رواية مداهنة عشق الفصل العاشر بقلم اسماء ايهاب
وصل آدم الي المشفي بأنفاس مضطربة بخوف مما هو مقدم علي رؤيته قلبه ينبض بعنف بين ضلوعه لا يستعد لرؤية انهيار صديقه عُدي اغمض عينه يتمني من الله ان يطمئنه الطبيب و يخبره ان هذا شعور مؤقت سيزول مع تحسن حالته النفسية ، اسرع بخطواته نحو الطابق العلوي حيث تقبع غرفة صديقه و ما ان اقترب منها حتي استمع الي ضجة كبيرة و صوت عُدي يظهر مرتفعاً من بينهم يصرخ بهم بغضب شديد ابتلع ريقه بصعوبة و هو يمد يده ليفتح باب الغرفة و اتسعت عينه بصدمة حين وجد عُدي المتسطح علي الفراش يحاوط رقبة الطبيب النفسي بذراعه قاصداً إزهاق روحه و الغضب جلياً علي وجهه يمحو ملامحه اللطيفة الساكنة التي كان عليها الفترة الماضية ليكون شرساً حاداً لا يقدر احد علي التصدي له و انقاذ الطبيب من بين يده ، رأي آدم وجه الطبيب الموجه للباب يميل الي الازرق من شدة اختناقه ليهرول اليه سريعاً يحاول ابعاد ذراع عُدي صارخاً به بحدة حتي يعود الي وعيه و يتوقف عما يفعله :
_ سيب الدكتور يا عُدي فوق لنفسك
رفع عُدي عينه الي صديقه و لم تتغير نظراته الحادة الشرسة و كأنه لا يراه بل يتلبسه شيطان الغضب و هو يضغط بذراعه اكثر علي رقبة الطبيب الذي اخبره منذ قليل انه اصيب بعجز كامل في نصفه السفلي و السبب غير معلوم الي الآن ، حاول آدم من جديد ان ينفك ذراع عُدي عن الطبيب حتي نجح و فر الاخر من الغرفة بخطوات مترنحة و هو يسعل بقوة دليلاً علي اختناقه الوشيك ، تهدجت انفاسه و هو ينظر نحو الباب الذي خرج منه الطبيب بحقد شديد و لم يلاحظ كف آدم الذي اشار للاخرين بالذهاب من الغرفة و حين خرج الجميع تنهد آدم بقوة يجلس جوار صديقه علي الفراش بارتباك لا يعلم كيف يمكنه مواساته الآن و اي كلمات من الممكن ان تريح نفسه مما اثقلها نظر اليه يري بعينه نظرة ضياع و خوف و كأنه غريق ينتظر من ينقذه ، دون مقدمات و دون ان يبدي ردة فعل اخري كان عُدي يحتضن صديقه بقوة و ارتفع صوت بكائه كطفل صغير ضل طريق العودة الي منزله فاصبح وحيداً في ليل مخيف و سريعاً تدارك صديقه الموقف و حاوط كتفه بحنان يربت عليه و لم يراه في مثل تلك الحالة من الانهيار قبلاً :
_ اهدي هتعدي زي كل مرة
هتف بها يحاول ان يخفف عنه ألمه الغير قادر علي توقعه الآن و ظل يردد علي مسامعه بعض الكلمات اللينة حتي هدأ و ابتعد هو عنه مستنداً علي ظهر الفراش يمسح دموعه بخجل ثم هتف بصوت خافض :
_ انا اتشليت يا آدم صاحبك خلاص انتهي
نبرته اليائسة و الضعيفة ألمت صديقه و جعلته يشعر هو ايضاً بالعجز لعدم قدرته علي مساعدته و خطي الحزن علي ملامحه جلياً حين ربت علي كتفه متحدثاً بتعاطف :
_ صلي على النبي و اهدي كدا و كل حاجة و ليها علاج ، الدكتور كشف عليك ؟
سأل بنهاية جملته و اومأ اليه مجيباً باختناق :
_ كشف و النتيجة ان انا اتشليت
شعر آدم بالاضطراب و لم يعد لديه كلمة تهوين واحدة بل انتقل الامر الي سرعة التصرف مع ما يمر به و هو العلاج ليشدد يده علي كتفه يبث له الطمأنينة متحدثاً بنبرة قوية حاول تصنعها حتي يستطيع مساعدته :
