رواية احفاد اليخاندرو الجزء الثاني (الوجه الاخر للمافيا) الفصل الرابع 4 بقلم رحمة نبيل

 


 رواية احفاد اليخاندرو الجزء الثاني (الوجه الاخر للمافيا) الفصل الرابع بقلم رحمة نبيل


الفصل اليوم اهداء لـ : 

طلاب الثانوية .
 انتهى فصل من حياتكم احبائي، وها أنتم تخطون لمرحلة جديدة، فأحسنوا اجتيازها.

وكمان اهداء لـ Sama Usama، انهاردة عيد ميلادها، كل عام وانتِ بخير يارب ويارب تكون سنة مليانة بالسعادة والخير عليكِ يا عيوني 💜

___________________________________

لا تشعر باطرافها التي تيبست، قوتها بدأت تتخلى عنها، عزيمتها لوحت لها مودعة في الوقت الذي احتاجت لها بها، الشيء الوحيد الذي كان وفيًا لها في هذا الوقت هو خوفها، ذلك الخوف الذي أبى أن يتركها ويرحل كما فعل الباقيين .

دموعها تسقط واحدة تلو الأخرى وكأنهم يتسابقون من يتدحرج اسرع من الاخر، صوت الموسيقى الصاخبة يكاد يصمها، حتى أنه غطى على صوت صراخ قلبها، شهقت بعنف وهي تحاول التنفس من أسفل تلك القطعة القماشية التي تغطي فمها، أغمضت عينها وهي تناجيه داخلها، تشعر بقرب انهيارها .

" جولي حبيبتي أنتِ بخير ؟!" 

رفعت جولي وجهها كرصاصة على وشك إصابة هدفها وعينها ترمي بسهام صوب تلك التي يومًا عدتها رفيقة دربها، تلك التي طعنتها مرات عديدة دون أن ترأف بحالتها، وهي الغبية التي فتحت لها منزلها، بل والقت لها يومًا مفتاح منزلها وتركتها ورحلت، لتستغل تلك الحقيرة غيابها الطويل عن منزلها وتتخذه مسكنًا لها هي وعشيقها القذر، ولم يكتفوا بذلك بل حولوا منزلها لمكان يستقبلون به الزبائن حتى تعمل نورسين الحقيرة على امتاعهم أمام أعين ذلك الغبي الذي سبق واحبته يومًا .

" مابكِ جولي ؟! لِمَ لا تجيبينني ؟! لا تقولي أنكِ مازلتِ غاضبة مني ؟! أو أنكِ غاضبة بشأن اقتحامنا لمنزلك ؟! حسنًا في الحقيقة أنا وجدتك لم تعودي تحتاجينه؛ لذا قلت لا ضير من استغلاله، اتمنى ألا تمانعِ الأمر "

سقطت دموع جولي أكثر وهي تستطعم مرارة الذل، للمرة الثانية، للمرة الثانية جولي تدعيها تظفر عليكِ .

استقامت نورسين بعدما كانت تنحني لتصل إلى قامة جولي وهي تستمع وقع الخطوات خلفها وذلك الصوت الرجولي الذي تمقته يصدح :

" ماذا تفعلين هنا يا امرأة ألم اخبرك أن تتجهزي فقد أوشك اصدقائي على الوصول "

أغمضت نورسين عينها بغضب، تستدير ببطء له وهي تصرخ مغتاظة منه :

" ماذا ؟! ألم اخبرك أنني اليوم لا اريد رؤية أحد من هؤلاء الحمقى اصدقائك ؟! "

اقترب الآخر منها بسرعة كبيرة وهو يجذب شعرها بعنف كبير غير عابئًا بصرخاتها، يهزها بين يديه بشكل جعلها ترى الكون حولها مشوش وهو يردد من بين أسنانه بعنف :

" ماذا قلتِ يا امرأة ؟! أنتِ هنا لتنفذي اوامري أنا، وليس لتسمعيني صوتك القذر كلما أخبرتك بفعل شيء "

" اكرهك "

همسة صغيرة خرجت من اعماق نورسين، وهي ترمق وجهه بمقت وبغض، بينما هو ابتسم بسمة صفراء لا تلائم ملامحه الوسيمة التي تشوهت بسبب صراعاته المستمرة :

" ليس مطلوب منكِ أن تحبيني نورسين، بل مطلوب منكِ أن تطيعني، وإلا فلتنسِ أمر جرعتك اليومية يا قذرة "

ويبدو أنه ضغط بقوة على جراحها، واحكم إستغلال نقطة ضعفها، تجاه ذلك السم الأبيض الذي جعلها هو تدمنه في بداية الأمر حتى يضمن ولائها، ابتسمت باهتزاز وهي تقول بتردد :

" لا لا، أنا أنا فقط كنت أقول ذلك لأنني أصبحت مريضة حبيبي ولم اقصد ما فهمته، أنا... أنا قصدت أن نُخرج جولي بدلًا مني، ما رأيك ؟! وجه جديد سينال اعجابك اصدقائك "

ويبدو أن اقتراحها لقى صداه لدي الاثنين، حيث فتح هو عينه بانبهار لتلك الفكرة التي لم تمر على خاطره قط، بينما جولي حاولت التحرك باعتراض تصرخ من أسفل غطاء فمها بجنون ترفض تلك الفكرة وترفض وجودها هنا، هبطت دموعها أكثر وهي تود لو تصرخ وتنادي مارتن، تريده أن يأتي، تريد أن تختبأ في أحضانه، أن تبتعد عن الجميع وتكتفي به عالمًا .

_____________________________

توقف بسيارته التي قام بتأجيرها أثناء فترة مكوثة في مصر، ينظر جواره لروبين التي كانت تكتم ضحكتها بصعوبة حتى لا تثير غضبه أكثر، لكن الموقف اقوى منها؛ لذا انفجرت بالقهقهات وهي تضرب على قدمها، لا تتخيل ما حدث منذ ثواني بين جدتها وفبريانو، كلما تذكرت ما حدث تشعر أنها ستفقد أنفاسها من كثرة الضحك .

كان فبريانو ينظر أمامه ببرود وهو يزيد من ضغطه على المقود يردد في نفسه :

" حُسم الأمر، سأقتل تلك العجوز " 

" خلاص بقى يا بيومي مش كده "

استدار فبريانو بعنف شديد لها وهو يرمقها بشر يضغط على أسنانه بعنف مرددًا بكل حدة يمتلكها :

" اسمي فبريانو، فبريانو وليس ذلك بيومي، وكلمة أخرى اقسم أنكِ ستعودين لمنزلك تتلمسين طيف جدتك العجوز بين أركانه "

أشارت روبين على فمها بمعنى ( لا كلمة ) ثم نظرت أمامها وهي تضم يديها لقدمها، بينما فبريانو رماها بنظرة غاضبة عنيفة تظهر فيها شياطينه التي يكافحها حتى لا تخرج على روبين، فهي اخر شخص يود أن يريها شياطينه التي لم تخرج يومًا حتى الآن، فكل ما كان يفعله سابقًا كان فبريانو هو من يقوم به وليس شياطين فبريانو التي لم تخرج سوى يوم علم بخطفها، وبعدها كبحها بصعوبة .

تحرك فبريانو بسيارته صوب منزل جاكيري حتى ترى روبين رفقة كما طلبت منه، وحتى يرى هو سبب طلب جاكيري له بعدما أخبره أن يحضر لأمر طارئ .

ضغط على أسنانه وهو يتذكر ذلك الفطور الكارثي على طاولة الجدة لولو، جدة ارنبه الوردي، حينما ذهب ليقل روبين وطلبت منه أن يجلس الفطور معهم .

