رواية مداهنة عشق الفصل الثانى عشر 12 بقلم اسماء ايهاب

 

 

رواية مداهنة عشق الفصل الثانى عشر بقلم اسماء ايهاب


دلفا معاً الي احد المحلات الصغيرة لبيع المثلجات و التي يسودها اللون الابيض مع الوردي يلمع امامهما الزجاجي و الارضية من شدة نظافته جلسا علي احدي الطاولات بأقصي المكان بعد ان طلب لهما المثلجات كما يعلم انها تفضلها بـ "الفانيليا" ، ابتسمت بسمة هادئة و هي تنظر اليه تدقق بملامح وجهه الوسيم و عينه العسلية اللامعة لاول مرة يفخر بهمجيتها احدهم بل و يشجعها أيضاً ان تفعل كلما لزم الامر مالت بجسدها الي الامام تستند علي تلك الطاولة الخشبية و لم تزح عينها عن ملامحه حتي ابتسم تلقائياً و هو يميل ليستند علي الطاولة مماثلاً لها رافعاً حاجبه الأيسر سائلاً بصمت عن حالتها تلك لتهتف بهدوء :
_ تعرف ان كان كل مرة اخد فيها حقي من حد عمل فيا حاجة بابا و ماما كانوا يلومني و يضايقه من تصرفاتي 

انتبه الي حديثها و ركز حواسه علي كلماتها ليسأل بعدها مستفسراً :
_ كانوا شايفين انك غلط لما تاخدي حقك و لا شايفين ان طريقتك هي الغلط ؟

تنهدت بعمق قبل ان تخبره بصوت خرج بلحن حزين :
_ يمكن دي كانت النقطة الوحيدة اللي مفهمتهاش منهم 

حاول تغير دفة الحديث حين وجد الحزن اخذ مكانه علي وجهها المليح ليعود الي الخلف مستند علي المقعد متسائلاً :
_ انتي كنتي قوليلي انك بتشتغلي في شركة صح ؟

ضحكت بخفة و هي ترفع خصلاتها التي تدلت علي عينها الي اعلي مجيبة :
_ اختي هي اللي متولي الشركة دي ، انا مبشتغلش في شركات 

عقد حاجبيه بتعجب الم تخبره يوم ضربتها "كارما" انه حادث بسيط حدث بالشركة ! اعتدل بجلسته و قد ازداد فضوله نحوها متسائلاً :
_ اومال انتي بتشتغلي اية ؟

_ عارضة أزياء ، انا اشهر عارضة ازياء يا بني مسمعتش قبل كدا عن آسيا التهامي 

انهت جملتها بغرور يليق بها و تركته ينظر اليها متفاجئ لم يكن يظنها عارضة و لم يخطر بباله ابداً فهو بعيد كل البعد عن هذا المجال و لا يعلم عنه شئ و لم يكن يتوقع ان تجمعه صدفة مع عارضة ازياء شهيرة بحارة شعبية يسكنها جدها ، قطع تفكيره بالامر عامل المحل يضع امامهما الطلب بابتسامة بشوشة و يغادر حيث اتي ليجدها تضحك علي ملامح وجهه المذهولة قائلة :
_ شكلك مش مصدق ، سيرش بس علي اسم آسيا التهامي و انت هتتأكد 

اخرج الهاتف ليبحث عنها في محرك البحث "جوجل" و يري كل ما هو مكتوب عنها و لكنها مدت يدها الي يده تمنعه من فعل ذلك قائلة :
_ بعدين ، كُل الايس كريم قبل ما يسيح 

وضع الهاتف امامه علي الطاولة و بدأ في تناول المثلجات ناظراً اليها يسأل من جديد :
_ و الحاج نجيب ميعرفش

تأتأت بنفي و هي تبتلع المثلجات ثم استطردت :
_ جدو عمره ما يوافق اني اشتغل عارضة ازياء لانه مش معترف بيها اصلا و كان ممكن يقاطعني عشان كدا مقولتلوش غير اني بشتغل مع اختي في شركة بابا الله يرحمه 

