رواية مداهنة عشق الفصل الحادى عشر 11 بقلم اسماء ايهاب

 

رواية مداهنة عشق الفصل الحادى عشر بقلم اسماء ايهاب


شهقة حادة تشبه شهقة الناجي من الغرق و يحاول ادخال الهواء الي رئتيه و انتفض جالساً علي الفراش في ذعر هارباً من ذلك الكابوس الشنيع الذي كان سجين داخل احداثه البشعة المخيفة رفع يده يمسح حبات العرق المتجمعة علي جبهته و دارت اعينه المتسعة بخوف بالغرفة و هو يلتقط انفاسه الهادرة بصعوبة شديدة و مال بجذعه العلوي يلتقط كوب الماء الموضوع علي وحدة الادراج يرتشف منه سريعاً و تتساقط المياة علي رقبته و ملابسه و ما ان وضع الكوب حتي خرجت زوجته من المرحاض المرافق للغرفة ترتدي مأزرها الوردي و تجفف يدها و وجهها بالمنشفة الصغيرة ، قطبت حاجبيها و هي تري هيئته المبعثرة و التي تدل علي انه ليس بخير تقدمت منه جالسة الي جواره علي الفراش تاركة المنشفة من يدها متسائلة بقلق من هيئته :
_ مالك يا فارس فيه اية ، انت كويس ؟

حدق بها دون اي ردة فعل وجهه شاحب و كأنه رأي وحش سيلتهمه و لازال صوت انفاسه مسموع و قلبه يدق بقوة بين اضلاعه لتحاوط وجهه بين راحتي يدها متسائلة من جديد بخوف من حالته التي لم تتغير :
_ متقلقنيش عليك يا حبيبي ، مالك ؟ 

ابتلع ريقه الجاف رغم المياة التي تجرع منها بقدر كافي و رفع يده يمسك بيدها ينزلها عن وجهه مشدداً علي كفيها ليشعر بالراحة و الاطمئنان كما كانت هي له دائماً ثم سمعت صوته يهمس بتوتر :
_ كابوس فظيع يا اسيل كنت حاسس روحي بتروح مني 

استعاذة بالله من الشيطان الرجيم بعد ان داهم مخيلته ذلك الكابوس من جديد لتقترب هي بتلقائية لتضمه اليها تربت علي ظهره و قد شعرت باختناقه و الخوف الذي يلتهم نظراته و هي تلقي علي مسامعه بعض من كلماتها الرقيقة لتجعله يهدئ شاعرة بارتجافة جسده بين يديها ، ضمها له يتنهد بقوة يهمس لها في مقابل كلماتها له بما شعر من عجز داخل سجن هذا الكابوس و كأنه غير قادر علي اخراج نفسه من عتمته مسدت علي خصلات شعره برفق هامسة بحنو :
_ عدي يا حبيبي هدي نفسك و استعيذ بالله من الشيطان 

_ اعوذ بالله من الشيطان الرجيم

ابتعدت عنه بهدوء و وقفت عن الفراش تجذبه معها حتي وقف امامها مسحت علي كتفيه بحنان ثم اردفت مشيرة نحو المرحاض :
_ ادخل اغسل وشك عشان تفوق 

نظر نحو ساعة الحائط المواجهة له ليجد ان الساعة لازالت السابعة صباحاً لينظر نحوها من جديد متسائلاً :
_ انتي اية اللي مصحيكِ بدري كدا 

اخذت خصلات شعرها تضعها علي كتفها الايمن قبل ان تجيبه بهدوء :
_ قلقت قولت كفاية نوم عشان هنزل بدري شوية انت نسيت اني رايحة اجدد Passport عشان سفرية دبي

تذكر انها بالفعل قد اخبرته بهذا البارحة و لكن هل لازال عقله يعمل بعد ما تعرض له الآن ليزفر بقوة واضعاً يده علي رأسه يدلك فروة رأسه بقوة لعله يستفيق الي نفسه قليلاً ثم اردف :
_ افتكرت ، هو لازم السفرية دي انتي اللي تروحيها يا أسيل مينفعش اي حد ينوب عنك 

نفت برأسها و هي تتقدم من وحدة الادراج تأخذ الاسوار الذي يماثل خاصة شقيقتها اسمها يحفر عليه بدقة و كان هدية والدهما اليهن قبل وفاته لفته حول معصمها و مدت يدها نحو زوجها ليحكم اغلاقه و هو تجيبه بأسف :
_ مش هينفع حد ينوب عني المرة دي بالذات يا حبيبي كل حاجة لازم تمشي تحت إشرافي 