" مش هنتأخر بس اقعد افطر الاول "

كانت الجدة " لولو " تتوسط أحد المقاعد وهي تتناول قطعة خبز مع بيض مقلي تتمتم بحديث مغتاظ من وجوده، بينما فبريانو بمجرد أن لمح انزعاج العجوز من وجوده، حتى سارع لاحتلال مقاعد طاولتها بكل استفزاز، ينظر لروبين التي أخذت تضع أمامه بعض الأطعمة التي خمنت أنه يحبها، ثم اختارت هي بعض الأطعمة التي تحبها وجلست جواره تعطيه بسمة صغيرة عاشقة .

تجاهل فبريانو الطعام الذي وضعته روبين أمامه وهو يمد يده يسحب طبقها أمامه، يتناول منه بكل تلذذ يتجاهل خجل روبين من نظرات جدتها التي قالت بحاجب مرفوع :

" ده ايه ده بقى ؟! يعني ما السفرة قدامك اهي، دابب عينك في اكل البنت ليه ؟!"

لم يجيبها فبريانو وهو يكمل تناول الطعام باستمتاع شديد، بينما روبين ابتسمت عليه تهز رأسها بيأس عليه، ثم نظرت لجدتها تحاول إصلاح ما فعله :

" اصل انا يا تيتة نسيت أنه مش بيحب المربى، فهو بدل الاطباق معايا عشان كده "

" كاذبة، أنا أحب المربى، لكنني أحب تناول طعامك دائمًا "

رمته روبين بنظرة حادة بينما ارتفع صوت الجدة وهي تقول بحنق شديد :

" بتاكل اكلها ؟! اتاري البنت راجعة ليا هفتانة يا عين امها، وانا اقول مين الجحش اللي بيحش اكلها ؟!"

رفع فبريانو نظره لها يقول بكل بساطة :

" مش شايفة إن الالفاظ دي غلط عليكِ، خاصة وأنك بينك وبين القبر ايام ؟! اعملي لاخرتك عشان خلاص أنتِ بتلعبي في الوقت بدل الضايع"

غصت روبين في طعامها وهي تحاول منعه من الحديث، لكن هي تعلم جيدًا أن فبريانو إن لم يستفز من أمامه، سيحترق حي، هكذا هو، أكثر الأشخاص استفزازًا في العالم .

" هو ده اللي أنتِ طلعتي بيه ؟! واحد صايع وضايع لا شغلة ولا مشغلة وقليل الأدب وتقوليلي اجنبي يا تيتة، وطيب يا تيتة "

رفع فبريانو نظره للجدة وهو يقول بجدية :

" مين قالك اني مش بشتغل ؟! أنا بشتغل "

" والله ؟! بتشتغل ايه بأخلاقك دي؟! هو فيه حد يقبل يوظف واحد زيك "

حرك فبريانو قطعة الخبز بحركة رتيبة وهو يصف لها طبيعة عمله :

" اعمل كـ قاتل، واحيانًا اقتحم المنازل والقصور، وإذا كنت متفرغًا قد اعمل كـ ضابط، لكنني لا اقوم بذلك العمل كثيرًا فقط وقت الفراغ، زي مثلًا شيفت صباحي كده "

أنهى حديثه بلغة عربية ساخرة، ثم اتبعها بقضمة من الخبز أمامه وهو يمد يده ليحصل على كوب العصير الذي يقبع أمام روبين والتي كانت تحاول إخفاء نفسها اسفل الطاولة من نظرات جدتها التي صاحت بغضب :

" أيوة قتال قتلة، أنا قولت لا يمكن تكون شخص محترم ومسئول أبدًا، اكيد اللي زيك آخره قتال قتلة، ده اقل واجب "

لم يهتم فبريانو بالإجابة عليها، بينما روبين حاولت توضيح لجدتها أن هذا أسلوبه في المزاح وأنه دائمًا يتحدث بهذا الشكل كنوع من المزاح :

" تيتة لولو هو مش قصده ده بيهزر، هو اساسا عيلته عندها شركات وكده "

" لا يا لولو أنا مش بهزر، هي حفيدتك اللي عبيطة "  

صمت فبريانو ثم قال بعدما انتبه للامر:

" لولو ؟! ألا تظنين أن اسم لولو لا يليق بشخصٍ مثلك "

تحفزت لولو وهي تعتدل في جلستها، حتى إذا انقضت عليه تكون مستعدة لذلك، تبتسم بسمة باردة جانبية وهي تجيبه بانجليزية متقنة وبشدة، فهي كانت من الفتيات القليلات اللواتي حظين بتعلم عالي في عصرها، غير أن اندماج هويتها وقتها وتأثرها بالاحتلال ترك بصمته في شخصيته وكل شيء بها، عجوز وكبيرة في العمر وذلك يظهر على ملامحها بكل وضوح، دون ذكر الأمراض التي تعاني منها بسبب كبر عمرها، لكن رغم ذلك مازالت تتشبث في الحياة بكل قوتها :

" ألديك اعتراض على اسمي سيد ...."

" فبريانو "

أجابها فبريانو بكل هدوء وهو يرتشف بعض العصير الخاص بروبين يوضح لها وجه نظره :

" لا أنا لا اعترض على شيء لا يخصني، ولا اتعب رأسي بأحد ولا اهتم بأحد سوى روبين، لكن اسمك يذكرني بنوع كلا.... "

انتفضت روبين من محلها وهي تنقض على فبريانو تمنعه من اكمال حديثه الوقح الذي لا يهتم أنه يحدث سيدة تكبر جده حتى، ذلك الرجل لم يمر عليه الادب يومًا، وقاحته تخطت الحدود بحق، هل كان يقول لجدتها أن اسمها يشبه نوع كلاب ؟!

ابتسمت الجدة لولو وهي تعود بظهرها للخلف تقول بسخرية :

" شايف نفسك على ايه يا استاذ فريسكاتانو ليه؟! ده أنت حتى اسمك يعر يا راجل، والله مش بجاملك اسمك يقرف، تعرف هناديك بيومي "

صمتت وهي تمصمص شفتيها بحنين :

" بيومي ...الله يمسيه بالخير كان عيل رخم في شارعنا بيسرق اكل العيال الصغيرة ويطفحها زيك كده "

استفاق فبريانو من تلك الذكرى القريبة على صوت بوق يصدح خلفه بسبب توقفه لفترة طويلة في إشارة المرور بينما روبين جواره تحاول تفادي النظر لوجهه، وهو فقط يظهر بروده وجموده أمامها يردد بجدية :

" أنا اكره العجائز كثيرًا "

" حقًا ؟! أنا يومًا سأصبح عجوز فبريانو، هل ستكرهني وقتها ؟!" 

نظر لها فبريانو وهو يتحرك بالسيارة يردد بجدية يرمق عينها بحب :

" ستكونين اول عجوز تسكن قلبي، ستكونين اقبح عجوز ارنبي الوردي"

_______________________

" اسمها راسيل ؟!"