هزت رأسه متفهماً مبررها ليتوغل اكثر في الحديث عن حياتها الشخصية متسائلاً :
_و انتي كان حلمك تبقي عارضة ازياء 

_ كان نفسي ابقي زي ماما مصممة أزياء و ان شاء الله هحققها 

وضع الملعقة البلاستيكية الصغيرة في صحن المثلجات متسائلاً :
_ عشان كدا عمرك ما اكلتي غير اكل صحي و بتلعبي رياضة و محافظة علي جسمك 

اجابته بغرور و هي تفتح ازرار سترتها لشعورها بالحرارة تجتاح جسدها :
_ اكيد دا اساس شغلي 

تنحنحت و هي تأخذ محرمة نظيفة من اعلي الطاولة قائلة :
_ و انت مش هتكلمني عن حياتك شوية 

ابتسم و هو يضع ملعقة من المثلجات بفمه :
_ عايزة تعرفي اية

فردت كف يدها الايسر تعد علي اصابعها : 
_ سنك مثلا ، تعليمك ، اهلك كدا يعني 

_ عندي ٣٣ سنة و انتي ؟

_ عندي ٢٧ سنة

هز رأسه و اكمل حديثه معرفاً لها عن نفسه :
_ خريج تجارة و كنت عايش مع امي قبل ما اخويا يأخذها معاه برا عشان كدا جيت المنطقة دي استرزق 

تنهد و هو يميل ليستند علي الطاولة ليقترب منها هامساً لها و كأنه سر حربي خطير :
_ و الحمد لله اني جيت 

اتسعت ابتسامتها و هي تمد يدها لتمسك بيده تهتف بغنج :
_ انا بردو بقولك كدا ، احسن حاجة حصلت انك جيت 

نظر الي يدها بين يديه و اتسعت ابتسامته بسعادة انتشرت في اوردته بادرت بما كان يريد هو ، و جملتها تعني الكثير هو أيضاً سعيد بالالتقاء بها هو أيضاً لا يصدق انها تقبلت تقاربهما دون النظر الي مهنته او حالته المادية و الاجتماعية المختلفة عنها تماماً ، خفق قلبه بقوة بين اضلعه و هو ينحني قليلاً ليقبل يدها و قد تلك اللحظات هي نقطة البداية لهما معاً ليتوغل كلاً منهما بحياة الاخر و يكون جزءًا منه 

************************************
_ يا بنتي اسمعي الكلام بقي و متناحيش فيا قولتلك ارجع اسكندرية و انا و ابوكي هنحصلك 

صاحت بها "سماح" بغضب من ابنتها العنيدة التي ترفض الاستماع لها و العودة الى الاسكندرية حتي تهدئ الامور و يتواجد حل لتلك الازمة لكن هذا زاد من فضول ابنتها لمعرفة ماهية الامر لتعقد قدميها اسفلها و هي تجلس أمام والدتها علي الاريكة قائلة :
_ و انا عايزة اعرف لية ، مش فاهمة في اية و عايزة تمشيني لية و ترجعيني اسكندريه 

زفرت بضيق و هي تكمل حديثها بتوسل :
_ انا مصدقت الاجازة جت عشان اجي اقعد معاكم 

اقتربت منها والدتها تسحب يدها حتي توقفها عن الاريكة قائلة بضجر :
_ مش لازم تعرفي لية دلوقتي ، كله عشان مصلحتك 

ما ان وقفت عن الاريكة حتي سحبتها "سماح" الي داخل غرفتها و اخذت الحقيبة التي افرغتها منذ عدة ساعات فقط حتي تضع ملابسها بها من جديد ، اتسعت اعين "ايمان" و هي تنظر الي سرعة والدتها في القاء الملابس داخل الحقيبة قائلة بدهشة :
_ بتعملي اية بتلميلي هدومي بجد !

