رواية قلبي وعيناك والايام الفصل الثامن عشر
اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.
صلِ على النبي 3مرات
لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات
~... كشف المستور....~
نظر وجيه إلى الصغيرة ريميه في عطف شديد ...... بشوق أن يضمها بقوة .... فهو يقدر منزلة كائن صغير بريء بالنسبة لطفلة !!
وبراءتها التي تحتوي ضعف أرق الكائنات......
ضمت الصغيرة القطة بقوة حتى أن جحظت القطة عينيها من الاختناق بعض الشيء ...... سألته وصوتها يرتجف :
_ خايفة اسميها بسبوسة ترجع تموت تاني !
رفع وجيه يده وربت على رأسها بحنان وقال بصوت هادئ وواثق :
_ لأ سميها زي ما أنتِ عايزة ...... محدش هيقدر يزعلك بعد النهاردة .....
مسحت الصغيرة عينيها الباكيتان بجسد القطة المليء بالشعر الكثيف فابتسم وجيه بمحبة ......فقال ممزاحا :
_ الفستان ده جميل أوي عليكِ ..... شبه سندريلا ....بس سندريلا صغيرة ..... تعرفي سندريلا ؟
ابتسمت الطفلة ابتسامة خفيفة وهزت رأسها بالإيجاب وقالت وهي تمرر قبضتها الصغيرة على رأس القطة :
_ ماما حكيتلي الحدوته بتاعتها ...... لما كان ......
صمتت الصغيرة في حزن شديد بمقلتيها والتمعت عينيها بالدموع مجددًا .....لاحظ وجيه حزن شديد أكبر أن تتحمله طفلة مثلها ..... وأكبر أن تستعوب أسبابه بحداثة عمرها .....إلا لو كان الأمر خطيرًا .....سألها في حيرة :
_ لما كان إيه ؟! ......كملي !!
ابتلعت الصغيرة ريقها ومرت مشاهد بخاطرها سريعا ثم قالت وهي تبدأ بنوبة بكاء جديدة :
_ لما كان بابا صالح بيضربني .....
كانت تخرج الكلمات بنطق ليس صحيح تمامًا ولكنه يخرج واضحاً أيضا ...... صرّ وجيه على أسنانه بغضب من هذا المجرم الذي انتزعت الرحمة من قلبه ليعنف طفلة صغيرة كهذه عاجزة عن الإساءة لأي مخلوق !! ..... أخذ نفسا عميقا قبل أن يرد ولكنها أضافت فجأة :
_ وكان بيضرب ماما جامد ..بـ ... بالحزام .... ويحبسها في الضلمة...... وتصرخ طول الليل .....
قالت الصغيرة ما كانت تسمع أمها تشكو به وتصيح مستغيثة طيلة السنوات الماضية وهي تصرخ للنجدة من براثن هذا المجرم ....
اتسعت عين وجيه بصدمة وتسارعت أنفاسها بنيران تستعر وتتأجج بداخله ....... نهض فجأة وكاد أن يسحق أسنانه من فرط الغضب ....
لم يصدق ما يسمعه !
هل تعرضت لهذا الأمر حقا !!
هل كانت تتعذب بالضرب وتسجن بالظلام ؟
في اشد غضبه منها لم يستطع حتى أن يصفعها صفعة ولو بسيطة !
هل حبيته كانت تتعرض للضرب وهو هنا لا يشعر بشيء مما تعانيه !!
اسودت عينيه من الغضب حتى حاوط رأسه بيديه كي لا تنفجر من الدماء التي تغلي وتجعله يكاد يبحث عن هذا المجرم وينتقم منه أشد انتقام ......
تمالك أعصابه بالكاد وأنفاسه تتصارع ثم نظر للصغيرة التي لا ذنب لها في أن أبيها الحقيقي يكون هذا الحقير .....أقترب منها مجددًا وقال وبعينيه أصرار لمعرفة الكثير :
_ كملي ...حصل إيه ؟
كانت الصغيرة تنظر أمامها في ثبات .... عينيها لا تتحرك ويديها تمر برفق على رأس الهرة التي سكنت تمامًا بين ذراعيها واستسلمت لرقة براءتها ..... وقالت وشفتيها ترتجفان وهي تتحدث بتلعثم :
_ بابا صالح كان بيقول أنه هيموتها لو مرجعتش البيت ..... عشان راحت عند جدو عزيز .....
كنت بعيط ....ماما لو ماتت مش هترجع.... بسبوسة لما ماتت مش رجعت!!
وأضافت والدموع تسقط من عينيها :
_ لما كنت بصرخ عشان عايزة ماما كان بيضربني أوي .....
تركت الطفلة الهرة قليلًا ثم رفع أناملها اتجاه رقبتها وأشارت عند رقبتها من الخلف وقالت :
_ ضربني هنا ....
اقترب وجيها ونظر برقبتها ليصدم ان هذا ليس ضربا عاديًا أنه حرق بشيء گ السيجارة !! ....يا الله !!
كيف يفعل هذا بطفلة والمفترض أنها أيضا ابنته !!
ابتلع وجيه ريقه بمرارة وعطف كبير على هذه الطفلة المسكينة فاقترب لرأسها ووضع قبلة طويلة على شعرها قائلًا باسف :
_ ما تفتكريش أي حاجة حصلت من دي ..... ومتخافيش يا حبيبتي .... محدش هيقدر يقربلك طول ما أنا جانبك .....أوعدك .....وبعدين في فسح كتير ولعب وكل حاجة بتحبيها هجيبهالك ...نزعل بقى ولا نضحك ؟
مسحت الصغيرة عينيها وضمت الهرة من جديد وقالت بابتسامة بريئة :
_ بابا وجيه ....أنا بحبك أوي .... مش تسيبنا تاني أنا وماما ....
ماما بتفرح لما بقول لربنا أني عايزاك تفضل جانبنا ....هي قالتلي كده ....
نظر لها وجيه بصمت للحظة ثم قال بشوق لشيء سيروي قلبه المحتضر :
_ قالتلك إيه ؟
أجابت الصغيرة وهي تتحدث بعفوية :
_ امبارح كنت بكلم ربنا .... ماما قالتلي لما تكوني عايزة حاجة قولي لربنا ..... قولت لربنا أني بحبك وعايزاك تفضل معانا على طول ....ماما قالتلي أنها بتفرح وبتطمن لما بقول لربنا كده .....
تسللت ابتسامة عاشقة لعينيه ....شيء من الشوق تمنى لو يرها الآن ....وأن يواجهها بما عرفه للتو ....كلمات بسيطة ...ولكنها نفضت الغبار عن خباياها .....مختصر عن الماضي ، قالته هذه الطفلة ببراءتها وأوضحت الكثير.......
