رواية ارناط الفصل الثاني عشر بقلم حور طه
ليلى شهقت بدون وعي:
ــ إيه ده…؟
قعدت على طرف السرير…
تحس بحركة… حركة خفيفة…
زي سمكة صغيرة بتضـ ــرب في مية راكدة…!
قلبها دق بسرعة:
ـ مستحيل… لسه بدري…!
إيدها نزلت تتحسس بطنها…
الإحساس يتكرر،أقوى شوية المرة دي…!
كأن في كائن واعي جواها…
بيقولها:
ــ أنا هنا…
اتسعت عيونها بالـ ـرعب…
بدأت تبكي من غير ما تفهم ليه…
مش بكاء فرح…بكاء خوف…
زي اللي بيحس إنه مربوط في حاجة أكبر منه…
ومش قادر يهرب…!
حاولت تقوم…
تحركت خطوتين ناحية الشباك…
نفسها كان بيفلت منها…
كأن في يد خفية بتضغط على صدرها…!
رفعت عينيها للسما السودة،وهمست:
ــ إيه اللي بيحصلي؟!
بس مفيش رد…
بس قلبها كان بيردد في صمت:
ــ ولا مهرب لمن وقع عليه الاختيار...؟!
وهي لسه مش عارفة…
إن اللي بيحصل دلوقتي…
كان مكتوب على صفحات قديمة…
قبل حتى ما تشعر بنبضه في أحشائها…!
ليلى قاعدة على الكنبة…
رجليها مش قادرة تشيل جسمها…
بتحط إيدها على بطنها …
وهي بتحس بنبض غريب جواها…!
عالية من المطبخ وهي بتحضر مشروب دافي:
ــ ليلى! تشربي إيه؟ نعناع ولا ينسون؟
ليلى مش بترد…؟
مركزة مع اللي بتحسه…
كانت المفروض تحس برفرفة خفيفة…
زي ما الدكاترة قالوا…
لكن اللي بيحصل دلوقتي…
حركة قوية، كأن الجنين بيرفس جواها برجله…؟
تحط إيدها التانية على بطنها
تتأكد إنها مش بتتوهم
بس الحركة بتتكرر…أقوى
ليلى بهمس، مش مصدقة:
ــ ده مش طبيعي…
عالية تيجي من المطبخ، ماسكة كوباية…
تلاقي ليلى عرقانة رغم إن الجو مش حر…
عالية بقلق:
ــ مالك؟ تعبانة؟!
ليلى تحاول تقوم، تحس بألـ ـم في جنبها:
ــ بحس إنه…بيضغط عليا…مش مجرد حركة…
عالية تحط الكوباية بسرعة وتيجي تسندها:
ــ ممكن تبقى تقلصات… ولازم ترتاحي…
ليلى عنيها بتلمع برعب مش عارفة تخبيه:
ــ بس أنا في الشهر الرابع…مش المفروض كده يحصل…
الحركة دي بتحصل في الشهور الأخيرة…
مش دلوقتي…؟
تشد فستانها من على بطنها…
كأنها عايزه تشوف بإيديها اللي جواها…
عالية بتحاول تهديها، صوتها مبحوح:
ــ ممكن تكوني حساسة زيادة…من اللي مريتي بيه.
ليلى تهز راسها ببطء، تحس إن الكلام مش مقنعها:
ــ لأ…أنا عارفة جسمي كويس…
اللي بيحصل ده مش طبيعي…!
لحظة صمت تقيلة…
كأن البيت كله بيحبس أنفاسه معاهم…!
ليلى تحس فجأة إن في نبضة جامدة جوا بطنها…
زي خفقة قلب… بس مش قلبها…
وتغفل عن وعيها لحظات وهي واقفة…!
عالية بترفع صوتها وهي بتسندها:
ــ ليلى! فوقي! فوقي!