لم تعيرها اهتمام انما اكملت ما تفعل و تحدثت اليها بانفعال بعد ما فاض بها الكيل من ثرثرة ابنتها التي لا تعلم شئ :
_ اه و هتمشي من هنا يا ايمان قبل ما الشمس تغرب 

تقدمت ايمان منها تأخذ منها الكنزة التي كادت ان تلقيها بالحقيبة و اخذت تتطويها متسائلة بضيق من تصرفات والدتها الغير مبررة و التي كانت تتشوق لرؤيتها سابقاً :
_ لية يا ماما بتعملي كدا فهميني انا مش عيلة 

تنهدت سماح بقوة و هي تلقي بجسدها علي الفراش متحدثة بقلة حيلة :
_ لو ممشتيش دلوقتي و روحتي السكن هتتجوزي غصب عنك واحد قد جدك 

نظرت اليها ايمان هنيهة بعدم استيعاب تقطب حاجبيها بتعجب ثم هتفت مستفهمة :
_ مش فاهمة اية يغصبني اتجوز كدا هو في اية بالظبط اية اللي حصل و انا مش موجودة 

_ ايمان انا مش ناقصة وجع دماغ يلا ساعديني عشان تمشي بسرعة 

كادت سماح ان تقف عن الفراش حتي تكمل عملها في جمع اغراض ابنتها و لكن استوقفها حديث ايمان الغاضب :
_ مش همشي غير لما اعرف 

_ انا اقولك 

جاء صوت والدها من خلفها التفتت لتجده يقف عند الباب يستمع الي الحديث بينهما و اختار ان يجيبها عن ذاك السؤال بنفسه ، زجرته سماح بنظراتها و هي تتفوه بتحذير :
_ صبري ، خلاص

لم يبالي بتحذيرها الواهي و اقترب من ابنته يحاوط كتفها بحنو ثم اشار نحو سماح يهتف بغضب و قد ارتفعت نبرة صوته :
_ الهانم امك كانت عايزة تجوز رقية بنت عمتك لواحد خليجي كبير في السن غصب عنها و بالتهديد عشان تبعدها عن البيت و تقعد براحتها و اخدت فلوس بالهبل منه علي حس الجوازة ، و رقية هربت و مش عارفين هي فين و الراجل عايز فلوسه ياما يتجوزك ياما انا اتسجن يا ايمان 

انهي حديثه الغاضب عندما هتفت هي بضيق ضاربة بيدها علي فخذيها :
_ ارتحت كدا يعني يا صبري 

امتعضت ملامح ايمان بغضب من فعلت والدتها و صرخت بانفعال مشيرة الي ارجان الغرفة بيديها :
_ لية يا ماما تعملي كدا في رقية دا احنا قاعدين في بيتها و لولا ما هي بنت اصول كانت طلعتنا منه من زمان 

قبل والدها رأسها حامداً الله انها لم تكن يوماً مثل امها بل هي تشبه اكثر في كل طباعه ليشير بيده عليها متحدثاً الي زوجته بغيظ :
_ بنتك طلعت اعقل منك مليون مرة

ضمها والدها اليه اكثر عندما وجدها تنتفض لا يدري تماماً من الانفعال ام من الخوف لكنه بكلتا الحالتين ربت علي كتفها يحاول طمئنتها هاتفاً بلطف :
_ متخافيش من حاجة كله هيحل بأمر الله و مش مضطرة تمشي هتفضلي هنا و مفيش اي حاجة هتمسك طول مانا موجود 

اخذ ابنته و خرج من الغرفة بعد ان القي نظرة نارية علي زوجته التي اخذت تفكر اين هي رقية الآن و الي اين يمكنها الهرب من امان بيتها و بعد صمت طويل و تفكير عميق اخذت به تتذكر شجرة العيلة التي لم تبقي منها غير خالها صبري و ... عمتها "سوزان" ابتهجت حين علمت اين هي بالتأكيد ذهبت الي عمتها لتبتسم متحدثة بخفوت ضاربة رأسها بانتصار :
_ هي ليها غيرها ازاي مفكرتش فيها دي اكيد عند عمتها 

***********************************
جلس زيدان علي الفراش البسيطة بغرفته يبحث عن كل ما يخص آسيا بالانترنت و كلما توغل اكثر كلما ظهر الضيق علي وجهه لقد رأي ما ينشر عن اجرأ عارضة ازياء و الاكثر شهرة و رأي بعينه ما ترتديه في عروضها من ملابس لا يجد لها مسمي غير كلمة "فاضحة" تظهر جسدها بسخاء ، ارتفعت وتيرة انفاسه بغضب و انتفض معتدلاً بجلسته حين وجد احد المقاطع المصور لها في عرض قريب حيث كانت ترتدي ثوب قصير يصل الي بداية فخذيها من خامة "الشيفون" جسدها يظهر بسخاء و بطريقة مبالغ بها ، خرجت سبة نابية منه و هو يكرر مشاهدة المقطع حتي اغلق الهاتف واضعاً اياه بجيبه و اسرع نحو الاسفل شاعراً انه يغلي كالمرجل من شدة غضبه حين اخبرته انها عارضة ازياء جال بذهنه انها ترتدي ملابس اكثر احتشاماً و لم يكن يعلم انها اكثر جراءة مما يتوقعه ، اسرع ينزل الدرج حتي وصل امام باب شقة السيد نجيب رن جرس الباب و انتظر لثواني ثم اعاد الكرة مرة اخري و هذه المرة فتحت هي بمنامتها الحريرية البيضاء تاركة خصلات شعرها كالمعتاد علي ظهرها ، طلتها الرقيقة اسرت قلبه و كاد ان ينسي لما جاء اليها بالاصل و لكنها اخرجته من شروده بابتسامة هادئة و سؤالها :
_ مالك مكشر لية في حاجة 

سأل و هو ينظر داخل الشقة باحثاً عن جدها :
_ جدك هنا ؟

اومأت برأسها مجيبة بهدوء و هي تلتفت تنظر الي الداخل :
_ ايوة جوا بيصلي ، في اية ؟

امسك بيدها يجذبها عن الباب و اغلقه خلفها في حركة واحدة ، نظرت اليه باندهاش لكن لم يدم اندهاشها حين اخرج الهاتف من جيبه يريها هذا المقطع الذي جعل الدم تغلي باوردته قائلاً بغيظ :
_ ياريتني معملت سيرش يا شيخة اية دا !

ابتسمت بفخر و هي تري نفسها بالمقطع المصور ثم اشارت الي شاشة الهاتف قائلة :
_ دا انا في عرض ليا 

زجرها بغضب و هو يصيح بحدة :
_ علي اساس اني بقولك مين دي ، انتي شايفة مكتوب اية؟

اجابته ببساطة و هي تقرأ ما كُتب عنها علي احد مواقع التواصل :
_ اشهر عارضات الازياء 

اكمل عنها دون ان ينظر الي الشاشة و قد حفظ ما كُتب :
_ و اكثرهن جراءة و اثارة 

صمتت لا تعلم ما المشكلة ان تكون اشهر في مجالها و الا يكون لها مثيل من بين زميلاتها ، اغلق الهاتف و وضعه في جيبه من جديد في حين هتفت هي باستفهام :
_ ايوة فين المشكلة ؟

اتسعت عينه بذهول من ردها الذي كاد يصيبه بأزمة قلبية ثم هتف بدهشة :
_ هو انتي مش شايفة مشكلة اصلاً ! 