قبّل رأسها مجددًا ومن قلبه يشكرها على هذا الأعتراف الذي أضاء قلبه من جديد .....قال بمحبة شديدة للصغيرة :
_ أنا كمان بفرح وبطمن لما بتقولي لربنا كده ..... أنتِ الأمل اللي باقيلي ..... بس إيه رأيك في القطة ؟
ابتسم الصغيرة وهي تضم الهرة وقالت ببهجة:
_ جميلة أوي وناعمة .....
نظر لها مبتسما بمحبة ولعينيها الجميلتان التي تشبه عين امها بتطابق كبير ...... ستكن نسخة منها عندما تكبر .....
هكذا كان رأيه وهو ينظر لعينيها ولأبتسامتها الجميلة .....كان يتمنى منذ عشر سنوات أن ينجب طفلة تشبه ليلى ....وها هي أمنيته أمامها مباشرةً.......واسفه أنها ليست أبنته !
أرداد أن يعرف ما هذ الأسباب التي أدت لأن يكون هذا عقاب ليلى ولكن حتما ستكن الاسباب خاصة لن تصل للصغيرة ......وكل ما تعرفه هو نتيجة الخلاف فقط .....
تذكر الأمر مرةً أخرى فعاد غاضبا ....فأبتعد عن الصغيرة واتجه الى النافذة ..... هناك أمور كثيرة يبدو أنه لا يعلمها ....يبدو أن ليلى لم تكن حياتها هادئة تمامًا .....بل بها الكثير من الشقاء والقسوة .....ولكن لماذا ترفض الأعتراف بها ؟!
ولماذا لم تخبره وتدافع عن تفسها ؟!
هذا شيء يحيره كثيرًا !
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
في مكتب السكرتيرة الشخصية لمدير الشركة " عاصم شكري " وهي امرأة أربعينية أنيقة لدرجة كبيرة ويصعب تحديد عمرها .....
كانت مشغولة بالتحدث عبر الهاتف لأحد الفروع الأخرى للشركة ويبدو أن هناك مشكلة ما بالشحنات ..... انتهى الأتصال الذي أخذ ما يقرب النصف ساعة واغلقت الخط ......
تنهدت بعمق وقالت :
_ مستر عاصم لو غاب عن فرع من الفروع لأكتر من أسبوعين الدنيا بتتكركب على دماغي !
كان يبدو أنها تحدث نفسها فألتزمت ليلى الصمت ولم ترد وظلت جالسة بأريكة سوداء اللون من الجلد، وعلى بُعد خطوات من مكتب السكرتيرة ....تذكرت ليلى أمر زوج صديقتها ايمان وأنها قالت أن زوجها السكرتير المدير .....تعجبت !!
وأرجعت الأمر أن لابد ان يكون هناك سكرتير رجل للأمور التي تخص التنقل والمتابعة الخارجية للفروع ......قالت عفاف " السكرتيرة" إلى ليلى بابتسامة رسمية :
_ أنا عارفة أن المفروض كنتِ تدخلي من ربع ساعة لمستر عاصم ....بس جاله عميل فجأة فمقدرتش أأجل المقابلة ....بعتذر .....
كانت تتحدث بلباقة ودرجة عالية من الهدوء ...لم يكن عليها الأعتذار فكان يكفي التوضيح فقط .....ردت ليلى بلطف :
_ مافيش مشكلة .....بس ممكن أفهم حاجة ؟
اومأت عفاف رأسها بالقبول وقالت :
_ اتفضلي طبعا ...
طرحت ليلى سؤالها باستغراب وقالت :
_ أنا بالفعل عملت انترفيو وشغلي تقريبًا اتحدد شغلي خلاص...ليه لازم أقابل مستر عاصم ؟! .....هو ده روتين هنا لكل الموظفين؟
ابتسمت عفاف وبعينيها شيء من السخرية فقالت :
_ لأ طبعا مش روتين.... بس زي ما تقولي كده متوصي عليكِ بزيادة ....طبيعي أن مستر عاصم يقابلك بنفسه !!
وقفت الكلمات بحلق ليلى ....المرأة لديها الحق بلمحة السخرية بعينيها .....فيبدو أنها تمقت المحسوبية والوساطة وتقبلت هذا الشيء مرغمة .....
ولكنها لا تعلم أن ليلى تمقت هذا الشيء أكثر منها ولكن ما باليد حيلة أخرى !
خرج العميل الذي كان رجلًا كبير اشيب الرأس قصير القامة ......نهضت عفاف سريعا وتوجهت للمكتب ثم دخلته .....وبعد دقيقة خرجت وأشارت إلى ليلى كي تدخل ......
نهضت ليلى وتوجهت مباشرة الى المكتب الكبير الذي لم تتوقع أنه كبير بهذه الدرجة !
ابتسم لها رجل خلف مكتبه وتعجبت أنه به لمحة من والدها !!
وبنفس العمر أيضا ...ابتسمت تلقائيًا له ودب بقلبها الهدوء .....أشار لها لتجلس فجلست أمام مكتبه في ثبات ....قال الرجل مبتدء حديثه بجدية :
_ ليلى عبد العزيز ...خريجة أثار .....يمكن دراستك مالهاش علاقة بشغلي بس مش هتمنعك أنك تفهمي الشغل ويبقى ليكِ مكان كبير هنا .......
هزت ليلى رأسها وقالت بإختصار :
_ أن شاء الله
تابع الرجل ليزيل هذا التوتر من داخلها :
_ أنا قابلتك مخصوص لما جيهان وصيتني عليكِ وقالت أنكم صحاب .....جيهان بعتبرها بنتي وهي أول مرة تطلب مني طلب .....لذلك قابلتك بنفسي .....
شعرت ليلى رغم حماسة حديثه أنها أقل من أن يقابلها لشخصها ...ولكنها لم تريد الإكثار من التحدث بهذا الأمر فقالت :
_ أن شاء الله اكون عند حسن ظنكم فيا ....
قال الرجل سريعا وكأنه ينهي المقابلة :
_ بإذن الله .....السكرتيرة هتعرفك الشغل كله ما تقلقيش من الجهة دي .....بالنسبة لإقامتك فاتكلمت مع جيهان في الموضوع ده ...لو حابة تفضلي في الفندق فمافيش مشكلة ....لو حابة الشركة تكون مسؤولة عن شرا شقة ليكِ وتسددي على اقساط برضو مافيش مشكلة ...... خلي بالك من موضوع الشقة ده ما تقوليهوش لحد عشان الموضوع ده امتياز ليكِ أنتِ بس مش من ضمن الأمتيازات اللي بتديها الشركة لموظفيها .....
انهى قوله وأضاف :
_ بالنسبة للمرتب .....الشهر الأول هتاخدي المرتب اللي عفاف قالتلك عليه .....لو أثبتي مكانتك خلال الشهر ده مرتبك هيعلى هنقلك لمكان أعلى بمرتب تاني ....أنتِ وشطارتك ....خدي بعضك وأجري على مكتبك حالًا .....