_ انا هطلعك من هنا هوديك اكبر مستشفي بس اصبر هروح اكلم الدكتور و اجيلك
اومأ اليه من جديد و هو يضع وجهه بين راحتي يده بقلة حيلة ليقف آدم عن الفراش متوجهاً نحو الباب للقاء الطبيب و هو يرمقه بنظرته الحزين مغتم لما حدث له ، خرج من الغرفة ليجد الطبيب يقف مع احد الممرضين يتحدثان فيما بينهما بخفوت و ما ان خرج حتي انصرف الممرض مستأذناً منهما ليتقدم آدم من الطبيب معرفاً عن نفسه قبل ان يتحدث بهدوء متسائلاً :
_ ممكن تقولي يا دكتور تفاصيل عن حالة عُدي
حمحم الطبيب يعدل من وضع عويناته قائلاً بعملية :
_ اعتقد الموضوع نفسي اكتر من عضوي يا دكتور انا فهمت حالة استاذ عدي و مع المعاينة المبدئية مفيش اي سبب عضوي ، انت شايف بنفسك هو فين و حالته الفترة اللي فاتت كانت ازاي
ابتهج داخله و دب الامل في صدره و تحدث بسعادة تظهر في ابتسامة لطيفة تزين ثغره :
_ يعني فيه امل يرجع يقف علي رجله من جديد ان شاء الله
هز الاخر رأسه بايجاب متحدثاً دون ان تتغير نظراته الهادئة :
_ كله بأمر الله و انا طبعاً محتاج استاذ عُدي يجي العيادة و نعمل الفحوصات اللازمة
_ شكراً يا دكتور بكرا ان شاء الله هنكون عند حضرتك
قالها آدم بارتياح شديد حين علم ان الامر من الممكن السيطرة عليه قبل ان يزداد سوءاً ، غادر الطبيب من امامه و اخرج هو الهاتف يحاول الاتصال بصديقه قاسم من جديد حتي يخبره بما حدث و لكن نفس النتيجة من جديد مغلق زفر بضيق و بدأ القلق يدق ابواب قلبه عليه هامساً :
_ رد يا قاسم انت فين بس كل دا
************************************
كان زيدان يتسطح علي فراشه و يبده الهاتف يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي بملل شديد حين استمع الي طرقات علي باب غرفته ليغلق الهاتف واضعاً اياه علي الفراش الذي قام عنه بهدوء شاعراً ببعض الألم ، فتح الباب ليجد السيد نجيب امامه يتكأ علي عكازه و خلفه آسيا بوجه ممتعض لا تنظر اليه حتي تحمل بيدها صنية متوسطة عليها بعض الطعام كما فعلت أمس ، ابتسم بتلقائية بوجه العجوز قبل ان يفسح الطريق اليه مشيراً اليه بالدخول متحدثاً بحفاوة :
_ اهلا و سهلاً اتفضل يا حاج نورت
دلف السيد نجيب بخطي بطيئة بتناسب سنه حتي جلس علي طرف الفراش ثم رفع رأسه ينظر الي زيدان متسائلاً بهدوء :
_ عامل اية دلوقتي يا بني
هز رأسه و لم تفارق البسمة محياه و هو يجيب عليه حامداً :
_ الحمد لله بخير يا حاج تسلم ، تعبت نفسك و الله
اشار في نهاية جملته الي آسيا التي تحركت داخل الغرفة تضع الصنية من يدها علي الطاولة الصغيرة المتواجدة في الزاوية ليبتسم الاخر مجيباً عليه بحنو :
_ و لا تعب و لا حاجة المهم تخلي بالك من صحتك
ثم اكمل حديثه متسائلاً بجدية عن مستجدات ما حدث معه :
_ انت عملت اية مع كامل
رمقها بنظرة خاطفة متعجباً من حالتها المستكينة و هي تقف جوار الباب مستندة علي الحائط تعقد ذراعيها امام صدرها دون ان تبالي بالحديث الذي يدور بينهما ثم اجاب السيد نجيب قائلاً :
_ المسامح كريم يا حاج و هو جيه هنا و اعتذرلي و الموضوع انتهي
أومأ السيد نجيب مؤيداً حديثه قبل ان يهتف برضا عن موقف زيدان :