حاول ان يخفض صوته حتي لا يسمع جدها بالداخل و اكمل حديثه مشيراً الي جسدها المتناسق الذي يراه الجميع دائماً :
_ يعني بالنسبة لجسمك اللي كله باين و لا وصف الناس ليكي و لا الكومنتات دي كوم تاني لوحدها اصلاً كل دا و مش شايفة مشكلة 

نفت برأسها و هي تضع يدها بخصرها متحدثة باحتدام :
_ هو في مشكلة اني ابقي ناجحة 

تنهد بقوة و هو ينظر الي غضبها كونه ينكر نجاحها ليهتف بتهكم بعد صمت يستجمع فيه نفسه :
_ اقسم بالله انتي في غفلة ، تمام يا آسيا ادخلي شقتكم

اشار في نهاية جملته نحو باب الشقة و التفت ليصعد من جديد الي غرفته لكنها اوقفته تمسك بذراعه تهمس بهدوء :
_ استني هنا ، اية مشكلتك مش فاهمة 

ابعد يدها عن ذراعه يسأل بجدية :
_ آسيا احنا قررنا نكون مع بعض صح ؟

اومأت اليه و مر علي عقلها ذكري البارحة حين قررا الارتباط و اعطاء كلاً منهما فرصة للاخر كي يكون جزء من حياته لجفل حين صاح بها بغضب :
_ انا من حقي لما اشوف فيديو زي دا او كومنتات من دي اضايق و اكسر الدنيا فوق دماغك 

تنفس بعمق ثم اكمل حديثه بنبرة هادئة خلاف تلك الغاضبة متحدثاً :
_ بس انا هادي لحد دلوقتي جداً فسبيني بقي استوعب الموضوع مع نفسي و نبقي نتكلم في تفاصيله بعدين 

رفعت حاجبها الايسر لاعلي و هي تعقد ذراعيها امام صدرها متسائلة بضيق :
_ يعني ؟

تنهد و هو يرمق وقفتها المتمايلة مع ردة فعلها المحتدة ليشير من جديد الي باب الشقة قائلاً بهدوء قبل ان يصعد من جديد الي غرفته :
_ يعني ادخلي لجدك و بعدين نتكلم يا آسيا عشان ورايا شيفت 

تأففت بضيق حين تركها و صعد الي الاعلي التفتت حتي تدلف الي الشقة لتنتبه الي بابها المغلق ازداد حنقها منه غير مبرر له ما فعله منذ قليل ليس لديه الحق بما فعل حتي رفعت يدها ترن جرس الباب و هو يتمتم بكلمات غير مفهومة بالتأكيد تقصد بها زيدان 

**********************************
كان يجلس علي مقعده الجلدي يترأس الاجتماع الذي عُقد لاجل الصفقة الجديد و وسط اندماجه بالعمل لم ينتبه الي الهاتف الذي ينير علي الطاولة بوصول اتصال جديد له ، ادار مقعده لينظر الي العرض الذي يقدمه احد موظفي الشركة بتمعن مدققاً بكل كلمة ليتصيد اي خطأ قد يحدث في هذا الاجتماع و ما ان انتهي العرض حتي اضاف الموظف بهدوء :
_ و نقدر ناخد نسبة ٦٠٪ بدل ٤٠ يا طارق بيه 

اومأ اليه و قد رسم ابتسامة هادئة علي ثغره بتفهم و اشار اليه ان يجلس علي المقعد و متحدثاً :
_ برافو عليك 

ما كاد ان يكمل حديثه حتي استمع الي صوت طرقات الباب يتبعه فتح الباب و اطل من خلفه مساعده الخاص يتحدث بجدية :
_ طارق باشا تسمحلي 

قطب حاجبيه بتعجب من تواجده الآن و اقتحامه للاجتماع و هو يعلم ان هذا اكثر ما يكرهه لكنه تغاضي عن ضيقه لعلمه ان هناك شئ هام يستدعي حضوره و اشار اليه ان يدخل ، تقدم من الداخل حتي وقف جوار طارق و انحني قليلاً ليصل الي اذنه واضعاً يده علي رابطة عنقه قائلاً بهمس لا يصل الي اليه :
_ البضاعة بتاعتنا اتقفشت في المينا يا كبير و الدنيا مقلوبة لازم تيجي معايا حالاً