ختم بابتسامة واسعة وبدا أنه يمزح مع بعض الجدية ....نهضت ليلى وابتسمت ابتسامة خفيفة واستأذنت للإنصراف ......
وخارج المكتب أمرت عفاف عامل النظافة أن يوجه ليلى لمكان عملها الجديد بالاستقبال .....
هبطت حتى الطابق الأرضي حيث الأستقبال للشركة وكان بها شاب وفتاة ويبدوا انهم يعلمان بمجيئها ....استقبلاها بابتسامة مرحبة ......قالت الفتاة بابتسامة صادقة والتي تدعى" ساندرا " :
_ منورة يا جميل ..... أخيرًا جه حد يشيل معانا الشغل ويرحمني من رخامة أبو علي .....
ابتسمت لها ليلى ولم تفهم من "ابو علي"..... رد الشاب " حسن" بضحكة عليها :
_ طب بذمتك أنا رخم ؟! ...... هأخر الفرح شهرين عقاب ليكِ .....
نظرت له ساندرا بابتسامة واثقة وقالت لتغيظه:
_ أجله سنة وهكون مبسوطة أوي ....انت اللي مستعجل اصلًا !!
قال لها بنظرة محبة وابتسامة عريضة :
_ ما هو ده هزار .....أنما لو بإيدي كنت اتجوزت امبارح ....
ضحكت ساندرا وقالت بزهو :
_ أنا ربنا نصرني .....
تشاركا الضحك بعد ذلك ونظرت لهما ليلى بابتسامة شاردة ....رؤيتهما هكذا تبدو جميلة ...حالمة ....ببيت صغير وأحلام مرتبة ..... حاول الشاب أن يلمس يد خطيبته ساندرا فنظرت له بقوة وقالت والمرح بعينيها رغم ملامحها المحذرة :
_ إيدك يا شبح أحسن توحشك ......فاهم ولا .....
ضيق حسن عينيه عليها وقال بغيظ :
_ سنتين خطوبة ومالمستش ايدك !! ...... دي المفروض أنها أحلى فترة في حياتنا ؟! ..... يا قسوة شرايين قلبك يا شيخة !!
ضحكت الفتاة وكتمت فمها بعد ذلك ....ثم قالت إلى ليلى :
_ أعرفك بينا بقى يا ليلى...... هتقوليلي عرفت اسمك منين هقولك من مدام عفاف .....
أنا ساندرا وده حسن ابو علي خطيبي ..مسمينا في الشركة حسن ونعيمة ..... أسفة أنك هتفصلي ضحك علينا طول فترة الشغل .....احنا كده من أول يوم اتقابلنا هنا من ٣ سنين ..... ناقر ونقير سيادتك ..... وفي بعض المناسبات القليلة بنكون روميو وجوليت ....
قال حسن بابتسامة مرحة :
_ في الفلانتين بس يا كدابة !!
قالت ساندرا بإعتراض :
_ وعيد ميلادي ! .......
اومأ لها حسن بموافقة واستسلام فتابعت الفتاة بابتسامة :
_ هتعرفي الشغل واحدة واحدة هو مش صعب خالص ..... واحنا معاكِ .... لأ أنا بس ....هو ولا يعرف حاجة هنا اساسا .....
رفع حسن دفتر مدون به أرقام الهواتف وقال لها وهو يكتم ضحكته :
_ عارفة الدفتر ده ؟ ......هتلاقيه لابس في وشك دلوقتي ....
ضحكت ليلى بصدق على مزاحهم وشجارهم الذي يبدو وكأنه طفولي ....... قالت ساندرا بغيظ منه :
_طب أنا قدامك اهو لو تقدر اعملها !
ابتسم لها وقال بمكر ويسند مرفق ذراعه على الطاولة الرخامية:
_ طب ما تلبسي طرحة فستان الفرح اسهل وأجمل يعني!!
استدارت الفتاة اتجاه ليلى وتبدل عبوسها لضحكة مكتومة ....عينيها تلتمع بالسعادة بوضوح ....
خافت ليلى أن تحسدها وهي قد حرمت من هذا السعادة لسنوات وسلبت منها قهرًا....رددت دعاء لها بالسعادة بشعور صادق ......
وبعد ذلك بدأت الفتاة وخطيبها على شرح العمل لها وامتزج حديثهما بالجدية والمرح خلال الحديث ......
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
دخلت سما إلى غرفة أمها وداد فوجدتها بين الصحوة والغفوة ......جلست بجانبها ففتحت وداد عينيها وابتسمت ببطء ....كان يزداد المرض عليها يوما بعد يوم ....مررت سما يدها على رأسها ثم قبلت جبهتها قائلة بحنان :
_ عاملة إيه دلوقتي يمه؟ .....أنا كنت بعافية شوية معرفتش اجيلك خالص ....
رفعت وداد أحدى يديها وربتت على كتف أبنتها برفق وقالت مبتسمة بوجهها الشاحب :
_ عارفة يابنتي ....من تعبي ومرضي مقدرتش اتحرك واجي ابص عليكِ ..... رجلي مش شيلاني وجسمي بيتقل اكتر من الأول ......موت أبوكي قطم ضهري ......
ادمعت عين سما ورفعت يد أمها ثم قبلتها وقالت بدموع :
_ وكسر قلبي أنا وأخواتي ...... أنا بقيت بخاف ابص في عينيكِ وأفتكر قهرة فراقه ..... بس برضو ماينفعش نفضل كده ......أخواتي ربنا يسهلهم الحال ويسعدهم وتشوفي عيالهم وتفرحي بيهم ......
قالت وداد بنظرة حزينة لكسرة ابنتها الواضحة بعينيها :
_ وأنتِ يا سمكة ربنا يسعدك يابنتي ....مش بتدعي لنفسك ليه ؟!
ده اللي هياخدك يبقى ربنا كرمه أحلى كرم .....
وهنا لم تحتمل سما وارتمت على صدر أمها وقالت ببكاء :
_ كل الناس شيفاني وحشة يمه .....كل ما حد يتقدملي يرفضني .... حتى اللي خطبني كسرني أكتر من اي حد ..... كان بيعايرني بشكلي ويجرحني بالكلام !! ....هو أنا وحشة للدرجادي !!
ابويا عمره ما قالي أني وحشة ....ليه الناس شيفاني كده ؟!
قالت وداد بنظرة انفعال :
_ قطع لسان اللي يقول كده ...أنتِ وحشة ؟!
اوعي تصدقي اللي يقولك كده ...... أنتِ حلوة للي بيحبك ....ووحشة للي بيكرهك ....عمر ما حد هيحبك ويشوفك وحشة أبدًا ...وعمر ما حد هيكرهك ويشوفك حلوة مهما كنتِ حلوة !
قالت سما بحزن وهي تبكي :
_ طب وأنا عملت إيه عشان يكرهوني ! .....عمري ما أذيت حد ولا بكلمة حتى !...... مش عايزة حد يقولي كلمة حلوة .....بس كمان ما يدبحونيش بالكلام !