_ طب كويس انتوا ولاد حتة واحدة دلوقتي و انا سمعت انه مكنش قصده
حمد زيدان الله من جديد حين تحدث :
_ الحمد لله انها جت علي قد كدا
تنهد الاخر و هو يتكأ علي العصا ليقف عن الفراش متحدثاً :
_ استأذن انا بقي
_ مستعجل لية بس
قالها زيدان و هو يحاول ايقافه عن الخروج لكنه ربت علي كتفه برفق و هو يتحدث مبتسماً :
_ معلش هبقي اطلعلك تاني اطمن عليك
افسح له الطريق و توجه معه نحو الباب للخروج من الغرفة و هو يردد شاكراً اياه علي زيارته التي اسعدته بحق ، تخطي السيد نجيب باب الغرفة و توجه الي الاسفل داعياً له بالشفاء العاجل و ما كادت هي ان تلحق بجدها حتي وقف امام الباب يسد عنها طريق الخروج قائلاً :
_ متنزليش انتي اصبري
و كانت هذه المرة الاولي التي تنظر اليه فيها منذ ان دلف الي غرفته و سألته ببرود و لازالت تعقد ذراعيها امام صدرها :
_ نعم ؟
شملها بنظراته متسائلاً بتعجب و عقله يدور باحثاً عن اي موقف قد صدر منه اثار ضيقها و غضبها :
_ في اية مالك هو انا عملت حاجة تضايقك انتي متغيرة معايا من امبارح
رفعت حاجبها الايسر و لم تتغير نظراتها الجامدة اتجاهه ثم سألت هذه المرة عن مقصده مصطنعة عدم الفهم :
_ متغيرة ازاي يعني ، مش فاهمة
جز علي اسنانه بغيظ من برودها و اجاب بحنق :
_ لا انتي فاهمة مبحبش الاستعباط
رفعت كتفيها و هي تنزل يدها جوار جسدها متحدثة بسخط :
_ و لا انا و حياتك عشان كدا بحب اتعامل بحدود مع الرجالة المرتبطة
عقد حاجبيه بدهشة و اشار الي نفسه متسائلاً ان كانت تقصده بحديثها :
_ مرتبطة !! مين اللي مرتبط ، انا !!
ابتسمت باقتضاب و هي تجيبه بتهكم :
_ لا كنت بتقول حبيبتي لعامل الدليفري مش كدا
دفعته من امامها بغيظ غير مبالية باصابته و كادت ام تتخطاه الي الخارج الا انه امسك بيدها يمنعها من الخروج قائلاً :
_ تعالي هنا انتي فاهمة غلط
افطن انها استمعت الي حديثه بالهاتف امس ليحاول اخفاء ابتسامته بصعوبة شديدة و تلاعب المكر بنظراته حين تحدث اليها مستفسراً :
_ هو دا بقي اللي مضايقك و مخليكي مبتكلمنيش
رفعت كتفيها مرة اخري و هي تبعد يده عن ذراعها متراجعة الي الخلف خطوة تردد بغرور :
_ و انا هضايق لية قولتلك بحب اعمل حدود مع المرتبطين مبحبش الاستعباط
اشارت الي حديثه السابق لتظهر ابتسامته لطيفة أسرت قلبها بلحظات و اقترب تلك الخطوة التي ابتعدتها عنه ينظر الي عينيها البنية بتركيز و كأن بهما نوع ما من السحر جذبه للوقوع في اعماقهما و الغرق في جمالهما عينان من اللون البني لم يري مثيل لهما من قبل تحاوط عينها الواسعة اهداب كثيفة تجعلها أكثر جاذبية و طال صمته متأملاً اياها بدقة حتي زفرت هي بضيق من ذلك الاضطراب الذي يصيبها حين تتقابل نظراتهما طويلاً و كادت ان تتخطاه خارجة من الغرفة الا انه انتبه اليها و حمحم بارتباك واضعاً يده خلف رقبته متصدياً لها من جديد يهتف بهدوء :
_ انا مش مرتبط علي فكرة دي جارتنا ست كبيرة بحب اطمن عليها عشان عايشة لوحدها
كبحت ابتسامتها بصعوبة بالغة و ارتجف قلبها سعادة كونه ليس علي علاقة كما اعتقدت هي و لكنها رفعت رأسها بحدة اليه حين استكمل حديثه قائلاً :