اتسعت عينه بصدمة و خطي الغضب علي معالم وجهه حتي تشرست ملامحه و اصبحت قاتمة لا تبشر بالخير ابداً ، كز علي اسنانه بغل و هو يضرب بيده علي سطح المكتب امامه عدة مرات لعله يخرج بها غضبه الذي تلظت نيرانه بصدره بشكل مفرط ، انسحب الجميع بعد إشارته لهم بالمغادرة و التفت الي مساعده يسأل بحدة :
_ ازاي دا حصل انتوا مش مأمنين الدنيا هناك 

اومأ الاخر و هو يبتلع ريقه بارتباك لغضب طارق مجيباً :
_ كان كله تحت السيطرة يا باشا و في لحظة واحدة الدنيا انقلبت و كأنهم متأكدين ان في حاجة 

تجهمت ملامحه اكثر و قد شرد لثواني في حديثه حتي تسارعت انفاسه و كأنه يركض في سباق و شحب وجهه بشدة يضرب من جديد علي المكتب يصيح بغضب :
_ قاسم عايش !

**********************************
دلف الي البناية التي يقطن بها بعد يوم عمل شاق يود لو ينعم ببعض الراحة الذي لم يعد يجدها بعد طلاقه من زوجته ، زفر بضيق شديد اقتحم صدره و هو يتذكر سبب طلاقه منها حيث لم يكن يتوقع يوماً ان "رُقية" تلك الفتاة الوديعة تضع له السحر اسفل فرشته حينها خرج عن طوره و القي عليها اليمين دون الحاجة الي التفكير مليا يذكر ان يومها اعتصر قلبه ألماً لهذا القرار فلم يري منها اي مكروة ابداً و لم تكن تلك الفتاة مفتعلة المشاكل كان هادئة دائمة الطاعة تهتم به و ببيتها و هو أيضاً كان دائماً مهتمة بها و بتفاصيلها يحاول ان يخرج قدر كبير لها من الحنان حتي لا يشعرها بالوحدة بفقدان والدتها لم يكن ينقصها منه شئ حتي تتوجه للدجل و المشعوذين ، الي الآن لا يصدق ما فعلت و جعلته يشعر بخيبة الأمل و الخذلان حتي انه لم يقدر علي مواجهة موقف الطلاق و لم يرغب في الحديث عن اي شئ سلم امر انهاء زواجه الي شقيقه دون ان يلتفت خلفه حتي و هذا ما ازعجه بعد فترة من استيعاب ما حدث كيف له ان يتجاهل خالها "صبري" و لا يرجع له في امر طلاق ابنة شقيقته ، اخر زفرة اخري مغتاظة و هو يصعد درجات السُلم بوهن و ما ان وصل الي نهاية الدرج المؤدي الي الطابق الثاني حتي استمع الي صوت زوجة اخيه يصدح بقوة بالداخل صارخة بغضب شديد :
_ بقولك اية يا حماتي انتي مش هتقدري توقعي بيني و بين جوزي و انا مش هديلك الفرصة 

استمع الي صوت طرقعات و كأنها تضرب كفوف يدها بعضها ببعض ثم تحدثت من جديد بنبرة ذات مغزي :
_ انا مش زي رقية ياختي اللي لبستيها مصيبة و طلقتيها من ابنك 

اتسعت عينه بصدمة و جف حلقه تماماً و كأنه وسط الصحراء هل يتعذب منذ اكثر من ثلاثة اشهر بسبب والدته هل افسدت والدته حياته و قطع سيل الاسئلة علي تمطر في ذهنه صوت والدته و هي تصرخ امام الاخري بصوت مرتفع للغاية و كأنها ستبتلعها :
_ و مين ياختي اللي ساعدني في المصيبة دي مش انتي اللي عملتي القماشة دي شبه بتاعت الاعمال و دخلتي حطتيها في شقة كريم 