نظر اليها هنيهة و هو يغلق السوار ثم تحدث :
_ انا هحاول اجي معاكي 

ارتسمت ابتسامة واسعة علي ثغرها و هي تضم ذراعه الي صدرها قائلة بسعادة واضحة علي ملامحها الفاتنة :
_ ياريت يا فارس بجد هبقي مرتاحة اكتر و انت معايا

دني يقبل رأسها و قد هدأ اضطرابه قليلاً لتدفعه هي بمزاح نحو المرحاض تخبره بحماس :
_ يلا بقي روح اغسل وشك عشان ننزل نفطر برا 

************************************
ركضت في رواق المشفي بهلع تبحث عن الغرفة التي تقطن بها صديقتها و قد ابلغها الحارس حين كانت تهاتفها انها سقطت مغشي عليها لتخبره ان يقلها سريعاً الي المشفي و هي ستكون هناك خلال دقائق معدودة و تلك الدقائق كانت كفيلة بأن تحطم اعصابها من شدة خوفها عليها و هي تفكر لما فقدت وعيها و ما الذي جعلها تذهب باكراً الي العرض التجريبي و أخيراً استطاعت ان تجد غرفتها و اقتحمتها سريعاً و القلق يأكل صدرها وجدتها تجلس علي الفراش تبكي بصمت و الي جوارها الممرضة تأخذ منها كوب الماء التي كانت تتناول به ادويتها التي اوصي بها الطبيب لانخفاض مستوي ضغطها للغاية مما جعلها تفقد الوعي ، اسرعت الخطي اليها و جلست الي جوارها علي الفراش تحتضنها بقوة و هي تزفر بارتياح شديد لوجودها بخير اما عن جنة فقد انهارت فور ان شعرت بحنان احضان صديقتها و اخذت تبكي بصوت مرتفع متحسرة علي نفسها التي احبت اكثر الاشخاص دونية ، مررت آسيا يدها علي خصلات شعرها تحاول أن تجعلها تهدئ و تتوقف عن البكاء في حين انسحبت الممرضة من الغرفة تاركة لهن المساحة الشخصية للحديث :
_ اهدي يا جنة الله يخليك و قوليلي اية بس اللي حصلك 

شددت جنة علي احضان صديقتها و هي تغمغم بحديث غير مفهوم للاخري لتضطر للصمت تاركة لها المجال لتخرج ما بها اولاً ثم تخبرها عما حدث و بعد دقائق طويلة من البكاء و الهمهمات الغير مفهومة ابتعدت جنة عن احضان صديقتها تمسح دموعها بظهر يدها ثم اخذت انفاسها بقوة قبل ان تهتف باختناق :
_ يوسف كان مع واحدة تانية شوفته و هو بيبوسها 

_ يوسف !!!

نطقت بها آسيا بذهول غير قادرة علي التصديق و قد كان يرتدي ثوب الاخلاق الحميدة دائماً لا يظهر لاحد بشاعة ما بداخله ، هزت جنة رأسها تؤكد علي ما قالت ثم استرسلت قائلة :
_ انا قلبي وجعني علي نفسي اوي ، يمكن اكون مكبرة الموضوع بس انا بحبه 

شعرت آسيا بالغضب يتفاقم داخل صدرها و مر علي عقلها زيدان دون ان تتحكم في ذلك لتزداد وتيرة انفاسها و هي تخبرها بانفعال :
_ مكبرة الموضوع ! لو مكانك و شوفت اللي بحبه مع واحدة غيري انا اموتهم بايدي من غير تفكير 

مسحت جنة دموعها التي لا تتوقف و همست بحزن سكن روحها المتألمة :
_ انا مش عايزة احبه تاني يا آسيا مش عايزة 

شعرت بالحزن عليها لقد كانت تعلم مدي حبها له و ان كانت تنكر ذلك لكنها كانت علي يقين ان صديقتها متيمة به تنهدت آسيا بقوة و اقتربت منها تجلس الي جوارها ثم لفت ذراعها علي كتفها تجذبها الي احضانها تهتف بجدية لعلها تقوي من عزيمة تلك المسكينة :
_ في داهية يوسف و اي حد شبهه يا جنة انتي بس مش عارفة قيمة نفسك 