_ حالياً بس
رفعت حاجبها الايسر و بدأت تشعر بالغضب ينشب بصدرها من جديد متسائلة بضيق :
_ يعني ؟
تزين ثغره بابتسامة هادئة و هو يميل نحو الامام قليلاً ليكون قريباً منها قائلاً بمشاكسة و مرح :
_ يعني اني اغرق تلاتة بالله العظيم اغرق
لم تمنع ضحكتها من الخروج و ارتج قلبه من عذوبة ضحكتها التي تنطق بالدلال ليستند بظهره علي الباب واضعاً يده علي قلبه في حركة درامية مازحاً لتضع يدها علي كتفه مبتسمة قبل ان تتحدث بغرور انثوي لاق بها :
_ خد بالك البحر دا غويط ، اوعي تغرق
غمز بعينه اليسري مشاكساً و هو يجيبها بثقة :
_ و انا اخد بطولة في السباحة متقلقيش هعرف اوصل
***********************************
استيقظت منذ ساعة تقريباً جسدها خامل لا تقدر علي مفارقة الفراش كلما شعرت باقتراب عمتها من الغرفة تغمض عينها و توهمها انها لازالت غافية الا انها غارفة في أفكارها و ذكرياتها المؤلمة ، لقاء آدم الهب جروحها القديمة التي كانت تحاول الشفاء منها وضعت يمناها اسفل رأسها و عينها لا تفارق سقف الغرفة و كأنها تعرض عليها ما مرت به كاملاً ، سقطت اولي عبراتها و هي تتذكر اليوم الذي كُتب فيها عليهما الفراق الي الابد تتذكر جيداً حماسها حين اخبرتها والدته السيدة سحر انها ستأتي لاخذها و شراء ثوب زفافها كادت تحلق في السماء من شدة سعادتها لاقتراب زفافهما و استعدت للذهاب معها و ارتدت ملابسها هي و والدتها و لكن بين دقائق و اخري كان بداية نهاية تلك القصة ، دوي بأذنها بقسوة جملة والدته وقتها و هي تخبرها ببساطة انها قبل الذهاب لشراء الثوب يجب الذهاب الي طبيب نسائية لتتأكد من عفتها ، تساقطت العبرات واحدة تلو الاخري و خرج منها نشيج متألم تتذكر تفاصيل هذا اليوم حيث تجمدت محلها بصدمة و رجفة قوية مرت بجسدها حين استمعت الي جملة والدة خطيبها التي صرحت بتجبر انها تريد ان تطمئن من عذريتها قبل الزفاف و التي تجادل مع والدتها الآن ان هذا من حقها قبل إتمام تلك الزيجة و في المقابل صرخت بها والدتها انها تشكك باخلاق ابنتها حينها انسحبت هي من بينهن بانهيار و اخذت دموعها تتسابق علي وجنتها بحُرقة اخذت هاتفها عن الطاولة و بأنامل مرتجفة بحثت عن رقمه بالهاتف و ما ان ضغطت علي الرقم حتي وضعت الهاتف علي اذنه منتظرة اجابته و التي وصلتها بعد ثواني معدودة متحدثاً بهدوء :
_ ايوة يا حبيبي
التفتت الي الشجار الذي احتد بينهن خلفها حتي ان والدتها بدأت تنهي زيجتها ببساطة و هو تلقي علي مسامع الاخري كلمات سامة مهينة لما قالت و شككت في ابنتها ليزداد بكائها و هي تهمس بلوم له غير مصدقة ما تعيشه بتلك اللحظات :
_ انت ، انت بعت مامتك تاخدني للدكتور بجد
لم يكن ببالها الا انه صاحب تلك الفكرة بالتأكيد لن تأخذ والدته هذا القرار دون الرجوع له لتستمع الي صوته يتحدث من الطرف الاخر متعجباً من جملتها و من اصوات الشجار العالي :
_ دكتور اية يا بنتي ؟ و اية الصوت دا
صرحت بخوف شديد و هي تري والدتها لم تعد تتحمل و تطلب من الاخري الذهاب من بيتها علي الفور لا تريد رؤيتها او ابنها في منزلها مرة اخري :
