امواج قاتلة الجزء الثالث (احفاد السياف) الفصل الخامس عشر
وزعت سهيلة قبلاتها على صفحة وجهها بحب ولهفة واعين متفحصة، تضمها تارة إلى صدرها َتارة أخرى تطلع إليها كما لو كانت راغبة في التأكد من عودتها إلى احضانها
تحدث لؤي بمرح في محاولة منه لتخفيف أجواء التوتر المحيطة بهم
اطمني يا لولا، البنت قدامك زي الفل وتمام التمام
اشتد نحيب سهيلة ونظرت إلى لؤي بحب وامتنان قائلة بصوت بُح من فرط البكاء
انا مش لاقيه كلام مناسب أشكرك بيه، انت رجعتلي روحي يا لؤي، من غيرك بنتي كانت هتضيع مني
نظرت اليهما ديمه في حيرة لا تتذكر ولا يريد عقلها أن يفعل، كلمات سهيلة توحي إليها بأن أمر جلل قد حدث لكنها لا تستطع الوصول إليه
لاحظ لؤي ملامحها الحائرة فنظر إلى يزيد نظرة ذات مغزى جعلت يزيد يشير إلى سهيلة قائلاً
تعالي يا حبيبتي محتاج أقولك حاجة، بعد اذنك يا لؤي
اصطحب يزيد سهيلة إلى غرفتهما وبقيت ديمه إلى جوار لؤي الذي استغل غياب عمه واقترب بشدة من ديمه هامساً اليها بحميمية
وحشتيني جدااا
سرى في جسدها خجل قوي وارتعدت من فرط قربه وهمست
لؤي، ابعد شوية، كده مش صح
مد كفه برفق وحرك وجهها فبات مقابلاً له، التقت عيناه بخاصتها وللمرة الأولى في حياته يصيبه فضول نحو امرأة، لقد تودد إلى الكثيرات لكن ديمه تختلف، هي لغز يسعى إلى فك رموزه وربما كانت تحدياً من نوع خاص
سلط بصره على شفتيها المثيرة وتحدث بهمس
بحبك فيها ايه لما أقرب منك، ايه المانع مش فاهم؟!
دفعته بتوتر ورفق وهبت واقفه تبحث عن ثباتها الذي تبخر من حضوره الطاغي ومشاعرها التي تتأرجح بين يديه
نظرت بعيداً عنه وادعت الجدية
مش عارفه بس ماما قالت إن مفيش حد من حقه يقرب مني بالشكل ده غير جوزي وبس
ابتسم بانتشاء وقد اقترب كثيراً من هدفه، تنحنح محاولاً أن يبدو صادقاً فيما يقول وانتصب واقفا إلى جوارها فتراجعت بحركة تلقائية ليزداد هو رغبة في تملكها.
استمعت سهيلة إلى حديث يزيد الغاضب في طاعة إلى أن انتهي من كلماته فهمست باعتذار
أنا مقصدش افكرها بحاجة أنا بس كنت خايفة، مش مصدقه لحد دلوقتي انها رجعت بالسلامة، انتحبت بقوة وضعف جعل يزيد يضمها إليه بقلة حيلة
القى إليها بكل ما يجتاحه من مخاوف قائلاً
انا آسف يا سهيلة، بس الكلام اللي لؤي قاله مش سهل ابدا عليا، البنت اتعرضت لمحاولة اعتداء، والله أعلم عملوا فيها إيه، الدكتور حذر إننا نضغط عليها وأنا قدامك حاسس بالعجز، مقدرتش احميها ولا أحافظ عليها، شكلي مش اد المسؤولية وكنت هضيع الأمانة، زمان مقدرتش احافظ على ديدا وضاعت مننا ودلوقتي ديمه
رفعت سهيلة بصرها إليه ومنعته عن استكمال حديثه لتقول بثقة
انت يا يزيد، انت بتلوم نفسك على ايه، حبيبي انت مقصرتش مع ديدا ولا ديمه بالعكس مفيش اب بيعمل كل اللي انت عملته معاهم، لو حد يستحق اللوم فهو أنا، الفترة اللي فاتت اهملت الدار وسيبت كل حاجة في ايد ناس ميعرفوش ربنا ويمكن اللي حصل لديمه درس علشان افوق واراعي اليتامى دول من تاني، الحمد لله على كل حال المهم اني البنت رجعتلنا من تاني، الحمد لله
يزيد بسعادة : فعلاً المهم انها رجعتلنا، وأنا هحاول اعوضها ان شاء الله وياريت متحاوليش تفكريها بالعكس عاوزها تنسى الفترة دي تماماً
سهيلة دون تردد
حاضر، انا مش هتكلم تاني في الموضوع ده.
💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬
وبعض الألم يتسرب إلينا على استحياء ينقش بداخلنا أثره على مهل وبعضه همجي يقتحم افئدتنا بلا استئذان فيدهسها وتحترق من قوة ما ألمَ بها.
تطلعت شام إلى شقيقها بأعين ناعسة وكادت أن تغفو من جديد لكنه وكزها بخوف وصوت هامس
جومي يابت الله يخرب بيت شيطانك، جومي يا شام خلينا نهرب من اهنه
شام وقد استعادت كامل انتباهها، فركت عيناها بقوة ونظرت إلى أخيها بترقب
وااه، هنهربوا على فين وليه يا آثر؟
آثر بحدة
جومي الاول ولما نطلعوا هفهمك كل حاچة
اطاعته شام ولم تعقب فهي على يقين أن حياتهما بهذا البيت ماهي إلا موت بطيء.
تحركا سويا يسابقان الزمن، يلتفتان إلى الوراء في رهبة بين حين وآخر في صمت، كلاهما يهفو إلى الحرية وكلاهما يحلم بعالم أفضل ولا يعلمان أن أمواج الحياة تأتي على حين غرة فتجرف من تشاء وينجو منها من كُتب له النجاة.
بعد فترة من الصراع ما بين الخوف والأمل بلغ آثر وجهته، شقة سكنية صغيرة استطاع آثر بمساعدة أحد اصدقائها الحصول عليها، لا يعلم من اين سيحصل على ايجارها لكنه وجد بين جدرانها ملاذاً له ولشقيقته التي غفت من فرط إجهاد الطريق.
نظر إليها بشفقة وتمنى بداخله لو أنه لم يأخذها معه لكن والدها ما كان ليتركها دون عقاب، كان سينتقم منها دون ذنب إلا أنها الأقرب إلى قلبه.
تنهد بقلة حيلة وجلب غطاءً القى به فوق جسد شقيقته وجلس إلى جوارها وكأنه يخشى أن يصل إليها أحد، رفع بصره إلى السماء قائلاً برجاء
يارب، يارب انت عالم بحالي، عديها معانا على خير لاچل خاطر البت الغبانه ديه.
💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬
كان يتطلع إلى حسابها الشخصي بحسرة ومرارة لم يذق طعمها من قبل عالقة بحلقه
يتساءل بحزن لمَ غادرت هكذا دون التفات إليه، لم تتكبد عناء رؤيته أو الاطمئنان عليه، لقد كاد أن يفقد حياته من أجلها، حفاظاً على شرفها واعترافاً منه بحبها، نعم يحبها منذ أن نعومة اظافره، كانت حدته معها مصطنعة وابتعاده عنها رغبة في الهرب من تلك المشاعر الهوجاء فهو لم يخيل إليه أن تلك المشاعر المراهقة حقيقية.
يكاد أن يفقد صوابه من فرط تعجبه لقد امتزجت دمائه بخاصتها كانت ساعات قليلة لكنها كانت كما السنوات كيف تخطتها بتلك السهولة.
لمس باصبعه شاشة الهاتف وكأنه يعاتبها وهمس بألم
ليه اكده يا ديمه، ليه تطلعي بياعة وملكيش غالي، ازاي في لحظة تسافري ومتكلفيش خاطرك حتى تشوفيني، عاتب نفسه قائلاً
هتكلمك ليه يا رحيم، وانت مفكر انها هتبصلك بعد اللي سمعته اهنه، تذكر ما دار من قبل بينه وبين نوح وسيطر على فكره أمر واحد
هو لا يستحق الحب، ربما كان تسليماً منه بأن الحياة تبغضه وربما كان خوفاً من الترك فيما بعد، لقد تركه والداه وابتليَ عمه بتربيته ورغم ما تقدمه مياده له يرى أنه لا يستحق، ديمه محقه في ازدراءه عليه الا يتطلع إلى الحب بل عليه أن يجمد مشاعره ويكتفي برد الجميل لنوح وميادة وألا يخذلهما.....
💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬
تساءل سلمان للمرة التي لا يذكر عددها
ها يا نوارة، شكلي زين ولا لاه
ابتسمت نوارة برضا واقتربت منه بسعادة وفخر
الله اكبر عليك ياجلب أمك، كيه البدر في ليلة تمامه، يا بختها بيك العروسة والله
شاكسها جاد
وااه، خبر ايه ياست نوارة، ولا اكمنه شبه فهد باشا وعيونه زرج خلاص هياكل الچو
نوارة بمحبة خالصة
وااه، وانت عفش إياك ما انت سبحان من صورك أها، ربنا يصونكم ويحفظكم ياولدي
چاد وقد اقترب مقبلاً يديها بإحترام
ربنا ما يحرمنا من دعواتك واصل يام چاد، يلا خلونا نتحرك ميصحش نتأخر عالناس، ولا إيه يا عريس
سلمان بهفة
لاه، تأخير ايه بس يلا بينا، اسبجنا انت ورباب واني هحصلكم، هعمل تلفوني واچيلكم
غمزه جاد قائلاً
ايوة ايوة، شكلك هتكلم العروسة ياواد انت
ابتسم سلمان بمرح وهرول إلى غرفته يهاتف سماء كي تنتظره هو وعائلته وربما كان مشتاقاً إلى سماع صوتها ولا طاقة له بالانتظار.
بينما كان سلمان في طريقه إليها كانت هي في أعالي السماء ترفرف بغبطة وامنيات الهوى تحيطها، تكاد تفقد وعيها من فرط السعادة، عاجزة عن الحديث رافضة للصمت، تحيا بحالة فريدة حلاوتها مؤلمة تسمى الحب.
توافد الحضور، دلف في مقدمتهم فهد بطلته المهيبة يبتسم بوقار ومن خلفه نوح ثم جاد الذي تأبطت ذراعه نوارة ومن خلفهم ميادة ورباب نهاية بسلمان الذي بحث بعينيه عن عروسه التي سرقت فؤاده دون أن يدري.
انتهى الجزء الأول من البارت ونكمل بكرة بأمر الله، توقعاتكم وتصبحون على خير جميعاً
تلك المشاعر القابعة بين ثنايا القلب منذ سنوات باتت عتيقة كما الخمر الثمينة كلما تقدم بها العمر ازدادت رونقاً وكلما سعينا نحو سجنها تغدو كما المارد الذي يتلهف إلى ترك محبسه.
ادمعت عينا رحاب بعدما انتهت من تزيين طفلتها التي باتت عروساً تنافس البدر في حسنه، قبلت باطن يديها فابتسمت سماء بسعادة وهمست
ربنا ميحرمنيش منك يا ماما، التفتت إلى مروة قائلة بترقب
ها يا مارو، حلو الميك اب ولا أوفر
مروة بحب : انتِ مش محتاجة أي حاجة أصلا، يا سمسم ده انتِ قمر ما شاء الله، ياريتني حلوة زيك
تحدثت رحاب قاصدة اغاظة حنان التي تتفنن هي الأخرى في تهميشها وتلقينها رسالة خاصة تعني أن الماضي محال أن يعود
حبيبتي يا مروة، انتِ كمان زي القمر الحمد لله طالعة شبه أبوكي
انفلتت ضحكات مروة رغماً عنها وفغرت حنان فاهها فلم تعتقد أن رحاب ستعلن الحرب سريعا هكذا بينما نظرت سماء إلى والدتها تستعطفها كي لا تنساق وراء عاطفتها وغرورها المعتاد.
اقتربت حنان من رحاب وهمست
ولادي الاتنين شبه أبوهم طبعا، ماهو الست لما تحب جوزها ولادها بيشبوه وأنا في الحقيقة بموت فيه
تحدثت رحاب من بين أسنانها
المهم هو يحبك.