تحفزت راسيل وهي تعتدل في وقفتها تضم ذراعيها لصدرها بجدية :

" هل يزعجك اسمي سيد مارسيلو ؟؟"

" نعم، اسمك سيء "

ارتسمت بسمة ساخرة على وجهها وهي تردد له بكل جدية :

" ربما لتشابهه مع اسمك سيدي، أعني امتلك في اسمي مقطع ( سيل) وكذلك تفعل أنت"

ابتسم مارسيلو بسمة واسعة ثم قال للسيدة مانتيو في الخلف وهو يتجاهل الرد على راسيل :

" احببت تلك الفتاة، حسنًا سيدة مانتيو يمكنك الرحيل إن اردتِ "

اعاد نظره لراسيل ثم اقترب منها فجأة متجاهلًا السيدة مانتيو والتي كانت ترتشف العصير بكل استمتاع جوارهما :

" أنا لا أحب النساء آنسة راسيل، ولا احب ثرثرة النساء؛ لذا احذري تلك النقطة جيدًا "

رفعت راسيل حاجبيها وقد أثارت نبرته استفزازها، ماله يأمره وكأنه مديرها الحقيقي، هي مجرد فترة صغيرة ستقضيها وبعدها ترحل لتكمل عملها كطاهية من المنزل :

" وانا لا احب الأوامر سيد مارسيلو "

ابتسم مارسيلو وهو يقترب منها أكثر بشكل اثار انتباه السيدة مانتيو والتي اعتدلت في جلستها ترمقهما بكل اهتمام ترى اشتعال النظرات بينهما وكأنهما على وشك قتل بعضها البعض، بينما راسيل لم تتحرك خطوة تقف بكل قوتها أمام مارسيلو الذي ظنها ستتراجع، لكنها خيبت ظنه وهي تواجهه بكل تحدي وقوة :

" يبدو أننا سنتستمتع كثيرًا راسيل "

أنهى حديثه وهو يتحرك صوب المكتب يقول بجدية كبيرة :

" احضري لي ملف قضايا اليوم آنسة "

راقبت راسيل دخوله للمكتب ثم حركت عينها صوب مانتيو وهي تقول بسخرية :

" لم تخبريني سيدو مانتيو أنه مغرور واحمق "

" ظننت أن الصفات التي ذكرتها تكفي لتصف لكِ المعاناة التي ستعيشها معه، ثم أنه لم يسبق له وعاملني بهذا الشكل، دائمًا ما كان يعاملني بلا اهتمام وبكل برود "

نفخت راسيل بحنق شديد وهي تعيد شعرها الأشقر للخلف تحاول تهدئة غضبها، ثم حملت الملف الذي كانت تناقشه مع السيدة مانتيو قبل أن يقتحم ذلك المغرور المكتب، تحركت صوب المكتب تطرق عليه بهدوء تنتظر الرد، والذي أتاها بعد الطرقة الثالثة، فتحت الباب وما كادت تخطو المكتب حتى شعرت بشيء عنيف يصطدم برأسها مسقطًا إياها ارضًا، لتعلو صرخات السيدة مانتيو وهي تقول بفزع بسبب سماعها صوت اصطدام عنيف بالأرض :

" ويلتي، لقد قتل الفتاة "

_________________________

كانت ترقص وتتحرك باستمتاع على أصوات الموسيقى من بعض الأشخاص الذين يعزفون في الشارع بغرض جمع الأموال، ولا مانع من الكسب إلى جانب الاستمتاع، حيث كانت تستغل انشغال الجميع بالعرض الغنائي والرقص، ثم تمر عليهم بكل هدوء وترى ما يمكنها أن تجده في جيوب البعض، ابتسمت الفتاة بخبث وهي تتحرك لوسط الحلبة تتحرك وترقص بعدما حازت بعض الاشياء من ثياب هؤلاء الحمقى، لكن وأثناء سعادتها تلك وجدت من يقبض على يدها بعنف وصوت يصدح في المكان :

" أيتها اللصة امسكتك، لقد كنت ابحث عن منذ الامس "

استدارت الفتاة برعب لتجد شخص لم تتعرف عليه من كثرة الأشخاص الذي سرقتهم، يصيح في وجهها معنفًا إياها، توقفت الموسيقى فجأة وبدأ الجميع يراقب ما يحدث، وذلك الرجل يمسك بيد الفتاة في عنف شديد وصوته يعلو بغضب يشير للجميع حوله :

" تلك اللصة الصغيرة سرقت أموالي، تلك السارقة سوف اسلمها للشرطة"

" مهلًا أين هاتفي ؟!"

" ومحفظتي ؟!" 

بدأت الاصوات تتعالى من الجميع والإتهامات توجه إليها بشر، لتعلو الاصوات الغاضبة بين الجميع، وهي فقط ترتعش بخوف وقد كُشفت، وكُشف كل شيء، نظرت للرجل الذي يمسك يدها تحاول الأفلات منه وهي تدمع برعب، لولا الصوت الذي فض كل ذلك وهو يقول بجدية :

" ها أنتِ إذًا يا صغيرة، ابحث عنكِ منذ البارحة "

استدارت الفتاة برعب وهي تنظر للقادم الجديد الذي سيلقي عليها بالاتهام التالي لتجد أنه نفسه صاحب السيارة التي سرقت منها الهاتف منذ ساعة تقريبًا، تتذكر شكله بسبب صورته التي تحتل واجهة هاتفه بكل غرور .

تقدم ماركوس من الجميع وهو ينظر للفتاة بخبث ثم سحبها من يد الرجل الاخر وهو يخفيها خلفه يقول بجدية :

" كيف تتجرأ وتمسكها بهذه الطريقة يا سيد، ألا تعلم من هي ؟!" 

ابتعد الرجل قليلًا وقد شعر بالخوف من هيئة ماركوس الذي كان يقف بكل قوة أمام الفتاة يستعرض ولأول مرة أمواله وثراءه الواضح من بداية شعره وحتى حذاءه اللامع .

" هي لصة، سرقت أموالي وسرقت الجميع هنا "

" اصمت، ابنة اخي أنا سارقة ؟! الويل لك ولعائلتك جميعها، ودع حياتك يا حقير "

تراجع الرجل أكثر وقد بدأ يشعر بقرب اكتشاف خدعته، فهو لم يُسرق من تلك الفتاة، لكنه رآها تسرق أحدهم هذا الصباح وود لو يستغل ذلك الأمر ويهددها بالشرطة وينال منها ما يريد .

ابعد ماركوس نظره من عليه وهو ينظر في جميع الوجوه حوله :

" وانتم اذهبوا وابحثوا عمن سرقكم بدل من إلقاء اللوم على الآخرين "

أنهى حديثه وهو يجذب الفتاة خلفه قائلًا ببسمة ماكرة :

" وأنتِ يا فتاة سوف يتم عقابك على مخالفتك اوامري، والآن تحركي معي "

ولم تناقشه أو تتحدث بكلمة واحدة وهي تسير خلفه بخطوات واسعة تحاول بها مجاراة خطواته، تمسح دموعها بكم ثيابها بسرعة حتى لا يراها طفلة باكية كما كان الجميع يلقبها في طفولتها، سارت معه حتى ابتعدوا عن الجميع الذين انطلت عليهم الخدعة ولم يفكروا كيف تكون هي بكل ثيابها البالية ابن اخ ذلك الثري ؟! 
وجدته يقف أمام سيارته التي اختطفت منها هاتفه هذا الصباح يمد يده لها بهدوء دون أن ينطق بكلمة، وفهمت هي مقصده؛ لذا اقل شيء تفعله له هو أن تعيد له هاتفه، وكذلك فعلت .

جذب ماركوس هاتفه من يدها بعنف وهو يمسك أذنها بعنف موبخًا إياها:

" طفلة صغيرة بهذا العمر بدلًا من الدراسة تتجول في الشوارع وتسرق الناس ؟! أين والدك يا فتاة "

تأوهت الفتاة بعنف وهي تحاول ابعاد يده عن أذنها تهمس بوجع شديد :

" اه اه اترك أذني أنا ليس لي اب، وايضًا لست صغيرة للحد الذي تتحدث عنه يا سيد "

" ناديني العم ماركوس "

ضربت الفتاة يده بعنف وهي تصرخ في وجهه بغضب :

" أي عم هذا، كم تظن عمري يا رجل ؟!"

" لا ادري ربما العاشرة "

فتحت الفتاة عينها بصدمة وهي تقول فارغه الفاه :

" أي عاشرة تلك؟! أنا في الواحدة والعشرين من عمري يا سيد "

وهنا كان دور ماركوس ليفتح عينه بصدمة يبتعد عنها خطوات قليلة وكأنه يحاول أخذ صورة كبيرة لها من بعيد، يفكر بصدمة، هذه في الواحدة والعشرين ؟! هذه تصغره بخمس سنوات فقط ؟! الصدمة تتمثل أنها ليست قصيرة بالمعنى المعروف، فهو عندما يقول أن فتاة ما قصيرة فهي قصيرة مقارنة بالمتوسط للرجال كـ روز مثلًا هي قصيرة مقارنة بالرجال، لكنها مقارنة بطول النساء المعروف هي عادية الطول، لكن تلك الفتاة قصيرة مقارنة بالأطفال وليس النساء حتى، غير أن ملامحها صغيرة بشكل غريب، تبدو مراهقة .

" واحدة وعشرين ؟! هل تحاولين خداعي يا هذه؟! اعطيني بطاقتك إن كنتِ في الواحدة والعشرين "

تخصرت الفتاة وهي تقول بتهكم :

" أنا لا امتلك بطاقة "

" لِمَ ؟!"

" نسيتها مع مساعدي الشخصي في شركتي "

وكان واضحًا أنها تسخر منها، لكنه لم يهتم وهو يقول بجدية :

" ما اسمك يا صغيرة "

ضربت الفتاة قدمها بالأرض وعينها تكاد تحرقه :

" أنا لست صغيرة، ثم ما شأنك أنت؟! أنقذتني منهم واعدت هاتفك، والآن نحن متعادلان "

أنهت حديثها وهي ترحل تاركة إياه ينظر في إثرها بصدمة قبل أن يتحرك خلفها يجذبها من ثيابها مجبرًا إياها على النظر لأعلى حتى تصل لعينه تسمعه يقول :

" تؤتؤ عيبٌ عليكِ يا صغيرة، ما لكِ تحدثين العم ماركوس هكذا ؟!"

" أي عم هذا، من تحسب نفسك يا هذا ؟!" 

" العم ماركوس "

أبعدت الفتاة يده عنها وهي تلوي شفتيها بضيق قبل أن تسمع صوته يردد مرة أخرى بجدية :

" ما اسمك ؟!"

نظرت له قليلًا قبل أن تقول كلمة واحدة وتركض بعيدًا عنه بسرعة كبيرة :

" فيور " 

راقب ماركوس رحيلها وهو ينظر لهاتفه يقول بفم مذموم :

" فيور اللصة "

فتح هاتفه والذي اعتاد تركه دون كلمة سر تحسبًا لأي ظرف اثناء أي مهمة حتى لا تعوقه كلمة السر إن احتاج للمساعدة أو ما شابه، وبمجرد فتحه للهاتف حتى وجد صورتها تقفز أمام وجهه وهي تبتسم بانطلاق وقد قامت بحذف صورته التي كان يضعها في واجهة هاتفه ووضعت خاصتها بدلًا منها :

" تلك الـ ......فيور "

_________________________

ذلك الشعور الخبيث الذي بدأ يتسلل ببطء شديد لها، ذلك الشعور المقيت الذي بدأ يملء قلبها، شعور المهانة والذل وهي ترى تلك الحقيرة قد تغلبت عليها للمرة التي لا تعلم عددها، واستطاعت إجبارها على ارتداء ثياب عارية بمساعدة الغبي الآخر، بعدما قاومت وحصلت على ضربة عنيفة اسقطتها ارضًا ولم تعي سوى وهي تجلس مقيدة على فراشها ترتدي بعض الثياب التي لا تليق سوى بفتيات الليل .

بكت جولي بعنف شديد تلعن اللحظة التي خرجت بها من القصر، ليتها لم تخرج، ليتها لم تترك مارتن، أغمضت عينها برعب شديد تستمع لصوت طرف على الباب، تدرك قرب النهاية التي أعدتها لها نورسين بكل خبث، تستمع لصوت فتح الباب الذي اشعرها بالاختناق .

في الخارج كانت نورسين تفتح الباب وهي تبتسم بمكر شديد وقد استطاعت فعل ما تريده واقنعت ذلك الغبي أن تضع جولي أمام المدفع وليس هي، وقفت بشكل معوج وهي تفتح الباب ترسم بسمة على وجهها، قبل أن تتحول تلك البسمة لتعجب كبير وهي ترى رجل لا يشبه أبدًا هؤلاء الحثالة الذين يحضرهم ذلك الغبي المعتوه، بل هو أشبه بهؤلاء الممثلين في التلفاز، بثيابه المنمقة وجاذبيته و...سلاحه ؟! 

ولم تستطع نورسين فتح فمها بكلمة بسبب الدفعة التي حازت عليها من مارتن الذي كان يبدو كثور لوح أحدهم أمامه بالراية الحمراء، دخل المنزل يغلقه خلفه وهو ينظر بعيون مخيفة لنورسين في نفس الوقت الذي خرج به الآخر من الغرفة وهو يرتب ثيابه البالية قائلًا ببسمة مقيتة :

" أتيتم باكرًا يا رجــ "

توقف عن إكمال كلمته وهو يرى ذلك الرجل يقف بهذا الشكل في المنزل و نورسين ساقطة ارضًا وعينها فقط مثبته على المسدس وكل ما في رأسها أنه أحد أفراد العصابة التي كانت بها هي وذلك الاحمق .

" من أنت وماذا تفعل في منزلي ؟!" 

لم يجب مارتن وهو يتقدم منه، و عينه مثبته عليه بشكل اثار الفزع في نفس الرجل يعود للخلف مرتعبًا من وجود مارتن الغريب وذلك السلاح بيده الذي كان مارتن يشدد الضغط عليه، ثم بكل بساطة رفعه في وجه الشاب الذي أطلق صرخة مرتعبة يعود للخلف، لكن يبدو أن رصاصة مارتن التي استقرت في كتفه كانت اسرع منه، انزل مارتن مسدسه وهو يندفع بعنف وبشكل مخيف صوبه ينقض عليه بشكل جعل نورسين ترتعب وهي تزحف بسرعة صوب الباب وقد ايقنت أنها النهاية، لكن لم تكد تصل للباب إلا وشعرت برصاصة تستقر في قدمها لتنطلق صرختها العالية بشكل جعل جولي ترتعش في الداخل .

بكت جولي أكثر وهي تراقب الباب برعب تشعر أن خلفه وحش سينقض عليها ويقطعها اربًا، بدأ جسدها يرتعش بقوة، وقلبها تزداد ضرباته رعبًا وقد أضحت على شفا حفرة من الانهيار، وتزامنًا مع فتح الباب أطلقت جولي صرخة عالية مرتعبة، لكن تلك الصرخة خفتت ببطء وهي ترى مارتن الذي كان مبعثر الهئية وكأنه خرج من حربٍ ضاربة للتو، يتقدم منها ببطء، وقف مارتن في منتصف الغرفة ينظر لها نظرات غامضة قبل أن يتحرك للخزانة المجاورة يبحث لها على شيء تخفي به جسدها، ثم ذهب إليها ووضعه على جسدها وبعدها حملها وخرج بها من الغرفة .

وبمجرد خروجه من الغرفة حتى جذب رأسها بعنف يضعها على رقبته حتى لا تبصر ما حدث، ويده التي تضم رأسها لرقبته تربت عليها ببطء شديد، بعدها خرج من المنزل بكل بساطة متجاهلًا الأشخاص الذي كانوا يقفون أمام المنزل بسبب الصراخ الذي خرج منه منذ ثواني .

_____________________________

واخيرًا أتت فرصته ليكون جوارها وحده، ابتسم جاكيري وهو يتحرك صوب المطبخ بسرعة حيث تقف رفقة وهي تجهز الفطور للجميع، فهو كان يتريض في الخارج وبمجرد دخوله للمنزل وجد ذلك المشهد الذي جعله يتأوه بحنين، يتخيلها في منزلهم الخاص تعد لهم فطور ثم تتطعمه بنفسها .

دخل جاكيري المطبخ يقترب من رفقة التي كانت تدندن بصوت خافت كلمات لم تصل له، لكن مجرد صوتها الخافت كان يحرك مشاعره بشكل كبير، وقف خلفها مباشرة يحاول تنظيم أنفاسه التي كانت متسارعة بسبب الركض ومشاعره، لكن صوت رفقة الذي خرج جعله يتوقف عن التنفس لثواني وهي تقول ببسمة دون أن تنظر له :

" جيد أنك استيقظت مبكرًا فأنا لا احب تناول الطعام وحدي، واسكندر اعتاد الاستيقاظ متأخرًا "

ابتسم جاكيري بسمة واسعة وهو يتقدم منها أكثر لولا ذلك الصوت الذي اخترق الأجواء ينتزع جاكيري بعنف من حالته الصافية تلك وهو يردد :

" طب كويس إني صحيت بدري عشان اسليكِ يابنتي، الاه جاكيري يابني ايه اللي صحاك بدري كده ؟؟" 

لم يكن جاكيري يستمع لحديث توفيق الذي اقتحم لحظاته المسروقة مع رفقة، بل كان يشيع جنازة توفيق داخل رأسه بعدما فصل رأسه عن جسده، لترتسم بسمة مختلة على فمه، لكنه أفاق فجأة على صوت توفيق الذي كان يتناول بعض الزيتون المخلل أمامه وهو يقول بالعربية وكأن جاكيري يفهمه :

" مالك يابني بقالي ساعة بكلمك ومش بترد "

لكن جاكيري لم يجيبه وهو يسحبه من يده بسرعة كبيرة أثارت فزع توفيق وكذا رفقة التي تركت كل شيء تراقب ما يفعله جاكيري الذي تحرك صوب الباب الخلفي للمطبخ، ثم فتحه ودفع توفيق للخارج واغلق الباب بعنف شديد، وبعدها ركض مسرعًا صوب الباب الرئيسي يتأكد من إغلاقه جيدًا، ثم عاد لرفقة وهو يحرك جسده بسعادة يدندن اغنية ايطالية يرقص عليها بسعادة وكأنه للتو انتصر في معركة .

بينما توفيق من الخارج كان ينظر للباب بصدمة وهو يقول متعجبًا :

" هو ايه اللي حصل ؟! الواد ده عبيط ولا ايه ؟!" 

ضحكت رفقة من الداخل تراقب جاكيري الذي اقترب منها وهو يمد يده لها يدعوها لرقصة سريعة، يختطف لحظات قصيرة من الزمن ليأخذ استراحة جنون تعيد طاقته لليوم.

وضعت رفقة يدها في يد جاكيري الذي أخذ يتحرك معها في حركات هادئة على صوت غنائه لا يهتم بالزمان ولا المكان طالما هي جواره، يحتفل بانفراده بها أخيرًا، بينما هي شردت في ملامحه تبتسم مرددة بخفوت :

" مر وقت طويل منذ آخر مرة رأيتك ترقص بها جاكيري "

ضحك جاكيري بصخب ثم تركها يركض للخارج ليغيب ثواني تحت نظرات تعجبها، فجنون جاكيري يزداد يومًا عن الآخر، عاد جاكيري بسرعة لها يمسك في يده هاتفه ثم وضعه على الطاولة وهو يقول بغمزة :

" حسنًا ما رأيك أن نعيد الماضي لكن بنكهة الحاضر ؟!"

__________________________________

ها هي للمرة الألف توجه نقد لاذع لنفسها، تؤنبها وتوبخها على انهيارها بذلك الشكل المذري أمام شخص لا تعرفه، شخص أثارت شفقته بهذا الشكل الذي جعله ينحني وهو يحاول أن يخرجها من فقاعتها السوداء .

مسحت لورا دموعها تخرج من مرحاض مكان عملها، تعدل من هيئتها، لكن أثناء ذلك سمعت صوت الباب يفتح ويتبعه صوت ماليكا التي تحركت صوب المرآة تخرج احمر شفاه تضعه بكل اغراء تتجاهل لورا التي نظرت لها، ثم نظرت لنفسها في المرآة وهي تهمس بسخرية ( لا مقارنة لورا ولا تحاولي حتى ) .

" إن اردتِ يمكنني ترشيح ماركة كحل جيدة لا تفسد بالبكاء "

هكذا اخرجتها ماليكا من حالتها البائسة وهي تلقي بجملتها الساخرة على مسامعها، لكن لورا لم تهتم وهي تخرج محرمة صغيرة من حقيبتها وتمسح وجهها بكل برود، متجاهلة ماليكا التي ابتسمت بسخرية وهي تتحرك للخارج :

" سوف ارسل لكِ اسم الكحل على الهاتف فيبدو أنكِ ستحتاجينه كثيرًا في الفترة المقبلة "

تلك الغبية تظن أنني ابكي لأجل أفعالها الحمقاء، أو لأجل العمل؟! تبًا لها وللعمل، هكذا همست لورا لنفسها وهي تخرج من المرحاض صوب مكتبها تحاول نسيان ما حدث في الصباح، ترسم بسمتها المعتادة وهي تقتحم المكتب :

" مرحبًا بكم احبائي، اشتقتم للورا ؟!"

رفع موسى وجهه لها وهو يقول ببسمة وقد بدى أنه استرخى في جلسته :

" جيد أنكِ بخير، ظننت أن شيئًا سيئًا حدث لكِ "

رمته لورا بنظرة متسائلة، تسمع صوت زميلتها الأخرى وهي تقول بغيظ وغضب :

" هذا لأن السيدة لورا تغلق هاتفها ولا تجيب على اتصالاتنا "

هاتفها ؟! أين هاتفها بالمناسبة ؟! هي لم تره منذ الأمس، أيعقل أنها نسيته في المنزل ولم تقم بشحنه ؟! حسنًا فقط تنتهي من العمل وبعدها تعود لتبحث عنه .

_____________________

على الجانب الآخر كان مايك يجلس في مكتبه وهو يحمل هاتفًا في يده يقلب يمينًا ويسارًا يحاول معرفة من صاحبه، رغم ذلك الصوت الذي يهتف داخله بأنه ملك تلك الفتاة الغريبة إلا أنه لا يود أن يتأمل كثيرًا في وسيلة للتواصل معها وبعدها يخيب أمله .

زفر وهو يدسه في جيبه ثم نهض ليعود إلى منزله بعدما مر على مكتب مولي يقول لها بجدية :

" مولي حولي باقي التصاميم لبريدي الالكتروني، وايضًا ارسلي لي تقارير الخامات الجديدة عندما يعود زوك "

هزت مولي رأسها بعملية وهي تنهض له احترامًا تراقب رحيله خارج المكتب، لكن فجأة عاد مايك وهو يقول لها بتردد قليلًا :

" صحيح إن عادت تلك الفتاة التي أتت اليوم أخبريني، حسنًا ؟!" 

هزت مولي رأسها ببطء وهي تراقب رحيله بكل بساطة بعد القاء تلك الأوامر الغريبة، ما شأنه وتلك الفتاة؟! هل له معرفة سابقة معها ام ماذا ؟! الأمر محير، لكنها الآن ليست متفرغة في الحقيقة للتفكير في كل ذلك، مازال أمامها عمل كثير اليوم، خاصة أن زوك غادر للمخزن، هذا يعني جميع عمل المكتب يقع على عاتقها .

_______________________________

توقفت سيارة فبريانو أمام المنزل الذي أخبره جاكيري بعنوانه، فهو لا يقيم معه، بل يقيم في شقة صغيرة قريبة من منزل الجدة حتى يكون جوار روبين، هبط فبريانو من السيارة وهو يستدير للجانب الآخر تحت نظرات روبين العاشقة المترقبة لتلك الحركة التي لطالما تمنت أن تحظى بها، عندما يقوم الرجل بفتح الباب للفتاة بكل رقي .

وقف فبريانو أمام باب روبين ثم فتحه وهو يمد جسده ليأخذ معطفه الذي كان يستقر على مقعد روبين، وبعدها اغلق الباب بقوة مجددًا في وجه روبين التي كانت على وشك الهبوط من السيارة ظنًا أنه فتح الباب لها.

تحرك فبريانو صوب المنزل وهو يظن أن روبين خلفه، بينما روبين مازالت تبتسم بعدم تصديق ترمق الباب، لتسمع صوته يناديها بتعجب :

" ماذا ؟! هيا تعالي "

فتحت روبين الباب بعنف شديد وقد تحكم بها غيظها منه ومن تدميره لاحلامها الوردية، تتحرك بغضبه صوبه تحرقه بعينها من بعيد، بينما هو لا يفهم سر خطواتها الغاضبة أو نظراتها الحارقة تلك، توقفت روبين جواره ثم أشارت بيدها له وهي تقول :

" هيا تفضل سيد فبريانو، نأسف لتأخير سيادتك ؟!"

" ما بكِ يا امرأة لِمَ تبدين غاضبة بهذا الشكل ؟!" 

رمته روبين بنظرة مشتعلة ثم تركته وهي تتحرك صوب المنزل دون رد مما جعله يرمقها بتعجب كبير لا يفهم سر غضبها، هي منذ ثواني كانت تضحك بانطلاق في السيارة عليه، والآن غاضبة بهذا الشكل، والمحير أكثر أن غضبها موجه نحوه هو، هز فبريانو كتفه بعدم اهتمام وهو يتبعها، ليقف أمام الباب جوارها ويطرق الباب .

في الداخل كان جاكيري مندمج مع رفقة في الحفلة الصغيرة التي اقامها على شرفها خصيصًا وهو يضاحكها ويراقصها، متجاهلًا تمامًا الطرق على الباب مرددًا في رأسه أنه لا بده أن يكون توفيق؛ لذلك تجاهل الأمر وهو ينضم لرفقة التي أخبرته بصنعها كيك مخصوص له، وهو للحق كان أكثر من سعيدة بتلك المبادرة اللطيفة، لا يتذكر أن أحدهم يومًا فعل ذلك لأجله، غير والدته .

زفر فبريانو وهو يضرب الباب بغضب يسب جاكيري، يخرج هاتفه حتى يتصل به في نفس وقت سماعه لصوت خلفه يقول بلهفة وسعادة غير مبررة :

" الاه بت يا روبين رجعتي امتى يابت مش كانوا خطفوكِ ؟! ده أنا قولت زمانك اتحللتي، اصل غريبة يعني واحدة بدماغك دي تفلت من عصابة خطيرة " 

استدارت روبين بسرعة للعم توفيق الذي اقترب منها بحماس شديد وهو يحدثها غير مهتمًا لفبريانو الذي توقفت أصابعه عن التحرك على الهاتف يراقب ذلك العجوز يقترب منهما يرحب بروبين :

" والله أنتِ بنت حلال ده أنا جايب معايا شوية مخلل يستاهلوا بقك، وكمان البيت ده فيه ترعة صغيرة وراه وشكلنا هنقضي الصيف هنا " 

توقف عن الحديث وهو ينتبه لنظرات فبريانو له :

" ماله الجدع ده بيبصلي كده ليه ؟!"

زمجر فبريانو بغضب وهو يمسك ثياب توفيق من الامام بحدة يردد بشر كبير :

" اشعر بنبرة استصغار لها في حديثك يا هذا "

نظر توفيق له بعدم فهم ثم تحرك بعينه صوب روبين يردد : 

" نبرة استصغار ايه هو أنا جبت سيرة السن ؟! بعدين أنت مفكرني كام سنة عشان استصغار ؟! أنا على فكرة لسه ماشي في الاربعين "

رمقت روبين فبريانو بسخرية ثم قالت للعم توفيق الذي نزع نفسه بصعوبة من قبضة فبريانو ثم تحرك بعيدًا عنه وهو يرميه بنظرات مغتاظة :

" سيبك منه، متعرفش ليه محدش بيرد ؟! "

رفع فبريانو حاجبه وكأنه يخبرها ( حقًا ؟!)، لكن صوت توفيق جعله يبعد نظرته عن روبين وهو يرمقه بتعجب يستمع لحديثه :

" اصل الجدع اللي اسمه جاكيري خرجني برة المطبخ بالعافية وقفل الباب ومش عارف عمل كده ليه والله انا قولت قبل كده العيلة دي هبلة"

نظرت روبين لفبريانو الذي رماها بنظرة غامضة وبعدها نظر لتوفيق نظرة مخيفة متوعدة، ثم ضغط على هاتفه ورفعه على أذنه ينتظر الإجابة، ثواني قليلة مرت قبل أن يتحدث ببرود :

" أنا في الخارج " 

___________________

لا تتحدث وهو كذلك لا يفعل، فقط يقود السيارة بكل هدوء لا شيء يظهر دواخله سوى انقباضة يده على المقود، وضغطه على فكه، لم تجد شيئًا لتقوله تعلم أنها مخطئة وكثيرًا، هي مخطأة كثيرًا، لكن ......صمت عقلها ولم تجد مبررًا لنفسها تعلق عليه خطأها .

شعرت بتوقف السيارة لتدرك أنهما وصلا للقصر، كانت ما تزال تستند برأسها على مقعد السيارة، تبكي دون صوت، وبمجرد وصولهما أغلقت عينها بوجع، هو لم يحدثها، لم يسألها كيف هي على الأقل .
في نفس الوقت توقفت سيارة اخرى أمام المنزل ليهبط منها مايك الذي رمق ما يحدث بتعجب، يراقب مارتن يهبط من مقعده في السيارة، ثم يتحرك للمقعد الآخر يحمل جولي بكل حنان وبطء وجولي تبدو كمن هُزمت لتوها في حرب، فقط تستند برأسها على كتف مارتن بشكل مخيف، اسرع مايك خطواته نحو الاثنين وهو يقول بتعجب :

" مارتن مابها جولي ؟! جولي يا فتاة ماذا حدث لكِ هل اذاكِ أحد ؟!"

دفنت جولي رأسها في كتف مارتن أكثر وهي تكتم بكائها امام مايك الذي فتح فمه بصدمة يراقب دخوله للقصر دون أن يوجه له كلمة واحدة، كاد يتبعهما لولا رنين الهاتف الذي صدر من سيارته ليتذكر أمر الهاتف الذي وجده في المكتب وقام بشحنه أثناء الطريق من سيارته، عاد سريعًا للسيارة يحمل الهاتف يراقب الاسم الذي ظهر عليه، لكن لم يستطع قراءته فهو كان مكتوبًا بلغة غرببة .

_____________________

ترك مارتن جولي على الفراش الخاص بها بلطف شديد، ثم ابتعد عنها بهدوء وكاد يتحرك مبتعدًا لولا يدها التي تمسكت به بقوة تقول من بين دموعها وشهقاتها :

" مارتن تحدث ارجوك، أنا آسفة، اقسم أنني لم اقصد حدوث كل ذلك "

لم يبدو على مارتن الاهتمام، لكنها أصرت أن تبوح بكل ما بجوفها وهي تندفع في الحديث ببكاء عنيف :

" تلك الرسالة التي ارسلتها لك، لم تكن أنا اقسم لقد أجبرني على فتح الهاتف عندما ازدادت مكالماتك، كنت على وشك الرد والصراخ، لكنه .....لكنه ضربني "

انقبضت يد مارتن أكثر وهو يستمع لحديثها :

" لقد أجبرني على فتح الهاتف لاراه يكتب شيئًا لم أعلمه إلا عندما انتهي وأخبرني ما كتب، اقسم أنني وقتها شعرت بقلبي يتهاوي مارتن خفت أن تصدق كل ذلك وأنني قد اندفع لتلك الدرجة "

بكت وهي تقص له ما حدث :

" أنا لم ارحل لأنني لا اريد رؤيتك كما قلت بكل غباء، بل فقط رحلت حتى احضر بعض الاشياء الخاصة بي والتي كنت سأخبرك عنها لنذهب سويًا ولكن عند احتدام الشجار بيننا، فكرت ...فكرت أن اذهب أنا وادعي فقط الغضب وبعدها اتصل بك لتأتي وتأخذني ونعود سويًا "

نهضت وهي تمسك يده تقربها منها وقد بدأت ترتجف مشيرة لنفسها تحاول نفض كل تلك الاتهامات التي قد يفكر بها :

" اقسم لك أنني للحظة واحدة لم افكر في تركك، كيف افعلها مارتن بحق الله اخبرني، أنا لم اعد اجيد الحياة بعيدًا عنك، أنا فقط أردت ...أردت ....أردت أن أراك تأتي لتجبرني على العودة وتخبرني كم تحبني ليطمئن قلبي، ووقتها سأخبرك بكل بلاهة ما بك مارتن هل تظن أنني قد اتركك ؟! لكن ...لكن بمجرد وصولي لمنزلي وجدت هذين الاثنين و...و...لم اعلم كيف اتصرف، لم أستطع حتى الاتصال بك مارتن، لقد باغتوني بشكل اثار فزعي "

توقفت عن الكلام تحاول معرفة ردة فعله على حديثها، لكن لا شيء مجرد وجه جامد مخيف :

" مارتن أنا مندفعة بكل شيء اعلم، لكن أنت هو الشيء الوحيد الذي لا يندفع فيه عقلي، لأنك وببساطة الشيء الوحيد الذي لا أوكل أمره لعقلي، لا تصدق أنني يومًا قد اندفع لدرجة التخلي عن حياتي، مارتن أنا لا أستطيع بـ..."

توقفت عن الحديث وهي تراه يجذب يده منها ببطء ثم تحرك للخارج يشعر بالغضب يسيطر عليه، يشعر بأنه قد يقتل أحدهم الآن، هي لم تكن ستتركه بإرادتها لكنها كادت تُجبر على ذلك .

_________________________

" من تظنيني هايز؟!" 

" آدم "

" آدم صحيح؟! وليس احمق يصدق حديثك، أي حديقة تلك التي تريدين مني الذهاب لها لأجل علاج ايان؟! هل هواء الحديقة يحتوي مركبات علاجية ؟! أو أن عشبها سحري ؟!"

لوت هايز شفتيها بضيق وهي تنظر للشاشة أمامها التي تعرض صورة أدم بعدما اتصل به ايان دون أخذ رأيها، ثم ألقى الحاسوب أمامها وهو يركض بعيدًا مخبرًا إياها أن تقول له عن الحديقة وهو سيستعد :

" آدم هل تظن أنني ادعي أمور لأكون جوارك ؟!" 

تفاجئ ادم من سؤالها الصريح الذي خرج بشكل باغته؛ لذا تردد كثيرًا في الإجابة لا يود قول شيء يخجلها أو يـ 

" نعم أنا كذلك بالفعل، لكن اقسم أن تلك المرة ايان هو من قرر "

وبهذه الجملة اخرجت هايز ادم من تفكيره وهو ينظر لها بصدمة لا يصدق تلك الفتاة حقًا، ألا تخجل ولو قليلًا ؟! والإجابة لا، لا تخجل بل تتعمد اخجاله هو، لكنه لن يسمح لها بذلك .

" حسنًا سأرى إن كنت متفرغًا ام لا "

" جيد، أمر آخر ادم، بعد يومين ستكون هناك عملية جراحية لأيان و...ربما تود المجئ و...."

" سأكون هناك هايز "

نظرت له هايز بامتنان شديد، وعينها تلتمع بشكل اثار مشاعر أدم الراكدة والتي نسي حتى أنها موجودة، تلك الفتاة تقوده للجنون، تجبره على فعل ما لا يحب دون حتى أن يشعر، تلك الفتاة تشعره أنها سحرته، ألقت عليه تعويذة خبيثة مثلها .

" آدم أين ذهبت ؟! "

" هل أنتِ ساحرة ؟!"

وكان مظهر هايز الذي تبع كلماته هي الصفعة التي افاقته من شروده الغبي، لينتبه على كلمته التي نطقها للتو، أي ساحرة تلك أيها الغبي ؟؟ 

لكن هايز كانت تنظر له بصمت مخيف وعيونها تحكي قصصًا طويلة، لا تود هي الإفصاح عنها، تحكي ليالي طويلة قضتها تبكي فيها بعيدة عنه ظنًا أنه يحب غيرها، فالفتيات في الجامعة لم يكن هناك ما هو أسهل عندهن من ادعاء القصص، ومن افضل من آدم الشاب الوسيم الثري ليكون بيئة خصبة لتلك القصص، كانت كل يوم تستمع لقصة مختلفة له مع فتاة مختلفة، كل يوم تقضيه باكية في فراشها وهي تشعر أنها خسرته للمرة التي لا تعلم عددها، هي ليست بمتربصة له، لم تقترب منه يومًا إلا مرة واحدة وعندها لاقت منه صدًا واحراجًا أمام الجميع؛ لذا وقتها نأت بنفسها بعيدًا عنه تلعق جراحها، ترثي قلبها، ولم تشعر هايز أن دموعها قد سقطت على خدها .

" هايز يا ويلي، هل ابكيتك ؟؟ أنا لم اقصد اقسم، فقط هي خرجت مني دون شعور و..."

توقف ادم عن الحديث وهو يراها تنهض من أمام شاشة الحاسوب الخاصة بها تقول بصوت خافت وهي تمسح دموعها :

" حسنًا ادم علىّ الرحيل الآن فأنا لدىً عمل بعـ ..."

توقفت عن الحديث وهي ترى نظرة ادم التي كانت تشبه نظرة ذلك الذي أبصر للتو شبحًا، فقد شحب وجهه فجأة وكادت عينه تخرج من وجهه وهو يوجه بصره لمكان معين، تحركت عين هايز ببطء لذلك المكان، لتجد أنها بوقوفها أظهرت له في الكاميرا ثيابها القصيرة .

فتحت هي الأخرى عينها بصدمة تراقب صدمة ادم والذي يبدو كطفل رأى للتو اول امرأة جميلة في حياته، ابتلع ادم ريقه وهو يشير لقدمها العارية من أسفل الشورت الجينز الخاص بها :

" هايز قدمك أنها..."

قاطعته صرخة هايز وهي تخفي قدمها :

" اغلق عينك ادم، تبًا لك ابعد عينك من على قدمي"

رفع آدم عينه لها بتعجب يحاول إدراك حديثها، ليجدها تتحرك امام الحاسوب بشكل جنوني وهي تتراجع للخلف، وكأنه يقبع أمامها وليس خلف شاشة حاسوب يمكنها أن تغلقها بكل سهولة .

" هايز انتبهـــ "

ولم يكمل ادم كلمته إلا ورآها تصطدم بالاريكة، ثم تسقط للخلف في شكل اثار ضحكاته، لينطلق في الضحك بعنف شديد وهو يشير لها، لا يستطع السيطرة على ضحكاته مرددًا :

" كان يمكنك اغلاق الحاسوب بكل بساطة أيتها الغبية "

غبية هي نعم، لكن جواره، حمقاء هي نعم، لكن رفقته .

اعتدلت هايز وهي تضع يدها على رأسها تتأوه بعنف، تسب ادم وتلعنه تشعر بأن رأسها اهتزت من مكانها، الوجع يقتلها يا الله .

" تبًا لك ادم "

" تؤ تؤ تؤ يا فتاة من أين تعلمتِ تلك الكلمة ها ؟! هذه الكلمة لا تليق بفتاة "

رفعت هايز عينها لادم وهي تتشنج وكأنها توصل له بالاشارات كلمة ( حقًا ؟!) 

انتفض ادم قبل أن يجيبها على كلمتها على صوت مارتن الذي هز غرفته وهو ينقض عليه يمسكه من ثيابه يقول بجدية متجاهلًا جولي التي فزعت من ذلك الهجوم :

" تعال بسرعة لتفحص جولي "

تحدث ادم وهو ينظر حوله بعدم إدراك :

" جولي؟! ما بها جولي؟! "

" من تلك جولي ادم؟! "

وكانت الجملة الأخيرة صادرة من الحاسوب لتجذب انتباه مارتن الذي نظر به بسرعة وهو يرى فتاة تقف أمامه تنظر بشر للحاسوب وكأنه ألد أعدائها ابتسم مارتن بسخرية وهو يقول بغمزة خبيثة :

" أيها اللئيم تحدث سيدات عبر الحاسوب؟! كنت أظن أن مايك من يفعل هذا فقط، ثم أليست هذه هي نفسها الطبيبة هايز؟! هل تتواعدان، ايها الشقي تستغل غياب الجميع لـ "

ابعد آدم يد أخيه عنه وهو يصرخ بغضب :

" توقف مارتن ما بك؟! أنا كنت أحدث هايز لأجل أيان فقط، ثم ماذا تريد أنت؟! وكيف تقتحم غرفتي بهذا الشكل ؟!"

فرك مارتن رأسه بحرج شديد وهو يردد بأسف :

" اسف انا فقط اردتك أن تفحص جولي فهي ليست بخير "

" ما بها جولي مارتن ؟! "

" بل من هي جولي مارتن ؟!" 

نظر مارتن وادم لبعضهما البعض بتعجب بسبب سؤال هايز المتحفزة والتي بالغت في إظهار اهتمامها بهذا الأمر، غمز مارتن لادم وهو يمازحه بخبث :

" تغار ها ؟! وتخبرني أنك تحدثها لأجل الصغير؟! أيها الخبيث "

فتح ادم عينه بصدمة وهو يستمع لحديث أخيه، ثم استدار بسرعة للحاسوب يقول بتعجل :

" حسنًا هايز نتحدث لاحقًا "

اغلق الحاسوب دون انتظار كلمة منها يدفع اخيه للخارج وهو خلفه يقول بحنق شديد :

" أنت حقير مارتن "

نفخ مارتن بسخرية وهو ينقاد لدفع أخيه الأصغر يقترب من غرفة جولي لتزداد ضربات قلبه اكثر، فبعد الخروج من غرفتها وتدمير المطبخ بالكامل مستغلًا غياب سيلين ليفرغ عن غضبه، قرر العودة إليها بادم حتى يطمأن أنها بخير وبعدها يضمها لاحضانه ويخبرها أنه يحبها وبشدة.

كاد ادم يفتح الباب ليدخل لولا يد مارتن التي امسكته من ثيابه بعنف وهو يهزه :

" ماذا تظن نفسك فاعلًا يا هذا ؟!"

نظر آدم ليد مارتن بتعجب وهو يردد :

" سأفحص جولي "

" حقًا ؟! تفحص جولي ؟! وتدخل عليها غرفتها دون طرق الباب ؟!"

احمر وجه ادم بخجل وهو يردد :

" أنا لم اقصد اقسم، لكن فقط ظننتك أخبرتها و.."

صمت وهو يستمع لفحيح يخرج من فم أخيه :

" سوف تفحصها بكل هدوء وبعملية شديدة يا آدم وبعدها تخرج، فهمت ؟!"

" هل تشك أنني قد لا اعاملها بعملية ؟! مارتن هي في الداخل بالنسبة لي مجرد مريضة فقط "

أنهى حديثه وهو يشير بيده للباب في دعوة منه لأن يتقدم مارتن بنفسه ويفتحه، وكذا فعل مارتن وهو يطرق الباب بلطف ينادي جولي :

" جولي حبيبتي هل أنتِ بخير ؟!"

ولم يجد مارتن ردًا لسؤاله إلا بعد مرور ثواني قليلة، حيث تفاجئ بالباب يُفتح بقوة وجولي ترتمي في أحضانه بعنف تضم نفسها له وهي تبكي تردد من بين شهقاتها أنها اسفة وأنها تحبه.

ابتسم ادم وهو يرى أنها جيدة لا تحتاج لفحص، بل تحتاج فقط لوجود مارتن، ولم يكد يخطو بعيدًا عنهما إلا وسمع كلمات أخيه وهو يهمس بعشق استطاع الشعور به بين حروفه :

" تزوجيني جولي، كوني زوجتي وحبيبتي وحياتي بأكملها، أنا أحبك بنية العينين، بل أنا اعشقك "

___________________________

وها هي آخر قطعة ديكور كانت توجد على مكتبه تُحطم بواسطة تلك الفتاة المشتعلة أمامه، ابعد مارسيلو عينه من على القطعة الخزفية التي حطمتها راسيل يردد وهو يشير لتمثال صغير خلفه :

" يمكنك كسر ذلك التمثال إن لم تفرغي غضبك بعد "

لوت السيدة مانتيو شفتيها بحنق وهي تجلس على المقعد أمام مكتب مارسيلو تراقب صراخ راسيل الغاضب والذي يشعله مارسيلو أكثر ببروده ولا مبالاته .

" أنت أيها المجنون، تكاد تشق رأسي نصفين بكرتك الغبية وبعدها تتعامل معي بهذا البرود ؟! "

ضم مارسيلو شفتيه يكتم ضحكة عالية تندفع داخله باحثة عن مخرج لها، يتذكر عندما كان يلعب بالكرة الخاصة به حيث يضربها في الجدار وينتظر عودتها له بقوة كبيرة بسبب بعد المسافة بينه وبين الجدار الذي يتوسطه باب المكتب، قبل أن يتفاجئ بانحراف كرته العزيزة واصطدامها برأس تلك الفتاة :

" أنا سمحت لكِ بتفريغ غضبك في مكتبي، أليس هذا كافيًا ؟! "

نظرت راسيل للسيدة مانتيو تسألها بعينها عن هوية ذلك الرجل الذي يجلس أمامها بكل هذا البرود و كأن شيئًا لم يحدث


شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
تعليقات



×