_ امي و مامتك بيتخانقوا و موضوعنا بينتهي ، مامتك عايزة تاخدني لدكتور النسا
اتسعت عينه بدهشة من تصرفات والدته التي لا تُعقل هو يعلم رفضها لزواجه من رُقية لكن ان يصل بها الأمر التشكيك بها و اخذها الي الطبيب هذا ما لا يستطيع يبرره لها مطلقاً ليأخذ اغراضه سريعاّ و يتحرك لكي يذهب إليها قائلاً بحدة :
_ و انتي تفتكري اني اطلب منها حاجة زي دي بردو انا جاي حالاً
اغلقت الهاتف تضمه الي صدرها و جسدها يرتجف بقوة و الخوف يلتهمها تقدمت بحذر منهن و هي تراقب تلك المشاجرة حيث تحدثت والدتها بصوت مرتفع و انفعال شديد يظهر بوجهها الذي تشربته الحُمرة قائلة :
_ انتي فاكرة روحك مين بنتي دي احسن من عيلتكم كلها
ثم اقترب تفتح باب الشقة و هي تستكمل حديثها بعصبية :
_ غوري اطلعي برا ملكيش عندي بنات يا ولية يا ناقصة
هتفت الاخري بغل و هي تجلس علي المقعد تربت علي فخذيها بحدة لعلها تخرج ما بداخلها من نيران مستعرة :
_ و انا مش منقولة من هنا الا لما اخد حاجة ابني كاملة انتي سامعة
لم تتحمل والدتها تبجح الاخري لتسرع بالهجوم عليها تقبض علي شعرها المختبئ اسفل حجابها و تجذبها لتتقف امامها و بدأت في لطمها علي وجهها بكل ما يعتريها من غضب اما الاخري دفعتها عنها بقوة حتي سقطت علي الارض صارخة بألم و جثت فوقها تكيل لها الضربات بكل غل ..
اسرعت رُقية نحوهن تحاول الفصل بينهن حتي استطاعت ابعاد حماتها التي ابتعدت بصعوبة و هي تتنفس بقوة و عينها تقدح شراراً ، تساقطت دموعها اكثر و هي تراقب الحقد الدفين بأعين السيدة سحر و قد قررت ان الفراق هو افضل حل لكليهما ، عاونت والدتها علي القيام من الارض و ما ان استقرت علي المقعد حتي أشارت لها نحو غرفتها و امرتها بحدة و هي تحاول التقاط انفاسها بانتظام :
_ ادخلي لمي كل القرف اللي كان جايبه و شبكته و تعالي ، ارميهم في وشها و خليها تغور
اومأت اليها بسكون و توجهت نحو غرفتها تطأطأ رأسها بانهزام لم تكن تتوقع ما حدث الآن و لا بأسوء كوابيسها ، لملمت جميع الاغراض التي تخصه في صندوق ورقي و اغلقته باحكام و وقفت تحتضن صورة فوتوغرافية جمعتهما في خطبتهما و شهقات بكائها تتعالي و تصرح عن كم الألم التي تعيشه ، ظلت علي هذا الحال حتي استمعت الي صوته بالخارج يسأل والدته عما فعلته لتمسح دموعها بكف يدها واضعاً الصورة علي فراشها ثم حملت الصندوق تتوجه به الي الخارج حيث يقف امام والدته يصرخ بغضب لما فعلته امه تقدمت منه ليصمت عن الحديث و علامات الغضب بادية علي وجهه حتي مدت يدها له بالصندوق متحدثة بصوت متحشرج و دموعها لا تتوقف :
_ دي حاجاتك كلها اطمن عليها كلها ادام مامتك
نظر بين وجهها الباكي و بين يدها بدهشة و لم يتوقع ان تهزم والدته حبهما بهذه السرعة و لم يكن يعلم ما حدث منذ قليل اقترب منها يهمس بصدمة :
_ انتي بتنهي خطوبتنا بتنهي كل اللي بينا ؟
اومأت اليه و لم تستطع السيطرة علي شهقات بكائها لتتقدم منها والدتها تأخذ منها الصندوق تدفعه الي السيدة سحر قائلة بحدة :
_ خدي حاجة الحيلة اطمني عليها ياختي
