاملية، شغال في مطبعة.
تحدث إليه حامد بسعادة
اوعى يغيب عن عينك ياواد انت، أنا هشيعلك كام واحد من رچالتنا وتچيبوه على العنوان اللي جولتلك عليه، بس من غير شوشرة، مفهوم؟
استمعت حياة إلى حديث زوجها بحذر كي لا يراها، فشهقت عندما سمعته يقول بغلظة
معاوزش الحكاية دي تطول يا وهيب، تخلصوا عليه عالسريع وترموه في أيتها خرابة واوعى حد يلمحكم
💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬
دقت ميادة الباب بقوة مرات متتالية إلى أن اجابتها سهيلة بصوت باكي قائلة
نعم يا ماما، همليني دلوك أنا مصدعة ورايدة أنام
ميادة بغضب : نامت عليكِ حيطة، افتحي الباب وقوليلي راجعة من بيت عمتك بتعيطي ليه، افتحي بدل ما اندهلك أبوكي يكسر الباب على دماغك
ارتعدت سهيلة واسرعت ناحية الباب وفتحت بحذر فدفعتها ميادة بجنون
في ايه، انتِ اتجننتي، بتقفلي في وشي ورافضة تفتحيلي، أنا أمك.
سهيلة بانكسار : سيبوني في حالي، من امتى هتهتمي بيا، بكفاية عليكم رحيم.
رفعت ميادة كفها وكادت أن تصفعها لكن عيناها الباكية جعلتها تشدها إليها بقوة فصاحت سهيلة بانهيار
خليكِ چنبي يا ماما، أنا آسفة والله وجليلة الحيا وعليت صوتي عليكي
ميادة بحنو وهدوء
انت ست البنات ونور عيني وحتة من روحي، بنتي وبنت نوح يعني واخدة غلاوة العالم كله ليكِ يا سهيلة، بس ليه توجعي قلبي عليكي انتِ كمان، من امتى واحنا بنفرق ما بينكم، من امتى وأنا بقصر معاكي انتِ أو رائد، ايه اللي جد علشان تغيري من رحيم، اخوكي الكبير يا سهيلة
شهقة باكية تعتذر بصوت نادم
اسفة، والله انتِ خابرة ان رحيم أخويا وصاحبي وعمري ما حسيت بفرج بينه وبين رائد، الاتنين أخواتي بس أنا تعبانه وبهبل في الكلام
ميادة بترقب
ليه، ايه اللي تاعبك يا قلبي
ابعدت عيناها عن والدتها خشيت أن يفتضح أمرها فمدت ميادة يدها وجذبت سهيلة إليها من جديدة قائلة
بنت نوح السياف متوطيش راسها ولا تخاف من حاجة، الحب مش عيب بس العيب هو اننا نتازل علشان حد ميستاهلش
همت سهيلة بالحديث فاستوقفتها ميادة قائلة
انا أول راچل دخل قلبي كان أبوكي، بس وجتها كان چوزي وقفلت قلبي عليه واكتفيت بيه عن كل رجالة الدنيا ومن حسن حظي إنه كان بيبادلني مشاعري، انتِ لسه صغيرة يا سيلا، بكرة مشاعرك تتغير وتكبر وتقوى ووقتها هتقدري تحددي مين يستاهل ومين ميستاهلش
💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬
كان يتطاير من حوله دخان كثيف لقد قضى ليلته ينفس عن غضبه في لفائف التبغ، بداخله نيران، لطالما غرس والده بداخله بذور الكراهية ناحية يزيد، هو الابن الاكبر المدلل المنعم بكل رفاهية كانت من حقه هو، عليه أن ينتزع من بين يديه كل شيء، أمواله وديمه، لكن يرزيد أطاح بكل مخططاته بعدما رفض بشكل دبلوماسي ارتباطه بديمه
القى لؤي عقاب سيجارته ودهسه ومشاعره تؤرجحه هنا وهناك وتذكر بعض ذكريات الماضي البعيد والتي تقف عائقاً بينه وبين رغبته في ايذاء يزيد
لقد سُجن يسري منذ سنوات، كان حينها لؤي طفل في عامه السابع، ابتعد عنه الجميع وبقي هو ووالدته يدفعان ثمن رعونة والده، باديء الأمر حاولت والدته أن توليه الرعاية التي بحتاجها لكنها لم تستمر في تفانيها فقد غلبتها رغبتها في الحياة وعادت إلى عالمها المليء بالسهرات التي لا تنتهي ليلاً والنوم المستمر نهاراً، نفذت أموالهم فهرولت هي إلى يزيد تستنجد به ورغم القطيعة التي استمرت بين يسري ويزيد لسنوات لم يبخل عليهم مطلقاً بل هرول إلى مؤازرتهم وبفضله استطاع يسري مصالحة خصومه وسداد ديونه والخروج من محبسه.