رفعت جنة رأسها تنظر الي آسيا بصمت و كأنها تريد بث لنفسها الصمود منها و من نظراتها القوية دائماً ما كانت تريد ان شخصيتها تكون بقوة شخصية آسيا لكن هذا غير ممكن ابداً ضعفها السبب الوحيد في حبها ليوسف و السبب الآن في تواجدها بالمشفي و علي ذكر المشفي شعرت بالاختناق لتضع يدها علي عنقها و هي تبتعد ببطئ عن احضان آسيا قائلة بهدوء :
_ عايزة اخرج من المستشفى 

اومأت اليها و هي تقف عن الفراش تخبرها انها ستسأل في ذلك الطبيب و تحركت نحو الباب و ما كادت ان تفتح الباب حتي التفتت اليها من جديد قائلة :
_ بس مش هنروح علي بيتك عشان مامتك متقلقش هنروح علي بيتي

***********************************
خرجت "رقية" بخطوات هادئة من البناية تجر خلفها حقيبة تسوق لشراء بعض الاحتياجات و الي جوارها ابنة عمتها "مني" و التي لم تتوقف عن الحديث عن حياتها و معاناتها مع زوجها شديد الشُح و الاخري تسمعها بهدوء و تحاول تهدئة ثورتها عليه تذكرها انها كانت تعلم هذا عنه قبل الزواج و اكملت تلك الزيجة برضا تام و حين كانت تخطو اسرع حتي تتخطي البناية التي يقطن بها آدم لكي لا تراه مرة اخري و لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن و لم تجد فقط آدم بل معه ايضاً والدته يخرجان من بوابة البناية اغمضت عينها بضيق و هي تجد "السيدة سحر" تطلق شهقة قوية حين رأتها و لم تكن تعلم بوجودها في المنطقة شعرت بالصدمة و هي تجدها امامها من جديد و سرعان ما التفت تري تعابير وجه ابنها لتري مدي تأثره بهذا اللقاء لم تكن تعلم ان لقائه الاول بها كان منذ ايام و لازال وقوعه مؤلم علي قلبه العاشق لها 

نظرت اليها رقية بحقد و غضب و هي تتذكر ما والدتها رحمها الله و الوعكة الصحية التي تعرضت لها بعد انهاء خطبتها من "آدم" و كأنها لم تكن تلك السيدة القوية التي وقفت امامها تدافع عن شرف ابنتها بشراسة تبدل حالتها و اصبح المرض جلياً عليها ، قطع شرودها بتلك الايام صوت السيدة سحر التي تقدمت منها تتحدث اليها :
_ ازيك يا رقية 

اومأت اليها رقية كأجابة صامتة تجبر عينها المحتالة من النظر اليه و لو نظرة صغيرة لتمد يدها تأخذ ذراع ابنة عمتها لتكمل طريقها و لكن منعتها مرة اخري "السيدة سحر" حين تحدثت بفضول و هي تتفحص وجهها جيداً :
_ هو انتي قاعدة عند عمتك و لا زيارة 

كادت ان تجيبها رقية الا ان سبقتها "مني" تجيب علي تلك البغضاء التي تعلم جيداً انها تسأل حتي تطمئن انها لن تتقرب من ابنها مجدداً :
_ اصلها بتنقل من شقتها يا طنط اكمن حماتها ست صعبة و مفترية ، و الله ما عارفة البت دي حظها وحش في الحموات لية 

كانت تعني ما تفوهت به و كانت تقصدها هي بذلك و الاخري فهمت مغزي الحديث و نظرت اليها بغيظ و لكنها لم تهتم لها او لرقية التي تنظر اليها بتعجب الآن و قطع الحرب الدائرة في نفوس الجميع صوت آدم الهادئ قائلاً :
_ لو تحبوا اوصلكم مكان ما رايحين 

و أخيراً جاءت الفرصة لعينها ان ترتفع لتري هيئته البهية و التي اصابتها برجفة بجسدها و بدأ قلبها يدق بجنون بين ضلوعها ، واجهت نظراته المتفحصة اللامعة بشغف كما كان ينظر اليها دائماً لتدمع عينها بتلقائية حين داهمها اشتياقها له و ابعدت عينها سريعاً عنه تنفي برأسها مجيبة باختصار :
_ لا شكراً

لتهتف والدته سريعاً تنتهز فرصة رفضها فرصة التواجد مع ابنها :
_ طيب مش عايزين نعطلكم بقي 