اخذت الصندوق منها و وضعتها علي المقعد تطمئن علي ما بداخلها غافلة علي ابنها الذي يقف متجمداً بذهول مما حدث و دمر سعادتهما في اقل من ساعة يسلط نظراته علي رًقية غير مصدق ان كل شئ قد انتهي و لكن خرج من تجمده علي صوت والدتها تصيح به بغضب :
_ بقي انت بتشكك في اخلاق بنتي و عايز امك تاخدها لدكتور ، انا قلبي مكنش مرتاح للجوازة دي بس بنتي مسمعتش كلامي
التفتت الي ابنتها التي تنظر الي الاسفل غير قادرة علي النظر اليه نظرة الوداع و اخذت يدها اليمني تنزع منها الحلقة الذهبية التي كانت اخر رابط بينهما و ألقتها بوجهه مستكملة :
_ خد ادي دبلتك كمان و لو شوفت وشك او وش امك تاني مش هيحصل طيب
توقف عقلها عن سرد المزيد و انتفضت جالسة علي الفراش لعل تلك الذكري المؤلمة تنزاح عن رأسها تنظر حولها بتيه ثم حاوطت وجهها بين كفيها و تجهش في بكاء مرير و صوت يرتفع تدريجياً حتي جاءت علي اثره عمتها تقتحم الغرفة بقوة و اسرعت اتجاهها تجلس الي جوارها متسائلة عما بها و ما ابكاها لتلتفت اليها تلقي بنفسها بين ذراعيها و هي تهمس بألم ينخر بقلبها و لم تجد له حل الي الآن :
_ مش قادرة افتكر حاجة تاني انا تعبت
ضمتها عمتها اليها اكثر تغمرها بدفئ احضانها تمسد علي خصلات شعرها برفق تهمس لها ببعض الكلمات تواسيها حتي استكانت بين احضانها تخرج شهقات بكائها مكتومة في صدر عمتها
***********************************
اغلق "ناجي" الهاتف بعد انتهي من مكالمته في الطبيب المشترك في جرائمه الغير ادمية يخبره ان الضابط المهتم بالبحث عنهم مفقود و ربما هو الآن في عداد الاموات ، وضع الهاتف بجيب بنطاله مبتسماً بمكر لقد جاء له الامر لكمال مهمته المُكلف بها منذ اسبوع تقريباً يجب عليه لملمت اغراضه و اخذ أصدقائه و الذهاب حيث شقته القديمة ، توجه بخطوات سريعة نحو غرفته يهتف بأسم صديقه "عماد" و الذي خرج من غرفة سريعاً بخوف ان تكون الشرطة قد علمت شئ بشأن عملهم و لكنه زفر بارتياح ما ان رأي ابتسامة عريضة علي وجه ناجي ليتقدم منه متحدثاً بتساؤل عما حدث ليجيبه الاخر و هو يأخذ حقيبته الجلدية متوسطة الحجم و يجمع بها بعض من أغراضه :
_ هنرجع الشقة التانية
تعجب عماد من جملته و قد كان منذ دقائق قليلة غاضب ناقم علي الحالة التي وصل اليها كيف تغير حاله و اصبح اكثر اشراقاً و حماساً و بدد خوفه الذي كان يظهر جلياً في تصرفاته ليهتف متسائلاً :
_ هو مش احنا اتفقنا نهدي شوية و نبعد عن الشقة عشان الحكومة
تعالت ضحكات ناجي الساخرة و هو يتلفت بالغرفة يأخذ بقية اغراضه قائلاً :
_ لا ما خلاص الدكتور طمني و قالي ان الظابط اياه بح ملوش اثر
صمت عماد و لم يطمئن لحديث الاخر كيف انتهي الامر في خلال ايام فقط هذه مزحة ليست الا ليجلس علي الفراش ينظر الي سعادة ناجي الطاغية علي ملامحه قبل ان يهتف من جديد :
_ ازاي يعني الموضوع انتهي في كام يوم هو الظابط دا مش كان بيجري ورا موضوع الجثث اللي بنرميها فجأة نام علي الموضوع
_ او مات
هتف بها ناجي ببساطة و هو يضع اخر شئ يريد وضعه بالحقيبة ثم التفت الي صديقه الجالس بتوتر علي الفراش غير مقتنع بما يقول ليسترسل حديثه مجدداً :