ضحكت الاخري باستهزاء و كأنها ستتركها تلقي عليها تلك التهمة وحدها و تحدثت بسخرية :
_ و انتي استغليتي دا و مشيتي معايا علي الخط يا حبيبتي متجيش تلعبي معايا بقي عشان انا صاحية كويس و مش خايبة زيها 

_ لا يا مرات اخويا هي مش خايبة ، جوزها اللي خايب و صدق فيها 

كان هذا صوت كريم الذي دلف الي داخل الشقة و لم يعد يتحمل ما يسمع ، اخرجت والدته شهقة فزعة و هي تنظر اليه بارتباك و التفتت زوجة اخيه تنظر اليه بثبات تحسد عليه ، تقدم كريم حتي وقف امام والدته تبادلا النظرات لوهلة قبل ان يباغتها هو يسأل بصوت يتخلله الحزن :
_ لية ياما تخربي بيتي ، دا انا كنت عايش مرتاح 

ابتلعت ريقها بتوتر و هي تفرك يديها ببعضها البعض تهتف كاذبة بصوت مرتبك :
_ دي هي مرات اخوك اللي حطتلك العمل تحت الفرشة و انا لسة عارفة الوقتي 

شهقت الاخري بسوقية و هي تلتفت لتنظر اليها قائلة :
_ لا انتي عارفة كل حاجة من اول ما حطيت القماشة دي يا حماتي

نظر الي كريم و هتفت سريعاً مبررة الي نفسها حتي تخرج نفسها من تلك الازمة دون علم زوجها بما فعلت :
_ دي مش عمل يا كريم أصلاً دي قماشة بس و انا حطيتها يعني كيد حريم عشان تخاف و متنزلش تحت تاني

امتعض وجهه باشمئزاز و هو يرمقها ببغض متسائلاً بحدة :
_ هي رقية عملتلك اية يا مرات اخويا ، دي معملتش معاكم غير كل خير ، تخربه بيتي لية تخلوني اطلق مراتي لية اية اللي كان مضايقكم اني مبسوط مع مراتي 

وجه حديثه في النهاية الي والدته التي طأطأت رأسها بخجل من كشف سترها امام ولدها التي كانت السبب في طلاقه بالفعل فقط لانها لم تكن ترغب برقية زوجة له و ارادت ان تزوجه ابنة رفيقتها لما تسمعه من والدتها عنها من حكايات مذهلة عن مهاراتها في كل شئ و كلامها المعسول معها حتي ارادتها زوجة لكريم بدلاً من رقية التي لم تكن راضية عن زيجتها من ابنها ، صرخ كريم بغضب شديد و هو يرفع سبابته مهدداً :
_ اقسم بالله ما هسكت عن الموضوع دا 

اخرج هاتفه و هاتف شقيقه يخبره عن الموضوع باختصار طالباً منه الحضور الي المنزل علي الفور ، القي نظرة عليهن قبل ان يوجه حديثه لاخيه عبر الهاتف قائلاً :
_ بقولك تسيب كل اللي في ايدك و تيجي تشوف اللي عملته مراتك و امك ، و هتيجي معايا نروح لرقية عشان اردها