و هنا أيضاً اجابتها "مني" ناظرة اليها بمكر :
_ و لا عطلة و لا حاجة دا احنا كنا هنستني جوز رقية يوصلنا منضمنش حد تاني عشان المطبات و الحمل انتي عارفة 

_ مبارك يا مني ربنا يقومك بالسلامة 

نظرت مني الي آدم الذي تحدث يهنئها لتبتسم بتهكم و هي تجيبه نافية :
_ لا مش انا ، دي رقية حامل 

اشارت في نهاية جملتها الي رقية التي شهقت بصدمة واضعة يدها علي بطنها بتلقائية جذبت انتباهه اكثر و انحرفت نظراته اليه بصمت و قد بهتت ملامحه وجهه يظهر عليها الحزن الذي لم يستطع اخفائه ، نظر الي ابنة عمتها التي تبتسم بخبث تنظر الي السيدة سحر بتحدي لتمد يدها تمسك بذراعها تجذبها معها نحو البناية من جديد متحدثة بتلعثم تتلاشى النظر اليه مرة اخري :
_ بعد اذنكم يا جماعة نسينا حاجة فوق 

ابتعدن عنهما سريعاً و لكن عينه كانت تتابعها بخيبة أمل جديدة حين وجدها تأتي الي منزل عمتها بحقيبة ملابسها باكية لا ترتدي خاتم الزواج اعتقد انها قد انفصلت و لكنه لم يكن يريد سؤالها ذلك الوقت لانه يعلم انه غير مناسب اما الآن فقد صُدم من جديد بالحقيقة هي اكثر استقراراً منه حياتها الزوجية طبيعية و ستنجب طفل عما قريب و تحطمت آماله من جديد في استردادها ، زفر باختناق و كأنه علي وشك فقدان روحه و القي نظرة معاتبة علي والدته قبل ان يشير الي الطريق قائلاً :
_ يلا يا ماما عشان الحق اوصلك و اروح شغلي 

اما بالبناية التي تقطن بها السيدة سوزان عمة رُقية كانت مني تقف امام البوابة تعقد ذراعيها امام صدرها تراقب تعابير وجه السيدة سحر الباهتة بخوف مما سيكون عليه ولدها الفترة القادمة بعد لقاءه بحبيبته و علمه بحملها ايضاً ، اتسعت ابتسامة شامتة علي محياها حين غادرا في طريقهما و التفتت الي رقية التي تنظر اليها بذهول لفعلتها التي لم يكن لها داعي لذا تحدثت بضيق قائلة :
_ اية اللي عملتيه دا يا مني تكدبي لية 

زفرت مني بغيظ من سذاجتها ثم اجابتها تشرح الامر :
_ كنت عايزة افرسهم و خصوصاً القرشانة دي مكنتش عايزاها تشمت فيكي كفاية اوي اللي عملته معاكي 

صمتت رقية هنيهة ثم تنهدت بقوة تعدل من وضع حجابها قائلة :
_ بس مكنتش عايزة نكدب اكيد هيشوفني دايما بعد كدا و هيفهموا اننا كدبنا 

_ انتي خايفة علي مشاعره يا رقية ؟

باغتتها بسؤالها و هي تضيق عينها عليها بشك لتبتلع الاخري ريقها بتوتر و قد توقفت انفاسها لثواني و قد كشفت مني عما بداخلها في لحظة واحدة حاولت اخراج صوتها طبيعي تنفي ما تقول و لكن لم تقدر علي نفي حقيقة واضحة و اختنقت بالبكاء تبتعد عنها تجلس علي اولي درجات السُلم قائلة :
_ اه يا مني خايفة عليه نظرته ليا قالت كلام كتير اوي محدش هيفهمه غيري 

جلست الي جوارها علي الدرج تنظر امامها بشرود متسائلة :
_ بعد كل دا لسة بتحبيه ؟

تساقطت دموع رقية و لم تعد تسيطر عليها لتترك لنفسها العنان تنفس عما بداخلها لعلها تجد من يتفهمها :
_ و عمري ما هحب حد زي ما حبيت آدم 

_ انتي متعرفيش هو كان بيعاملني ازاي و دا كان بيخليني دايما اقارن بين تصرفاته معايا و تصرفات كريم و مع كدا كنت بمنع نفسي اني افتكره و كل ما افكر فيه او يوحشني كنت افكر نفسه انه مينفعش دلوقتي و اني علي ذمة راجل و ابعد دماغي عن التفكير فيه بأي حاجة تشغلني 