_ الظابط مختفي يعني في احتمال كبير يكون مات محدش عارف عنه حاجة خالص
ابتلع ريقه بوجل و هو يقف عن الفراش متحدثاً :
_ انا قلقان يا ناجي مش معقول ناخد الامان علي طول
دفعه ناجي بنفاذ صبر خارج غرفته ثم تحدث بصرامة قائلاً :
_ روح لم حاجتك انت و اخوك و اجهز عشان هنمشي
اضطر ان ينفذ امره و جمع اغراضه هو و شقيقه مستعدين للذهاب الي الحي من جديد و عقله لا يكف عن بث مخاوفه ، بعد مرور ساعة كان يخرج من السيارة برفقة ناجي و وليد و توجه نحو البناية الخاصة بهم يغفلون عن الاعين السوداء الضيقة التي كانت تراقبهم بترقب و تركيز شديد و كأنه يدون بعض الملاحظات برأسه عنهم
************************************
جلست سماح علي الاريكة بالردهة تعقد فوق رأسها حجاب من اللون الاسود يظهر علي وجهها الحزن جلياً لقد مرت الايام السابقة عليها كالجحيم و هي تحاول قمع غضب زوجها الذي كان يغلي كالمرجل و لا يهدئ ابداً يلقي علي مسامعها الكثير من الكلمات الجارحة و خصيصاً حين ابلغته رُقية انها تمكث مع عمتها في امان و لا يقلق عليها ليلتفت الي طريقة لجمع الاموال الذي من المفترض تسديدها و الا ستكون ابنتها الثمن او السجن لزوجها و الأمران اصعب من الموت عليها ، تأوهت بألم حين اشتد الصداع برأسها حين وصلها اشعار برسالة جديدة و كان المُرسل "عطاء" التي ترسل لها التهديدات كل يوم تجعلها تخشي القادم ، اخفت الهاتف سريعاً حين استمعت الي صوت الباب يتبعه صوت زوجها يلقي علي مسامعها سلام الله تنحنحت بتوتر و هو يتقدم نحوها يلقي بجسده المنهك علي المقعد البعيد عنها صمتت قليلاً تراقب ملامحه المرهقة قبل ان تهتف بهدوء متسائلة :
_ قدرت تجمع فلوس تاني غير اللي معاك
فتح عينه و قد كان يغلقها باسترخاء يرمقها بغضب و لم يجيبها لتنتقل جالسة علي الطرف الاخر من الاريكة لتكون قريبة منه و تحدثت بتوسل تربت علي صدرها برجاء :
_ بالله عليك يا صبري البت هتضيع مننا او انت هتتسجن
احتدت ملامحه و اشتد غضبه منها الم تكن هي السبب في ما يقعون به الآن الم تكن سبب تكون الورطة لم تكتفي اصبحت تضغط عليه كلما سنحت لها الفرصة اعتدل بعنف علي المقعد يهدر بحدة :
_ اعمل اية مش لاقي حل لو كان حتي المحل بتاعنا كنت زماني بيعه دلوقتي
تنفس بقوة و هو يشعر بثقل صدره يزداد و اصبح فوق قدرته علي التحمل ليشير بيده نحو غرفتهما متحدثاً بغضب :
_ قومي من وشي قومي بدل ما اطلع كل اللي انا فيه علي جتتك
انتفضت بخوف من عنفه جديد العهد عليها و وقفت عن الاريكة تحاول الابتعاد عنه في هذا الوقت حتي يهدئ و يستعيد وعيه و حين تحركت نحو باب غرفتها استمعت الي صوت جرس الباب يرن بشكل متواصل مزعج لتعقد ما بين حاجبيها بغضب و تعود متوجهة نحو الباب متحدثة بصوت عالي حتي يستمع اليها من بالخارج و يرفع يده علي الجرس قبل احراقه :
_ حاضر جاية
فتحت الباب بانزعاج و ملامح غاضبة و لكن هذا كله تبخر حين وجدت ابنتها تقف امام الباب بابتسامة واسعة تمسك بيد حقيبة السفر الخاصة بها لتهتف بصوت خافت تحاول ان تخفي الخوف الذي ينهش بداخلها :
_ ايمان !!