**********************************
شعر بالاختناق و هو يمرر عينه علي حوائط الغرفة التي ينيرها ضوء خافت و كأن اصحاب المشفي يخشوا من استهلاك الكهرباء وضع يده علي قدميه العاجزان بأسي حاول تحريكهما و لكن لم يقدر علي تحريك اصبع واحد حتي ، زفر بقوة مستغفراً ربه و قد اصبح يعتقد ان هذا من غضب الله عليه لان لم يرضا بقضاءه و قدره بموته خطيبته بل زهد الدنيا و ما فيها و بمن فيها و اصبح في عالم من اللاوعي بدلاً من الصبر و الاحتساب و الدعاء لها تسرب الندم الي نفسه و قد اصبح يلوم نفسه علي تركها تنجرف وراء الشيطاء الذي وسوس له بعدم الرضا بما قدره الله له و دخوله حالة من السوداوية ناقم علي حياته ، ردد الاستغفار عدة مرات و عبراته تتسابق علي وجنتيه طالباً من الله ان يسامحه ، ازداد اختناقه و شعر ان الجدران تكاد تنطبق علي روحه تزهقها ليمد يده الي زر الجرس الموصل لغرفة التمريض ثم اخذ يمسح دموعه حتي طرق الممرض الباب و دلف من بعدها الي الخارج يسأل "عُدي" عما يريد ، ابتلع غصته و اشار الي المقعد المتحرك الذي خصصته له المشفي متحدثاً بحزن لا يندثر بنبرته :
_ لو سمحت عايز اخرج الجنينة شوية 

يبدو منهزم منكسر يخط الحزن علي صفحات وجهه الوسيم ليتحدث الممرض باستفهام ناظراً الي ساعة يده :
_ الوقتي ؟

اومأ و عينه تقطر حزناً لذا لم يكن هناك مجال للرفض وسط حالته البائسة تلك ليوافقه و هو يتوجه نحو المقعد المتحرك قائلاً بطاعة حتي يرضيه :
_ حاضر 

عاونه حتي جلس علي المقعد المتحرك و قاده نحو الخارج حتي وصل الي الحديقة الفسيحة داخل محيط المشفي ليشير عُدي له ان يتوقف قائلاً :
_ خلاص سيبني هنا شوية لو سمحت 

اومأ اليه الممرض بعد ان رمقه باشفاق شاعراً بالذنب اتجاهه و لكن ليس بيده حيلة فقد يفقد حياته ان لم ينفذ ما اُمر به تنهد بقوة و هو يتركه بمفرده و يتوجه هو الي مكان قريب منه حتي ان احتاجه وجده الي جواره ، اما هو فأخذ يستنشق نسمات الهواء المنعشة لروحه متذكراً نفسه سابقاً كيف كان مرحاً يحب الضحك و المزاح في جميع الاوقات كيف كانت حياته هادئة بسيطة حتي التقي بها تلك الفتاة التي فتنته من اول لقاء و قد جمعهما القدر في احدي المطاعم لتأسر قلبه حينها و من دون تفكير ذهب اليها ليتحدث معها و تطور الامر بينهما و التقيا اكثر بعدها حتي توغلت الي قلبه تسكنه آمنه به و اصبح اكثر من مهوس بها ، حتي قرر اخذ خطوة اتجاهها و يتقدم لخطبتها رسمياً لكنها اقترحت هي ان يكون عقد قران بدلاً من الخطبة و حددا الموعد و جهز هو كل شئ بحماس شديد و فرحة عارمة لذلك اليوم ليتفاجأ بالحادث الشنيع التي كانت ضحيته هذا اليوم ، شهق بقوة يدخل الهواء الي رئتيه و تلك الذكري جعلته يشعر بالاختناق الشديد وضع يده علي رقبته و رفع رأسه ناظراً الي السماء يناجي ربه بصمت ، تنهد يهمس لنفسه انه لن يعترض علي قدر الله ابداً انزل رأسه عن السماء ليتجمد و اصابة جسده قشعريرة كالصاعقة يراها امامه تختبئ بالبوابة الرئيسة للمشفي تلك البوابة الحديدية المفرغة اظهرتها و هي تنظر اليه من بعيد و الدموع تسقط من عينها بغزارة تشنج جسده للحظات قبل ان يهمس بدهشة و عدم استيعاب لما يري :
_ آسيا !!!
تعليقات



×