أنا بعمل مش هامنني ولا كأن فارق معايا .....بس قلبي دمعته مش بتنشف ! ......دليني يمه اعمل إيه ؟
أجابت وداد بتأكيد :
_ ولينا مين غيره يابنتي ..... خدي دموعك وخبيها في سجدة ... مش هتقيمي راسك غير وأنتِ مجبورة الخاطر ..... هيلزمك بس شوية صبر .....
عارفة يا بت سمكة ابوكِ مصطفى كان بيقولي إيه قبل ما تتولدوا ؟ .....
ابتسمت وداد وشرتد بعض الشيء وهي تروي ما قاله لها زوجها الراحل :
_كنت اتأخرت في الخلفة شوية وكنت خايفة .....كان مصطفى يدعي ليل نهار ويقولي ... مش الزرع بياخد وقت على ما بيكبر ؟
مش سهل أن ربنا يقوله كن فيكون في لحظة واحدة ؟
اكيد آه ..... بس دي تربية الصبر والسعي للعبد ...ياخد جزاء الصبر واللي اتمناه .... وياخد أجر الصبر كمان .... أصبري على رزقك واسعي بالدعاء أن ربنا يفرحك بالعوض ..... وربنا مش هيكسر بخاطرك لو قلبك اتملا عشم وظن حسن فيه ..... ده ربنا الرحمن الرحيم يابنتي ....
ابتسمت سما وهي تقبل رأس امها بقوة .....أن أهم دعم يأتي من أحد الوالدين .....وقوة الأبناء تأتي من ثقة الأباء فيهم .....
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
أنتهى دوام العمل بشركة عاصم شكري ......ودقت الساعة السادسة مساءً.....
عادت ليلى إلى الفندق وارتسم على ملامحها خطوط الأرهاق ...فتحت باب الجناح الخاص بها بالفندق فسمعت صوت صغيرتها وهي تسأل عنها بتذمر .....نظرت إيمان لليلى وقالت بابتسامة وارتياح :
_ أهي ليلى جت أهي ...... بنتك ما بطلتش سؤال عنك ما وقت ما رجعنا يا ليلى ..... وكمان .....
كانت تبتسم ليلى لأبنتها بشوق حتى تفاجئت برنين هاتف الغرفة ...... توجهت للهاتف ورفعت السماعة :
_ الو ؟
امتلأ صوته بالحنين والشوق الواضح وهو يقول :
_ ليلى ..... لازم أشوفك ....في حاجة محتاج اتكلم معاكِ فيها .....ضروري .....أنا احترمت قرارك ومرضيتش ابعت حد ورا صاحبتك وأعرف مكان الفندق .....أو حد أحاول أعرف الرقم ده تبع اي فندق وده مش صعب عليا ......بس مش حابب اجبرك على شيء ......
ابتلعت ليلى ريقها بخوف وسألت :
_ أبويا فيه حاجة ؟
طمأنها وقال سريعا :
_ أبوكِ بخير ..... وجدك قرر بنفسه أن والدك يفضل عندي في المستشفى ......
اتسعت عين ليلى بصدمة .....جدها !!
وقفت الكلمات بحلقها مع مرارة الذكريات التي كانت ملطخة بالقسوة من ما جنته تحت أيادي هذه العائلة ......
رددت الكلمة بتلعثم وهي بين الصمة والخوف في التساؤل عن سبب زيارته لأبيها ....بعدما كان يخشى زيارته ....فقال وجيه بصوت به إصرار :
_ أيوة جدك يا ليلى ....بس الكلام ماينفعش هنا.....لازم تيجي ودلوقتي !
ابتلعت ليلى ريقها بصعوبة حتى تحدث وجيه بطريقة كأنه يوعدها بالأمان :
_ لازم تيجي يا ليلى ....لازم وضروري ....
أغمضت عينيها وهي تحتار بين الذهاب والبقاء حيث كانت !
وبين وعدها لزوجته بأن لا تحاول رؤيته ! ...ماذا تفعل ؟!
هتف بها وجيه بعصبية :
_ أنتِ بتفكري ليه؟! ...... هي دي محتاجة تفكير !!
قالت ببطء ووجدت مبرر وكذبة حتى ترفض الذهاب :
_ مش عايزة أشوفه ......
ظنت غضبه سيتصاعد فتفاجئت بلين نبرته الذي عاد بها جنون الحنين والحب ....فقال بنبرة بها نسائم الدفء :
_ متخافيش أنا معاكِ ..... أنا عمري ما اتخليت عنك لو تفتكري ! ..... هفضل ورا اي خيط يوصلني للي حبساه جواكِ ومش عايزة تقوليه ..... تعالي يا ليلى .... وجدك مستنيكِ هو كمان .....
ابتلعت غصة متكورة بحلقها وقالت وأنفاسها تعلو كأنها تركض :
_ ممكن توصلني بجدي ؟ .....عايزة اتكلم معاه ....
تنهد وجيه بنفاذ صبر وقال موافقا بيأس :
_ طب دقيقة ....
تحرك وجيه من الممر حتى غرفة العناية التي يقف بها الجد بقرب فراش أبنه التائه بغيبوبة .....
نظر وجيه له وهو منحني برأسه ويحدّث أبنه .....وانتظر للحظات رأفةً بهذا الرجل الذي تتساقط الدموع من عينيه بإنكسار ....
قبّل صادق رأس ابنه المحجوبة بقناع طبي أخضر معقم .....وقال بحسرة وعينيه تبكِ بشدة :
_ أوعى تمشي من غير ما تسامحني يا بني !
جيت عليك وظلمتك ....وقفتك لما لقيتك هتموت صالح ودافعت عنه ..... وكان الأولى أخد حق بنتك وشرفها اللي كان هيضيع على ايده ..... ظلمتها وساعدته في اللي عمله فيها هي وأختها...
بس اوعدك أن ابوك اللي مش قادر يوقف ده هو اللي هياخدلكم حقكم كلكم ..... هرد الدين اللي عليا واوصل بنتك لبر الأمان ....لو على موتي هنفذ وعدي .... سامحني يابني ....أنا داري أنك سامعني في رقدتك دي بس ما تقلقش على بنتك ....
سمع وجيه كلماته ....شعر للحظة بالكره اتجاهه ولحظة أخرى بالشفقة على ندمه وحالته هذه. .....
ما أصعب أن يشعر الانسان بالذنب لأخطاء دمرت حياة الأخرين وهو كهل ضعيف ...يرى حياته على حافة النهاية !
اقترب منه وهمس له قائلًا :
_ ليلى عايزة تكلمك .....
استقام الرجل ومسح عينيه ...لم يتعجب من أمر وجيه فقد شرح له وجيه الأمر بالكامل منذ أن جاءت ليلى إلى الآن وذلك عندما تفاجئ بحضوره بالمشفى .....