حالت سماء بين والدتها وزوجة أبيها وهمست مروة إلى حنان قائلة
العريس وأهله برة من ساعة وأنتم قاعدين تتخانقوا
ازداد انفعال حنان بينما رحاب تبتسم بانتصار إلى أن استأذن هاشم والد سماء بالدخول قائلاً بصوت خفيض
يلا يا جماعة، الراجل قاعد مستني
خرجت سماء إلى سلمان الذي تعلقت عيناه بها، اخفض جاد وفهد بصرهما سريعاً بعدما نظرا إليها بتقييم بينما تطلعت نوارة وميادة بتدقيق وبسمة رضا تزين وجهيهما، أما رباب فكانت في وضع مقارنة داخلية ترى هل تفوقها جمالاً ام أن سماء لها الغلبة، ألقت نظرة خاطفة إلى سلمان فقرات بعينيه توقاً وشوقاً لا يظهره سوى عاشق فتنهدت وغصة تصاحب أنفاسها وكم تتمنى لو أن السنوات تلقى باجنحتها وتحملها إلى الماضي حيث التقت دقات فؤادها الأولى حيث كان جاد، وتساءلت هل مازال بداخلها ذاك العشق الجامح أم ان الحياة أعادت تشكيله ليصبح اعتياداً ليس إلا.
تحدث هاشم بسعادة يشوبها التقدير قائلاً
نورتونا يا جماعة، حصلنا الشرف والله.
حياه فهد بود واحترام واجابه بحبور :
الشرف لينا يا أبو العروسة، البيت منور بأهله
نظر سلمان إلى والده يحثه على الحديث فاستكمل فهد قائلاً
احنا چايين النهاردة نطلبوا يد ست البنات لولدي الدَكتور سلمان، رأيك ايه يا حاچ هاشم؟!
اتسعت ابتسامة هاشم وتهلل وجهه واجابه دون تردد :
انا عن نفسي معنديش مانع، بس اللي يهمني رأي سماء، هي صاحبة الكلمة.
اعترضت حنان حديثه قائلة بشيء من التسرع
ان شاء الله موافقة، ولا إيه يا سما؟
امتعض وجه رحاب وتحدثت هي الأخرى بغرور
هتفكر وترد يا ست حنان، الأصول متزعلش حد ولا إيه يا ست أم سلمان
ابتسمت نوارة بوجهها السمح وأكدت على حديثها
وحد يزعل من الأصول يابتي، ان شاء الله تفكر وترد بالموافجة
تحدثت رباب بشي من الفضول قائلة
وحضرتك والدتها اكيد مبين من الشبه، بس الحاچة تبجى مين، چدتها إياك
نظرت رحاب إلى حنان التي تلون وجهه بحمرة تعلن غضبها مما قالته رباب، أراد هاشم أن يمر ذاك اليوم على خير فعرف عن الحضور قائلاً
الست حنان مراتي، ودي أم سماء، طليقتي
شهقت رباب قائلة
وااه، حجك عليا ياست حنان، أصل يعني الست رحاب شكلها صغير جوي.
حنان بشيء من الغيره الساخرة
أصلها مش حاملة هم حاجة، ماشاء الله عليها رايقة.
ابتسم نوح بأعينه إلى ميادة التي التزمت الصمت لكنها أرادت أن تساعد شقيقها على الخروج من هذا المأزق، مالت قليلاً تهمس إلى نوح قائلة
استأذن من أبوها نسيبهم يقعدوا لوحدهم شوية، الحق الموقف قبل ما يتدهور
عاد بجسده في وقار وطلب من هاشم بأدب
بعد إذنك يا حاچ نسيب العرسان يتكلموا كلمتين اكده واحنا نطلعوا لاچل ما نتفج على طلباتكم بأمر الله
💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬
وبعض الجدران كما أوراق الخريف، يابسة فاقدة للحياة لا روح فيها بلا طعم ولا عطر يغلفها وبعض الجدران صلابتها كما الماس لا يشقه سيوف الدهر ولا شيء قادر على هدمها فقد شكلتها مودة الأيام وتراحم السنوات فجعلتها منيعة لا ثغرات بها.