ليلى تفتح عينيها، تلاقي الدنيا قدامها بتتهز…
زي حلم بيتكســ ــر ف نصه قالت:
ــ انت فين…يا ارنو…؟؟!
ثم…!
تتمسك بعالية…
لكن في أعماقها…
كانت حاسة إن في …حد…!
عارف اللي بيحصل ليها…
لحظة بلحظة…!؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في مطار القاهرة، كانت الطيارة لسه واقفة…
وبينزل منها عبدالحميد العراف…
وبجواره مراته سحر الطوخي…
وولاده راهب وشهد…!
بخطوات سريعة، شهد وسحر طلعوا على عربية… عبدالحميد اللي كانت مستنياهم…
أما راهب، فبمجرد ما نزل، لمح يوسف ابن عمه… مستنيه على الرصيف، حضنوه بعض بحرارة…
يوسف بابتسامة واسعة:
ــ نورت بلدك يا ابن العم…!
راهب ابتسم وهو بيبادله الحضن:
ــ منور بيك يا جو…
ركبوا العربية مع بعض، يوسف فضل سايق وبيبص لراهب بين الحين والتاني.سأله بهدوء:
ــ ناوي ترجع هولندا تاني…؟
ولا قررت الاستقرار بقى هنا؟
راهب كان ساكت، عينيه مثبتة على الشباك…
وكأنه بيطوي جواه حكايات عمرها سنين…
وبنبرة فيها تعب دفين، قال:
ــ عودة بلا رجعة يا جو... خلاص تعبت…!
يوسف ابتسم بارتياح :
ــ يعني أخيرا هخد أجازة وأفسح مراتي…
اللي قربت تخلعني!
راهب ضحك بخفة وهو بيهز راسه:
ــ رجالة العراف مايتخلعوش يا جو…!
يوسف ضحك وقال وهو بيعدل مراية العربية:
ــ صح، بس ابن عمك بقى عامل…
زي موظف مصلحة، لا قادر أقعد مع مراتي…
ولا أعيش حياتي... بس الحمد لله بوجودك، هتشيل. عني شوية، وأفضى لها بقي بدل ماتخلعني بجد…
ضحكوا هما الاتنين والجو بينهم…
رجع دافي كأن ولا غربة ولا سنين فرقتهم…!
يوسف كان سايق، بس عينه كل شوية تسرح على… راهب اللي قاعد جنبه، ساكت بطريقة مش طبيعية…
فضل لحظات يراقبه، لحد ما قطع الصمت بنبرة… خفيفة فيها قلق:
ــ مالك يا راهب؟... نظرتك متغيرة...
كأن وراكم هم كبير…؟
راهب حاول يبتسم ويخفي اللي جواه…
وقال ببرود مصطنع:
ــ يمكن علشان شكلي كله اتغير بعد الحادثة…!
يوسف كان مركز فيه، وكأنه بيقرا وشه قراءة…
وقال بنبرة هادية بس حادة:
ــ لا... حتى لو وشك اتغير ألف مرة…
نظرة عينيك زي ماهي…
النظرة اللي عمرها ما بتكدب…
سكت شوية، وبعدين سأله وهو مش راضي يبعد عنه:
ــ مراتك... ماجتش معاك ليه؟
راهب حس بوجع بيطعن قلبه…
نزل عينه عن يوسف وقال بنبرة مخنوقة:
ــ مـ ــاتت…!
يوسف عض شفايفه من الصدمة وسكت…
حس إن وجعه مش ناقص عليه كلمة عزاء…
غمغم بحنية وهو بيطبطب بإيده على كتف راهب:
ــ تمام... ارتاح انت بس…!
راهب ميل دماغه وسندها على الإزاز البارد…
عينه كانت شاخصة، بس مش شايفة الشارع…
كانت غارقة في زكرياته معاها…
رجع بالزمن ليالي حبهم، ضحكتها اللي كانت بتملاله الدنيا، صوتها لما كانت تنادي عليه بلقب خاص بيها، حضنها اللي كان يحسسه إنه أقوى راجل في العالم.