أجاب الرجل على الهاتف بصوتٍ متهدج بعض الشيء :
_ أيوة يا ليلى .....تعالي عايز أشوفك ...أنا عند أبوكي هنا .....
قالت ليلى بمرارة ودموع:
_ أخيرًا قررت تشوفه ! .....ولا يمكن صالح سمحلك أنك تشوفه ! ....
ظهر بصوت الرجل حسرة وندم وقهر فقال :
_ من حقك تقولي اللي انتِ عايزاه .....بس تعالي لأني لازم اشوفك دلوقتي ....يمكن مقدرش أشوفكم تاني ....
تعجبت ليلى من ما يقوله جدها وقالت بخوف :
_ تقصد ايه ؟
أجاب الجد بحزن :
_ لما تيجي هتعرفي ..... ماينفعش في التليفون والله ....
قالت ليلى بحيرة شديدة :
_ طب ينفع نتقابل برا المستشفى في اي مكان تاني .....
لم يفهم الجد ما سبب طلبها هذا ولكنه اجاب بالنفي :
_ للأسف لأ ...اللي هقوله لازم يبقى قدام أبوكي ....أنا قلبي بيقولي أنه سامعني ....وبتمنى من ربنا أنه يفوق بس دقيقة واحدة يقولي فيها أنه سامحني ......
رافق صوته رجفة الدموع فغص قلب ليلى الم ...قالت :
_ جاية في السكة .....هسيب بنتي في الفندق ....
نطق الجد بلهفة وقال :
_ لأ جبيها معاكِ .....نفسي أشوفها أوي .....
وافقت ليلى واغلقت الخط ......وهي دامعة العينين في خوف من الآت ....رغم أن جدها يظهر في حديثه ندم وألم وبوادر أعتذار وأسف ....ولكنها اعتادت أن تخاف منه ....أن لا تطمئن لحديثه ولا تثق به .... لم يجعلها حتى رنة الدموع بصوته أن تطمئن ولو قليلًا ...!
نظرت إيمان إلى ليلى وقالت :
_ شكل الموضوع كبير .... حصل إيه ؟
ابتلعت ليلى ريقها بضيق شديد وقالت :
_ جدي طالب اروحله المستشفى ....بس وعدت جيهان ما اروحش ! ....مش عارفة اعمل إيه ؟! .......هتصل بيها لما ارجع وافهمها ...دلوقتي لازم اروح المستشفى للأسف ....وهاخد ريميه معايا ....
كانت الطفلة عابسة بخوف عندما سمعت اسم جدها ....وتضم القطة بشعورها البريء أنها تختبئ بها ..... لاحظت ليلى وجهها فقالت وهي تقترب منها لتطمئنها :
_ هتشوفي بابا وجيه تاني ....
ابتسمت الصغيرة وهزت يديها بصقفة وحماس ....ابتسمت ليلى رغم دموعها فرد فعل ابنتها يبدو مضحكا بين العبوس والخوف وبين الفرحة والحماس بنفس اللحظة !
هكذا يفعل بنا شعور الأمان .....
ربتت ليلى على يد صغيرة التي احتضنت القطة بابتسامة وتهمس لها سرًا بكلمات غير مفهومة :
_ هنروح دلوقتي ...وهناخد القطة دي معانا مش هينفع نسيبها هنا .....
قالت إيمان وهي تغادر الغرفة :
_همشي دلوقتي عشان اتأخرت أوي على البيت وهجيلك بكرة بأذن الله ....
غادرت غرفة الفندق وبعدها أخذت ليلى أبنتها والهرة الصغيرة وخرجت من الفندق وتوجهت إلى المشفى ....
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
أقبلت ساعات الغروب .....وظهرت الشمس من بعيد گ العين الناعسة التي تغفو رويدًا حتى اختفت تمامًا .....
وعند هذه الساعة كانت جميلة ورضوى يساعدان الصبي "نعناعه" في حمل لفائف الخضراوات وأحمال الـ "البرسيم" من العربة الخشبية ..... قال لهن :
_ الرابطة الكبيرة دي لسكرة .....والربط الصغيرة لبقية البهايم ....
قالت جميلة بسخرية وهي تضع لفة كبيرة من البرسيم أمام باب الحظيرة :
_ اشمعنى سكرة دون عن بقية البهايم اللي مهتم بيها ....ما هي جاموسة زي بقية الجاموس يعني !!
حمل نعناعة الفافة وقال ضاحكا :
_ جاموسة عن جاموسة تفرق ....زيك أنتِ وأخواتك كده ....
انتبهت جميلة لصوت ضحكة قريبة فالتفتت سريعا حتى وجدته جاسر يحمل معطفه الاسود الشتوي على أحد ذراعيه ..... كان ينظر لها ويعنيها بسخرية ضحكته فنظرت له بعصبية وعادت تنظر للصبي بغيظ شديد ......كاد أن يشير الصبي لجاسر بالترحيب لعودته من العمل فدفعته جميلة وهي تشتمه مما تعرضت له من شماته حاسر ولم تشعر بقوة غضبها إلا عندما وقع الصبي الأرض ووقع فوقه ما يحمله من البرسيم .....
اقترب جاسر منها وقال لها بصوتٍ عالي وكأنه يعنفها ولكنه حقا كتمت ضحكته على مظهر الصبي وهو ساقط :
_ ادك ده عشان تزقيه كده ؟! ....... أنتِ إيــــه يا شيخة؟! ....عارفة لو مكنش خالك العمدة كنت عملت إيه ؟!
قال الصبي نعناعة وهو ممدد على الأرض وقد اتخذ لفافة البرسيم وسادة يسند رأسه عليها وينظر لهما ولشجارهما :
_ اسندني اما اقوملها كده !!
مد جاسر يده للصبي واسنده حتى نهض وهو ينفض روث الحيوانات من جلبابه .... ثم نظر لجميلة وقال بغيظ :
_ بت أنتِ حلوفة !!
اتسعت عين جميلة بغضب منه حتى قال جاسر بابتسامة واسعة اقرب للضحكة :
_ أعصابك يا نعانه ...أعصابك يا حبيبي ....
هتف نعناعة بعصبية صبيانية :
_ والله مش عايز امد ايدي عليها ....لولا أنك واقف يعني .... ولا عشان هي اكبر مني يعني ؟! ....
قالت جميلة بانفعال وهي تتأكد من ربطة حجابها :
_ بتزعقلي قدام الغرب ؟! .....والله لقول لخالي .....
رد عليها جاسر باستهزاء:
_ ده على أساس أنك وقعتيه في الضلمة ؟! ...ما أنتِ وقعتيه قدامي ؟! .....مش عيب آنسة كبيرة ....و .....
ابتسم بمكر وتعمد البطء حتى تابع بمراوغة :
_ وعاقلة زيك كده تعامل أبن خالها الصغير بالقسوة دي ؟! ....عارفة أنا لو أبن خالك كنت عملت إيه ؟!
ابتسم جاسر بخبث وهو يخرج علبة سجائره ويضع واحدة بفمه .....
ضيقت جميلة عينيها بنظرة حادة محذرة فقال الصبي ولم يعي المقصد الحقيقي لحديث جاسر فهتف :
_ قولها ..... أو قولي أنا اعمل إيه شالله يخليك ؟ ....دول بيتلموا عليا ويضربوني !
نظرت له جميلة بأستخفاف وسخرية وقالت :
_ دكتور وبتشرب سجاير ؟! .... وبتنصح العيانين بإيه ؟! .....ياخدوا نفس بالراحة !! ...... دكتور على ما تفرج !
ضحك الصبي أة وهو ينظر لجاسر فأغتاظ منه جاسر وقال :
_ أنت بتضحك على إيه ؟! .....اوعى يكون عليا ؟!
هز الصبي رأسه بالإيجاب بضحكة مرتفعه ...تطلع جاسر بعصبية فيه ودفعه بغيظ شديد فوقع الصبي مجددًا بين روث الحيوانات ......ونظر لجميلة قائلًا بشيء من العصبية :
_ لسانك الطويل ده مش معايا ماشي ؟! ..... عشان لو اتنرفزت هتخافي مني أنتِ ما شوفتيش الوش التاني !
قالت بقوة وهي تضع يديها بخصرها لتغيظه بإجابتها :
_ أنت اللي بتدخل في اللي ملكش فيه ..... لو كنت دخلت ومحشرتش مناخيرك في زعقينا انا وابن خالي مكنتش اتهزقت !
اقتربت حميدة منها وقد التزمت الصمت وكتمان ضحكاتها على الصبي .....وقالت لجميلة بهمس :
_ براحة يا جميلة أحسن حد يسمعك !
ظهر الثلاثي الشباب على بُعد خطوات والذي قد سلقهم جاسر لهنا .....نهض الصبي ونفض ملابسه وهو يتلفظ الشتائم بغيظ وضيق .......اجابت جميلة عليها وهي تنظر لجاسر بحدة :
_ هو اللي بيجيب الكلام لنفسه !!
نظر يوسف لحميدة بابتسامة ثم وجه نظرته لجاسر الذي يقف ناظرا لجميلة وهو يضم شفتيه بغضب منها .....قال له يوسف :
_ شكلك اتهزقت تاني ! ......
قال الصبي نعناعة بضيق وبؤس :
_ وقعتيني وهدومي اتنيلت ....كنت راشش كلونيا امبارح بعد ما حلقت ورحيتها كانت بتهفف في وداني.... بس برضو ريحة مكان سكرة حلوة ....دي بتاكل أغلى نوع من العلف .... لازم ريحتها تبقى عطر ....
قال يوسف وهو على حافة نوبة من الضحك :
_ عطر سكرة... سكرة سيكريت !
كتم رعد ضحكته على مزحة يوسف بينما تنقلت عين آسر لعدة جهات ......ولم يجد مبتغاه فدخل المندرة دون حديث ولا تدخل بما يحدث....
خفف وجود يوسف ومرحه وطأة الغضب والمشاحنة بينهم .....ذهب جاسر من أمامها وهو يصرّ على أسنانه بغيظ من أسلوبها الفظ معه تحديدًا ...!
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وقفت ليلى أمام المشفى وبيدها أبنتها الباسمة بفرحة وهي تحمل الهرة الصغيرة البيضاء ......قالت ريميه بابتسامة :
_ هشوف بابا وجيه تاني .....
تعجبت ليلى من سكون الهرة الصغيرة بين يدي أبنتها بهذا الهدوء !! .... كأن القطة قد شعرت بحالة أبنتها وأحبتها !!
ولما لا ....فهي كائن حي على اي حال ...يحب ويكره ....يشعر حتما بالحب والحنان .....
أخذتها ليلى لداخل المشفى حتى صعدت للطابق المتواجد به والدها ......
كان قلبها يدق بسرعة كلما تقدمت خطوة ....
أي شيء هام يريد الجد التحدث فيه ولم يخبرها به في الهاتف!
الأمر ليس مجرد أعتراف بالندم ....هكذا شعرت ....
سارت بالممر وبيدها الصغيرة ريميه التي تهمس للقطة وتبتسم.....
لتظهر فجأة أمامها جيهان من غرفة العناية ويبدو أنها كانت تبحث عم وجيه حتى وجدته بالعناية المركزة ......
وقفت جيهان أمام ليلى في ثبات ودهشة ......وهنا ظهرت ليلى بتلعثمها وصدمتها من رؤيتها بهذا الطابق خصيصا بموضع الكاذبة ...... قالت جيهان بكراهية تندفع من عينيها :
_ أنتِ كدابة ولعابية وكانت غلطة أني صدقتك ....
قالت ليلى وهي تبتلع ريقها بقلق :
_ جدي جوا وهو اللي طلبني احضر دلوقتي .....مش معقول كنت ارفض !
تذكرت جيهان ذلك الرجل التي رآته يقف مع وجيه ويتحدثان فآلت أنه جدها بالفعل .....قالت بعصبية :
_ ادخلي .....بس ما أشوفكيش هنا تاني إلا لما أقولك تعالي ...... لو فعلًا عايزة تنفذي اللي اتفقنا عليه
خافت الصغيرة من تعنيف المراة لأمها فتمسكت بساق قدم أمها وهي ترتجف .....ربتت ليلى على أبنتها برقة لتطمئنها ثم رفعت رأسها لتجيب على جيهان حتى وجدت وجيه يقف خلف جيهان بوجه نظراته ثابته وغامضة .....
اتسعت عين ليلى بصدمة وتنقلت نظراتها منه إلى جيهان وهي تردد :
_ وجيه !
شحب وجه جيهان واستدارت ببطء بعدما كاد قلبها يقف من الخوف من مجرد فكرة أنه سمعها ! ......استدارت لتجده يضيق عينيها بحدة عليها ونظرته كأنها صفعات قاسية تهوي على وجهها .......ازدردت ريقها بخوف واضح وكأنها ستبكِ !
قال جملة واحدة وللعجب كان ثابتا في ردة فعله :
_ استنيني في المكتب يا جيهان .....
قالت ليلى لتدحض ظنونه :
_ كنت بسألها على حاجة واتفقنا أننا ....
هتف بعصبية وقال محذرا مقاطعا حديثها :
_ جدك مستنيكِ ....ادخلي .....
التهبت عين جيهان بالدموع الساخنة التي جرت على خديها سريعا واسرعت بخطواتها مبتعدة وكأنها تهرب منه !
نطقت الصغيرة بصوتِ ضعيف وكأنها تستغيث وتطلب الأمان :
_ بابا وجيه ....
اقترب منها وجيه ورق صوته وهو يحملها بما تحمله هي بيدها "الهرة" .....وهمس لها بشيء جعلها تبتسم ....
قالت له ليلى برجاء:
_ لو سمحت سيبني شوية مع جدي وخلي ريميه معاك ...
نظر لها بضيق ولم يجيبل بأي اشارة ......انسحبت نظرة ليلى من عليه لغرفة العناية .....
استجمعت ليلى قوتها ودخلت للغرفة التي وكأن الغرفة فرغت من المرضى والطاقم الطبي إلا أبيها !
نهض الجد من مقعده بجانب فراش أبنه عندما لمحها ....توجهت له بنظرات ثلجية لا لهفة فيها ....بينما تسحبت نظرتها إلى أبيها فتبدل جمودها محبة ولهفة وحزن على حالته ......
قال الجد صادق بأسف :
_ أنا عارف أني قسيت عليكِ كتير ....واتهاونت في الحق وظلمتكم .....بس النهاردة اقدر أقول اني قادر أخد ارد الحق لصحابه ..... سامحيني يا ليلى ...ابوس ايدك يابنتي تسامحيني .....
ردت ليلى دون أن تنظر له وعينيها على أبيها بدموع :
_ بعد ما ضاع عشر سنين من عمري !! .....بعد ما اتكسرت فرحتي وأحلامي ....وبعد ما اتكسرت كرامتي ....ولا أنت فاكر عشان طلعت سليمة أني نسيت واتغاضيت ! ......
كسرتي في اليوم ده عمري ما هنساها ولا معرفتي الحقيقة عوضتني بعد كده !
من اليوم ده وأنا تايهة وضايعة لحد وصلت أني مابقتش حتى ليا قدرة أني انسى أو افتكر .....
بكت ليلى بحرقة وأضافت :
_ اليوم اللي كان بيعدي عليا مكنتش عارفة هفتكره بعد كده ولا لأ !! ...... بقيت مريضة نفسية بسببكم وبسبب اللي عملتوه فيا ! ..... عشر سنين وأنا في نار وسجن وظلم وجحيم ..... وبعد عشر سنين قدرت أفوق من تاني .... قدرت أخد قرار أني ابقى قوية ..... قدرت أخد أول خطوة في علاجي ونجحت أني اقلل النسيان عندي .....ودلوقتي بس افتكرت أنك ظلمتني !
وضعت يديها على وجهها وبكت للحظات ثم استطردت بقهر :
_ لما كنت بموت ما رحمتنيش ! ....لما حاولت الانتحار مرتين مالقتكش ! ..... لما كنت بتضرب وبتحبس وبتسمع صريخي ما دافعتش عني !!
جاي بعد إيه يا جدي !
بعد ما فرقت بيني وبين أكتر انسان حبني وكان هيصوني ويحافظ عليا .... ولسه بيحبني لحد دلوقتي وبسبب جبروتكم بعدت عنه من تاني ..... وجاي دلوقتي تعتذر !
أضافت بسخرية بها مرارة وحزن شديد وهي تنظر لدموعه التي لم تشفق عليها :
_ عمري اللي راح مش هيرجعلي بإعتذارك.... قلبي وكرامتي اللي اتكسروا مش هيرجعولي بكلمة أسف !
بنتي اللي اتعمت بسبب جبروت أبوها اللي خلاه يرفض يجي من سفره وانا بموت بعد ما ولدتها عشان يعرضها على دكاترة.... واستقوى بقراره عشان يذلني!! ...وبسبب أهمالكم !
لو قدرت اسامح في حاجة مش هقدر اسامح في غيرها ....
طأطأ الجد رأسه للأسفل وعينيه تتساقط دموع ...استند على عصاه بيديه الأثنان وقال بكسرة بين دموعه :
_ مش قادر أرد عليكِ .....ليكِ كل الحق.....أنا جيت عشان أأكدلك أني نويت ارجعلك حقوقكم ....بنتك هتفضل معاكِ حتى لو اتجوزتي ....أما صالح مختفي بقاله كام يوم .....أنا بلغت السوالم بمكان شقة القاهرة ....وعارف أن اختفاءه ده يأما مات أو محبوس عندهم ..... استغليت عداوتي معاهم فأنهم يخلصوا عليه زي ما موت صالح أكتر رجالتهم ..... أنا اللي بلغت عنه بنفسي ....
نظرت له ليلى بصدمة فتابع الجد بنظرة تشتعل كراهية لذكر هذا المجرم :
_ صالح كان كاتب كل الاراضي والمصانع بتاعتنا باسمه ...خدعني وكتب كل شيء باسمه ....مكنتش عارف اخد منه حق ولا باطل ..... قراري ده اتأخر عشر سنين ....كان المفروض اشرب من دمه لما قربلك وعراكي وكان ناوي على شر ......
اقترب ناحية الباب المغلق وتابع
_كان المفروض اعمل كده لما اتسبب في انتحار صافية أختك ..... بس دلوقتي أعتبريه مات لأن السوالم مش هيسيبوه ..... أنا جايلك مش بس اعتذر واطلب منك السماح ....أنا جاي ارجعلك ولو جزء من حقك ....
وأوضح أمر هام لتنتبه له ليلى :
_وعلى فكرة وجيه ميعرفش كل اللي فات .....أنا قولتله أنك مظلومة ومكنتيش راضية عن الجوازة واتجبرتي عليها .....ولما سألني على موضوع الادمان قولتله الحقيقة وأن صالح هو اللي حقنك في دراعك لما كان بيغمى عليكِ من الضرب وقلة الأكل ... ربنا ستر أنك مجرالكيش حاجة .....ليكِ عمر هتشوفي عوض ربنا فيه .....
صدمت ليلى من هذا الأمر ....ربما عرفت الأمر وفقدته ذاكرتها أو أنها لم تعلمه من الأساس وكان سبب حالتها النفسية السيئة وهي لا تعرف كيف أصبحت مدمنة !
أشار لها مؤكدًا :
_ وعشان قصدي خير يمكن ربنا وقع دكتور وجيه في طريقي من تاني ..... عشان تكمل فرحتك .....
فتح الجد باب الغرفة وأشار لوجيه من الخارج ليأتي ....
التزم وجيه بخصوصية ليلى مع جدها وانتظر خارج الغرفة ..... ولكنه توجه بلهفة عندما فتح الباب وظهر وجه جدها مشيراً له .....
نظر وجيه لها بنظرة عميقة دافئة بها فرحة منتظرة ...فقال الجد لها :
_ مكنتش عارف أنه هنا ....لما شوفته عرفته على طول .....واتكلمت معاه وعرفت أنه لسه شاريكي.... وأنا قررت يتكتب كتابكوا وتبقي في عصمته وحماه .....
اتسعت عين ليلى بصدمة كانت أبعد حتى عن تخيلها ...... فابتسم لها وجيه وقد توقع صدمتها هذه وقال :
_ أنا طلبت إيدك من جدك يا ليلى .....
انقطع صوتها للحظات ثم قالت بالكاد ولا زالت مصدومة بما يحدث كأنها ترى حلم :
_ ومراتك ؟! .....
تنفس وجيه بتنهيدة وصمت للحظات .....ثم قال بجدية :
_ جوازي من جيهان لو استمر أكتر من كده هيسبب ليها وليا تعاسة احنا في غنا عنها ....أنا عارف ومعترف بغلطتي وأني اتسرعت في رجوعي ليها .....بس أنتِ السبب ..... ولكن على أي حال لازم الغلطة دي تتصلح .... كده بظلمها معايا ....
هزت ليلى رأسها بالرفض وقالت ببكاء :
_ لأ ....يمكن لو مكنتش اتجوزتها كان هيبقى الامر مختلف ....لا يمكن اكون السبب في جرح انسانة ما أذتنيش في شيء ......أنا أكتر واحدة عارفة يعني إيه ظلم .....
قال وجيه بهدوء وبتفهم شعورها :
_ استمراري معاها هو اللي ظلم يا ليلى .....القرار ده هيتنفذ في كل الأحوال .... المهم دلوقتي يا ليلى .....
قاطعته ليلى ببكاء :
_ أنت قررت كده ولسه متعرفش حاجة .....
رد عليها بعصبية :
_ قاطعتيني قبل ما تسمعي للآخر ! ..... قراري وأنا عارف أن في تفاصيل ما أعرفهاش .....ممكن تضايقني كمان .....بس الأهم أني اتأكدت أنك مظلومة زي ما دايمًا كنت حاسس .... وأنك مكدبتيش عليا وكان غصب عنك
وبصراحة أنا مش عايز أعرف حاجة .....كفاية اللي عرفته ..... اللي جاي أهم مليون مرة .....واللي جاي معايا ...خايفة ليه ؟!
قال الجد صادق بشيء من الرجاء لها :
_ لو خايفة من صالح فأنا بأكدلك أنه ميت ميت ..... حتى لو مظهرش خبر عنه لدلوقتي ...... كل اللي فات بإيدك أنتِ تقوليه او تنسيه ..... والأحسن تنسيه ....
هزت ليلى رأسها الذي يضج بصرخات الخوف والموافقة والرفض وأصوات كثيرة متداخلة :
_ حتى الموافقة مش في إيدي ....مقدرش أوافق وممكن في لحظة الاقي صالح قدامي ...مقدرش أوافق واتسبب في كسر قلب مراته ....مقدرش حتى لو اتمنيت أوافق ......
خرجت من الغرفة هاربة من أي احاديث تنهش مقاومتها أكثرر......
وجيه يعتقد أن الأمر كامن مجرد عنف أو قسوة ....أو حتى جرعة مخدرة أخذتها دون وعي .....
الأمر كان أكثر بشاعة ......هي مدمرة نفسيا .....بقايا من قوة .....كرامتها نهشت عندما استيقظت ووجدت نفسها عارية بين ذراع رجل كان بيوم زوج شقيقتها .....
حتى بعدما اكتشفت أنها لا زالت عذراء ....لم يسلبها هئا الاكتشاف مرارة شعور الخزي .....وكان مولد الأضطراب النفسي بهذه اللحظة ......
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وقف يوسف بحمام غرفة المندرة ونظر لأكوام الملابس المكدسة على بعضها تحتاج للغسيل ....قال بحيرة :
_ هغسل واعصر وانشر الهدوم دي لوحدي ؟! ..... أنا هلكان من الشغل والله طول النهار ......
سمعه الصبي نعناعه وهو يقدم لهم مشروب الشاي الدافئ وجلس على الأريكة يتسامر بالحديث معهم ...... فقال وهو يرتشف الشاي بتلذذ:
_ سيب الهدوم يا دكتور وهخلي البنات يغسلوهم .....
رد يوسف عليه بأمتنان :
_ تسلم يا نعناعه بس بصراحة أحنا تقلنا عليكم أوي مش هيبقى غسيل هدوم كمان ....
قال ذلك وبدأ تحريك المغسلة اليدوية حتى مرت دقائق وأخرج الملابس من المغسلة ووضعها بوعاء بلاستيك كبير ..... أشار لجاسر وهو يحمل الوعاء :
_ هات الشربات وتعالى ورايا يا جاسر .....
قال جاسر بغيظ :
_ مخدتهمش معاك ليه يا غتت !! هما هيتقلوا الشيلة !
رد يوسف بضحكة :
_ عشان ما انشرش لوحدي .....تعالي يا شامبو ورايا ....
رماه جاسر بنظرة غاضبة وأخذ الشرابات القطنية واسرع خلفه ليلكمه .....
أسرع يوسف رغم ما يحمله وصعد للأعلى وهو يشمر بنطاله ويعقد أطراف قميصه من أسفلها ببعضهما مكونا عقدة تشبه الفيونكة .....
كان الفتيات الأربعة على سطوح المنزل يتلذذن بطعم الحلوى المثلجة رغم الطقس البارد... ودخلوا بنوبة من الضحك عندما ظهر يوسف هكذا ....أشار لهم مبتسما وقد غفل عن مظهره ......أتى خلفه جاسر الذي أرتدى جلباب أسود وجده بالمندره وأعجبه...... قالت جميلة بضحكة :
_ قلبي هيوقف من الضحك ....
همست حميدة وهي تكتم ضحكاتها :
_ يابت اسكتي هيفتكر اننا بنضحك عليه !
ردت جميلة بضحكة وصوتٍ واضح وتركت الأيس كريم المثلج بيدها :
_ طب ما احنا بنضحك عليه ! ..... الجلبية قصيرة عليه أزاي ! .... مختيلة منظره وهو ماشي كده في البلد ينهار ضحك ! شبه كوز الدرة المتاكل نصه ....
قال جاسر بسخرية وصوت عالي وبداخله ود لو يصفعها :
_ وهو في حد بياكل ايس كريم في الشتا ؟! ......
ردت جميلة بثقة :
_ ده مش ايس كريم ....ده چيلاتي ....
قال يوسف بجدية :
_ طالما چيلاتي يبقى عندك حق .....هو طعمه حلو ؟ ...
نهضت حميدة وهي مبتسمة بحياء حتى اقتربت من الحائط القصير الفاصل بينهما ومدت يدها بالعلبة الصغيرة قائلة :
_ دوقه .... بالهنا والشفا ....
حرك يوسف أهدابه بلمحة شكر وقال بابتسامة :
_ الله يسترك
وضعت العلبة على السور وعادت للفتيات فأخذ يوسف العلبة وقال وهو يتذوق الطعم بشهية :
_ الله .....لذيذ أوي أوي ..... هدعيلك طول ما أنا شبعان ....يا بتاعت الفطير ....