انهت حديثها حين لم تعد تقدر علي التنفس بشكل صحيح لترفع رأسها الي الاعلي تلتقط انفاسها في حين تقدمت منها مني تربت علي كتفها قائلة :
_ خلاص يا رقية عشان خاطري انا بس كنت عايزة اضايق امه و اكيدها ابرد نارك شوية 

مسحت رقية دموعها و وقفت عن الدرج تنفض ما علق بثيابها من اتربة و توجهت نحو بوابة البناية قائلة :
_ يلا نمشي معدتش فيه فايدة للكلام 

**********************************
في التاسعة مساءً كانت "آسيا" قد عادت الي منزل السيد نجيب بعد ان تحسنت حالة صديقتها لتطمئن علي جدها قبل ان تستعد جيداً للحفل المُقام بمنزل احد مصممي الازياء و الاكثر شهرة بمناسبة الذكري السنوية الثانية لزواجه ، وقفت امام المرآة تتفحص هيئتها المرتبة بعناية و تمرر يمناها علي خصلات شعرها المموجة اما اليد اليسري كانت تحمل الهاتف تضعه علي اذنها تستمع الي حديث صديقتها عن تأخرها في تجهيز نفسها و قد وصلت هي الي ذلك الحفل منذ مدة ، تأففت آسيا بضجر تفتح خزانة الملابس تخرج منها معطف طويل من الفرو الاسود و قد شعرت ببعض البرودة لبداية شهور الشتاء وضعته علي ذراعها قبل ان تخبر صديقتها :
_ يا جنة قولتلك جاية اهو و متقلقيش جبت معايا العربية يعني مش هتأخر 

_ تمام مستنياكِ

اغلقت الهاتف بعد ان ودعت صديقتها و وضعته بحقيبة يدها التي حملتها خارجة من الغرفة بحرص شديد علي اطراف اصابعها حتي لا يصدر وقع كعبها العالي فيستيقظ الجد ، ضغطت علي شفتيها بتوتر و هي تفتح الباب بهدوء كما خرجت و اغلقته خلفها تنفست الصعداء و هي تضع الحقيبة بكتفها و تبعد خصلات شعرها الي الخلف و لم تنبه الي "زيدان" الذي كان ينزل متوجهاً الي عمله الليلي و قد تجمد بمحله و هو يجدها تخرج من الباب تتسحب كاللصوص و هيئتها المُبالغ فيها من بداية من ثوبها القصير الذي يصل الي منتصف فخذيها يرسم منحنيات جسدها الممشوق ببراعة كاشفاً عن كتفيها و ذراعيها و خصلات شعرها المصففة بعناية ذات تمويجات بديعة اما وجهها فقد كان مليئ بمستحضرات التجميل و لكنها بطريقة مميزة لاقت بها ، تحرك أخيراً حين لاحظ تحركها تنوي نزول الدرج و عندما سمعت صوت اقدام خلفها التفتت سريعاً لتجد امامها زيدان ابتسمت تلقائياً متسائلة عن حاله :
_ زيدان ، عامل اية دلوقتي ؟

كانت اجابته صامتة اومأ اليها و هو يتفحصها من جديد متسائلاً :
_ رايحة فرح و لا اية ؟

امالت رأسها يميناً و يساراً بدلال قبل ان تجيبه :
_ يعني تقدر تقول كدا ، هو عيد جواز 

احادت عينه عن وجهها و مرت علي ثوبها الازرق الداكن الذي لاق ببشرتها البيضاء و شعر بضيق داخلي يكاد ان يختنق به يود لو يمكنه الصراخ عليها و اجبرها علي ارتداء شيئ اكثر احتشاماً و لكنه لم يكن يقدر علي اخذ ذلك الموقف حتي لا يتصادم معها الآن و رغم ما يشعر به من غضب اجبر شفتيه علي رسم ابتسامة بسيطة علي ثغره قائلاً بمزاح يحاول به تخفيف وطأة تلك المشاعر عليه :
_ يارب تكوني نسيتي تلبسي الفستان و ميكنش دا اللي المفروض تحضري بيه 