************************************
خرجت من سيارتها علي عجل فقد جاءت مبكراً عن موعد العرض التجريبي حتي تحظي ببعض الوقت بصحبة يوسف لعله يشعر بما تكنه له داخل قلبها ظهرت علي محياها ابتسامة لطيفة ما ان وطئت قدمها باب الدخول ، ازدادت وتيرة دقات قلبها بارتباك ما ان اقتربت من باب الكواليس و ثبتت قدمها بالارض تخشي ان يفهم انها جاءت لاجله فيزداد في تجاهلها اكثر مررت يدها علي خصلات شعرها الحريرية و كأنها تلتمس الطمأنينة داخل نفسها قبل ان تدير مقبض الباب بهدوء و انفرج قليلاً تركت المقبض و هي تتفس بهدوء لعلها تهدئ متحدثة بخفوت الي نفسها :
_ لازم اهدي التوتر دا هيبان قدامه و ـــ
قطعت جملتها الي نفسها ما ان رفعت رأسها بتلقائية لتقع نظرة داخل الغرفة حيث كان يقف يوسف و بين ذراعيه فتاة اخري يتبادلان القبلات بحميمية و يتحسس جسدها بوقاحة اتسعت اعينها بصدمة و ارتجف جسدها بشكل واضح حد الانتفاضة و تحركت قدميها بتلقائية متراجعة الي الخلف حتي ارتطمت بالحائط خلفها ، التفتت تنظر الي الخلف لتنظر الي الحائط بتيه و كأنها تفكر كيف تحركت حتي اصطدمت به و غيوم الدموع بدأت تحجب عنها الرؤية لم تتوقع يوماً ان تري حبيبها في مثل هذا الموقف ابداً لقد كانت تعتقد يختلف عن الوسط المحاطين به و لكن جاءت حقيقته كضوء قوي يضرب عينها بعد فترة من الاعتياد علي الظلام ، اسرعت تضع يدها علي ثغرها حين شعرت بشهقات بكائها بدأت تتعالي مع سقوط عبراتها بغزارة علي وجنتيها و تحركت ببطئ الي الخارج مستندة علي الحائط تشعر بقدميها اصبحا كالهلام تخشي ان تسقط علي الارض الآن و ما ان اصبحت بالشارع حتي اطلقت سراح شهقاتها و هي تتنفس بصعوبة تنعي نفسها علي مشاعرها التي اهدرتها في حب شخص لا يستحق منها الا الاحتقار رفعت يمناها المرتجفة تضعها موضع قلبها تمسد عليه برفق لعل الألم الذي توغل به يهدئ و لو قليلاً و يمنع تلك الطعنات القاسية من التوالي عليها ...
اقترب منها الحارس حين شعر بالقلق من حالتها التي يرثي لها يسألها بهدوء ان كانت في حاجة الي المساعدة و لكنها لم تجيب و لم ترفع رأسها اليه مستمرة في التمسيد علي قلبها العليل اشار الحارس الي زميله حتي يأتي بزجاجة من الماء لها ليفعل الاخر علي الفور و مد يده بالزجاجة اليها لترتشف منها قائلاً :
_ اشربي يا انسة و خدي نفسك
و أخيراً استطاعت ان ترفع رأسها اليهما و ظهر وجهها شديد الاحمرار و اعينها الغارقة بالدمع و اخذت منه الزجاجة فتحت الغطاء بصعوبة قبل ان ترفع مرتشفة منها قليلاً لعلها تطفئ اشتعال قلبها
مد يدها للحارس بالزجاجة شاكرة اياه بصوت ضعيف يكاد يكون مسموع و هي تشعر بالدوار بدأ في مداهمتها بشدة و في هذا الحين ارتفع صوت الهاتف يصدر من حقيبتها حاولت السيطرة علي نفسها و اخرجت الحقيبة من ذراعها تحاول فتحها و لكن اعصاب يدها المرتجفة لم تتحمل حملها لتسقط بالارض ، انحني الحارس ليأتي بالحقيبة شاعراً بالحزن علي صاحبتها المنهارة ليتفاجأ بأن التالي سقوط صاحبة الحقيبة امامه علي الارض فاقدة للوعي