كل لحظة عدت كانت كأنها بتتغرز في قلبه ســ ـكاكين، والحنين بيسري في دمـــ ـه وجع ساكن ما بيروحش.
في زحمة الذكريات، صوتها جه واضح في ودنه دافي زي زمان:
ــ ارنو…!
ابتسم لا إرادي وهو سامع اللقب اللي ماكانش…
حد بيناديه بيه غيرها…
غمض عينه، لكن الدمعه نزلت غصب عنه…
حــ ــرقت خده قبل قلبه. همس بصوت مخنوق…
كأنه بيرد على طيفها:
ــ انا هنا …لاكن عارف انك كارهاني دلوقتي…!
يوسف لمح دمعة متعلقة على رمش راهب…
بس سكت، وساب المسافة بينه وبين وجعه…
يحترمها بصمت…!
العربية كانت ماشية في طريق طويل…
زي طريق الحزن اللي راكب على روح راهب… وماحدش عارف نهايته فين…؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
|بعد ــ مرور ــ اسبوع|
في مدخل المصحة…!
وقفت سحر الطوخي تخلع نظارتها ببطء…
عينيها تتأملان المبنى الصامت أمامها…
كأن الجدران الرمادية تخبئ وراءها أسرارا ثقيلة… أسرارا لم يعرفها أحد، لكنها بالنسبة لسحر كانت كنزا. مفتاح جديدا للسيطرة على راهب وإخضاعه لها…!
خطت إلى الداخل…
كانت الغرفة تسكنها امرأة تجاوزها الزمن…
يغزو الشيب رأسها ويغطي ملامحها ذبول غريب…
اقتربت سحر منها، مائلة بجسدها قليلا:
ــ عاملة إيه دلوقت... يا ناهد؟
رفعت ناهد عينيها لسحر، بنظرة غريبة…
كأنها مش شايفاها، وكأنها بتبص لعالم تاني…
ملوش علاقة باللي حواليها…
تبادلت معها بضع كلمات قصيرة…
قبل أن تتركها وتغادر.…!
ـــــــــــــــــــــــ
|في ــ الليل ــ بفيله ــ العراف ــ داخل غرفة راهب|
الليل هادئ، إلا من خطوات سحر الخفيفة …
وهي تتسلل إلى غرفة راهب…كان واقف أمام المرآة
يبدل قميصه، يغلق أزرار قميص جديد …!
اقتربت منه سحر بخطوات محسوبة
وضعت أناملها على صدره
بنظرة تحمل شوق مختلطا بالتمرد:
ــ قلبك قاسي عليا ليه؟
ببرود واضح، أزاح راهب يدها بعيدا…
وأكمل غلق أزرار قميصه وهو يجيب:
ــ قلبي مش بيقسى على ست…!
رفعت سحر حاجبها بدهشة:
ــ يعني... إنت مش شايفني ست؟
أشار راهب نحو باب الغرفة بإصرار:
ــ على الأقل خليني أشوفك بره…
ومتدخليش الأوضة دي تاني…!
كتمت سحر غضبها، وأخفته خلف ابتسامة باهتة… اقتربت ناحية صورة موضوعة بجانب السرير… تناولتها بين أصابعها:
ــ ناهد وحشتك... صح؟
استدار راهب فجأة، انتزع الصورة من يدها…
بعنف خفي، صوته مبحوح بالغضب:
ــ صورة أمي... متحاوليش تلمسيها تاني…
راهب ظل واقف للحظة…
عينيه معلقتان على الصورة في يده…
أنفاسه بطيئة لكن ثقيلة…
سحر، وكأنها استغلت الشرخ الصغير في جدار… صموده، اقتربت أكثر. وقفت قريبة بما يكفي… ليشعر… بحرارة أنفاسها على صدره…!
همست بصوت خافت، لكنه متماسك…
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم