رواية احفاد اليخاندرو الجزء الثاني (الوجه الاخر للمافيا) الفصل التاسع بقلم رحمة نبيل
كان ما يزال جسد ادم مرابط جوار باب غرفة العمليات، وبين أحضانه تقبع هايز التي وكأنها أسلمت أمرها لادم يدبره كيفما يشاء، وقررت أن تريح عقلها بعض الوقت من التفكير .
كان آدم ينظر بعين مترقبة لباب الغرفة وقلبه يقرع بقلق، بينما يده تتحرك دون شعور منه مربتة على شعر هايز بكل حنان وحب، وعلى بعد صغير منه كان ماركوس يستند على الجدار جوار بعض المقاعد التي تتوسط فيور أحدهم، يرجع رأسه للخلف وهو يراقب آدم، يشعر بوجع لرؤية تلك النظرات في عينه، وكأن من بالداخل ابنه الحقيقي وليس مجرد طفل قابله وعرفه منذ ايام فقط .
انتفض الجميع من جلسته وهم يرون الباب يفتح بعنف، وإحدى الممرضات تتحرك للخارج تنادي بلهفة :
" من المتبرع هنا ؟! دكتور سارة أخبرتني أن هناك متبرع هنا "
نظر آدم لهايز التي كانت تستفيق شيئًا فشيء وهي تنظر حولها بعدم فهم، وكأنها انفصلت عن الواقع لثواني، قبل أن تدرك فجأة ما حدث وما سيحدث، انتفضت من مكانها وهي تستمع لحديث الممرضة التي حاولت شرح حالة الصغير بسرعة :
" حدثت مضاعفات أثناء العمليات، ونحتاج لنقل دماء قبل أن نفقده"
بكت هايز بقوة وهي تستدير بسرعة لادم قائلة برعب :
" آدم..."
وكأنها كانت تترجاه بتلك الهمسة أن ينقذ لها صغيرها، اقترب منها ادم يربت على رأسها بحنان ثم قبلها سريعًا وهو يبتعد هامسًا :
" قلب آدم لا تقلقي، سيكون أيان صغيرنا بخير، فقط اهدئي أنا سوف اذهب معها، وأنتِ عديني أن تكوني هادئة "
بكت هايز وهي تهز رأسها بحسنًا في حركات سريعة، ليبتعد عنها ادم وهو ينظر لماركوس نظرة صغيرة فهم بها ماركوس ما يريد، ليهز له رأسه بهدوء وكأنه يخبره ألا يقلق .
تحرك ادم صوب الممرضة وهو يقول بجدية وعملية :
" أنا من سأتبرع للصغير، دليني على المكان "
أشارت له الممرضة بسرعة ليجهز نفسه، وهو تحرك خلفها تحت نظرات هايز المقهورة، والتي تحركت بآلية تجلس على المقاعد جوار فيور التي كانت ما تزال تبكي بحزن على ما يحدث هنا تشعر بقلبها يؤلمها لرؤية ذلك الصغير يعاني وفي عمره هذا، جلست هايز ببطء وهي تنظر أسفل قدمها بشرود تهز جسدها للامام والخلف تحاول التحكم في نوبة انهيارها الوشيكة، قبل أن تشعر بصوت لطيف هادئ جوارها يهمس لها :
" سيكون بخير "
استدارت هايز تنظر ببطء لتلك الفتاة الهادئة الملامح جوارها تبتسم بخفوت وهي تشعر بالالفة لها تهز رأسها ببطء، تحاول كتم دموعها، قبل أن تشعر بتلك الفتاة تمد يدها لها تدعوها لعناق صامت كانت هي في أشد الحاجة إليه بعد رحيل آدم؛ لذلك ودون تفكير منها كانت تلقي بنفسها بين احضان فيور وهي تنفجر في البكاء بقوة، وشاركتها فيه فيور مما جعل ماركوس ينفخ بضيق يراقب الاثنتين ولا يعلم ما يجب فعله في تلك الحالة، إلا أنه راقبهما بهدوء دون أن يقطع تلك اللحظات عليهما .......
____________________________
كان جايك يقف بعيدًا وهو يراقب باب غرفة انطونيو يرفض ترك الغرفة رغم رحيل الجميع صوب غرفة العمليات للبقاء جوار روما، لكنه رفض تمامًا الرحيل، رفض ترك أخيه وحده، ابتلع ريقه يتمنى لو كان جاكيري هنا، لكن في نفس الوقت حمد ربه أنه ليس هنا، فهو يعلم جنون جاكيري فيما يخصهم جميعًا، حتى أنه رفض أن يحدثه أحدهم أو يحدث فبريانو، حتى لا يقرر جاكيري قيادة الطائرة بجنون واذية نفسه أو فبريانو، وكذلك أصدر الجد قراره بمنع التواصل معهما حتى يطمئن الجميع على انطونيو وروما .
راقب جايك خروج الطبيب من الغرفة وهو يتجه صوب بخطوات واسعة قائلًا بلهفة :
" ما به اخي دكتور، هو بخير صحيح ؟!"
رفع الطبيب عينه من على الأوراق التي بيده يقول بجدية متنهدًا، يحاول انتقاء ألفاظه :
" حسنًا لا ادري ما أقوله، لكن ما حدث لاخيك هو بوادر جلطة، لكن لا تقلق لقد تداركنا الأمر، فقط نتمنى ألا يتعرض لأي ضغوطات في الفترة القادمة، هو لم يصاب فعليًا بها، لكن الأمر مجرد اشتباه وشكوك، وسوف نجري بعض الأشعة للتأكد، اتمنى له السلامة"
أنهى كلماته وهو يترك جايك واقفًا في مكانه بصدمة يرمق رحيله بأعين مفتوحة برعب، تتردد كلمات الطبيب في رأسه وهو يفكر أي جلطة تلك ؟! أخيه هو ؟! تحرك بأقدام واهنة وهو يفتح الباب يجذب مقعد وقد قرر أن يرابط جوار فراش انطونيو يراقبه بأعين مقهورة لما يحدث مع أخيه ووالده، من شبّ على يديه، امسك يد انطونيو يرفعها ببطء مقبلًا اياها وهو يهمس بحب اخوي :
" سوف تكون بخير يا اخي، وروما أيضًا ستكون بخير، فقط أفق، ارجوك لا تفعل بي هذا انطونيو "
أنهى كلماته وهو يبكي بقوة على يديه يهمس من بين شهقاته وقد ظهر ذلك الطفل الذي يخفيه أسفل جسده الشاب، يترجى انطونيو وكأنه يسمعه :
" اترجاك، أنا اترجاك ألا تفعل بي هذا انطونيو، سوف اتدمر، جميعنا سنتدمر، نحن في الأساس لا نستطيع أن نتصرف بشكل منظم إن غبت ثواني فقط عنا، وسوف تنشأ حروب بيننا، لا أحد يتحكم في الجميع سواك، وهم لا يستمعون لسواك؛ لذلك افق ارجوك "
أنهى كلماته وهو يستند برأسه على يد انطونيو يضغط عليها بقوة بعض الشيء يحاول منع دموعه من الهبوط أكثر، قبل أن يشعر بيد تربت على كتفه، رفع جايك رأسه ببطء مستديرًا ليرى أن من يقف خلفه لم يكن سوى مايك الذي ابتسم له وهو يردد جالسًا على مقعد جواره :
" سيكون بخير أنا واثق من هذا، يارجل أنت تتحدث عن انطونيو، انطونيو الذي يرتعش الجميع من سماع صوت أنفاسه فقط "
" أنا خائف مايك، الأمر مؤلم، أن تشعر أنك على وشك خسارة شخص يعني لك الكثير، هذا مؤلم بشكل بشع "
ابتسم له مايك وهو يجذبه له يضمه بحنان هامسًا بصوت مختنق :
" اعلم يا جايك، لكنني اثق في انطونيو "
صمت قليلًا ثم أضاف بجدية :
" لقد جئت لاخبرك أن تأتي وتقف مع الجميع فهناك من يكاد يجن من الخوف عليك "
ابتعد عنه جايك وهو يرمقه بتعجب، ليرى نظرات مايك الجانبية صوب النافذة الزجاجية التي تطل على الممر في المشفى، ويرى تلك التي تبكي من خلف النافذة، ابتسم جايك بسمة صغيرة، يتحرك من مكانه وخلفه مايك الذي أغلق باب انطونيو بهدوء، ثم ألقى نظرة على الاثنين، وتحرك بهدوء ليقف مع الجميع تاركًا جايك خلفه وهو يقف قبالة روز التي كانت تبكي بهدوء .
مدت روز يدها لثيابها تخرج دفترها الذي تستخدمه عادة للكتابة، ثم قطعت ورقة منه ومدت يدها بها لجايك الذي رمقها ثواني بتعجب، ينتزعها من يدها بهدوء وهو مازال ينظر لوجه روز التي كانت ترمقه بحزن، اخفض جايك عيونه بهدوء للورقة ليجد بها رسمة صغيرة تبدو كرسومات الاطفال، يظهر فيها جسد طويل يعانق فتاة، وأعلى الاثنين كُتبت اسماء روما وانطونيو، وأسفل تلك الرسمة رسمة صغيرة كُتب عليها اسمه هو، لشخصية تحمل طبق عليه كيك وهو يبتسم بسعادة .
وفي الاسفل جملة صغيرة خُطت بخط جميل رقيق ( سيصبح انطونيو وروما بخير، وسوف اصنع لك كيك لذيذ، لأجلك جايك . )
ارتسمت بسمة صغيرة على وجه جايك وهو ينظر لها بحنان يقول بلطف شديد، يحدق مجددًا في الرسمة :
" هذه اجمل الرسومات التي رأيتها في حياتي، لم أر يومًا شيئًا الطف من هذا "
ابتسمت روز بسمة صغيرة من بين دموعها، لرؤيتها بسمته، لكن انمحت البسمة وهي تسمعه يردد بلطف، مخرجًا من جيب بنطاله ذلك القلم الذي يحمله دائما يخط بشيء في الورقة وهو يردد :
" لكن تلك الرسمة ينقصها شيء صغير "
أنهى حديثه وهو ينتهي من رسمة صغيرة تشبه طريقتها في الرسم، وليس طريقته هو، لكنه وللعجب شعر أن طريقتها اجمل وألطف منه .
أدار جايك الورقة لتبصر روز رسمة لفتاة تقبع جوار رسمة جايك وأعلاها كُتبت كلمة " زهرتي "، رفعت روز عينها ببطء له لتراه يرمق البسمة بحنان شديد وحب وهو يقول :
" هكذا أصبحت مثالية، سوف احتفظ بها مدى الحياة "
ابتسمت له روز بتأثر وهي تنظر ارضًا، ثم أشارت له بحركات تعني أنها ستذهب لتقف مع الجميع، لكن ما كادت تخطو بعيدًا عنه إلا ووجدت يده تقبض على خاصتها وهو يردد بجدية :
" روز أيمكنني ضمك؟! فقط عناق صغير "
توقفت روز وهي تشعر بانفاسها تزداد بقوة، قلبها يهدر بقوة، وعندما طال صمتها اقترب جايك من ظهرها ببطء وهو يضمها من الخلف يستند بذقنه على كتفها بحنان هامسًا لها بلطف :
" شكرًا لكِ زهرتي "
_____________________________
" لولا بس إن مراتي عاملة عدس على الغداء، وأنت قولتلي انك هتأكلني كفتة، أنا كان زمان اخدت على خاطري منك وقومت روحت "
كان زياد يتحدث، يراقب كلًا من جاكيري وفبريانو يلفون حول جسده حبال عديدة وهو يجلس أعلى مقعد، ليبدو أنه رهينة وتكتمل اركان الخطة، ابتسم زياد بسخرية لاذعة يردد :
"خلي بالك أنا ساكت بس عشان مش عايز اخسرك، لكن اقسم بالله أنا لو سبت لشياطيني القيادة هقوم انفخك أنت والواد اللي كل شوية يقولك طفل طفل، طفل إيه يا خوانا، لما انتم عايزين طفل، كنتم اخطفوا ابني "
انتهى أخيرًا كلًا من جاكيري وفبريانو من عقد الحبال حول جسد زياد، ثم توقفا أمامه وخلفهم يقبع توفيق وهو يرتدي بذلة سوداء ونظارة سوداء أيضًا، وجواره يقبع اسكندر الذي كان يترقب القادم .
تحرك توفيق يخترق المسافة بين جسد فبريانو وجاكيري، متحركًا صوب زياد وهو يردد بكل جدية يدور حوله كما لو كان شرطيًا ويحقق مع مجرمًا :
" ها قولي بقى اخر مرة شوفت جدك فيها كانت أمتى ؟!"
اطرق زياد يفكر وهو يقول بهدوء مصطنع :
" والله ما فاكرة أصله مش بيطيقني ولا أنا ولا اهلي فتقريبًا يمكن من اسبوع "
" اممم اسبوع ؟! يعني عايز تفهمني أن جدك مش معبركم واكل عليكم ورثكم ؟! "
تحرك زياد بملل وهو يتحدث بصوت حاد :
" فيه ايه يا جدعان ؟! ايه الهبل ده ؟! مين ده ؟! وبعدين ايه اللي هو لابسة ده ؟! احنا في اجتماع؟! وايه النضارة اللي لابسها جوا البيت دي ؟!"
ابتسم توفيق بسخرية وهو يردد مشيرًا لنفسه :
" ده شغل ظباط ايش فهمك أنت؟! بعدين رد على قد السؤال "
نظر زياد له بسخرية اكبر من خاصته :
" والله ؟! على اساس انك بتكلم بياع كبدة ؟! انت بتكلم ظابط على فكرة "
صُدم توفيق من حديثه وهو يقول بشك :
" أنت ظابط ؟!"
هز زياد رأسه بسخرية، ليبتلع توفيق ريقه وهو يستدير لفبريانو يسأله حتى يتأكد :
" هو ظابط؟!"
هز فبريانو رأسه بنعم وهناك بسمة جانبية تتوسط وجهه، ليعود توفيق للخلف برعب وهو يخلع النظارة مرددًا بخوف :
" حضرة الباشا أنا كنت بهزر معاك والله، بعدين اساسا البدلة دي انا شاحتها والنضارة دي من العتبة حضرتك والله "
نفخ زياد وقد بدأ يشعر بالملل من تلك اللعبة :
" أنا مش فاهم أي حاجة من الهبل ده، حد يقولي عايزين من أمي ايه دلوقتي؟! وفين الكفتة والكباب ؟!"
تحدث فبريانو ببسمة صغيرة :
" نحتاج فقط لمعروف صغير منك زياد "
نظر له زياد بترقب، قبل أن يسمع صوت فبريانو بضيق بخبث :
" نحتاج لاستخدامك كأداة للضغط على مالك لينفذ لما ما نريد "
نظر له زياد بعدم فهم ليجد الشاب الآخر ( جاكيري ) يتقدم منه وهو يتحدث بجدية :
" فقط نحتاج لنفوذه في قضية حبيبتي "
ضيق زياد عينيه ثواني قبل أن يهمس بريبة :
" يعني مفيش كفتة ولا كباب ؟! أنا انضحك عليا ؟!"
ابتسم فبريانو وهو يقول بجدية :
" هجبلك اللي عايزة بس تساعدنا "
ابتسم زياد بسخافة وهو يقول :
'" بس كده عيوني، ده أنت خطفت الشخص الصح لعلمك، اللي قدامك ده نقطة ضعف مالك اساسًا، أنت بس اتصل بيه وقوله زياد عندنا، و هي خمس دقايق هتلاقيه جاي على ملا وشه ينفذلك اللي عايزة، اصل أنت متعرفش غلاوتي عند مالك قد ايه "
رفع فبريانو حاجبه بتهكم ليسمع صوت زياد مؤكدًا حديثه السابق :
" مش مصدق ؟! طب جرب، اتصل بيه من عندي، تليفوني في جيبي، هتلاقيني مسجله الحاج الكبير اوي "
ابتسم فبريانو بسخرية وهو يستمتع بتلك اللعبة السخيفة، ينتزع هاتف زياد من جيبه كما قال، ثم اتصل بالرقم الذي قاله زياد وانتظر ثواني قبل أن يستمع لصوت مالك، اندفع جاكيري له وهو يفتح المكبر بجدية حتى يسمع المحادثة .
" الو يا زياد "
" أنا مش زياد "
صمت مالك من الجانب الآخر قبل أن يقول بشك :
" مين معايا ؟!"
" مش عارف صوتي يا مالك ؟!"
" يا خي يارتني ما اعرفه، كنت استريحت في حياتي، بتعمل ايه برقم زياد وبتتصل ليه من عنده ؟!"
ابتسم زياد وهو يشير له أن يتحدث بما اتفقوا عليه، ليندفع جاكيري في الحديث بدل فبريانو :
" حفيدك لدينا سيد مالك، وإما أن تنفذ مطالبنا أو تودعه مدى الحياة "
جاء الجميع صوت مالك البارد من الجانب الآخر :
" ماذا تعني يا هذا ؟!"
تحدث فبريانو هذه المرة :
" عايزينك تساعدنا يا مالك في موضوع قصاد حياة حفيدك"
" في ستين داهية أنت وحفيدي، أنا مش ناقصكم "
أنهى حديثه وهو يغلق الهاتف في وجه الجميع ليرتفع صوت زياد وهو يردد :
" ايه ده الرصيد خلص ولا ايه ؟!"
_________________________________
" معرفش خلينا شوية كمان هنا، جاكيري قالي منرجعش دلوقتي "
تحدثت رفقة بهذه الكلمات وهي مازالت تجلس مع روبين فوق سطح منزل لولو، بعدما احضرهم جاكيري بنفسه إلى هنا، وقد كانت رفقة متخفية، وقد اخبرهما أنهم سيفعلون شيئًا في المنزل ولايجب أن يشهدوه .
" تفتكري جايبين نسوان وعشان كده بيسربونا؟!"
استدارت رفقة فجأة لروبين وهي تفتح عينها بصدمة، وقد لفتت روبين نظرها للتو لهذا الاحتمال، الذي لم تفكر به، وإلا لِمَ أصر جاكيري على خروجها، رغم أن ذلك يُعد خطرًا عليها ؟!
" ده لو بجد، فأنا هطين عيشة جاكيري واخربها على دماغه "
أنهت كلماتها وهي تنهض تنفض ثيابها بعنف، ثم حملت حقيبتها ترتدي القبعة الكبيرة على رأسها ونظارتها التي تخفي معظم وجهها تصرخ بغضب مخيف
" تعالي ورايا "
تحركت رفقة للخارج بعنف شديد وهي تفكر في صحة تخمين روبين، هي تعلم روبين غبية، لكن إن لم يكن الأمر كما قالت روبين، كيف خاطر جاكيري باخراجها من المنزل؟! توقفت فجأة عن السير وهي تستوعب الآن فقط :
" لحظة بس، إزاي جاكيري هيخوني واسكندر معاه هو وعمي توفيق ؟!"
" وكمان فبريانو "
" لا ده شيء ميطمنش، بالعكس ده كده أنتِ بتقلقيني أكثر، وجود فبريانو بالذات يخليني أقلق مش اطمن "
لوت روبين شفتيها بحنق شديد وهي تهمس غاضبة :
" لعلمك بقى، فبريانو عمره ما يفكر يبص لست غيري ولا عمره يحب، لأنه اساسًا مش بــ....."
" مرحبًا هذا منزل فبريانو ؟! "
توقفت روبين عن الحديث وهي تستمع لصوت فتاة رقيق أمامها هي ورفقة تتحدث بإيطالية لم تفهمها بسبب عدم ارتداء سماعتها، لكن كل ما فهمته هو اسم فبريانو، رددت روبين بغباء وهي تنظر لرفقة :
" هي بتقول ايه ؟! أنت سمعت اسم فبريانو في الجملة "
ابتسمت رفقة بسخرية وهي تمرر نظراتها على الفتاة من أعلى لاسفل :
" لا مفيش يا عيوني الظاهر الملاك الطاهر بتاعك قرر يعك شوية "
" يعك؟! "
تراجعت روبين وهي تنظر للفتاة بشك، قبل أن تقول بسرعة راكضة لداخل المنزل :
" اصبروا أنا راجعة محدش يقول حاجة لغاية ما اجي "
دخلت روبين المنزل، ثم تحركت بسرعة صوب غرفة لولو وهي تمد يدها قائلة بلهفة :
' اديني السماعات بسرعة يا لولو "
" بتفرج على المسلسل، اصبري بس اللقطة دي رهيبة "
" لقطة ايه يا لولو؟! فيه واحدة برة بتتكلم ايطالي وشكلها تعرف فبريانو وانا مش فاهمة هي عايزة ايه ؟!"
اشاحت لولو بيدها وهي تردد بعدم اهتمام :
' تلاقيه بيخونك معاها "
انقضت عليها روبين وهي تقول بقهر وقد اخرجت اول ما فكرت به بكل غباء وكعادتها المندفعة دون تفكير في منطقية الحديث :
" أنتِ بتقولي ايه يالولو ؟! فبريانو بيحبني، ده جبلي ايس كريم وسماعة "
استدارت لولو لها ترمقها بنظرة باردة متهكمة :
" اه صحيح هيخونك ازاي ده جابلك ايس كريم، يقطعني يابنتي مخدتش بالي "
" طب هاتي السماعة طيب خليني اشوف البت اللي برة دي عايزة منه ايه ؟!"
تحدثت لولو وهي تتناول بعض الجلي المحلى :
" تلاقيها جاية تاخد منه ايس كريم، سيبيني بقى اكمل المسلسل "
اقتربت منها روبين تحاول انتزاع السماعة :
" بقولك واحدة حلوة بتسأل عليه وتقوليلي مسلسل؟!"
" والله المسلسل ده اهم منه، بعدين قولتلك خليه يجبلي واحدة وانا هحاسبه عليها، ولا يكونش هاكل فلوسه عليه البخيل؟!"
أخذت روبين السماعة منها على حين غرة وهي تقول بقهر وغيظ :
" مش وقته يا لولو، ابقى قوليله لما تشوفيه "
أنهت كلماتها وهي تخرج بسرعة من الغرفة تاركة لولو تنظر في الحاسوب بصدمة وهي لا تفهم شيء لتعلو كلمات البطل وهو يقول بجدية لمن أمامه بعض الكلمات التي أصابت الجميع بالذهول، مما جعل لولو تصرخ بحنق :
" يعني هي اللي جاية تسأل على الاخ بيومي محبكش ( لم يحلو لها ) تيجي غير دلوقتي؟! اهو شكله قالهم إنه حرامي مش راجل اعمال "
خرجت روبين من المنزل صوب الحديقة حيث تركت الفتاة ورفقة، ترتدي السماعة وهي تقول بلهفة :
" أنا اتيت مــ...."
توقفت عن الحديث وهي تجد رفقة تقف وحدها :
" هي راحت فين ؟! "
هزت رفقة كتفها بعدم معرفة وهي تقول ببساطة :
" هي بس سألتني إن كان فبريانو عايش هنا ولا لا، وقولتلها لا، بس وفجأة لقيتها مشيت بدون مقدمات "
نظرت روبين في باب المنزل وهي تهمس بشر :
" وهي بتسأل عن بيته ليه؟! جاية تطلب منه الجمعية ؟!"
__________________________
كانت تستند بظهرها على صدر مارتن تنتفض كل ثانية والأخرى بسبب شهقاتها، بينما مارتن كل ما يفعله هو تقبيل رأسها بحنان مربتًا عليها، هامسًا لها بكلمات رقيقة حنونة حتى تهدأ .
رفع عينه يمررها في الجميع ليجد جده في شكل لم يره سابقًا، سوى بعد رحيل أبناءه، عندها جاء للقصر ليعلن للجميع خبر أطاح بطفولتهم جانبًا، واستبدلوا مكانها رجولة مبكرة، لتنقلب في تلك اللحظة حياتهم رأسًا على عقب، اغمض عينه وهو يضم جولي له اكثر يهمس بصوت لم يدري أنه وصل واضحًا لها :
" كل شيء سيكون بخير، لن يحدث الأمر مجددًا، لن يحدث مجددًا "
استدارت جولي له وهي تهمس له بصوت منخفض :
" مارتن أنت بخير ؟!"
هز مارتن رأسه يحاول الهدوء حتى لا يخفها، ثم ضمها مجددًا وهو يقول بصوت حنون :
" أنا بخير بنية العينين، لكنني فقط أشعر بالإرهاق، لم احظى براحة كافية منذ عدت من المهمة "
فتحت جولي فمها بحزن، وهي تهمس له ودموعها على وشك الهبوط :
"هل هذا بسببي مارتن ؟! هل ارهقك ؟!"
رفع مارتن عينه لها بتعجب، ليجدها على وشك الدخول في نوبة بكاء أخرى، بعدما تمكن بصعوبة من احتواء النوبة السابقة :
" لماذا تقولين هذا جولي؟! حبيبتي أنتِ اجمل ما حدث لي في حياتي تأكدي من هذا، وإن كان وجودك يرهقني، فمرحبًا بالارهاق طوال الوقت، وما اجمله من إرهاق !"
ظن بحديثه أنه سيمنعها من البكاء، لكن على العكس انفجرت في البكاء وهي تضم جسدها له بقوة تهمس من بين شهقاتها، بعدما اثار وضع روما الخوف في نفسها وهي تتخيل نفسها محل انطونيو وعلى وشك خسارة مارتن :
" ارجوك مارتن لا تتركني، لا تتركني ابدًا "
آلمه قلبه بقوة من شعورها الدائم بالقلق، شعورها الدائم أنها ستعود وحيدة، ماذا يفعل ليثبت لها أنه لن يتركها ولو حتى بموته، فعند موته سوف تحوم روحه حولها، فلا أنس له بعيدًا عنها، ولا راحة لقلبه بلا عينيها .
جذب مارتن وجهها وهو يضمه بحنان يمسح دموعها بإصبعه يهمس لها بحب شديد ينضح من بين سكناته :
" انظري لعيني جولي، انظري لي حبيبتي "
نظرت له جولي تستمع لحديثه الخارج منه بنبرة جعلتها تبكي مجددًا :
" هل تظنين أنني يومًا قد استطيع العيش دونك ؟! جولي اقسم لكِ أنني سأموت وقتها، روحي معلقة بكِ جولي، حتى انهيار انطونيو اليوم لأجل مرض روما لن يساوي قطرة من محيط ما سيحدث لي في بعدك، اقسم أنني وقتها سأسقط ولن انهض مجددًا، قبل معرفتي لكِ، كنت اعتقد أنني أعيش حياتي بسعادة وهدوء، لكن فقط اتضح أن ذلك الهدوء هو ما سبق عاصفة عشقي لكِ، لم اعد استطيع دونك، تأكدي أن حاجتي لكِ اقوى من حاجتك لي حبيبتي "
انتهى مارتن عن حديثه لتلقي جولي بنفسها في أحضانه وهي تهمس بحب :
" أنا أحبك مارتن احبك اكثر من روحي "
" وانا اعشقك، وكيف لا وأنتِ تمتلكين اجمل عين في العالم ؟!"
ابتسمت جولي له ليشدد هو ضمه لها يراقب باب غرفة العمليات الذي تجلس أمامه سيرينا ( والدة روما ) بانهيار بعدما عادت من سفرها على وجه السرعة تصرخ برعب على ابنتها الوحيدة، وجوارها يجلس جده وهو شارد بشكل اثار الوجع في قلبه، يشعر كما لو أنه طفل تائه، الباقيين يجلسون ارضًا والكل مرتقب للقادم، لكن وسط كل ذلك التمع عقل مارتن بسؤال مفاجئ :
" كيف وصل السم لروما، وفي عقر دارنا ؟!"
_______________________________
فُتح الباب بعنف شديد جعلها تنتفض من على فراشها وهي تنظر جهته برعب وعينها مفتوحة بشكل مخيف تهمس بصدمة من طريقة الدخول :
" امي ماذا تفعلين ؟! كدتِ توقفين قلبي "
ابتسمت والدتها بغيظ وهي تقول بلا مقدمات :
" ابن خالتك سوف يتزوج "
شحب وجه لورا بعنف وهي تشعر بانفاسها تتقلص فجأة وكأن والدتها بحديثها ذلك، قد أغلقت مجرى تنفسها، نظرت على فراشها بأعين زائغة وهي تردد :
" هذا جيد، سوف اتحدث لخالتي وابارك لها "
ابتسمت والدتها بسمة ظهرت فيها الحسرة واضحة وهي تردد بقهر :
" حقًا ؟! بكل هذه البساطة ؟!"
" وماذا افعل غير ذلك امي ؟! هل اذهب وارقص في زفافه ؟!"
" ولِمَ لا؟! فأنتِ ستحضرين زفافه على أية حال "
انتفض جسد لورا برعب من تلك الفكرة، تعود للخلف وهي تهز رأسها برفض، تكاد تبكي متوسلة والدتها ألا تفعل هذا بها :
' لا لا، أنا لا أستطيع لدي اعمال كثيرة و..."
فاض صبر والدتها وهي تصرخ في وجهها بغيظ من غباء ابنتها :
" أي أعمال تلك سيدة لورا !! الجريدة التي تعاملين فيها كضيف شرف لا أهمية له ولولا صداقة والدك مع مدير التحرير، لكنتِ طُردتي منذ سنوات "
هزت لورا رأسها بلا وهي تبكي بقوة مردفة من بين دموعها :
" لا لا، أنا... أنا "
ولم تسطع لورا أن تكمل حديثها بسبب شقهاتها التي ارتفعت بشكل اثار رعب والدتها وهي تقترب منها تحاول الهدوء، تتذكر حديث زوجها لها :
" لورا حبيبتي صدقيني لا يمكنني الاعتذار عن عدم حضورك، هكذا سيعتقد الجميع أنكِ مازلتِ تكنين مشاعر لابن خالتك، حتى بعد فسخ خطبتكما منذ سنوات "
بكت لورا بقوة وهي تنظر لوالدتها تتوسلها بعينها :
" ارجوكِ امي، أنا ارجوكِ لا تجبريني على هذا، لا اريد الذهاب ورؤيته، ليتزوج أو يفعل ما يريد أنا لا اهتم، لكن ارجوكِ لا تقحميني في حياته مرة أخرى "
أنهت جملتها بصراخ غاضب جعل والدتها تعود للخلف بصدمة مما وصلت له، لكنها أبعدت شفقتها على ابنتها جانبًا وهي تصرخ في وجهها بحسرة وخيبة امل :
" كان من الممكن أن تكون العروس أنتِ، لو لم تتصرفي بحماقة قديمًا، كانت لدي امال أن يعود لكِ، لكن لا ها هو الآن سيتزوج أخرى وتصبح زوجة واحد من أكبر رجال ايطاليا، وأنتِ..."
صمتت ثم أضافت بقهر من فكرة خسارة ابنتها لزواج كهذا :
" ستظلين طوال عمرك هكذا، لا شيء تفعلينه بشكل صحيح، طوال حياتك تتصرفين بحماقة و تخذين قرارات تدمرك، القرار الوحيد الصحيح في حياتك كان بموافقتك الارتباط بابن خالتك، ثم عدتِ ودمرتي ذلك القرار بكل غباء "
صمتت والدتها تتنفس بعنف وقد شعرت بالغضب يتسرب منها شيئًا فشيء ويحل مكانه ندم، وهي ترى نظرات ابنتها ووجهها الشاحب، ودموعها التي تجمدت فجأة وكأن هناك من انبئها بأنها على وشك توديع الحياة بعد ثواني، لكنها رغم ذلك كله ضغطت على نفسها ونحّت أي مشاعر جانبًا وهي تقول بقوة :
" سوف تأتين معي للزفاف لورا، وسوف ترتدين اجمل الفساتين، هذا إن كنتِ تمتلكين واحدًا بعيدًا عن ثياب الرجال التي تتحركين بها في كل مكان، لا الومه حقًا لتركك، فمن يتحمل مدللة سخيفة مثلك "
أنهت والدتها الحديث وهي تخرج من الغرفة مقتنعة تمامًا أن هذه هي الطريقة الصحيحة لجعل ابنتها تستفيق مما تفعله بنفسهاء تتمنى لو تعود لورا القديمة، لورا المرحة الجميلة التي كانت تخطف قلبها كل ثانية، ولم تدري أن الوسيلة لوصول هدفها كانت خاطئة، خاطئة تمامًا .
تقوقعت لورا على نفسها وهي تجذب الفراش على جسدها تغمض عينها بهدوء شديد تحاول الهرب بطريقتها المفضلة، تنام وهي تتمنى ألا تستيقظ مجددًا، وكلمات والدتها مازال صداها يرن في اذنها ...
______________________
" هل هذا يعني أن هذا ليس حفيد مالك ؟!"
تساءل جاكيري باستنكار وهو يشير لزياد، الذي تراجع للخلف وهو يقول بحنق شديد :
" الله الله الله، مش حفيده مين يا عم أنت؟! والله جدي، بس هو مش بيطيق عيلتي اساسًا، مجرد خلافات كده، مصارين البطن بتتعارك يا بني "
لم يفهم جاكيري شيء منه وهو يصيح في وجه فبريانو :
" ماذا يقول هذا الرجل ؟! أنا لا افهم منه شيء، ثم ماذا سنفعل الآن؟! هل نختطف شخص غيره ؟!"
صمت يستمع لصوت اسكندر الذي قال بجدية :
" ألم يقل فبريانو أنه بعمر الثاني والثلاثين، لا بد أنه يملك طفل ونحضره "
نظر له جاكيري بعدم اقتناع :
" أنا أيضًا بعمر الثانية والثلاثين ولستُ متزوجًا حتى "
تحدث زياد بحنق :
" أنا سايبكم تقلوا ادبكم كتير من بدري ومش بتكلم، ثم مين قال إني ٣٢ سنة اساسا ؟! أنا بدأت في الأربعينات، واه عندي ابن على فكرة "
صمت قليلًا وقد بدأ يفكر فيما يحدث بجدية كبيرة :
" طب ما تروحوا تخطفوا ابني بجد، والله مش بهزر اخطفوه اسبوع بس أو اسبوعين "
تنحنح وهو يقول ببسمة خبيثة :
" اصل كنت حابب اخد المدام ونطلع سفرية كده وهو واقف زي اللقمة في الزور، اخطفوه وليكم الحلاوة "
ابتسم فبريانو بسخرية لاذعة :
" تريد أن نختطف طفلك زياد ؟!"
" وهو أنت غريب برضو يا فبريانو؟! ده احنا واكلين مع بعض عيش وملح يا جدع، بعدين متخافش مش هتتعب أنت بس روح قدام النادي اللي بيتدرب فيه وانا هقولك على اسمه وقوله يجي هنا، واه قوله فيه ستات حلوة هنا، وهو هيجي على طول "
أنهى حديثه ببسمة صغيرة وكله أمل أن يقبل فبريانو عرض خطف ابنه، لكن فبريانو ابتسم وهو ينظر لجاكيري الذي كان يقف يرمق الجميع بجهل وعدم فهم يردد :
" ما الذي يحدث هنا فبريانو ؟! الخطفة تفشل بسبب هذا الشخص الذي احضرته"
" أي خطة تلك جاكيري بحق الله؟! حاولت أن افهمك أن حفيد مالك ليس كما تظن طفل، بل هو رجل كبير وأنت لم تستمع لي؛ لذلك نفذت لك ما تريد حتى ترى نتائج افكارك بنفسك "
تدخل زياد في الحديث بجدية :
" يا جماعة مش كده مكانتش أكلة كباب وكفتة اللي تعمل فينا كده، بعدين على فكرة أنت غلطان يعني ملقتش غيري تخطفه ؟! كنت خطفت نور ( زوجة مالك )"
صمت الجميع وهم ينظرون لبعضهم البعض وكل منهم يفكر في طريقة لتحقيق ما يطمح له، تحرك توفيق يقف أمام زياد وهو يقول بجدية :
" احنا ممكن نسيبك بس بشرط واحد "
رفع زياد حاجبه في سخرية وهو يستمع لحديث توفيق يردد :
" تخلي جدك يساعدنا في اللي عايزينه "
" وإلا؟!"
" وإلا هتفضل مربوط كده لغاية ما نلاقي حل "
" أنا لو قاعد دلوقتي ومربوط فده بمزاجي، ولو عايز افك نفسي هعمل كده، بعدين أنت فاكر أنك بتهددني ؟! صدقني هتزعل مني لو قمت، بس انا محترم سنك "
عاد توفيق للخلف وهو يدعي عدم الخوف مرددًا :
" وأنت فاكر أنك بتخوفني كده ولا ايه؟! لا فوق مش انا اللي بخاف من....."
لم يكمل كلمته وهو يندس بجسده خلف فبريانو بمجرد رؤيته نظرة زياد التي احتدت على وجهه، نفخ زياد بضيق وهو ينهض من مقعده ملقيًا الحبال ارضًا جوار قدمه يتمطأ بتعب، تحت نظرات اسكندر وتوفيق المصدومة من قدراته على فك الحبال بهذه السلاسة دون أن يظهر :
" لو اللعبة دي خلصت فأنا همشي، ومش مسامح في الكفتة و....."
توقف عن الحديث وهو يستمع صوت الباب يُفتح من الخلف وصوت نسائي يصدح بغضب :
" فبريانو يا خاين ...."
استدار زياد ببطء كما فعل الجميع، ينظر لتلك الصغيرة التي خطت لداخل المنزل وخلفها فتاة أخرى بشعر مجعد بعض الشيء، والأولى تتحرك بغضب صوب فبريانو وهي تردد كلمات غاضبة، ابتسم بسمة جانبية وهو يردد أثناء جلوسه على المقعد مجددًا واضعًا الحبال على جسده بشكل عشوائي :
" ولا خليني قاعد شوية، اصل القعدة بقت احلى "
________________________________
كان يتحرك في ممرات المشفى بكل هيبة متجاهلًا تمامًا أنه يرتدي ثيابه المنزلية، بسبب رعبه عندما رأى حالة زوجته وخرج بها والتي تتكون من سترة منزلية قماشية بيضاء اللون مع بنطال اسود قماشي، وصل انطونيو إلى الغرفة التي مازالت روما بها، يرى الجميع يقف حولها برعب، لا يعلم كم استغرق في نومته أو كم بقيت روما في العمليات .
لكن بالوصول لغرفة العمليات لم يجد أحد يقف أمامها، كرمش ملامحه وهو ينظر حوله يبحث عن أي أحد من عائلته، لكن كل ما ابصره هو بعض الممرضين يخرجون من غرفة العمليات، ليتحرك بسرعة صوبهم وهو يتحدث بلهفة :
" مهلًا زوجتي كانت بالداخل، هل هي بخير ؟!"
نظرت له الممرضة بتعجب وهي تحاول معرفة عن أي زوجة يتحدث، ويبدو أن انطونيو استدرك نظراتها ليوضح حديثه :
" تلك زوجتي التي تم تسميمها "
فتحت الممرضة فمها بإدراك وهي تشير لخارج الممر متحدثة بجدية :
" اه لقد خرجت من غرفة العمليات منذ ساعة تقريبًا وتم نقلها لغرفة عادية سيدي، غرفة رقم ٣٥٤ "
أنهت حديثها وهي تستأذن منه حتى تنتهي من عملها تاركة انطونيو ينظر حوله وهو يحاول الاستيعاب كم ظل نائمًا؟! لكنه لم يشغل رأسه أكثر وهو يتحرك صوب الغرفة التي ذكرتها الممرضة، ليجد أن جميع أفراد العائلة يستقرون أمامها وملامحهم يسكنها رعب جعل قلبه يهوي بعنف وهو يتحرك بشكل أسرع صوبهم :
" روما، هل هي بخير ؟! هل حدث لها شيء ؟!"!
استدار الجميع بسرعة صوب الصوت، ويركض جايك له بجنون وهو يتنفس براحة معانقًا إياه بقوة :
" أين كنت انطونيو؟! كدنا نصاب بنوبة قلبية عند رؤيتنا لفراشك فارغ "
نظر انطونيو حوله وهو يحاول معرفة ما يحدث، يتحدث بهدوء وبرود معتاد منه :
" ما الذي حدث جايك ؟! هل روما بخير ؟!"
" نعم يا اخي لا تقلق هي بخير "
كان حديث جايك متردد ومتوتر بشكل اثار ريبة انطونيو وهو يحاول تجاوزه للدخول إلى غرفة روما، لكن أوقفه جده الذي اقترب منه معانقًا إياه في حب مربتًا على ظهره :
" اه حفيدي الحبيب حمدًا لله أنك بخير "
بادله انطونيو العناق وهو يراقب سيرينا التي كانت تبكي بانهيار خلفه بشكل جعله يبتعد ببطء عن جده يقول بنبرة مرعبة :
" ما الذي حدث لروما؟! أخبروني ما حدث، هل هي ...."
صمت يبتلع ريقه بوجع وهو يراقب ملامح الجميع بتوجس....
وعلى الجانب الآخر عند ادم وماركوس، كان الجميع ما يزال يقف أمام غرفة العمليات وقد بدأ القلق يستبد بهم، بسبب كل تلك الساعات التي قضوها بالداخل، ابتعدت فيور ببطء عن هايز التي كانت تسند رأسها على الجدار وعينها معلقة بالباب، تقترب من ماركوس بهدوء وهي تفرك يديها بخجل شديد :
" ماركوس "
انتبه لها ماركوس وهو يبعد عينه عن هايز التي كانت في حالة يرثى لها
" ماذا فيور؟! هل تشعرين بالتعب ؟!"
هزت فيور رأسها بلا وهي تقول بصوت خافت :
" لا فقط سأذهب للمرحاض "
ابتسم لها ماركوس يربت على رأسها بحنان :
" لا بأس، هل تريدين أن أذهب معكِ ؟!"
فتحت فيور عينها بصدمة، ثم لوت شفتيها بحنق وهي تصيح ضاربة كتفه بخجل :
" هيييه، هل تظنني طفلة؟! توقف عن هذا ماركوس "
ضحك ماركوس بخفوت وهو يجذب أنفها في حركة مشاكسة منه يردد بنبرة مستفزة :
" ماذا قلنا يا صغيرة ؟! ناديني العم ماركوس يا قليلة الادب "
أبعدت فيور يد ماركوس بعنف عن أنفها وهي تعود للخلف تفرك أنفها، مرددة بغيظ شديد :
" أي عم هذا يا رجل؟! أنت تكبرني فقط بست سنوات تقريبًا "
ابتسم ماركوس وهو يضع يديه في جيب بنطاله ببرود مرددًا :
" هذا يعني أنني بعمر السادسة عندما كنت العب بالوحل واتعلم ركوب الدراجات، كنتِ أنتِ ما تزالين جنين صغير في رحم والدتك "
نفخت فيور بسخرية لاذعة وهي تتحرك بعيدة عنه تشير بوجهها له في حركات مستفزة :
" وكأنني اهتم بطفولتك البائسة يا هذا "
ضحك ماركوس عليها وهو يراها تتحرك خارج الممر الصغير متجهة حيث تريد، بينما هو تحرك ببطء يجلس جوار هايز ثم قال بهدوء :
" سيكون بخير هايز لا تقلقي "
نظرت له هايز مبتسمة بسمة صغيرة بامتنان، ثم عادت بنظرها صوب الباب، تفكر في ادم وايان، اغلى ما تملك في هذه الحياة بالإضافة لوالدها، والجميع الأن في خطر .
كانت فيور تتحرك في الممرات وهي تنظر حولها تحاول إيجاد أي لافتة توحي بمكان المراحيض، لكن لا شيء؛ لذلك بحثت عن أي شخص تسأله، لكن وأثناء تحركها في الممر الرئيسي سمعت صوت صراخ يأتي من ممر جانبي، استدارت ببطء تنظر لذلك الصوت والذي لم يكن سوى شجار بين بعض الأشخاص، والذين كانوا أفراد عائلة ماركوس، فتحت فمها بصدمة وهي تستمع لحديث الشخص الأكبر كما خمنت وهو يصرخ بجنون في الجميع .
صرخ انطونيو وهو يود لو يحطم المشفى فوق رؤوس الجميع :
" أي حالة خطر تلك التي تتحدثون عنها ؟! روما بخير، سمعتم "
اقترب مارتن من انطونيو يحاول التحدث بهدوء حتى لا يستفز غضبه :
' أهدأ فقط يا اخي هي بخير، لكن الطبيب قال أن السم كان على وشك التمكن من جسدها، كما أنه أصاب أجهزة داخلية وهذا سبب النزيف الذي اصابها، الأمر ليس سهلًا، وايضًا ليس مستحيلًا، ستبقى تحت المراقبة حتى الغد و ....."
لم يكمل مارتن حديثه بسبب اندفاع انطونيو بعنف يدفعه جانبًا، وهو يركض في الممر بشكل جعل الجميع يستديرون بقوة، ليروا أن انطونيو يركض صوب أحد الأشخاص في بداية الممر، ومن ثم أطبق انطونيو على رقبة ذلك الشخص وهو يهدر بجنون :
" أنتِ السبب أيتها الخبيثة، منذ جئتي وحدث كل هذا "
فتح الجميع أعينهم بصدمة وهم يتعرفون على هوية المتهم الذي يقبع بين أيدي انطونيو، وقد كانت فيور، نفسها الفتاة التي احضرها ماركوس لمنزلهم من حيث لا يعلمون .
ركضت جولي برعب صوب انطونيو وهي ترى لون فيور الذي بدأ بالانسحاب من وجهها، تجاهد لالتقاط أنفاسها، ضربت جولي يد انطونيو وهي تصرخ برعب :
' ما بك ايها المجنون، دع الفتاة هي لم تفعل شيء، اتركها سوف تقتلها"
نظر لها انطونيو بشر وهو يهمس من بين أنفاسه الغاضبة :
" ابتعدي عني جولي حتى لا اتركها وأطبق على أنفاسك أنتِ "
تحرك مارتن من مكانه صوب انطونيو يحاول أبعادها عن يد انطونيو :
" ما بك انطونيو هل جننت ؟! ما شأن الفتاة بروما ؟! هل حتى لا تعرفها "
" وما ادراك أنت؟! كل شيء حدث منذ جاءت هي، وإلا كيف تعرضت روما للتسمم وهي داخل المنزل ولم تخرج، ولا أحد غريب في هذه العائلة سواها هي "
أنهى حديثه وهو يضغط على رقبتها بقوة حتى كادت تلفظ أنفاسها الأخيرة لولا صرخة اليخاندرو التي هزت المكان كله :
" دع الفتاة انطونيو ...."
عاند انطونيو ولم يستجب لحديث جده ولأول مرة، ليعلو صوت اليخاندرو أكثر وهو يصرخ :
" ألم تسمعني ؟! أخبرتك دع الفتـــــــاة انطونيـــــو "
ترك انطونيو فيور لتسقط ارضًا وهي تسعل بقوة متراجعة للخلف برعب شديد وجسدها كله يرتجف وهي تبكي بقوة، تشعر باوصالها ترتجف خوفًا مما يحدث؛ لذلك نهضت راكضة خارج المكان بأكمله وهي تتجاهل أي حديث خلفها باكية بقوة، وشهقاتها تجذب أنظار الجميع حولها بشكل كبير، تركض خارج المشفى وقد قررت عدم العودة مجددًا، ستهرب من هنا، لأي مكان حتى وإن كان ذلك المكان هو الجحيم الذي كانت تحياه قبل معرفة ماركوس .
مسحت دموعها بعنف، تركض في الطرقات بجنون خوفًا أن يتبعها ذلك الرجل وبكائها يكاد يوقف قلبها من عنفه.
في المشفى كان الجميع ينظر لانطونيو بصدمة لتصرفاته، فليس انطونيو من يتسرع بهذا الشكل، ويتصرف دون تفكير، لكن يبدو أن مرض روما ومواجهتها للموت أصابه بالجنون .
____________________________________
رفع فبريانو حاجبه بتعجب من حديث روبين التي اندفعت له وهي تتحدث صارخة :
" يا خاين يا واطي، بقى ماشي تقولي قبيحة قبيحة وانا اقول يابت استحملي دي طريقته في التعبير عن إعجابه، اتاري الاستاذ المحترم شايف له شوفة تانية، ومش قبيحة "
صمت ثم ضربت كفيها في بعضهما البعض وهي تصيح تريه بعضًا مما تخفي بداخلها :
" لا يا حبيبي اوعاك تكون فاكرني زي البنات اللي بطعم وريحة البيتزا الايطالي دي وهسكتلك بعد ما ضيعت عمري معاك، لا فوق ده أنا من حواري مصر يا حبيبي "
ابتسم فبريانو بسمة صغيرة وهو يقول :
" اه هذه من المرات القليلة التي تقولين لي بها حبيبي "
رفع زياد حاجبه :
" يا راجل ؟! وأنت مفكر حبيبي هنا لقب محبب ؟! لا ده عادي الستات هنا بتقوله لاي حد بتتخانق معاه وبيكون سخرية وتهديد مش حاجة حلوة أبدًا، حتى لو بتتخانق مع عم عبده البواب هتردحله وتقوله حبيبي"
نظر فبريانو له وهو يقول بشر :
" عبده البواب ؟! أين ذلك الـ عبده ؟!"
" عم عبده مين ؟!"
" ذلك الذي ستناديه حبيبي عند الشجار معه "
" اه ده انت عبيط يا عيني، هو اللي علمك مصري معلمكش لغتنا في التعبير وضرب الأمثال والحوارات دي ؟! "
نظر له فبريانو بملامح جامدة، لتقاطعهم روبين وقد انتهى مخزون الكلمات الشعبية التي تمتلكها، لتبدأ فيما لا ينضب ولا يجف عندها ( البكاء )
" لولو كان عندها حق لما قالتلي أنك مش مريح وبلاش اتعلق بيك "
" ليه وهي لولو فكراكِ هتتجوزي كرسي مكتب عشان ابقى مريح أو لا ؟! بعدين أنا هريح لولو خالص من الدنيا دي واللي فيها "
لم يهتم لهما زياد وهو يحرك نظراته صوب الفتاة الأخرى وهو يقول ببسمة صغيرة :
" والحلوة مرتبطة برضو ولا ايه ؟!"
نظرت له رفقة بتعجب لتجد فجأة جاكيري يقترب منها بتحفز رغم عدم معرفته ما يقول زياد، إلا أنه لا يحب أن يقترب منها أحد، نظرت رفقة لجاكيري ببسمة ليبادلها هو الآخر بالمثل وهو يهمس لها بلطف :
" ما الذي حدث لروبين حتى تجن بهذا الشكل ؟!"
" لا اعلم، هناك سيدة ايطالية أتت لمنزلها تسألها عن فبريانو "
رفع جاكيري حاجبه وهو يقول بتعجب :
" سيدة ايطالية ؟! هنا في مصر ؟! "
هزت رفقة رأسها بنعم، لتجد أن جاكيري قد شرد بعيدًا عنها، مدت يدها تهزه حتة تخرجه من افكاره حول هوية تلك السيدة التي سألت عن ابن عمه وهنا في مصر .
" ما بك ؟! هل حدث شيء ؟!"