اشتعل الغضب بعينها البنية و نظرت الي ثوبها تمرر يدها عليه بلطف لا تعلم ما مشكلته مع ثيابها كانت تتوقع ان يمدح بثوبها او ان يغشي عليه من شدة جمالها به و لكنها صُدمت بحديثه الذي يظهر عليه الضيق بعد ان فشل في إخفائه بنبرته المرحة تلك لترفع رأسها اليه تنظر اليه شزراً متسائلة بحدة :
_ ماله الفستان ؟

_ فستان ! دا انا افتكرته بشكير 

كان هذا رده الساخر عليها و هو يراها تسأل ما به هذا الثوب الفاضح ليزداد غضبها اضعاف كزت علي اسنانها تهتف بضيق :
_ بشكير !! مبتفهمش في الموضة متتكلمش تانية 

التفتت تغادر من امامه سريعاّ و يظهر الضيق عليها جلياً في حين مرر هو يده علي وجهه يحاول التحلي بالصبر و خطي نحو الدرج خلفها متحدثاً :
_ انا بتكلم علي مصلحتك يعني الكتاف دي مش هتبرد ؟

توقفت بذهول من فظاظة حديثه و التفتت اليه ترفع سبابتها بتحذير ليكمل هو مقاطعاً ما كانت ستقول مشيراً الي ساقها العاري :
_ و الفخ...

لم يكمل حين رفعت يدها في اشارة له بالصمت و قد علمت ما هي الكلمة التالية لتتحدث بنفاذ صبر :
_ و لا كلمة سلام عشان اتاخرت

اتكأ علي الحائط الي جواره و سألها بطريقة غير مباشرة عن كيفية وصولها للحفل :
_ مش عايزة توصيلة 

نفت برأسها و هي تفتح حقيبته مخرجة مفتاح سيارتها تلوح به امام عينه مجيبة :
_ معايا عربيتي ، شكراً 

كادت ان تلتفت لترحل و لكنه اوقفها مرة اخري متسائلاً :
_ طب مش عايزة سواق للعربية 

ابتسمت علي نبرته المرحة و كادت ان تخبره انها بارعة في قيادة السيارات لكنه استأنف حديثه مشيراً الي كتفيها المكشوفان :
_ حتي عشان اطمن علي كتافك من البرد 

رمته بنظرة نارية قبل ان تخلع الحقيبة عن كتفها تمدها اليه ليمسك بها و ارتدت المعطف تضمه عليها و هي تتمتم بغيظ :
_ و ادي كتافي اللي عاملين الازمة 

انتشلت الحقيبة من يده بحدة تكمل نزول الدرج ، ابتسم بظفر لانه بساطة جعلها ترتدي المعطف دون ان يطلب ذلك منها و نزل خلفها حتي وصلت الي سيارتها المصفوفة امام البناية لتلقي اليه بمفتاح السيارة مشيرة بعينها الي باب مقعد السائق لـ يلتقطه هو سريعاً و اتجه يستقل السيارة الي جوارها ، وصلا العنوان المنشود و وقفت السيارة امام منزل فاخر من الطراز المعاصر يضج بالاصوات الصاخبة و الاضواء تملئ المكان بشكل مبالغ به و كأنه احد المهرجانات السينمائية و ليس فقط مجرد احتفال بذكري زواج ، التفت اليها و هي تستعد للخروج من السيارة قائلاً :
_ انا هستني هنا علي ما تخرجي 

قطبت حاجبيها بتعجب فقد كانت تعتقد انه مجرد ان يوصلها الي هنا سيغادر علي الفور ملتفتاً الي عمله و لكنه هنا سنتظرها لساعات حتي تنتهي الحفل ، ازاحت خصلات شعرها الي الخلف و هي تردف :
_ انت مش هتروح شغلك الحفلة هتخلص متأخر جداً 

_ هستناكِ هنا 

تحدث بهدوء و قد تلاقت عينيهما في تواصل مباشر بروح كلاً منهما و كان وقع النظرات عليهما عظيم و تضخم قلبها بشعور لذيذ باغتها الي جواره و انفرجت شفتيها في ابتسامة لطيفة ثم هزت رأسها بايجاب و خرجت من السيارة سريعاً هاربة قبل ان يسمع الي صوت دقات قلبها التي تعالت فجأة ، اخذت نفساً عميقاً لكي تهدئ و رتبت من هيئتها و اتجهت بخطي رتيبة واثقة الي الداخل و كانت تلتفت لتلقي نظرة 
خاطفة اتجاه حتي اختفت بالداخل حينها استطاعت ابتسامته ان تظهر علي محياه تستطيع تلك الفتاة ان تجعله اكثر ارتياحاً الي جوارها ان ترسم ابتسامة صافية علي ثغره مال قلبه اليها سريعاً لم يستغرق الامر سوا ايام ليغرق في بحر .. هواها !