تثاءبت شام بقوة ونظرت من حولها إلى حيث يغفو شقيقها بعمق وكأنه لم ينم منذ دهور، ابتسمت بسعادة تبحث في ذاكرتها عن يوم يشبه يومها ولم تجد، لطالما استيقظت من نومها فزعة، صوت والدها الحاد وسبابه اللاذع كان يجعلها تستفيق والفزع يحيطها، عادت إلى حزنها من جديد عندما طاردها هاجس العودة وما ينتظرهما من عذاب وعقاب على يدي والدهما، تنهدت بضعف وتوجهت بخطوات حذرة نحو حمام الشقة تنوي الوضوء كي تؤدي فرضها وتطلب العون من الله.
استمع آثر إلى صوت اخته فقام من نومه فزعاً وقد خيل إليه أن أحدهم قد عثر على مكانهما، ناداها بلهفة فهرولت إليه قائلة
نعم يا آثر، مالك ياخوي هتنادم اكده ليه؟
آثر بترقب
رحتي فين، انتِ زينة يا شام؟
زين وجهها نظرة رضا وهمست بصدق
زينة جوي، خابر أنا أول مرة أنام ومحسشس بروحي وصاحية من النوم مرتاحة جوي.
حرك آثر رأسه بتفهم واغمض عيناه بتيه
ربك كَبير يحلها من عنده، روحي انتِ اتوضي وصلي وأنا هنزل اجيب حاچة ناكلها، بجولك ايه اوعاكِ تفتحي لحد ولا راچل ولا ست، فاهمة يا شام
ابتلعت ريقها في خوف وادمعت عيناها فرق قلبها لها وأوضح
متخافيش، بس الحذر واچب والناس اهنه طباعهم غيرنا فهمتي
ابتسمت إليه بحب
فاهمه يا آثر، انزل انت وأنا هصلي واستناك، اجولك اجفل انت بالمفتاح وهملني اهنه.
اعجبه اقتراحها فتحرك بخفة نحو الباب قائلاً
وماله، هجفل عليكي اكده هطمن اكتر، وان شاء الله مهتأخرش.
تركها وهبط درجات السلم مسرعاً وعادت هي إلى حيث كانت وكلاهما يخشى ويأمل ألا تتحقق مخاوفه.
في بيته كان يطيح بما يقابله، يزأر غاضباً ناقماً متوعدا وإلى جواره حياة التي دفتعه بشراسة قائلة
چنيت إياك يا سعد، كبرت وخرفت خلاص ولا ايه، انت خابر حامد چوزي لو وصله الكلام ديه هيعمل ايه؟
سعد بحدة
هجولك ايه انتِ التانية، ولا حامد ولا غيره أنا كل اللي يهمني ولادي، لازمن الاجيهم واعلمهم الأدب على أصوله
حياة وقد فاض بها الكيل
هجولك ايه يا سعد، كيه ما هيجولوا ما بعد روحي روح ياحبيبي، احنا متفجين من الاول ان شغلنا محدش يعرف بيه
سعد بمهادنة
يابت أبوي هتهدديني ولا إيه، مال شغلنا ومال العيال
وكزته حياة بقوة ونظرت إليه شزراً فرغم سنوات عمره التي تزداد يقل معها حكمته ويزداد رعونة وتسرع
صاحت بتحذير
خبر ايه يا سعد، انت ناسي حامد شغال ايه الناس اللي هيشتغلوا وياه مناصبهم ايه، دول لدغتهم والجبر، بس نجول ايه أني الغلطانة من الاول، اعتمدت عليك وانت كيه البهيم داير تنطح وبس
امسك سعد رسغها بقوة فنفضت عنها يده واشارت إليه قائلة
اسمع يا سعد، عيالك تدور عليهم لحد ما ترچعهم اهنه ولما يرچعوا تكتم على الخبر احنا معوزينش شوشرة، هجول ايه بس منك لله هتضيع تعبنا على مفيش.
حلَ الصمت بينهما قليلاً إلى أن قالت
تفتكر الواد رحيم خابر مكان آثر، مهو الواد مصاحبه جوي وليل نهار معاه.