هب لؤي واقفا بفزع عندما استمع الي والده يقول
لؤي، ولد يا لؤي أنا جيت.
أسرع لؤي الى والده ولا يصدق ما يراه، كيف ومتى جاء إلى هنا
احتضنه بخفة قائلاً
جيت امتى يا بابا، وفين المدام
سري بغيظ : خلاص رجعتها لأهلها، طلعت نكدية، زهقتني ياض
رفع لؤي حاجبه بترقب وانحنى يحمل حقيبة والده بخفة، تطلع يسري إلى المسكن قائلاً باشمئزاز
انت عايش في القرف ده ازاي؟ روح عيش في فندق احسن
فتح لؤي إحدى الغرف والقى الحقيبة بهدوء مشيراً إلى والده بمرح
اتفضل هنا، اطمن الغرف كلها نضيفه، مفيش غير الصالة بالشكل ده لأني كنت متضايق شوية
التفت إليه يسري قائلاً
لأنك حمار
صاح لؤي بغيظ
وبعدين بقى، لزومه ايه الغلط بس
همس إليه يسري قائلاً
لأن نفسك لازم يكون طويل، مش احنا اللي نخسر من أول معركة
لؤي بملل : يوة بقى، خلاص انت عاوز منهم ايه تاني، فكني من القصة دي ووجع الدماغ، الراجل كتبلك حقك في ثروته ومقصرش
زأر يسري بحدة
اخرس، فلوسه كلها بتاعتي، ميراثي من أبوه، انا اتحرمت من حقي ومش هسيبه، مفيش مليم هيطلع من تحت ايدي، وبنت الملاجيء دي لو مكنتش ليك هخليها ترجع مكان مجابوها، فاهم
💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬
هاتفها مغلق، لم تأت إلى المشفى، والدها لا يجيب، ترى هل أصابها مكروه، هل تعرض لها ذاك الأحمق المدعو اسماعيل بسوء، قبض كفيه بغضب وغلبه اشتياقه لرؤيتها فغادر تاركاً كل شيء وراء ظهره، قاد سيارته وتوجه دون إرادة منه إلى بيت والدها
لم يشعر بطول المسافة فقد كان حائراً يخشى أن يؤثر ما حدث على علاقتهما، استغفر بسره عدة مرات يسعى لاستعادة ثباته، ترجل من سيارته بتردد لكنه لم يلبث أن وقعت عيناه على شقيقتها التي أسرعت نحوه بحماس قائلة
دكتور سلمان، حضرتك جاي لسما؟
توتر سلمان وتلجلج قائلاً
مساء الخير يا آنسه مروة، أخباركم ايه؟
ابتسمت بود قائلة
بخير الحمد لله، حضرتك تحب تطلع فوق؟
سلمان بهدوء : هي سما اهنه؟!
مروة : لأ، سماء سافرت، قالتها بحزن ونكست رأسها إلى الاسفل
امتعض وجهه، وانقبض فؤاده، وجال بخاطره حزن ألم به عندما اعتقد خاطئاً أن سماء لا تحترم وجوده فلم تكلف نفسها عناء طمأنته برسالة واحدة، لم تبلغه بغيابها عن العمل، لم تمنحه جوابا بالرفض أو القبول.
لاحظت مروة نظرات المارة من حولهم والفضول القاتل بأعين بعض الجيران فاخبرته دون تردد
على فكرة بابا هو اللي طلب منها تسافر، وكمان طلب منها تسيب الشغل معاكم.