دلفت الي الداخل حيث الاجواء الاكثر صخباً رافعة رأسها بكبرياء خلعت المعطف و عاونتها في ذلك تلك العاملة التي تقف علي الباب لمساعدة الضيوف و منحتها آسيا ابتسامة بسيطة و هي تأخذ المعطف حتي تعلقه و التفتت تنظر داخل الحفل تبحث عن صديقتها او عن اصحاب الحفل حينها رفعت جنة ذراعها تشير اليها لتتقدم منها حتي وقفت امامها تبتسم بلطف تعتذر عن تأخرها عليها و بدأت بالاندماج بأجواء الحفل و استطعت وسط هذا الازدحام ان تجد أصحاب الحفل و قدمت للزوجة سلسال من الفضة يتدلي منه حجر الماسي صغير باللون الاخضر في منتهي الرقة و البساطة متمنية لهما العمر المديد جوار بعضهما البعض و الا يفترقا ابداً ، عادت تتحدث مع صديقتها مستمتعة باجواء الاحتفال حتي ظهر امامها "يوسف" مبتسم بتوسع متقدماً نحوها التفتت سريعاً نحو جنة لتجدها تنظر اليه بغضب شديد و كأنها تود ان تقتلع رأسه من محلها لتميل اتجاهها هامسة بأشفاق :
_ حاولي تهدي و متتكلميش معاه خالص 

اومأت جنة و صرفت نظرها عنه في حين تقدم يقف امامهما يتفرس ملامح و هيئة آسيا مبتسماً ببشاشة قائلاً :
_ ازيك يا آسيا 

التفت الي جنة و منحها ابتسامة بسيطة أيضاً يلقي عليها التحية و لكن و لاول مرة لا تلتفت اليه و لا ترد له التحية بعد ان كان يري تلهفها في الحديث معه و لو لدقيقة و هذا اثار تعجبه و ما كادت يسأل عما بها ليجد آسيا تتحدث اليه قائلة :
_ في حاجة تبع عرض بكرا هتتكلم فيها ؟

نفي برأسه معجباً من سؤالها لتشير بيدها نحو اليمين قائلة بجدية :
_ طب تمام اتفضل انت يا چو شوف اصحابك 

انهت جملتها و نظرت اليه بثبات ليتنحنح شاعراً بالاهانة من تصرفها الفظ معه ليتراجع دون ان ينبس بكلمة الي الطاولة المتواجد عليها اصدقائه لتلتفت آسيا الي صديقتها قائلة :
_ انا عارفة انك زعلانة بس دا مش الشخص الصح اللي تزعلي عشانه 

ابتسمت جنة ابتسامة باهتة و هي تمرر يده بخصلات شعرها القصير الحريري قائلة :
_ اختياراتي دايماً غلط 

علمت ما تقصده صديقتها و قد شهدت علي انهيار اخر لها سابقآ حين نفرها شخص ما كانت تشعر اتجاهه ببعض المشاعر اللطيفة و لكي تخفف عنها حدة ما تشعر به الآن مالت نحوها تتحدث اليها بمرح :
_ انا لما بختار بختار رجالة عرة 

نجحت في ما كانت تسعي اليه و ضحكت جنة بصوت مرتفع لتشاكسها آسيا من جديد ببعض العبارات المضحكة بالنسبة لها و في ظل اندماجهما شعرت آسيا بيد احدهم علي ظهرها التفتت سريعاً لتجد انه أحد الشباب الذي دخل مجال الازياء حديثاً و قد تقابلا من قبل عدة مرات يضع يده علي ظهرها لكي تنبه له قائلاً بابتهاج :
_ آسيا هانم بنفسها مش مصدق نفسي 