" لا، فقط اشتقت إليكِ"
ابتسمت له رفقة بسمة خجولة وهي تلاعب يديها في توتر من نظرات الجميع حولهما :
" جاكيري الجميع هنا وينظر لنا "
ابتسم جاكيري بخبث وهو يمسكها متحركًا صوب اقرب باب لهما والذي كان المطبخ يهمس لها بحب :
" حسنًا لا بأس دعينا نبتعد عن كل ذلك "
توقف جاكيري في منتصف المطبخ وهو يترك يد رفقة، ثم تحرك بسرعة صوب أحد اماكن التخزين، يعبث به حتى أخرج منه لفافة متوسطة الحجم يلوح بها فرح كبير :
" انظري ماذا أحضرت رفكة، كنف بالمكسرات "
نظرت رفقة ليده ببسمة حنونة وهي تقول مصححة له :
" كنافة جاكيري "
" نعم هذه هي، لقد استغرقت نصف ساعة تقريبًا حتى استطيع شرائها بعدما لم يفهمني البائع "
ضحكت رفقة بقوة وهي تتخيله يقول للبائع اريد كنف، لكن فجأة اختفت بسمتها تلك تسمعه يقول بسعادة وغباء في آن واحد :
" وبسبب ما حدث قرر البائع تعويضي واعطاني اياها بخصم كبير، أخذت نصف كيلو بمائتي جنيهٍ "
ضيقت رفقة عينها بشر وهي تقول :
" كم ؟! ٢٠٠ جنيهٍ؟! "
" نعم "
بفخر شديد أجابها جاكيري، قبل أن ينتفض بفزع على صرخة رفقة :
" نص كيلو بـ ٢٠٠ جنيه ؟! ليه معمولة بمايه الدهب بدل العسل ؟! ولا يكونش بتدخل البُق لوحدها "
رمقها جاكيري بتعجب شديد لا يفهم حديثها، ثم همس بتردد :
" ألم تعجبكِ ؟! يمكنني أن اذهب وأحضر لكِ غيرها "
لانت ملامح رفقة فوراً بعد سماعها لنبرته الحنونة تلك، بعدما كانت غاضبة لأن أحدهم استغل جهله بالاسعار هنا وقام بالنصب عليه، ابتسمت رفقة بسمة صغيرة وهي تتناول من يده علبة الكنافة تردد بحب شديد :
" لا بل اعجبتني كثيرًا جاكيري، يكفيني أنها منك "
أنهت حديثها وهي تضم العلبة لقلبها مرددة :
" أنا متأكدة أنها ستكون اجمل حلوى اتناولها في حياتي بأكملها "
اتسعت بسمة جاكيري أكثر وهو يسمع حديثها المحبب لقلبه، يشعر برغبة كبيرة في قلبه تدعوه لضمها، يود لو يضمها الأن، ولم يشعر أنه ترجم مشاعره على هيئة حديث إلا عندما سمع صوته يصدح في المكان :
" هل لي بعناق صغير ؟!"
رمشت رفقة بسرعة وهي لا تستوعب طلبه المفاجئ ذلك، تضم العلبة لها اكثر بينما عينها تدور على وجهه الحبيب وهو يرتقب اجابتها ببسمة صغيرة مترددة، طال صمتها وهي تنظر له بتردد، ليتفهم جاكيري صمتها بأنها ترفض الأمر؛ لذلك ابتسم بسمة صغيرة وهو يعود للخلف يقول بهدوء :
" لا بأس رفكة، هيا لنخرج حيث الجميع "
ولم يكد يخطو خطوة بعيدًا عن موضع وقوفه، حتى وجد رفقة تترك العلبة جانبًا وهي تقترب منه ببطء تضم خصره بحب مستندة برأسها على صدره هامسة :
" أنت ألطف رجال الكون جاكيري، واكثرهم حنانًا، محظوظة أنا بك "
ابتسم جاكيري بسمة واسعة وهو يبادلها العناق بآخر قوي بعض الشيء يغمس رأسه في شعرها الحبيب مرددًا بتنهيدة :
" آه رفكة، حبك يزداد في قلبي بشكل مخيف، بشكل يجعلني أتألم كل يوم بسبب بعدك عني، تزوجيني رفكة، تزوجيني فأنا لا اريد الابتعاد عن أحضانك بعد اليوم"
ابتسمت رفقة له وهي تهمس له :
" إذن دعنا نتزوج جاكيري "
" الآن؟!"
ضحكت رفقة ضحكة صغيرة وهي تهمس بلهفة :
" الآن"
ابتعد جاكيري عنها فجأة وعلى ملامحه ترتسم الصدمة، لكن لم يعطها الفرصة للتفكير فيما قالت، يجذب يدها للخارج وهو يقتحم النقاش العنيف بين روبين وفبريانو يقول بجدية وببسمة واسعة :
" أنا ورفكة سنتزوج اليوم، والآن"
نظر الجميع في البهو لبعضهم البعض بتعجب، قبل أن يتحدث زياد بجدية :
" في الحقيقة أنا مش فاهم حاجة هنا، ولا ايه دوري في المسلسل العائلي ده ؟!"
استدار فبريانو لزياد وهو مازال يضم رأس روبين أسفل ذراعه يكتم فمها بيده قائلًا بجدية :
" حسنًا زياد، رفقة هذه متهمة في جريمة قتل وكنا نود مساعدة جدك في التوصل لحل لها "
فتح زياد فمه وهو ينظر لرفقة قبل أن يهمس متحسرًا :
" ياما في الحبس حلويات صحيح، ومالك بقى هيساعدها ازاي ؟! دي جريمة قتل وده قانون ومحدش يقدر يتدخل فيه "
ابتسم فبريانو بخبث وهو مازال يضم روبين له كاتمًا فمها حتى لا تصرخ في وجهه مجددًا :
" سأخبرك كيف سنفعلها، فقط امنحني دقيقة رجاءً "
أنهى حديثه وهو ينسحب جاذبًا روبين خلفه يتجه صوب الحديقة الخلفية تاركًا الجميع ينظر له بتعجب، قبل أن يقطع جاكيري كل ذلك الصمت وهو يقول ببسمة لاسكندر :
" هيا اسكندر سوف نذهب للسفارة "
__________________________________
فراش يتحرك خارج الغرفة يحمل عليه جسد الصغير أيان وخلفه تسير هايز التي كانت تبكي بخوف وهي تحاول الفهم من الممرضات عن نتيجة العمليات، وتستفسر عن مكان وجود آدم.
توقفت سارة جوار اندرياس وهي تهتف بارهاق شديد تشعر به يستحوذ على جسدها بأكمله :
" لقد نجحت العملية الأولى، سوف ننتظر لنرى المؤشرات في الساعات القادمة، وعندها نحدد الخطوة القادمة "
أنهت حديثها وهي تنظر لماركوس الذي كان يقف جوار هايز يستمع لحديثها باهتمام، تود لو تستأذن منه للتحدث جانبًا، تود توضيح سوء التفاهم الاخير معه، لكن وجود اندرياس جوارها جعلها تؤجل تلك الفكرة وهي ترمقه ببسمة قائلة بهدوء :
" اندرياس، هلّا اتيت معي لدقائق رجاءً ؟!".
ابتسم لها اندرياس بلطف وهو يهز رأسه، ثم تحرك خلفها تاركًا هايز تسقط على المقعد وهي تبكي فرحًا لنجاح العملية ولنجاة صغيرها، لتشعر فجأة بيد ماركوس التي تربت عليها وهو يدعوها للذهاب والاطمئنان على آدم .
ابتسمت هايز وهي تنهض، تمسح دموعها بلهفة كبيرة متحركة معه صوب الغرفة التي سأل عنها ماركوس إحدى الممرضات، تتلهف لرؤية محياه، تشتاقه وبشدة رغم ابتعاده عنها لساعات قليلة فقط، توقف ماركوس أمام الغرفة، ثم تنحى جانبًا يخبرها أن تدخل هي، يتفهم مشاعرها ولايود أن يخجلها بوجوده، طالما اطمأن عليه من الممرضة وأن كل شيء معه على مايرام، إذن ليعطيها فرصتها في البقاء معه قليلًا .
بحث ماركوس بعينه عن فيور التي لم تعد منذ ذهبت للمرحاض يفكر في احتمالية أنها لم تستطع العودة؛ لذلك تحرك يبحث عنها في الإرجاء بكل لهفة، ذهب لمنطقة المراحيض القابعة في الطابق الذي هم به، لكن لم يجد أحد بها، حتى أنه بحث في جميع المراحيض، شعر فجأة بالقلق عليها وهو يخرج هاتفه يتصل بأخيه، يدعو أن تكون ذهبت للقصر حينما لم تستطع إيجاده، ورغم غباء تلك ?