اسرع سعد يهم بالخروج فاستوقفته
رايح فين ياحزين، انا هفكر معاك متتسرعش وتعملنا مصيبة
سعد : ملكيش صالح انتِ.
حياة وقد ضاقت ذرعاً به لكن خوفها من ردة فعل حامد جعلها تتراجع عن حدتها وتهتف برجاء
اجعد بس الاه يهديك واسمعني، دلوك الواد رحيم صعب توصله، البومة مرات عمه مهتخليش حد يكلمه غير بالضالين، انا بجول تشيع حد يمشي وراه ويشوف هيروح فين.
سعد بقلة صبر : أباااي، وأنا لسه هستنى لما نشوف هيروح فين ويچي منين، انا هروحله دلوك ولو المرة ديه منعتني هطخها عيارين اچيب أچلها
لوت حياة فمها قائلة
بخت ياخوي، بس هتضيع حالك وبردة مهنعرفش مكان العيال، اسمع انت كلامي ولو مرة واحنا بردة هندور ونسأل بس من غير شوشرة
💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬
تحدثت سماء بتوتر بعدما طال نظر سلمان إليها
حضرتك بتبصلي كده ليه؟
سلمان بمشاكسة :
خبر ايه يابت الناس، دي رؤية شرعية ولازمن اطمن إن الچمال ده طبيعي، تبدلت نبرة صوته وهمس بصوت يشوبه الإعجاب :
رغم ان چمالك واضح كيه الشمس.
توقف عن الحديث رأفةً بحالها فوجهها قد صار مفعماً بخجل وتوتر جعله يحادثها بجدية
أنا رايد أعرف عنك كل حاچة، وچاهز تسأليني عن كل اللي يهمك.
تنهدت قليلاً واجابتها بوضوح
مش عارفة ابدأ منين، أنا عارفة انه حقك تسأل عن حياتي وتفاصيلها، بس أنا مفيش عندي كلام كتير اقوله، أنا وماما وبابا كنا عايشين زمان في اسكتدرية لحد ما انفصلوا، وقتها بابا قدم طلب نقل من شغله وجه اشتغل وعاش هنا.
سلمان بفضول : وانت حبيتي العيشة اهنه ولا رايدة ترچعي إسكندرية
تطلعت إليه ولا تعلم بما تجيب، هي بالفعل لا تجد راحتها هناك أو هنا، هي حائرة بين شطي الحياة نصفها مع والدها ونصف مع أمها.
انتظر سلمان فلما طال صمتها تسرب القلق إليه، يخشى أن تشعر بالحنين إلى مكانها الأصلي ومحال بالنسبة له أن يترك الصعيد.
لم يمض الكثير إلى أن منحته سماء جوابا شافياً بعدما همست بتردد
أنا اتعودت على حياتي هنا رغم اني مليش أصحاب، بس قضيت هنا مراحل دراستي كلها وبالتالي ذكرياتي هنا اكتر.
سلمان بصدق وجدية
يعني مهيچيش يوم وتفكري ترچعي إسكندرية
سماء بصدق دون مواربة
أي مكان الإنسان يحس فيه بالأمان والألفة اعتقد انه مستحيل يسيبه
سلمان ببسمة رزينة : تمام، دلوك دورك تسأليني، وأنا مستعد لأي سؤال
سماء : سألتك قبل كده وهسأل تاني، اشمعنى أنا؟
سلمان : كيه ما جولتلك، مجدر ومكتوب أشوف بعيني بنات من كل مكان وبكل شكل وجلبي ما يشوفش غيرك انتِ
سماء : يعني متأكد من قرارك، مش هتندم في يوم ولا هتخليني أندم
سلمان : الأيام هي اللي هتثبت كلامي، وان شاء الله ربنا يجمعنا في الخير وتكوني من نصيبي.
💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬
احتضنته بسمتها الصافية وتاه معها بعيداً عن العالم، استمع إلى حديثها في صمت
لاحظت هي شروده فهمست بقلق
انت ساكت ليه يا نوح، انت كويس يا حبيبي
تنهد بعشق واقترب منها إلى تلاقت انفاسهما
أنا بخير جوي، بس رايد اسمعك
ابتسمت بخجل قائلة
يوة يا نوح، بطل دلع وقولي رأيك ايه في عروسة سلمان، انا عن نفسي حبيتها أوي
نوح بمشاكسة
اجولك ايه بس، البت طلعت كيه البدر، ألماني أصلي
وكزته ميادة بشراسة فتعالت ضحكاته
حذرته بوعيد تشير إليه بسبابتها بينما نوح عاجز عن التوقف عن الضحك
انت بتغيظني، طيب ماشي أنا بقى غلطانه إني بتكلم معاك، هروح اقعد مع ولادي أحسن
كادت أن تغادر لكنه جذبها إليه دون تردد هامساً
هتغيري يابت خالي، ده أنا دايب وربنا!
ابتسمت بنعومة وقد تغلل إلى داخلها أمان لا تصفه الكلمات لكنها ضمت شفتيها بغضب طفيف وهمست
بس برده، حتى لو بتهزر يانوح، انا بجد بغير وقلبي بيوجعني لما بتتكلم عن أي ست غيري، ابتعدت عنه قليلاً واستكملت بهدوء
البنت شكلها متربية كويس وأهلها ناس طيبين
نوح بجدية
كلامك صحيح، رغم ان أبوها باين عليه طري حبتين
شهقت ميادة قائلة
لأ يانوح ملكش حق، ده الراجل محترم ومتكلمش طول القاعدة
نوح بتوضيح
ماهي دي المصيبة، الراچل جاعد كيه النسمة ومرته وطليجته شايلين الليلة
ميادة وقد بدت حائرة
مش عارفه، بس في ناس بتبقى طيبة بزيادة
قاطعها نوح هامساً بمكر
الطيبة متنزعش الهيبة واصل يابت السياف، والراچل ما بين الناس واچب على مرته تكبره وتعلي مجامه، ولا إيه؟!
تراجعت ميادة وقد قرأت في عينيه رغبة في حديث آخر خاص بنوح وميادة دون سواهما فتمنعت بدلال وخوف عليه
وبعدين بقى، الدكتور قال ترتاح وتبطل شقاوة
أغلق نوح إضاءة الغرفة واجابها
وهو سلمان اخوكي هيعمل عليا دَكتور إياك، ده دكتور على ما تفرچ.
💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬
استمع سلمان إلى اعتراض شقيقه المبطن، وانتظر رأي والده الذي تطلع إلى جاد بغموض لم يدرك أحد مغزاه.
ابتسم فهد دون رضا قائلاً
واحنا هنعملوا إيه بفلوسها يا چاد بيه، إحنا رايحين نخطب لاخوك ولا نعملوا تچارة
چاد : وهو عيب ان الراچل يدور على زوجة تناسبه وترفع مركزه، البنت كويسه وأهلها محترمين، بس علي كدهم جوي، وبعدين سلمان يستاهل الأحسن.
التفتت فهد إلى نوارة قائلاً
ساكتة ليه يا نوارة، شكلك معچبكيش الكلام!
نوارة : لاه معچبنيش يا فهد، ولدك اتغير وشايف إن الفلوس هتشتري راحة البال.
چاد بغضب طفيف : يوووة، خبر ايه يامه، أنا مجولتش حاچة غلط ولا عيب، مالكم اكده عاملينلي محكمة.
ضرب فهد الطاولة الموضوعة أمامه بكفه وصاح بتحذير جعل الجميع يلتزم الصمت
خبر ايه يا واد انت، هتعلي حسك على أمك وأنا موچود، ده انا لو حصلي حاچة مش بعيد تهينها ولا تمد يدك عليها.
هرول جاد إلى والده والقى بجسده تحت قدميه، أشاح فهد بوجهه بعيد عنه وادمعت عينا نوارة وقد باتت شديدة التأثر بأي قول أو فعل.
قبل جاد يدي والده عدة مرات فنفض فهد يديه بعيداً عنه، استعطفه جاد قائلاً بصدق
ورب العزة ما اجدر ولا جلبي يطاوعني ازعل أمي سوا في وچودك أو غيابك، لا عيشت ولا كنت يا أبو جاد.