ارغمت نفسها علي الابتسامة و هي تبعد يده عن ظهرها برفق قائلة :
_ ازيك يا هشام 

_ بخير ، اهلا يا جنة 

اجابها ثم نظر الي جنة الشاردة يلقي عليها تحية و التي لم تلتفت له انما اومأت له فقط ليستند علي الطاولة الطولية و اخذ يثرثر بالحديث الغير مهم ابداً و حين جاء موسيقي للرقص الثنائي وقف معتدلاً يغلق ازرار سترته ثم مد يده بلباقة نحو آسيا يدعوها لمشاركته الرقص و التي وضعت يدها بيده تلبي طلبه ، تقدما من ساحة الرقص و بدأ في التميل معها في انسجام و انتبهت حواس حين تحركت يده علي ظهرها ببطئ حتي وصل يده الي ما بعد ظهرها و حينها دفعته آسيا بقسوة عنها حتي ابتعد خطوتين عنها تشرست ملامحها و تقدمت منها تنظر اليه بأعين تطلق شرارات غاضبة و علي حين غرة امسكت بكف يده و بكل قوتها عكست اتجاه كفه بعنف حتي صدح صوت صراخه المتألم اثر كسر مفصل يده ثبتت عينها بعينه تبتسم و كأنها انتصرت للتو بمعركة ما ثم تحدثت بصوت خافت حين انتبه اليهم من بالحفل و بدأوا بالتجمع حولهما :
_ متلعبش مع حد انت مش قده يا اتش 

ضغطت علي يده اكثر لتتعالي صرخاته اكثر لتتسع ابتسامتها بانتشاء قائلة :
_ دي قرصة ودن بس خد بالك 

حاول صاحب الحفل الفصل بينهما و بالفعل تركته من يدها و نفضت يدها و كأنه شئ قذر لوث يديها ، رفعت رأسها ناظرة الي الرجل معتذرة منه عن تلك الفوضي التي حدث ثم اعادت خصلات شعرها الي الخلف تشير الي جنة التي اقتربت منها بصدمة لتتحدث بهدوء :
_ هاتي شنطتي يا جنجون 

ناولتها جنة حقيبتها و لازالت مذهولة من قدرة صديقتها علي الثبات و اظهار هذه القوة لتأخذ منها الحقيبة تلقي لها قبلة في الهواء و تسير متجهة الي باب الخروج دون الالتفات الي الهمهمات الصادرة من الحضور عن ما فعلت ، وقفت امام الباب حتي تضع العاملة المعطف علي كتفيها ثم التفتت تشير بالوداع الي هشام الذي لازال يصرخ ألماً و خرجت من الباب بهدوء و كأنها لم تفعل شئ ابداً تقدمت من السيارة و صعدت الي المقعد المجاور للسائق حيث كان زيدان منشغل بهاتفه و انتبه فقط حين وجدها تفتح باب السيارة و تصعد غالقة اياه خلفها لينظر اليها متعجباً من سرعة قدومها و هو من كان يستعد لقضاء الليل بالسيارة في انتظارها ، نظر بساعة الهاتف قبل ان يردف متسائلاً :
_ متأخرتيش خالص هي الحفلة معجبتكيش و لا اية ؟

نظرت اليه لثواني و علي غير المعتاد منها ان تبوح لما يغضبها لأحدهم قصت عليه ما حدث بالداخل و انتهت حديثها بانفعال تلوح بيدها في الهواء بعصبية واضحة من احمرار وجهها ثم صمتت عن الحديث تتنفس بقوة تنتظر منه اي ردة فعل ، التفتت اليه بذهول حين نطق بهدوء يؤيد ردة فعلها بكلمة واحدة :
_ جدعة 

رأت في عينه نظرة فخر بما فعلت ليزداد تعجبها و صمتها و هي تري ابتسامته المشجعة لما فعلت ، وجدته يضع يده علي مقبض باب السيارة و هو يسأل علي عجل في استعداد للخروج من السيارة :
_ اوصفيلي الحلو كدا 

منعته حين امسكت بذراعه توقفه عن التحرك من السيارة و اردفت سريعاً :
_ زيدان خلاص انا اخدت حقي و مش عايزة انكد علي اصحاب الحفلة اكتر من كدا 

ظل عضلات ذراعه متشددة اسفل يدها حتي تحدثت من جديد نادمة انها اخبرته بما حدث :
_ يلا اطلع علي اي مكان نقعد فيه شوية 

تراخت عضلاته و اعاد رأسه الي الخلف زافراً بضيق لتبعد يدها عن ذراعه ترتدي المعطف الملقي باهمال علي كتفيها ليشعل هو محرك السيارة متجهاً علي مضض الي مكان اخر ليأنس بها ساعة اخري 

تعليقات



×