تدخل سلمان قائلاً
استهدي بالله ياحج فهد، چاد نيته خير، هو بيدور على مصلحتي من وجهة نظره هو، بس صدجني يا چاد لو السعادة بالفلوس مكانش ده بجى حالنا.
اعتذر جاد مرارا إلى أن نال رضا نوارة من جديد وغادر إلى سيارته لا يعلم ما يصيبه، تارة تغلبه أمواج السلطة وتارة يغلبها هو فهل سيبقى عالقاً هكذا أم سينجو بمجداف أصله الطيب ويعلم أن السفينة إذا غمرتها أموالها حجبت الرؤية عن ربانها وجعلت كما الأعمى يتخبط هنا وهناك إلى أن تميل فيعلوها الماء وتحتضنها أعماق المحيط.
💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬
تحدثت رحاب بود إلى طفلتها قائلة
حبيبة ماما، خدي وقتك وفكري براحتك، انتِ لسه صغيرة وقدامك الحياة متتسرعيش
اعترضت حنان قائلة
كلامك صح يام سما بس العريس الله أكبر ميتعيبش، زي القمر وغني ودكتور ومن اكبر العائلات هنا، يترفض ليه
رحاب بحدة : دي كلها مظاهر المهم هي تكون مرتاحة
لوت حنان فمها دون اقتناع وهمست
بيقولوا مثل كده، من كتر خطابها بارت، وسماء مشالله عليها خطابها كتير بلاش نمردة
رحاب بتأكيد على كل حرف تقوله
وانتِ مالك، زعلانه ليه، قاعدة على قلبك هي ولا حاجة؟!
شهقت حنان واعترض هاشم
إيه الكلام الفارغ ده يا رحاب، حنان بتتكلم بحسن نية وخايفة على مستقبل سما، انتِ بتهينيها في بيتها؟
نظرت إليه بعتاب وادرك هو فداحة قوله وربما كان يتعمد أن يؤلمها فهو يوماً لن ينسى أنها تزوجت بآخر وسمحت لرجل سواه أن يقربها، وقفت هي بشموخ وحملت حقيبة يدها وتقدمت من سماء تطبع قبلة حانية فوق وجنتيها قائلة بصوت هاديء
هنتظرك نهاية الأسبوع ياقلب ماما، لما تيجي نتكلم براحتنا، ماشي
استشعرت سماء الحزن الظاهر بصوت والدتها فلم ترد أن ترهقها لذا وافقتها قائلة
حاضر يا ماما، يوم الخميس هكون عندك ان شاء الله.
همَ هاشم بالاعتذار لكنها لم تترك له وقتاً أو فرصة للحديث وعقب لحظات استمع إلى صوت سيارتها يتحرك من أمام منزله بسرعة وكأنها تهرول هاربة من مواجهته.
نغزة قوية اصابت قلبه بعدما غابت هي ورغم الهوى تلقي بنا الحياة إلى طرق شتى نفارق مرغمين من عشقنا ونكمل الطريق مع آخرين لا نشبههم ولا تهفو إليهم أرواحنا لكنهم كانوا أقوياء وقفوا بجسارة دون اكتراث لصفعات الدهر فكان الفوز مستحقاً لهم.
💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬
تزينت هي كما لم تفعل من قبل، مموجت خصلات شعرها الذهبية فبدت بهيئة مختلفة كليا وصبغت شفتيها بلون أحمر دموي يشبه صراعها الحالي، تطلعت إلى ما ترتديه بحماس وانتعلت حذاءًا رفع من قامتها القصيرة نسبياً وامسكت بزجاجة عطرها المفضلة واغدقت في نثرها على جسدها.
اقتربت من هاتفها وطلبت زوجها الذي يهرول ناحية اللاعودة وعزمت أمرها على استعادته لتبتسم بعدما تذكرت حديث ميادة إليها من قبل وهمست :
هنشوف ياواد فهد، هنشوف اخرتها معاك إيه، هترچع لحضني ولا اللي أمي زرعته سنين هحصده أني وهتروح مني وروحي هتضيع معاك.